خصائص كوكب الارض:
"كوكب الأرض متفرد". وورد - براونلي
حينما يتحدث بعض الملحدين عن الأرض.. فإنهم يقللون من شأنها وقيمتها طبقا لحجمها – المادي - کجرم صغير بالنسبة لهذا الكون الشاسع، فبالنسبة لهم لا يوجد شيء غير عادي عن الأرض، إنها صخرة متوسطة بسيطة تدور بتلقانية حول مميز في مجرة غير مميزة - بقعة منعزلة في هذا الظلام الكوني الرهيب . فهل الأرض کوکب عادي؟! وهل هي مجرد جرم صغير بين أجرام الكون المتناثرة؟!
للإجابة على هذه الأسئلة دعنا نبحر في رح رحلة صغيرة نستكشف من خلالها كوكب الأرض من أول تشکله ، مرورا بخواصه الذاتية، وانتهاء بخواصه البيئية. لقد امتاز تشكل كوكب الأرض بالعديد من الخواص الفريدة التي دعمت الحياة على سطحه ومنها التالي:
أولا : تشكيل الأرض :
أي مشروع إنشائي يتطلب أن تكون مواد البناء في الموقع قبل أن يبدأ البناء الفعلي. وكان تشكيل الأرض لا يختلف عن هذا. فموقع الأرض، وحجمها، وتركيبتها، وبنيتها، وجوها، ودرجة حرارتها، وحركاتها الداخلية، ودوائرها المعقدة الضرورية للحياة (دورة الكربون، ودورة الأكسجين، ودورة النيتروجين، ودورة الفوسفور، ودورة الكبريت، ودورة الكالسيوم، ودورة الصوديوم... إلخ) تشهد بأن كوكبنا متزن بإتقان) لا يوجد کوکب مثل الأرض في المناطق الخارجية من المجرة".
فلقد تشكلت الأرض داخل المنطقة القابلة للسکنی من الشمس. والمفارقة الكبرى في الكواكب الأرضية هي: أنه إذا تشكلت الكواكب قريبة بما فيه الكفاية من منطقة النجم الصالحة للسكنى.. فإنها عادة ما تنتهي مع القليل جدا من الماء وندرة العناصر الأساسية المكونة للحياة (مثل: النيتروجين والكربون) بالمقارنة مع الأجسام التي تشكلت في النظام الشمسي الخارجي".
الكون المبكر يجب أن يكون بلا حياة - أو على الأقل – فارغا من الحياة المتقدمة بشكل ملحوظ جدا، وهناك أيضا قيود على الوقت الذي خلاله يمكن أن تظهر کواکب شبيهة بالأرض في الكون، والتي توفر الدعم الكافي للحياة المتقدمة. كذلك ليس من الممكن تماما استنساخ أرض حقيقية تتشكل الآن حول نجوم أخرى؛ إذ لن يكون هناك ما يكفي من الحرارة المشعة من القلب لدفع الصفائح التكتونية، وهي عملية تساعد بشكل أساسي على استقرار درجة حرارة سطح الأرض". لقد تشكلت الأرض في الوقت المناسب من عمر الكون بما يدعم وجود حياة على سطحها.
تضمن التشكيل النهائي للأرض على العديد من الآثار الهيكلية الحاسمة :
أولا: وجود ما يكفي من المعادن في وقت مبكر في الأرض للسماح بتشكيل الحديد، وغناء المنطقة الداخلية الأعمق - القلب - بالنيكل، ويوجد کسائل بشكل جزئي، وهذا يتيح للأرض الحفاظ على المجال المغناطيسي، وهي خاصية قيمة لكوكب تستديم عليه الحياة.
ثانيا: كان هناك ما يكفي من المعادن المشعة (مثل اليورانيوم) لإنتاج ما يكفي من التسخين الإشعاعي للمناطق الداخلية للكوكب، وذلك لفترة طويلة. هذا، وتتمتع الأرض بفرن داخلي طويل الأمد، والذي جعل لها تاريخا طويلا في بناء الجبال والصفائح التكتونية اللازمة أيضا - كما نعتقد - للحفاظ على بيئة مناسبة للحيوانات.
وأخيرا: كانت الأرض في وقت مبكر قادرة بالتآلف - التشكل – لإنتاج قشرة خارجية رقيقة جدا من المواد ذات الكثافة المنخفضة، وهي خاصية تسمح للصفائح التكتونية بالعمل. إن سمك و استقرار (تب الأرض، الوشاح، والقشرة) لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تجمع - تشکل - محظوظ من عناصر البنات البناء الصحيحة".
تشكل كوكب الأرض بحيث يشتمل على عدة عوامل سمحت له بدعم الحياة المتقدمة؛ حيث تمتلك الأرض:
(1) على الأقل: الكميات اللازمة من الكربون والعناصر المكونة للحياة الهامة الأخرى.
(۲) الماء على السطح أو بالقرب منها.
(3) الغلاف الجوي المناسب.
(4) فترة طويلة جدا من الاستقرار مما سمح خلالها لمتوسط درجة حرارة السطح بوجود الماء السائل على سطح الأرض.
(5) وفرة غنية من العناصر الثقيلة في قلبها ونشرها في جميع أنحاء مناطق القشرة والوشاح".
كما نشكل كوكب الأرض بشكل يناسب امتلاكه القلب المعدني الصلب / السائل الذي يحتوي على بعض المواد المشعة التي تنتج الحرارة. ويبدو أن كلا السمتين ضروریتان لوجود الحياة الحيوانية، فالقلب المعدني ينتج المجال المغناطيسي الذي يحمي سطح الأرض من الإشعاع القادم من الفضاء، والحرارة المشعة من القلب - الوشاح والقشرة - وقود الصفائح التكتونية، والتي من وجهة نظرنا هي أيضا ضرورية للحفاظ على الحياة.
ثانيا : موقع الأرض:
الأرض (فقط) ذات موقع على مسافة متوسطة من الشمس = ۹۳ ملیون میل، مما ينشئ درجات حرارة مناسبة لتشكل الجزيئات المعقدة. فالموقع الخاص بكوكب الأرض يعطي البشر نافذة خاصة إلى النظام الشمسي، مجرة درب التبانة، والكون نفسه. في أي مجرة أخرى تقريبا، وفي أي مكان آخر، وفي أي وقت آخر في التاريخ الكوني.. فإن طريقة عرض الأرض إلى المنطقة المحيطة بها تكون غير مستقرة جدا، بحيث أن الشكل والهيكل والحجم، وغيرها من خصائص المجرة والكون تبقى غامضة إلى أي مراقبين واعيين". لقد تضمن كوكب الأرض بالزمان والمكان المناسبين المراقبين واعين مثلنا.
بسبب موقع الأرض المميز.. فإن مخلوقات الأرض تتمتع بالنظر بشكل خاص لروعة الكون. في أي مكان آخر ودون أي وقت آخر في الكون، فإن مثل هذا المجد لن يكون واضحا". فمن بين كل الأماكن الممكنة في الأرض بظروف تسمح ليس فقط للسكن، ولكنها في الوقت نفسه متجانسة لتصنع - بامتياز - تنوعا مذهلا من القياسات من علم الكونيات وعلم الفلك المجري إلى الفيزياء الفلكية والجيوفيزياء الكون.. تتمتع !
إن موقع الأرض يعد واحدا من أكثر السمات الأساسية الداعمة للحياة على سطحها؛ حيث بعدها عن الشمس يبدو مثاليا. في أي منظومة کوكبية هناك مناطق - المسافات من النجم المركزي - حيث يمكن أن تحدث بيئة سطحية مماثلة للحالة الراهنة على الأرض. المنطقة الملائمة أو البعد عن النجم هو الأساس لتحديد المنطقة القابلة للسكني» (المشار إليها من قبل علماء البيولوجيا الفلكية باسم HZ)، المنطقة الصالحة للحياة في نظام الكواكب قد يوجد بها أرض مستنسخة. ومنذ بدء العمل بذلك.. وقد تم اعتماد مفهوم المنطقة القابلة للسكنى على نطاق واسع، وكانت موضوع العديد من المؤتمرات العلمية الكبرى، بما في ذلك مؤتمرا عقده (کارل ساجان) قرب نهاية مسيرته الرائعة وباستعراض المناطق القابلة لشکنى الحيوانات وكذلك الميكروبات خلال کوننا ومجرتنا وأيضا شمسنا.. يؤدي ذلك إلى نتيجة لا مفر منها: الأرض هي مكان نادر في الواقع".
ثالثا: دوران الأرض :
استقرار مدارات الكواكب ضرورة واضحة لوجود الحياة على واحد منها، وهو أمر مستمد من حقيقة أن الجاذبية تطيع قانون التربيع العكسي). حيث يميل محور دوران الأرض حول الشمس بزاوية ميل حوالي 23.5، وتدور حول الشمس بشكل بيضاوي حيث تتغير المسافة بيننا وبين الشمس باستمرار من موضع لآخر. وتتميز الأرض أثناء دورانها بنقطتين هامتين:
١ - نقطة (الحضيض) (perihelion)تكون الأرض عند أقرب نقطة من الشمس وذلك على بعد 147.5 مليون كم، وعندما تكون الأرض في وضع الحضيض.. فإن الجزء المائي منها هو الذي يميل تجاه الشمس بالزاوية 23,5 درجة. وبالتالي فعند امتصاص الماء لضوء الشمس، فإنه يحتفظ بهذه الحرارة ولا يشعها بسرعة، مما يتسبب في خفض درجة الحرارة إلى أقل ما يمكن = فصل الشتاء
٢- نقطة (الأوج) aphelion): )وتكون الأرض عند أبعد نقطة عن الشمس، وذلك على بعد ۱۰۲ مليون كم تقريبا. وعندما تكون الأرض في وضع الأوج فإن جزء اليابسة منها هو الذي يميل تجاه الشمس بالزاوية 23,5 درجة، وذلك؛ لأن الجزء المحتوي على اليابسة يكون هو المائل تجاه الشمس بزاوية 23,5 درجة، فتقوم اليابسة بامتصاص الشمس وإشعاعها بسرعة، مما يؤدي لرفع حرارة الجو، وتكون درجة الحرارة عندها أكبر ما يمكن = فصل الصيف.
فلو لم تكن الأرض مائلة بهذه الزاوية .. لأصبح عندنا فصلان، أحدهما شديد الحرارة، والآخر شديد البرودة). فلا بد أن تكون فترة الدوران مناسبة؛ إذ لو كانت أكبر مما هي عليه.. فإن التغير في درجات حرارة النهار سيكون كبيرا جدا بما لا يناسب الحياة. وإذا كانت أقصر.. فإن سرعات الرياح الجوية ستكون كبيرة جدا بما لا يناسب الحياة. كذلك، فإن التغير في درجة الحرارة من النهار إلى الليل سيكون بطيئا جدا بالنسبة لوجود الحياة.
رابعا : وفرة المياه :
بحث (لورانس هندرسونه) (L. J. Henderson) في الخصال الكيميائية وكشف عن عدد كبير من المواد ذات خصائص غريبة، والتي لا غنى عنها الحياة . المياه - على سبيل المثال - فريدة من نوعها تماما في قدرتها على تحليل المواد الأخرى، في تمددها الشاذ عندما تبرد بالقرب من نقطة التجمد، في التوصيل الحراري في أوساط السوائل العادية، في توتر سطحه، وخصائص أخرى عديدة. أظهر هندرسون أن هذه الصفات الغريبة تجعل الماء أمرا ضروريا لأي نوع من الحياة.
هذه الخواص جعلت (هندرسون) يقول:
يمكن للمرء دراسة النظام الغائي وفق معايير التحليل الاحتمالي في مناطق أخرى من العلوم الطبيعية، وبالتالي ما تم التوصل إليه من خلال هذا التحليل لديه قوة مماثلة، ففرصة هذا التجمع الفريد من هذه الخصائص يجب أن يتم قبل «حادث» یکاد یکون متناهيا في الصغر (أي: أقل من أي احتمال يمكن اعتباره عملیا). فرصة أن كل واحدة من هذه الخصائص السعة الحرارية، التوتر السطحي، وعدد من الجزيئات المحتملة، إلخ کمجموعة متكاملة (في حد ذاته) وبالتعاون مع الآخرين.. يجب أن تكون هي أيضا متناهية الصغر، ولذلك؛ هناك علاقة سببية ذات صلة بين خصائص عالم الكيمياء الحيوية الشهير بجامعة هارفارد وعضو الأكاديمية الألمانية للعلوم اليوبولدينا، والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم من العناصر واستقلالية التطور.
إن بعض خصائص الماء الحرارية التي تعطيه ملاءمته الغريبة - کانخفاض كثافته تحت الدرجة 4 م، وكون الثلج أقل كثافة من الماء – تظهر کمخالفة مفتعلة لما يبدو أنه قانون طبيعي، فمن الملاحظ أن الصفتين المختلفتين للماء تعملان معا على تأقلمه؛ ليناسب هدف حفظ التجمعات المائية السائلة على سطح الكوكب. إن تقدم عملية التجمد والذوبان، والتبخر والتكاثف.. تنتج حسب معرفتنا عبر طريقة معينة. وحالة تجمد الماء أعلاه، أو طوفان الثلج.. يبدو توسط نسب هذه التغيرات كنتيجة لمخالفة القانون الطبيعي، أي: أن « القانون، الذي يكون قاعدة بسيطة تخص تأثیرات درجة الحرارة، ويبدو لبرهة أنه القانون الذي نراه لبساطته القانون الأكثر وضوحا لهذه ولغيرها من الحالات الأخرى، هذا القانون تم تعديله في نقاط حرجة معينة بحيث ينتج هذه التأثيرات النافعة. إن الخصائص الحرارية المختلفة للماء تشمل تمدده الشاذ دون درجة 4 م، وتمدده عند درجة التجمد، بحيث يساهم کلاهما بالملائمة الرائعة للحفاظ على الماء بحالته السائلة، ويظهران كصفتين مستقلتين متعاضدتين، بينما ندرك أن هاتين الصفتين يمكن أن تكون مختلفتين. فالحالة الشاذة من الماء الذي يتمدد في التجميد، وبالتالي منع البحيرات من أن يصبح الجليد الصلب من أسفل إلى أعلى، وبالتالي قتل أي حياة قد تكون فيها. إن التغير في القيمة سيغير من هذه الخصائص، وقد أثبت هذا بعض الاعتبارات التي تجعل من الواضح أن الكون» الإنساني هو كون خاص جدا في الواقع".
حيث يوفر الماء النسيج السائل الذي تجري ضمنه كل الأنشطة الكيماوية والفيزيائية الحيوية، والتي و وجود الحياة عليها، فبدون الماء يستحيل وجود الحياة التي على الأرض ولو شبهنا الأنشطة الحيوية للخلايا بحركات الأحجار على رقعة الشطرنج.. فإن الماء يمثل الرقعة، وطالما أنه من المستحيل أن تلعب الشطرنج دون رقعة.. فمن غير الممكن أن توجد الحياة بلا ماء. والماء أيضا بشكل معظم كتلة أغلب الكائنات، فغالبيتها تتركب من نسبة أكبر من 50٪ من الماء، أما الإنسان فيشكل الماء أكثر من 70% من وزنه".
بالإضافة لدور الماء في إيجاد واستمرار البيئة المستقرة من الناحيتين الكيماوية والفيزيائية على سطح الأرض.. فإن خصائص الماء الحرارية، والتوتر السطحي، وقدرته على حل العدد الواسع من مختلف أنواع المواد، ولزوجته المنخفضة التي تسمح بدخول وخروج الجزئيات الصغيرة في الخلايا عبر الانتشار البسيط، وتمكن خاصية اللزوجة المنخفضة على جهاز الدوران، لو لم تكن خواص الماء هذه بتلك الدقة.. فإن احتمالية وجود الحياة المعتمدة على الكربون سيغدو مستحيلا. بل إن لزوجة الثلج أيضا موافقة لدعم الحياة، فلو كانت لزوجته أكبر.. لربما احتبس ماء الأرض كله في صفائح ثلجية واسعة وثابتة في القطبين. ولو أن خواص الماء الحرارية اختلفت قليلا.. سيتعذر الحفاظ على حرارة أجسام الكائنات دافئة الدم. لا يوجد أي سائل آخر في الوجود له صفات قريبة من صفات الماء تجعله صالحا کوسط مثالي لحياة معتمدة على الكربون. وحقيقة الأمر: أن خصائص الماء بمفردها تقدم دليلا ربما يعادل ما قدمه علما الفيزياء والكون الدعم الفرضية القائلة أن «قوانين الطبيعة قد أحكمت بشكل (خاص) يناسب الحياة المعتمدة على الكربون»..
والخصائص الحرارية للماء كالآتي:
١- تقلص الماء أثناء تبريده حتى قبيل التجمد بقليل، ثم تمدده حتى يتحول إلى ثلج، وتمدده عند التجمد كذلك، هذه صفات متفردة علميا؛ إذ بدونها سيتجمد معظم الماء الذي على الأرض بشكل ملائم في مهارات واسعة من الجليد في قاع المحيطات، وستتجمد البحيرات كاملة من القاع إلى الأعلى في كل شتاء في خطوط العرض الأعلى.
۲ - يتم امتصاص الحرارة من البيئة عند ذوبان الثلج أو تبخر الماء، وتتحرر الحرارة عند حدوث العملية المعاكسة، وتسمى هذه الظاهرة بالحرارة الكامنة، ومجددا نرى أن حرارة تجمد الماء الكامنة هي الأعلى مقارنة بالسوائل المعروفة. ودون هذه الصفات سيتعرض مناخ الأرض التغيرات أكثر سرعة في درجات الحرارة، بحيث تختفي وتظهر البحيرات لصغيرة والأنهار بشكل مستمر.
3 - السعة الحرارية (Specifec Thermal Capacity) للماء، والتي تعرف بأنها كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة الماء درجة مئوية واحدة، هي الأعلى مقارنة بمعظم السوائل الأخرى. وبدونها سيزداد الفرق بين الشتاء والصيف بعدا، وتكون نماذج الجو أقل استقرارا، وتقل قدرة تيارات المحيط الكبير (کتبار الخليج الذي ينقل الآن كميات هائلة من حرارة المناطق المدارية إلى القطبين) على تعديل الفروق الحرارية بين خطوط العرض القريبة والبعيدة.
- التوصيلية الحرارية للماء: فقدرة الماء على نقل الحرارة أكبر بأربعة أضعاف من أي سائل شائع، وبدون ذلك يصعب على الخلايا أن توزع الحرارة بالتساوي في أرجاء الخلية؛ لعدم قدرتها على استعمال تیارات الحمل الحراري".
حقيقة: لا يوجد إطلاقا أي سائل أخر يمكن ترشيحه كمنافس للماء ولو بشكل بعيد في عمله كوسيط لحياة أساسها الكربون. ولو لم يوجد الماء لوجب أن يخترع. وبدون السلسلة الطويلة من المصادفات الحيوية في مواصفات الماء الفيزيائية والكيميائية، فلا يمكن لوجود حياة معتمدة على الكربون بأي شكل يمكن مقارنته ولو من بعيد بتلك الحياة التي توجد على الأرض. ولن نكون أشكال الحياة المعتمدة على الكربون الذكية) موجودين بالتأكيد لنتساءل عن خصائص السائل الحيوي هذا الذي يجعل منه شيء حي.
ولو وجدت حياة مشابهة لحياتنا في أي مكان في هذا الكون على أرض أخرى.. فسيكون هنالك ماء وبكل الاحتمالات ستوجد بحار وأنهار وغيوم وأمطار، وستوجد عواصف وشلالات وجبال جليدية، وستكسر الموج على شواطئ ذلك العالم البعيد.
ومع هذه الخصائص الكثيرة المتأقلمة بشكل تشاركي لهذا السائل الأكثر تميزا من بين جميع السوائل.. نجد بشكل مباشر كتلة من الأدلة غير العادية من النوع الذي نتوقع وجوده لفرضية تقول بأن قوانين الطبيعة ملائمة بشكل فريد لنمط الحياة المعتمدة على الكربون، كما هي على الأرض.
وبالتالي لا يمكن اعتبار بناء الحياة اعتمادا على الوسط السائل مجرد صدفة؛ إذ من الصعب تصور وجود أي نوع من النظام الكيميائي المعقد القادر على تركيب ونسخ ذاته، والتعامل مع الذرات والجزيئات المكونة له، وتحصيل المغذيات والمكونات الحيوية من بيئته. من الصعب تصور وجود النظام الكيميائي) إلا في وسط سائل. وكما أشار (أ. إي يندهام) في كتابة تفرد المواد البيولوجية، أن الطورين الآخرين للمادة: الطور الصلب، والطور الغازي. يجب استبعادهما لأسباب قوية جدا، ففي حالة الطور الصلب سواء البلوري أو الزجاجي، حيث البلوري قد تمسكت ذراته في مصفوفة كريستالية منتظمة، بينما الزجاجي تشكلت ذراته بشكل غير منتظم، كلاهما يجعل الذرات تتصل بشكل غير مستقر مع ما حولها من الذرات الأخرى، مما يقلل من احتمال حدوث العمليات الحركية الجزيئية الضرورية الحدوث الحياة. بالمقابل.. نجد أن الغازات تتألف من ذرات حرة الحركة، ولذا؛ لا تصلح الغازات لتكون مرشحا في تكوين نسيج الحياة الكيميائي؛ نظرا لشدة تطايرها وعدم استقرارها. فلو أن قوانين الفيزياء حصرت المادة في الطورين الصلب والغازي وألغت الطور السائل.. فمن المؤكد أن الحياة ما كانت لتوجد غالبا".
إن التناسق والدقة البالغة في هذا التصميم تثبت نفسها دون الحاجة إلى برهان. فيظهر الماء باعتبار خصائصه الحرارية متأقلما بشكل فريد وفي أحيان كثيرة مثاليا للحياة على الأرض. فحسب الشروط الحرارية.. بعد الماء المرشح المتفرد والمثالي لدوره الحيوي البيولوجي".
فلو لم تكن كل مادة النباتات محررها الوحيد هو الماء، وبالتالي كل الحيوانات التي يتغذى جميعها إما بأكل العشب أو بافتراس حيوان آخر يأكل العشب، ولو لم بممر الشمس كمية هائلة من الماء.. لامتلأ الجو بالأبخرة والغيوم كي تسقي النباتات بیلسم الندئ. قد يبدو لك أول الأمر أنه من المستحيل أن يدور الدم في أجسادنا في برهة قصيرة لا تتجاوز دقائق، ولكني اعتقد أن ما يثير الدهشة أكثر أن نعلم الفترات السريعة والقصيرة لدورة الماء الكبرى، فهو الدم الحيوي لكوكب الأرض الذي يكون ويغذي كل الأشياء..
ويشير (بولكينجهورن) إلى نفس النقطة قائلا:
إن تعقيد البيولوجيا مقارنة بالفيزياء يجعل الأمر أكثر صعوبة الاستخلاص العوائق الأنثروبية مباشرة من تفاصيل العمليات البيولوجية.
ومع ذلك.. فإن من الواضح أن الحياة تتوقف في العديد من طرقها على تفاصيل خواص المادة في عالمنا. وهناك مثال بسيط هو الحالة الشاذة من الماء الذي يتوسع في حالة التجمد، وبالتالي منع البحيرات من أن يصبح الجليد الصلب من أسفل إلى أعلى، وبالتالي قتل أي حياة قد تكون فيها. إن التغير في القيمة سيغير من هذه الخصائص. وقد رسم هذا القسم بعض الاعتبارات التي تجعل من الواضح أن الكون الإنساني هو كون خاص جدا في الواقع .
ولوجود حياة معقدة - ومن ثم الحفاظ عليها - علی کوکب ما.. ينبغي تزويد الكوكب بالمياه بحيث:
• يجب أن تكون كمية الماء كبيرة بما فيه الكفاية للحفاظ على وجود
محیط لا بأس به على سطح الكوكب.
• يجب أن يكون تم ترحيل كمية الماء إلى السطح من باطن الكوكب.
• يجب ألا تضيع المياه في الفضاء
• يجب أن يكون الماء موجودا إلى حد كبير في شكل سائل.
وهذا ما يحققه كوكب الأرض بمثالية عالية، والعجيب أن أحد الأسباب الرئيسة والتي تلعب دورا هاما في كل من هذه المعايير الأربعة هي الصفائح التكتونية).
