المستوي الخامس الارادة الحرة :
[when we use the term “free will” we mean what is called libertarian freedom: Given choices A and B, one can literally choose to do either one, no circumstances exist that are sufficient to determine one’s choice; a person’s choice is up to him, and if he does one of them, he could have done otherwise, or at least he could have refrained from acting at all. One acts as an agent who is the ultimate originator of one’s own actions and, in this sense, is in control of one’s action[.
الترجمة: عندما نستخدم مصطلح "حرية الإرادة" فإننا نعني ما يسمى الحرية التحررية: في ضوء الاختيارين أ وب، يمكن للمرء أن يختار حرفيا القيام بأي منهما، ولا توجد ظروف كافية لتحديد اختياره ؛ اختيار الشخص متروك له، وإذا قام بأحدهما، كان بإمكانه أن يفعل خلاف ذلك، أو على الأقل كان بإمكانه أن يمتنع عن التصرف على الإطلاق.
من الجوانب الفطرية التي يجدها الإنسان من نفسه ضرورة، ذلك التفريق الضروري بين أفعاله الاختيارية وما يصدر عنه اضطرارا ؛ فحين يرفع الإنسان كأس ماء لفمه، أو يحمل حقيبته، أو يركب السيارة؛ فإنه يستطيع أن يميز بسهولة هائلة الفرق بين جنس هذه الأفعال، وبين نبضات قلبه، وجريان الدم في عروقه، أو ما يصيبه من رعشة لبرد شديد. يلحظ الإنسان أن بإمكانه أن يتوقف عن التنفس مدة باختياره، لكنه يعجز عن الاستمرار في هذا الفعل ؛ ردة فعل لاإرادية تستدعى النفس.
وبما أن الإرادة الحرة المختارة هي التي ميز الله بها الإنسان عن جميع الكائنات وعلى أساسها أمر الله الإنسان ونهاه ، وجعله مسؤولاً عن جميع أعماله التي يكتسبها بحريته واختياره.بينما غيره من المخلوقات ليس له إرادة ولا اختيار، بل يسير وفق سنن الكون وقوانينه لا يحيد عنها .
-- وقد سئل فضيلة الشيخ الشعراوي ( في لقاء متلفز والفيديو موجود على موقع اليوتيوب) عن : هل الإنسان مسير أم مخير فأجاب إجابة رائعة جدا وهي :
لابد أن تعرف أولا حقيقة الإنسان الذي ستحكم عليه أنه مسير أم مخير ، فالإنسان كائن من الكائنات الموجودة على الأرض، وليس هو الجنس الوحيد على الأرض، فهناك أجناس أخرى تشاركه في الوجود ، ولكن - وبالاستقراء - عرفنا أن الإنسان هو أرقى الأجناس الموجودة في الكون، وكل الأجناس مسخرة لخدمته ، وأقرب الأجناس للإنسان هي الحيوانات ، وتحت الحيوانات النباتات، وتحت النباتات الجمادات ، فالنباتات تمتاز عن الجمادات بالنمو ، والحيوانات تمتاز عن الجمادات بشيء من الحس والحركة، والإنسان يمتاز عن الحيوان بالعقل والفكر.
فما هو الفكر؟
هو المقياس الذي يختار بين البديلات، أي أفعل هذا الفعل أم ذاك ، فالأمر الذي ليس فيه بديل لا عمل للعقل فيه، ورغم أن الإنسان هو أرقى الأجناس ففيه حيوانية ، وفيه نباتية، وفيه جمادية، فما في الإنسان من قدر الحيوانية والنباتية والجمادية هو مُسَيرٌ فيه ، فمثلا يسري علي الإنسان حتماً قانون الجاذبية مثل الجمادات فلا اختيار له فيه ، كذلك ينمو الإنسان مثل النباتات ولا دخل له فيه ، وكذلك تعمل أجهزة جسد الإنسان كالحيوان بلا تدخل منه ولا تحكم ، ومن رحمة الله عز وجل وحكمته أن جعل الإنسان مسيرا في هذه الأشياء فلو كان مخيرا لتعطلت هذه الأجهزة حتى يكبر ويكون له عقل حتى يعرف أن يديرها ، ولتعطلت هذه الأجهزة وهو نائم !!!!! إذن فما كان في الإنسان من جمادية ونباتية وحيوانية هو مسير فيه مثل هذه الأجناس تماما لا اختيار له فيه، أما ما تميز به الإنسان عن هذه الأجناس - وهي خاصية الفكر والعقل - فهو مخير فيه بين افعل ولا تفعل وهذا هو التكليف من قبل الله سبحانه وتعالى، ولذلك رفع التكليف عن المجنون - لانه لا عقل فيه - وعن الصبي لأن عقله لم ينضج بعد حتى يعرف أن يختار بين البدائل.
