إعجاز في الطواف حول الكعبة دليل علي وجود الخالق

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Shebl Al Saqar مسلم اكتشف المزيد حول Shebl Al Saqar
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Shebl Al Saqar
    1- عضو جديد

    • 6 ديس, 2021
    • 73
    • مسلم

    إعجاز في الطواف حول الكعبة دليل علي وجود الخالق


    إعجاز في الطواف حول الكعبة

    الطواف ببيت الله مطلوب في غير الحج والعمرة ممن حضر البيت، فهو عبادة؛ أن يطوف الإنسان بالبيت في غير حج ولا عمرة؛ فهذه عبادة يتقرب بها إلى الله جل وعلا.

    الكعبة التي جعلها الله مطافًا للناس فِي الحج جعلها الله للناس قبلة فِي الصلاة، فالطواف جزءٌ من كُلٍّ يُمَثِّلُ الجاذبيةَ التي ينبغي أن تكون بين العبد وبين بيت الله، يستقبله الإنسان ويتجه إِلَيْهِ فِي صلاته مراتٍ كل يوم وهو بعيد عَنْها، فإذا ما استطاع الحج إِلَيْهِ مرة فِي العمر؛ استقبله فِي صلاته أَيْضًا كما كَانَ، وزاد على ذَلِكَ أن يطوف به.

    الناس لا يجدون صعوبة فِي التماس حكمةٍ لفرضِ قبلةٍ واحدةٍ عليهم فِي الصلاة، وأن تكون تلك القبلةُ بيتَ الله؛ لَكِنهم - فِيما يبدو - قد عجزوا عَنْ إدراك حكمة للطواف بالبيت.

    يعني أن الله جعل لنا البيت الحرام قبلة، فهذا تستطيع أن تجد له حكمة ظاهرة؛ ولكنْ الطوافُ بالبيت ما حكمته؟

    عجز الناس عن الوصول إلى حكمةٍ ظاهرة لهذا الطواف، فجعلوه أمرًا تعبديًا، وهو كذَلِكَ، يعني جعلوه عبادة لا يعرفون لها حكمة إلا النزول على حكم الله بالطاعة والتسليم؛ ولَكِن هل يستطيع الْعِلْم الْحَدِيث الَّذِي جعل كثيرًا من الناس يكفرون بالخَالِق الْعَظِيم؛ هل يستطيع هذا الْعِلْم الْحَدِيث نفسُه أن يظهر لنا حكمةً نُدْرِكُ بها ما فِي الطواف من معنى ومَغْزَى؟!!

    أو أن يفتحَ لنا - على الأقل - البابَ إلى تَفَهُّمِ مغزى الطواف بالبيت؟!!

    قد يبدو لأول وهلة أن هذا سؤال لا محل له، ولا فائدة ترجى من محاولة الإجابة عَنْه؛ إذ أيُّ صلة بين الطواف في الحج أو فِي العمرة أو فِي غير الحج والعمرة ببيت الله الحرام؛ ما الصلة بين هذا الطواف وبين الْعِلْم الْحَدِيث الَّذِي لا يبحث إلا فِي الماديات؟

    هذا ما يبدو للنظرة الأولى، والنظرة الأولى دائمًا حمقاء؛ لَكِن السؤال ليس من النوع العَبَثِيِّ الَّذِي لا يمكن أن يؤدي إِلَى جواب معقول كما قد يبدو، فإن الْعِلْم يبحث عَنْ أسرار الفطرة، أي: عَنْ أسرار السنن التي جعلها الله فِي هذا الكون.

    فاطرُ الفطرة سبحانه هو الَّذِي تعبد الناس بالطواف بالبيت الحرام، فليس بممتنع أن يكون الطواف رمزًا إِلَى سِرٍّ عظيم تستوي فِيه الروح والمادة، وأن يكون فِيما كَشَفَ عَنْه الْعِلْمُ من أسرار الفطرة ما يدل عليه أو يشير إِلَيْهِ.

