الجمل
مقدمة
تزيد فعالية أداء شيء إذا كان يتعامل مع شيء ضمن إمكانياته ومستواه وقدراته أو أقل ( كما ونوعا )
ويصيبه العجز ، وعدم القدرة على التعامل معه أو استيعابه إذا كان يتعامل مع شيء أعلى وأكبر وأكثر وأجل وأعظم ( كما ونوعا ) من مستواه وقدراته وإمكانياته
فالجمل : الكثير والكبير والأجل والأعظم من أي شيء ( مادي أو معنوي ) التي تأتي دفعة واحدة منه غير مجزأة ، أو تأتي كل متكامل والتي لا يمكن استيعابها والتعامل معها مرة واحدة من جهة مستقبلة لهذا الكم ( المادي أو المعنوي )([1]) .
أولا :
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ([2]) الْخِيَاطِ([3]) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴿الأعراف: ٤٠﴾([4])
فالمقصود هنا بالجمل : أي شيء أكبر وأعظم حجما وقطرا ( بكثير ) من حجم وقطر ثقب الإبرة
فيكون المعنى اللغوي : أنه من الإستحالة أن يلج أي شيء حجمه وقطره أكبر وأعظم ( بكثير ) من حجم وقطر ثقب الإبرة ، ثقب الإبرة([5]) ، والمقصود الشرعي : فتكذيب الكافرين لآيات الله عز وجل والإستكبار عنها أمر عظيم كبير جدا يحول بينهم وبين رحمة الله ودخولهم الجنة ([6])
ثانيا :
· وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴿يوسف: ١٨﴾ الصبر الجميل... لا يكون إلا لنبي ...ولا يقدر عليه غيره
· قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿يوسف: ٨٣﴾ الصبر الجميل... لا يكون إلا لنبي...ولا يقدر عليه غيره
· فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴿المعارج: ٥﴾ الصبر الجميل... لا يكون إلا لنبي...ولا يقدر عليه غيره
· وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴿الحجر: ٨٥﴾الصفح الجميل... لا يكون إلا لنبي...ولا يقدر عليه غيره
· وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴿المزمل: ١٠﴾الهجر الجميل... لا يكون إلا لنبي...ولا يقدر عليه غيره
· يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿الأحزاب: ٢٨﴾السراح الجميل... قد يكون لنبي أو مؤمن ...ولا يقدر عليه غيرهم من الكفار والمشركين
· يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿الأحزاب: ٤٩﴾ السراح الجميل... قد يكون لنبي أو مؤمن ...ولا يقدر عليه غيرهم من الكفار والمشركين
الجميل وصف لما قبله : من " الصبر والصفح والسراح والهجر " وأن يكون بدرجة من الحسن و القدر التي يصعب الوصول لها([7]) من غيرهم وخاصة لمن ( صبر وصفح وسرّح وهجر ) عنهم .
ثالثا :
· وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴿النحل: ٦﴾
ولكم فيها جمال : ( الجمال للأنعام وفوائدها الجليلة والمستقبل و المستفيد لهذه الفوائد هو الإنسان ) فالأنعام لها فوائد جليلة و عظيمة يصعب الوصول لها والحصول عليها من دونها وهي تقوم بالأعمال الصعبة والشاقة وشبه المستحيلة الكبيرة بدون أن تبذلوا جهدا وطاقة كبيرة جدا بأحسن مما لو قام بها الإنسان وحده .
الفوائد المجنية من كل الأنعام : أكل وسقيا ودفء وعلاج ومن جلودها وأوبارها وصوفها وشعرها بيوت وسماد للأرض ...وتستخدم عند الإستقرار والسكون ( تريحون )
الفوائد المجنية من بعض الأنعام : الركوب وتستخدم عند التنقل والترحال ( تسرحون )
ففوائد الأنعام عند الإستقرار والسكون ( تريحون ) أكثر من فوائد الأنعام عند التنقل والترحال ( تسرحون )
ولذلك قدمت تريحون على تسرحون في الآية الكريمة .
رابعا :
· وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴿الفرقان: ٣٢﴾
جملة :
بداية وكأن الكفار يسألون عن الغاية من إنزال القرآن مفرقا لغاية في أنفسهم كالتشكيك والإستهزاء ... وكأنهم يقولون أن نزوله مفرقا هو سبب كفرهم
فمعنى قولهم :
لولا نزل عليه القرآن : ( إدعاء الكافرين ) لماذا لم ينزل القرآن ، جملة واحدة ( كل متكامل )، هل هذا أمر صعب وشاق ومستحيل على إله محمد([8]) ولو أنه أنزل جملة واحدة لكان ذلك أفضل وأحسن ولآمنا به فإله محمد ينزل القرآن حسب الحال والحدث )([9]) .
