الأكنان والأكنة
الكن جمعها أكنان وأكنة والأكنان للجمادات ولغير العاقل كالجبال والبيوت و الأصداف والجنة ، الأكنة لعضو في الإنسان كالقلوب والصدور والأنفس
الأكنان والأكنة : تقوم (بعزل ومنع وستر وحظر) شيء معين ( من الوصول والاتصال ) من شيء مكنون و(تأذن وتسمح وترخص) لما سواه من جنسه ونوعه وطبقته ([1]) ، فالأكنان والأكنة (تعزل وتمنع وتستر وتحظر جزئيا) أو (تأذن وتسمح وترخص جزئيا) ، فهي ( لا تعزل وتمنع وتستر وتحظر) الكل وهي بنفس الوقت( لا تأذن أو تسمح أو ترخص) للكل وإنما هناك تخصصية وظيفية في عملية الوصول والاتصال مع المكنون مثل عملية الفلترة الوظيفية التخصصية ([2]))
وكمثال على ذلك
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴿النحل: ٨١﴾
فلو تأملنا في سياق ما قبلها من آيات سنجد أنها تتحدث عن الأماكن التي يأوي لها الإنسان من بيوت الحجر والوبر والصوف والجلود وفي هذه الآية في جزء منها تتحدث عن بيوت الجبال كالكهوف والمغر([3]) وكذلك السرابيل التي تستخدم أيضا لمنع الحر خاصة([4]) وتقي بأس الأعداء
فحراريا الكهوف والمُغُر هي عازل حراري جيد([5]) فهي تحافظ في داخلها على معدل ثابت لدرجة الحرارة المقبولة للإنسان ، فالكن هو الجبل والمكنون هم الأناس في الجبل والمنع والستر والحظر يكون إما من الحر أو من الأعداء ولكن ما يميز هذا الكن أن له منافذ ومداخل أخرى وليست مكتومة تماما([6]).
وللإلمام بالآيات ذات الصلة نوضح التالي
المجموعة الأولى :
1- فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ﴿الواقعة: ٧٨﴾
الكن : الكتاب المكنون
المكنون : القرآن الكريم
(الإذن والسماح و الرخصة ) للمطهرون من الملائكة و( العزل والمنع والستر والحظر) : لباقي الملائكة من نفس جنسهم([7]) .
2- كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴿الواقعة: ٢٣﴾
الكن : الجنة
المكنون : الحور العين في الجنة تشبيها ب اللؤلؤ المكنون([8])
(الإذن والسماح و الرخصة ) لفئة معينة ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿١٠﴾الواقعة و( العزل والمنع والستر والحظر ) للباقي من أهل الجنة .
3- كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ﴿الصافات: ٤٩﴾
الكن : الجنة
المكنون : قاصرات الطرف عين في الجنة تشبيها ب البيض المكنون
(الإذن والسماح و الرخصة ) لفئة معينة ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿٤٠﴾الصافات و( والعزل والمنع والستر والحظر ) للباقي من أهل الجنة .
4- وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ﴿الطور: ٢٤﴾
الكن : الجنة
المكنون : غلمان الجنة تشبيها ب اللؤلؤ المكنون
(الإذن والسماح و الرخصة ) لفئة معينة ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ ...﴿٢١﴾الطور و( العزل والمنع والستر والحظر ) للباقي من أهل الجنة .
المجموعة الثانية :
5- وَقَالُوا قُلُوبُنَا([9]) فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴿فصلت: ٥﴾
6- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴿الكهف: ٥٧﴾
7- وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ﴿الإسراء: ٤٦﴾
8- وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿الأنعام: ٢٥﴾
الكن : مثل الغشاء و الستار حول القلب ( وليس القلب ) ... ([10])
المكنون : القلب : إذا العلة عدم وصول الآيات للقلب فإن وصلت الآيات للقلب لأي كان فإن صاحبها سوف يفقه آيات الله
(الإذن والسماح و الرخصة ) لفقه كل ما يستمع له من كلام (ما عدا آيات القرآن الكريم )و( العزل والمنع والستر والحظر ) لفقه آيات القرآن الكريم
المجموعة الثالثة :
9- وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴿القصص: ٦٩﴾
10- وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴿النمل: ٧٤﴾
الكن : صدور الكافرين
المكنون : الشرك و الكفر و النفاق والمكر
(الإذن والسماح و الرخصة ) بالإطلاع على أسرارهم من أمثالهم من المشركين والمنافقين و( العزل والمنع والستر والحظر ) عن طائفة المسلمين فقط([11])
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿البقرة: ١٤﴾
المجموعة الرابعة :
11- وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿البقرة: ٢٣٥﴾
توطئة
عرَّضتم([12]) ( قولا ): تلميح باللسان وليس بالتصريح بأقل الممكن فيما يشير للخطبة... بالقول وهو الشيء المسموح من الإكنان ([13]) ، وذلك لتقوى لله عز وجل وحده ومخافة منه .
الكن : النفس
المكنون : هو خطبة النساء
(الإذن والسماح و الرخصة ) بالتعريض والتلميح والتورية من أجل الخطبة ( فقط ) لمن يريد أن يتقدم لخطبة إمرأة ( أرملة أو بائن بينونة كبرى في فترة عدتها) وبعام الكلام في غير موضوع الخطبة فيما أحل الله عز وجل ضمن الضوابط الشرعية ([14]) و( العزل والمنع والستر والحظر ) بالتصريح والإفصاح والإبانة بشكل جلي واضح بالخطبة .
