إيضاحات خاصة بالنقطة الثانية الشر الإنساني في سلسلة الرد علي سؤال معضلة الشر ) (3) :
سؤال : لماذا لا يتدخل الله لإنقاذ المستضعفين والمساكين ؟؟ ولماذا لا ينقذ الله الأبرياء ؟! ولماذا يسمح بجرائم القتل والاغتصاب والتهجير وسائر انواع ظلم الإنسان !!
مربط الفرس هنا لهذه النقطة استيعابنا بأن القانون الذي خلقه الله لنا ليحكم الخلق هو قانون (السببية) أنه لكل سبب مسبب ، ولكل معلول علة فإن حوادث الاغتصاب والسلب والنهب سببها ظلم الإنسان وطغيانه واتباعه لهواه وقد تم إيضاح أن الظلم الواقع سببه اختيار الإنسان الحر المسئول .
ولكن لنفترض أن الله تدخل لإنقاذ المستضعفين والمظلومين في مكان أو زمان معين هل سيكون هذا التدخل لمرة واحدة فقط أم سيكون تدخلا بشكل دائم ؟ نقول إذا تدخل الله لمنع حرب أو لإيقاف حادثة أو غير ذلك للزم ذلك أن ينقذ كل المستضعفين والمظلومين إذ أن إنقاذ حفنة معينة من البشر سيؤدي إلي تساؤل البشر الباقين لماذا لم ينقذنا الله معهم رغم أنه كامل العدل ؟ بالتالي يقع هؤلاء البشر في سؤال الشر مرة ثانية وبالتالي لو تدخل الله لإنقاذ المظلومين في واقعة بعينها للزم ذلك أن ينقذ جميع المستضعفين والمظلومين والمتألمين..الخ ومعني ذلك أنه سيختفي الظلم والشر من العالم تماما.
المشكلة هنا أنه لو اختفي جميع الظلم والشر بالعالم لسقطت حرية الاختيار ولسقط معها مفهوم الاختبار ذاته من الأساس.
يقول الجاحظ في كتابه الحيوان كلاما بغاية الدقة [ اعلم أنّ المصلحة في أمر ابتداء الدنيا إلى انقضاء مدّتها امتزاج الخير بالشرّ، والضارّ بالنافع، والمكروه بالسارّ، والضّعة بالرّفعة، والكثرة بالقلّة. ولو كان الشرّ صرفا هلك الخلق، أو كان الخير محضا سقطت المحنة وتقطّعت أسباب الفكرة، ومع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة، ومتى ذهب التخيير ذهب التمييز].
لذا : فإن اختيار الإنسان الأخلاقي يتحقق من خلال مواجهته للتحديات وبدون التحديات تسقط أخلاقية الإنسان بالكلية (فوجود عالم بدون مخاطر أو مشاكل او معاناة أو صعوبات، سيجعله ساكنا أخلاقيا فالتغيير الأخلاقي والروحي يأتي من خلال الاستجابة للتحديات )
إذن : (فإن سماح الله بوجود الشر في ملكه لا يلزم منه الطعن في قدرته لأن منعه الشر غير ممكن منطقيا يلزم من القول بوجوب إزالته تناقض منطقي فإن الله سمح بوجود الشر لعدة أسباب منها أنه وهب للبشر حرية الإرادة والإختيار بين الخير والشر في امتحان إلهي لنياتهم وأفعالهم ، ولا تتعلق قدرة الإله بكامله بإزالة هذا الشر لانه من غير المنطقي أن يمتحن الله عباده بالخير والشر دون أن يكون هناك شر ).
ومن الملفت للنظر أن بعض الانبياء يبعثون يوم القيامة وليس معهم مؤمن واحد اتبعهم بالدنيا ، وكان الانبياء يبعثون في بني اسرائيل اول النهار فيقتلونه في آخره ، ورغم ذلك لم يتدخل الله بصورة اعجازية لإنقاذهم من القتل.
وعليه فإن الله لم يخبر أمة الإسلام أن النصر سيتنزل عليها عن طريق الدعاء والالتجاء الي الله فحسب ، وانما من خلال الخذ بالاسباب قدر الاستطاعة اي تحقيق قانون السببية ويأتي معه وبعده التوكل علي الله {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ...﴾
لذلك فإن الله يخبرنا بأن المؤمنين لما دعوا الله ليحقق لهم النصر والتمكين {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ..} لم يخبرهم الله بأنه استجاب لهم الدعاء بشكل مجرد وفوري ، وانما ربط إجابة الدعاء بالعمل والسعي من أجل تحصيل النصر {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم..﴾
وها هنا أمر جدير بالايضاح فثمة سؤال مغلوط منتشر بين كثير من الناس وهو أن الله تعالي قد أحدث المعجزات في الأمم السابقة لإنقاذ المستضعفين فلم لا يحدث معجزات لإنقاذ المستضعفين الان ؟!
