سلسلة نقد المذهب الربوبي(10) :
الأبعاد الثلاثة للعبادة :
ولكن ماذا عن هدف العبادة ومغزاها، فالقرآن يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات 56]. فهل من المعقول أن يخلقنا الله لنعبده؟ أهو يحتاج إلى عبادتنا أم أنه يريد معاقبتنا بهذه التكاليف العبادية الشاقة من صلاة وصوم وحج وغيرها ؟
إنّ العبادة في الإسلام ليست مجرد صلوات وأذكار وصيام وحج وعمرة، كما قد يفهمها البعض، مع أنّ هذه من أمهات العبادة ولها وظيفتها الجليلة على صعيد تهذيب الإنسان وتزكيته، وإنما العبادة في الإسلام، هي ذات مفهوم يتسع للكثير من الأعمال العقلية
والجسدية والروحية والعلمية والإنسانية. وبتصنيف آخر للعبادة ربما أشار إليه البعض ، يمكن القول إنّها على ثلاثة أنحاء:
أ - العبادة الشعائرية، المتمثلة بالتزام ما جاء عن طريق الوحي من أعمال عبادية، واجبة كانت أم مستحبة، كالصلاة والصوم، والحج والعمرة، والذكر والدعاء.. وهذه العبادات يفترض بها أن تصقل شخصية الإنسان وتهذبها، وأن تمنحه الأمن والسلام الروحي من خلال علاقته بالله تعالى، ولجوئه إليه. فالصلاة هي حالة ارتباط روحي بالله تسمو بالعبد إلى آفاق روحية عالية، وكذلك الصوم والحج والهدي، فكل ذلك يرمي إلى إيصال الإنسان لحالة التقوى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البـــقــــرة21]، وقال سبحانه: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [الحج 37].
ب - العبادة الاجتماعية، من خلال الانخراط في شتى الأنشطة الاجتماعيّة، وأعمال الخير والبر التي تمدّ جسور التواصل الإنساني بين الناس. فمساعدة الفقراء والمحتاجين، وزيارة الأرحام والإخوان، وتشييع جنازة الأخوة والأصدقاء، والابتسامة في وجوه الآخرين، وكل ما يساعد على نشر حبال المودة والترابط.. إنّ ذلك كله عبادة لله تعالى ومقرِّب نحوه، ويكتسب الإنسان عليه من الأجر والثواب كما يكتسب المصلي والصائم، وما أحوجنا إلى هذا النوع من العبادات في زماننا هذا الذي هو بحق زمن التدابر وقطع الأرحام وفقد الحرارة في العلاقات بين الأهل والأخوة. وعن هذا النحو من العبادة تحدثت العديد من النصوص الدينية، وغير بعيد عن هذا المجال الرائع لعبادة الله، يأتي ما يمكن أن نسميه بالعبادة الأخلاقية، المتمثلة بالحفاظ على النواميس الأخلاقية التي تحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته، وتبعده عن الانحطاط إلى الحالة البهيمية.
أ - العبادة الكونية، وذلك بأن يعبد الله من خلال القراءة الواعية والمتدبرة في الكتاب المنظور، والتعرف على آيات جماله وجلاله في هذا الكون الفسيح، والعبادة هنا هي علم وعمل، عقل وقلب، علم يكتشف وعمل يبدع، عقل ينظم وقلب يسدد ويصوب، لتتم الإفادة من كل الاكتشافات في سبيل رقي الإنسان لا في سبيل تسلطه وتكبّره، في سبيل البناء لا في سبيل الدمار.
وهنا وعندما ينخرط الإنسان في هذه العبادة الكونية سوف يتملكه إحساس بالتواضع، لأنه كائن صغير في هذا الكون الفسيح، وهو مع سائر المخلوقات التي لا تعد ولا تحصى، يسير في حركة دائبة وخاضعة للقوانين المحكمة التي أبدعتها يد القدرة الإلهية، التي أتقنت كل شيء
وبكلمة أخرى: إنّ هذه العبادة الكونية في آفاق السماوات والأرض، تشعر الإنسان أنه كائن صغير في هذا المعبد الكبير/الكون الذي يتحرك بانتظام، وهو ينطق بملء فيهِ ويخاطب - بلسان الحال - كل ذي لبّ: إنّ النظام يحتاج إلى منظّم، والجمال يحتاج إلى ريشة تخطّ وأنامل تبدع، كما ويحتاج - في المقابل - إلى ذوق يتلمس ووجدان يقر بالجميل ويعرف بالفضل والإحسان، وهذا هو الدرس العظيم لهذه العبادة، وهو الذي يعطيها هذا الوزن لتغدو تفكر ساعة أفضل من قيام ليلة. والدرس الآخر لهذه العبادة هو درس الانتظام، فإنّه إذا كانت هذه الكائنات بأجمعها تتحرك في مسار منتظم وبديع ولا تتخلف عنه طرفة عين أبداً، فالحري بالإنسان أيضاً أن يتحرك في خط سوي مستقيم فلا يعبث ولا يدمر.