كذلك يعد الماء ضروريا لتشكيل الجرانيت، والجرانيت بدوره أمر ضروري لتشكيل القارات المستقرة. الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يمتلك الجرانيت والقارات؛ لأنه هو الكوكب الوحيد الذي لديه مياه وفيرة).
الماء متفرد مثالي؛ لملاءمة الحياة المعتمدة على الكربون والموجودة على الأرض بكثير من الطرق الرائعة والمتكاملة، وليس ملائما فقط لحياة میکروبية أحادية الخلية، لكن الحياة كائنات برية كبيرة أيضا" .
خامسا الغلاف الجوى
الغلاف الجوي للأرض عبارة عن طبقة تحتوي على مزيج من غازات بنسب متفاوتة، حيث يحتوي على حوالي: ۷۸٪ من النيتروجين و ۲۱٪ من الأكسجين و ۱٪ من الآرجون وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، والهيدروجين، والهيليوم، والنيون، والزينون. وجود هذه العناصر بهذه النسب لم يكن أمرا عبثيا، ولكنه شيء مستلزم لوجود الحياة على سطح الأرض. فنسبة الأكسجين إلى النيتروجين في الغلاف الجوي، إذا كانت أكبر من قيمتها الموجودة.. فإن وظائف الحياة المتقدمة ستمضي قدما بسرعةوكبيرة. وإذا كانت أقل.. فإن وظائف الحياة المتقدمة ستمضي ببطء شديد. وكذلك مستوي ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، إذا زاد عن قيمته.. فإن الاحتباس الحراري المؤثر بالسلب على الحياة - من شأنه أن يتطور. وإذا كان أقل.. فإن النباتات لن تكون قادرة على الحفاظ على كفاءة التمثيل الضوئي".
يحيط الغلاف الجوي بالأرض، وينجذب إليها بتأثير الجاذبية الأرضية، ويحميها من امتصاص الأشعة فوق البنفسجية، كما يعمل على اعتدال درجات الحرارة على سطحها. حيث يزيل الغلاف الجوي للأرض الأشعة فوق البنفسجية الضارة، بينما يعمل مع المحيطات ليجعل المناخ معتدلا من خلال تخزين وإعادة توزيع الطاقة الشمسية.
وتظل المجالات المغناطيسية موجودة على ارتفاع آلاف الكيلومترات فوقنا، حيث تكون طبقة الهواء في غاية الرقة، بل تكاد تكون منعدمة. ووجود هذه المجالات غاية في الأهمية لبقائنا؛ فهي تصد الأشعة الكونية والتيارات الشمسية التي تتألف من جسيمات مشحونة كهربائيا. وبهذا تمثل درعا واقيا مهما؛ لأن التعرض لهذه الإشعاعات من شأنه أن يدمر الحمض النووي للبشر. ولو حدث أن اختفى المجال المغناطيسي للأرض، كما الحال في كوكب المريخ.. فمن الممكن أن تكون هذه نهاية نوعنا؛ إذ لا يوجد فراغ خارج الأرض، بمعنى أنه لا يوجد هواء، ولا يوجد غاز في الفضاء الخارجي أو يوجد القليل منه للغاية، لكن من المؤكد وجود مجال مغناطيسي أرضي له أهمية عظيمة".
الفضاء الخارجي ليس مكانا وديا للغاية، فأحد أخطاره هو الأشعة الكونية، وهي عبارة عن جسيمات أولية - إلكترونات، بروتونات، نوئ هیلیوم ثقيلة - تسافر بسرعات تقترب من سرعة الضوء. إنها تأتي من مصادر عديدة، بما في ذلك الشمس والأشعة الكونية القادمة من السوبرنوفا البعيدة، وانفجارات النجوم. هذه الأحداث الكارثية ترسل أعدادا كبيرة من جسيمات تندفع عبر الفضاء.. بدون وجود الغلاف الجوي لن تكون هناك حياة على الأرض، فتکوینه على مدى تاريخ الأرض هو واحد من الأسباب التي أبقت كوكبنا كموطن داعم للحياة لفترة طويلة. اليوم يتم التحكم في الغلاف الجوي من خلال العمليات البيولوجية، وإنه يختلف إلى حد كبير عن تلك الكواكب الأرضية الأخرى، والتي تتراوح من کواکب ليس لديها غلاف .
أساسا (عطارد) إلى كواكب ذات غلاف جوي بها CO2 أكثر كثافة بمئة مرة (الزهرة) أو کواکب ذات غلاف جوى CO2 أقل كثافة مئة مرة (المريخ).
بدون مجالنا المغناطيسي.. فإن الأرض وشحتها للحياة سيتم قصفها من قبل تدفق مميت من الإشعاع الكوني، والرياح الشمسية - جسيمات من الشمس تضرب الغلاف الجوي العلوي بطاقة عالية - التي قد تأكل ببطء الغلاف الجوي على مدى بعيد، كما فعلت على كوكب المريخ".
يجب أن تظل درجة حرارة الأرض في مدى ملائم لوجود الماء السائل لو أردنا الحفاظ على الحياة الحيوانية. إن نطاق درجة الحرارة الذي يجتاح الأرض هو نتيجة لعوامل عديدة. أحدها وجود الغلاف الجوي. على سبيل المثال: متوسط درجة حرارة سطح القمر هي( -١٨) درجة مئوية، وهي أقل بكثير من نقطة تجمد الماء؛ لأنه ببساطة ليس لديه غلاف جوي ملموس. إذا لم يكن للأرض غلاف جوي لتغطيتها – بما في ذلك من تلك الغازات العازلة کبخار الماء وثاني أكسيد الكربون .. فإن درجة حرارتها تقریبا ستكون کدرجة حرارة القمر. إلى الآن: متوسط درجة الحرارة العالمي لكوكب الأرض (وذلك بفضل الغازات المسببة للاحتباس الحراري) يصل ل15 درجة مئوية (أي: ۳۳ درجة مئوية أكثر دفئا من القمر). غازات الاحتباس الحراري هي مفاتيح لوجود المياه العذبة على هذا الكوكب، وبالتالي فهي مفاتيح لوجود الحياة الحيوانية. الكثير من العلماء يعتقدون الآن أن توازن الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض يرتبط ارتباطا مباشرا بوجود الصفائح التكتونية".
ليس هذا فحسب، بل يعد الغلاف الجوي خاصتنا سببا رئيسيا في التطور التكنولوجي على سطح الأرض، وأحد الأمثلة للعلاقة الغريبة بين القابلية للسكنى والقابلية للقياس هو وضوح غلافنا الجوي. إن عمليات أيضا الكائنات الأرقی تتطلب ما بین ۱۰٪ إلى ۲۰٪ من الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي، وهي الكمية المطلوبة لتسهيل الاحتراق أيضا، مما يسمح بتطوير التكنولوجيا).
سادسا : الصفائح التكتونية:
من بين كل الكواكب والأقمار في مجموعتنا الشمسية.. فإن الصفائح التكتونية موجودة فقط على الأرض. ويعتقد العلماء أن أهمية الصفائح التكتونية من الصعب المبالغة فيها. فالصفائح التكتونية هي المركزي للحياة على سطح کوكب". فمن بين كل الصفات التي تجعل الأرض نادرة الصفائح التكتونية، فهي قد تكون الأكثر عمقا - من حيث التطور والحفاظ على الحياة الحيوانية - وواحدة من الأمور الأكثر أهمية). الصفائح التكتونية تلعب على الأقل ثلاثة أدوار حاسمة في الحفاظ على الحياة الحيوانية :
1 - إنها تشجع الإنتاج البيولوجي.
٢- وتعزز التنوع السياج ضد الانقراض الجماعي).
٣- وتساعد في الحفاظ على درجة حرارة معتدلة، وهو شرط ضروري للحياة الحيوانية.
4 - ومن المحتمل أن تكون الصفائح التكتونية هي الشرط الرئيسي للحياة على كوكب الأرض.
ه - كما أنها ضرورية للحفاظ على عالم مزود بالماء إذا لم تكن الصفائح التكتونية على الأرض قد خلقت مساحات كبيرة الأراضي على نحو متزاید (وذلك بإنتاج مساحات شاسعة بجوار القارات مع مناطق المياه الضحلة حيث الحجر الجيري يمكن أن يتشكل بسهولة)...
فإن الأرض ربما تكون قد وصلت إلى متوسط درجات حرارة أكبر من اللازمة للحياة الحيوانية. وكانت درجة الحرارة الشاملة قد تجاوزت ۱۰۰ درجة مئوية، وبالتالي فإن المحيطات قد غلت منذ زمن بعيد، وكميات هائلة من المياه أصبحت بخارا في الغلاف الجوي. وهذا من شأنه يكتب نهاية مأساوية لجميع أشكال الحياة على سطح كوكب الأرض.
مد الصفائح التكتونية كوكب الأرض و الحياة على سطحه بميزات متعددة، منها:
١ - الصفائح التكتونية تعزز مستويات عالية من التنوع البيولوجي العالمي. إن الدفاع الرئيسي ضد الانقراض الجماعي هو التنوع البيولوجي المرتفع. نحن هنا نحاجج بأن العامل الأكثر أهمية على الأرض للحفاظ على التنوع خلال الوقت هو الصفائح التكتونية.
۲ - الصفائح التكتونية توفر الحرارة العالمية لكوكبنا عن طريق إعادة تدوير المواد الكيميائية الحيوية للحفاظ على حجم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي موحدا نسبيا، وبالتالي فقد كانت - الصفائح التكتونية - أهم آلية مكنت الماء السائل للبقاء على سطح الأرض لأكثر من 4 مليارات سنة.
٣- الصفائح التكتونية هي القوة المهيمنة التي تسبب تغيرات فى مستوى سطح البحر، والتي - كما تبين – تعتبر حيوية لتشكيل المعادن التي تحافظ على تحقيق مستوى ثاني أكسيد الكربون العالمي (وبالتالي درجة الحرارة العالمية)
4 – خلقت الصفايح التكتونية للقارات علي كوكب الأرض ، والتي - كما تبين – فبدون الصفائح التكتونية قد تبدو الأرض إلى حد كبير كما كانت خلال المليار سنة ونصف الأولى من وجودها: عالم مائي، مع (فقط) جزر بركانية معزولة كنقط على سطح الكوكب، أو أنها قد تبدو معادية أكثر للحياة دون القارات، فنحن سنفقد في الحال أهم عنصر للحياة «الماء» وبذلك ستشبه - الأرض - كوكب الزهرة.
ه - وأخيرا: الصفائح التكتونية تجعل وجود واحد من أقوى أنظمة الدفاع للأرض ممكنا (مجالها المغناطيسي).
فالصفائح التكتونية تعزز التعقيد البيئي، وبالتالي زيادة التنوع الحيوي على نطاق عالمي. عالم به قارات جبلية، ومحيطات، وجزر لا تعد ولا تحصى - مثل: تلك التي تنتجها الصفائح التكتونية -، هو أكثر تعقيدا، ويوفر المزيد من التحديات التطورية أكثر من کواکب دون صفائح تكتونية".
إن معدل الانخفاض في النشاط التكتوني يتم بصورة مثالية، بحيث يهيء القشرة الأرضية للحفاظ على الحياة الحيوانية الموجودة على سطح الأرض. ولو كان معدل هذا النشاط أبطأ.. فإن ظروف القشرة الأرضية ستكون غير مستقرة للغاية بالنسبة لحياة متقدمة. وإذا كان أسرع.. فإن المادة المغذية القشرة الأرضية - مادة توفر التغذية الضرورية للنمو والحفاظ على الحياة - لن تكون كافية لحياة مستدامة على الأرض.
سابعا : العناصر الكيميائية:
العناصر هي (اللبنات الأولية لكل من الكواكب والحياة). حيث يوجد ما لا يقل عن 36 عنصرا ضروريا من العناصر الكيميائية المعروفة لمجمل الكائنات الأرضية، ۲۷ على الأقل منها مطلوبة من أجل البشر، و۱۷ للكائنات الحية الدقيقة. فعناصر الفوسفور (P) والبوتاسيوم (K) هي «كونيا» الأقل إمدادا، وكمياتها اللازمة لجعل الإنسان يمكن أن يتواجد (فقط) من متوسط الحد الأدنى لحجم المجرة حوالي ٢×710 من الشمس. فلا يزال تاریخ و تطور العناصر الكيميائية التي تشكل المنظومات الحية ذا فائدة كبيرة".
من بين أهم هذه العناصر: الحديد والماغنيسيوم والسيليكون والأكسجين لتكوين بنية الأرض. واليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم لتوفير النشاط الإشعاعي الحراري في باطنها. والكربون والنيتروجين والأكسجين والهيدروجين والفوسفور والعناصر الرئيسة «الإحيائية» التي توفر البنية والكيمياء الجزيئية المعقدة للحياة. فعناصر الكربون والأكسجين والهيدروجين والنيتروجين تهيمن على المناطق القابلة للسکنی أو الحياة.
الكربون عنصر نادر في الأرض، ولكن - كما لاحظنا - فهو عنصر أساسي الحياة البرية، وخصائصه الكيميائية الغنية هي کائنات أجنبية - فضائية - أيضا. الهيدروجين كذلك عنصر نادر في کوکب الأرض، ولا زال يعتبر أحد الهبات الرئيسة للمحيطات، وجميع مصادر المياه والسوائل اللازمة للحياة البرية. العناصر النادرة الأخرى الهامة هي اليورانيوم والبوتاسيوم والثوريوم واضمحلال هذه العناصر الإشعاعية تسخن باطن الأرض، وهي وقود الفرن الداخلي الذي يدفع البراكين ويجعل حركة المادة عمودية في باطن الأرض، ويسبب انجراف القارات على سطحها.
فوفرة العناصر الثقيلة تدخل في اعتبارات الأرض النادرة؛ لأنها تؤثر على كتلة وحجم الكواكب. فإذا تشكلت الأرض حول نجم مع انخفاض وفرة العناصر الثقيلة، كان يمكن أن تكون أصغر؛ لأنه كان يمكن أن تكون ذات مادة أقل صلابة في الدائرة الحلقية من الحطام المتراكم".
وعلاوة على ذلك.. فإن خصائص الهيدروجين، والكربون - ذات بعض الانحرافات من بين جميعا العناصر جعلت هذه العناصر (وخصائصها) أساسية للكائنات الحية). في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين، اكتشف فريد هويل) أن الصنع المتقن والمذهل لطاقات الحالة الأرضية النووية الهيليوم، والبريليوم، والكربون، والأكسجين.. ضروري لأي نوع من الحياة في الوجود. حيث طاقات الحالة الأرضية لهذه العناصر لا يمكن أن تكون أعلى أو أقل بالنسبة لبعضها البعض بأكثر من 4٪ بدون رضوخ الكون لنسبة غير كافية من الأكسجين أو الكربون اللازم للحياة). الحياة التي تأتي إلى حيز الوجود يجب أن تقوم على الماء، وثاني أكسيد الكربون، والمركبات الأساسية لل (N ،O ،H ،C) على وجه الخصوص .
ثامنا : الظواهر الكارثية
يبدو أن كل ظاهرة طبيعية تحدث للأرض هي أمر أساسي، وسبب رئيسي في دعم الحياة على كوكب الأرض، حتى الظواهر الكارثية التي دائما ما ينزعج منها البعض، باعتبارها شرور ومصائب، هنا يسأل البعض: وأين الله؟! أين الله من كل هذه الشرور التي توجد؟ فما الحكمة من هذه الكوارث؟ وهل هي شر محض؟ سنأخذ فقط ثلاثة أمثلة منها؛ لنبين مدى أهميتها:
۱ - النشاط الزلزالي (seismic activity): الزلزال، أحد أكبر المخاطر التي تهدد منطقة سكانية، وتدمر حياتها – من وجهة نظرنا -، لكن هل للزلازل أهمية؟
يعتقد العلماء أن «للزلازل» أهمية بالغة في دعم الحياة؛ حيث يتم الزلزال بمعدل نشاطي معين يتناسب مع التوزان البيئي، وإعادة تدوير المواد الغذائية التي يحتاجها الكائن الحي. ولو كان النشاط الزلزالي أكبر مما هو عليه.. فستدمر الحياة، وسيكون النظام البيئي معطوبا. وإذا كان أقل.. فلا يمكن إعادة تدوير المواد الغذائية على قيعان المحيطات من جريان النهر إلى القارات وذلك من خلال الحركات التكتونية، وبالتالي فلن ينتج ثاني أكسيد الكربون ما يكفي من الكربونات المتراكمة).
۲ - النشاط البركانيvolcanic activity): تخيل أن كل «البراكين» على سطح الأرض انقطعت فجأة. هذا سيوقف العديد من عشرات الانفجارات البركانية التي تحدث في القارات كل عام عادة ما . هذا ضجة إعلامية كبيرة و ضررا قليلا). ولكن توقف النشاط البركاني سيكون له تأثير أكثر عمقا بكثير. إذا توقفت كل النشاطات البركانية .. فسيتوقف انتشار قاع البحر عن الانتشار، وبالتالي الصفائح التكتونية أيضا، وإذا توقفت الصفائح التكتونية.. فإن الأرض في نهاية المطاف (ستتأكل من كل مكان) وتفقد معظم أو كل القارات التي تتواجد معظم الحياة عليها. وبالإضافة إلى ذلك: تتم إزالة CO2 من الغلاف الجوي عن طريق العوامل الجوية، مما يتسبب في تجمید كوكبنا).
يعد النشاط البركاني أحد العوامل الرئيسة في دعم الحياة على سطح الأرض، ولو كان معدل النشاط البركاني أقل مما هو عليه.. فسعاد كميات غير كافية من غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء إلى الغلاف الجوي. كما أن تمعدن التربة لن يكون كافيا لدعم الحياة المتقدمة. وإذا كان أعلى
فستدمر الحياة المتقدمة، وسيكون النظام البيئي معطوبا) .
۳- معدل احتراق الغابات والأعشاب: حتى احتراق الغابات والأعشاب يتم بمعدل ومدن معین، بحيث يسمح للحياة أن تنمو وتزدهر على سطح الأرض، ولو كان معدل احتراق الغابات أكبر.. فستكون الحياة مستحيلة، ولو كان أقل.. فستتراكم مثبطات النمو جنبا إلى جنب مع عدم كفاية النترجة التي من شأنها أن تجعل التربة مناسبة لإنتاج الغذاء).
تاسعا : الكوكب المعجزة:
إن الخواص الفريدة التي تميزت بها الأرض على سائر الكواكب التي تعرفها - وربما مالا نعرفها - جعلت العلماء يؤلفون الكتب في وصفها، ومدن مناسبتها للحياة على سطحها، ومدى تفردها عن غيرها من الكواكب. فكتب أحدهم کتابا بعنوان «الأرض النادرة»، وكتب آخر کتابا بعنوان الكوكب المميز ،... إلخ. فلماذا كانت الأرض بالنسبة لغيرها من الكواكب أشبه بالكوكب المعجزة؟!
١- كوكب الأرض هو العالم الوحيد المعروف حتى الآن لإيواء الحياة. لا يوجد مكان آخر - على الأقل في المستقبل القريب – والذي يمكن لجنسنا البشري أن يهاجر إليه). فالأرض فريدة من نوعها في كل خصائصها الفيزيائية وأثبتت قدرتها لإمكانية استمرار الحياة على سطحها. حقيقة: إنه من غير المحتمل في أي وقت أن تتكرر الأرض".
۲ - كوكب الأرض أهم من كونه كوكبا واحدا من بلايين الكواكب،فهو يبدو الآن استثنائيا؛ حيث تتضمن البيانات أن الأرض ربما تكون الكوكب الوحيد في المكان المناسب وفي الزمان المناسب .
٣- في إحدى المرات أجرى الفلكي الشهير (اوكيفي) الفضاء بعض الحسابات التقدير احتمال الأحوال الصحيحة لوجود الحياة في مكان آخر، واستنتج أنه: إن كانت افتراضاته صحيحة بناء على الاحتمالات الرياضية.. فإن كوكبا واحدا في الكون توجد فيه حياة ذكية ونحن نعرف كوكبا واحدا - وهو الأرض - ولكن ليس مؤكدا أن هناك كواكب أخرى كثيرة، وربما لا توجد كواكب أخرئ).
4 - الأرض هي الكوكب المناسب لتقدم الحضارة والتكنولوجيا، يقول (جورج بريمهول):
إن خلق المواد الخام ووجودها بالقرب من سطح الأرض هي نتاج ما هو أكثر من كونه مجرد صدفة جيولوجية بسيطة، فوجود سلسلة من الأحداث الكيميائية والفيزيائية التي ظهرت في البيئة الصحيحة، وفي المسار الصحيح، وقد تبعتها أحوال مناخية معينة.. بإمكانه أن يرفع هذه المحتويات إلى تركيز عال، وهذا حاسم للغاية لتقدم الحضارة والتكنولوجيا".
5 - الأرض هي المكان الوحيد المعروف في الكون لإمكانية توافر الحياة، لكنها واحدة فقط من (ربما) الملايين من البيئات في مجرتنا، وتريليونات في الكون، التي أيضا قد تؤوي الحياة. ومع ذلك.. فمن وجهة نظر (منحازة) يبدو أن الأرض هي [تماما] کوکب مسحور بحيث يمتلك الخصائص المناسبة للنوع الوحيد من الحياة التي نعلمها. لقد تشكلت - الأرض - في المكان المناسب في النظام الشمسي، وخضعت لمجموعة بارزة وغير عادية في الضبط من العمليات التطورية. حتى العديد من جيرانها في النظام الشمسي لعبت أدورا كبيرة ودعمت الأرض في جعلها موطنا ملائما للحياة. يمكن أن ينظر إلى طبيعة الأرض شبه المثالية باعتبارها مهد الحياة في عصور ما قبل التاريخ لنشأتها من التركيب الكيميائي لها، وتطورها في وقت مبكر").
6- وبالاستنتاج بأن الحياة المعقدة ليست متوفرة أو شائعة في كوننا، ستكون فرضية الأرض النادرة هيا الحل المحتمل المفارقة فيرمي» التي تقول بأنه: «إذا كانت الحياة الفضائية الخارجية شائعة في الكون.. فلماذا لم تظهر لنا تلك الحياة؟!»).
۷- خلال عقدين من الزمن، كتالوج الكواكب خارج المجموعة الشمسية ازداد إلى أكثر من ۲۰۰۰ کوکب خارج النظام الشمسي المعروف. وباستخدام بيانات من تلك الكواكب والنجوم المضيفة - أي: التي تدور حولها الكواكب -.. طور علماء الفلك نماذج لتحديد معلومات حول کواکب لم تكتشف بعد، وبناء على تلك النماذج يقدر علماء الفلك أن الكون المرئي يحتوي على ما يقارب ٢٠۱۰ من الكواكب البرية! وعلى سبيل المقارنة، في مكان ما بين ٢٢10 -٢٤۱۰ من النجوم الموجودة في الكون المرئي في المئة من النجوم تمتلك كواكب صخرية. هذه النماذج تسمح أيضا لعلماء الفلك بمقارنة الكواكب الخارجية البرية بكوكب الأرض، فوسط تلك المقارنات تتميز الأرض بثلاثة أوجه على الأقل).
۸- كل هذا جعل (ريتشارد دوكنز) أحد أشرس ملاحدة العصر يعترف ضمنيا بميزة كوكب الأرض قائلا: «مقارنة بمعظم الكواكب فإن هذه الأرض = جنة، وأجزاء الأرض لا تزال جنة بكل المقاييس، ما هي احتمالات أن كوكبا مختارا عشوائيا تتوافر فيه كل هذه الخصائص اللطيفة؟ حتى أفضل الحسابات تفاؤلا ستجعل النسبة أقل من واحد في المليون!» .
9 - ربما تكون النتيجة الأكثر إثارة في هذا البحث أن: الأرض نادرة؛ لما تحتوي عليه من معادن وفيرة، وكذلك موقعها بالنسبة للشمس. كما أن قلب أرضنا الغني بالمعادن هو المسئول عن الكثير من حسن ضيافتها للحياة".