هذا عن مسئولية الإنسان الدينية والجزاء الأخروي ، أما في الحياة الدنيا فقد شرع الله الحدود والتعزيرات لكل من يتعدى حدود الله أو يعتدي على حقوق الناس مما يؤكد أن الإنسان له إرادة حرة وإلا لكانت الحدود والعقوبات من الظلم، فكيف يعاقب الله من ليس له إرادة حرة ؟؟!!
هذه وجهة النظر الإسلامية لمسألة الإرادة الحرة ، فماذا عن وجهة النظر الإلحادية لهذه المسألة :" الإرادة الحرة" ؟
الملحدون و " الإرادة الحرة" :
-- يعتبر الملحدون - المتسقون مع فكرهم المادي - أن حرية الإرادة لا وجود لها، فهي وَهْمٌ كبير كما قال أحد كبار منظري الإلحاد عالم الأعصاب الأمريكي / سام هاريس في كتابه ( Free Will ) ( الإرادة الحرة) في أول صفحات الكتاب ص 5 : “الإرادة الحرة هي وَهْمٌ ( Free Will is an illusion) ، نحن ببساطة لا نصنع إرادتنا ، الأفكار والنوايا تنشأ من أسباب خلفية لا نَعِيْها، ولا نملك سيطرة واعية عليها، نحن لا نملك الحرية كما نعتقد. في واقع الأمر الإرادة الحرة هي أكثر من وهم (أو أقل)” انتهى
ويقصد سام هاريس بقوله : (أكثر من وهم ( أو أقل) - كما وضح دكتور عبد الله العجيري - يقصد أن الأمر أسوأ من كونه مجرد وهم، بل هو أقل شأنا من أن يسمى وهمًا!!!!!!
-- وهذا الاعتقاد - نفي حرية الإرادة - يقول به معظم العلماء الملاحدة وأتباعهم ، وهو ما يتسق بالفعل مع فكرهم الإلحادي المادي، فالملحد يرى أن عالمنا هو عالم مادي تحكمه قوانين حَتمية لا يحيد عنها، ونحن لسنا باستثناء من هذا العالم، فنحن جزء منه، وحسب الرؤية المادية التي يُقدمها اﻹلحاد فما نحن إلا تفاعلات كيميائية وإشارات كهربائية، وتكون بذلك - هذه الحرية التي نشعر بها - مجرد وهم ، ولا وجود لها في الواقع !!!!!! ومن ثمَّ فالبدائل التي قد تبدو متاحة ليختار منها صانع القرار هي في الحقيقة بديل واحد فقط حتمي ومُقدّر سلفًا!!!!
-- ويزعم الملحدون أن العلم يؤيد وجهة نظرهم في هذه المسألة ( نفى حرية الإرادة) فيذكرون أن هناك تجارب أجراها بعض العلماء تثبت أن الإنسان ليس له إرادة حرة وأن قراراته محدده سلفا في مراكز المخ، ويذكرون في هذا الصدد تجربة ليبيت ، فما هي تجربة ( ليبيت) ؟
-- في الثمانينيات، أجرى بنجامين ليبيت – اختصاصي بيولوجيا أعصاب أمريكي، توفي عام 2007 – سلسلة من التجارب، دائمًا ما يشار إلى نتائجها باعتبارها دليلًا علميًا ينفي أي دور للإنسان في اتخاذ قراراته، مما ينفي بدوره حرية الإرادة. في هذه التجارب، أجلس ليبيت المشاركين أمام ساعة سريعة الدوران، وطلب منهم اتخاذ قرار بثني اليد تجاه الرسغ وتنفيذه في لحظة عشوائية، دون تخطيط مسبق، مع ذكر اللحظة التي اتخذ فيها كل منهم قراره، بمساعدة الساعة المذكورة. خلال هذه العملية، استعان ليبيت بتكنولوجيا «تخطيط أمواج الدماغ» لتسجيل النشاط الكهربائي لمناطق الدماغ المختلفة.في المتوسط، بدأ نشاط الدماغ قبل حركة اليد بنحو نصف ثانية. بينما أفاد المشاركون باتخاذهم القرار قبل الحركة بنحو ثلث ثانية فقط. استنتج ليبيت من ذلك أن القرار الحقيقي اتخذ في اللا وعي، لحظة نشاط الدماغ الأولى، أي قبل إدراك الإنسان له بنحو ثلث ثانية، وقبل الشروع في الحركة بنحو نصف الثانية. وأن لحظة إدراك المشاركين لهذا القرار، التي تلت النشاط الكهربائي، ليست إلا صدى للقرار الحقيقي. عمم ليبيت نتائج التجربة، وتأويله لها، فجعل منها نموذجًا يسري على جميع حركات الإنسان وقراراته أيضًا.