    لا يكاد الناظرُ يتجه هذا الاتجاه حتى ينكشف له فِيما كشف الْعِلْم عَنْه من حقائق الفطرة؛ ينكشف له نظائر الطواف، ثم تتكاثر عليه النظائرُ؛ حتى لا يوقن أَنَّهُا مَظْهَرٌ لِسُنَّةٍ عامةٍ فِي الخلق، وهذه السنة العامة فِي الخلق أَهَمُّ وأَجَلُّ كثيرًا فِي دلالتها مما يخطر لأول وهلة على بال.

    أول ما يلقى الناظرَ من تلك النظائر؛ يلقاه فِي المجموعة الشَّمْسية، فالأقمار فِيها تدور أو تطوف حول كواكبها، فالقمر يدور حول الْأَرْض، أقمار المشترى تدور حول المشترى، الأرض وأخواتها من السيارات تدور وأقمارُها حول الشَّمْس دورانًا متصلًا يختلف حقًا باختلاف كتلة السيارِ وبُعْدِهِ عَنْ الشَّمْس؛ لَكِنْ مهما يكن الاختلاف فِي الكيف والمدار؛ فالدوران أو الطواف حول الشَّمْس واقع من كلِّ سيار.

    بَيَّنَ علمُ الفلك الْحَدِيث مبلغ انتشار ظاهرة الطواف هذه بين الكواكب؛ فُرَادَى وجماعاتٍ وعوالمَ أَيْضًا، فكم من كوكب يطوف حول كوكب تَوَائِمَ وغَيْرَ تَوَائِمَ، وعالَمُ المجرة الَّذِي منه مجموعاتنا الشَّمْسية يدور؛ بل العالم الفلكي كله يدور أو يبدو أَنَّهُ يدور؛ ولِذَلِكَ هو فِي حالة اتساع كما أثبت ذَلِكَ القرآنُ الْعَظِيم؛ ولَكِنه يدور دورانًا بطيئًا هائلًا حول مركزٍ دلَّ الكتابُ على منطقيته فِيما صُنِّفَ فِي ذَلِكَ خاصةً، وهو كتاب: «النجوم فِي مسالكها»، ففيه تجد الْمَثَلَ بعد المثلِ والتفصيلَ بعدَ التفصيلِ؛ ليظهر لك مبلغ انتشار ظاهرة الطواف فِي السماء، كَأنَما هي مظهر سنة عليا فطر الله عليها السماوات، فإذا ما تركنا العالم الفلكي جانبًا ونزلنا إِلَى العالم الذري من أكبر الْأَجْرَام فِي هذا الكون مما هو معهود لنا إِلَى أصغر هذه الْأَجْرَام - يعني الذرات -، فمن المجرة إِلَى الذرة؛ ستجد قانونًا واحدًا، فهذه المجرات كواكب تدور فِي أفلاكها فِي مداراتها حول شموسها، وكذَلِكَ الأقمار تدور حول كواكبها فِي مداراتها، والذرات كذَلِكَ، والكون كله من هذه الذرات: «كهيربات تدور حول أنويتها فِي ذراتها»؛ قانون واحد، والطواف فِي هذا كما هو فِي هذا.

    لو نزلنا إِلَى العالم الذري؛ وجدنا الأمر أعجب وأغرب، أو هكذا يُخَيَّلُ إِلَى مَنْ يَسْتَثِيرُ الدَّقِيقُ مِنْ تَعَجُّبِهِ أَكْثَرَ مما يَسْتَثِيرُ الْجَلِيلُ.

    الذرة لم يرها أحد قط، ولا يطمع فِي رؤيتها بالذات أحد؛ لبلوغها فِي الدقة والصغر غايةً تَقْطَعُ عَنْ إمكان رؤيتها الأطماعَ؛ لَكِنها مع ذَلِكَ لا يشك أحد من المشتغلين بالْعِلْم فِي وُجُودها، ولا فِي أن باطنها عالم مَائِجٌ عجيبٌ.