الأبعاد الثلاثة للعبادة :
ولكن ماذا عن هدف العبادة ومغزاها، فالقرآن يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات 56]. فهل من المعقول أن يخلقنا الله لنعبده؟ أهو يحتاج إلى عبادتنا أم أنه يريد معاقبتنا بهذه التكاليف العبادية الشاقة من صلاة وصوم وحج وغيرها ؟
إنّ العبادة في الإسلام ليست مجرد صلوات وأذكار وصيام وحج وعمرة، كما قد يفهمها البعض، مع أنّ هذه من أمهات العبادة ولها وظيفتها الجليلة على صعيد تهذيب الإنسان وتزكيته، وإنما العبادة في الإسلام، هي ذات مفهوم يتسع للكثير من الأعمال العقلية
والجسدية والروحية والعلمية والإنسانية. وبتصنيف آخر للعبادة ربما أشار إليه البعض ، يمكن القول إنّها على ثلاثة أنحاء:
أ - العبادة الشعائرية، المتمثلة بالتزام ما جاء عن طريق الوحي من أعمال عبادية، واجبة كانت أم مستحبة، كالصلاة والصوم، والحج والعمرة، والذكر والدعاء.. وهذه العبادات يفترض بها أن تصقل شخصية الإنسان وتهذبها، وأن تمنحه الأمن والسلام الروحي من خلال علاقته بالله تعالى، ولجوئه إليه. فالصلاة هي حالة ارتباط روحي بالله تسمو بالعبد إلى آفاق روحية عالية، وكذلك الصوم والحج والهدي، فكل ذلك يرمي إلى إيصال الإنسان لحالة التقوى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البـــقــــرة21]، وقال سبحانه: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [الحج 37].
ب - العبادة الاجتماعية، من خلال الانخراط في شتى الأنشطة الاجتماعيّة، وأعمال الخير والبر التي تمدّ جسور التواصل الإنساني بين الناس. فمساعدة الفقراء والمحتاجين، وزيارة الأرحام والإخوان، وتشييع جنازة الأخوة والأصدقاء، والابتسامة في وجوه الآخرين، وكل ما يساعد على نشر حبال المودة والترابط.. إنّ ذلك كله عبادة لله تعالى ومقرِّب نحوه، ويكتسب الإنسان عليه من الأجر والثواب كما يكتسب المصلي والصائم، وما أحوجنا إلى هذا النوع من العبادات في زماننا هذا الذي هو بحق زمن التدابر وقطع الأرحام وفقد الحرارة في العلاقات بين الأهل والأخوة. وعن هذا النحو من العبادة تحدثت العديد من النصوص الدينية، وغير بعيد عن هذا المجال الرائع لعبادة الله، يأتي ما يمكن أن نسميه بالعبادة الأخلاقية، المتمثلة بالحفاظ على النواميس الأخلاقية التي تحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته، وتبعده عن الانحطاط إلى الحالة البهيمية.
أ - العبادة الكونية، وذلك بأن يعبد الله من خلال القراءة الواعية والمتدبرة في الكتاب المنظور، والتعرف على آيات جماله وجلاله في هذا الكون الفسيح، والعبادة هنا هي علم وعمل، عقل وقلب، علم يكتشف وعمل يبدع، عقل ينظم وقلب يسدد ويصوب، لتتم الإفادة من كل الاكتشافات في سبيل رقي الإنسان لا في سبيل تسلطه وتكبّره، في سبيل البناء لا في سبيل الدمار.
وهنا وعندما ينخرط الإنسان في هذه العبادة الكونية سوف يتملكه إحساس بالتواضع، لأنه كائن صغير في هذا الكون الفسيح، وهو مع سائر المخلوقات التي لا تعد ولا تحصى، يسير في حركة دائبة وخاضعة للقوانين المحكمة التي أبدعتها يد القدرة الإلهية، التي أتقنت كل شيء
وبكلمة أخرى: إنّ هذه العبادة الكونية في آفاق السماوات والأرض، تشعر الإنسان أنه كائن صغير في هذا المعبد الكبير/الكون الذي يتحرك بانتظام، وهو ينطق بملء فيهِ ويخاطب - بلسان الحال - كل ذي لبّ: إنّ النظام يحتاج إلى منظّم، والجمال يحتاج إلى ريشة تخطّ وأنامل تبدع، كما ويحتاج - في المقابل - إلى ذوق يتلمس ووجدان يقر بالجميل ويعرف بالفضل والإحسان، وهذا هو الدرس العظيم لهذه العبادة، وهو الذي يعطيها هذا الوزن لتغدو تفكر ساعة أفضل من قيام ليلة. والدرس الآخر لهذه العبادة هو درس الانتظام، فإنّه إذا كانت هذه الكائنات بأجمعها تتحرك في مسار منتظم وبديع ولا تتخلف عنه طرفة عين أبداً، فالحري بالإنسان أيضاً أن يتحرك في خط سوي مستقيم فلا يعبث ولا يدمر.