البحث مترجم حرفيا من كتاب "التعليق على نص وترجمات العهد الجديد" تأليف فيليب كومفورت. ص 873-874
يقول البروفيسور فيليب كومفورت:
في رأيي الخاص، يعود السبب في الكثير من الاختلافات النصية في العهد الجديد (خاصة التوسعات النصية)، لعملية ملء النساخ للفجوات في نص العهد الجديد - لا سيما في الكتب السردية (الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل). عادةً ما يفحص النقاد النصيون الاختلافات النصية على أنها انحرافات عرضية عن النص الأصلي. ومع ذلك، يمكن تفسير بعض الاختلافات بشكل أكثر دقة كـ "استقبالات القراء" للنص. أعني بهذا الاختلافات التي أنشأها أفراد النساخ أثناء قيامهم بتفسير النص أثناء عملية قراءتهم له. في القرون التي سبقت إنتاج النسخ عن طريق الإملاء (حيث يقوم العديد من النساخ في حجرات النسخ الكنسية بتدوين النص كما يتم إملاءه عليهم من قبل قارئ واحد)، كان يتم عمل جميع نسخ المخطوطات منفردة - كل ناسخ كان يعمل بمفرده لإنتاج نسخة من نموذج معه. كان من المتوقع من الناسخ الجيد ألا يقوم بالفعل بمعالجة النص داخليًا، ولكن عليه نسخه آليًا كلمة بكلمة، وحتى حرفًا بحرف. ولكن بغض النظر عن مدى الدقة أو الاحتراف، فإن الناسخ كان أحيانا يصبح مشاركًا ذاتيًا في النص - سواء بوعي أو بغير وعي - ففي بعض الأحيان ينتج الناسخ نسخًا تختلف عن نموذجه، تاركا إرثًا مكتوبًا لقراءته الخاصة للنص.
حتى الناسخ الدقيق مثل الذي أنتج البردية 75P لم يستطع الامتناع، في بعض الأحيان، عن ملء الفجوة المتصورة. يحدث هذا في المثل في لوقا 16: 19-31 حيث يُخبر القارئ عن رجل ثري لم يذكر اسمه ومتسول اسمه لعازر. وإدراكًا من الناسخ للفجوة في القصة، يعطي الناسخ للرجل الغني اسمًا: "نيويس" "Neues" ربما تعني "نينوى" "Nineveh" (انظر الملاحظة على لوقا 16: 19). وأعطى نساخ آخرون أسماء للثائرين المصلوبين مع يسوع: زوثام "Zoatham" وكاما "Camma" (في بعض المخطوطات)، أو يواثاس "Joathas" وماغاتراس "Maggatras" (في مخطوطات أخرى؛ انظر الملاحظة على متى 27: 38). كما قام العديد من النساخ الآخرين بملء فجوات أكبر، خاصة في الروايات. في قصة خلاص الخصي الأثيوبي المسجلة في أعمال الرسل 8: 26-40، أضاف بعض النساخ عددا كاملا لملء فجوة متصورة فيما يجب على المرء أن يعترف به قبل أن يعتمد. وهكذا، أعطانا هذه الكلمات الإضافية في أعمال الرسل 8: 37، "وقال فيلبس،" إذا آمنت من كل قلبك، يمكنك (أن تعتمد)." فأجاب (الخصي) قائلاً: آمنت أن يسوع المسيح هو ابن الله. " (انظر الملاحظة عن أعمال الرسل 8: 37 لمزيد من المناقشة). تساعدنا ملاحظات بعض المنظرين الأدبيين الذين يركزون على استقبال القارئ لنص، على فهم التفاعل الديناميكي بين الناسخ (الذي يعمل الآن كقارئ حقيقي) والنص الذي كان ينسخه. يجب أن يأخذ النقاد النصيون في الاعتبار الوضع التاريخي للنساخ الذين أنتجوا المخطوطات التي نعتمد عليها في النقد النصي. يجب على نقاد النصوص أن يدركوا أيضًا أن النساخ كانوا قراء تفاعليين. في الواقع، حيث أن العديد من النقاد الأدبيين في السنوات الأخيرة قد حولوا تركيزهم من النص نفسه إلى القراء الذين قرأوا النص، في محاولة لفهم تعددية التفسير، وبالتالي، يمكن للنقاد النصيين تحليل القراءات المختلفة في التقليد النصي على أنها نتاج "قراءات" شخصية "personalized" مختلفة للنص تم إنشاؤها بواسطة النساخ الذين قاموا بإنتاجها.