واستنتج ليبيت من تلك التجربة - ومن يستدل بها من الملحدين وأتباعهم - أن الإنسان ليس له إرادة حرة، وأن كل قراراته تصنع في مراكز المخ ثم ينفذها الإنسان بلا خيارات وكأننا روبوتات تحكمها الجينات، روبوتات أو دُمى حيوكيميائية : Biochemical puppet
-- ولم يذكر هؤلاء الملحدون - وأتباعهم - أن هناك من العلماء من قام بتجارب تثبت عكس ذلك تماماً
ويأتي على رأس هؤلاء العلماء ، العالم المعاصر / ألفريد ريمن ميلي( Alfred Remen Mele)
وميلي هو أستاذ الفلسفة بجامعة ولاية فلوريدا، كما تولى إدارة مشروع «أسئلة كبرى حول حرية الإرادة» (Big Questions in Free Will Project) المدعوم من مؤسسة جون تمبلتون، خلال سنواته الأربع. كتب ميلي نحو مائتي مقالة وعشرة كتب ، تتكلم معظمها عن إثبات العلم لقضية "حرية الإرادة " من أهمها كتاب «حُرٌّ: لماذا لم ينف العلم حرية الإرادة»، الصادر عن دار نشر جامعة أكسفورد.
-- ومن هؤلاء العلماء أيضا - الذين أثبتوا - بالعلم - وجود إرادة حرة للإنسان - رائد علم جراحة الأعصاب / ويلدر بنفيلد توفي في ابريل 1976 والذي كان يُطلق عليه ساعتها "أعظم كندي حي"
-- تجارب بنفيلد في إثبات حرية الإرادة :
جمع ويلدر بنفيلد العديد من الملاحظات السريرية على المرضى مفتوحي الدماغ ووضع تلك الملاحظات في كتاب أسماه بـ " The Mystery of Mind"،
" غموض أو لغز العقل " واستدلّ بنفيلد على الفروق بين العقل والمخ من ملاحظاته على استجابات المرضي الذين يتعرّضون لتنبيهات دماغية، إذ لاحظ أن هناك تعارضاً بين الإستجابات العصبية وإرادة الشخص. وهذا التعارض يدلّل على وجود اختلاف بين خصائص العقل وخصائص المخ؛ فلو أن المخّ يمثّل العقل لكانت الإثارة المخية تعكس ما يريده الشخص. ولكي تتّضح هذه الصورة وتبرهن قام بنفيلد بتنبيه للمركز العصبي الخاص بحركة اليد وكنتيجة طبيعية تحركت يد المريض، إلا أن الأمر الذي ينطلق منه بنفيلد هو ما عبّر به المريض من قوله بأن يدي تحركت رغمًا عني !!!!! وهذا يعني في وجهة نظر بنفيلد أن هناك إرادة ترفض هذه الحركة توجد ( خارج المخّ ) والذي عبّر عنه بالعقل. كذلك قام بنفيلد بتنبيه مركز الكلام وعلى إثره عجز المريض عن إخراج الكلمات بمعنى أن بنفيلد كان ينبّه مركز الكلام ويطلب من المريض أن يتلفظ بكلمة "فراشة" مثلًا، وكنتيجة طبيعية عجز المريض عن القول بذلك مع رغبته وتحفّزه للتلفّظ بها. وبعد أن أوقف بنفيلد تنبيه تلك المنطقة قال المريض بصوت عالي " فراشة" وكأنه كان محبوسا عن الكلام !!!!
-- مجموعة تلك الملاحظات السريري التي قام بها العالم ( بنفيلد) تؤكّد على وجود إرادة حرة في عقل الإنسان منفصلة تماما عن المخ ( قوة ميتافيزيقية) أي قوة غيبية خارج الجسد !!!!!!
( هناك تجارب أخرى موجودة في الكتاب المذكور " لغز العقل" ونقلها كثير من الباحثين "
فلماذا يذكر هؤلاء تجربة ليبيت في ( نفى الإرادة الحرة) ولا يذكرون تجارب بنفيلد وميلي في إثباتها؟؟!!
