سلسلة نقد المذهب الربوبي (17):
تابع البراهين العقلية علي ضرورة النبوة :
البرهان الثاني: الأنبياء والإجابة على أسئلة النفس :
ونقول للربوبيين: إنّ عقولنا وعقولكم التي قادتنا وقادتكم للإيمان بالله تعالى، ألا تطرح عليكم أسئلة عن واجبنا أو مسؤوليتنا تجاه هذا الإله الخالق المنعم والصانع المبدع؟ ألا يجب علينا شكره على نعمائه؟ وكيف نشكره ونعبّر عن عرفاننا لجميله علينا؟
إنّ المذهب الربوبي - لا يقدِّم أجوبة على أسئلة النفس المصيرية المشار إليها ليس جديراً بالاتباع، فهذا المذهب لا يمنحكم أيها الربوبيون الأمن الداخلي ولا الاطمئنان النفسي؛ لأنّه عاجز عن الإجابة على أسئلتكم! فكيف تتبعون مذهباً يبقيكم في حالة من الضياع والحيرة والفراغ والخوف من المستقبل؟! بينما المذهب المؤمن بالنبوة يجيب على كل تلك الأسئلة، فهو يعطي تصوراً شاملاً عن المبدأ والمعاد، عن العلة الفاعلية والعلة الغائية، ولا يُبقي سؤالاً جوهرياً إلا وسعى للإجابة عليه، ولا نقطة غامضة إلا وحاول إيضاحها.
إننا نسأل الربوبيين: هل تؤمنون بالمعاد أم أنّكم لا تؤمنون به؟ والعقل الذي تتغنون به هل دفعكم إلى سؤال ماذا بعد الموت أم لا؟ إن معتنقي الديانات السماوية يؤمنون أنّ ثمّة حياة أخرى لا بدّ أن يحياها الإنسان بعد الموت وتتم فيها محاكمته لينال المحسن جزاءه وينال العاصي حسابه؟ فهل أنّ عقلكم الذي دفعكم للإيمان بالله عاجز عن الإجابة على هذا السؤال (ماذا بعد الموت)؟ أم أنّ لديه جواباً؟ وإذا كان ثمّة جواب فهل هو بالإيجاب أم بالسلب؟
1-إذا كان الجواب بالإيجاب، أي نفترض أنكم آمنتم بالمعاد وأقررتم بأنَّ الحياة لا تنتهي بالموت بل ثمّة حياة ونشأة أخرى، وأنّ الدنيا مزرعة الآخرة، وأنّ الناس صائرون إلى الله وأنهم إلى ربهم يحشرون، فنحن نسألكم عندئذٍ: ما الذي على الإنسان أن يعدّه لتلك السفرة الطويلة، وبماذا يتزوّد لتلك الرحلة المجهولة المعالم؟
لا يمكنني أن أصدّق، ولا يفترض بكم لو جردتم أنفسكم للحقّ، أن تصدقوا أنّ عقلكم يستطيع بمفرده أن يحدد لكم المسار الصحيح ويكشف النقاب عمّا يحتاجه الإنسان في تلك الرحلة بشكل يُطمأن به، فالعقل وإن قيل إنّه قادر على الحكم بضرورة وجود يوم للحساب يُنتصف فيه للمظلوم من ظالمه ويُعطى فيه كل ذي حق حقه، لكنّه يظلُّ قاصراً عن إدراك كنه ذلك العالم ومعرفة موازينه وعاجز (وهذا هو الأهم) عن معرفة ما الذي يحقق ويضمن السعادة للناس في ذلك اليوم، إنّه عالم مجهول بالنسبة إلينا فهو غيب من غيب الله تعالى، وعقولنا قاصرة عن الإلمام به بشكل وافٍ وإدراك كنهه. وكذلك، فإنّ العلم مهما تقدّم أو تطوّر فإنّه غير كافٍ لتقديم الجواب الشافي بشأن عالم الآخرة، وتحديد الأشياء الضارة والنافعة للسعادة الأخرويّة، بل إنّ العلم أساساً قد لا يستطيع أن يثبت وجود نشأة أخرى وإنْ كان لا يستطيع أن ينفي ذلك.
وبكلمة أخرى: إننا لا نعقل ولا نتصور أنّ الخالق الذي قرر إعادة نشر أجساد الناس بعد الموت ليحاسبهم، يمكن أن يتركهم دون أن يحدد لهم ما هو المصباح الذي يحملونه بأيديهم، ويضيء لهم طريق الآخرة؟!
2-وأمّا إن كان الجواب بالنفي، أي لم تؤمنوا بالآخرة، فإننا نسألكم: لماذا تنكرونها وعلى أي أساس لا تؤمنون بها؟ هل لأن المعاد محال؟ أو لأنه لم ينهض دليل عندكم على الإيمان به؟
أ-أمّا دعوى استحالة المعاد، فلا أخال عاقلاً آمن بالله تعالى يتفوّه بها، لأنّ الله إذا كان قادراً على الإيجاد فإنّه قادر على الإعادة.