۱۰ - يبدو أنه يستحيل وجود کوکب صالح للحياة كالأرض؛ نظرا الاستحالة تطابق جميع القيم الحرجة اللازمة لنشوء الحياة. الأرض کوکب متفرد).خصائص كوكب الارض:
"كوكب الأرض متفرد". وورد - براونلي
حينما يتحدث بعض الملحدين عن الأرض.. فإنهم يقللون من شأنها وقيمتها طبقا لحجمها – المادي - کجرم صغير بالنسبة لهذا الكون الشاسع، فبالنسبة لهم لا يوجد شيء غير عادي عن الأرض، إنها صخرة متوسطة بسيطة تدور بتلقانية حول مميز في مجرة غير مميزة - بقعة منعزلة في هذا الظلام الكوني الرهيب . فهل الأرض کوکب عادي؟! وهل هي مجرد جرم صغير بين أجرام الكون المتناثرة؟!
للإجابة على هذه الأسئلة دعنا نبحر في رح رحلة صغيرة نستكشف من خلالها كوكب الأرض من أول تشکله ، مرورا بخواصه الذاتية، وانتهاء بخواصه البيئية. لقد امتاز تشكل كوكب الأرض بالعديد من الخواص الفريدة التي دعمت الحياة على سطحه ومنها التالي:
أولا : تشكيل الأرض :
أي مشروع إنشائي يتطلب أن تكون مواد البناء في الموقع قبل أن يبدأ البناء الفعلي. وكان تشكيل الأرض لا يختلف عن هذا. فموقع الأرض، وحجمها، وتركيبتها، وبنيتها، وجوها، ودرجة حرارتها، وحركاتها الداخلية، ودوائرها المعقدة الضرورية للحياة (دورة الكربون، ودورة الأكسجين، ودورة النيتروجين، ودورة الفوسفور، ودورة الكبريت، ودورة الكالسيوم، ودورة الصوديوم... إلخ) تشهد بأن كوكبنا متزن بإتقان) لا يوجد کوکب مثل الأرض في المناطق الخارجية من المجرة".
فلقد تشكلت الأرض داخل المنطقة القابلة للسکنی من الشمس. والمفارقة الكبرى في الكواكب الأرضية هي: أنه إذا تشكلت الكواكب قريبة بما فيه الكفاية من منطقة النجم الصالحة للسكنى.. فإنها عادة ما تنتهي مع القليل جدا من الماء وندرة العناصر الأساسية المكونة للحياة (مثل: النيتروجين والكربون) بالمقارنة مع الأجسام التي تشكلت في النظام الشمسي الخارجي".
الكون المبكر يجب أن يكون بلا حياة - أو على الأقل – فارغا من الحياة المتقدمة بشكل ملحوظ جدا، وهناك أيضا قيود على الوقت الذي خلاله يمكن أن تظهر کواکب شبيهة بالأرض في الكون، والتي توفر الدعم الكافي للحياة المتقدمة. كذلك ليس من الممكن تماما استنساخ أرض حقيقية تتشكل الآن حول نجوم أخرى؛ إذ لن يكون هناك ما يكفي من الحرارة المشعة من القلب لدفع الصفائح التكتونية، وهي عملية تساعد بشكل أساسي على استقرار درجة حرارة سطح الأرض". لقد تشكلت الأرض في الوقت المناسب من عمر الكون بما يدعم وجود حياة على سطحها.
تضمن التشكيل النهائي للأرض على العديد من الآثار الهيكلية الحاسمة :
أولا: وجود ما يكفي من المعادن في وقت مبكر في الأرض للسماح بتشكيل الحديد، وغناء المنطقة الداخلية الأعمق - القلب - بالنيكل، ويوجد کسائل بشكل جزئي، وهذا يتيح للأرض الحفاظ على المجال المغناطيسي، وهي خاصية قيمة لكوكب تستديم عليه الحياة.
ثانيا: كان هناك ما يكفي من المعادن المشعة (مثل اليورانيوم) لإنتاج ما يكفي من التسخين الإشعاعي للمناطق الداخلية للكوكب، وذلك لفترة طويلة. هذا، وتتمتع الأرض بفرن داخلي طويل الأمد، والذي جعل لها تاريخا طويلا في بناء الجبال والصفائح التكتونية اللازمة أيضا - كما نعتقد - للحفاظ على بيئة مناسبة للحيوانات.
وأخيرا: كانت الأرض في وقت مبكر قادرة بالتآلف - التشكل – لإنتاج قشرة خارجية رقيقة جدا من المواد ذات الكثافة المنخفضة، وهي خاصية تسمح للصفائح التكتونية بالعمل. إن سمك و استقرار (تب الأرض، الوشاح، والقشرة) لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تجمع - تشکل - محظوظ من عناصر البنات البناء الصحيحة".
تشكل كوكب الأرض بحيث يشتمل على عدة عوامل سمحت له بدعم الحياة المتقدمة؛ حيث تمتلك الأرض:
(1) على الأقل: الكميات اللازمة من الكربون والعناصر المكونة للحياة الهامة الأخرى.
(۲) الماء على السطح أو بالقرب منها.
(3) الغلاف الجوي المناسب.
(4) فترة طويلة جدا من الاستقرار مما سمح خلالها لمتوسط درجة حرارة السطح بوجود الماء السائل على سطح الأرض.
(5) وفرة غنية من العناصر الثقيلة في قلبها ونشرها في جميع أنحاء مناطق القشرة والوشاح".
كما نشكل كوكب الأرض بشكل يناسب امتلاكه القلب المعدني الصلب / السائل الذي يحتوي على بعض المواد المشعة التي تنتج الحرارة. ويبدو أن كلا السمتين ضروریتان لوجود الحياة الحيوانية، فالقلب المعدني ينتج المجال المغناطيسي الذي يحمي سطح الأرض من الإشعاع القادم من الفضاء، والحرارة المشعة من القلب - الوشاح والقشرة - وقود الصفائح التكتونية، والتي من وجهة نظرنا هي أيضا ضرورية للحفاظ على الحياة.
ثانيا : موقع الأرض:
الأرض (فقط) ذات موقع على مسافة متوسطة من الشمس = ۹۳ ملیون میل، مما ينشئ درجات حرارة مناسبة لتشكل الجزيئات المعقدة. فالموقع الخاص بكوكب الأرض يعطي البشر نافذة خاصة إلى النظام الشمسي، مجرة درب التبانة، والكون نفسه. في أي مجرة أخرى تقريبا، وفي أي مكان آخر، وفي أي وقت آخر في التاريخ الكوني.. فإن طريقة عرض الأرض إلى المنطقة المحيطة بها تكون غير مستقرة جدا، بحيث أن الشكل والهيكل والحجم، وغيرها من خصائص المجرة والكون تبقى غامضة إلى أي مراقبين واعيين". لقد تضمن كوكب الأرض بالزمان والمكان المناسبين المراقبين واعين مثلنا.
بسبب موقع الأرض المميز.. فإن مخلوقات الأرض تتمتع بالنظر بشكل خاص لروعة الكون. في أي مكان آخر ودون أي وقت آخر في الكون، فإن مثل هذا المجد لن يكون واضحا". فمن بين كل الأماكن الممكنة في الأرض بظروف تسمح ليس فقط للسكن، ولكنها في الوقت نفسه متجانسة لتصنع - بامتياز - تنوعا مذهلا من القياسات من علم الكونيات وعلم الفلك المجري إلى الفيزياء الفلكية والجيوفيزياء الكون.. تتمتع !
إن موقع الأرض يعد واحدا من أكثر السمات الأساسية الداعمة للحياة على سطحها؛ حيث بعدها عن الشمس يبدو مثاليا. في أي منظومة کوكبية هناك مناطق - المسافات من النجم المركزي - حيث يمكن أن تحدث بيئة سطحية مماثلة للحالة الراهنة على الأرض. المنطقة الملائمة أو البعد عن النجم هو الأساس لتحديد المنطقة القابلة للسكني» (المشار إليها من قبل علماء البيولوجيا الفلكية باسم HZ)، المنطقة الصالحة للحياة في نظام الكواكب قد يوجد بها أرض مستنسخة. ومنذ بدء العمل بذلك.. وقد تم اعتماد مفهوم المنطقة القابلة للسكنى على نطاق واسع، وكانت موضوع العديد من المؤتمرات العلمية الكبرى، بما في ذلك مؤتمرا عقده (کارل ساجان) قرب نهاية مسيرته الرائعة وباستعراض المناطق القابلة لشکنى الحيوانات وكذلك الميكروبات خلال کوننا ومجرتنا وأيضا شمسنا.. يؤدي ذلك إلى نتيجة لا مفر منها: الأرض هي مكان نادر في الواقع".
ثالثا: دوران الأرض :
استقرار مدارات الكواكب ضرورة واضحة لوجود الحياة على واحد منها، وهو أمر مستمد من حقيقة أن الجاذبية تطيع قانون التربيع العكسي). حيث يميل محور دوران الأرض حول الشمس بزاوية ميل حوالي ۲۳.5، وتدور حول الشمس بشكل بيضاوي حيث تتغير المسافة بيننا وبين الشمس باستمرار من موضع لآخر. وتتميز الأرض أثناء دورانها بنقطتين هامتين:
١ - نقطة (الحضيض) (perihelion)تكون الأرض عند أقرب نقطة من الشمس وذلك على بعد 147.5 مليون كم، وعندما تكون الأرض في وضع الحضيض.. فإن الجزء المائي منها هو الذي يميل تجاه الشمس بالزاوية 23.5 درجة. وبالتالي فعند امتصاص الماء لضوء الشمس، فإنه يحتفظ بهذه الحرارة ولا يشعها بسرعة، مما يتسبب في خفض درجة الحرارة إلى أقل ما يمكن = فصل الشتاء
٢- نقطة (الأوج) aphelion): )وتكون الأرض عند أبعد نقطة عن الشمس، وذلك على بعد ۱۰۲ مليون كم تقريبا. وعندما تكون الأرض في وضع الأوج فإن جزء اليابسة منها هو الذي يميل تجاه الشمس بالزاوية ۲۳,5 درجة، وذلك؛ لأن الجزء المحتوي على اليابسة يكون هو المائل تجاه الشمس بزاوية ۲۳,5 درجة، فتقوم اليابسة بامتصاص الشمس وإشعاعها بسرعة، مما يؤدي لرفع حرارة الجو، وتكون درجة الحرارة عندها أكبر ما يمكن = فصل الصيف.
فلو لم تكن الأرض مائلة بهذه الزاوية .. لأصبح عندنا فصلان، أحدهما شديد الحرارة، والآخر شديد البرودة). فلا بد أن تكون فترة الدوران مناسبة؛ إذ لو كانت أكبر مما هي عليه.. فإن التغير في درجات حرارة النهار سيكون كبيرا جدا بما لا يناسب الحياة. وإذا كانت أقصر.. فإن سرعات الرياح الجوية ستكون كبيرة جدا بما لا يناسب الحياة. كذلك، فإن التغير في درجة الحرارة من النهار إلى الليل سيكون بطيئا جدا بالنسبة لوجود الحياة.
رابعا : وفرة المياه :
بحث (لورانس هندرسونه) (L. J. Henderson) في الخصال الكيميائية وكشف عن عدد كبير من المواد ذات خصائص غريبة، والتي لا غنى عنها الحياة . المياه - على سبيل المثال - فريدة من نوعها تماما في قدرتها على تحليل المواد الأخرى، في تمددها الشاذ عندما تبرد بالقرب من نقطة التجمد، في التوصيل الحراري في أوساط السوائل العادية، في توتر سطحه، وخصائص أخرى عديدة. أظهر هندرسون أن هذه الصفات الغريبة تجعل الماء أمرا ضروريا لأي نوع من الحياة.
هذه الخواص جعلت (هندرسون) يقول:
يمكن للمرء دراسة النظام الغائي وفق معايير التحليل الاحتمالي في مناطق أخرى من العلوم الطبيعية، وبالتالي ما تم التوصل إليه من خلال هذا التحليل لديه قوة مماثلة، ففرصة هذا التجمع الفريد من هذه الخصائص يجب أن يتم قبل «حادث» یکاد یکون متناهيا في الصغر (أي: أقل من أي احتمال يمكن اعتباره عملیا). فرصة أن كل واحدة من هذه الخصائص السعة الحرارية، التوتر السطحي، وعدد من الجزيئات المحتملة، إلخ کمجموعة متكاملة (في حد ذاته) وبالتعاون مع الآخرين.. يجب أن تكون هي أيضا متناهية الصغر، ولذلك؛ هناك علاقة سببية ذات صلة بين خصائص عالم الكيمياء الحيوية الشهير بجامعة هارفارد وعضو الأكاديمية الألمانية للعلوم اليوبولدينا، والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم من العناصر واستقلالية التطور.
إن بعض خصائص الماء الحرارية التي تعطيه ملاءمته الغريبة - کانخفاض كثافته تحت الدرجة 4 م، وكون الثلج أقل كثافة من الماء – تظهر کمخالفة مفتعلة لما يبدو أنه قانون طبيعي، فمن الملاحظ أن الصفتين المختلفتين للماء تعملان معا على تأقلمه؛ ليناسب هدف حفظ التجمعات المائية السائلة على سطح الكوكب. إن تقدم عملية التجمد والذوبان، والتبخر والتكاثف.. تنتج حسب معرفتنا عبر طريقة معينة. وحالة تجمد الماء أعلاه، أو طوفان الثلج.. يبدو توسط نسب هذه التغيرات كنتيجة لمخالفة القانون الطبيعي، أي: أن « القانون، الذي يكون قاعدة بسيطة تخص تأثیرات درجة الحرارة، ويبدو لبرهة أنه القانون الذي نراه لبساطته القانون الأكثر وضوحا لهذه ولغيرها من الحالات الأخرى، هذا القانون تم تعديله في نقاط حرجة معينة بحيث ينتج هذه التأثيرات النافعة. إن الخصائص الحرارية المختلفة للماء تشمل تمدده الشاذ دون درجة 4 م، وتمدده عند درجة التجمد، بحيث يساهم کلاهما بالملائمة الرائعة للحفاظ على الماء بحالته السائلة، ويظهران كصفتين مستقلتين متعاضدتين، بينما ندرك أن هاتين الصفتين يمكن أن تكون مختلفتين. فالحالة الشاذة من الماء الذي يتمدد في التجميد، وبالتالي منع البحيرات من أن يصبح الجليد الصلب من أسفل إلى أعلى، وبالتالي قتل أي حياة قد تكون فيها. إن التغير في القيمة سيغير من هذه الخصائص، وقد أثبت هذا بعض الاعتبارات التي تجعل من الواضح أن الكون» الإنساني هو كون خاص جدا في الواقع".
حيث يوفر الماء النسيج السائل الذي تجري ضمنه كل الأنشطة الكيماوية والفيزيائية الحيوية، والتي و وجود الحياة عليها، فبدون الماء يستحيل وجود الحياة التي على الأرض ولو شبهنا الأنشطة الحيوية للخلايا بحركات الأحجار على رقعة الشطرنج.. فإن الماء يمثل الرقعة، وطالما أنه من المستحيل أن تلعب الشطرنج دون رقعة.. فمن غير الممكن أن توجد الحياة بلا ماء. والماء أيضا بشكل معظم كتلة أغلب الكائنات، فغالبيتها تتركب من نسبة أكبر من 50٪ من الماء، أما الإنسان فيشكل الماء أكثر من 70% من وزنه".
بالإضافة لدور الماء في إيجاد واستمرار البيئة المستقرة من الناحيتين الكيماوية والفيزيائية على سطح الأرض.. فإن خصائص الماء الحرارية، والتوتر السطحي، وقدرته على حل العدد الواسع من مختلف أنواع المواد، ولزوجته المنخفضة التي تسمح بدخول وخروج الجزئيات الصغيرة في الخلايا عبر الانتشار البسيط، وتمكن خاصية اللزوجة المنخفضة على جهاز الدوران، لو لم تكن خواص الماء هذه بتلك الدقة.. فإن احتمالية وجود الحياة المعتمدة على الكربون سيغدو مستحيلا. بل إن لزوجة الثلج أيضا موافقة لدعم الحياة، فلو كانت لزوجته أكبر.. لربما احتبس ماء الأرض كله في صفائح ثلجية واسعة وثابتة في القطبين. ولو أن خواص الماء الحرارية اختلفت قليلا.. سيتعذر الحفاظ على حرارة أجسام الكائنات دافئة الدم. لا يوجد أي سائل آخر في الوجود له صفات قريبة من صفات الماء تجعله صالحا کوسط مثالي لحياة معتمدة على الكربون. وحقيقة الأمر: أن خصائص الماء بمفردها تقدم دليلا ربما يعادل ما قدمه علما الفيزياء والكون الدعم الفرضية القائلة أن «قوانين الطبيعة قد أحكمت بشكل (خاص) يناسب الحياة المعتمدة على الكربون»..
والخصائص الحرارية للماء كالآتي:
١- تقلص الماء أثناء تبريده حتى قبيل التجمد بقليل، ثم تمدده حتى يتحول إلى ثلج، وتمدده عند التجمد كذلك، هذه صفات متفردة علميا؛ إذ بدونها سيتجمد معظم الماء الذي على الأرض بشكل ملائم في مهارات واسعة من الجليد في قاع المحيطات، وستتجمد البحيرات كاملة من القاع إلى الأعلى في كل شتاء في خطوط العرض الأعلى.
۲ - يتم امتصاص الحرارة من البيئة عند ذوبان الثلج أو تبخر الماء، وتتحرر الحرارة عند حدوث العملية المعاكسة، وتسمى هذه الظاهرة بالحرارة الكامنة، ومجددا نرى أن حرارة تجمد الماء الكامنة هي الأعلى مقارنة بالسوائل المعروفة. ودون هذه الصفات سيتعرض مناخ الأرض التغيرات أكثر سرعة في درجات الحرارة، بحيث تختفي وتظهر البحيرات لصغيرة والأنهار بشكل مستمر.
3 - السعة الحرارية (Specifec Thermal Capacity) للماء، والتي تعرف بأنها كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة الماء درجة مئوية واحدة، هي الأعلى مقارنة بمعظم السوائل الأخرى. وبدونها سيزداد الفرق بين الشتاء والصيف بعدا، وتكون نماذج الجو أقل استقرارا، وتقل قدرة تيارات المحيط الكبير (کتبار الخليج الذي ينقل الآن كميات هائلة من حرارة المناطق المدارية إلى القطبين) على تعديل الفروق الحرارية بين خطوط العرض القريبة والبعيدة.
- التوصيلية الحرارية للماء: فقدرة الماء على نقل الحرارة أكبر بأربعة أضعاف من أي سائل شائع، وبدون ذلك يصعب على الخلايا أن توزع الحرارة بالتساوي في أرجاء الخلية؛ لعدم قدرتها على استعمال تیارات الحمل الحراري".
حقيقة: لا يوجد إطلاقا أي سائل أخر يمكن ترشيحه كمنافس للماء ولو بشكل بعيد في عمله كوسيط لحياة أساسها الكربون. ولو لم يوجد الماء لوجب أن يخترع. وبدون السلسلة الطويلة من المصادفات الحيوية في مواصفات الماء الفيزيائية والكيميائية، فلا يمكن لوجود حياة معتمدة على الكربون بأي شكل يمكن مقارنته ولو من بعيد بتلك الحياة التي توجد على الأرض. ولن نكون أشكال الحياة المعتمدة على الكربون الذكية) موجودين بالتأكيد لنتساءل عن خصائص السائل الحيوي هذا الذي يجعل منه شيء حي.
ولو وجدت حياة مشابهة لحياتنا في أي مكان في هذا الكون على أرض أخرى.. فسيكون هنالك ماء وبكل الاحتمالات ستوجد بحار وأنهار وغيوم وأمطار، وستوجد عواصف وشلالات وجبال جليدية، وستكسر الموج على شواطئ ذلك العالم البعيد.
ومع هذه الخصائص الكثيرة المتأقلمة بشكل تشاركي لهذا السائل الأكثر تميزا من بين جميع السوائل.. نجد بشكل مباشر كتلة من الأدلة غير العادية من النوع الذي نتوقع وجوده لفرضية تقول بأن قوانين الطبيعة ملائمة بشكل فريد لنمط الحياة المعتمدة على الكربون، كما هي على الأرض.
وبالتالي لا يمكن اعتبار بناء الحياة اعتمادا على الوسط السائل مجرد صدفة؛ إذ من الصعب تصور وجود أي نوع من النظام الكيميائي المعقد القادر على تركيب ونسخ ذاته، والتعامل مع الذرات والجزيئات المكونة له، وتحصيل المغذيات والمكونات الحيوية من بيئته. من الصعب تصور وجود النظام الكيميائي) إلا في وسط سائل. وكما أشار (أ. إي يندهام) في كتابة تفرد المواد البيولوجية، أن الطورين الآخرين للمادة: الطور الصلب، والطور الغازي. يجب استبعادهما لأسباب قوية جدا، ففي حالة الطور الصلب سواء البلوري أو الزجاجي، حيث البلوري قد تمسكت ذراته في مصفوفة كريستالية منتظمة، بينما الزجاجي تشكلت ذراته بشكل غير منتظم، كلاهما يجعل الذرات تتصل بشكل غير مستقر مع ما حولها من الذرات الأخرى، مما يقلل من احتمال حدوث العمليات الحركية الجزيئية الضرورية الحدوث الحياة. بالمقابل.. نجد أن الغازات تتألف من ذرات حرة الحركة، ولذا؛ لا تصلح الغازات لتكون مرشحا في تكوين نسيج الحياة الكيميائي؛ نظرا لشدة تطايرها وعدم استقرارها. فلو أن قوانين الفيزياء حصرت المادة في الطورين الصلب والغازي وألغت الطور السائل.. فمن المؤكد أن الحياة ما كانت لتوجد غالبا".
إن التناسق والدقة البالغة في هذا التصميم تثبت نفسها دون الحاجة إلى برهان. فيظهر الماء باعتبار خصائصه الحرارية متأقلما بشكل فريد وفي أحيان كثيرة مثاليا للحياة على الأرض. فحسب الشروط الحرارية.. بعد الماء المرشح المتفرد والمثالي لدوره الحيوي البيولوجي".
فلو لم تكن كل مادة النباتات محررها الوحيد هو الماء، وبالتالي كل الحيوانات التي يتغذى جميعها إما بأكل العشب أو بافتراس حيوان آخر يأكل العشب، ولو لم بممر الشمس كمية هائلة من الماء.. لامتلأ الجو بالأبخرة والغيوم كي تسقي النباتات بیلسم الندئ. قد يبدو لك أول الأمر أنه من المستحيل أن يدور الدم في أجسادنا في برهة قصيرة لا تتجاوز دقائق، ولكني اعتقد أن ما يثير الدهشة أكثر أن نعلم الفترات السريعة والقصيرة لدورة الماء الكبرى، فهو الدم الحيوي لكوكب الأرض الذي يكون ويغذي كل الأشياء..
ويشير (بولكينجهورن) إلى نفس النقطة قائلا:
إن تعقيد البيولوجيا مقارنة بالفيزياء يجعل الأمر أكثر صعوبة الاستخلاص العوائق الأنثروبية مباشرة من تفاصيل العمليات البيولوجية.
ومع ذلك.. فإن من الواضح أن الحياة تتوقف في العديد من طرقها على تفاصيل خواص المادة في عالمنا. وهناك مثال بسيط هو الحالة الشاذة من الماء الذي يتوسع في حالة التجمد، وبالتالي منع البحيرات من أن يصبح الجليد الصلب من أسفل إلى أعلى، وبالتالي قتل أي حياة قد تكون فيها. إن التغير في القيمة سيغير من هذه الخصائص. وقد رسم هذا القسم بعض الاعتبارات التي تجعل من الواضح أن الكون الإنساني هو كون خاص جدا في الواقع .
ولوجود حياة معقدة - ومن ثم الحفاظ عليها - علی کوکب ما.. ينبغي تزويد الكوكب بالمياه بحيث:
• يجب أن تكون كمية الماء كبيرة بما فيه الكفاية للحفاظ على وجود
محیط لا بأس به على سطح الكوكب.
• يجب أن يكون تم ترحيل كمية الماء إلى السطح من باطن الكوكب.
• يجب ألا تضيع المياه في الفضاء
• يجب أن يكون الماء موجودا إلى حد كبير في شكل سائل.
وهذا ما يحققه كوكب الأرض بمثالية عالية، والعجيب أن أحد الأسباب الرئيسة والتي تلعب دورا هاما في كل من هذه المعايير الأربعة هي الصفائح التكتونية).