-- وهناك تجارب أخرى وكلام لعلماء آخرين، أثبتوا حرية الإرادة ، و أثبتوا أن العقل ليس هو الدماغ، بل الدماغ ما هو إلا أداة تنفيذ لتلك القوة الغيبية التي تسمى بالعقل.
بعض البراهين العقلية التي تثبت حرية الإرادة :
-- لو كان الإنسان عبارة عن جسد فقط ( روبوتات حيوكيميائية) كما يقول الملحدون فبماذا يفسر هؤلاء هذه الأمور :
-- بم تفسر - أيها الملحد - العمليات الفدائية التي يقوم بها بعض الجنود في الحروب ، فهل الجسد هو الذي يضحي بنفسه أم أن هناك إرادة أعلى وأقوى من الجسد هي التي تأمره وتحركه نحو العملية الفدائية بكل شجاعة ورضا؟
-- وبم تفسر - أيها الملحد - قدرة الإنسان على كبح شهوات جسده بالصيام مثلاً ؟ فالجسد بلا شك يشتهي الطعام ولكن هناك قوة أقوى وأعلى من الجسد تمنعه وتتحكم فيه وهي الإرادة .
الفكر الإلحادي وإنكار حرية الإرادة
-- لا حاجة إذن لكتابة الدساتير والقوانين، ولا حاجة إذن لوجود السجون والمعتقلات ، فكل البشر يتصرفون بلا وعي ولا قصد ولا إرادة ، إذ كيف سنحاكم مُجرِماً على فعل هو لم يكن له اختيار فيه؟!
-- لا فرق إذن بين السفاح الذي يقتل الآلاف وبين رجل الخير الذي يبني المدارس والمستشفيات، فكلاهما مجبور على ذلك لا خيار له فيه.
-- لا داعي لكسب العلوم والمعارف فمن أين أعرف الصواب من الخطأ حتى أختار أحدهما وأترك الآخر، فالحتمية المادية لا تعرف قصد الصواب فضلا عن أن تعرف التفريق بينه وبين الخطأ!!!! بل وليس هناك خير أو شر في النظرة الإلحادية!!!!!!
-- ما الداعي إذن لدعوة الملحدين لإلحادهم ، أو المؤمنين لإيمانهم ودخولهم في مناظرات- فحسب عقيدة الملحد - المؤمن مجبر على إيمانه ، والملحد مجبر على إلحاده.
-- ما قيمة الحب والحزن والتقدير وكل المشاعر والأحاسيس الموجودة والمتبادلة بين الناس ، وكلها ليست بإرادة الإنسان فهي نتيجة تفاعلات حتمية وإشارات عصبية داخل جسم الإنسان، فالكل عبارة عن روبوتات غير صادقين في مشاعرهم ؟؟!!
وكما يقول د. هيثم طلعت في مقاله : الإلحاد يفسد القيم :
وداخل العالم الإلحادي تصبح أكبر الجرائم خالية من المعيارية والمعنى وبالتالي لا يمكن انتقادها!
فيصبح الإغتصاب - مثلاً - مجرد حركات عضلية متكررة بلا غاية ولا معنى، وتصبح كل الإبادات الشمولية بلا أدنى معيارية، فلا فرق بيولوجي بين إبادة أُمَّة بأكملها وإبادة مستعمرات بكتيرية خلال عملية المضمضة!
هكذا يتحول الإنسان في العالم المادي الإلحادي إلى روبوت لا يمكن محاكمته أو ضبط قيمته، أو معرفة غاية وجوده، أو معنى تصرفاته، وينهار الإنسان وتنهار معه كل الآمال في عالمٍ أفضل، ويتسمم كل شيء وتتسمم القيمة فالذين نسوا الله أنساهم أنفسهم {نسوا الله فأنساهم أنفسهم} (سورة الحشر:١٩)
وختاماً :
ما علاقة ما بيناه بوجود الله عز وجل أو عدمه؟
-- إذا ثبت - كما بينا أعلاه - أن هناك إرادة حرة للإنسان خارج المخ والجسد وأعلى وأقوى منه ( أي أنها قوة ميتافيزيقية غيبية ) فمن أين جاءت تلك القوة ؟ ومن الذي أودعها في الإنسان؟؟!!
