فوائد في العقيدة : 30

[ أول ظهور للطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب ]

أول ما انتشر الطعن في الصحابة رضي الله عنهم في المغرب كان ذلك في زمن بني عُبيد، خاصة القيروان، و امتُحن الناس في ذلك؛ حتى أُكرهوا على سبّ الصحابة على المنابر ، و قُتل جماعة من العلماء لأجل ذلك ، و قد قام جماعة من أهل العلم في وجه تلك الفتنة، و على رأسهم ابن الحداد.

و قد شبه بعضهم مقامه في فتنة الروافض في المغرب بمقام أحمد بن حنبل في المشرق في فتنة خلق القرآن.

اُنظر : [ معالم الإيمان، الجزء الثاني، ص : 298 ].

و قد كان لابن الحداد حجة و بيان و قوة في الحق، و قد سأله أبو عبد الله الرافضي : أنتم تفضلون على الخمسة أصحاب الكساء غيرهم؟
يعني بأصحاب الكساء : محمدا صلى الله عليه وسلم و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين رضي الله عنهم .
و يعني بغيرهم : أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
فقال ابن الحداد : أيهما أفضل؟ خمسة سادسهم جبريل عليه السلام ، أو اثنان الله ثالثهما؟!
فبُهت الرافضي.

راجع : نفس المصدر و الجزء، ص : 298 - 299 .​

فوائد في العقيدة : 31

[ الحرف و الصوت ]

من عقائد أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بحرف و صوت؛ لأن الكلام في اللغة في الأصل لا يُطلق إلا على ما كان بحرف و صوت، و أما غيره فيحتاج إلى تقييد؛ كأن يقال : كلام مكتوب، و كلام في النفس.

و الله عز و جل أثبت الصوت لنفسه بقوله : { هل أتاك حديث موسى }، و النداء لا يكون إلا بصوت. و يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرُف"، متفق عليه ، و قال صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا من كتاب الله" رواه الترمذي، و يقول عليه السلام : " يُنادى بصوتٍ : إن الله يأمرك أن تُخرج من ذريتك بعثا إلى النار"، رواه البخاري ، و في سنن الترمذي و هو صحيح أن المنادي هو الله.

و قد سمى الله المسموع كلامه و وحيه : { و أنا اخترتُك فاستمع لما يوحى }، و قال :" حتى يسمع كلام الله"، و لا يكون السمع في لغة العرب إلا بصوت.

و هذا ما يقرره السلف صحابة و تابعين، و أتباعهم و أتباعهم ، قال ابن مسعود رضي الله عنه :" إذا تكلم الله بالوحي سمع صوتَه أهل السماء" رواه عبد الله في السنة ، و علقه البخاري بنحوه.

و هذا ما يثبته الأئمة كأحمد و البخاري ،و صنف فيه أئمة مصنفات كابن منده و أبي نصر السجزي و النووي، و كان الأئمة يشددون على المخالف في ذلك، و حُكي إجماع الخلق و العقلاء على إثبات الصوت و الحرف، و أن القول بنفيه لا يُعرف قبل ابن كُلاب و القلانسي و الصالحي و أبي الحسن الأشعري ؛ إلا ما كان من الجهمية و المعتزلة من نفيهم لكلام الله كله.

قال الإمام أحمد : " إن الله تكلم بالصوت و الحرف"، فكان يبطل الحكاية و يُضل القائل بذلك ؛ كما نقله عنه عبد الواحد بن الحارث التميمي في [ اعتقاد أحمد ] ، و قد نص على ذلك البخاري في كتابه [ خلق أفعال العباد ] ؛ فقال : " صوت الله لا يشبه صوت الخلق؛ لأن صوت الله يُسمع من بعد كما يُسمع من قرب ".
و لا يمنع صوت الله حواجز، و لا يحتاج في إبلاغه إلى هواء، و إنما يُسمعه الله من يشاء و يحجز عنه من يشاء.