كذلك يعد الماء ضروريا لتشكيل الجرانيت، والجرانيت بدوره أمر ضروري لتشكيل القارات المستقرة. الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يمتلك الجرانيت والقارات؛ لأنه هو الكوكب الوحيد الذي لديه مياه وفيرة).
الماء متفرد مثالي؛ لملاءمة الحياة المعتمدة على الكربون والموجودة على الأرض بكثير من الطرق الرائعة والمتكاملة، وليس ملائما فقط لحياة میکروبية أحادية الخلية، لكن الحياة كائنات برية كبيرة أيضا" .
خامسا الغلاف الجوى
الغلاف الجوي للأرض عبارة عن طبقة تحتوي على مزيج من غازات بنسب متفاوتة، حيث يحتوي على حوالي: ۷۸٪ من النيتروجين و ۲۱٪ من الأكسجين و ۱٪ من الآرجون وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، والهيدروجين، والهيليوم، والنيون، والزينون. وجود هذه العناصر بهذه النسب لم يكن أمرا عبثيا، ولكنه شيء مستلزم لوجود الحياة على سطح الأرض. فنسبة الأكسجين إلى النيتروجين في الغلاف الجوي، إذا كانت أكبر من قيمتها الموجودة.. فإن وظائف الحياة المتقدمة ستمضي قدما بسرعةوكبيرة. وإذا كانت أقل.. فإن وظائف الحياة المتقدمة ستمضي ببطء شديد. وكذلك مستوي ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، إذا زاد عن قيمته.. فإن الاحتباس الحراري المؤثر بالسلب على الحياة - من شأنه أن يتطور. وإذا كان أقل.. فإن النباتات لن تكون قادرة على الحفاظ على كفاءة التمثيل الضوئي".
يحيط الغلاف الجوي بالأرض، وينجذب إليها بتأثير الجاذبية الأرضية، ويحميها من امتصاص الأشعة فوق البنفسجية، كما يعمل على اعتدال درجات الحرارة على سطحها. حيث يزيل الغلاف الجوي للأرض الأشعة فوق البنفسجية الضارة، بينما يعمل مع المحيطات ليجعل المناخ معتدلا من خلال تخزين وإعادة توزيع الطاقة الشمسية.
وتظل المجالات المغناطيسية موجودة على ارتفاع آلاف الكيلومترات فوقنا، حيث تكون طبقة الهواء في غاية الرقة، بل تكاد تكون منعدمة. ووجود هذه المجالات غاية في الأهمية لبقائنا؛ فهي تصد الأشعة الكونية والتيارات الشمسية التي تتألف من جسيمات مشحونة كهربائيا. وبهذا تمثل درعا واقيا مهما؛ لأن التعرض لهذه الإشعاعات من شأنه أن يدمر الحمض النووي للبشر. ولو حدث أن اختفى المجال المغناطيسي للأرض، كما الحال في كوكب المريخ.. فمن الممكن أن تكون هذه نهاية نوعنا؛ إذ لا يوجد فراغ خارج الأرض، بمعنى أنه لا يوجد هواء، ولا يوجد غاز في الفضاء الخارجي أو يوجد القليل منه للغاية، لكن من المؤكد وجود مجال مغناطيسي أرضي له أهمية عظيمة".
الفضاء الخارجي ليس مكانا وديا للغاية، فأحد أخطاره هو الأشعة الكونية، وهي عبارة عن جسيمات أولية - إلكترونات، بروتونات، نوئ هیلیوم ثقيلة - تسافر بسرعات تقترب من سرعة الضوء. إنها تأتي من مصادر عديدة، بما في ذلك الشمس والأشعة الكونية القادمة من السوبرنوفا البعيدة، وانفجارات النجوم. هذه الأحداث الكارثية ترسل أعدادا كبيرة من جسيمات تندفع عبر الفضاء.. بدون وجود الغلاف الجوي لن تكون هناك حياة على الأرض، فتکوینه على مدى تاريخ الأرض هو واحد من الأسباب التي أبقت كوكبنا كموطن داعم للحياة لفترة طويلة. اليوم يتم التحكم في الغلاف الجوي من خلال العمليات البيولوجية، وإنه يختلف إلى حد كبير عن تلك الكواكب الأرضية الأخرى، والتي تتراوح من کواکب ليس لديها غلاف .
أساسا (عطارد) إلى كواكب ذات غلاف جوي بها CO2 أكثر كثافة بمئة مرة (الزهرة) أو کواکب ذات غلاف جوى CO2 أقل كثافة مئة مرة (المريخ).
بدون مجالنا المغناطيسي.. فإن الأرض وشحتها للحياة سيتم قصفها من قبل تدفق مميت من الإشعاع الكوني، والرياح الشمسية - جسيمات من الشمس تضرب الغلاف الجوي العلوي بطاقة عالية - التي قد تأكل ببطء الغلاف الجوي على مدى بعيد، كما فعلت على كوكب المريخ".
يجب أن تظل درجة حرارة الأرض في مدى ملائم لوجود الماء السائل لو أردنا الحفاظ على الحياة الحيوانية. إن نطاق درجة الحرارة الذي يجتاح الأرض هو نتيجة لعوامل عديدة. أحدها وجود الغلاف الجوي. على سبيل المثال: متوسط درجة حرارة سطح القمر هي -١٨ درجة مئوية، وهي أقل بكثير من نقطة تجمد الماء؛ لأنه ببساطة ليس لديه غلاف جوي ملموس. إذا لم يكن للأرض غلاف جوي لتغطيتها – بما في ذلك من تلك الغازات العازلة کبخار الماء وثاني أكسيد الكربون .. فإن درجة حرارتها تقریبا ستكون کدرجة حرارة القمر. إلى الآن: متوسط درجة الحرارة العالمي لكوكب الأرض (وذلك بفضل الغازات المسببة للاحتباس الحراري) يصل ل15 درجة مئوية (أي: ۳۳ درجة مئوية أكثر دفئا من القمر). غازات الاحتباس الحراري هي مفاتيح لوجود المياه العذبة على هذا الكوكب، وبالتالي فهي مفاتيح لوجود الحياة الحيوانية. الكثير من العلماء يعتقدون الآن أن توازن الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض يرتبط ارتباطا مباشرا بوجود الصفائح التكتونية".
ليس هذا فحسب، بل يعد الغلاف الجوي خاصتنا سببا رئيسيا في التطور التكنولوجي على سطح الأرض، وأحد الأمثلة للعلاقة الغريبة بين القابلية للسكنى والقابلية للقياس هو وضوح غلافنا الجوي. إن عمليات أيضا الكائنات الأرقی تتطلب ما بین ۱۰٪ إلى ۲۰٪ من الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي، وهي الكمية المطلوبة لتسهيل الاحتراق أيضا، مما يسمح بتطوير التكنولوجيا).
سادسا : الصفائح التكتونية:
من بين كل الكواكب والأقمار في مجموعتنا الشمسية.. فإن الصفائح التكتونية موجودة فقط على الأرض. ويعتقد العلماء أن أهمية الصفائح التكتونية من الصعب المبالغة فيها. فالصفائح التكتونية هي المركزي للحياة على سطح کوكب". فمن بين كل الصفات التي تجعل الأرض نادرة الصفائح التكتونية، فهي قد تكون الأكثر عمقا - من حيث التطور والحفاظ على الحياة الحيوانية - وواحدة من الأمور الأكثر أهمية). الصفائح التكتونية تلعب على الأقل ثلاثة أدوار حاسمة في الحفاظ على الحياة الحيوانية :
1 - إنها تشجع الإنتاج البيولوجي.
٢- وتعزز التنوع السياج ضد الانقراض الجماعي).
٣- وتساعد في الحفاظ على درجة حرارة معتدلة، وهو شرط ضروري للحياة الحيوانية.
4 - ومن المحتمل أن تكون الصفائح التكتونية هي الشرط الرئيسي للحياة على كوكب الأرض.
ه - كما أنها ضرورية للحفاظ على عالم مزود بالماء إذا لم تكن الصفائح التكتونية على الأرض قد خلقت مساحات كبيرة الأراضي على نحو متزاید (وذلك بإنتاج مساحات شاسعة بجوار القارات مع مناطق المياه الضحلة حيث الحجر الجيري يمكن أن يتشكل بسهولة)...
فإن الأرض ربما تكون قد وصلت إلى متوسط درجات حرارة أكبر من اللازمة للحياة الحيوانية. وكانت درجة الحرارة الشاملة قد تجاوزت ۱۰۰ درجة مئوية، وبالتالي فإن المحيطات قد غلت منذ زمن بعيد، وكميات هائلة من المياه أصبحت بخارا في الغلاف الجوي. وهذا من شأنه يكتب نهاية مأساوية لجميع أشكال الحياة على سطح كوكب الأرض.
مد الصفائح التكتونية كوكب الأرض و الحياة على سطحه بميزات متعددة، منها:
١ - الصفائح التكتونية تعزز مستويات عالية من التنوع البيولوجي العالمي. إن الدفاع الرئيسي ضد الانقراض الجماعي هو التنوع البيولوجي المرتفع. نحن هنا نحاجج بأن العامل الأكثر أهمية على الأرض للحفاظ على التنوع خلال الوقت هو الصفائح التكتونية.
۲ - الصفائح التكتونية توفر الحرارة العالمية لكوكبنا عن طريق إعادة تدوير المواد الكيميائية الحيوية للحفاظ على حجم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي موحدا نسبيا، وبالتالي فقد كانت - الصفائح التكتونية - أهم آلية مكنت الماء السائل للبقاء على سطح الأرض لأكثر من 4 مليارات سنة.
٣- الصفائح التكتونية هي القوة المهيمنة التي تسبب تغيرات فى مستوى سطح البحر، والتي - كما تبين – تعتبر حيوية لتشكيل المعادن التي تحافظ على تحقيق مستوى ثاني أكسيد الكربون العالمي (وبالتالي درجة الحرارة العالمية)
4 – خلقت الصفايح التكتونية للقارات علي كوكب الأرض ، والتي - كما تبين – فبدون الصفائح التكتونية قد تبدو الأرض إلى حد كبير كما كانت خلال المليار سنة ونصف الأولى من وجودها: عالم مائي، مع (فقط) جزر بركانية معزولة كنقط على سطح الكوكب، أو أنها قد تبدو معادية أكثر للحياة دون القارات، فنحن سنفقد في الحال أهم عنصر للحياة «الماء» وبذلك ستشبه - الأرض - كوكب الزهرة.
ه - وأخيرا: الصفائح التكتونية تجعل وجود واحد من أقوى أنظمة الدفاع للأرض ممكنا (مجالها المغناطيسي).
فالصفائح التكتونية تعزز التعقيد البيئي، وبالتالي زيادة التنوع الحيوي على نطاق عالمي. عالم به قارات جبلية، ومحيطات، وجزر لا تعد ولا تحصى - مثل: تلك التي تنتجها الصفائح التكتونية -، هو أكثر تعقيدا، ويوفر المزيد من التحديات التطورية أكثر من کواکب دون صفائح تكتونية".
إن معدل الانخفاض في النشاط التكتوني يتم بصورة مثالية، بحيث يهيء القشرة الأرضية للحفاظ على الحياة الحيوانية الموجودة على سطح الأرض. ولو كان معدل هذا النشاط أبطأ.. فإن ظروف القشرة الأرضية ستكون غير مستقرة للغاية بالنسبة لحياة متقدمة. وإذا كان أسرع.. فإن المادة المغذية القشرة الأرضية - مادة توفر التغذية الضرورية للنمو والحفاظ على الحياة - لن تكون كافية لحياة مستدامة على الأرض.
سابعا : العناصر الكيميائية:
العناصر هي (اللبنات الأولية لكل من الكواكب والحياة). حيث يوجد ما لا يقل عن 36 عنصرا ضروريا من العناصر الكيميائية المعروفة لمجمل الكائنات الأرضية، ۲۷ على الأقل منها مطلوبة من أجل البشر، و۱۷ للكائنات الحية الدقيقة. فعناصر الفوسفور (P) والبوتاسيوم (K) هي «كونيا» الأقل إمدادا، وكمياتها اللازمة لجعل الإنسان يمكن أن يتواجد (فقط) من متوسط الحد الأدنى لحجم المجرة حوالي ٢×710 من الشمس. فلا يزال تاریخ و تطور العناصر الكيميائية التي تشكل المنظومات الحية ذا فائدة كبيرة".
من بين أهم هذه العناصر: الحديد والماغنيسيوم والسيليكون والأكسجين لتكوين بنية الأرض. واليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم لتوفير النشاط الإشعاعي الحراري في باطنها. والكربون والنيتروجين والأكسجين والهيدروجين والفوسفور والعناصر الرئيسة «الإحيائية» التي توفر البنية والكيمياء الجزيئية المعقدة للحياة. فعناصر الكربون والأكسجين والهيدروجين والنيتروجين تهيمن على المناطق القابلة للسکنی أو الحياة.
الكربون عنصر نادر في الأرض، ولكن - كما لاحظنا - فهو عنصر أساسي الحياة البرية، وخصائصه الكيميائية الغنية هي کائنات أجنبية - فضائية - أيضا. الهيدروجين كذلك عنصر نادر في کوکب الأرض، ولا زال يعتبر أحد الهبات الرئيسة للمحيطات، وجميع مصادر المياه والسوائل اللازمة للحياة البرية. العناصر النادرة الأخرى الهامة هي اليورانيوم والبوتاسيوم والثوريوم واضمحلال هذه العناصر الإشعاعية تسخن باطن الأرض، وهي وقود الفرن الداخلي الذي يدفع البراكين ويجعل حركة المادة عمودية في باطن الأرض، ويسبب انجراف القارات على سطحها.
فوفرة العناصر الثقيلة تدخل في اعتبارات الأرض النادرة؛ لأنها تؤثر على كتلة وحجم الكواكب. فإذا تشكلت الأرض حول نجم مع انخفاض وفرة العناصر الثقيلة، كان يمكن أن تكون أصغر؛ لأنه كان يمكن أن تكون ذات مادة أقل صلابة في الدائرة الحلقية من الحطام المتراكم".
وعلاوة على ذلك.. فإن خصائص الهيدروجين، والكربون - ذات بعض الانحرافات من بين جميعا العناصر جعلت هذه العناصر (وخصائصها) أساسية للكائنات الحية). في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين، اكتشف فريد هويل) أن الصنع المتقن والمذهل لطاقات الحالة الأرضية النووية الهيليوم، والبريليوم، والكربون، والأكسجين.. ضروري لأي نوع من الحياة في الوجود. حيث طاقات الحالة الأرضية لهذه العناصر لا يمكن أن تكون أعلى أو أقل بالنسبة لبعضها البعض بأكثر من 4٪ بدون رضوخ الكون لنسبة غير كافية من الأكسجين أو الكربون اللازم للحياة). الحياة التي تأتي إلى حيز الوجود يجب أن تقوم على الماء، وثاني أكسيد الكربون، والمركبات الأساسية لل (N ،O ،H ،C) على وجه الخصوص .
ثامنا : الظواهر الكارثية
يبدو أن كل ظاهرة طبيعية تحدث للأرض هي أمر أساسي، وسبب رئيسي في دعم الحياة على كوكب الأرض، حتى الظواهر الكارثية التي دائما ما ينزعج منها البعض، باعتبارها شرور ومصائب، هنا يسأل البعض: وأين الله؟! أين الله من كل هذه الشرور التي توجد؟ فما الحكمة من هذه الكوارث؟ وهل هي شر محض؟ سنأخذ فقط ثلاثة أمثلة منها؛ لنبين مدى أهميتها:
۱ - النشاط الزلزالي (seismic activity): الزلزال، أحد أكبر المخاطر التي تهدد منطقة سكانية، وتدمر حياتها – من وجهة نظرنا -، لكن هل للزلازل أهمية؟
يعتقد العلماء أن «للزلازل» أهمية بالغة في دعم الحياة؛ حيث يتم الزلزال بمعدل نشاطي معين يتناسب مع التوزان البيئي، وإعادة تدوير المواد الغذائية التي يحتاجها الكائن الحي. ولو كان النشاط الزلزالي أكبر مما هو عليه.. فستدمر الحياة، وسيكون النظام البيئي معطوبا. وإذا كان أقل.. فلا يمكن إعادة تدوير المواد الغذائية على قيعان المحيطات من جريان النهر إلى القارات وذلك من خلال الحركات التكتونية، وبالتالي فلن ينتج ثاني أكسيد الكربون ما يكفي من الكربونات المتراكمة).
۲ - النشاط البركانيvolcanic activity): تخيل أن كل «البراكين» على سطح الأرض انقطعت فجأة. هذا سيوقف العديد من عشرات الانفجارات البركانية التي تحدث في القارات كل عام عادة ما . هذا ضجة إعلامية كبيرة و ضررا قليلا). ولكن توقف النشاط البركاني سيكون له تأثير أكثر عمقا بكثير. إذا توقفت كل النشاطات البركانية .. فسيتوقف انتشار قاع البحر عن الانتشار، وبالتالي الصفائح التكتونية أيضا، وإذا توقفت الصفائح التكتونية.. فإن الأرض في نهاية المطاف (ستتأكل من كل مكان) وتفقد معظم أو كل القارات التي تتواجد معظم الحياة عليها. وبالإضافة إلى ذلك: تتم إزالة CO2 من الغلاف الجوي عن طريق العوامل الجوية، مما يتسبب في تجمید كوكبنا).
يعد النشاط البركاني أحد العوامل الرئيسة في دعم الحياة على سطح الأرض، ولو كان معدل النشاط البركاني أقل مما هو عليه.. فسعاد كميات
غير كافية من غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء إلى الغلاف الجوي. كما أن تمعدن التربة لن يكون كافيا لدعم الحياة المتقدمة. وإذا كان أعلى
فستدمر الحياة المتقدمة، وسيكون النظام البيئي معطوبا) .
۳- معدل احتراق الغابات والأعشاب: حتى احتراق الغابات والأعشاب يتم بمعدل ومدن معین، بحيث يسمح للحياة أن تنمو وتزدهر على سطح الأرض، ولو كان معدل احتراق الغابات أكبر.. فستكون الحياة مستحيلة، ولو كان أقل.. فستتراكم مثبطات النمو جنبا إلى جنب مع عدم كفاية النترجة التي من شأنها أن تجعل التربة مناسبة لإنتاج الغذاء).
تاسعا : الكوكب المعجزة:
إن الخواص الفريدة التي تميزت بها الأرض على سائر الكواكب التي تعرفها - وربما مالا نعرفها - جعلت العلماء يؤلفون الكتب في وصفها، ومدن مناسبتها للحياة على سطحها، ومدى تفردها عن غيرها من الكواكب. فكتب أحدهم کتابا بعنوان «الأرض النادرة»، وكتب آخر کتابا بعنوان الكوكب المميز ،... إلخ. فلماذا كانت الأرض بالنسبة لغيرها من الكواكب أشبه بالكوكب المعجزة؟!
١- كوكب الأرض هو العالم الوحيد المعروف حتى الآن لإيواء الحياة. لا يوجد مكان آخر - على الأقل في المستقبل القريب – والذي يمكن لجنسنا البشري أن يهاجر إليه). فالأرض فريدة من نوعها في كل خصائصها الفيزيائية وأثبتت قدرتها لإمكانية استمرار الحياة على سطحها. حقيقة: إنه من غير المحتمل في أي وقت أن تتكرر الأرض".
۲ - كوكب الأرض أهم من كونه كوكبا واحدا من بلايين الكواكب،فهو يبدو الآن استثنائيا؛ حيث تتضمن البيانات أن الأرض ربما تكون الكوكب الوحيد في المكان المناسب وفي الزمان المناسب .
٣- في إحدى المرات أجرى الفلكي الشهير (اوكيفي) الفضاء بعض الحسابات التقدير احتمال الأحوال الصحيحة لوجود الحياة في مكان آخر، واستنتج أنه: إن كانت افتراضاته صحيحة بناء على الاحتمالات الرياضية.. فإن كوكبا واحدا في الكون توجد فيه حياة ذكية ونحن نعرف كوكبا واحدا - وهو الأرض - ولكن ليس مؤكدا أن هناك كواكب أخرى كثيرة، وربما لا توجد كواكب أخرئ).
4 - الأرض هي الكوكب المناسب لتقدم الحضارة والتكنولوجيا، يقول (جورج بريمهول):
إن خلق المواد الخام ووجودها بالقرب من سطح الأرض هي نتاج ما هو أكثر من كونه مجرد صدفة جيولوجية بسيطة، فوجود سلسلة من الأحداث الكيميائية والفيزيائية التي ظهرت في البيئة الصحيحة، وفي المسار الصحيح، وقد تبعتها أحوال مناخية معينة.. بإمكانه أن يرفع هذه المحتويات إلى تركيز عال، وهذا حاسم للغاية لتقدم الحضارة والتكنولوجيا".
5 - الأرض هي المكان الوحيد المعروف في الكون لإمكانية توافر الحياة، لكنها واحدة فقط من (ربما) الملايين من البيئات في مجرتنا، وتريليونات في الكون، التي أيضا قد تؤوي الحياة. ومع ذلك.. فمن وجهة نظر (منحازة) يبدو أن الأرض هي [تماما] کوکب مسحور بحيث يمتلك الخصائص المناسبة للنوع الوحيد من الحياة التي نعلمها. لقد تشكلت - الأرض - في المكان المناسب في النظام الشمسي، وخضعت لمجموعة بارزة وغير عادية في الضبط من العمليات التطورية. حتى العديد من جيرانها في النظام الشمسي لعبت أدورا كبيرة ودعمت الأرض في جعلها موطنا ملائما للحياة. يمكن أن ينظر إلى طبيعة الأرض شبه المثالية باعتبارها مهد الحياة في عصور ما قبل التاريخ لنشأتها من التركيب الكيميائي لها، وتطورها في وقت مبكر").
6- وبالاستنتاج بأن الحياة المعقدة ليست متوفرة أو شائعة في كوننا، ستكون فرضية الأرض النادرة هيا الحل المحتمل المفارقة فيرمي» التي تقول بأنه: «إذا كانت الحياة الفضائية الخارجية شائعة في الكون.. فلماذا لم تظهر لنا تلك الحياة؟!»).
۷- خلال عقدين من الزمن، كتالوج الكواكب خارج المجموعة الشمسية ازداد إلى أكثر من ۲۰۰۰ کوکب خارج النظام الشمسي المعروف. وباستخدام بيانات من تلك الكواكب والنجوم المضيفة - أي: التي تدور حولها الكواكب -.. طور علماء الفلك نماذج لتحديد معلومات حول کواکب لم تكتشف بعد، وبناء على تلك النماذج يقدر علماء الفلك أن الكون المرئي يحتوي على ما يقارب 2010 من الكواكب البرية! وعلى سبيل المقارنة، في مكان ما بين 2210_2410 من النجوم الموجودة في الكون المرئي في المئة من النجوم تمتلك كواكب صخرية. هذه النماذج تسمح أيضا لعلماء الفلك بمقارنة الكواكب الخارجية البرية بكوكب الأرض، فوسط تلك المقارنات تتميز الأرض بثلاثة أوجه على الأقل).
۸- كل هذا جعل (ريتشارد دوكنز) أحد أشرس ملاحدة العصر يعترف ضمنيا بميزة كوكب الأرض قائلا: «مقارنة بمعظم الكواكب فإن هذه الأرض = جنة، وأجزاء الأرض لا تزال جنة بكل المقاييس، ما هي احتمالات أن كوكبا مختارا عشوائيا تتوافر فيه كل هذه الخصائص اللطيفة؟ حتى أفضل الحسابات تفاؤلا ستجعل النسبة أقل من واحد في المليون!» .
9 - ربما تكون النتيجة الأكثر إثارة في هذا البحث أن: الأرض نادرة؛ لما تحتوي عليه من معادن وفيرة، وكذلك موقعها بالنسبة للشمس. كما أن قلب أرضنا الغني بالمعادن هو المسئول عن الكثير من حسن ضيافتها للحياة".
۱۰ - يبدو أنه يستحيل وجود کوکب صالح للحياة كالأرض؛ نظرا الاستحالة تطابق جميع القيم الحرجة اللازمة لنشوء الحياة. الأرض کوکب متفرد).