    الْعلماء الْمُحْدَثون يشَبِّهون الذرة بالمجموعة الشَّمْسية، فهي جلها فراغ تتوسطه نقطة يتمركز فِيها ثقل الذرة ووزنها، تسمى «نواة الذرة»، يدور حولها فِي ذَلِكَ الفراغ الْعَظِيم بالنسبة لها عددٌ من الكهيربات السالبة الخاصة؛ ولَكِنَّها فِي مجموعها تكافئ بالضبط ما تحمل النواة من كهربية موجبة، أيْ أن كل نواة من ذرة عَنْصر تحمل من شحنات أو وحدات الكهربية الموجبة قدر عدد الكهيربات السالبة التي تدور حولها - أي حول النواة -، وكان من شأن الكُهَيْرِبِيَّتَيْنِ هَاتَيْنِ: أن يتحدا «سالبٌ وموجب»، فينجذب أحدهما إِلَى الآخر للتجاذب الْعَظِيم بينهما، كَانَ يجب أن يتحدا لو أن فاطر الفطرة وخالق الذرة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قضى للمادة بالوجود، فمنع ذَلِكَ الاتحاد بين كهريبات الذرة وأنويتها بحركة أنشأها وقَدَّرَها فِي الكهيربات حول النواة، فتأتي بما يسمى ب«قوة الطرد المركزي» «قوةِ الدفع المركزي» بالدفع مع الحركة عَنْ المركز؛ حتى لا يقع هذا المتحرك على مركزه وحينئذ تخمد الحياة، فجعل ذَلِكَ دائرًا لما أعطاه الحركة بهذه الكهيربات السالبة فِي مداراتها، فوقع ما يسمى بقوة الطرد المركزي، فأبعدت تلك الكهيربات على حسب مداراتها مع كونها على حركاتها لا تزال!!

    فسبحان الله!!

    فِي كل كهيرب، وفي كل سَيَّار؛ بل فِي كل قمر حركةُ فرارٍ وابتعادٍ عَنْ النواة أو الشَّمْس أو الكوكب الَّذِي يجذبه؛ وإلا لوقع القمر على الْأَرْض؛ ولَكِنه مع حركته يؤدي ما فِيه من قوة الطرد أو الدفع المركزي، إِلَى أن يظل فِي حركته فِي مداره حول الْأَرْض، مع أَنَّهُ يحدث فِيها جاذبية، فأنت ترى - مثلًا - ما يسمى ب«قوةِ الْمَدِّ» فِيما يعرف عنْد مَنْ هو قريب من الساحل فِي البحار المختلفة بالمد والجزر، فإن القمر إِذَا ما طَلَعَ مَارَسَ قوةَ جاذبيةٍ على سطح الْأَرْض، فيحدث لون من ألوان الالتواء فِي سطح الْأَرْض، فما يكون تحت البحار والمحيطات، فإذا ما علا دَفْعُ الماء إِلَى أعلى؛ فحينئذ يحدث المد، إِذَا ما غاب القمر يعود الأمر إِلَى أصله فِي قشرة الْأَرْض فِي قاع البحر أو المحيط، وحينئذ يعود الماء إِلَى حالة الجزر، وهو متحرك باق فِي مداره على حسب ما مر من قانون الدفع أو الطرد المركزي.

    العجب العجاب أن عَنْاصر المادة تزيد على التسعين - كما مر - فِي الجدول الدوري للعناصر، ولا تختلف ذراتها فِيما بنيت منه، وخُلِقَت النُّوَيَّاتُ فِي كل الذرات فِي جميع العناصر، جوهرُها واحد، الكهيربات التي تدور فِي مداراتها حول الأنوية شيء واحد؛ لَكِنَّ عدد الكهيربات يبدأ من الواحد فِي ذرة الهيدروجين التي هي عبارة عَنْ كهيرب يدور حول أُبَيِّب، ويذهب العدد يزداد واحدًا بعد واحد فِي جدول العناصر الدورية.