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) فما الكنية إلا إخفاء الاسم الحقيقي والسماح بالتورية والتعريف والدلالة على شخصك مبدوءا بأب أو أم أو ابن ، نحو أبو عمرو ، وأم عمار ، وابن الخطاب
([2]) الفلتر له وظيفة محددة مخصصة لتمرير أنواع محددة ومنع أنواع أخرى .
([3])
- وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿الأعراف: ٧٤﴾
- وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ ﴿الحجر: ٨٢﴾
- وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴿الشعراء: ١٤٩﴾
([4]) تكلمت عن آلية إنتقال الحرارة في بحث السرابيل
([5]) وليس عازلا تاما كاملا وهي من صفات الأكنان والأكنة
([6]) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (7/ 795) " "ثم يرسل الله عليهم مطراً، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض، حتى يتركها كالزلقة ". رواه مسلم وغيره ... تصبح بلا جدوى
([7]) فإذا كان هذا المنع للملائكة فلمن سواهم أشد
([8]) الجامع الصغير وزيادته (ص: 518)"بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا أنا بامرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب فذكرت غيرتك فوليت مدبرا " ( صحيح )
([9]) وما القلب إلا من التقلب
- فعملية القلب : تكون بجعل أعلا الشيء أسفله أو جعل يمينه شماله أو جعل باطنه ظاهره أو إرجاع الشيء على ما كان عليه بعد حدوث تغيير عليه ، والتحول من حال إلى حال ضده أو من حال إلى حال أفضل أو الحصول على نتيجة عكس المتوقع والمؤمل أو الانتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة وهناك انقلاب إيماني وهو الارتداد عن الهدى إلى الباطل والرجوع إلى الباطل والكفر
- التقلب ( شيء على شيء آخر ) : أشبه ما تكون بالحركة البندولية ( الإهتزازية , التأرجحية ) لجسمين متضادين ، أو الحركة الدائرية لشيئين متتابعين يقعان على نفس المحيط ( بداية الأول متصلة بمؤخرة الثاني وبداية الثاني متصلة بمؤخرة الأول )
- أما الانقلاب الفسيولوجي في الأفئدة فيكون بسبب الحركة الدائمة الناتجة عن الإنقباض والانبساط في عضلة القلب , وهناك إشارة إلى أن الفؤاد ينقبض ضاخا الدم لخارج القلب وينبسط مستقبلا الدم من الأذينين ( وقد فصلت ووضحت ذلك في بحث القلب والفؤاد )
([10]) فهل الأكنة معنى معنوي أم هو حقيقي حسي وهل كن القلب هو غشاء القلب وإذا كان غشاء القلب فهل يعمل هذا الغشاء كقسطرة وصل وفلتر بين القلب والكلام القادم من السمع فإن أذن له بالمرور للقلب يفقه ويدرك معناه وإن لم يؤذن أبهم وأغلق معناه .
([11]) ( الله يعلم ما تكن صدورهم ) فالحل سهل يسير لمواجهة مكرهم و" استراتيجياتهم " وهو أن نواجههم باستراتيجيات "إلهية" محفوظة في القرآن و السنة فما علينا إلا أن نتبع ولا نبتدع ونقول سمعنا وأطعنا لما سنه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم.
{وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }المائدة7
فالله أعلم بما في صدورهم وهو يعلم كيف يمكر بهم
فإعمال العقول فيما هو منصوص صريح بالقرآن و السنة يفرق الجمع ويضعف العزيمة ولا يوصل للغاية
{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46 ... مقتطع من بحث (الطوقفان قادم لهلاك مصر)
([12]) ذلك عندما يتوفى عنها زوجها أو تكن بائن بينونة كبرى
([13]) مثلا إذا ذكر في مجلس أن المرأة المقصودة والمراد خطبتها ( المتوفى عنها زوجا أو البائن ببينونة كبرى ) أنها نعم الزوجة ... فيبتسم ويشهد على ذلك
([14]) أرى والله أعلم أن هذه الآية كذلك تبيح للمرأة المعتدة ( البائن بينونة كبرى والمتوفى عنها زوحها ) الخروج من بيتها ضمن أضيق المسموح. وإلا كيف سيتعرض لها من يخطبها ، فهل يمكن ذلك وهي حِلْسُ بيتها ففي التعريض مخالطة للناس ومحادثة لهم – والعلة من العدة لضمان نظافة رحمها وخوفا من الزواج واختلاط النسل ، وتزداد هذه الإباحة لمن كانت عقيما أو من القواعد من النساء واللاتي انقطع طمثهن مع شرط قضاء فترة انتظار العدة كاملة المحددة من الشرع لكل واحدة منهن .
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿البقرة: ٢٣٤﴾
التربص : انتظار وترقب ووقف إجراء فعل شيء محدد حتى انقضاء فترة زمنية محددة ( حرام ) ، والإباحة لفعل ذاك الشيء المحدد بعد انقضاء هذه الفترة .
وفي الآية التربص كان لمنع وتحريم الزواج أو ما يوحي له خلال فترة زمنية ، والإباحة بعد انقضاء هذه الفترة .