و كان الإمام أحمد يجعل نفي الصوت و الحرف هو قول الجهمية؛ لأنه يؤدي إلى أصل واحد، و هو التعطيل ،كما في كتاب ابنه [ السنة ].
و قد نقل عبد الله عن أبيه أنه سُئل عن قوم يقولون : لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت؛ فقال الإمام أحمد : بل تكلم بصوت؛ هذه الأحاديث تُروى كما جاءت. [ السنة لعبد الله ].
و نقل عنه ابنه عبد الله و المروزي وصفه من ينفي الصوت بالجهمي كما في كتاب [ السنة لعبد الله ].​

فوائد في العقيدة : 32

[ حُجج المخالفين في نفي الصوت و الحرف ]

أعظم ما جعل طوائف المتكلمين يقولون بنفي الصوت و الحرف : أنهم أصّلوا قواعد كلامية تجري على المخلوقات؛ فأرادوا إجراءها على الخالق و صفاته فعطّلوا صفات الخالق ، و أظهر حججهم في هذا الباب هي :

🔘 الأولى : أن الحروف و الأصوات متعاقبة، و أن الكلمة لا تكون كلمة إلا و حروفها متوالية، و هذا التعاقب يعني حدوثها، و الله منزه عن الحوادث.
و هذا يطّردون فيه، فيتصورون التعاقُب في صفة الإستواء و النزول و القبض و البسط؛ فينفون تلك لأنها حوادث؛ و الله منزه عنها، و لو اطّردوا لنفوا تعاقب السمع و البصر لأنه على أصلهم فالنظر يقتضي سماع الله لكلام خلقه متواليا؛ فقول العبد : يا رب ، يلزم منه أن السمع يسمع الياء قبل الألف و الراء و الباء؛ و هذا حدوث في السمع، كما هو حدوث في المسموع؛ و سمع الله منزه عن الحوادث، و مثله البصر؛ فصلاة العبد ركعتين؛ يُبصر الله ببصره تكبيرة الإحرام قبل التسليمتين؛ و هذا حدوث في البصر كما هو حدوث في المبصَر، و الله منزه عن الحوادث.

و يلزم من هذا التأصيل نفي السمع و البصر، و جعل السمع و البصر هو العلم فقط؛ و لكن الله يعلم بالفعل قبل حدوثه، و يراه عند حدوثه، و يعلم بدعاء العبد قبل حدوثه و يسمعه عند حدوثه.

و ذلك التأصيل الفاسد يرجع إلى أنهم اتخذوا قواعد تجري على حوادث المخلوقين فجعلوها تجري على الله و صفاته، و الله يفعل ما يشاء كيفما شاء متى شاء، و من ذلك كلامه ؛ كما قال تعالى : { إنما أمره إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون }، فعلّق الله الكلام بالمشيئة، و قال : { إذا } الدالة على المستقبل.

🔘 الثانية : أن إثبات الحرف و الصوت يلزم منه إثبات الحلق و اللسان، و الحاجة للهواء؛ و هذا عين التشبيه الذي يستقر في نفوسهم، و الحق أنه لا يلزم من إثبات الصوت و الحرف حتمية إثبات تلك اللوازم ، فالله أثبت للمخلوقات الكلام و النطق و الإسماع بلا حاجة لذلك، و هي جمادات ؛كما قال تعالى عن السماوات والأرض : { قالتا أتينا طائعين }، و قال عن الجبال : { و سخرنا مع داود الجبال يسبحن و الطير }، و قال عن الجوارح أنها تقول : { أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } و هذا في مخلوق ،فكيف بخالق ليس كمثله شيء؟!

ثم إن هذا التأصيل ينسحب على جميع الصفات؛ كالبصر ،فهل يصح أن يقال : إن البصر يحتاج إلى حدقة و نور؛ كما يحتاج الكلام لحلق و هواء؟!

و هؤلاء يتوهمون أنهم إن نفوا الصوت و الحرف و أثبتوا الكلام النفسي أنهم يثبتون صفة الكلام لله، و كما قال الإمام أحمد عن الجهمية : " قالوا : إن الله لم يتكلم و لا يتكلم، إنما كوّن شيئا فعبّر عن الله ،و خلق صوتا فأسمع".

اُنظر : [ الرد على الجهمية ، ص : 135 - 136 ].

و كلام متقدمي المالكية يجري مجرى السلف؛ فكلامهم جار في إثبات أن كلام الله كله غير مخلوق، و قد سأل محمد بن سحنون من قال بخلق القرآن :" أرأيت كل مخلوق : هل يذل لخالقه؟ فسكت الرجل! ثم قال ابن سحنون : إن قال : كل مخلوق يذل لخالقه فقد كفر؛ لأنه جعل القرآن ذليلا على مذهبه الذي يرى القرآن مخلوقا ،و الله يقول : { و إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد }، و إن قال : إنه لا يذل، فقد رجع إلى مذهب أهل الحق ".