اولا المقدمة التي بني عليها السؤال خطأ وبالتالي فالسؤال خطأ أيضا .
فتعريف المعجزة في الاصطلاح هو (ما خرق العادة من قول او فعل إذا وافق دعوي الرسالة وقارنها علي جهة التحدي ابتداء ، بحيث لا يقدر أحد علي مثلها ، ولا علي ما يقارنها ).
فهدف المعجزة ابتداء هو الهداية وإثبات صدق النبوة ، وليس هدفها رفع الظلم عن المستضعفين ، والدليل علي ذلك أن المعجزات التي أخبرنا عنها القران في أغلبها لم تكن لرفع الظلم ولا لتحقيق التمكين لقوم معينين بل كانت اهداف جل المعجزات هي إثبات نبوة الانبياء وصدق رسالتهم .
ولا يعني بذلك أن المعجزة لا تحقق نصرا المستضعفين ، فالمتامل في قصة سيدنا موسي عليه السلام بالقرآن يجد أنه قد حارب فرعون بكل الادوات الممكنة وأخذ بكل الأسباب المشاهدة في معركته معه ، تارة بالدعوة وتارة بالجهر بالحق وثالثة بالمناظرة أما جموع الناس ورابعة بالتوعد والترهيب وخامسة بتأجج القوم عليه وسادسة بالمواجهات المباشرة وسابعة بالقرار والهجرة وثامنة بالدعاء عليه حتي إذا انقطعت الأسباب وضاقت السبل أتى النصر الإلهي المؤيد للحق وحدثت المعجزة الخارقة للعادة ففرق الله البحر وأغرق فرعون وجنوده .
ففكرة أن المعجزات هدفها هو تحقيق الرخاء أو السلام الاجتماعي بين الناس هي فكرة خاطئة لا يجوز الاستدلال بها علي إمكانية إحداث المعجزات الان بغرض إنقاذ المستضعفين فهذا لن يكن هدفها يوما.
سؤال : لماذا لا يتدخل الله لإنقاذ المستضعفين والمساكين ؟؟ ولماذا لا ينقذ الله الأبرياء ؟! ولماذا يسمح بجرائم القتل والاغتصاب والتهجير وسائر انواع ظلم الإنسان !!
مربط الفرس هنا لهذه النقطة استيعابنا بأن القانون الذي خلقه الله لنا ليحكم الخلق هو قانون (السببية) أنه لكل سبب مسبب ، ولكل معلول علة فإن حوادث الاغتصاب والسلب والنهب سببها ظلم الإنسان وطغيانه واتباعه لهواه وقد تم إيضاح أن الظلم الواقع سببه اختيار الإنسان الحر المسئول .
ولكن لنفترض أن الله تدخل لإنقاذ المستضعفين والمظلومين في مكان أو زمان معين هل سيكون هذا التدخل لمرة واحدة فقط أم سيكون تدخلا بشكل دائم ؟ نقول إذا تدخل الله لمنع حرب أو لإيقاف حادثة أو غير ذلك للزم ذلك أن ينقذ كل المستضعفين والمظلومين إذ أن إنقاذ حفنة معينة من البشر سيؤدي إلي تساؤل البشر الباقين لماذا لم ينقذنا الله معهم رغم أنه كامل العدل ؟ بالتالي يقع هؤلاء البشر في سؤال الشر مرة ثانية وبالتالي لو تدخل الله لإنقاذ المظلومين في واقعة بعينها للزم ذلك أن ينقذ جميع المستضعفين والمظلومين والمتألمين..الخ ومعني ذلك أنه سيختفي الظلم والشر من العالم تماما.
المشكلة هنا أنه لو اختفي جميع الظلم والشر بالعالم لسقطت حرية الاختيار ولسقط معها مفهوم الاختبار ذاته من الأساس.
يقول الجاحظ في كتابه الحيوان كلاما بغاية الدقة [ اعلم أنّ المصلحة في أمر ابتداء الدنيا إلى انقضاء مدّتها امتزاج الخير بالشرّ، والضارّ بالنافع، والمكروه بالسارّ، والضّعة بالرّفعة، والكثرة بالقلّة. ولو كان الشرّ صرفا هلك الخلق، أو كان الخير محضا سقطت المحنة وتقطّعت أسباب الفكرة، ومع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة، ومتى ذهب التخيير ذهب التمييز].