فهم ينسبون عدم القدرة و الإستطاعة وعدم المقدرة لله عز وجل أن ينزل القرآن جملة واحدة ( كل متكامل )، والله عز وجل يرد عليهم ( بالمثل ) أن الغاية من تنزيله مفرقا لتثبيت فؤاد النبي ولقرآته على الناس على مكث ولو أنزل جملة واحدة لما قدر عليه أحد من العالمين ([10]).
· وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا([11]) ﴿الإسراء: ١٠٦﴾
خامسا :
· كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ﴿المرسلات: ٣٣﴾
جمالت صفر : شرر جهنم ضخم وكبير وعظيم جدا حتى أنه من ضخامتها لا يستطيع أحد إستيعاب ضخامتها وتصور كبرها وشدة حرها وبسبب ذلك كله فإنها تجفف المعذبين في جهنم وتيبسهم وتصيبهم بالهزال الشديد تطفي عليه هالة الموت وماهم بميتين بسبب حرها الشديد
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) وما سمي الجمل جملا إلا لأنه يأتي بالأعمال العظيمة و الكبيرة التي يعجز أو يقدر عليها غيره وله فوائد لا توجد إلا فيه .
([2]) السمُّ : كل ما ينفذ عبر المسام والثقوب ويسبب التسمم
وسَمّ : الثقب
والسموم : الهواء الجاف جدا والدخان الحارق الملامس لسطح النار مباشرة التي لها القدرة على اختراق المسام والثقوب ( وسموم الإنسان منخريه وفمه وأذنيه وقبله ودبره )
([3]) آلة الخيط ( الإبرة )
والخيط : شيء رقيق يصل شيئين بعضهما ببعض
([4]) هذا ما ورد عند أهل الكتاب ( بشأن معنى حتى يلج الجمل في سم الخياط )
· متى 19: 24"واقول لكم أيضا: إن مرور جمل من ثقب إبرة ايسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله"
· مرقس 10: 25 "مرور جمل من ثقب إبرة ايسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله"
· لوقا 18: 25" لأن دخول جمل من ثقب إبرة ايسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله".
([5]) من ضمنها حيوان الجمل وأنا وأنت أو حبل السفينة وغيرها كثير ...
([6]) وهذا المعنى الأجل والأعمق من معنى حيوان الجمل والتنازع حول معناه
([7])وهذه الجزئية التي يعرفها الناس في معنى الجميل ، فالجميل : هو ذلك الشخص المميز الذي يمتلك قدرا من الحسن لا يملكه غيره ويصعب ويشق على غيره مهما بذل أن يصل لحسنه .
([8]) فكأنما يقول الكافرون بزعمهم أنه "لن ينزل القرآن على محمد – رسول الله صلى الله عليه وسلم – جملة واحدة ( كل متكامل )إلا إذا كان إله - محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم - قادرا على ذلك ولأنه ليس قادرا على ذلك فلن ينزل القرآن جملة واحدة ( كل متكامل ) ولذلك فهم لا يؤمنون بإله مثل هذا والعياذ بالله من ذلك التفكير .
([9]) استمعت تسجيلا لأحد الملحدين الزنادقة "سيد القمني" بنفس المعنى مع آية ثانية وهي وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ... ﴿غافر: ٦٠﴾ويدعي هذا الكافر أنه يدعوا الله عز وجل بمنتهى الإخلاص وأكثر حتى من الصحابة أنفسهم ولا يستجاب له فلماذا لا يستجيب الله عز وجل له وينصر المظلومين الذين يدعونه فورا هل لأنه الآن ليس معه الأدوات وان حال امتلاكها ينصرهم ( فيدعي أن ذلك من النقص عند الله عز وجل – تعالى الله عز وجل عما يقول علوا كبيرا )
أولا : الله عز وجل يقول : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿البقرة: ١٨٦﴾ ، الإستجابة تكون لعباد الله عز وجل وليس لكافر أمثالك
ثانيا : صحيح وضعيف الجامع الصغير (10/ 457)" أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا و إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } و قال : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ! و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك "( حسن ) ، فهل تحقق ذلك فيك لاستجابة دعائك
ثالثا : وأختم لعدم الإطالة. .. وفي ذلك جواب وايجاز
شرح العقيدة الطحاوية (ص: 522"عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل له دعوته أو يدخر له من الخير مثلها أو يصرف عنه من الشر مثلها " قالوا : يا رسول الله إذا نكثر قال : " الله أكثر ") ( صحيح ) . وفي صحيح الترغيب والترهيب (2/ 278) "...وإمّا أن يدَّخرها له في الآخرةِ ... " (حسن صحيح) وفي صحيح الترمذي (3/ 188)" عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا يا رسول الله وكيف يستعجل قال يقول دعوت ربي فما استجاب لي( صحيح )
([10]) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴿الحجر: ٨٧﴾
([11]) نُزِّل : على فترات ( القرآن الكريم ) ، أُنْزِل : مرة واحدة ( باقي الكتب السماوية )