المطلب الرابع
●الشبهة الثانية:
أنَّ البخاري روى في صحيحه في باب رجم الحُبلى: ((عن عبد الله بن أبي أوفى أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم ماعزا والغامديَّة. ولكنَّنا لا ندري أرجم قبل آية الجلد أم بعدها)).
وجه الدليل: أنَّه شكَّك في الرجم بقوله: كان من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم. وذلك قبل سورة النور التي فيها: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة)). لمَّا نزلت سورة النور بحكم فيه الجلد لعموم الزُناة فهل هذا الحكم القرآني ألغى اجتهاد النبي في الرجم أم أنَّ هذا الحكم باقٍ على المسلمين إلى هذا اليوم؟. ومثل ذلك، اجتهاد النبي في معاملة أسر غزوة بدر وذلك أنَّه حكم بعتقهم بعد فدية منها تعليم الواحد الفقير منهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة ثمَّ نزل القرآن بإلغاء اجتهاده كما في الكتب في تفسير قوله تعالى: ((ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتَّى يثخن في الأرض)).
●وجه التشكيك: إذا كان النبي قد رجم قبل نزول القرآن بالجلد لعموم الزُناة فإنَّ الرجم يكون منه قبل نزول القرآن وبالتالي يكون القرآن ألغى حكمه ويكون الجلد هو الحكم الجديد بدل حكم التوراة القديم الذي حكم به ـ احتمالاً ـ أمَّا إذا رجم بعد نزول القرآن بالجلد فإنَّه مخالف القرآن لا مفسِّراً له ومبيِّناً لأحكامه ولا موافقاً له ، ولا يصحُّ لعاقلٍ أن ينسب للنبي أنَّه خالف القرآن ؛ لأنَّه هو المُبلِّغ له والقدوة للمسلمين، ولأنَّه تعالى قال: (( قُل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون )). والسُنَّة تفسِّر القرآن وتوافقه لا تكمِّله. وقال تعالى: ((وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس)) والألف واللام في ” الناس ” للعموم. وعلى أنَّهم كانوا مكلَّفين بالتوراة يُحتمل أنَّ النبي حكم بالرجم لأنَّه هو الحكم على الزانية والزاني في التوراة ولمَّا نزل القرآن بحكمٍ جديدٍ نسخ الرجم ونقضه.].
●الجواب عنها:
أولاً: شكّ الصحابي رضي الله عنه لا يثبت ولا ينفي شيئاً.
ثانياً: لقد ثبت فعلاً أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم بعد آية الجلد التي تقدم معنا دليل تخصيصها.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: (أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( أَبِكَ جُنُونٌ ؟ ) قَالَ: لَا قَالَ: ( فَهَلْ أَحْصَنْتَ ) قَالَ : نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ).
ومن المعلوم أن آية النور نزلت بعد حادثة الإفك، ومن المعلوم أيضاً أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم بعد هذا. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور لأن نزولها كان في قصة الإفك واختلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست على ما تقدم بيانه والرجم كان بعد ذلك فقد حضره أبو هريرة وإنما أسلم سنة سبع..
أما قوله أنّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالف القرآن الكريم فهذا لا يقول به عاقل، وقد بيَّنا سالفاً أن الرجم ثابتٌ بنص الآية المنسوخ تلاوتها وليس بحكم التوراة كما افترضوه.
المطلب الخامس
●الشبهة الثالثة:
أن الله تعالى بين للرجل في سورة النور أنه إذا رأى رجلاً يزني بامرأته ولم يقدر على إثبات زناها بالشهود فإنه يحلف أربعة أيمان أنه رآها تزني وفي هذه الحالة يُقام عليها حد الزنا، وإذا هي ردت أيمانه عليه بأن حلفت أربعة أيمان أنه من الكاذبين فلا يُقام عليها الحد لقوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربعة شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين).
●وجه التشكيك: هو أن هذا الحكم لامرأة محصنة. وقد جاء بعد قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة) وحيث قد نص على عذاب بأيمان في حال تعذر الشهود فإن هذا العذاب يكون هو المذكور في هذه الجريمة والمذكور هو: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما) أي العذاب المقرر عليهما وهو الجلد. وفي آيات اللعان: (ويدرؤ عنها العذاب) أي عذاب الجلد. وفي حد نساء النبي: (يُضاعف لها العذاب) أي عذاب الجلد؛ لأنه ليس في القرآن إلا الجلد عذاب على هذا الفعل. وفي حد الإماء: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) المذكور في سورة النور وهو الجلد.]
●الجواب عنها:
قد أثبتنا سابقاً أن حد الرجم ثابت بنص الآية المنسوخ تلاوتها وبفعل النبي عليه الصلاة والسلام وإجماع الصحابة من بعده، وإن ثبت لك هذا فلا يحل لأي مسلمٍ كان أن يخالفه، إذ أنّ الله عز وجل يقول: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
وبما أن حد الرجم ثابت كما تقدم معنا، يكون العذاب في آية اللعان هو الرجم لأنها محصنة، وليس الجلد كما ذهبوا اليه– لأن الجلد هو حد الزاني البكر كما تقدم معنا أيضاً.