    كلما زيد كهيرب زيد فِي النواة ما يتحقق به التوازن الضروري فتنشأ ذرة جديدة لعنصر جديد، يمضي الأمر كذَلِكَ مبعدا فِي العناصر الطبيعية بترتيب محدود معروف من ذرة الأيدروجين ذات الكهيرب الواحد إِلَى ذرة اليورانيوم التي تبلغ كهيرباتها اثنين وتسعين كهيربا لَكِن ذرات العناصر على اختلافها متحدة فِي دوران كهيربات كل ذرة حول نواة فِي طبقات يزداد عددها أَيْضًا كلما ازداد عدد الكهيربات السالبة زيادةً كافية طبق نظام محكم بديع.

    الآن؛ ما رأيك فِي انتشار ظاهرة الطواف هكذا فِي الفطرة من الذرة إِلَى المجرة وما فوقها؟

    تَذَكَّرْ أن كل ذرة من مادةٍ فِي الكون فِيها – كلُّ ذرة؛ فضلًا عَنْ المجرة -؛ كل ذرة فِيها طائفٌ ومَطُوفٌ به، وذَلِكَ كله فِي باطن الذرة تقوم عليه بِنْيَتُها وذَاتِيَّتُها، ولا سلطان لمخلوق عليه كما لا سلطان لمخلوق على دوران الأقمار حول كواكبها، ولا السياراتِ حول شُمُوسِها فِي الكون الشاسع الْعَظِيم.

    تَذَكَّر الآن أن فِي كل حالة من تلك الحالات فِي العوالم الذرية والفلكية؛ دائمًا المطوف به واحد، والطائف كثيرًا ما يتعدد، ففي كل ذرةٍ نواةٌ واحدةٌ تطوف بها الكهيرباتُ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ، وفي كل مجموعةٍ شمسيةٍ شمسٌ واحدةٌ تطوف بها سياراتُها قَلَّتْ أو كَثُرَتْ كذَلِكَ.

    العالم الْمَجَرِّيُّ بملايينِ شموسِه وكواكبه يدور أو يطوف حول شيء واحد، والكون كله بالألوف المؤلفة من عوالمه الْمَجَرِّيَّةِ؛ يبدو أَنَّهُ يدور أو يطوف حول شيء واحدٍ لا يُدْرَى ما هو.

    تَوَحُّدُ المطوفِ به فِي كل حالة مع تعدد الطائفين فِي الكثرة الغالبة من الأحوال يُرِيكَ وجه الشَّبَهِ واضحًا بين الطواف الَّذِي هو مِنْ قِوَامِ الحج، وبين ظاهرة الطواف التي فطر الله عليها الكون، ويفتح أو يُرْجَى أن يفتح بابًا واسعًا من التدبر، وأفقًا شاسعًا من التفكير فِي حكمة الطواف، ودلالةِ انفراد الإسلام به من بين الأديان.

    فكَأنَّ الطائفَ إِذَا ما دخل فِي الطواف؛ دخل فِي منظومة الكون الطائف، فالكون كله من الذرة إِلَى المجرة - كما مر - بين طائف ومطوف به.

    وقد أثبتت الدراسات الهندسية بأعقد الوسائل أن الكعبة مركزُ الْأَرْض.

    الكعبة هي مركز الأرض؛ فأنت إِذَا ما دخلتَ البيت الحرام، ودخلت فِي الطواف؛ فأنت دائر حول مركز الْأَرْض.

    لم نَقُلْ: هي مركز الكون.

    قد يكون؛ ولَكِن الَّذِي ثبت يقينًا بالدراسات الهندسية المعقدة: أن الكعبة هي مركز الْأَرْض، فأنت إِذَا ما دخلت البيت الحرام، وأخذت فِي الطواف؛ فقد دخلت فِي منظومة الكون الطائف، وهو عابد لله رب العالمين ومُسَخَّرٌ، كما لو أنك سجدت فإنك تدخل فِي منظومة السجود الأخضر؛ «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ».