ب-وأمّا إن ادعيتم عدم نهوض دليل على المعاد، فإننا نتوجه إليكم بالسؤال: ألا تجدون أنّ ثمّة أسئلة تفرض نفسها وهي التي تُعرف «بأسئلة المصير»، وتلحّ على كل إنسان وتقتحم عليه نومه ولا تفارقه على الدوام، وعمدة هذه الأسئلة هي: نحن من أين؟ وإلى أين؟ وفي أين؟ فهل يعقل أن تواجهوا هذه الأسئلة، ومنها: سؤال إلى أين؟ أو ماذا بعد؟ بنحوٍ من اللامبالاة؟!
فإننا لم نجد لديكم إجابات على هذه الأسئلة الوجدانية، بينما الفكر الديني قد قدّم إجابات عليها وكانت إجابات مقنعة لمعظم البشر، فقال - أقصد الدين - للإنسان: إنّك من الله، وإلى الله سبحانه تعود {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة – 156]. وقد قامت الحجّة على الإنسان بذلك
من خلال الرسل، قال تعالى: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا * رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء 163-165].
هكذا أجاب الفكر الديني، فبماذا تجيبون أنتم؟
ربما يقال: إنّ الملحدين والربوبيين يستطيعون الإجابة على هذه الأسئلة أيضاً، وذلك بإرجاعها إلى كونها نتيجة طبيعيّة لحالةِ الخوف من الطبيعة وظواهرها المخيفة.
ويلاحظ على ذلك بأنّ هذا الجواب التقليدي والمستهلك غير مقنع، فالإنسان قد امتلك ناصية الطبيعة، ولم يعد خائفاً منها، ومع ذلك فإنّ هذه الأسئلة لا تزال تلحّ عليه يوماً بعد يوم.
وقصارى القول في البرهان الثاني، هو أنّ من أبرز وجوه الحاجة إلى الأنبياء أنّهم قدموا أجوبة شافية على أسئلة المصير، وشكّلت أجوبتهم أساساً ومرتكزاً متيناً للاستقرار الروحي، لأنّها وبحقٍ قد منحت الإنسان الأمن والاطمئنان بشكل منقطع النظر: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد -28].
تابع البراهين العقلية علي ضرورة النبوة :
البرهان الثاني: الأنبياء والإجابة على أسئلة النفس :
ونقول للربوبيين: إنّ عقولنا وعقولكم التي قادتنا وقادتكم للإيمان بالله تعالى، ألا تطرح عليكم أسئلة عن واجبنا أو مسؤوليتنا تجاه هذا الإله الخالق المنعم والصانع المبدع؟ ألا يجب علينا شكره على نعمائه؟ وكيف نشكره ونعبّر عن عرفاننا لجميله علينا؟
إنّ المذهب الربوبي - لا يقدِّم أجوبة على أسئلة النفس المصيرية المشار إليها ليس جديراً بالاتباع، فهذا المذهب لا يمنحكم أيها الربوبيون الأمن الداخلي ولا الاطمئنان النفسي؛ لأنّه عاجز عن الإجابة على أسئلتكم! فكيف تتبعون مذهباً يبقيكم في حالة من الضياع والحيرة والفراغ والخوف من المستقبل؟! بينما المذهب المؤمن بالنبوة يجيب على كل تلك الأسئلة، فهو يعطي تصوراً شاملاً عن المبدأ والمعاد، عن العلة الفاعلية والعلة الغائية، ولا يُبقي سؤالاً جوهرياً إلا وسعى للإجابة عليه، ولا نقطة غامضة إلا وحاول إيضاحها.