اُنظر : [ رياض النفوس، الجزء الأول، ص : 448 - 449 ].

و كلامه هذا كله لا يجري على الكلام النفسي فحسب؛ لأنه استدل بالكلام المكتوب المنزل؛ كما في الآية : { و إنه لكتاب }، { تنزيل }، و المكتوب و المنزل على قولهم ليس هو الكلام المعني القائم بالنفس.

و هكذا في كلام أبي عمرو الداني في [ منظومته ] :

و القول في كتابه المُفصّل ،،، بأنه كلامه المُنزّل
على رسوله النبي الصادق ،،، ليس بمخلوق و لا بخالق
من قال فيه إنه مخلوق ،،، أو مُحدَث فقوله مُروق
و الوقف فيه بدعة مضلة ،،، و مثل ذاك اللفظ عند الجِلّة

اُنظر : [ الأرجوزة المنبهة ، ص : 180 - 181 ].

و كلامه في الكلام المنزل أنه غير مخلوق، بل بدّع القائل بالوقف فيه.

و كلام الله الذي كلّمه لجبريل و لنبينا صلى الله عليه وسلم، هو ما نسمعه و نقرؤه، و هو غير مخلوق ، و لو كانت أصوات المخلوقين و أفواههم و ألسنتهم مخلوقة كما هم مخلوقون.

و قد كان الأئمة ينكرون القول بخلق القرآن لعلة كونه مسموعا في الأرض و مُنزلا إليها ؛كما قال أسد بن الفرات؛ و هو من تلاميذ الإمام مالك : " ويح أهل البدع، هلكت هوالكهم ،يزعمون أن الله خلق كلاما ،يقول الكلام المخلوق : { أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني }".

اُنظر : [ طبقات علماء إفريقية ، ص : 82 ].

و أهل اللسان العربي يعلمون أن المقصود بكلام الله غير المخلوق هو المُنزّل و المقروء و المسموع ؛و لهذا ذكر غير واحد منهم؛ كأبي عُبيد القاسم بن سلام :" أن الرجل لو حلف ألّا يتكلم بشيء، فقرأ القرآن لم يحنث ؛لأن القرآن كلام الله".

اُنظر : [ السنة ، للخلال ، ص : 1851 - 1852 ].

و من الجهل بالعربية التفريق بين كلام الله لفظه و معناه ،و زعم أن هذا مخلوق ،و هذا غير مخلوق؛ كما قال ابن الأعرابي اللغوي : " ما رأيت قوما أَكذَبَ على اللغة من قوم يزعمون أن القرآن مخلوق ".

اُنظر : [ معجم الأدباء، الجزء السادس، ص : 2533 ].​

فوائد في العقيدة : 33 ( الفائدة الأخيرة )

[ مصير من دخل النار من عُصاة المسلمين ]

من شاء الله عقابه من عصاة المسلمين؛ فلا خلاف في أنه لا يُخلد فيها كالكافرين، فقد قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله : " و من عاقبه الله بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته"، و استشهد بقول الله تعالى في سورة الزلزلة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره }.

و الله عز و جل وعد بالإثابة على ذرة الإيمان بالجنة، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أَخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان "، و فيهما قال :" حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار، أمر الله الملائكة أن يُخرجوا من كان يعبد الله، فيُخرجونهم و يعرفونهم بآثار السجود، و حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ،فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود ؛ فيخرجون من النار قد امتُحِشوا ".

و في الصحيحين كذلك قوله عليه الصلاة والسلام :" يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ".

و في الصحيحين أو أحدهما من هذا المعنى أحاديث كثيرة، من حديث أبي هريرة و أنس بن مالك و أبي سعيد الخدري و جابر بن عبد الله و عبد الله.

اللهم اغفر لنا و ارحمنا، و ارحم والدِي و جميع آباء المسلمين، و أسألك اللهم أن تغفر لخالتي [ ميمونت ] و ترحمها، و تجعل قبرها روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار، كما أسألك سبحانك بأسمائك العُلى أن ترحم جميع المسلمين والمسلمات، و المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات.

رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ علي، و أن أعمل صالحا ترضاه، و أصلح لي في ذريتي، إني تبتُ إليك و إني من المسلمين.

و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله و سلم.

و الحمد لله رب العالمين.​