لذا : فإن اختيار الإنسان الأخلاقي يتحقق من خلال مواجهته للتحديات وبدون التحديات تسقط أخلاقية الإنسان بالكلية (فوجود عالم بدون مخاطر أو مشاكل او معاناة أو صعوبات، سيجعله ساكنا أخلاقيا فالتغيير الأخلاقي والروحي يأتي من خلال الاستجابة للتحديات )
إذن : (فإن سماح الله بوجود الشر في ملكه لا يلزم منه الطعن في قدرته لأن منعه الشر غير ممكن منطقيا يلزم من القول بوجوب إزالته تناقض منطقي فإن الله سمح بوجود الشر لعدة أسباب منها أنه وهب للبشر حرية الإرادة والإختيار بين الخير والشر في امتحان إلهي لنياتهم وأفعالهم ، ولا تتعلق قدرة الإله بكامله بإزالة هذا الشر لانه من غير المنطقي أن يمتحن الله عباده بالخير والشر دون أن يكون هناك شر ).
ومن الملفت للنظر أن بعض الانبياء يبعثون يوم القيامة وليس معهم مؤمن واحد اتبعهم بالدنيا ، وكان الانبياء يبعثون في بني اسرائيل اول النهار فيقتلونه في آخره ، ورغم ذلك لم يتدخل الله بصورة اعجازية لإنقاذهم من القتل.
وعليه فإن الله لم يخبر أمة الإسلام أن النصر سيتنزل عليها عن طريق الدعاء والالتجاء الي الله فحسب ، وانما من خلال الخذ بالاسباب قدر الاستطاعة اي تحقيق قانون السببية ويأتي معه وبعده التوكل علي الله {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ...﴾
لذلك فإن الله يخبرنا بأن المؤمنين لما دعوا الله ليحقق لهم النصر والتمكين {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ..} لم يخبرهم الله بأنه استجاب لهم الدعاء بشكل مجرد وفوري ، وانما ربط إجابة الدعاء بالعمل والسعي من أجل تحصيل النصر {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم..﴾
وها هنا أمر جدير بالايضاح فثمة سؤال مغلوط منتشر بين كثير من الناس وهو أن الله تعالي قد أحدث المعجزات في الأمم السابقة لإنقاذ المستضعفين فلم لا يحدث معجزات لإنقاذ المستضعفين الان ؟!
اولا المقدمة التي بني عليها السؤال خطأ وبالتالي فالسؤال خطأ أيضا .
فتعريف المعجزة في الاصطلاح هو (ما خرق العادة من قول او فعل إذا وافق دعوي الرسالة وقارنها علي جهة التحدي ابتداء ، بحيث لا يقدر أحد علي مثلها ، ولا علي ما يقارنها ).
فهدف المعجزة ابتداء هو الهداية وإثبات صدق النبوة ، وليس هدفها رفع الظلم عن المستضعفين ، والدليل علي ذلك أن المعجزات التي أخبرنا عنها القران في أغلبها لم تكن لرفع الظلم ولا لتحقيق التمكين لقوم معينين بل كانت اهداف جل المعجزات هي إثبات نبوة الانبياء وصدق رسالتهم .
ولا يعني بذلك أن المعجزة لا تحقق نصرا المستضعفين ، فالمتامل في قصة سيدنا موسي عليه السلام بالقرآن يجد أنه قد حارب فرعون بكل الادوات الممكنة وأخذ بكل الأسباب المشاهدة في معركته معه ، تارة بالدعوة وتارة بالجهر بالحق وثالثة بالمناظرة أما جموع الناس ورابعة بالتوعد والترهيب وخامسة بتأجج القوم عليه وسادسة بالمواجهات المباشرة وسابعة بالقرار والهجرة وثامنة بالدعاء عليه حتي إذا انقطعت الأسباب وضاقت السبل أتى النصر الإلهي المؤيد للحق وحدثت المعجزة الخارقة للعادة ففرق الله البحر وأغرق فرعون وجنوده .
ففكرة أن المعجزات هدفها هو تحقيق الرخاء أو السلام الاجتماعي بين الناس هي فكرة خاطئة لا يجوز الاستدلال بها علي إمكانية إحداث المعجزات الان بغرض إنقاذ المستضعفين فهذا لن يكن هدفها يوما.