سلسلة نقد المذهب الربوبي (12) :
لما لم يبعث الله ملكاً رسولاً!
إنّ هذا الكلام مردود، فإنّ نهوض النبي في مهمته المشار إليها يتوقف على كونه بشرًا؛ لأنّه لو كان النبي مجرد ساعي بريد، لأمكن أن يكون ملكاً يبعثه الله إلى الناس، فيلقي عليهم الكتاب في قراطيس يتلونها ثمّ ينصرف لشأنه، تماماً كما تلقي الطائرات بالمنشورات على الناس لتبلِّغهم أمراً ما. أمّا إذا كان دور النبي هو هداية الناس وإرشادهم والأخذ بأيديهم في مدارج الكمال، وأن يقوم بدور القدوة والمثل الأعلى لهم، فإنّ من الطبيعي أن يكون من جنس البشر، ليتسنى لبني الإنسان أن يقتدوا به، ويتفاعلوا معه، وبغير ذلك لا تقوم الحجة عليهم. فمقتضى الحكمة أن لا يكون الرسول ملكاً، قال سبحانه: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا} [الإسراء 95]، وحيث إنّ أهل الأرض ليسوا من جنس الملائكة، وإنّما هم من نسل آدم، فلا بد أن يكون الرسول إليهم
من جنسهم.
وهذا ما يجعلنا نفهم سرّ التأكيد القرآني على بشرية النبي وأنه «من أنفسكم». قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة – 128]. نعم، قد كانت الحاجة تدعو إلى إرسال الله في بعض الأحيان ملكاً للقيام ببعض المهام غير المتصلة بأداء دور النبوّة والرسالة.
ورغم أن هذا الأمر - أعني بشرية النبي - ينبغي أن يكون واضحاً، والغاية منه بيّنة، والحكمة فيه جليّة، إلا أنّ القرآن الكريم قد قصّ لنا عن جماعة من الناس أنهم كانوا يعترضون على كون الرسول من جنس البشر وامتنعوا عن الإيمان بهم بسبب ذلك! قال سبحانه: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا} [ الإسراء – 94 ]، وقد أجابهم الله بما تقدم في الآية: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا} [الإسراء 95]. وفي آية أخرى يقول تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا
أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [الأنعام 8-9].
ومن المظنون، بل المؤكد أنّ هؤلاء الذين اعترضوا بهذا الاعتراض على إرسال رسول من جنس البشر، كانوا سيعترضون وينددون على إرسال رسولٍ من جنس الملائكة، متعللين بأنّه لا طاقة لهم باتباع الملائكة، أو غير ذلك من العلل والأعذار! ولا تفسير لذلك إلا أنّ هؤلاء لم يوطّنوا أنفسهم على اتباع الهدى والإذعان للحق، وإنما انطلقوا من موقع العناد واللجاج، بسبب أنّ النبوّة جاءت بما يصادم مطامعهم وأهواءهم، وسحبت البساط من تحت أرجلهم، ولذا قال سبحانه: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الأنعام – 7].
لما لم يبعث الله ملكاً رسولاً!
إنّ هذا الكلام مردود، فإنّ نهوض النبي في مهمته المشار إليها يتوقف على كونه بشرًا؛ لأنّه لو كان النبي مجرد ساعي بريد، لأمكن أن يكون ملكاً يبعثه الله إلى الناس، فيلقي عليهم الكتاب في قراطيس يتلونها ثمّ ينصرف لشأنه، تماماً كما تلقي الطائرات بالمنشورات على الناس لتبلِّغهم أمراً ما. أمّا إذا كان دور النبي هو هداية الناس وإرشادهم والأخذ بأيديهم في مدارج الكمال، وأن يقوم بدور القدوة والمثل الأعلى لهم، فإنّ من الطبيعي أن يكون من جنس البشر، ليتسنى لبني الإنسان أن يقتدوا به، ويتفاعلوا معه، وبغير ذلك لا تقوم الحجة عليهم. فمقتضى الحكمة أن لا يكون الرسول ملكاً، قال سبحانه: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا} [الإسراء 95]، وحيث إنّ أهل الأرض ليسوا من جنس الملائكة، وإنّما هم من نسل آدم، فلا بد أن يكون الرسول إليهم
من جنسهم.
وهذا ما يجعلنا نفهم سرّ التأكيد القرآني على بشرية النبي وأنه «من أنفسكم». قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة – 128]. نعم، قد كانت الحاجة تدعو إلى إرسال الله في بعض الأحيان ملكاً للقيام ببعض المهام غير المتصلة بأداء دور النبوّة والرسالة.
ورغم أن هذا الأمر - أعني بشرية النبي - ينبغي أن يكون واضحاً، والغاية منه بيّنة، والحكمة فيه جليّة، إلا أنّ القرآن الكريم قد قصّ لنا عن جماعة من الناس أنهم كانوا يعترضون على كون الرسول من جنس البشر وامتنعوا عن الإيمان بهم بسبب ذلك! قال سبحانه: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا} [ الإسراء – 94 ]، وقد أجابهم الله بما تقدم في الآية: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا} [الإسراء 95]. وفي آية أخرى يقول تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا
أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [الأنعام 8-9].
ومن المظنون، بل المؤكد أنّ هؤلاء الذين اعترضوا بهذا الاعتراض على إرسال رسول من جنس البشر، كانوا سيعترضون وينددون على إرسال رسولٍ من جنس الملائكة، متعللين بأنّه لا طاقة لهم باتباع الملائكة، أو غير ذلك من العلل والأعذار! ولا تفسير لذلك إلا أنّ هؤلاء لم يوطّنوا أنفسهم على اتباع الهدى والإذعان للحق، وإنما انطلقوا من موقع العناد واللجاج، بسبب أنّ النبوّة جاءت بما يصادم مطامعهم وأهواءهم، وسحبت البساط من تحت أرجلهم، ولذا قال سبحانه: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الأنعام – 7].