وقفات مع الصوفية : 16
الفقر مرض؛ فمن ابتُلي به فصبر أُثيب على صبره، و لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الترمذي و هو صحيح : " يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام" لمكان صبرهم على البلاء، و لكن!!
لكن المال نعمة و النعمة تحتاج إلى شكر، و الغني و إن تعب و خاطر كالمفتي و المجاهد؛ و الفقير كالمُعتزل في زاوية.
ذكر شيخ مشايخ الصوفية : أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب [ سُنن الصوفية ] بابا سمّاه ( باب كراهية أن يُخلف الفقير شيئا ) ، فذكر حديث الذي مات من أهل الصفة و خلف دينارين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيّتان". و طبعا الحديث حسن لشواهده ، و لكن هذا احتجاج من لا يفهم الحال!!
فإن ذلك الفقير كان يزاحم الفقراء في أخذ الصدقة و حبس ما معه؛ فلذلك قال عليه السلام : " كيّتان" ، و لو كان المكروه نفس ترك المال لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعدٍ : " إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون الناس ". [ متفق عليه ]. و لما كان أحد من الصحابة رضي الله عنهم يخلف شيئا، و قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة؛ فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" و ما أبقيتَ لأهلك؟ فقلتُ : مثله، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " [ رواه الترمذي ].
قال ابن جرير الطبري : " و في هذا الحديث دليل على بطلان ما يقوله جهلة المتصوفة أن ليس للإنسان ادّخار شيء في يومه لغده، و أن فاعل ذلك قد أساء الظن بربه و لم يتوكل عليه حق توكله ".
و كذلك قوله عليه الصلاة والسلام : " اتخذوا الغنم فإنها بركة" [ السلسلة الصحيحة للألباني ].
فيه دلالة على فساد قول من زعم من المتصوفة أنه لا يصح لعبد التوكل على ربه إلا بأن يصبح و لا شيء عنده من عين و لا عرض و يمسي كذلك، ألا ترى كيف ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه قوت سنة؟! . [ متفق عليه ].
و قد خرج أقوام من الصوفية من أموالهم الطيبة ثم عادوا يتعرضون للأوساخ و يطلبون؛ و هذا لأن حاجة الإنسان لا تنقطع، و العاقل يعد للمستقبل، و هؤلاء مثلهم في إخراج المال عند بداية تزهُّدهم، مثل من روى في طريق مكة فبدّد الماء الذي معه.
ذكر ابن أبي سعد في [ الطبقات : 4 / 235 ] بإسناد عن جابر بن عبد الله أنه قال : قدم أبو حصين السلمي بذهب من معدنهم فقضى دينا كان عليه و فضُل معه مثل بيضة الحمامة، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ضع هذه حيث أراك الله أو حيث رأيت، قال : فجاءه عن يمينه فأعرض عنه، ثم جاءه عن يساره فأعرض عنه، ثم جاءه من بين يديه فنكس رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما أكثر عليه أخذها من يديه فحذفه بها لو أصابته لعقرته، ثم أقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يعمد أحدكم إلى ماله فيتصدق به ثم يقعد فيتكفف الناس، و إنما الصدقة عن ظهر غنى و ابدأ بمن تعول ".
و عندي في هذا الحديث نظر؛ بسبب تواجُد الواقدي الكذاب في إسناده؛ فأقل ما يُقال عنه أنه حديث موضوع.
و قد رواه أبو داود في [ سننه ] من حديث محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب فقال : يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخُذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قِبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها فلو أصابته لأقصعته أو لعقرته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يتكفف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى".
و قد ضعّف الشيخ الألباني هذه الرواية.
و في رواية أخرى و هي صحيحة رواها أبو داود في [ سننه ] : " خذ عنا مالك لا حاجة لنا به ".
و روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : دخل رجل المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ثيابا فطرحوه ، فأمر له منها بثوبين ثم حث على الصدقة، فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح به : " خذ ثوبك ".
قال ابن شاذان : دخل جماعة من الصوفية على الشبلي؛ فأنفذ إلى بعض المياسير يسأله مالا يُنفقه عليهم، فردّ الرسول و قال : يا أبا بكر ! أنت تعرف الحق فهلّا طلبتَ منه ، فقال الرسول : ارجع إليه و قل له الدنيا سفلة أطلبها من سفلة مثلك و أطلب الحق من الحق ، فبعث إليه بمائة دينار.
قال ابن عقيل معلقا على هذه الحكاية : إن كان أنفذ إليه المائة دينار للإفتداء من هذا الكلام القبيح و أمثاله؛ فقد أكل الشبلي الخبيث من الرزق و أطعم أضيافه منه.
