تابع نقد التصور الربوبي حول الإله (6)

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Shebl Al Saqar مسلم اكتشف المزيد حول Shebl Al Saqar
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Shebl Al Saqar
    1- عضو جديد

    • 6 ديس, 2021
    • 73
    • مسلم

    تابع نقد التصور الربوبي حول الإله (6)

    سلسلة نقد الربوبية (6) :

    تابع نقد تصور الربوبي حول الاله :

    الاعتراض الثاني: إله منزوع الصلاحية!

    ثمّ إنّنا نسأل الربوبي: ماذا تعني بقولك: إنّ الله لا يتدخل في شؤون الكون وفي الحياة الإنسانية؟ هل تقصد بذلك أنّ الله تعالى فقد القدرة على التدخل بعد أن خلق الكون، أو لنقل إنّه لم يكن له هذه القدرة من الأساس؟ أم تقصد أنّه تعالى قادر ولكنّه قرر طواعية عدم التدخل؟

    إن اخترت الأول، أعني عدم قدرة الله على التدخل، فهذا يعني إقراراً منك بأنّ إلهك عاجز وضعيف، ومن كان كذلك لا يستحق أن يكون إلهاً، فالإله لا يمكن أن يكون فيه أي نقص، فهو مصدر الكمال والقوّة، وهو الغني والقوي المقتدر، وكيف لإلهٍ أن تكون له القدرة على إيجاد
    هذا الخلق البديع ثم لا تكون له القدرة على التدخل والتصرّف في شؤونه؟!

    وإن اخترت الثاني، أعني أنّ الله هو منْ قرر عدم التدخل طواعية بالرغم من قدرته على ذلك، فإنّ لنا أن نسألك: منْ أخبرك بأنّ الله تعالى اتخذ مثل هذا القرار؟ هل أخبرك بذلك الوحي؟ بالطبع لا يمكنك دعوى ذلك، لأنك لا تؤمن بالوحي أصلاً. أم أنّك تزعم أنّ هذا الأمر مما
    يحكم به العقل؟ فإن زعمت هذا، فإنّ ردّنا عليك هو أولا: إنّ العقل لا يستطيع التنبؤ بمثل هذا الأمر، لأنّ قرارًا كهذا لا يُعرف إلا من قبل الله تعالى دون سواه، وأنت لا تؤمن بأنّ ثمّة وسيلة تواصل مباشر بين الله وبين الناس أصلاً. وأمّا العقل، فإنّه بنظرك القائد والمحرّك للإنسان لكنه ليس رسولاً يتلقى وحي الله.

    ثانيًا: إذا كان الله تعالى قد اتخذ مثل هذا القرار، فإننا نسألك: ما الوجه في اتخاذه له؟ لا يمكننا أن نصدّق أنه اتخذه لا لغاية ولا لهدف، فهو الحكيم الذي لا يمكن أن يفعل شيئاً عبثاً أو بدون فلسفة معينة. ونظيره في الوهن أن يقال: إنّه يريد أن يخلد إلى الراحة مثلاً أو التفرغ لأعمال أخرى، فهذه كلها وجوه لا تليق بجلال عظمته، فهو المطلق اللامحدود في علمه وقدرته.

    يقول الربوبي: إنّ الله تعالى إذ قرر عدم التدخل، فلغاية وحكمة. والعقل وإن لم يكن لديه الاطلاع على قرار الله تعالى بشكل مباشر، لكنه يستطيع معرفة ذلك وحكمته من خلال التأمل والتدبر؛ وذلك لأنّ الله عندما خلق الخلق والكون على أساس القوانين فهذا معناه أنّه أراد
    لهذا الكون أن يسير وفقها، كما أنّه عندما خلق الإنسان كائناً يملك اختياراً وحرية تامة، فهذا مؤشرٌ على أنه قد أراد للإنسان أن يتحرّك في هذه الحياة بإرادته واختياره وأن يصنع تجربته بنفسه ويحقق النجاح والتقدّم بعيداً عن تدخل الإرادة الإلهيّة.

