تابع البراهين العقلية علي ضرورة النبوة (19)

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Shebl Al Saqar مسلم اكتشف المزيد حول Shebl Al Saqar
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Shebl Al Saqar
    1- عضو جديد
    • 6 ديس, 2021
    • 73
    • مسلم

    تابع البراهين العقلية علي ضرورة النبوة (19)

    سلسلة نقد المذهب الربوبي (19):

    تابع البراهين العقلية علي ضرورة النبوة :

    البرهان الرابع: الأنبياء وسنِّ القوانين والدفع نحو امتثالها:

    أمّا فيما يتصل بالبعد الاجتماعي، فإنّ الإنسان - كما قلنا - مدني بالطبع ولا يعيش إلا ضمن الجماعة، والحياة الاجتماعية لا بدّ لها من قانون يحكمها؛ لأنّ الاجتماع مظنة التصادم والاختلاف الناتج عن وجود غرائز لدى الإنسان: مثل غريزتي حبِّ الذات وحب التملك، وما ينتج عنها من حسد وجشع وأنانية، أو غريزة الغضب وما ينتج عنها من عدوانية تجاه الآخر. إنّ ذلك سوف يدفعه إلى التعدي على الآخرين ويؤدي - لا محالة - إلى التشاجر والتنازع، الأمر الذي يفرض الحاجة إلى القانون الذي ينظم هذه الحياة، ويمنع البغي والظلم ويعطي كل ذي حق حقه.

    والسؤال مَنْ هو الذي يسنُّ القانون وينظم العلاقات ويرسم الحدود بين بني الإنسان؟ هل يستطيع العقل وحده دون إرشاد من الوحي أن يضع القانون الأكمل؟

    نقول: إنّ النبوّات قدمت ولا تزال قادرة على تقديم الكثير على الصعيد التشريعي الناظم لحركة المجتمع. ويمكن أن نقدِّم وجهتي نظر في هذا المجال:

    الأولى: إنّ النبوّة تستطيع أن تسهم في تشريع القانون الأمثل والأفضل لنظم الحياة الإنسانية، وبياناً لذلك نقول: إنّ القانون ليكون كاملاً فلا بدّ أن يتوفر في واضعه شرطان:

    أ-أن لا يكون واضع القانون مستفيداً منه استفادة خاصة.

    ب-أن يكون عالماً بمن يقنّن لهم.

    والوجه في الشرط الأول واضح، باعتبار أنّ المنتفع بالقانون لن يضع القانون إلا بما يخدم مصالحه، كما نلاحظ في أيامنا حيث تُفصّل القوانين طبقاً للمصالح الخاصة.

    والوجه في الشرط الثاني واضح أيضاً، لأنّ المقنن إن لم يكن عالماً بمن يشرِّع له فسوف يأتي قانونه قاصراً، وربما أوجد المشاكل بدل أن يحلَّها.

    وكلا هذين الشرطين لا يتوفران بصورة كاملة في الإنسان، وإنّما هما متوافران بصورتهما المثلى في الله سبحانه؛ وذلك لأنّ الإنسان في الأعم الأغلب يضع القانون الذي يخدم مصالحه ولن يستطيع التجرد عن ذاتياته وغرائزه وعواطفه، بينما الله سبحانه فهو لا ينتفع من القانون وليس له مصلحة خاصة من وضعه إلا تربية عباده ونظم أمورهم، هذا بالنسبة للشرط الأول. وأما الشرط الثاني فتوفره بالنحو الأكمل والأتم في الله عز وجل واضح، بينما الإنسان مهما بلغ علمه ومعرفته فسوف يبقى جاهلاً بالكثير مما يصلحه ويفسده، أما الله تعالى فهو العالم بحقيقة عباده وما يصلحهم وما يفسهدهم، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك – 14].

    وعلى ضوء ذلك تكون الحاجة إلى الأنبياء نابعة من الحاجة إلى القانون الأمثل، وربما كان قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد – 25] مشيراً إلى هذا المعنى.

    الثانية: ثمّ على فرض التسليم بقدرة الإنسان على اكتشاف القوانين الكفيلة في تنظيم حياته ولو من خلال التجارب الاجتماعية وتراكم المعرفة، بيدّ أنّ القانون الإلهي ينطلق من رؤية وجودية متكاملة قد خطّت للإنسان مساراً في هذه الحياة وهو مسارٌ نابع من أنّ هذه الحياة، هي مرحلة مهمة أنيط إلى الإنسان فيها دور خلافة الله على الأرض وكلّف بإعمارها، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الأعم، وهي مرحلة الحياة الآخرة ليجني فيها الإنسان ما زرعه في الحياة الدنيا، فيقف بين يدي الله ليحاسبه على ما فعل وليحيا في جواره الحياة الأبدية، ويقابل ذلك رؤية مادية لا تنظر إلى الإنسان إلّا بحجم عالم الدنيا وما يحقق له السعادة فيها دون أن تقدِّم تصوراً عما بعد الموت.