المصادر
Philosophical Foundations for a Christian Worldview Edited by J. P. Moreland and William Lane Craig p240
شموع اول النهار عبد الله العجيري
مقال العلم يؤكد الدين
https://www.google.com/url?sa=t&sour...hu8HoZXbX3p_Yu
[when we use the term “free will” we mean what is called libertarian freedom: Given choices A and B, one can literally choose to do either one, no circumstances exist that are sufficient to determine one’s choice; a person’s choice is up to him, and if he does one of them, he could have done otherwise, or at least he could have refrained from acting at all. One acts as an agent who is the ultimate originator of one’s own actions and, in this sense, is in control of one’s action[.
الترجمة: عندما نستخدم مصطلح "حرية الإرادة" فإننا نعني ما يسمى الحرية التحررية: في ضوء الاختيارين أ وب، يمكن للمرء أن يختار حرفيا القيام بأي منهما، ولا توجد ظروف كافية لتحديد اختياره ؛ اختيار الشخص متروك له، وإذا قام بأحدهما، كان بإمكانه أن يفعل خلاف ذلك، أو على الأقل كان بإمكانه أن يمتنع عن التصرف على الإطلاق.
من الجوانب الفطرية التي يجدها الإنسان من نفسه ضرورة، ذلك التفريق الضروري بين أفعاله الاختيارية وما يصدر عنه اضطرارا ؛ فحين يرفع الإنسان كأس ماء لفمه، أو يحمل حقيبته، أو يركب السيارة؛ فإنه يستطيع أن يميز بسهولة هائلة الفرق بين جنس هذه الأفعال، وبين نبضات قلبه، وجريان الدم في عروقه، أو ما يصيبه من رعشة لبرد شديد. يلحظ الإنسان أن بإمكانه أن يتوقف عن التنفس مدة باختياره، لكنه يعجز عن الاستمرار في هذا الفعل ؛ ردة فعل لاإرادية تستدعى النفس.
وبما أن الإرادة الحرة المختارة هي التي ميز الله بها الإنسان عن جميع الكائنات وعلى أساسها أمر الله الإنسان ونهاه ، وجعله مسؤولاً عن جميع أعماله التي يكتسبها بحريته واختياره.بينما غيره من المخلوقات ليس له إرادة ولا اختيار، بل يسير وفق سنن الكون وقوانينه لا يحيد عنها .
-- وقد سئل فضيلة الشيخ الشعراوي ( في لقاء متلفز والفيديو موجود على موقع اليوتيوب) عن : هل الإنسان مسير أم مخير فأجاب إجابة رائعة جدا وهي :
لابد أن تعرف أولا حقيقة الإنسان الذي ستحكم عليه أنه مسير أم مخير ، فالإنسان كائن من الكائنات الموجودة على الأرض، وليس هو الجنس الوحيد على الأرض، فهناك أجناس أخرى تشاركه في الوجود ، ولكن - وبالاستقراء - عرفنا أن الإنسان هو أرقى الأجناس الموجودة في الكون، وكل الأجناس مسخرة لخدمته ، وأقرب الأجناس للإنسان هي الحيوانات ، وتحت الحيوانات النباتات، وتحت النباتات الجمادات ، فالنباتات تمتاز عن الجمادات بالنمو ، والحيوانات تمتاز عن الجمادات بشيء من الحس والحركة، والإنسان يمتاز عن الحيوان بالعقل والفكر.
فما هو الفكر؟
هو المقياس الذي يختار بين البديلات، أي أفعل هذا الفعل أم ذاك ، فالأمر الذي ليس فيه بديل لا عمل للعقل فيه، ورغم أن الإنسان هو أرقى الأجناس ففيه حيوانية ، وفيه نباتية، وفيه جمادية، فما في الإنسان من قدر الحيوانية والنباتية والجمادية هو مُسَيرٌ فيه ، فمثلا يسري علي الإنسان حتماً قانون الجاذبية مثل الجمادات فلا اختيار له فيه ، كذلك ينمو الإنسان مثل النباتات ولا دخل له فيه ، وكذلك تعمل أجهزة جسد الإنسان كالحيوان بلا تدخل منه ولا تحكم ، ومن رحمة الله عز وجل وحكمته أن جعل الإنسان مسيرا في هذه الأشياء فلو كان مخيرا لتعطلت هذه الأجهزة حتى يكبر ويكون له عقل حتى يعرف أن يديرها ، ولتعطلت هذه الأجهزة وهو نائم !!!!! إذن فما كان في الإنسان من جمادية ونباتية وحيوانية هو مسير فيه مثل هذه الأجناس تماما لا اختيار له فيه، أما ما تميز به الإنسان عن هذه الأجناس - وهي خاصية الفكر والعقل - فهو مخير فيه بين افعل ولا تفعل وهذا هو التكليف من قبل الله سبحانه وتعالى، ولذلك رفع التكليف عن المجنون - لانه لا عقل فيه - وعن الصبي لأن عقله لم ينضج بعد حتى يعرف أن يختار بين البدائل.