الفقر مرض؛ فمن ابتُلي به فصبر أُثيب على صبره، و لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الترمذي و هو صحيح : " يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام" لمكان صبرهم على البلاء، و لكن!!
لكن المال نعمة و النعمة تحتاج إلى شكر، و الغني و إن تعب و خاطر كالمفتي و المجاهد؛ و الفقير كالمُعتزل في زاوية.
ذكر شيخ مشايخ الصوفية : أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب [ سُنن الصوفية ] بابا سمّاه ( باب كراهية أن يُخلف الفقير شيئا ) ، فذكر حديث الذي مات من أهل الصفة و خلف دينارين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيّتان". و طبعا الحديث حسن لشواهده ، و لكن هذا احتجاج من لا يفهم الحال!!
فإن ذلك الفقير كان يزاحم الفقراء في أخذ الصدقة و حبس ما معه؛ فلذلك قال عليه السلام : " كيّتان" ، و لو كان المكروه نفس ترك المال لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعدٍ : " إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون الناس ". [ متفق عليه ]. و لما كان أحد من الصحابة رضي الله عنهم يخلف شيئا، و قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة؛ فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" و ما أبقيتَ لأهلك؟ فقلتُ : مثله، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " [ رواه الترمذي ].
قال ابن جرير الطبري : " و في هذا الحديث دليل على بطلان ما يقوله جهلة المتصوفة أن ليس للإنسان ادّخار شيء في يومه لغده، و أن فاعل ذلك قد أساء الظن بربه و لم يتوكل عليه حق توكله ".
و كذلك قوله عليه الصلاة والسلام : " اتخذوا الغنم فإنها بركة" [ السلسلة الصحيحة للألباني ].
فيه دلالة على فساد قول من زعم من المتصوفة أنه لا يصح لعبد التوكل على ربه إلا بأن يصبح و لا شيء عنده من عين و لا عرض و يمسي كذلك، ألا ترى كيف ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه قوت سنة؟! . [ متفق عليه ].
و قد خرج أقوام من الصوفية من أموالهم الطيبة ثم عادوا يتعرضون للأوساخ و يطلبون؛ و هذا لأن حاجة الإنسان لا تنقطع، و العاقل يعد للمستقبل، و هؤلاء مثلهم في إخراج المال عند بداية تزهُّدهم، مثل من روى في طريق مكة فبدّد الماء الذي معه.
ذكر ابن أبي سعد في [ الطبقات : 4 / 235 ] بإسناد عن جابر بن عبد الله أنه قال : قدم أبو حصين السلمي بذهب من معدنهم فقضى دينا كان عليه و فضُل معه مثل بيضة الحمامة، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ضع هذه حيث أراك الله أو حيث رأيت، قال : فجاءه عن يمينه فأعرض عنه، ثم جاءه عن يساره فأعرض عنه، ثم جاءه من بين يديه فنكس رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما أكثر عليه أخذها من يديه فحذفه بها لو أصابته لعقرته، ثم أقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يعمد أحدكم إلى ماله فيتصدق به ثم يقعد فيتكفف الناس، و إنما الصدقة عن ظهر غنى و ابدأ بمن تعول ".
و عندي في هذا الحديث نظر؛ بسبب تواجُد الواقدي الكذاب في إسناده؛ فأقل ما يُقال عنه أنه حديث موضوع.
و قد رواه أبو داود في [ سننه ] من حديث محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب فقال : يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخُذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قِبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها فلو أصابته لأقصعته أو لعقرته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يتكفف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى".
و قد ضعّف الشيخ الألباني هذه الرواية.
و في رواية أخرى و هي صحيحة رواها أبو داود في [ سننه ] : " خذ عنا مالك لا حاجة لنا به ".
و روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : دخل رجل المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ثيابا فطرحوه ، فأمر له منها بثوبين ثم حث على الصدقة، فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح به : " خذ ثوبك ".
قال ابن شاذان : دخل جماعة من الصوفية على الشبلي؛ فأنفذ إلى بعض المياسير يسأله مالا يُنفقه عليهم، فردّ الرسول و قال : يا أبا بكر ! أنت تعرف الحق فهلّا طلبتَ منه ، فقال الرسول : ارجع إليه و قل له الدنيا سفلة أطلبها من سفلة مثلك و أطلب الحق من الحق ، فبعث إليه بمائة دينار.
قال ابن عقيل معلقا على هذه الحكاية : إن كان أنفذ إليه المائة دينار للإفتداء من هذا الكلام القبيح و أمثاله؛ فقد أكل الشبلي الخبيث من الرزق و أطعم أضيافه منه.
تعليق