آراء حول
بعير أبناء يعقوب
قرأت بحثا لأحد الأفاضل[1] يبني بحثه على رأي علماء آثار من اليهود (إيريز بن يوسف وليدار سابير هين) ينقضان فيه التوراة وملخصها أن الجمل لم يكن مستأنسا وقت نبيا الله يعقوب ويوسف عليهما السلام وأن الحمار هو المستخدم آنذاك ومما
جذبني للكتابة في هذا الموضوع والمضي بحثا مروري على صورة استوقفتني في ويكبيديا موسومة بالعنوان
(من مقبرة مسؤول الأسرة الثانية عشرة منتوحتب الثاني تحت حكم الفراعنة أمنمحات الثاني و سنوسرت الثاني في بني حسن ، حيث تصور مجموعة من شعوب غرب آسيا تدخل مصر حوالي عام 1900 قبل الميلاد)
ومما لا شك فيه أن هذا الزمن هو الزمن التقديري لفترة نبيا الله يعقوب ويوسف عليه السلام ، ومما يلفت النظر ويزيد الشخص حيرة وتؤكد على الفرضية السابقة
1- في الصورة السابقة لا يوجد أي بعير فيها بل حمير وغزلان .
2- ندرة إلى حد عدم وجود آثار لحيوان الجمل في الآثار المجسدة والأثار الجدارية والبرديات المصرية القديمة فهل كانت من الحيوانات النجسة أو الدنيئة أو الغير معروفة أو مستخدمة عندهم ؟!
3- وعند البحث في تفسير مجاهد ولسان العرب – تأكيدا على ما ذهب به الباحث - تجد
· تفسير مجاهد (ص: 399) : {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] قَالَ: «يَعْنِي حِمْلَ حِمَارٍ طَعَامًا، وَهِيَ لُغَةٌ»
· تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (13/ 248) " ... عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ} [يوسف: 70] قَالَ: كَانَتْ حَمِيرًا "
· لسان العرب (4/ 71)"قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي الْبَعِيرِ سُؤَالٌ جَرَى فِي مَجْلِسِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، وَكَانَ السَّائِلُ ابْنُ خالويه والمسؤُول الْمُتَنَبِي، قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: وَالْبَعِيرُ أَيضاً الْحِمَارُ وَهُوَ حَرْفٌ نَادِرٌ أَلقيته عَلَى الْمُتَنَبِّي بَيْنَ يَدَيْ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَتْ فِيهِ خُنْزُوانَةٌ وعُنْجُهِيَّة، فَاضْطَرَبَ فَقُلْتُ: الْمُرَادُ بِالْبَعِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ، الحمارُ فَكَسَرَتْ مِنْ عِزَّتِهِ، وَهُوَ أَن الْبَعِيرَ فِي الْقُرْآنِ الْحِمَارُ، وَذَلِكَ أَن يَعْقُوبَ وَأُخْوَةَ يُوسُفَ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانُوا بِأَرْضِ كَنْعَانَ وَلَيْسَ هُنَاكَ إِبل وَإِنَّمَا كَانُوا يَمْتَارُونَ عَلَى الْحَمِيرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ" ، أَي حِمْلُ حِمَارٍ
وبعد البحث وجدت ما يناقض ذلك ويقف في الجهة المقابلة لهذه الفرضية
1- فالصورة السابقة[2] وحتى رأي العالمين اليهوديين لا يبنى عليها حكما ولا يستدل منها على أن وسيلة التنقل هي الحمير فقط فهذه قافلة من إحدى القوافل وقد يكون ما المحنا له سابقا أن الآثار المجسدة والأثار الجدارية والبرديات المصرية القديمة ما هي إلا صورة منعكسة عن الحضارة و الثقافة المصرية فقد يكون هذا الحيوان من الحيوانات النجسة أو الدنيئة أو الغير معروفة أو مستخدمة عندهم
2- فلا يمنع أن تكون هناك جمال زمن نبي الله يعقوب عليه السلام في بيئته وموطنه كانت تستخدم أيضا في الترحال فكل بيئة لها خصوصية بحيواناتها وحتى زروعها وبيئتها وظروفها.
3- جاء في قصة يعقوب عليه السلام وقصة أولاده أن وسيلة تنقلهم من فلسطين إلى مصر في القرآن الكريم كانت بواسطة البعير والعير في الترحال ولم يأت ذكر الحمير بلفظها مع أنه جاء ذكر الحمير في موضعين في القرآن الكريم [3]
4- ولا ننسى أن وقت تنقلهم وترحالهم كان وقت جدب وقحط وجفاف وهذه الظروف والبيئة لا تقوى عليها الحمير فالجمال أشد قوة وتحملا وهي الحيوان الملائم لتلك الظروف والبيئة .
5- الباحثان اليهوديان يفرضان أن الجمال لم تكن مستأنسة زمن نبيي الله يعقوب ويوسف عليهما السلام بل تم استئناسهما بعد حوالي ( 1000 سنة[4] تقريبا من زمن النبيين الكريمين )
كيف ونبي الله صالح عليه السلام وهو سابق ليعقوب ويوسف عليهما السلام بمدة ليست بالقصيرة ( فهو وقومه من القرون الأولى ) وكانت آيته ناقة مستأنسة
قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴿الشعراء: ١٥٥﴾
6- خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴿الزمر: ٦﴾
والأنعام هي الإبل و البقر و الضّأن و المعْز وهي قديمة بقدم خلق بني آدم وهي مستأنسة ومسخرة لبني آدم منذ وقت إنزالها[5]
7- ولو بحثت في كتب أهل الكتاب عن وسيلة ترحال نبي الله يعقوب عليه السلام وأبنائه في ترحاله لوجدت ذكر الجمل مع الحمار في أكثر من موضع بل ذكرت الجمال في كتبهم مع نبي الله إبراهيم لما دخل مصر وأهديت له من ملكهم وكذلك مع إسحق عليه السلام.