إن عمل وولفجانج أيسر Wolfgang Iser مفيد لفهم كيفية قرأ النساخ النص وأعادوا معالجته بينما كانوا يقومون بنسخه. لم يهتم "أيسر" فقط بمسألة أثر النص الأدبي في أفعال القراء، ولكن أيضًا بكيفية مشاركة القراء في صنع معنى النص. وبعبارة أخرى، فإن معنى النص ليس متأصلاً في النص ولكن يجب أن يتحقق من قبل القارئ.
873
يجب على القارئ أن يعمل كصانع مساعد للنص من خلال توفير ذلك الجزء منه الذي لم يُكتب ولكنه ضمني فقط. يستخدم كل قارئ خياله لملء الأجزاء غير المكتوبة من النص أو "فجواته" أو مناطق "عدم التحديد". بمعنى آخر، يتم تحقيق معنى النص بشكل تدريجي حيث يتبنى القارئ وجهات النظر التي يدفعها إليه النص، ويعايشها بشكل متسلسل، وعندما تحبط توقعاته أو يتم تعديلها، يقوم بربط أجزاء النص بعضها بالآخر، ويتخيل و يملأ كل ما يتركه النص فارغًا. إن رد فعل القارئ مقابل خيبة توقعاته، وانتفاء القيم المألوفة، وأسباب فشلها، وما إذا كان النص يقدم أي حلول محتملة من عدمه، تتطلب من القارئ أن يقوم بدور فعال في صياغة معنى السرد.
وبينما يقوم القراء بملء هذه الفجوات - في خيالهم فقط، فقد أخذ النساخ أحيانًا الحرية لملء الفجوات غير المكتوبة بكلمات مكتوبة. وبعبارة أخرى، ذهب بعض النساخ إلى أبعد من مجرد تخيل كيفية سد الفجوات إلى سدها فعليًا. وتظهر الأدلة التاريخية أن [كل] ناسخ قام بنسخ نص قام [بإنشاء] نص مكتوب جديد. على الرغم من وجود العديد من العوامل التي كان من الممكن أن تكون قد ساهمت في صنع هذا النص الجديد، إلا أن أحد العوامل الرئيسية هو أن النص يطلب باستمرار من القارئ ملء الفجوات.