المصادر الصنع المتقن للفيزيائي الاستاذ مصطفي نصر قديح ص 295 الى ص 332
"كوكب الأرض متفرد". وورد - براونلي
حينما يتحدث بعض الملحدين عن الأرض.. فإنهم يقللون من شأنها وقيمتها طبقا لحجمها – المادي - کجرم صغير بالنسبة لهذا الكون الشاسع، فبالنسبة لهم لا يوجد شيء غير عادي عن الأرض، إنها صخرة متوسطة بسيطة تدور بتلقانية حول مميز في مجرة غير مميزة - بقعة منعزلة في هذا الظلام الكوني الرهيب . فهل الأرض کوکب عادي؟! وهل هي مجرد جرم صغير بين أجرام الكون المتناثرة؟!
للإجابة على هذه الأسئلة دعنا نبحر في رح رحلة صغيرة نستكشف من خلالها كوكب الأرض من أول تشکله ، مرورا بخواصه الذاتية، وانتهاء بخواصه البيئية. لقد امتاز تشكل كوكب الأرض بالعديد من الخواص الفريدة التي دعمت الحياة على سطحه ومنها التالي:
أولا : تشكيل الأرض :
أي مشروع إنشائي يتطلب أن تكون مواد البناء في الموقع قبل أن يبدأ البناء الفعلي. وكان تشكيل الأرض لا يختلف عن هذا. فموقع الأرض، وحجمها، وتركيبتها، وبنيتها، وجوها، ودرجة حرارتها، وحركاتها الداخلية، ودوائرها المعقدة الضرورية للحياة (دورة الكربون، ودورة الأكسجين، ودورة النيتروجين، ودورة الفوسفور، ودورة الكبريت، ودورة الكالسيوم، ودورة الصوديوم... إلخ) تشهد بأن كوكبنا متزن بإتقان) لا يوجد کوکب مثل الأرض في المناطق الخارجية من المجرة".
فلقد تشكلت الأرض داخل المنطقة القابلة للسکنی من الشمس. والمفارقة الكبرى في الكواكب الأرضية هي: أنه إذا تشكلت الكواكب قريبة بما فيه الكفاية من منطقة النجم الصالحة للسكنى.. فإنها عادة ما تنتهي مع القليل جدا من الماء وندرة العناصر الأساسية المكونة للحياة (مثل: النيتروجين والكربون) بالمقارنة مع الأجسام التي تشكلت في النظام الشمسي الخارجي".
الكون المبكر يجب أن يكون بلا حياة - أو على الأقل – فارغا من الحياة المتقدمة بشكل ملحوظ جدا، وهناك أيضا قيود على الوقت الذي خلاله يمكن أن تظهر کواکب شبيهة بالأرض في الكون، والتي توفر الدعم الكافي للحياة المتقدمة. كذلك ليس من الممكن تماما استنساخ أرض حقيقية تتشكل الآن حول نجوم أخرى؛ إذ لن يكون هناك ما يكفي من الحرارة المشعة من القلب لدفع الصفائح التكتونية، وهي عملية تساعد بشكل أساسي على استقرار درجة حرارة سطح الأرض". لقد تشكلت الأرض في الوقت المناسب من عمر الكون بما يدعم وجود حياة على سطحها.
تضمن التشكيل النهائي للأرض على العديد من الآثار الهيكلية الحاسمة :
أولا: وجود ما يكفي من المعادن في وقت مبكر في الأرض للسماح بتشكيل الحديد، وغناء المنطقة الداخلية الأعمق - القلب - بالنيكل، ويوجد کسائل بشكل جزئي، وهذا يتيح للأرض الحفاظ على المجال المغناطيسي، وهي خاصية قيمة لكوكب تستديم عليه الحياة.
ثانيا: كان هناك ما يكفي من المعادن المشعة (مثل اليورانيوم) لإنتاج ما يكفي من التسخين الإشعاعي للمناطق الداخلية للكوكب، وذلك لفترة طويلة. هذا، وتتمتع الأرض بفرن داخلي طويل الأمد، والذي جعل لها تاريخا طويلا في بناء الجبال والصفائح التكتونية اللازمة أيضا - كما نعتقد - للحفاظ على بيئة مناسبة للحيوانات.
وأخيرا: كانت الأرض في وقت مبكر قادرة بالتآلف - التشكل – لإنتاج قشرة خارجية رقيقة جدا من المواد ذات الكثافة المنخفضة، وهي خاصية تسمح للصفائح التكتونية بالعمل. إن سمك و استقرار (تب الأرض، الوشاح، والقشرة) لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تجمع - تشکل - محظوظ من عناصر البنات البناء الصحيحة".
تشكل كوكب الأرض بحيث يشتمل على عدة عوامل سمحت له بدعم الحياة المتقدمة؛ حيث تمتلك الأرض:
(1) على الأقل: الكميات اللازمة من الكربون والعناصر المكونة للحياة الهامة الأخرى.
(۲) الماء على السطح أو بالقرب منها.
(3) الغلاف الجوي المناسب.
(4) فترة طويلة جدا من الاستقرار مما سمح خلالها لمتوسط درجة حرارة السطح بوجود الماء السائل على سطح الأرض.
(5) وفرة غنية من العناصر الثقيلة في قلبها ونشرها في جميع أنحاء مناطق القشرة والوشاح".
كما نشكل كوكب الأرض بشكل يناسب امتلاكه القلب المعدني الصلب / السائل الذي يحتوي على بعض المواد المشعة التي تنتج الحرارة. ويبدو أن كلا السمتين ضروریتان لوجود الحياة الحيوانية، فالقلب المعدني ينتج المجال المغناطيسي الذي يحمي سطح الأرض من الإشعاع القادم من الفضاء، والحرارة المشعة من القلب - الوشاح والقشرة - وقود الصفائح التكتونية، والتي من وجهة نظرنا هي أيضا ضرورية للحفاظ على الحياة.
ثانيا : موقع الأرض:
الأرض (فقط) ذات موقع على مسافة متوسطة من الشمس = ۹۳ ملیون میل، مما ينشئ درجات حرارة مناسبة لتشكل الجزيئات المعقدة. فالموقع الخاص بكوكب الأرض يعطي البشر نافذة خاصة إلى النظام الشمسي، مجرة درب التبانة، والكون نفسه. في أي مجرة أخرى تقريبا، وفي أي مكان آخر، وفي أي وقت آخر في التاريخ الكوني.. فإن طريقة عرض الأرض إلى المنطقة المحيطة بها تكون غير مستقرة جدا، بحيث أن الشكل والهيكل والحجم، وغيرها من خصائص المجرة والكون تبقى غامضة إلى أي مراقبين واعيين". لقد تضمن كوكب الأرض بالزمان والمكان المناسبين المراقبين واعين مثلنا.
بسبب موقع الأرض المميز.. فإن مخلوقات الأرض تتمتع بالنظر بشكل خاص لروعة الكون. في أي مكان آخر ودون أي وقت آخر في الكون، فإن مثل هذا المجد لن يكون واضحا". فمن بين كل الأماكن الممكنة في الأرض بظروف تسمح ليس فقط للسكن، ولكنها في الوقت نفسه متجانسة لتصنع - بامتياز - تنوعا مذهلا من القياسات من علم الكونيات وعلم الفلك المجري إلى الفيزياء الفلكية والجيوفيزياء الكون.. تتمتع !
إن موقع الأرض يعد واحدا من أكثر السمات الأساسية الداعمة للحياة على سطحها؛ حيث بعدها عن الشمس يبدو مثاليا. في أي منظومة کوكبية هناك مناطق - المسافات من النجم المركزي - حيث يمكن أن تحدث بيئة سطحية مماثلة للحالة الراهنة على الأرض. المنطقة الملائمة أو البعد عن النجم هو الأساس لتحديد المنطقة القابلة للسكني» (المشار إليها من قبل علماء البيولوجيا الفلكية باسم HZ)، المنطقة الصالحة للحياة في نظام الكواكب قد يوجد بها أرض مستنسخة. ومنذ بدء العمل بذلك.. وقد تم اعتماد مفهوم المنطقة القابلة للسكنى على نطاق واسع، وكانت موضوع العديد من المؤتمرات العلمية الكبرى، بما في ذلك مؤتمرا عقده (کارل ساجان) قرب نهاية مسيرته الرائعة وباستعراض المناطق القابلة لشکنى الحيوانات وكذلك الميكروبات خلال کوننا ومجرتنا وأيضا شمسنا.. يؤدي ذلك إلى نتيجة لا مفر منها: الأرض هي مكان نادر في الواقع".
ثالثا: دوران الأرض :
استقرار مدارات الكواكب ضرورة واضحة لوجود الحياة على واحد منها، وهو أمر مستمد من حقيقة أن الجاذبية تطيع قانون التربيع العكسي). حيث يميل محور دوران الأرض حول الشمس بزاوية ميل حوالي 23.5، وتدور حول الشمس بشكل بيضاوي حيث تتغير المسافة بيننا وبين الشمس باستمرار من موضع لآخر. وتتميز الأرض أثناء دورانها بنقطتين هامتين:
١ - نقطة (الحضيض) (perihelion)تكون الأرض عند أقرب نقطة من الشمس وذلك على بعد 147.5 مليون كم، وعندما تكون الأرض في وضع الحضيض.. فإن الجزء المائي منها هو الذي يميل تجاه الشمس بالزاوية 23,5 درجة. وبالتالي فعند امتصاص الماء لضوء الشمس، فإنه يحتفظ بهذه الحرارة ولا يشعها بسرعة، مما يتسبب في خفض درجة الحرارة إلى أقل ما يمكن = فصل الشتاء
٢- نقطة (الأوج) aphelion): )وتكون الأرض عند أبعد نقطة عن الشمس، وذلك على بعد ۱۰۲ مليون كم تقريبا. وعندما تكون الأرض في وضع الأوج فإن جزء اليابسة منها هو الذي يميل تجاه الشمس بالزاوية 23,5 درجة، وذلك؛ لأن الجزء المحتوي على اليابسة يكون هو المائل تجاه الشمس بزاوية 23,5 درجة، فتقوم اليابسة بامتصاص الشمس وإشعاعها بسرعة، مما يؤدي لرفع حرارة الجو، وتكون درجة الحرارة عندها أكبر ما يمكن = فصل الصيف.
فلو لم تكن الأرض مائلة بهذه الزاوية .. لأصبح عندنا فصلان، أحدهما شديد الحرارة، والآخر شديد البرودة). فلا بد أن تكون فترة الدوران مناسبة؛ إذ لو كانت أكبر مما هي عليه.. فإن التغير في درجات حرارة النهار سيكون كبيرا جدا بما لا يناسب الحياة. وإذا كانت أقصر.. فإن سرعات الرياح الجوية ستكون كبيرة جدا بما لا يناسب الحياة. كذلك، فإن التغير في درجة الحرارة من النهار إلى الليل سيكون بطيئا جدا بالنسبة لوجود الحياة.
رابعا : وفرة المياه :
بحث (لورانس هندرسونه) (L. J. Henderson) في الخصال الكيميائية وكشف عن عدد كبير من المواد ذات خصائص غريبة، والتي لا غنى عنها الحياة . المياه - على سبيل المثال - فريدة من نوعها تماما في قدرتها على تحليل المواد الأخرى، في تمددها الشاذ عندما تبرد بالقرب من نقطة التجمد، في التوصيل الحراري في أوساط السوائل العادية، في توتر سطحه، وخصائص أخرى عديدة. أظهر هندرسون أن هذه الصفات الغريبة تجعل الماء أمرا ضروريا لأي نوع من الحياة.
هذه الخواص جعلت (هندرسون) يقول:
يمكن للمرء دراسة النظام الغائي وفق معايير التحليل الاحتمالي في مناطق أخرى من العلوم الطبيعية، وبالتالي ما تم التوصل إليه من خلال هذا التحليل لديه قوة مماثلة، ففرصة هذا التجمع الفريد من هذه الخصائص يجب أن يتم قبل «حادث» یکاد یکون متناهيا في الصغر (أي: أقل من أي احتمال يمكن اعتباره عملیا). فرصة أن كل واحدة من هذه الخصائص السعة الحرارية، التوتر السطحي، وعدد من الجزيئات المحتملة، إلخ کمجموعة متكاملة (في حد ذاته) وبالتعاون مع الآخرين.. يجب أن تكون هي أيضا متناهية الصغر، ولذلك؛ هناك علاقة سببية ذات صلة بين خصائص عالم الكيمياء الحيوية الشهير بجامعة هارفارد وعضو الأكاديمية الألمانية للعلوم اليوبولدينا، والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم من العناصر واستقلالية التطور.
إن بعض خصائص الماء الحرارية التي تعطيه ملاءمته الغريبة - کانخفاض كثافته تحت الدرجة 4 م، وكون الثلج أقل كثافة من الماء – تظهر کمخالفة مفتعلة لما يبدو أنه قانون طبيعي، فمن الملاحظ أن الصفتين المختلفتين للماء تعملان معا على تأقلمه؛ ليناسب هدف حفظ التجمعات المائية السائلة على سطح الكوكب. إن تقدم عملية التجمد والذوبان، والتبخر والتكاثف.. تنتج حسب معرفتنا عبر طريقة معينة. وحالة تجمد الماء أعلاه، أو طوفان الثلج.. يبدو توسط نسب هذه التغيرات كنتيجة لمخالفة القانون الطبيعي، أي: أن « القانون، الذي يكون قاعدة بسيطة تخص تأثیرات درجة الحرارة، ويبدو لبرهة أنه القانون الذي نراه لبساطته القانون الأكثر وضوحا لهذه ولغيرها من الحالات الأخرى، هذا القانون تم تعديله في نقاط حرجة معينة بحيث ينتج هذه التأثيرات النافعة. إن الخصائص الحرارية المختلفة للماء تشمل تمدده الشاذ دون درجة 4 م، وتمدده عند درجة التجمد، بحيث يساهم کلاهما بالملائمة الرائعة للحفاظ على الماء بحالته السائلة، ويظهران كصفتين مستقلتين متعاضدتين، بينما ندرك أن هاتين الصفتين يمكن أن تكون مختلفتين. فالحالة الشاذة من الماء الذي يتمدد في التجميد، وبالتالي منع البحيرات من أن يصبح الجليد الصلب من أسفل إلى أعلى، وبالتالي قتل أي حياة قد تكون فيها. إن التغير في القيمة سيغير من هذه الخصائص، وقد أثبت هذا بعض الاعتبارات التي تجعل من الواضح أن الكون» الإنساني هو كون خاص جدا في الواقع".
حيث يوفر الماء النسيج السائل الذي تجري ضمنه كل الأنشطة الكيماوية والفيزيائية الحيوية، والتي و وجود الحياة عليها، فبدون الماء يستحيل وجود الحياة التي على الأرض ولو شبهنا الأنشطة الحيوية للخلايا بحركات الأحجار على رقعة الشطرنج.. فإن الماء يمثل الرقعة، وطالما أنه من المستحيل أن تلعب الشطرنج دون رقعة.. فمن غير الممكن أن توجد الحياة بلا ماء. والماء أيضا بشكل معظم كتلة أغلب الكائنات، فغالبيتها تتركب من نسبة أكبر من 50٪ من الماء، أما الإنسان فيشكل الماء أكثر من 70% من وزنه".
بالإضافة لدور الماء في إيجاد واستمرار البيئة المستقرة من الناحيتين الكيماوية والفيزيائية على سطح الأرض.. فإن خصائص الماء الحرارية، والتوتر السطحي، وقدرته على حل العدد الواسع من مختلف أنواع المواد، ولزوجته المنخفضة التي تسمح بدخول وخروج الجزئيات الصغيرة في الخلايا عبر الانتشار البسيط، وتمكن خاصية اللزوجة المنخفضة على جهاز الدوران، لو لم تكن خواص الماء هذه بتلك الدقة.. فإن احتمالية وجود الحياة المعتمدة على الكربون سيغدو مستحيلا. بل إن لزوجة الثلج أيضا موافقة لدعم الحياة، فلو كانت لزوجته أكبر.. لربما احتبس ماء الأرض كله في صفائح ثلجية واسعة وثابتة في القطبين. ولو أن خواص الماء الحرارية اختلفت قليلا.. سيتعذر الحفاظ على حرارة أجسام الكائنات دافئة الدم. لا يوجد أي سائل آخر في الوجود له صفات قريبة من صفات الماء تجعله صالحا کوسط مثالي لحياة معتمدة على الكربون. وحقيقة الأمر: أن خصائص الماء بمفردها تقدم دليلا ربما يعادل ما قدمه علما الفيزياء والكون الدعم الفرضية القائلة أن «قوانين الطبيعة قد أحكمت بشكل (خاص) يناسب الحياة المعتمدة على الكربون»..
والخصائص الحرارية للماء كالآتي:
١- تقلص الماء أثناء تبريده حتى قبيل التجمد بقليل، ثم تمدده حتى يتحول إلى ثلج، وتمدده عند التجمد كذلك، هذه صفات متفردة علميا؛ إذ بدونها سيتجمد معظم الماء الذي على الأرض بشكل ملائم في مهارات واسعة من الجليد في قاع المحيطات، وستتجمد البحيرات كاملة من القاع إلى الأعلى في كل شتاء في خطوط العرض الأعلى.
۲ - يتم امتصاص الحرارة من البيئة عند ذوبان الثلج أو تبخر الماء، وتتحرر الحرارة عند حدوث العملية المعاكسة، وتسمى هذه الظاهرة بالحرارة الكامنة، ومجددا نرى أن حرارة تجمد الماء الكامنة هي الأعلى مقارنة بالسوائل المعروفة. ودون هذه الصفات سيتعرض مناخ الأرض التغيرات أكثر سرعة في درجات الحرارة، بحيث تختفي وتظهر البحيرات لصغيرة والأنهار بشكل مستمر.
3 - السعة الحرارية (Specifec Thermal Capacity) للماء، والتي تعرف بأنها كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة الماء درجة مئوية واحدة، هي الأعلى مقارنة بمعظم السوائل الأخرى. وبدونها سيزداد الفرق بين الشتاء والصيف بعدا، وتكون نماذج الجو أقل استقرارا، وتقل قدرة تيارات المحيط الكبير (کتبار الخليج الذي ينقل الآن كميات هائلة من حرارة المناطق المدارية إلى القطبين) على تعديل الفروق الحرارية بين خطوط العرض القريبة والبعيدة.
- التوصيلية الحرارية للماء: فقدرة الماء على نقل الحرارة أكبر بأربعة أضعاف من أي سائل شائع، وبدون ذلك يصعب على الخلايا أن توزع الحرارة بالتساوي في أرجاء الخلية؛ لعدم قدرتها على استعمال تیارات الحمل الحراري".
حقيقة: لا يوجد إطلاقا أي سائل أخر يمكن ترشيحه كمنافس للماء ولو بشكل بعيد في عمله كوسيط لحياة أساسها الكربون. ولو لم يوجد الماء لوجب أن يخترع. وبدون السلسلة الطويلة من المصادفات الحيوية في مواصفات الماء الفيزيائية والكيميائية، فلا يمكن لوجود حياة معتمدة على الكربون بأي شكل يمكن مقارنته ولو من بعيد بتلك الحياة التي توجد على الأرض. ولن نكون أشكال الحياة المعتمدة على الكربون الذكية) موجودين بالتأكيد لنتساءل عن خصائص السائل الحيوي هذا الذي يجعل منه شيء حي.
ولو وجدت حياة مشابهة لحياتنا في أي مكان في هذا الكون على أرض أخرى.. فسيكون هنالك ماء وبكل الاحتمالات ستوجد بحار وأنهار وغيوم وأمطار، وستوجد عواصف وشلالات وجبال جليدية، وستكسر الموج على شواطئ ذلك العالم البعيد.
ومع هذه الخصائص الكثيرة المتأقلمة بشكل تشاركي لهذا السائل الأكثر تميزا من بين جميع السوائل.. نجد بشكل مباشر كتلة من الأدلة غير العادية من النوع الذي نتوقع وجوده لفرضية تقول بأن قوانين الطبيعة ملائمة بشكل فريد لنمط الحياة المعتمدة على الكربون، كما هي على الأرض.
وبالتالي لا يمكن اعتبار بناء الحياة اعتمادا على الوسط السائل مجرد صدفة؛ إذ من الصعب تصور وجود أي نوع من النظام الكيميائي المعقد القادر على تركيب ونسخ ذاته، والتعامل مع الذرات والجزيئات المكونة له، وتحصيل المغذيات والمكونات الحيوية من بيئته. من الصعب تصور وجود النظام الكيميائي) إلا في وسط سائل. وكما أشار (أ. إي يندهام) في كتابة تفرد المواد البيولوجية، أن الطورين الآخرين للمادة: الطور الصلب، والطور الغازي. يجب استبعادهما لأسباب قوية جدا، ففي حالة الطور الصلب سواء البلوري أو الزجاجي، حيث البلوري قد تمسكت ذراته في مصفوفة كريستالية منتظمة، بينما الزجاجي تشكلت ذراته بشكل غير منتظم، كلاهما يجعل الذرات تتصل بشكل غير مستقر مع ما حولها من الذرات الأخرى، مما يقلل من احتمال حدوث العمليات الحركية الجزيئية الضرورية الحدوث الحياة. بالمقابل.. نجد أن الغازات تتألف من ذرات حرة الحركة، ولذا؛ لا تصلح الغازات لتكون مرشحا في تكوين نسيج الحياة الكيميائي؛ نظرا لشدة تطايرها وعدم استقرارها. فلو أن قوانين الفيزياء حصرت المادة في الطورين الصلب والغازي وألغت الطور السائل.. فمن المؤكد أن الحياة ما كانت لتوجد غالبا".
إن التناسق والدقة البالغة في هذا التصميم تثبت نفسها دون الحاجة إلى برهان. فيظهر الماء باعتبار خصائصه الحرارية متأقلما بشكل فريد وفي أحيان كثيرة مثاليا للحياة على الأرض. فحسب الشروط الحرارية.. بعد الماء المرشح المتفرد والمثالي لدوره الحيوي البيولوجي".
فلو لم تكن كل مادة النباتات محررها الوحيد هو الماء، وبالتالي كل الحيوانات التي يتغذى جميعها إما بأكل العشب أو بافتراس حيوان آخر يأكل العشب، ولو لم بممر الشمس كمية هائلة من الماء.. لامتلأ الجو بالأبخرة والغيوم كي تسقي النباتات بیلسم الندئ. قد يبدو لك أول الأمر أنه من المستحيل أن يدور الدم في أجسادنا في برهة قصيرة لا تتجاوز دقائق، ولكني اعتقد أن ما يثير الدهشة أكثر أن نعلم الفترات السريعة والقصيرة لدورة الماء الكبرى، فهو الدم الحيوي لكوكب الأرض الذي يكون ويغذي كل الأشياء..
ويشير (بولكينجهورن) إلى نفس النقطة قائلا:
إن تعقيد البيولوجيا مقارنة بالفيزياء يجعل الأمر أكثر صعوبة الاستخلاص العوائق الأنثروبية مباشرة من تفاصيل العمليات البيولوجية.
ومع ذلك.. فإن من الواضح أن الحياة تتوقف في العديد من طرقها على تفاصيل خواص المادة في عالمنا. وهناك مثال بسيط هو الحالة الشاذة من الماء الذي يتوسع في حالة التجمد، وبالتالي منع البحيرات من أن يصبح الجليد الصلب من أسفل إلى أعلى، وبالتالي قتل أي حياة قد تكون فيها. إن التغير في القيمة سيغير من هذه الخصائص. وقد رسم هذا القسم بعض الاعتبارات التي تجعل من الواضح أن الكون الإنساني هو كون خاص جدا في الواقع .
ولوجود حياة معقدة - ومن ثم الحفاظ عليها - علی کوکب ما.. ينبغي تزويد الكوكب بالمياه بحيث:
• يجب أن تكون كمية الماء كبيرة بما فيه الكفاية للحفاظ على وجود
محیط لا بأس به على سطح الكوكب.
• يجب أن يكون تم ترحيل كمية الماء إلى السطح من باطن الكوكب.
• يجب ألا تضيع المياه في الفضاء
• يجب أن يكون الماء موجودا إلى حد كبير في شكل سائل.
وهذا ما يحققه كوكب الأرض بمثالية عالية، والعجيب أن أحد الأسباب الرئيسة والتي تلعب دورا هاما في كل من هذه المعايير الأربعة هي الصفائح التكتونية).