هذا عن مسئولية الإنسان الدينية والجزاء الأخروي ، أما في الحياة الدنيا فقد شرع الله الحدود والتعزيرات لكل من يتعدى حدود الله أو يعتدي على حقوق الناس مما يؤكد أن الإنسان له إرادة حرة وإلا لكانت الحدود والعقوبات من الظلم، فكيف يعاقب الله من ليس له إرادة حرة ؟؟!!
هذه وجهة النظر الإسلامية لمسألة الإرادة الحرة ، فماذا عن وجهة النظر الإلحادية لهذه المسألة :" الإرادة الحرة" ؟
الملحدون و " الإرادة الحرة" :
-- يعتبر الملحدون - المتسقون مع فكرهم المادي - أن حرية الإرادة لا وجود لها، فهي وَهْمٌ كبير كما قال أحد كبار منظري الإلحاد عالم الأعصاب الأمريكي / سام هاريس في كتابه ( Free Will ) ( الإرادة الحرة) في أول صفحات الكتاب ص 5 : “الإرادة الحرة هي وَهْمٌ ( Free Will is an illusion) ، نحن ببساطة لا نصنع إرادتنا ، الأفكار والنوايا تنشأ من أسباب خلفية لا نَعِيْها، ولا نملك سيطرة واعية عليها، نحن لا نملك الحرية كما نعتقد. في واقع الأمر الإرادة الحرة هي أكثر من وهم (أو أقل)” انتهى
ويقصد سام هاريس بقوله : (أكثر من وهم ( أو أقل) - كما وضح دكتور عبد الله العجيري - يقصد أن الأمر أسوأ من كونه مجرد وهم، بل هو أقل شأنا من أن يسمى وهمًا!!!!!!
-- وهذا الاعتقاد - نفي حرية الإرادة - يقول به معظم العلماء الملاحدة وأتباعهم ، وهو ما يتسق بالفعل مع فكرهم الإلحادي المادي، فالملحد يرى أن عالمنا هو عالم مادي تحكمه قوانين حَتمية لا يحيد عنها، ونحن لسنا باستثناء من هذا العالم، فنحن جزء منه، وحسب الرؤية المادية التي يُقدمها اﻹلحاد فما نحن إلا تفاعلات كيميائية وإشارات كهربائية، وتكون بذلك - هذه الحرية التي نشعر بها - مجرد وهم ، ولا وجود لها في الواقع !!!!!! ومن ثمَّ فالبدائل التي قد تبدو متاحة ليختار منها صانع القرار هي في الحقيقة بديل واحد فقط حتمي ومُقدّر سلفًا!!!!
-- ويزعم الملحدون أن العلم يؤيد وجهة نظرهم في هذه المسألة ( نفى حرية الإرادة) فيذكرون أن هناك تجارب أجراها بعض العلماء تثبت أن الإنسان ليس له إرادة حرة وأن قراراته محدده سلفا في مراكز المخ، ويذكرون في هذا الصدد تجربة ليبيت ، فما هي تجربة ( ليبيت) ؟
-- في الثمانينيات، أجرى بنجامين ليبيت – اختصاصي بيولوجيا أعصاب أمريكي، توفي عام 2007 – سلسلة من التجارب، دائمًا ما يشار إلى نتائجها باعتبارها دليلًا علميًا ينفي أي دور للإنسان في اتخاذ قراراته، مما ينفي بدوره حرية الإرادة. في هذه التجارب، أجلس ليبيت المشاركين أمام ساعة سريعة الدوران، وطلب منهم اتخاذ قرار بثني اليد تجاه الرسغ وتنفيذه في لحظة عشوائية، دون تخطيط مسبق، مع ذكر اللحظة التي اتخذ فيها كل منهم قراره، بمساعدة الساعة المذكورة. خلال هذه العملية، استعان ليبيت بتكنولوجيا «تخطيط أمواج الدماغ» لتسجيل النشاط الكهربائي لمناطق الدماغ المختلفة.في المتوسط، بدأ نشاط الدماغ قبل حركة اليد بنحو نصف ثانية. بينما أفاد المشاركون باتخاذهم القرار قبل الحركة بنحو ثلث ثانية فقط. استنتج ليبيت من ذلك أن القرار الحقيقي اتخذ في اللا وعي، لحظة نشاط الدماغ الأولى، أي قبل إدراك الإنسان له بنحو ثلث ثانية، وقبل الشروع في الحركة بنحو نصف الثانية. وأن لحظة إدراك المشاركين لهذا القرار، التي تلت النشاط الكهربائي، ليست إلا صدى للقرار الحقيقي. عمم ليبيت نتائج التجربة، وتأويله لها، فجعل منها نموذجًا يسري على جميع حركات الإنسان وقراراته أيضًا.