8- أكثر من منحوتة للجمل بحجمه الطبيعي في منطقة الجوف شمال الجزيرة العربية قبل أكثر من 1500 سنة من زمن يعقوب ويوسف عليهما السلام ، وهذه المنطقة متوسطة بين العراق وفلسطين مهد قيام الحضارة الإنسانية مما يؤكد على أهمية هذه الحيوانات عند سكان تلك المنطقة واستئناسها قديما .
9- رسومات الجمال الموجود ( آبار حمى في منطقة نجران في جنوب الجزيرة العربية) تعود لأكثر من 7000 سنة
10- رسم الجمل ذو السنامين قبل ( 16000 سنة )في كهف كابوفا في روسيا
11- والبعير نسبة إلى ما يخرجه الحيوان من البعر
والبعر بشكل عام : (رَجِيع) ما يُخرجه ( الغنم والَضأن و الجمل ) (ذوات الخُفّ وذوات الظِّلف إِلاَّ البقرَ الأهليّ) من الغائط[6]
بينما الرَّوْثُ : (رجيع) ما يُخرجه ( الحمار والحصان والبقر الأهلي ) ذو الحافر من الغائط فالحمار لا يخرج بعرا بل روثا والجمل وحده الذي يستخدم للحمل في القوافل من ذوات البعر ، والبعير ذكر الناقة[7] فهو أجلد وأقوى على السفر والحمل .
بعر جمل
روث حمار
12- العير في اللغة : خط مستقيم ناتئ يفصل بين شيئين بالتساوي إما يفصل بين العينين أو نصل ورق الشجر الذي يقسمها نصفين أو نصل السيف[8] ... وهو أدق وصف لقافلة الجمال في الصحراء فهي تسير في خطوط متتابعة مستقيمة[9] وكأنها تقسم الصحراء إلى قسمين بعكس الحمير التي تتصف بحركتها العشوائية ، فالعير وصف لقوافل الجمال التي تسير بخط مستقيم متتابع.
سير الجمال بخط مستقيم وراء بعضه
سير الحمير عشوائي
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) "عظام الإبل تشهد بصدق القرآن" للكحيل
([2]) الصورة غير موجودة في بحث الكحيل وإنما وجدتها خلال بحثي عند دليل يثبت أو ينقض فرضية أن بعير أبناء يعقوب ما هي إلا الحمير
([3]) وصف للحمار أنها وسيلة ركوب وزينة وأنه له محاسن كثيرة لولا صوته الذي يخفي كل محاسنه ( فالحمار يخفي محاسنه الكثيرة بصوته القبيح )
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿النحل: ٨﴾
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿لقمان: ١٩﴾ ... الصوت القبيح يخفي كل حسن وجمال لصاحبه
([4]) أي زمن داود وسليمان عليهما السلام
([5])( من بحث الدواب ) لا أدري هل لو قمنا بدراسة تحليلية لمكونات الأنعام من العناصر نجد فيها عناصر لا توجد إلا في الأنعام و تختلف عن مكونات الأرض لأنها منزلة من السماء هذا أولا أما ثانيا وهل عمر مستحاثات أقدم الأنعام على الأرض أقل من عمر الإنسان لأن إنزالها جاء بعد خلق آدم أو هي قريبة من عمر آدم .
([6]) ومن قصص العرب المشهورة قصة العبادلة الثلاث : عندما قال عبدالله الثاني : أن من عادة الجمل السليم أن يحرك ذيله يمينا وشمالا أثناء إخراجه لفضلاته وينتج من ذلك أن البعر يكون مفرقا موزعا على الأرض إلا أني لم أرى ذلك في المكان الذي ضاع فيه الجمل بل على العكس رأت البعر من غير أن ينثر فاستنتجت أن الجمل كان أقطب الذيل فينزل البعر كله فوق بعض
([7]) الناقة : أنثى الإبل الولود التي لها ولد ( ولها معقر - ألمحت لهذا المعنى في بحث العقر والعقم ) الخالية من الشحم ، ، المستأنسة ، المستذلة لصاحبها لون جلدها أبيض مع حمرة خفيفة
والإبل : اسم جامع لشكلها وكيفية خلقها ...أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴿١٧ الغاشية﴾
([8]) لو لا حظنا تقارب الأوصاف بين العير والمعيار والتي لهما نفس الجذر فالعير خط يفصل ويقسم الشيء إلى قسمين بالتساوي وما المعيار إلا أداة تقارن بين كميتين بالتساوي أو تقدير كمية بكمية أخرى مساوية لها وهذا معنى حمل بعير فالحِمْل : مكيال لكمية من مادة ما تساوي أكبر ما يمكن حمله على البعير
وكذلك من معاني عايره تفاخر عليه وتعالى عليه علوا ( ماديا ومعنويا )وما الإبل إلا من أعلى الحيوانات وأكثرها ارتفاع ، فالعير صفة علو وارتفاع للجمل.
([9]) خَيِطَت الإبلُ: تقاطرت وتتابعَت كالخَيْطِ الممدود