    أقول: هذا المعنى لو كان هو المقصود للربوبي، فإننا نوافقه الرأي من حيث المبدأ، فنحن نعتقد أنّ الكون يتحرّك وفق منطق السنن والقوانين، وما يسمّى بمبدأ الأسباب والمسببات. فسقوط التفاحة من الشجرة إلى الأرض - مثلاً - ليس معناه أنّ الله تعالى قد أسقطها بشكل مباشر ومنع من ارتفاعها إلى الأعلى، وإنّما يخضع ذلك لقانون الجاذبية الذي هو مِنْ صنع الله تعالى، وهكذا الحياة كلها تخضع لقوانين خاصة ولا تقوم على التدخل الإلهي المباشر في تفاصيل الأحداث والمجريات اليومية. والإنسان بدوره يخضع للقوانين، وأهمُّ قانون يحكم حياة الإنسان هو قانون حرية الاختيار والإرادة، فالإنسان ليس مقهوراً ولا مجبوراً على انتهاج سلوك أو اتجاه معين. كما أنّ للإنسان ميزة أخرى في هذا المقام، وهي أنّه مؤهل وقادر على اكتشاف القوانين الحاكمة على هذا الكون، وذلك من خلال عقله القادر على البحث والتحري والاكتشاف.

    إننا نعتقد بذلك كله، ولكنّ هذا المعنى لا يعني أنّ الله تعالى لا قدرة له على التدخل في الكون أو في أفعال الإنسان، أو أنّه يمكن لهذا الكون أن يستمر بدونه تعالى، أو أنّه قد عزل نفسه عن ذلك ولم يعد له شغل فيه، كما يرى المفوّضة . فالكون بقوانينه قائم بالله تعالى حدوثاً وبقاءً، ولا يمكن أن يستغني عنه تعالى طرفة عين أبداً أو أن يستمر بقوانينه ولو لبرهة قصيرة من الزمن إذا رفع الله تعالى لطفه وعنايته عنه. وليس حاله تعالى مع الكون، كما هو حال الإنسان مع ما يصنعه من أشياء، فلو قام الإنسان بصناعة طائرة معينة مثلاً، فإنّ الطائرة بحاجة إلى الصانع ابتداءً لا بقاءً، فربما مات الصانع وبقي المصنوع (الطائرة) فعّالاً لسنوات طويلة. وإنّما المثال الأقرب لتصوير حالنا مع الله هو مثال الإنسان والعقل، فإنّ استمرار الإنسان بالعمل المنتج والمتوازن رهنٌ بسلامة العقل، فالعقل هو القائد للإنسان ولا يستغني عنه للحظة، كذلك الكون بالنسبة لله، فهو تعالى مصدر الطاقة التي تمدُّ الكون والإنسان بالحياة، وإذا نضبت الطاقة تجمّد الكون وتوقفت الحياة، فالقضية هنا ليست في عجز القوانين (القابل) بل في قوّة الخالق وشدّة حضوره (الفاعل)، التي تجعل من المستحيل في حقه أن يغيب عن مملكته طرفة عين أبداً حتى لو كانت هذه المملكة تسير وفق منطق القوانين. وأيّ تصوّر يفترض إمكان غياب الله عن خلقه هو تصور ينبئ عن جهل صاحبه بالخالق تعالى ومحاولة مقايسته بالمخلوق، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67] ، وهذا ما يفسر لنا تأكيد القرآن على أنّ الكون قائم بالله وأنّه لو أشاح بنظره المعنوي عنه طرفة عين لزال وفني، قال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر 41].

    ثمّ إنّ إيماننا بأنّ الكون قائمٌ على مبدأ القوانين، لا يمنعُ أبداً من أن يكون خالقُ القوانين قادراً على تعطيلها أو تجميدها في بعض الحالات، لسبب تقتضيه المصلحة التي يرتأيها ويقدِّرها. فهو عزّ وجلّ بإمكانه أن يجعل لهذه القوانين نهايةً في حال شاء بَعْثَ الناس للحساب مقدمة لحياة أخرى، وله أيضاً أن يجمدها مؤقتاً كما يحصل في حالة المعجزات التي ترمي إلى إقامة الحجة على خلقه وتسديد نبي من أنبيائه، ولسنا نجد مانعاً عقلياً من ذلك.

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, منذ 5 يوم
رد 1
11 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة Mohamed Karm
بواسطة Mohamed Karm
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 2 أسابيع
ردود 0
14 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 2 أسابيع
ردود 0
12 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, 3 نوف, 2024, 12:44 ص
ردود 0
19 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الراجى رضا الله
ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, 10 أكت, 2024, 01:41 ص
رد 1
13 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الراجى رضا الله
يعمل...