واستنتج ليبيت من تلك التجربة - ومن يستدل بها من الملحدين وأتباعهم - أن الإنسان ليس له إرادة حرة، وأن كل قراراته تصنع في مراكز المخ ثم ينفذها الإنسان بلا خيارات وكأننا روبوتات تحكمها الجينات، روبوتات أو دُمى حيوكيميائية : Biochemical puppet
-- ولم يذكر هؤلاء الملحدون - وأتباعهم - أن هناك من العلماء من قام بتجارب تثبت عكس ذلك تماماً
ويأتي على رأس هؤلاء العلماء ، العالم المعاصر / ألفريد ريمن ميلي( Alfred Remen Mele)
وميلي هو أستاذ الفلسفة بجامعة ولاية فلوريدا، كما تولى إدارة مشروع «أسئلة كبرى حول حرية الإرادة» (Big Questions in Free Will Project) المدعوم من مؤسسة جون تمبلتون، خلال سنواته الأربع. كتب ميلي نحو مائتي مقالة وعشرة كتب ، تتكلم معظمها عن إثبات العلم لقضية "حرية الإرادة " من أهمها كتاب «حُرٌّ: لماذا لم ينف العلم حرية الإرادة»، الصادر عن دار نشر جامعة أكسفورد.
-- ومن هؤلاء العلماء أيضا - الذين أثبتوا - بالعلم - وجود إرادة حرة للإنسان - رائد علم جراحة الأعصاب / ويلدر بنفيلد توفي في ابريل 1976 والذي كان يُطلق عليه ساعتها "أعظم كندي حي"
-- تجارب بنفيلد في إثبات حرية الإرادة :
جمع ويلدر بنفيلد العديد من الملاحظات السريرية على المرضى مفتوحي الدماغ ووضع تلك الملاحظات في كتاب أسماه بـ " The Mystery of Mind"،
" غموض أو لغز العقل " واستدلّ بنفيلد على الفروق بين العقل والمخ من ملاحظاته على استجابات المرضي الذين يتعرّضون لتنبيهات دماغية، إذ لاحظ أن هناك تعارضاً بين الإستجابات العصبية وإرادة الشخص. وهذا التعارض يدلّل على وجود اختلاف بين خصائص العقل وخصائص المخ؛ فلو أن المخّ يمثّل العقل لكانت الإثارة المخية تعكس ما يريده الشخص. ولكي تتّضح هذه الصورة وتبرهن قام بنفيلد بتنبيه للمركز العصبي الخاص بحركة اليد وكنتيجة طبيعية تحركت يد المريض، إلا أن الأمر الذي ينطلق منه بنفيلد هو ما عبّر به المريض من قوله بأن يدي تحركت رغمًا عني !!!!! وهذا يعني في وجهة نظر بنفيلد أن هناك إرادة ترفض هذه الحركة توجد ( خارج المخّ ) والذي عبّر عنه بالعقل. كذلك قام بنفيلد بتنبيه مركز الكلام وعلى إثره عجز المريض عن إخراج الكلمات بمعنى أن بنفيلد كان ينبّه مركز الكلام ويطلب من المريض أن يتلفظ بكلمة "فراشة" مثلًا، وكنتيجة طبيعية عجز المريض عن القول بذلك مع رغبته وتحفّزه للتلفّظ بها. وبعد أن أوقف بنفيلد تنبيه تلك المنطقة قال المريض بصوت عالي " فراشة" وكأنه كان محبوسا عن الكلام !!!!
-- مجموعة تلك الملاحظات السريري التي قام بها العالم ( بنفيلد) تؤكّد على وجود إرادة حرة في عقل الإنسان منفصلة تماما عن المخ ( قوة ميتافيزيقية) أي قوة غيبية خارج الجسد !!!!!!
( هناك تجارب أخرى موجودة في الكتاب المذكور " لغز العقل" ونقلها كثير من الباحثين "
فلماذا يذكر هؤلاء تجربة ليبيت في ( نفى الإرادة الحرة) ولا يذكرون تجارب بنفيلد وميلي في إثباتها؟؟!!