    في أحد التفسيرين أن النجم: ما لا ساق له من النبات، ما لا يقوم على ساق، هذا هو النجم.

    والشجر: ما له ساق، فالله عز وجل يَقُول: «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ»، وقد يكون النجم على أصله؛ هو نجم السماء، هو ساجد سجوده الَّذِي أخبر عَنْه ربنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فهذا لا يُدْفَعُ، والآية تحمل على الأمرين معًا.

    إذًا؛ النجم: ما لا ساق له من النبات ساجد لله، والشجر الذي له ساق ساجد لله، فهذا السجود الأخضر فِي النجم والشجر؛ إذ ما النبات سوى هذا؟!

    ما له ساق، وما ليس له ساق.

    هذا هو النبات.

    فالنبات كله ساجد لله؛ «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ»، فإذا سجدتَ دخلتَ مع هذا النبات فِي السجود الأخضر فِي منظومته.

    الكون كله عابد لله، مسبح بحمده كما قَالَ الله جَلَّ وَعَلَا.

    فهذا هو الْعِلْم الْحَدِيثُ يُثْبِتُ وحدانيةَ الله!!

    لا يؤدي إِلَى الْإِلْحَاد كما يَقُول الْمُلْحِدُونَ الَّذِينَ اتخذوا الْعِلْم المادي الْحَدِيث بما وصل إِلَيْهِ من التقدم، وهو قرآني بطبيعته كما مر.

    هذا العلم قرآني بطبيعته كما مر إثبات ذَلِكَ بما لا يدع مجالًا لشَكٍّ ولا ريبٍ.

    وهذا الْعِلْم المادي بهذه السنن الإلهية التي جعلها الله فِي هذا الكون؛ كلما اكتشف الإنسان منه شيئًا؛ دَلَّهُ هذا الشيء على أن الله هو خالق الخلق، وهو واحد لا شريك له، كما مر إثبات ذَلِكَ بإثبات وحدة النظام الَّذِي يحكم العالم، فدل على أن الحاكم واحد، وهو الله. والقانون واحد؛ الَّذِي يحكم الذرة هو الَّذِي يحكم المجرة، من أدق الأشياء إِلَى أكبرها فِيما يعرفه الإنسان، أو فِيما هو فِي عالمه، ومع ذَلِكَ فقانونٌ واحد؛ «طائفٌ ومَطُوفٌ به»، فلعل ذَلِكَ يفتح الباب كما قَالَ الغمراوي غفر الله له، يفتح الباب للنظر فِي هذه العبادة المتفردة فِي دين الإسلام الْعَظِيم.

    ومع ذلك؛ فهُنَالِكَ من يَقُول: «إن الطبيعة هي الخَالِق»!!

    في كتاب «العقيدة فِي الله»:

    هَؤُلَاءِ يوجَّهُ لهم هذا السؤال: ما الذي تريدونه بالطبيعة؟

    هل تعنون بالطبيعة ذواتِ الأشياء؟

    أم تريدون بها السنن والقوانين والضوابط التي تحكم الكون؟

    أم تريدون بها قوةً أخرى وراء هذا الكون أوجدته وأبدعته؟

    ما الذي تريدونه بالطبيعة؟

    إذا قَالوا: نعني بالطبيعة الكونَ نفسَه؛ فإننا لا نحتاج إِلَى الردّ عليهم؛ لأنّ فساد قولهم معلوم - كما مر -.

    هذا القول يصبح ترديدًا للقول بأنّ الشيء يوجد نفسه.

    يقولون: الطبيعة هي الكون، ويقولون: الطبيعة هي التي خلقت الكون!!

    إذًا؛ خلق الكونُ نفسَه!!

    وهذا – كما ترى – في غاية البطلان والفساد.