    ثمّ إنّ الإيمان بأنّ القوانين تنتسب إلى الله تعالى يمنحها قوّة خاصة وزخماً كبيراً يساعد على تطبيقها، ويعطي المؤمن بالله دفعاً روحياً خاصاً يجعله يتحرّك لامتثالها، لأنّه في الحقيقة يعبد الله ويتقرّب إليه بامتثال هذه القوانين، كما أنّه يستحضر رقابة الله تعالى قبل رقابة الضابطة العدلية.

    ولو شكّك مشكك في أهميّة دور الأنبياء على صعيد تنظيم المجتمع، على اعتبار أنّ الأجدى في أمر القوانين هو أن تترك إلى العقل البشري واجتهاده الذي يراعي تغيّر الحياة، فلا أظنّ أحداً ينبغي أن يشكّك في أنّ القوانين تحتاج إلى ضمانات لتطبيقها. ولا ريب أنّه بالإضافة إلى الرقابة القضائية التي تكفل إلى حدٍ كبير تطبيقها، فإنّها بحاجة إلى حوافز أخرى ومن نوع آخر، وهي الحوافز الروحية التي تضخ في القانون بعداً روحياً كبيراً، وليس ثمّة أقوى من الإيمان على هذا الصعيد، حيث يدفع الإنسان المؤمن إلى الالتزام بالقوانين من موقع أنّه يعبد الله بذلك كما يعبده بالصلاة والصيام، فالحياة كلّها في شتى مواقعها وساحاتها في بيوتها وأسواقها هي معبد ومختبر لإرادة الإيمان. وأما لو كانت القوانين من وضع الإنسان نفسه فلن تمتلك القداسة نفسها التي تمتلكها القوانين والتعاليم والإرشادات التي جاء بها الأنبياء ، استناداً إلى وحي الله تعالى، أو أمضوها وأقروها، ولا يشعر أنّه يتعبّد إلى الله تعالى بالتزامها. إنّ الإيمان بالمبدأ والمعاد يسهم في بناء شخصية مسؤولة فاعلة، فالمؤمن بالله وبيوم الحساب ليس لديه عبثيّة فكرية، ولا تفلت سلوكي أو أخلاقي، وإنما هو شخص يعيش حسّ المسؤولية والانضباط لأنه يتحرك في مسار واضح المعالم فهو من الله وإليه يعود؛ ولهذا فإيمانه يعطيه للحياة معنى وقيمة، ويجعلها متقبلاً لظروفه مهما كانت مرّة وصعبة، ولذا فهو في أصعب الأحوال التي تمرّ عليه وأقساها يندفع بإيجابيّة عالية للرضا بما قسم الله تعالى له، لأنّ كل ما ألمّ ونزل به هو بعين الله تعالى، وهو سوف يعوّضه رضوانا وسلاماً أبدياً على كل معاناته وآلامه وصبره على الأذى، ولن يضيع أجره، دون أن يعني ذلك الاستسلام لهذا الواقع بل إنّ المؤمن مدعو للعمل على تغيير الواقع نحو الأفضل بالطرق الملائمة والمشروعة،وهكذا يغدو الإيمان طاقة خير مبدعة وخلاقة وليس سبباً للجمود ولا للكراهية. فالمؤمن شخصٌ ملتزم وليس متعصباً وشتان بين الأمرين، فالمتعصب إنسان مريض يفتك به الحقد، وقد يقتله قبل أن يقتل غيره، أما الإنسان الملتزم فهو يعيش الانتماء للقضيّة التي يؤمن بها ويمارس إيمانه بكل شجاعة.

    وقصارى القول: إنّ حاجتنا إلى الأنبياء على الصعيد الاجتماعي هي حاجتنا إلى من يضع القوانين، أو على الأقل إلى ما يضخّ في القوانين والتشريعات روحاً وحيويّة خاصة، هي روح الإيمان بالله تعالى.

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, منذ 2 أسابيع
ردود 0
45 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة أحمد الشامي1
بواسطة أحمد الشامي1
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 2 أسابيع
ردود 0
9 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 2 أسابيع
ردود 0
7 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 3 أسابيع
ردود 0
13 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 3 أسابيع
ردود 0
11 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الراجى رضا الله
يعمل...