كذلك يعد الماء ضروريا لتشكيل الجرانيت، والجرانيت بدوره أمر ضروري لتشكيل القارات المستقرة. الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يمتلك الجرانيت والقارات؛ لأنه هو الكوكب الوحيد الذي لديه مياه وفيرة).
الماء متفرد مثالي؛ لملاءمة الحياة المعتمدة على الكربون والموجودة على الأرض بكثير من الطرق الرائعة والمتكاملة، وليس ملائما فقط لحياة میکروبية أحادية الخلية، لكن الحياة كائنات برية كبيرة أيضا" .
خامسا الغلاف الجوى
الغلاف الجوي للأرض عبارة عن طبقة تحتوي على مزيج من غازات بنسب متفاوتة، حيث يحتوي على حوالي: ۷۸٪ من النيتروجين و ۲۱٪ من الأكسجين و ۱٪ من الآرجون وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، والهيدروجين، والهيليوم، والنيون، والزينون. وجود هذه العناصر بهذه النسب لم يكن أمرا عبثيا، ولكنه شيء مستلزم لوجود الحياة على سطح الأرض. فنسبة الأكسجين إلى النيتروجين في الغلاف الجوي، إذا كانت أكبر من قيمتها الموجودة.. فإن وظائف الحياة المتقدمة ستمضي قدما بسرعةوكبيرة. وإذا كانت أقل.. فإن وظائف الحياة المتقدمة ستمضي ببطء شديد. وكذلك مستوي ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، إذا زاد عن قيمته.. فإن الاحتباس الحراري المؤثر بالسلب على الحياة - من شأنه أن يتطور. وإذا كان أقل.. فإن النباتات لن تكون قادرة على الحفاظ على كفاءة التمثيل الضوئي".
يحيط الغلاف الجوي بالأرض، وينجذب إليها بتأثير الجاذبية الأرضية، ويحميها من امتصاص الأشعة فوق البنفسجية، كما يعمل على اعتدال درجات الحرارة على سطحها. حيث يزيل الغلاف الجوي للأرض الأشعة فوق البنفسجية الضارة، بينما يعمل مع المحيطات ليجعل المناخ معتدلا من خلال تخزين وإعادة توزيع الطاقة الشمسية.
وتظل المجالات المغناطيسية موجودة على ارتفاع آلاف الكيلومترات فوقنا، حيث تكون طبقة الهواء في غاية الرقة، بل تكاد تكون منعدمة. ووجود هذه المجالات غاية في الأهمية لبقائنا؛ فهي تصد الأشعة الكونية والتيارات الشمسية التي تتألف من جسيمات مشحونة كهربائيا. وبهذا تمثل درعا واقيا مهما؛ لأن التعرض لهذه الإشعاعات من شأنه أن يدمر الحمض النووي للبشر. ولو حدث أن اختفى المجال المغناطيسي للأرض، كما الحال في كوكب المريخ.. فمن الممكن أن تكون هذه نهاية نوعنا؛ إذ لا يوجد فراغ خارج الأرض، بمعنى أنه لا يوجد هواء، ولا يوجد غاز في الفضاء الخارجي أو يوجد القليل منه للغاية، لكن من المؤكد وجود مجال مغناطيسي أرضي له أهمية عظيمة".
الفضاء الخارجي ليس مكانا وديا للغاية، فأحد أخطاره هو الأشعة الكونية، وهي عبارة عن جسيمات أولية - إلكترونات، بروتونات، نوئ هیلیوم ثقيلة - تسافر بسرعات تقترب من سرعة الضوء. إنها تأتي من مصادر عديدة، بما في ذلك الشمس والأشعة الكونية القادمة من السوبرنوفا البعيدة، وانفجارات النجوم. هذه الأحداث الكارثية ترسل أعدادا كبيرة من جسيمات تندفع عبر الفضاء.. بدون وجود الغلاف الجوي لن تكون هناك حياة على الأرض، فتکوینه على مدى تاريخ الأرض هو واحد من الأسباب التي أبقت كوكبنا كموطن داعم للحياة لفترة طويلة. اليوم يتم التحكم في الغلاف الجوي من خلال العمليات البيولوجية، وإنه يختلف إلى حد كبير عن تلك الكواكب الأرضية الأخرى، والتي تتراوح من کواکب ليس لديها غلاف .
أساسا (عطارد) إلى كواكب ذات غلاف جوي بها CO2 أكثر كثافة بمئة مرة (الزهرة) أو کواکب ذات غلاف جوى CO2 أقل كثافة مئة مرة (المريخ).
بدون مجالنا المغناطيسي.. فإن الأرض وشحتها للحياة سيتم قصفها من قبل تدفق مميت من الإشعاع الكوني، والرياح الشمسية - جسيمات من الشمس تضرب الغلاف الجوي العلوي بطاقة عالية - التي قد تأكل ببطء الغلاف الجوي على مدى بعيد، كما فعلت على كوكب المريخ".
يجب أن تظل درجة حرارة الأرض في مدى ملائم لوجود الماء السائل لو أردنا الحفاظ على الحياة الحيوانية. إن نطاق درجة الحرارة الذي يجتاح الأرض هو نتيجة لعوامل عديدة. أحدها وجود الغلاف الجوي. على سبيل المثال: متوسط درجة حرارة سطح القمر هي( -١٨) درجة مئوية، وهي أقل بكثير من نقطة تجمد الماء؛ لأنه ببساطة ليس لديه غلاف جوي ملموس. إذا لم يكن للأرض غلاف جوي لتغطيتها – بما في ذلك من تلك الغازات العازلة کبخار الماء وثاني أكسيد الكربون .. فإن درجة حرارتها تقریبا ستكون کدرجة حرارة القمر. إلى الآن: متوسط درجة الحرارة العالمي لكوكب الأرض (وذلك بفضل الغازات المسببة للاحتباس الحراري) يصل ل15 درجة مئوية (أي: ۳۳ درجة مئوية أكثر دفئا من القمر). غازات الاحتباس الحراري هي مفاتيح لوجود المياه العذبة على هذا الكوكب، وبالتالي فهي مفاتيح لوجود الحياة الحيوانية. الكثير من العلماء يعتقدون الآن أن توازن الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض يرتبط ارتباطا مباشرا بوجود الصفائح التكتونية".
ليس هذا فحسب، بل يعد الغلاف الجوي خاصتنا سببا رئيسيا في التطور التكنولوجي على سطح الأرض، وأحد الأمثلة للعلاقة الغريبة بين القابلية للسكنى والقابلية للقياس هو وضوح غلافنا الجوي. إن عمليات أيضا الكائنات الأرقی تتطلب ما بین ۱۰٪ إلى ۲۰٪ من الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي، وهي الكمية المطلوبة لتسهيل الاحتراق أيضا، مما يسمح بتطوير التكنولوجيا).
سادسا : الصفائح التكتونية:
من بين كل الكواكب والأقمار في مجموعتنا الشمسية.. فإن الصفائح التكتونية موجودة فقط على الأرض. ويعتقد العلماء أن أهمية الصفائح التكتونية من الصعب المبالغة فيها. فالصفائح التكتونية هي المركزي للحياة على سطح کوكب". فمن بين كل الصفات التي تجعل الأرض نادرة الصفائح التكتونية، فهي قد تكون الأكثر عمقا - من حيث التطور والحفاظ على الحياة الحيوانية - وواحدة من الأمور الأكثر أهمية). الصفائح التكتونية تلعب على الأقل ثلاثة أدوار حاسمة في الحفاظ على الحياة الحيوانية :
1 - إنها تشجع الإنتاج البيولوجي.
٢- وتعزز التنوع السياج ضد الانقراض الجماعي).
٣- وتساعد في الحفاظ على درجة حرارة معتدلة، وهو شرط ضروري للحياة الحيوانية.
4 - ومن المحتمل أن تكون الصفائح التكتونية هي الشرط الرئيسي للحياة على كوكب الأرض.
ه - كما أنها ضرورية للحفاظ على عالم مزود بالماء إذا لم تكن الصفائح التكتونية على الأرض قد خلقت مساحات كبيرة الأراضي على نحو متزاید (وذلك بإنتاج مساحات شاسعة بجوار القارات مع مناطق المياه الضحلة حيث الحجر الجيري يمكن أن يتشكل بسهولة)...
فإن الأرض ربما تكون قد وصلت إلى متوسط درجات حرارة أكبر من اللازمة للحياة الحيوانية. وكانت درجة الحرارة الشاملة قد تجاوزت ۱۰۰ درجة مئوية، وبالتالي فإن المحيطات قد غلت منذ زمن بعيد، وكميات هائلة من المياه أصبحت بخارا في الغلاف الجوي. وهذا من شأنه يكتب نهاية مأساوية لجميع أشكال الحياة على سطح كوكب الأرض.
مد الصفائح التكتونية كوكب الأرض و الحياة على سطحه بميزات متعددة، منها:
١ - الصفائح التكتونية تعزز مستويات عالية من التنوع البيولوجي العالمي. إن الدفاع الرئيسي ضد الانقراض الجماعي هو التنوع البيولوجي المرتفع. نحن هنا نحاجج بأن العامل الأكثر أهمية على الأرض للحفاظ على التنوع خلال الوقت هو الصفائح التكتونية.
۲ - الصفائح التكتونية توفر الحرارة العالمية لكوكبنا عن طريق إعادة تدوير المواد الكيميائية الحيوية للحفاظ على حجم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي موحدا نسبيا، وبالتالي فقد كانت - الصفائح التكتونية - أهم آلية مكنت الماء السائل للبقاء على سطح الأرض لأكثر من 4 مليارات سنة.
٣- الصفائح التكتونية هي القوة المهيمنة التي تسبب تغيرات فى مستوى سطح البحر، والتي - كما تبين – تعتبر حيوية لتشكيل المعادن التي تحافظ على تحقيق مستوى ثاني أكسيد الكربون العالمي (وبالتالي درجة الحرارة العالمية)
4 – خلقت الصفايح التكتونية للقارات علي كوكب الأرض ، والتي - كما تبين – فبدون الصفائح التكتونية قد تبدو الأرض إلى حد كبير كما كانت خلال المليار سنة ونصف الأولى من وجودها: عالم مائي، مع (فقط) جزر بركانية معزولة كنقط على سطح الكوكب، أو أنها قد تبدو معادية أكثر للحياة دون القارات، فنحن سنفقد في الحال أهم عنصر للحياة «الماء» وبذلك ستشبه - الأرض - كوكب الزهرة.
ه - وأخيرا: الصفائح التكتونية تجعل وجود واحد من أقوى أنظمة الدفاع للأرض ممكنا (مجالها المغناطيسي).
فالصفائح التكتونية تعزز التعقيد البيئي، وبالتالي زيادة التنوع الحيوي على نطاق عالمي. عالم به قارات جبلية، ومحيطات، وجزر لا تعد ولا تحصى - مثل: تلك التي تنتجها الصفائح التكتونية -، هو أكثر تعقيدا، ويوفر المزيد من التحديات التطورية أكثر من کواکب دون صفائح تكتونية".
إن معدل الانخفاض في النشاط التكتوني يتم بصورة مثالية، بحيث يهيء القشرة الأرضية للحفاظ على الحياة الحيوانية الموجودة على سطح الأرض. ولو كان معدل هذا النشاط أبطأ.. فإن ظروف القشرة الأرضية ستكون غير مستقرة للغاية بالنسبة لحياة متقدمة. وإذا كان أسرع.. فإن المادة المغذية القشرة الأرضية - مادة توفر التغذية الضرورية للنمو والحفاظ على الحياة - لن تكون كافية لحياة مستدامة على الأرض.
سابعا : العناصر الكيميائية:
العناصر هي (اللبنات الأولية لكل من الكواكب والحياة). حيث يوجد ما لا يقل عن 36 عنصرا ضروريا من العناصر الكيميائية المعروفة لمجمل الكائنات الأرضية، ۲۷ على الأقل منها مطلوبة من أجل البشر، و۱۷ للكائنات الحية الدقيقة. فعناصر الفوسفور (P) والبوتاسيوم (K) هي «كونيا» الأقل إمدادا، وكمياتها اللازمة لجعل الإنسان يمكن أن يتواجد (فقط) من متوسط الحد الأدنى لحجم المجرة حوالي ٢×710 من الشمس. فلا يزال تاریخ و تطور العناصر الكيميائية التي تشكل المنظومات الحية ذا فائدة كبيرة".
من بين أهم هذه العناصر: الحديد والماغنيسيوم والسيليكون والأكسجين لتكوين بنية الأرض. واليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم لتوفير النشاط الإشعاعي الحراري في باطنها. والكربون والنيتروجين والأكسجين والهيدروجين والفوسفور والعناصر الرئيسة «الإحيائية» التي توفر البنية والكيمياء الجزيئية المعقدة للحياة. فعناصر الكربون والأكسجين والهيدروجين والنيتروجين تهيمن على المناطق القابلة للسکنی أو الحياة.
الكربون عنصر نادر في الأرض، ولكن - كما لاحظنا - فهو عنصر أساسي الحياة البرية، وخصائصه الكيميائية الغنية هي کائنات أجنبية - فضائية - أيضا. الهيدروجين كذلك عنصر نادر في کوکب الأرض، ولا زال يعتبر أحد الهبات الرئيسة للمحيطات، وجميع مصادر المياه والسوائل اللازمة للحياة البرية. العناصر النادرة الأخرى الهامة هي اليورانيوم والبوتاسيوم والثوريوم واضمحلال هذه العناصر الإشعاعية تسخن باطن الأرض، وهي وقود الفرن الداخلي الذي يدفع البراكين ويجعل حركة المادة عمودية في باطن الأرض، ويسبب انجراف القارات على سطحها.
فوفرة العناصر الثقيلة تدخل في اعتبارات الأرض النادرة؛ لأنها تؤثر على كتلة وحجم الكواكب. فإذا تشكلت الأرض حول نجم مع انخفاض وفرة العناصر الثقيلة، كان يمكن أن تكون أصغر؛ لأنه كان يمكن أن تكون ذات مادة أقل صلابة في الدائرة الحلقية من الحطام المتراكم".
وعلاوة على ذلك.. فإن خصائص الهيدروجين، والكربون - ذات بعض الانحرافات من بين جميعا العناصر جعلت هذه العناصر (وخصائصها) أساسية للكائنات الحية). في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين، اكتشف فريد هويل) أن الصنع المتقن والمذهل لطاقات الحالة الأرضية النووية الهيليوم، والبريليوم، والكربون، والأكسجين.. ضروري لأي نوع من الحياة في الوجود. حيث طاقات الحالة الأرضية لهذه العناصر لا يمكن أن تكون أعلى أو أقل بالنسبة لبعضها البعض بأكثر من 4٪ بدون رضوخ الكون لنسبة غير كافية من الأكسجين أو الكربون اللازم للحياة). الحياة التي تأتي إلى حيز الوجود يجب أن تقوم على الماء، وثاني أكسيد الكربون، والمركبات الأساسية لل (N ،O ،H ،C) على وجه الخصوص .
ثامنا : الظواهر الكارثية
يبدو أن كل ظاهرة طبيعية تحدث للأرض هي أمر أساسي، وسبب رئيسي في دعم الحياة على كوكب الأرض، حتى الظواهر الكارثية التي دائما ما ينزعج منها البعض، باعتبارها شرور ومصائب، هنا يسأل البعض: وأين الله؟! أين الله من كل هذه الشرور التي توجد؟ فما الحكمة من هذه الكوارث؟ وهل هي شر محض؟ سنأخذ فقط ثلاثة أمثلة منها؛ لنبين مدى أهميتها:
۱ - النشاط الزلزالي (seismic activity): الزلزال، أحد أكبر المخاطر التي تهدد منطقة سكانية، وتدمر حياتها – من وجهة نظرنا -، لكن هل للزلازل أهمية؟
يعتقد العلماء أن «للزلازل» أهمية بالغة في دعم الحياة؛ حيث يتم الزلزال بمعدل نشاطي معين يتناسب مع التوزان البيئي، وإعادة تدوير المواد الغذائية التي يحتاجها الكائن الحي. ولو كان النشاط الزلزالي أكبر مما هو عليه.. فستدمر الحياة، وسيكون النظام البيئي معطوبا. وإذا كان أقل.. فلا يمكن إعادة تدوير المواد الغذائية على قيعان المحيطات من جريان النهر إلى القارات وذلك من خلال الحركات التكتونية، وبالتالي فلن ينتج ثاني أكسيد الكربون ما يكفي من الكربونات المتراكمة).
۲ - النشاط البركانيvolcanic activity): تخيل أن كل «البراكين» على سطح الأرض انقطعت فجأة. هذا سيوقف العديد من عشرات الانفجارات البركانية التي تحدث في القارات كل عام عادة ما . هذا ضجة إعلامية كبيرة و ضررا قليلا). ولكن توقف النشاط البركاني سيكون له تأثير أكثر عمقا بكثير. إذا توقفت كل النشاطات البركانية .. فسيتوقف انتشار قاع البحر عن الانتشار، وبالتالي الصفائح التكتونية أيضا، وإذا توقفت الصفائح التكتونية.. فإن الأرض في نهاية المطاف (ستتأكل من كل مكان) وتفقد معظم أو كل القارات التي تتواجد معظم الحياة عليها. وبالإضافة إلى ذلك: تتم إزالة CO2 من الغلاف الجوي عن طريق العوامل الجوية، مما يتسبب في تجمید كوكبنا).
يعد النشاط البركاني أحد العوامل الرئيسة في دعم الحياة على سطح الأرض، ولو كان معدل النشاط البركاني أقل مما هو عليه.. فسعاد كميات غير كافية من غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء إلى الغلاف الجوي. كما أن تمعدن التربة لن يكون كافيا لدعم الحياة المتقدمة. وإذا كان أعلى
فستدمر الحياة المتقدمة، وسيكون النظام البيئي معطوبا) .
۳- معدل احتراق الغابات والأعشاب: حتى احتراق الغابات والأعشاب يتم بمعدل ومدن معین، بحيث يسمح للحياة أن تنمو وتزدهر على سطح الأرض، ولو كان معدل احتراق الغابات أكبر.. فستكون الحياة مستحيلة، ولو كان أقل.. فستتراكم مثبطات النمو جنبا إلى جنب مع عدم كفاية النترجة التي من شأنها أن تجعل التربة مناسبة لإنتاج الغذاء).
تاسعا : الكوكب المعجزة:
إن الخواص الفريدة التي تميزت بها الأرض على سائر الكواكب التي تعرفها - وربما مالا نعرفها - جعلت العلماء يؤلفون الكتب في وصفها، ومدن مناسبتها للحياة على سطحها، ومدى تفردها عن غيرها من الكواكب. فكتب أحدهم کتابا بعنوان «الأرض النادرة»، وكتب آخر کتابا بعنوان الكوكب المميز ،... إلخ. فلماذا كانت الأرض بالنسبة لغيرها من الكواكب أشبه بالكوكب المعجزة؟!
١- كوكب الأرض هو العالم الوحيد المعروف حتى الآن لإيواء الحياة. لا يوجد مكان آخر - على الأقل في المستقبل القريب – والذي يمكن لجنسنا البشري أن يهاجر إليه). فالأرض فريدة من نوعها في كل خصائصها الفيزيائية وأثبتت قدرتها لإمكانية استمرار الحياة على سطحها. حقيقة: إنه من غير المحتمل في أي وقت أن تتكرر الأرض".
۲ - كوكب الأرض أهم من كونه كوكبا واحدا من بلايين الكواكب،فهو يبدو الآن استثنائيا؛ حيث تتضمن البيانات أن الأرض ربما تكون الكوكب الوحيد في المكان المناسب وفي الزمان المناسب .
٣- في إحدى المرات أجرى الفلكي الشهير (اوكيفي) الفضاء بعض الحسابات التقدير احتمال الأحوال الصحيحة لوجود الحياة في مكان آخر، واستنتج أنه: إن كانت افتراضاته صحيحة بناء على الاحتمالات الرياضية.. فإن كوكبا واحدا في الكون توجد فيه حياة ذكية ونحن نعرف كوكبا واحدا - وهو الأرض - ولكن ليس مؤكدا أن هناك كواكب أخرى كثيرة، وربما لا توجد كواكب أخرئ).
4 - الأرض هي الكوكب المناسب لتقدم الحضارة والتكنولوجيا، يقول (جورج بريمهول):
إن خلق المواد الخام ووجودها بالقرب من سطح الأرض هي نتاج ما هو أكثر من كونه مجرد صدفة جيولوجية بسيطة، فوجود سلسلة من الأحداث الكيميائية والفيزيائية التي ظهرت في البيئة الصحيحة، وفي المسار الصحيح، وقد تبعتها أحوال مناخية معينة.. بإمكانه أن يرفع هذه المحتويات إلى تركيز عال، وهذا حاسم للغاية لتقدم الحضارة والتكنولوجيا".
5 - الأرض هي المكان الوحيد المعروف في الكون لإمكانية توافر الحياة، لكنها واحدة فقط من (ربما) الملايين من البيئات في مجرتنا، وتريليونات في الكون، التي أيضا قد تؤوي الحياة. ومع ذلك.. فمن وجهة نظر (منحازة) يبدو أن الأرض هي [تماما] کوکب مسحور بحيث يمتلك الخصائص المناسبة للنوع الوحيد من الحياة التي نعلمها. لقد تشكلت - الأرض - في المكان المناسب في النظام الشمسي، وخضعت لمجموعة بارزة وغير عادية في الضبط من العمليات التطورية. حتى العديد من جيرانها في النظام الشمسي لعبت أدورا كبيرة ودعمت الأرض في جعلها موطنا ملائما للحياة. يمكن أن ينظر إلى طبيعة الأرض شبه المثالية باعتبارها مهد الحياة في عصور ما قبل التاريخ لنشأتها من التركيب الكيميائي لها، وتطورها في وقت مبكر").
6- وبالاستنتاج بأن الحياة المعقدة ليست متوفرة أو شائعة في كوننا، ستكون فرضية الأرض النادرة هيا الحل المحتمل المفارقة فيرمي» التي تقول بأنه: «إذا كانت الحياة الفضائية الخارجية شائعة في الكون.. فلماذا لم تظهر لنا تلك الحياة؟!»).
۷- خلال عقدين من الزمن، كتالوج الكواكب خارج المجموعة الشمسية ازداد إلى أكثر من ۲۰۰۰ کوکب خارج النظام الشمسي المعروف. وباستخدام بيانات من تلك الكواكب والنجوم المضيفة - أي: التي تدور حولها الكواكب -.. طور علماء الفلك نماذج لتحديد معلومات حول کواکب لم تكتشف بعد، وبناء على تلك النماذج يقدر علماء الفلك أن الكون المرئي يحتوي على ما يقارب ٢٠۱۰ من الكواكب البرية! وعلى سبيل المقارنة، في مكان ما بين ٢٢10 -٢٤۱۰ من النجوم الموجودة في الكون المرئي في المئة من النجوم تمتلك كواكب صخرية. هذه النماذج تسمح أيضا لعلماء الفلك بمقارنة الكواكب الخارجية البرية بكوكب الأرض، فوسط تلك المقارنات تتميز الأرض بثلاثة أوجه على الأقل).
۸- كل هذا جعل (ريتشارد دوكنز) أحد أشرس ملاحدة العصر يعترف ضمنيا بميزة كوكب الأرض قائلا: «مقارنة بمعظم الكواكب فإن هذه الأرض = جنة، وأجزاء الأرض لا تزال جنة بكل المقاييس، ما هي احتمالات أن كوكبا مختارا عشوائيا تتوافر فيه كل هذه الخصائص اللطيفة؟ حتى أفضل الحسابات تفاؤلا ستجعل النسبة أقل من واحد في المليون!» .
9 - ربما تكون النتيجة الأكثر إثارة في هذا البحث أن: الأرض نادرة؛ لما تحتوي عليه من معادن وفيرة، وكذلك موقعها بالنسبة للشمس. كما أن قلب أرضنا الغني بالمعادن هو المسئول عن الكثير من حسن ضيافتها للحياة".