    يَقُولون: الكون خلق الكون، السماء خلقت السماء، والأرض خلقت الْأَرْض، والكون خلق الإنسان والحيوان!!

    العقل الإنساني يرفض التسليم بأنّ الشيء يوجِد نفسه، وأيضًا فالشيء لا يخلق شيئًا أرقى منه، فالطبيعة من سماء وأرض ونجوم وشموس وأقمار لا تملك عقلًا ولا سمعًا ولا بصرًا؛ فكيف تخلق إنسانًا سميعًا عليمًا بصيرًا؟!!

    هو أرقى منها؛ فكيف؟!!

    هذا لا يكون.

    فإن قَالوا: خُلق ذَلِكَ كله بالمصادفة؛ فالجواب: ثبت يقينًا أَن لَّا مصادفةَ فِي خلق الكون كما مَرَّ بالقانون الرياضي.

    هنالك من قال بشبهة أخرى، وهي باطلة أيضًا.

    قالوا: إنما وجد الكون بنظرية التولد الذاتي!!

    فقيل: من أين هذا؟!

    قالوا: إن نظرية التولد الذاتي أثبتها العلماء فيما شاهده الطَّبِيعِيُّونَ من تَكَوُّنِ الدُّودِ على براز الإنسان أو الحيوان، وتَكَوُّنِ البَكْتِيرْيَا التي تأكل الطعام وتفسده، فقالوا: ها هي ذِي؛ حيواناتٌ تتولد من الطبيعة وحدها.

    كما كَانوا يَقُولون قديمًا – أعني الفلَّاحين -؛ يقولون: دُودُ الْمِشّ منه فِيه!!

    طبيعيٌّ هو؟!!

    هذه شبهة التولد الذاتي «منه فِيه»!! مع أَنَّهُا دورة، وهذا الَّذِي تراه مِنْ دُودِ الْمِشّ هو مرحلةٌ من مراحلِ وُجُودِ كائنٍ يصير يَرَقَةً، ثم يتطور حتى يصير بعد ذَلِكَ مما يطير، إِذَا ما فتحت الإناء الَّذِي فِيه؛ اندفع فِي وجهك، فهذا هو.

    فهذه دورة حياة.

    يَقُولون: هو التولد الذاتي!!

    فساعد هذا على انتشار الوثنية الجديدة، وهي: القول بأن الطبيعة هي الخَالِق!!

    يقولون: الطبيعة هي الخالق!!

    هم لا ينكرون وُجُود الخَالِق على هذا!!

    يَقُولون: ولَكِن الخَالِق هو الطبيعة!!

    فأثبتوا خالقا!

    يقولون: الطبيعة هي القوانين التي تحكم الكون.

    فيرى فريق آخر من الطبيعيين أن الطبيعة هي القوانين هي التي تحكم الكون، وهذا تفسير الَّذِينَ يدّعون الْعِلْم والمعرفة من القائلين بأنّ الطبيعة هي الخَالِق.

    يَقُولون: إنّ هذا الكون يسير على سنن وقوانين تسيّره، وتنظم أموره فِي كل جزئية، والأحداث التي تحدث فِيه تقع وفق هذه القوانين، مَثَلُهُ كَمَثَلِ الساعة التي تسير بدقة وانتظام دهرًا طويلًا، فإنها تسير بذاتها بدون مسيّر – كما يقولون-!! مع أَنَّهُم هم الَّذِينَ صنعوها وجعلوا فِيها ما يحركها!!

    هَؤُلَاءِ فِي واقع الأمر لا يجيبون عَنْ السؤال المطروح: من الذي خلق الكون؟

    لَكِنهم يكشفون لنا عَنْ الكيفية التي يعمل الكون بها.

    يعني لو قَالوا: القوانين هي التي تحكم الكون؛ فهذا ليس تفسيرًا لنشأة الكون!!

    السؤال هو: من الَّذِي خلق الكون؟

    يَقُولون: الطبيعة هي التي تحكم نظام الكون بقوانينها!!