فالعمل الأدبي ليس مستقلاً بذاته ولكنه كائن متعاظم يعتمد على إدراك القارئ. ولكونه كائنا متعاظما، لا يمكن للعمل الأدبي أن يملأ كل التفاصيل؛ والقارئ مطالب أن يقوم هو بذلك. فأثناء عملية القراءة، يجب على القارئ تجسيد الفجوات باستخدام خياله لإضفاء فحوى للنصي المحذوف و/ أو الغير محدد. ونظرًا لأن هذا الإنشاء هو عمل شخصي وإبداعي، فسوف يفترض أن ينتج ذلك التجسيد العديد من الاختلافات لقراء مختلفين. على سبيل المثال، يقول إنجيل لوقا أن الجموع الذين شاهدوا صلب يسوع "عادوا إلى منازلهم وهم يضربون صدورهم" (لوقا 23: 48). على الرغم من أنه يبدو أن معظم القراء قد حصلوا على نص كافٍ لتصور هذا المشهد، إلا أن خيال النساخ المختلفين انطلق للنظر في مدى اتساع حزنهم أو لإعادة إنشاء ما قد يقولونه لبعضهم البعض أثناء عودتهم إلى المنزل. فأضاف قلة من النساخ، وهم يتخيلون رد فعل أكثر حدة، "عادوا إلى منازلهم، وضربوا صدورهم وجباههم". بينما قدم نساخ آخرون بعض الحوار: "عادوا إلى منازلهم وهم يضربون صدورهم، ويقولون: ويل لنا من الذنوب التي ارتكبناها هذا اليوم، لأن تدمير القدس أصبح وشيكا!". ويسمي "أيسر" الفجوات النصية" بـ "الفراغات" "blanks"؛ كل فراغ هو عبارة عن "لا شيء" فيدفع التواصل، لأن الفراغ يتطلب عملا من التفكير لكي يتم ملؤه". فالفراغات تقطع اتصال الأنماط النصية، وهذا الانقطاع الناتج في الاستمرار الجيد للمعاني، يكثف أعمال التفكير من جانب القارئ، ومن هذه الناحية، تقوم الفراغات بوظيفة أولية للتواصل" (أيسر Iser 1978 ، 189). وفقًا لأيسر، فإن العامل المركزي في التواصل الأدبي يتعلق بملء القارئ لهذه الفراغات النصية. إن نظريته الخاصة بـ الفجوات النصية مفيدة لفهم استقبال الناسخ للنص كقارئ. بطبيعة الحال، فإن إدراكه للفجوات أو الفراغات هو أكبر بكثير وأكثر تطلبًا من القوى الخيالية للقارئ مما كان عليه الحال عادة لنساخ العهد الجديد. ومع ذلك، واجه النساخ فجوات أو فراغات تتطلب لملئها بشكل تخيلي. وعندما واجه العديد من النساخ مثل هذه الفجوات النصية، أخذوا الحرية لملء تلك الفجوات عن طريق إضافة كلمات إضافية أو تغيير الصياغة لتقديم ما اعتقدوا أنه نص أكثر تواصلاً. في الواقع، يُظهر التاريخ الكامل لانتقال نصوص العهد الجديد أن النص أخذ يصبح أطول وأطول بسبب الإقحامات النصية - أي ملء الفجوات المتصورة. نرى بشكل خاص عمل سد الفجوات في عدد كبير من التوسعات في النص المخطوطة D للأناجيل وسفر أعمال الرسل. فإن من قام بتحرير هذا النص كان لديه ميل لسد الفجوات النصية، كما تصورها. ويتجلى هذا الملء للفراغات بشكل خاص في سفر أعمال الرسل، حيث أجرى المنقح للمخطوطة D عددًا لا يحصى من الإقحامات (انظر مقدمة أعمال الرسل). يقول المؤلف في مقدمة أعمال الرسل أن نص هذا السفر في النصوص الغربية قد ازداد في طولة بمقدار 10% عن طوله في المخطوطات المبكرة الأخرى. يوجد سفر أعمال الرسل في شكلين متميزين في الكنيسة الأولى - السكندري والغربي. وقد تم العثور على النص السكندري في مخطوطات مثل 45P 74P A א B C ψ 0189 33. وتم العثور على النص الغربي في عدد قليل من برديات القرن الثالث (29P 38P 48P)، وبردية من القرن الخامس (112P)، ومخطوطة الأحرف الكبيرة 0171 (حوالي 300)، ومخطوطة بيزا (Codex Bezae (D، القرن الخامس). يشهد أيضًا للنص الغربي، المخطوطات الأفريقية اللاتينية القديمة (بما في ذلك ith)، والقراءات الهامشية في ترجمة هرقلين السريانية Harclean (المشار إليها باسم syrhmg أوsyrh** )، وكتابات كبريانوس Cyprian وأوجستين Augustine. النص الغربي، الذي يزيد طوله عن السكندري بمقدار العشر، أكثر تلونا ومليء بالتفاصيل العرضية المضافة.