المطلب السادس
●الشبهة الرابعة:
قوله تعالى في حق نساء النبي: (يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشةٍ مبينة يُضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً). عقوبة نساء النبي مضاعفة أي مائتي جلدة، فالرجم الذي هو الموت لا يُضاعف. والعذاب في الآية يكون في الدنيا والدليل الألف واللام وتعني أنه شيء معروف ومعلوم.
●الجواب عنها:
هذه الآية الكريمة لا تنفي حد الرجم لا من بعيد ولامن قريب ..وقد قالو: ( فالرجم الذي هو الموت لا يُضاعف)،وهذا خطأ محض، فالرجم ليس هو الموت، بل الرجم حد وعذاب يأتي بعده موت، ومن أقوى الأدلة العَملية – عندي – على أنه عذاب هو هروب ماعز لما كان الصحابة يرجمون فيه، فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال:(فكنت فيمن رجمه – أي ماعز – فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه) فلو كان موتاً منذ الوهلة الأولى لما هرب ماعز، فهروبه يدلّ على أنّه تألم وتعذب.
إذاً فالآية لا تنفي الرجم أبداً ولا تعارض بينها وبين أحاديث الرجم.
ويجب العلم أن نساء الأنبياء معصومات من الزنا وهذا الذي عليه المسلمون سلفاً وخلفاً، قال ابن كثير رحمه الله: (وقال ابن عباس، وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط، قال: وقوله: (إنه ليس من أهلك) أي: الذين وعدتك نجاتهم.
وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه، فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه.
المطلب السابع
●الشبهة الخامسة:
قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) الألف واللام في (الزانية والزاني) نص على عدم التمييز بين الزناة سواءً محصنين أو غير محصنين.
●الجواب عنها:
هذه الشبهة لا يتقبلها عاقل، لا سيما أنه قد تقدم معنا تخصيص الآية بآية نُسخت تلاوتها في الرد على الشبهة الأولى.
المطلب الثامن
●الشبهة السادسة:
قال – غفر الله لنا وله -: قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون). هنا ذكر حد القذف ثمانين جلدة بعد ذكره حد الجلد مائة. يريد أن يقول: إن للفعل حد ولشاهد الزور حد وانتقاله من حد إلى حد يدل على كمال الحد الأول وتمامه، وذكره الحد الخفيف الثمانون وعدم ذكر الحد الثقيل الرجم يدل على أن الرجم غير مشروع لأنه لو كان كذلك لكان أولى بالذكر في القرآن من حد القذف.
●الجواب عنها:
قولهم: (وانتقاله من حد إلى حد يدل على كمال الحد الأول وتمامه)، لا نعلم له سابقة ولا نعلم على أي كتاب في الفقه اعتمد الدكتور – غفر الله لنا وله – حتى قال بهذا الكلام، وإن كان هذا أمر متعلق باللغة العربية فلا أعلمه وأرجوا ممن له علم به إفادتنا وله الأجر. وهذا مخالف تماماً للقرآن الكريم، فالله عز وجل نسخ الآية 240 من سورة البقرة بالآية 240 ولو كان الأمر كما قال الكاتب لكان الأولى أن تكون الآية المنسوخة هي الآية رقم 234 لتقدمها…
المطلب التاسع
●الشبهة السابعة:
قال – رحمه الله -: قال تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً). الإمساك في البيوت لا يكون بعد الرجم ويعني الحياة لا الموت؛ إذن هذا دليل على عدم وجود الرجم. وتفسير قوله تعالى: (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً). هو أن الزانيات يُحبسن في البيوت بعد الجلد إلى الموت أو إلى التوبة من فاحشة الزنا.
●الجواب عنها:
إن الحبسَ في البيوت كان أول الإسلام، ثم جعل الله لهن سبيلاً، والسبيل هنا ليس كما فسّره الكاتب – غفر الله له – بالتوبة… بل قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خذوا عني خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ، ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)- صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج ج3 ص1316 ح1690 – دار إحياء التراث العربي – بيروت، ت: محمد فؤاد عبد الباقي - ، فهل سنتبع أصاحب المقالات أم الذي عليه نزل القرآن الكريم ؟. وأيضاً كما تقدم معنا أنهم يستشهدون بالصحابة رضوان الله عليهم، فإني أرى أن الموضع مناسباً للاستشهاد بابن عباس رضي الله عنه، مع العلم أن هذا ليس رأيه بل ما عاصره، قال رضي الله عنه في تفسير الآية: (يعني الرجم للثيب والجلد للبكر) صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ج6 ص42 ح4572 – ط: دار طوق النجاة – ت: محمد زهير بن ناصر الناصر.
فهذين دليلين على وجود الرجم وعلى التفسير الخاطئ للآية من طرف هؤلاء الكتبة غفر الله لنا ولهم.
تعليق