    فيقال: ما أجبتم عَنْ السؤال، السؤال على حاله: من الَّذِي خلق؟

    أنتم الآن تقولون كيف يعمل، والسؤال: من الَّذِي خلق؟

    من الَّذِي أَوْجَدَ؟

    من الَّذِي بَرَى؟

    من الَّذِي أنشأ؟

    فهؤلاء يكشفون لنا عَنْ الكيفية التي يعمل الكون بها.

    وهم يكشفون لنا؛ كيف تعمل القوانين فِي الأشياء!!

    نحن نريد إجابة عَنْ موجد الكون، وموجدِ القوانين التي تحكم الكون.

    والْعلماء عَنْدما نظروا فِي أمثال هذه الأمور؛ وجدوا أَنَّهُا متهافتة.

    يعني - مثلًا - عَنْدما تسأل - كما فِي كتاب «الإسلام يتحدى»-:

    يقول المريض أو يقول الإنسان للطبيب: ما سبب احمرار الدم؟

    يقول: فِي الدم خلايا حمراء، حجمُ كل خلية منها: واحدٌ إِلَى سبعمائةٍ من البُوصة!

    فيقول السائل: ولماذا تكون هذه الخلايا حمراء؟

    يقول: فيها مادة تسمى «الْهِيمُوجْلُوبِينْ»، وهى مادة تحدث لها الحمرة حين تختلط بالأكسجين فى القلب.

    فيقول السائل: ولَكِنْ مِنْ أين تأتى هذه الخلايا التي تحمل الْهِيمُوجْلُوبِينْ؟

    فيقول: تُصْنَعُ فِي الكبد.

    فيقول: عجيب! كيف ترتبط هذه الأشياء الكثيرة من الدم والخلايا والكبد وغيرها بعضُها ببعض ارتباطًا كليًا، وتسير نحو أداء واجبها المطلوب بهذه الدقة الفائقة؟!!

    يقول: هذا ما نسميه ب«قانون الطبيعة».

    فيقول: ما المراد بقانون الطبيعة هذا؟

    فيقول الطبيب: المراد بهذا القانون: الحركات الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيماوية.

    فيقول: ولَكِن لماذا تهدف هذه القوى دائمًا إِلَى نتيجة معلومة؟

    وكيف تنظم نشاطها حتى تطير الطيورُ فِي الهواء، وتعيشَ الأسماكُ فِي الماء، وحتى يوجَدَ إنسان فِي الدنيا بجميع ما لديه من الإمكانات والكفاءات العجيبة المثيرة؟!!

    فيقول الطبيب: لا تسألني عَنْ هذا، فإنَّ علمي لا يتكلم إلا عَما يحدث، وليس له أن يجيب: لماذا يحدث؟!!

    "علمي لا يتكلم إلا عَما يحدث"، يعني: أنا أفسر الظواهر.

    أمَّا: "لماذا تحدث تلك الظواهر؟ فهذا ليس من علمي".

    إذًا؛ هذه هي القوانين الحاكمة؛ فمن الَّذِي أوجدها؟!

    ومن الَّذِي أوجد الكون الَّذِي تتحكم فِيه تلك القوانين؟!

    ما زال السؤال على حاله.

    فوُجِدَ مَنْ يَقُول: الطبيعة قوةٌ أَوْجَدَت الكونَ، وهي قوةٌ حيةٌ سميعةٌ بصيرةٌ حكيمةٌ قادرةٌ.

    فيقال: سميتم هذه القوة: «الطبيعةَ» لماذا؟

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, منذ 5 يوم
رد 1
11 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة Mohamed Karm
بواسطة Mohamed Karm
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 2 أسابيع
ردود 0
14 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 2 أسابيع
ردود 0
12 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, 3 نوف, 2024, 12:44 ص
ردود 0
19 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, 10 أكت, 2024, 01:41 ص
رد 1
13 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الراجى رضا الله
يعمل...