۱۰ - يبدو أنه يستحيل وجود کوکب صالح للحياة كالأرض؛ نظرا الاستحالة تطابق جميع القيم الحرجة اللازمة لنشوء الحياة. الأرض کوکب متفرد).خصائص كوكب الارض:
"كوكب الأرض متفرد". وورد - براونلي
حينما يتحدث بعض الملحدين عن الأرض.. فإنهم يقللون من شأنها وقيمتها طبقا لحجمها – المادي - کجرم صغير بالنسبة لهذا الكون الشاسع، فبالنسبة لهم لا يوجد شيء غير عادي عن الأرض، إنها صخرة متوسطة بسيطة تدور بتلقانية حول مميز في مجرة غير مميزة - بقعة منعزلة في هذا الظلام الكوني الرهيب . فهل الأرض کوکب عادي؟! وهل هي مجرد جرم صغير بين أجرام الكون المتناثرة؟!
للإجابة على هذه الأسئلة دعنا نبحر في رح رحلة صغيرة نستكشف من خلالها كوكب الأرض من أول تشکله ، مرورا بخواصه الذاتية، وانتهاء بخواصه البيئية. لقد امتاز تشكل كوكب الأرض بالعديد من الخواص الفريدة التي دعمت الحياة على سطحه ومنها التالي:
أولا : تشكيل الأرض :
أي مشروع إنشائي يتطلب أن تكون مواد البناء في الموقع قبل أن يبدأ البناء الفعلي. وكان تشكيل الأرض لا يختلف عن هذا. فموقع الأرض، وحجمها، وتركيبتها، وبنيتها، وجوها، ودرجة حرارتها، وحركاتها الداخلية، ودوائرها المعقدة الضرورية للحياة (دورة الكربون، ودورة الأكسجين، ودورة النيتروجين، ودورة الفوسفور، ودورة الكبريت، ودورة الكالسيوم، ودورة الصوديوم... إلخ) تشهد بأن كوكبنا متزن بإتقان) لا يوجد کوکب مثل الأرض في المناطق الخارجية من المجرة".
فلقد تشكلت الأرض داخل المنطقة القابلة للسکنی من الشمس. والمفارقة الكبرى في الكواكب الأرضية هي: أنه إذا تشكلت الكواكب قريبة بما فيه الكفاية من منطقة النجم الصالحة للسكنى.. فإنها عادة ما تنتهي مع القليل جدا من الماء وندرة العناصر الأساسية المكونة للحياة (مثل: النيتروجين والكربون) بالمقارنة مع الأجسام التي تشكلت في النظام الشمسي الخارجي".
الكون المبكر يجب أن يكون بلا حياة - أو على الأقل – فارغا من الحياة المتقدمة بشكل ملحوظ جدا، وهناك أيضا قيود على الوقت الذي خلاله يمكن أن تظهر کواکب شبيهة بالأرض في الكون، والتي توفر الدعم الكافي للحياة المتقدمة. كذلك ليس من الممكن تماما استنساخ أرض حقيقية تتشكل الآن حول نجوم أخرى؛ إذ لن يكون هناك ما يكفي من الحرارة المشعة من القلب لدفع الصفائح التكتونية، وهي عملية تساعد بشكل أساسي على استقرار درجة حرارة سطح الأرض". لقد تشكلت الأرض في الوقت المناسب من عمر الكون بما يدعم وجود حياة على سطحها.
تضمن التشكيل النهائي للأرض على العديد من الآثار الهيكلية الحاسمة :
أولا: وجود ما يكفي من المعادن في وقت مبكر في الأرض للسماح بتشكيل الحديد، وغناء المنطقة الداخلية الأعمق - القلب - بالنيكل، ويوجد کسائل بشكل جزئي، وهذا يتيح للأرض الحفاظ على المجال المغناطيسي، وهي خاصية قيمة لكوكب تستديم عليه الحياة.
ثانيا: كان هناك ما يكفي من المعادن المشعة (مثل اليورانيوم) لإنتاج ما يكفي من التسخين الإشعاعي للمناطق الداخلية للكوكب، وذلك لفترة طويلة. هذا، وتتمتع الأرض بفرن داخلي طويل الأمد، والذي جعل لها تاريخا طويلا في بناء الجبال والصفائح التكتونية اللازمة أيضا - كما نعتقد - للحفاظ على بيئة مناسبة للحيوانات.
وأخيرا: كانت الأرض في وقت مبكر قادرة بالتآلف - التشكل – لإنتاج قشرة خارجية رقيقة جدا من المواد ذات الكثافة المنخفضة، وهي خاصية تسمح للصفائح التكتونية بالعمل. إن سمك و استقرار (تب الأرض، الوشاح، والقشرة) لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تجمع - تشکل - محظوظ من عناصر البنات البناء الصحيحة".
تشكل كوكب الأرض بحيث يشتمل على عدة عوامل سمحت له بدعم الحياة المتقدمة؛ حيث تمتلك الأرض:
(1) على الأقل: الكميات اللازمة من الكربون والعناصر المكونة للحياة الهامة الأخرى.
(۲) الماء على السطح أو بالقرب منها.
(3) الغلاف الجوي المناسب.
(4) فترة طويلة جدا من الاستقرار مما سمح خلالها لمتوسط درجة حرارة السطح بوجود الماء السائل على سطح الأرض.
(5) وفرة غنية من العناصر الثقيلة في قلبها ونشرها في جميع أنحاء مناطق القشرة والوشاح".
كما نشكل كوكب الأرض بشكل يناسب امتلاكه القلب المعدني الصلب / السائل الذي يحتوي على بعض المواد المشعة التي تنتج الحرارة. ويبدو أن كلا السمتين ضروریتان لوجود الحياة الحيوانية، فالقلب المعدني ينتج المجال المغناطيسي الذي يحمي سطح الأرض من الإشعاع القادم من الفضاء، والحرارة المشعة من القلب - الوشاح والقشرة - وقود الصفائح التكتونية، والتي من وجهة نظرنا هي أيضا ضرورية للحفاظ على الحياة.
ثانيا : موقع الأرض:
الأرض (فقط) ذات موقع على مسافة متوسطة من الشمس = ۹۳ ملیون میل، مما ينشئ درجات حرارة مناسبة لتشكل الجزيئات المعقدة. فالموقع الخاص بكوكب الأرض يعطي البشر نافذة خاصة إلى النظام الشمسي، مجرة درب التبانة، والكون نفسه. في أي مجرة أخرى تقريبا، وفي أي مكان آخر، وفي أي وقت آخر في التاريخ الكوني.. فإن طريقة عرض الأرض إلى المنطقة المحيطة بها تكون غير مستقرة جدا، بحيث أن الشكل والهيكل والحجم، وغيرها من خصائص المجرة والكون تبقى غامضة إلى أي مراقبين واعيين". لقد تضمن كوكب الأرض بالزمان والمكان المناسبين المراقبين واعين مثلنا.
بسبب موقع الأرض المميز.. فإن مخلوقات الأرض تتمتع بالنظر بشكل خاص لروعة الكون. في أي مكان آخر ودون أي وقت آخر في الكون، فإن مثل هذا المجد لن يكون واضحا". فمن بين كل الأماكن الممكنة في الأرض بظروف تسمح ليس فقط للسكن، ولكنها في الوقت نفسه متجانسة لتصنع - بامتياز - تنوعا مذهلا من القياسات من علم الكونيات وعلم الفلك المجري إلى الفيزياء الفلكية والجيوفيزياء الكون.. تتمتع !
إن موقع الأرض يعد واحدا من أكثر السمات الأساسية الداعمة للحياة على سطحها؛ حيث بعدها عن الشمس يبدو مثاليا. في أي منظومة کوكبية هناك مناطق - المسافات من النجم المركزي - حيث يمكن أن تحدث بيئة سطحية مماثلة للحالة الراهنة على الأرض. المنطقة الملائمة أو البعد عن النجم هو الأساس لتحديد المنطقة القابلة للسكني» (المشار إليها من قبل علماء البيولوجيا الفلكية باسم HZ)، المنطقة الصالحة للحياة في نظام الكواكب قد يوجد بها أرض مستنسخة. ومنذ بدء العمل بذلك.. وقد تم اعتماد مفهوم المنطقة القابلة للسكنى على نطاق واسع، وكانت موضوع العديد من المؤتمرات العلمية الكبرى، بما في ذلك مؤتمرا عقده (کارل ساجان) قرب نهاية مسيرته الرائعة وباستعراض المناطق القابلة لشکنى الحيوانات وكذلك الميكروبات خلال کوننا ومجرتنا وأيضا شمسنا.. يؤدي ذلك إلى نتيجة لا مفر منها: الأرض هي مكان نادر في الواقع".
ثالثا: دوران الأرض :
استقرار مدارات الكواكب ضرورة واضحة لوجود الحياة على واحد منها، وهو أمر مستمد من حقيقة أن الجاذبية تطيع قانون التربيع العكسي). حيث يميل محور دوران الأرض حول الشمس بزاوية ميل حوالي ۲۳.5، وتدور حول الشمس بشكل بيضاوي حيث تتغير المسافة بيننا وبين الشمس باستمرار من موضع لآخر. وتتميز الأرض أثناء دورانها بنقطتين هامتين:
١ - نقطة (الحضيض) (perihelion)تكون الأرض عند أقرب نقطة من الشمس وذلك على بعد 147.5 مليون كم، وعندما تكون الأرض في وضع الحضيض.. فإن الجزء المائي منها هو الذي يميل تجاه الشمس بالزاوية 23.5 درجة. وبالتالي فعند امتصاص الماء لضوء الشمس، فإنه يحتفظ بهذه الحرارة ولا يشعها بسرعة، مما يتسبب في خفض درجة الحرارة إلى أقل ما يمكن = فصل الشتاء
٢- نقطة (الأوج) aphelion): )وتكون الأرض عند أبعد نقطة عن الشمس، وذلك على بعد ۱۰۲ مليون كم تقريبا. وعندما تكون الأرض في وضع الأوج فإن جزء اليابسة منها هو الذي يميل تجاه الشمس بالزاوية ۲۳,5 درجة، وذلك؛ لأن الجزء المحتوي على اليابسة يكون هو المائل تجاه الشمس بزاوية ۲۳,5 درجة، فتقوم اليابسة بامتصاص الشمس وإشعاعها بسرعة، مما يؤدي لرفع حرارة الجو، وتكون درجة الحرارة عندها أكبر ما يمكن = فصل الصيف.
فلو لم تكن الأرض مائلة بهذه الزاوية .. لأصبح عندنا فصلان، أحدهما شديد الحرارة، والآخر شديد البرودة). فلا بد أن تكون فترة الدوران مناسبة؛ إذ لو كانت أكبر مما هي عليه.. فإن التغير في درجات حرارة النهار سيكون كبيرا جدا بما لا يناسب الحياة. وإذا كانت أقصر.. فإن سرعات الرياح الجوية ستكون كبيرة جدا بما لا يناسب الحياة. كذلك، فإن التغير في درجة الحرارة من النهار إلى الليل سيكون بطيئا جدا بالنسبة لوجود الحياة.
رابعا : وفرة المياه :
بحث (لورانس هندرسونه) (L. J. Henderson) في الخصال الكيميائية وكشف عن عدد كبير من المواد ذات خصائص غريبة، والتي لا غنى عنها الحياة . المياه - على سبيل المثال - فريدة من نوعها تماما في قدرتها على تحليل المواد الأخرى، في تمددها الشاذ عندما تبرد بالقرب من نقطة التجمد، في التوصيل الحراري في أوساط السوائل العادية، في توتر سطحه، وخصائص أخرى عديدة. أظهر هندرسون أن هذه الصفات الغريبة تجعل الماء أمرا ضروريا لأي نوع من الحياة.
هذه الخواص جعلت (هندرسون) يقول:
يمكن للمرء دراسة النظام الغائي وفق معايير التحليل الاحتمالي في مناطق أخرى من العلوم الطبيعية، وبالتالي ما تم التوصل إليه من خلال هذا التحليل لديه قوة مماثلة، ففرصة هذا التجمع الفريد من هذه الخصائص يجب أن يتم قبل «حادث» یکاد یکون متناهيا في الصغر (أي: أقل من أي احتمال يمكن اعتباره عملیا). فرصة أن كل واحدة من هذه الخصائص السعة الحرارية، التوتر السطحي، وعدد من الجزيئات المحتملة، إلخ کمجموعة متكاملة (في حد ذاته) وبالتعاون مع الآخرين.. يجب أن تكون هي أيضا متناهية الصغر، ولذلك؛ هناك علاقة سببية ذات صلة بين خصائص عالم الكيمياء الحيوية الشهير بجامعة هارفارد وعضو الأكاديمية الألمانية للعلوم اليوبولدينا، والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم من العناصر واستقلالية التطور.
إن بعض خصائص الماء الحرارية التي تعطيه ملاءمته الغريبة - کانخفاض كثافته تحت الدرجة 4 م، وكون الثلج أقل كثافة من الماء – تظهر کمخالفة مفتعلة لما يبدو أنه قانون طبيعي، فمن الملاحظ أن الصفتين المختلفتين للماء تعملان معا على تأقلمه؛ ليناسب هدف حفظ التجمعات المائية السائلة على سطح الكوكب. إن تقدم عملية التجمد والذوبان، والتبخر والتكاثف.. تنتج حسب معرفتنا عبر طريقة معينة. وحالة تجمد الماء أعلاه، أو طوفان الثلج.. يبدو توسط نسب هذه التغيرات كنتيجة لمخالفة القانون الطبيعي، أي: أن « القانون، الذي يكون قاعدة بسيطة تخص تأثیرات درجة الحرارة، ويبدو لبرهة أنه القانون الذي نراه لبساطته القانون الأكثر وضوحا لهذه ولغيرها من الحالات الأخرى، هذا القانون تم تعديله في نقاط حرجة معينة بحيث ينتج هذه التأثيرات النافعة. إن الخصائص الحرارية المختلفة للماء تشمل تمدده الشاذ دون درجة 4 م، وتمدده عند درجة التجمد، بحيث يساهم کلاهما بالملائمة الرائعة للحفاظ على الماء بحالته السائلة، ويظهران كصفتين مستقلتين متعاضدتين، بينما ندرك أن هاتين الصفتين يمكن أن تكون مختلفتين. فالحالة الشاذة من الماء الذي يتمدد في التجميد، وبالتالي منع البحيرات من أن يصبح الجليد الصلب من أسفل إلى أعلى، وبالتالي قتل أي حياة قد تكون فيها. إن التغير في القيمة سيغير من هذه الخصائص، وقد أثبت هذا بعض الاعتبارات التي تجعل من الواضح أن الكون» الإنساني هو كون خاص جدا في الواقع".
حيث يوفر الماء النسيج السائل الذي تجري ضمنه كل الأنشطة الكيماوية والفيزيائية الحيوية، والتي و وجود الحياة عليها، فبدون الماء يستحيل وجود الحياة التي على الأرض ولو شبهنا الأنشطة الحيوية للخلايا بحركات الأحجار على رقعة الشطرنج.. فإن الماء يمثل الرقعة، وطالما أنه من المستحيل أن تلعب الشطرنج دون رقعة.. فمن غير الممكن أن توجد الحياة بلا ماء. والماء أيضا بشكل معظم كتلة أغلب الكائنات، فغالبيتها تتركب من نسبة أكبر من 50٪ من الماء، أما الإنسان فيشكل الماء أكثر من 70% من وزنه".
بالإضافة لدور الماء في إيجاد واستمرار البيئة المستقرة من الناحيتين الكيماوية والفيزيائية على سطح الأرض.. فإن خصائص الماء الحرارية، والتوتر السطحي، وقدرته على حل العدد الواسع من مختلف أنواع المواد، ولزوجته المنخفضة التي تسمح بدخول وخروج الجزئيات الصغيرة في الخلايا عبر الانتشار البسيط، وتمكن خاصية اللزوجة المنخفضة على جهاز الدوران، لو لم تكن خواص الماء هذه بتلك الدقة.. فإن احتمالية وجود الحياة المعتمدة على الكربون سيغدو مستحيلا. بل إن لزوجة الثلج أيضا موافقة لدعم الحياة، فلو كانت لزوجته أكبر.. لربما احتبس ماء الأرض كله في صفائح ثلجية واسعة وثابتة في القطبين. ولو أن خواص الماء الحرارية اختلفت قليلا.. سيتعذر الحفاظ على حرارة أجسام الكائنات دافئة الدم. لا يوجد أي سائل آخر في الوجود له صفات قريبة من صفات الماء تجعله صالحا کوسط مثالي لحياة معتمدة على الكربون. وحقيقة الأمر: أن خصائص الماء بمفردها تقدم دليلا ربما يعادل ما قدمه علما الفيزياء والكون الدعم الفرضية القائلة أن «قوانين الطبيعة قد أحكمت بشكل (خاص) يناسب الحياة المعتمدة على الكربون»..
والخصائص الحرارية للماء كالآتي:
١- تقلص الماء أثناء تبريده حتى قبيل التجمد بقليل، ثم تمدده حتى يتحول إلى ثلج، وتمدده عند التجمد كذلك، هذه صفات متفردة علميا؛ إذ بدونها سيتجمد معظم الماء الذي على الأرض بشكل ملائم في مهارات واسعة من الجليد في قاع المحيطات، وستتجمد البحيرات كاملة من القاع إلى الأعلى في كل شتاء في خطوط العرض الأعلى.
۲ - يتم امتصاص الحرارة من البيئة عند ذوبان الثلج أو تبخر الماء، وتتحرر الحرارة عند حدوث العملية المعاكسة، وتسمى هذه الظاهرة بالحرارة الكامنة، ومجددا نرى أن حرارة تجمد الماء الكامنة هي الأعلى مقارنة بالسوائل المعروفة. ودون هذه الصفات سيتعرض مناخ الأرض التغيرات أكثر سرعة في درجات الحرارة، بحيث تختفي وتظهر البحيرات لصغيرة والأنهار بشكل مستمر.
3 - السعة الحرارية (Specifec Thermal Capacity) للماء، والتي تعرف بأنها كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة الماء درجة مئوية واحدة، هي الأعلى مقارنة بمعظم السوائل الأخرى. وبدونها سيزداد الفرق بين الشتاء والصيف بعدا، وتكون نماذج الجو أقل استقرارا، وتقل قدرة تيارات المحيط الكبير (کتبار الخليج الذي ينقل الآن كميات هائلة من حرارة المناطق المدارية إلى القطبين) على تعديل الفروق الحرارية بين خطوط العرض القريبة والبعيدة.
- التوصيلية الحرارية للماء: فقدرة الماء على نقل الحرارة أكبر بأربعة أضعاف من أي سائل شائع، وبدون ذلك يصعب على الخلايا أن توزع الحرارة بالتساوي في أرجاء الخلية؛ لعدم قدرتها على استعمال تیارات الحمل الحراري".
حقيقة: لا يوجد إطلاقا أي سائل أخر يمكن ترشيحه كمنافس للماء ولو بشكل بعيد في عمله كوسيط لحياة أساسها الكربون. ولو لم يوجد الماء لوجب أن يخترع. وبدون السلسلة الطويلة من المصادفات الحيوية في مواصفات الماء الفيزيائية والكيميائية، فلا يمكن لوجود حياة معتمدة على الكربون بأي شكل يمكن مقارنته ولو من بعيد بتلك الحياة التي توجد على الأرض. ولن نكون أشكال الحياة المعتمدة على الكربون الذكية) موجودين بالتأكيد لنتساءل عن خصائص السائل الحيوي هذا الذي يجعل منه شيء حي.
ولو وجدت حياة مشابهة لحياتنا في أي مكان في هذا الكون على أرض أخرى.. فسيكون هنالك ماء وبكل الاحتمالات ستوجد بحار وأنهار وغيوم وأمطار، وستوجد عواصف وشلالات وجبال جليدية، وستكسر الموج على شواطئ ذلك العالم البعيد.
ومع هذه الخصائص الكثيرة المتأقلمة بشكل تشاركي لهذا السائل الأكثر تميزا من بين جميع السوائل.. نجد بشكل مباشر كتلة من الأدلة غير العادية من النوع الذي نتوقع وجوده لفرضية تقول بأن قوانين الطبيعة ملائمة بشكل فريد لنمط الحياة المعتمدة على الكربون، كما هي على الأرض.
وبالتالي لا يمكن اعتبار بناء الحياة اعتمادا على الوسط السائل مجرد صدفة؛ إذ من الصعب تصور وجود أي نوع من النظام الكيميائي المعقد القادر على تركيب ونسخ ذاته، والتعامل مع الذرات والجزيئات المكونة له، وتحصيل المغذيات والمكونات الحيوية من بيئته. من الصعب تصور وجود النظام الكيميائي) إلا في وسط سائل. وكما أشار (أ. إي يندهام) في كتابة تفرد المواد البيولوجية، أن الطورين الآخرين للمادة: الطور الصلب، والطور الغازي. يجب استبعادهما لأسباب قوية جدا، ففي حالة الطور الصلب سواء البلوري أو الزجاجي، حيث البلوري قد تمسكت ذراته في مصفوفة كريستالية منتظمة، بينما الزجاجي تشكلت ذراته بشكل غير منتظم، كلاهما يجعل الذرات تتصل بشكل غير مستقر مع ما حولها من الذرات الأخرى، مما يقلل من احتمال حدوث العمليات الحركية الجزيئية الضرورية الحدوث الحياة. بالمقابل.. نجد أن الغازات تتألف من ذرات حرة الحركة، ولذا؛ لا تصلح الغازات لتكون مرشحا في تكوين نسيج الحياة الكيميائي؛ نظرا لشدة تطايرها وعدم استقرارها. فلو أن قوانين الفيزياء حصرت المادة في الطورين الصلب والغازي وألغت الطور السائل.. فمن المؤكد أن الحياة ما كانت لتوجد غالبا".
إن التناسق والدقة البالغة في هذا التصميم تثبت نفسها دون الحاجة إلى برهان. فيظهر الماء باعتبار خصائصه الحرارية متأقلما بشكل فريد وفي أحيان كثيرة مثاليا للحياة على الأرض. فحسب الشروط الحرارية.. بعد الماء المرشح المتفرد والمثالي لدوره الحيوي البيولوجي".
فلو لم تكن كل مادة النباتات محررها الوحيد هو الماء، وبالتالي كل الحيوانات التي يتغذى جميعها إما بأكل العشب أو بافتراس حيوان آخر يأكل العشب، ولو لم بممر الشمس كمية هائلة من الماء.. لامتلأ الجو بالأبخرة والغيوم كي تسقي النباتات بیلسم الندئ. قد يبدو لك أول الأمر أنه من المستحيل أن يدور الدم في أجسادنا في برهة قصيرة لا تتجاوز دقائق، ولكني اعتقد أن ما يثير الدهشة أكثر أن نعلم الفترات السريعة والقصيرة لدورة الماء الكبرى، فهو الدم الحيوي لكوكب الأرض الذي يكون ويغذي كل الأشياء..
ويشير (بولكينجهورن) إلى نفس النقطة قائلا:
إن تعقيد البيولوجيا مقارنة بالفيزياء يجعل الأمر أكثر صعوبة الاستخلاص العوائق الأنثروبية مباشرة من تفاصيل العمليات البيولوجية.
ومع ذلك.. فإن من الواضح أن الحياة تتوقف في العديد من طرقها على تفاصيل خواص المادة في عالمنا. وهناك مثال بسيط هو الحالة الشاذة من الماء الذي يتوسع في حالة التجمد، وبالتالي منع البحيرات من أن يصبح الجليد الصلب من أسفل إلى أعلى، وبالتالي قتل أي حياة قد تكون فيها. إن التغير في القيمة سيغير من هذه الخصائص. وقد رسم هذا القسم بعض الاعتبارات التي تجعل من الواضح أن الكون الإنساني هو كون خاص جدا في الواقع .
ولوجود حياة معقدة - ومن ثم الحفاظ عليها - علی کوکب ما.. ينبغي تزويد الكوكب بالمياه بحيث:
• يجب أن تكون كمية الماء كبيرة بما فيه الكفاية للحفاظ على وجود
محیط لا بأس به على سطح الكوكب.
• يجب أن يكون تم ترحيل كمية الماء إلى السطح من باطن الكوكب.
• يجب ألا تضيع المياه في الفضاء
• يجب أن يكون الماء موجودا إلى حد كبير في شكل سائل.
وهذا ما يحققه كوكب الأرض بمثالية عالية، والعجيب أن أحد الأسباب الرئيسة والتي تلعب دورا هاما في كل من هذه المعايير الأربعة هي الصفائح التكتونية).