إننا نسأل الربوبيين: هل تؤمنون بالمعاد أم أنّكم لا تؤمنون به؟ والعقل الذي تتغنون به هل دفعكم إلى سؤال ماذا بعد الموت أم لا؟ إن معتنقي الديانات السماوية يؤمنون أنّ ثمّة حياة أخرى لا بدّ أن يحياها الإنسان بعد الموت وتتم فيها محاكمته لينال المحسن جزاءه وينال العاصي حسابه؟ فهل أنّ عقلكم الذي دفعكم للإيمان بالله عاجز عن الإجابة على هذا السؤال (ماذا بعد الموت)؟ أم أنّ لديه جواباً؟ وإذا كان ثمّة جواب فهل هو بالإيجاب أم بالسلب؟
1-إذا كان الجواب بالإيجاب، أي نفترض أنكم آمنتم بالمعاد وأقررتم بأنَّ الحياة لا تنتهي بالموت بل ثمّة حياة ونشأة أخرى، وأنّ الدنيا مزرعة الآخرة، وأنّ الناس صائرون إلى الله وأنهم إلى ربهم يحشرون، فنحن نسألكم عندئذٍ: ما الذي على الإنسان أن يعدّه لتلك السفرة الطويلة، وبماذا يتزوّد لتلك الرحلة المجهولة المعالم؟
لا يمكنني أن أصدّق، ولا يفترض بكم لو جردتم أنفسكم للحقّ، أن تصدقوا أنّ عقلكم يستطيع بمفرده أن يحدد لكم المسار الصحيح ويكشف النقاب عمّا يحتاجه الإنسان في تلك الرحلة بشكل يُطمأن به، فالعقل وإن قيل إنّه قادر على الحكم بضرورة وجود يوم للحساب يُنتصف فيه للمظلوم من ظالمه ويُعطى فيه كل ذي حق حقه، لكنّه يظلُّ قاصراً عن إدراك كنه ذلك العالم ومعرفة موازينه وعاجز (وهذا هو الأهم) عن معرفة ما الذي يحقق ويضمن السعادة للناس في ذلك اليوم، إنّه عالم مجهول بالنسبة إلينا فهو غيب من غيب الله تعالى، وعقولنا قاصرة عن الإلمام به بشكل وافٍ وإدراك كنهه. وكذلك، فإنّ العلم مهما تقدّم أو تطوّر فإنّه غير كافٍ لتقديم الجواب الشافي بشأن عالم الآخرة، وتحديد الأشياء الضارة والنافعة للسعادة الأخرويّة، بل إنّ العلم أساساً قد لا يستطيع أن يثبت وجود نشأة أخرى وإنْ كان لا يستطيع أن ينفي ذلك.
وبكلمة أخرى: إننا لا نعقل ولا نتصور أنّ الخالق الذي قرر إعادة نشر أجساد الناس بعد الموت ليحاسبهم، يمكن أن يتركهم دون أن يحدد لهم ما هو المصباح الذي يحملونه بأيديهم، ويضيء لهم طريق الآخرة؟!
2-وأمّا إن كان الجواب بالنفي، أي لم تؤمنوا بالآخرة، فإننا نسألكم: لماذا تنكرونها وعلى أي أساس لا تؤمنون بها؟ هل لأن المعاد محال؟ أو لأنه لم ينهض دليل عندكم على الإيمان به؟
أ-أمّا دعوى استحالة المعاد، فلا أخال عاقلاً آمن بالله تعالى يتفوّه بها، لأنّ الله إذا كان قادراً على الإيجاد فإنّه قادر على الإعادة.
ب-وأمّا إن ادعيتم عدم نهوض دليل على المعاد، فإننا نتوجه إليكم بالسؤال: ألا تجدون أنّ ثمّة أسئلة تفرض نفسها وهي التي تُعرف «بأسئلة المصير»، وتلحّ على كل إنسان وتقتحم عليه نومه ولا تفارقه على الدوام، وعمدة هذه الأسئلة هي: نحن من أين؟ وإلى أين؟ وفي أين؟ فهل يعقل أن تواجهوا هذه الأسئلة، ومنها: سؤال إلى أين؟ أو ماذا بعد؟ بنحوٍ من اللامبالاة؟!
فإننا لم نجد لديكم إجابات على هذه الأسئلة الوجدانية، بينما الفكر الديني قد قدّم إجابات عليها وكانت إجابات مقنعة لمعظم البشر، فقال - أقصد الدين - للإنسان: إنّك من الله، وإلى الله سبحانه تعود {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة – 156]. وقد قامت الحجّة على الإنسان بذلك
من خلال الرسل، قال تعالى: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا * رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء 163-165].
هكذا أجاب الفكر الديني، فبماذا تجيبون أنتم؟
ربما يقال: إنّ الملحدين والربوبيين يستطيعون الإجابة على هذه الأسئلة أيضاً، وذلك بإرجاعها إلى كونها نتيجة طبيعيّة لحالةِ الخوف من الطبيعة وظواهرها المخيفة.
ويلاحظ على ذلك بأنّ هذا الجواب التقليدي والمستهلك غير مقنع، فالإنسان قد امتلك ناصية الطبيعة، ولم يعد خائفاً منها، ومع ذلك فإنّ هذه الأسئلة لا تزال تلحّ عليه يوماً بعد يوم.
وقصارى القول في البرهان الثاني، هو أنّ من أبرز وجوه الحاجة إلى الأنبياء أنّهم قدموا أجوبة شافية على أسئلة المصير، وشكّلت أجوبتهم أساساً ومرتكزاً متيناً للاستقرار الروحي، لأنّها وبحقٍ قد منحت الإنسان الأمن والاطمئنان بشكل منقطع النظر: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد -28].