الشاهد الرئيسي للنص الغربي هو مخطوطة بيزا (Codex Bezae (D من القرن الخامس. لكن هذا الشكل من النص الغربي لم يتم إنشاؤه بواسطة الكاتب الذي أنتج مخطوطة بيزا، على الرغم من أنه هو نفسه ربما أضاف تحسيناته الخاصة. من الممكن أن يكون إنشاء النص كما وجد لاحقًا في D قد حدث قبل القرن الثالث. يقول ك.آلاند وب.ألاند B.Aland and K.Aland، "متى وكيف نشأ النموذج اليوناني لـ D غير معروف، (74P 74P 74P و0171 من مخطوطات القرنين الثالث والرابع، تظهر أشكالًا سابقة أو ذات صلة)، ولكن الإضافات والحذف والتعديلات في النص (خاصة في لوقا وسفر أعمال الرسل) تفضح لمسة لاهوتية مهمة.... فعندما يدعم D التقليد المبكر، يكون للمخطوطة أهمية حقيقية، ولكن (هي بالإضافة إلى أسلافها وأتباعها) يجب فحصها بعناية أكبر عندما تتعارض مع التقليد المبكر " (1987، 108). اعتبر ميتزجر Metzger أن النص الغربي المبكر هو عمل تمت مراجعته على يد مراجع "من الواضح أنه كان باحثًا دقيقًا ومستنيرًا، و[الذي] أزال الثغرات والفجوات وأضاف التفاصيل التاريخية والسيرة الذاتية والجغرافية. ويبدو أن المراجع قام بعمله في في وقت مبكر، قبل أن يُنظر إلى نص أعمال الرسل بشكل عام على أنه نص مقدس يجب الحفاظ عليه غير منتهك "(مقدمة في أعمال الرسل، TCGNT).
تكثر النظريات حول أي شكل من شكلي النص هو الشكل الأصلي - أو حتى أن لوقا قد يكون كتب كليهما (انظر دراسة ميتزجر الممتازة في TTCGNT). الإجماع العلمي الرئيسي هو أن النص السكندري نص أساسي والغربي هو نص ثانوي. واعتبر روبس J.H Ropes(1926، ccxxii) أن النص الغربي هو "إعادة كتابة نصوص كانت أصلية وأعيدت صياغتها"، "وعمل محرر واحد يحاول تحسين العمل على نطاق واسع" وقد وصف هانسون R.P.C Hanson (1965،215-224) هذا المنقح بأنه محرف قام بإدخالات كبيرة في نص من النوع السكندري. وافترض هانسون أن "هذه الإقحامات تمت في روما بين 120 و150 بعد الميلاد، في وقت لم يكن سفر أعمال الرسل يعتبر مقدسًا وموحى به بعد".
في أغلب الأحيان، اعتبر محررو نص NU أن النص السكندري، كنص أقصر، قد حافظ على الصياغة الأصلية. ووجهة نظري هي أنه في كل حالة تقريبًا حيث يقف النص D بمفرده (ضد الشهود الآخرين - خاصةً السكندري)، إنها قضية الكاتب الغربي الذي يعمل كمراجع قام بتعزيز النص باستخدام مواد حشو تنقيحية. هذا الشخص (الذي أحب أن أشير إليه غالبًا باسم "المراجع" أو "مراجع-D" "D-reviser" في ملاحظات التعليق) لا بد أنه كان باحثًا واسع الاطلاع، ولديه ميل لإضافة التفاصيل التاريخية والسيرة الذاتية والجغرافية (كما أشار Metzger). أكثر من أي شيء آخر، كان عازمًا على سد الثغرات في السرد بإضافة تفاصيل عارضة. علاوة على ذلك، صاغ النص لصالح الوثنيين ضد اليهود، ولتعزيز رسالة بولس الرسولية، ولزيادة نشاط الروح القدس في عمل الرسل.
والسؤال المتروك لضمائركم: هل هذا من عند الله أم من عند البشر؟