-- وهناك تجارب أخرى وكلام لعلماء آخرين، أثبتوا حرية الإرادة ، و أثبتوا أن العقل ليس هو الدماغ، بل الدماغ ما هو إلا أداة تنفيذ لتلك القوة الغيبية التي تسمى بالعقل.
بعض البراهين العقلية التي تثبت حرية الإرادة :
-- لو كان الإنسان عبارة عن جسد فقط ( روبوتات حيوكيميائية) كما يقول الملحدون فبماذا يفسر هؤلاء هذه الأمور :
-- بم تفسر - أيها الملحد - العمليات الفدائية التي يقوم بها بعض الجنود في الحروب ، فهل الجسد هو الذي يضحي بنفسه أم أن هناك إرادة أعلى وأقوى من الجسد هي التي تأمره وتحركه نحو العملية الفدائية بكل شجاعة ورضا؟
-- وبم تفسر - أيها الملحد - قدرة الإنسان على كبح شهوات جسده بالصيام مثلاً ؟ فالجسد بلا شك يشتهي الطعام ولكن هناك قوة أقوى وأعلى من الجسد تمنعه وتتحكم فيه وهي الإرادة .
الفكر الإلحادي وإنكار حرية الإرادة
-- لا حاجة إذن لكتابة الدساتير والقوانين، ولا حاجة إذن لوجود السجون والمعتقلات ، فكل البشر يتصرفون بلا وعي ولا قصد ولا إرادة ، إذ كيف سنحاكم مُجرِماً على فعل هو لم يكن له اختيار فيه؟!
-- لا فرق إذن بين السفاح الذي يقتل الآلاف وبين رجل الخير الذي يبني المدارس والمستشفيات، فكلاهما مجبور على ذلك لا خيار له فيه.
-- لا داعي لكسب العلوم والمعارف فمن أين أعرف الصواب من الخطأ حتى أختار أحدهما وأترك الآخر، فالحتمية المادية لا تعرف قصد الصواب فضلا عن أن تعرف التفريق بينه وبين الخطأ!!!! بل وليس هناك خير أو شر في النظرة الإلحادية!!!!!!
-- ما الداعي إذن لدعوة الملحدين لإلحادهم ، أو المؤمنين لإيمانهم ودخولهم في مناظرات- فحسب عقيدة الملحد - المؤمن مجبر على إيمانه ، والملحد مجبر على إلحاده.
-- ما قيمة الحب والحزن والتقدير وكل المشاعر والأحاسيس الموجودة والمتبادلة بين الناس ، وكلها ليست بإرادة الإنسان فهي نتيجة تفاعلات حتمية وإشارات عصبية داخل جسم الإنسان، فالكل عبارة عن روبوتات غير صادقين في مشاعرهم ؟؟!!
وكما يقول د. هيثم طلعت في مقاله : الإلحاد يفسد القيم :
وداخل العالم الإلحادي تصبح أكبر الجرائم خالية من المعيارية والمعنى وبالتالي لا يمكن انتقادها!
فيصبح الإغتصاب - مثلاً - مجرد حركات عضلية متكررة بلا غاية ولا معنى، وتصبح كل الإبادات الشمولية بلا أدنى معيارية، فلا فرق بيولوجي بين إبادة أُمَّة بأكملها وإبادة مستعمرات بكتيرية خلال عملية المضمضة!
هكذا يتحول الإنسان في العالم المادي الإلحادي إلى روبوت لا يمكن محاكمته أو ضبط قيمته، أو معرفة غاية وجوده، أو معنى تصرفاته، وينهار الإنسان وتنهار معه كل الآمال في عالمٍ أفضل، ويتسمم كل شيء وتتسمم القيمة فالذين نسوا الله أنساهم أنفسهم {نسوا الله فأنساهم أنفسهم} (سورة الحشر:١٩)
وختاماً :
ما علاقة ما بيناه بوجود الله عز وجل أو عدمه؟
-- إذا ثبت - كما بينا أعلاه - أن هناك إرادة حرة للإنسان خارج المخ والجسد وأعلى وأقوى منه ( أي أنها قوة ميتافيزيقية غيبية ) فمن أين جاءت تلك القوة ؟ ومن الذي أودعها في الإنسان؟؟!!
المصادر
Philosophical Foundations for a Christian Worldview Edited by J. P. Moreland and William Lane Craig p240
شموع اول النهار عبد الله العجيري
مقال العلم يؤكد الدين
https://www.google.com/url?sa=t&sour...hu8HoZXbX3p_Yu