كذلك يعد الماء ضروريا لتشكيل الجرانيت، والجرانيت بدوره أمر ضروري لتشكيل القارات المستقرة. الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يمتلك الجرانيت والقارات؛ لأنه هو الكوكب الوحيد الذي لديه مياه وفيرة).
الماء متفرد مثالي؛ لملاءمة الحياة المعتمدة على الكربون والموجودة على الأرض بكثير من الطرق الرائعة والمتكاملة، وليس ملائما فقط لحياة میکروبية أحادية الخلية، لكن الحياة كائنات برية كبيرة أيضا" .
خامسا الغلاف الجوى
الغلاف الجوي للأرض عبارة عن طبقة تحتوي على مزيج من غازات بنسب متفاوتة، حيث يحتوي على حوالي: ۷۸٪ من النيتروجين و ۲۱٪ من الأكسجين و ۱٪ من الآرجون وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، والهيدروجين، والهيليوم، والنيون، والزينون. وجود هذه العناصر بهذه النسب لم يكن أمرا عبثيا، ولكنه شيء مستلزم لوجود الحياة على سطح الأرض. فنسبة الأكسجين إلى النيتروجين في الغلاف الجوي، إذا كانت أكبر من قيمتها الموجودة.. فإن وظائف الحياة المتقدمة ستمضي قدما بسرعةوكبيرة. وإذا كانت أقل.. فإن وظائف الحياة المتقدمة ستمضي ببطء شديد. وكذلك مستوي ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، إذا زاد عن قيمته.. فإن الاحتباس الحراري المؤثر بالسلب على الحياة - من شأنه أن يتطور. وإذا كان أقل.. فإن النباتات لن تكون قادرة على الحفاظ على كفاءة التمثيل الضوئي".
يحيط الغلاف الجوي بالأرض، وينجذب إليها بتأثير الجاذبية الأرضية، ويحميها من امتصاص الأشعة فوق البنفسجية، كما يعمل على اعتدال درجات الحرارة على سطحها. حيث يزيل الغلاف الجوي للأرض الأشعة فوق البنفسجية الضارة، بينما يعمل مع المحيطات ليجعل المناخ معتدلا من خلال تخزين وإعادة توزيع الطاقة الشمسية.
وتظل المجالات المغناطيسية موجودة على ارتفاع آلاف الكيلومترات فوقنا، حيث تكون طبقة الهواء في غاية الرقة، بل تكاد تكون منعدمة. ووجود هذه المجالات غاية في الأهمية لبقائنا؛ فهي تصد الأشعة الكونية والتيارات الشمسية التي تتألف من جسيمات مشحونة كهربائيا. وبهذا تمثل درعا واقيا مهما؛ لأن التعرض لهذه الإشعاعات من شأنه أن يدمر الحمض النووي للبشر. ولو حدث أن اختفى المجال المغناطيسي للأرض، كما الحال في كوكب المريخ.. فمن الممكن أن تكون هذه نهاية نوعنا؛ إذ لا يوجد فراغ خارج الأرض، بمعنى أنه لا يوجد هواء، ولا يوجد غاز في الفضاء الخارجي أو يوجد القليل منه للغاية، لكن من المؤكد وجود مجال مغناطيسي أرضي له أهمية عظيمة".
الفضاء الخارجي ليس مكانا وديا للغاية، فأحد أخطاره هو الأشعة الكونية، وهي عبارة عن جسيمات أولية - إلكترونات، بروتونات، نوئ هیلیوم ثقيلة - تسافر بسرعات تقترب من سرعة الضوء. إنها تأتي من مصادر عديدة، بما في ذلك الشمس والأشعة الكونية القادمة من السوبرنوفا البعيدة، وانفجارات النجوم. هذه الأحداث الكارثية ترسل أعدادا كبيرة من جسيمات تندفع عبر الفضاء.. بدون وجود الغلاف الجوي لن تكون هناك حياة على الأرض، فتکوینه على مدى تاريخ الأرض هو واحد من الأسباب التي أبقت كوكبنا كموطن داعم للحياة لفترة طويلة. اليوم يتم التحكم في الغلاف الجوي من خلال العمليات البيولوجية، وإنه يختلف إلى حد كبير عن تلك الكواكب الأرضية الأخرى، والتي تتراوح من کواکب ليس لديها غلاف .
أساسا (عطارد) إلى كواكب ذات غلاف جوي بها CO2 أكثر كثافة بمئة مرة (الزهرة) أو کواکب ذات غلاف جوى CO2 أقل كثافة مئة مرة (المريخ).
بدون مجالنا المغناطيسي.. فإن الأرض وشحتها للحياة سيتم قصفها من قبل تدفق مميت من الإشعاع الكوني، والرياح الشمسية - جسيمات من الشمس تضرب الغلاف الجوي العلوي بطاقة عالية - التي قد تأكل ببطء الغلاف الجوي على مدى بعيد، كما فعلت على كوكب المريخ".
يجب أن تظل درجة حرارة الأرض في مدى ملائم لوجود الماء السائل لو أردنا الحفاظ على الحياة الحيوانية. إن نطاق درجة الحرارة الذي يجتاح الأرض هو نتيجة لعوامل عديدة. أحدها وجود الغلاف الجوي. على سبيل المثال: متوسط درجة حرارة سطح القمر هي -١٨ درجة مئوية، وهي أقل بكثير من نقطة تجمد الماء؛ لأنه ببساطة ليس لديه غلاف جوي ملموس. إذا لم يكن للأرض غلاف جوي لتغطيتها – بما في ذلك من تلك الغازات العازلة کبخار الماء وثاني أكسيد الكربون .. فإن درجة حرارتها تقریبا ستكون کدرجة حرارة القمر. إلى الآن: متوسط درجة الحرارة العالمي لكوكب الأرض (وذلك بفضل الغازات المسببة للاحتباس الحراري) يصل ل15 درجة مئوية (أي: ۳۳ درجة مئوية أكثر دفئا من القمر). غازات الاحتباس الحراري هي مفاتيح لوجود المياه العذبة على هذا الكوكب، وبالتالي فهي مفاتيح لوجود الحياة الحيوانية. الكثير من العلماء يعتقدون الآن أن توازن الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض يرتبط ارتباطا مباشرا بوجود الصفائح التكتونية".
ليس هذا فحسب، بل يعد الغلاف الجوي خاصتنا سببا رئيسيا في التطور التكنولوجي على سطح الأرض، وأحد الأمثلة للعلاقة الغريبة بين القابلية للسكنى والقابلية للقياس هو وضوح غلافنا الجوي. إن عمليات أيضا الكائنات الأرقی تتطلب ما بین ۱۰٪ إلى ۲۰٪ من الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي، وهي الكمية المطلوبة لتسهيل الاحتراق أيضا، مما يسمح بتطوير التكنولوجيا).
سادسا : الصفائح التكتونية:
من بين كل الكواكب والأقمار في مجموعتنا الشمسية.. فإن الصفائح التكتونية موجودة فقط على الأرض. ويعتقد العلماء أن أهمية الصفائح التكتونية من الصعب المبالغة فيها. فالصفائح التكتونية هي المركزي للحياة على سطح کوكب". فمن بين كل الصفات التي تجعل الأرض نادرة الصفائح التكتونية، فهي قد تكون الأكثر عمقا - من حيث التطور والحفاظ على الحياة الحيوانية - وواحدة من الأمور الأكثر أهمية). الصفائح التكتونية تلعب على الأقل ثلاثة أدوار حاسمة في الحفاظ على الحياة الحيوانية :
1 - إنها تشجع الإنتاج البيولوجي.
٢- وتعزز التنوع السياج ضد الانقراض الجماعي).
٣- وتساعد في الحفاظ على درجة حرارة معتدلة، وهو شرط ضروري للحياة الحيوانية.
4 - ومن المحتمل أن تكون الصفائح التكتونية هي الشرط الرئيسي للحياة على كوكب الأرض.
ه - كما أنها ضرورية للحفاظ على عالم مزود بالماء إذا لم تكن الصفائح التكتونية على الأرض قد خلقت مساحات كبيرة الأراضي على نحو متزاید (وذلك بإنتاج مساحات شاسعة بجوار القارات مع مناطق المياه الضحلة حيث الحجر الجيري يمكن أن يتشكل بسهولة)...
فإن الأرض ربما تكون قد وصلت إلى متوسط درجات حرارة أكبر من اللازمة للحياة الحيوانية. وكانت درجة الحرارة الشاملة قد تجاوزت ۱۰۰ درجة مئوية، وبالتالي فإن المحيطات قد غلت منذ زمن بعيد، وكميات هائلة من المياه أصبحت بخارا في الغلاف الجوي. وهذا من شأنه يكتب نهاية مأساوية لجميع أشكال الحياة على سطح كوكب الأرض.
مد الصفائح التكتونية كوكب الأرض و الحياة على سطحه بميزات متعددة، منها:
١ - الصفائح التكتونية تعزز مستويات عالية من التنوع البيولوجي العالمي. إن الدفاع الرئيسي ضد الانقراض الجماعي هو التنوع البيولوجي المرتفع. نحن هنا نحاجج بأن العامل الأكثر أهمية على الأرض للحفاظ على التنوع خلال الوقت هو الصفائح التكتونية.
۲ - الصفائح التكتونية توفر الحرارة العالمية لكوكبنا عن طريق إعادة تدوير المواد الكيميائية الحيوية للحفاظ على حجم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي موحدا نسبيا، وبالتالي فقد كانت - الصفائح التكتونية - أهم آلية مكنت الماء السائل للبقاء على سطح الأرض لأكثر من 4 مليارات سنة.
٣- الصفائح التكتونية هي القوة المهيمنة التي تسبب تغيرات فى مستوى سطح البحر، والتي - كما تبين – تعتبر حيوية لتشكيل المعادن التي تحافظ على تحقيق مستوى ثاني أكسيد الكربون العالمي (وبالتالي درجة الحرارة العالمية)
4 – خلقت الصفايح التكتونية للقارات علي كوكب الأرض ، والتي - كما تبين – فبدون الصفائح التكتونية قد تبدو الأرض إلى حد كبير كما كانت خلال المليار سنة ونصف الأولى من وجودها: عالم مائي، مع (فقط) جزر بركانية معزولة كنقط على سطح الكوكب، أو أنها قد تبدو معادية أكثر للحياة دون القارات، فنحن سنفقد في الحال أهم عنصر للحياة «الماء» وبذلك ستشبه - الأرض - كوكب الزهرة.
ه - وأخيرا: الصفائح التكتونية تجعل وجود واحد من أقوى أنظمة الدفاع للأرض ممكنا (مجالها المغناطيسي).
فالصفائح التكتونية تعزز التعقيد البيئي، وبالتالي زيادة التنوع الحيوي على نطاق عالمي. عالم به قارات جبلية، ومحيطات، وجزر لا تعد ولا تحصى - مثل: تلك التي تنتجها الصفائح التكتونية -، هو أكثر تعقيدا، ويوفر المزيد من التحديات التطورية أكثر من کواکب دون صفائح تكتونية".
إن معدل الانخفاض في النشاط التكتوني يتم بصورة مثالية، بحيث يهيء القشرة الأرضية للحفاظ على الحياة الحيوانية الموجودة على سطح الأرض. ولو كان معدل هذا النشاط أبطأ.. فإن ظروف القشرة الأرضية ستكون غير مستقرة للغاية بالنسبة لحياة متقدمة. وإذا كان أسرع.. فإن المادة المغذية القشرة الأرضية - مادة توفر التغذية الضرورية للنمو والحفاظ على الحياة - لن تكون كافية لحياة مستدامة على الأرض.
سابعا : العناصر الكيميائية:
العناصر هي (اللبنات الأولية لكل من الكواكب والحياة). حيث يوجد ما لا يقل عن 36 عنصرا ضروريا من العناصر الكيميائية المعروفة لمجمل الكائنات الأرضية، ۲۷ على الأقل منها مطلوبة من أجل البشر، و۱۷ للكائنات الحية الدقيقة. فعناصر الفوسفور (P) والبوتاسيوم (K) هي «كونيا» الأقل إمدادا، وكمياتها اللازمة لجعل الإنسان يمكن أن يتواجد (فقط) من متوسط الحد الأدنى لحجم المجرة حوالي ٢×710 من الشمس. فلا يزال تاریخ و تطور العناصر الكيميائية التي تشكل المنظومات الحية ذا فائدة كبيرة".
من بين أهم هذه العناصر: الحديد والماغنيسيوم والسيليكون والأكسجين لتكوين بنية الأرض. واليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم لتوفير النشاط الإشعاعي الحراري في باطنها. والكربون والنيتروجين والأكسجين والهيدروجين والفوسفور والعناصر الرئيسة «الإحيائية» التي توفر البنية والكيمياء الجزيئية المعقدة للحياة. فعناصر الكربون والأكسجين والهيدروجين والنيتروجين تهيمن على المناطق القابلة للسکنی أو الحياة.
الكربون عنصر نادر في الأرض، ولكن - كما لاحظنا - فهو عنصر أساسي الحياة البرية، وخصائصه الكيميائية الغنية هي کائنات أجنبية - فضائية - أيضا. الهيدروجين كذلك عنصر نادر في کوکب الأرض، ولا زال يعتبر أحد الهبات الرئيسة للمحيطات، وجميع مصادر المياه والسوائل اللازمة للحياة البرية. العناصر النادرة الأخرى الهامة هي اليورانيوم والبوتاسيوم والثوريوم واضمحلال هذه العناصر الإشعاعية تسخن باطن الأرض، وهي وقود الفرن الداخلي الذي يدفع البراكين ويجعل حركة المادة عمودية في باطن الأرض، ويسبب انجراف القارات على سطحها.
فوفرة العناصر الثقيلة تدخل في اعتبارات الأرض النادرة؛ لأنها تؤثر على كتلة وحجم الكواكب. فإذا تشكلت الأرض حول نجم مع انخفاض وفرة العناصر الثقيلة، كان يمكن أن تكون أصغر؛ لأنه كان يمكن أن تكون ذات مادة أقل صلابة في الدائرة الحلقية من الحطام المتراكم".
وعلاوة على ذلك.. فإن خصائص الهيدروجين، والكربون - ذات بعض الانحرافات من بين جميعا العناصر جعلت هذه العناصر (وخصائصها) أساسية للكائنات الحية). في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين، اكتشف فريد هويل) أن الصنع المتقن والمذهل لطاقات الحالة الأرضية النووية الهيليوم، والبريليوم، والكربون، والأكسجين.. ضروري لأي نوع من الحياة في الوجود. حيث طاقات الحالة الأرضية لهذه العناصر لا يمكن أن تكون أعلى أو أقل بالنسبة لبعضها البعض بأكثر من 4٪ بدون رضوخ الكون لنسبة غير كافية من الأكسجين أو الكربون اللازم للحياة). الحياة التي تأتي إلى حيز الوجود يجب أن تقوم على الماء، وثاني أكسيد الكربون، والمركبات الأساسية لل (N ،O ،H ،C) على وجه الخصوص .
ثامنا : الظواهر الكارثية
يبدو أن كل ظاهرة طبيعية تحدث للأرض هي أمر أساسي، وسبب رئيسي في دعم الحياة على كوكب الأرض، حتى الظواهر الكارثية التي دائما ما ينزعج منها البعض، باعتبارها شرور ومصائب، هنا يسأل البعض: وأين الله؟! أين الله من كل هذه الشرور التي توجد؟ فما الحكمة من هذه الكوارث؟ وهل هي شر محض؟ سنأخذ فقط ثلاثة أمثلة منها؛ لنبين مدى أهميتها:
۱ - النشاط الزلزالي (seismic activity): الزلزال، أحد أكبر المخاطر التي تهدد منطقة سكانية، وتدمر حياتها – من وجهة نظرنا -، لكن هل للزلازل أهمية؟
يعتقد العلماء أن «للزلازل» أهمية بالغة في دعم الحياة؛ حيث يتم الزلزال بمعدل نشاطي معين يتناسب مع التوزان البيئي، وإعادة تدوير المواد الغذائية التي يحتاجها الكائن الحي. ولو كان النشاط الزلزالي أكبر مما هو عليه.. فستدمر الحياة، وسيكون النظام البيئي معطوبا. وإذا كان أقل.. فلا يمكن إعادة تدوير المواد الغذائية على قيعان المحيطات من جريان النهر إلى القارات وذلك من خلال الحركات التكتونية، وبالتالي فلن ينتج ثاني أكسيد الكربون ما يكفي من الكربونات المتراكمة).
۲ - النشاط البركانيvolcanic activity): تخيل أن كل «البراكين» على سطح الأرض انقطعت فجأة. هذا سيوقف العديد من عشرات الانفجارات البركانية التي تحدث في القارات كل عام عادة ما . هذا ضجة إعلامية كبيرة و ضررا قليلا). ولكن توقف النشاط البركاني سيكون له تأثير أكثر عمقا بكثير. إذا توقفت كل النشاطات البركانية .. فسيتوقف انتشار قاع البحر عن الانتشار، وبالتالي الصفائح التكتونية أيضا، وإذا توقفت الصفائح التكتونية.. فإن الأرض في نهاية المطاف (ستتأكل من كل مكان) وتفقد معظم أو كل القارات التي تتواجد معظم الحياة عليها. وبالإضافة إلى ذلك: تتم إزالة CO2 من الغلاف الجوي عن طريق العوامل الجوية، مما يتسبب في تجمید كوكبنا).
يعد النشاط البركاني أحد العوامل الرئيسة في دعم الحياة على سطح الأرض، ولو كان معدل النشاط البركاني أقل مما هو عليه.. فسعاد كميات
غير كافية من غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء إلى الغلاف الجوي. كما أن تمعدن التربة لن يكون كافيا لدعم الحياة المتقدمة. وإذا كان أعلى
فستدمر الحياة المتقدمة، وسيكون النظام البيئي معطوبا) .
۳- معدل احتراق الغابات والأعشاب: حتى احتراق الغابات والأعشاب يتم بمعدل ومدن معین، بحيث يسمح للحياة أن تنمو وتزدهر على سطح الأرض، ولو كان معدل احتراق الغابات أكبر.. فستكون الحياة مستحيلة، ولو كان أقل.. فستتراكم مثبطات النمو جنبا إلى جنب مع عدم كفاية النترجة التي من شأنها أن تجعل التربة مناسبة لإنتاج الغذاء).
تاسعا : الكوكب المعجزة:
إن الخواص الفريدة التي تميزت بها الأرض على سائر الكواكب التي تعرفها - وربما مالا نعرفها - جعلت العلماء يؤلفون الكتب في وصفها، ومدن مناسبتها للحياة على سطحها، ومدى تفردها عن غيرها من الكواكب. فكتب أحدهم کتابا بعنوان «الأرض النادرة»، وكتب آخر کتابا بعنوان الكوكب المميز ،... إلخ. فلماذا كانت الأرض بالنسبة لغيرها من الكواكب أشبه بالكوكب المعجزة؟!
١- كوكب الأرض هو العالم الوحيد المعروف حتى الآن لإيواء الحياة. لا يوجد مكان آخر - على الأقل في المستقبل القريب – والذي يمكن لجنسنا البشري أن يهاجر إليه). فالأرض فريدة من نوعها في كل خصائصها الفيزيائية وأثبتت قدرتها لإمكانية استمرار الحياة على سطحها. حقيقة: إنه من غير المحتمل في أي وقت أن تتكرر الأرض".
۲ - كوكب الأرض أهم من كونه كوكبا واحدا من بلايين الكواكب،فهو يبدو الآن استثنائيا؛ حيث تتضمن البيانات أن الأرض ربما تكون الكوكب الوحيد في المكان المناسب وفي الزمان المناسب .
٣- في إحدى المرات أجرى الفلكي الشهير (اوكيفي) الفضاء بعض الحسابات التقدير احتمال الأحوال الصحيحة لوجود الحياة في مكان آخر، واستنتج أنه: إن كانت افتراضاته صحيحة بناء على الاحتمالات الرياضية.. فإن كوكبا واحدا في الكون توجد فيه حياة ذكية ونحن نعرف كوكبا واحدا - وهو الأرض - ولكن ليس مؤكدا أن هناك كواكب أخرى كثيرة، وربما لا توجد كواكب أخرئ).
4 - الأرض هي الكوكب المناسب لتقدم الحضارة والتكنولوجيا، يقول (جورج بريمهول):
إن خلق المواد الخام ووجودها بالقرب من سطح الأرض هي نتاج ما هو أكثر من كونه مجرد صدفة جيولوجية بسيطة، فوجود سلسلة من الأحداث الكيميائية والفيزيائية التي ظهرت في البيئة الصحيحة، وفي المسار الصحيح، وقد تبعتها أحوال مناخية معينة.. بإمكانه أن يرفع هذه المحتويات إلى تركيز عال، وهذا حاسم للغاية لتقدم الحضارة والتكنولوجيا".
5 - الأرض هي المكان الوحيد المعروف في الكون لإمكانية توافر الحياة، لكنها واحدة فقط من (ربما) الملايين من البيئات في مجرتنا، وتريليونات في الكون، التي أيضا قد تؤوي الحياة. ومع ذلك.. فمن وجهة نظر (منحازة) يبدو أن الأرض هي [تماما] کوکب مسحور بحيث يمتلك الخصائص المناسبة للنوع الوحيد من الحياة التي نعلمها. لقد تشكلت - الأرض - في المكان المناسب في النظام الشمسي، وخضعت لمجموعة بارزة وغير عادية في الضبط من العمليات التطورية. حتى العديد من جيرانها في النظام الشمسي لعبت أدورا كبيرة ودعمت الأرض في جعلها موطنا ملائما للحياة. يمكن أن ينظر إلى طبيعة الأرض شبه المثالية باعتبارها مهد الحياة في عصور ما قبل التاريخ لنشأتها من التركيب الكيميائي لها، وتطورها في وقت مبكر").
6- وبالاستنتاج بأن الحياة المعقدة ليست متوفرة أو شائعة في كوننا، ستكون فرضية الأرض النادرة هيا الحل المحتمل المفارقة فيرمي» التي تقول بأنه: «إذا كانت الحياة الفضائية الخارجية شائعة في الكون.. فلماذا لم تظهر لنا تلك الحياة؟!»).
۷- خلال عقدين من الزمن، كتالوج الكواكب خارج المجموعة الشمسية ازداد إلى أكثر من ۲۰۰۰ کوکب خارج النظام الشمسي المعروف. وباستخدام بيانات من تلك الكواكب والنجوم المضيفة - أي: التي تدور حولها الكواكب -.. طور علماء الفلك نماذج لتحديد معلومات حول کواکب لم تكتشف بعد، وبناء على تلك النماذج يقدر علماء الفلك أن الكون المرئي يحتوي على ما يقارب 2010 من الكواكب البرية! وعلى سبيل المقارنة، في مكان ما بين 2210_2410 من النجوم الموجودة في الكون المرئي في المئة من النجوم تمتلك كواكب صخرية. هذه النماذج تسمح أيضا لعلماء الفلك بمقارنة الكواكب الخارجية البرية بكوكب الأرض، فوسط تلك المقارنات تتميز الأرض بثلاثة أوجه على الأقل).
۸- كل هذا جعل (ريتشارد دوكنز) أحد أشرس ملاحدة العصر يعترف ضمنيا بميزة كوكب الأرض قائلا: «مقارنة بمعظم الكواكب فإن هذه الأرض = جنة، وأجزاء الأرض لا تزال جنة بكل المقاييس، ما هي احتمالات أن كوكبا مختارا عشوائيا تتوافر فيه كل هذه الخصائص اللطيفة؟ حتى أفضل الحسابات تفاؤلا ستجعل النسبة أقل من واحد في المليون!» .
9 - ربما تكون النتيجة الأكثر إثارة في هذا البحث أن: الأرض نادرة؛ لما تحتوي عليه من معادن وفيرة، وكذلك موقعها بالنسبة للشمس. كما أن قلب أرضنا الغني بالمعادن هو المسئول عن الكثير من حسن ضيافتها للحياة".
۱۰ - يبدو أنه يستحيل وجود کوکب صالح للحياة كالأرض؛ نظرا الاستحالة تطابق جميع القيم الحرجة اللازمة لنشوء الحياة. الأرض کوکب متفرد).
المصادر الصنع المتقن للفيزيائي الاستاذ مصطفي نصر قديح ص 295 الى ص 332