رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

تقليص

عن الكاتب

تقليص

المهندس زهدي جمال الدين مسلم اكتشف المزيد حول المهندس زهدي جمال الدين
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 3 (0 أعضاء و 3 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • المهندس زهدي جمال الدين
    12- عضو معطاء

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 3 ديس, 2006
    • 2169
    • مسلم

    #61

    6-ثم قال في موضع اخر : (1/ 394) : " وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن ، وفيما ذكرناه دليل على بطلان قولهم ، وجاءت أخبار متظافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها "..
    ومن هنا نستنتج قولين مختلفين للشيعة الامامية:
    القول الاول قول الخوئي: ان الامام المعصوم ادخل الآية في القران تقية .
    القول الثاني قول الطوسي والمجلسي: ان الامام المعصوم لم يتق في ذلك, والآية نسخت نسخ تلاوة.
    وبدورنا نسأل الشيعة: ما هو الاقرب للحق (الخوئي ام الطوسي):
    الخوئي - التّقول على الله تقية من قبل المعصوم.
    الطوسي والمجلسي - كلام المعصوم صحيح والاية منسوخة نسخ تلاوة.
    خيارات صعبة ... وموقف أصعب.
    وكلام المحقق (محمد رضا الأنصار) محقق كتاب عدة الاصول..
    هذا مما وجدته في حاشية كتاب عدة الاصول للشيخ الطوسي الجزء الثاني الصفحة 104
    ) إن حديث آية الرجم ونسخ تلاوتها وبقاء حكمها قد اخرجه الشيعة والسنة في كتبهم الحديثية في أبواب الحدود فقد أخرجه الكليني في " الكافي " والصدوق في " من لا يحضره الفقيه " والشيخ الطوسي في " التهذيب " و " عدة الاصول " وأيضا ورد في " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " و " مسند أحمد " و " موطأ مالك " وغيرها من مسانيد أهل السنة (أنظر: جامع الاصول 4: 116، كنز العمال 5: 418 باختلاف يسير) والاصل في هذه القضية هو تفرد عمر بنقله للآية المنسوخة تلاوتها دون حكمها ولا يبعد أنه لو كان قد عثر على من يشفعه بالشهادة على دعواه الاضافها إلى القرآن، قال السمرقندي (ميزان الاصول 2: 1010): " وفي رواية عن عمر - إنه قال: " لولا أن الناس يقولون أن عمر زاد في كتاب الله تعالى لكتبت على حاشية المصحف (الشيخ والشيخة... الاية) إلا أن الله تعالى صرف قلوب الناس عن حفظها سوى عمر ولا يكون إلا لحكمة بالغة لانقف عليها ! ! " وقد روى الشوكاني في نيل الاوطار (7: 102 ط مصر): " أخرج أحمد والطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة بن سهل عن خالته العجماء أن مما انزل الله من القرآن: (الشيخ والشيخة إذا زينا فأرجموهما البتة بما قضيا من اللذة) وأخرجه ابن حبان في صحيحة من حديث أبي بن كعب بلفظ (كانت سورة الاحزاب توازي سورة البقرة) وكان فيها آية الشيخ والشيخة " ! ! والتدقيق في هذه الآية المزعومة ومقارنتها مع سياق بقية الآيات القرآنية ونفسها واسلوبها يؤدي إلى انكار كونها قرانا، هذا فضلا عن أن عليا - عليه السلام - قد أنكر - بالملازمة وليس بالصراحة - كونها آية قرآنية، فإنه - عليه السلام - لما جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال: " حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


    فشيخ الطائفة الطوسي يؤمن ويعتقد بوقوع نسخ التلاوة في القران ونقول يعتقد بوقوعه وليس تجويز وقوعه
    وكل عالم اعتقد بنسخ التلاوة فانه اول ما يورد مثالا فانه يورد اية الرجم كمثال على نسخ التلاوة دون الحكم
    وكما قلنا سابقا ان دليلنا على ان الشيخ الطوسي يعتقد بوقوع وليس تجويز وقوع نسخ التلاوة في القران هو ان الشيخ الطوسي عندما تكلم عن الجزء الثالث من النسخ وهو نسخ التلاوة والحكم معا قال صراحة انه يجوز وقوعه الا انه لايثبت انه قد وقع.
    وهذه العبارة لو انه ارادها في نسخ التلاوة النوع الثني عنده من النسخ لقالها صريحة فيه كما قالها صريحة في النوع الثالث.لكننا لما وجدنا العكس من ذلك من الشيخ الطوسي وانه شبه النوع الثاني من النسخ بالنوع الاول من حيث قطعية وقوعه ولم يشبه بالنوع الثالث علمنا انه يجزم بوقوع نسخ التلاوة دومن الحكم كما يجزم بوقوع نسخ الحكم دون التلاوة

    كما أنه- الشيخ الطوسي -نقل رواية اية الرجم صريحة في كتابه تهذيب الاحكام عن الامام الصادق بسند شيعي بحت وصحيح وهاكم الدليل :
    تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 8 - ص 195
    الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا قذف الرجل امرأته فإنه لا يلاعنها حتى يقول رأيت بين رجليها رجلا يزني بها ، وقال : إذا قال الرجل لامرأته لم أجدك عذراء وليس له بينة يجلد الحد ويخلى بينه وبين امرأته ، وقال : كانت آية الرجم في القرآن ( والشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا الشهوة ) قال : وسألته عن الملاعنة التي يرميها زوجها وينتفي من ولدها ويلاعنها ويفارقها ثم يقول بعد ذلك الولد ولدي ويكذب نفسه قال : أما المرأة فلا ترجع إليه ابدا ، وأما الولد فاني أرده إليه إذا ادعاه ولا ادع ولده ليس له ميراث ، ويرث الابن الأب ولا يرث الأب الابن يكون ميراثه لأخواله وان لم يدعه أبوه فان أخواله يرثونه ولا يرثهم ، وان دعاه أحد يا بن الزانية جلد الحد....انتهى
    الملفات المرفقة

    تعليق

    • المهندس زهدي جمال الدين
      12- عضو معطاء

      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 3 ديس, 2006
      • 2169
      • مسلم

      #62

      ثم لما يقول الشيخ الطوسي ان نسخ التلاوة واقع في القران بلاخلاف فانه يعني بلا خلاف بين الامة وليس بين اهل السنة فقط لانه يعلم ان كبار علماء الشيعة الذين يعتدد بهم في زمانه يقولون بنسخ التلاوة.
      كمثال على ذلك الشيخ القمي في تفسيره يقول صراحة دون ان ينسب الكلام لأحد ان اية الرجم كانت من القران ويرسل ذلك ارسال المسلمات عنده،فيقول في تفسير سورة النور ما نصه:

      تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج 2 - ص 95
      سورة النور مدنية آياتها اربع وستون ( بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ) يعني كي تذكروا وقوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) وهي ناسخة لقوله ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى آخر الآية ) وقوله : ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) يعني لا تأخذكم الرأفة على الزاني والزانية في دين الله ( ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) في إقامة الحد عليهما . وكانت آية الرجم نزلت : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة نكالا من الله والله عليم حكيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : ( وليشهد عذابهما ) يقول ضربهما ( طائفة من المؤمنين ) يجمع لهم الناس إذا جلدوا.....انتهى
      وكذلك الشيخ الصدوق يذكر في كتابه فقيه من لايحضره ان اية الرجم كانت من القران ومعلوم ان الشيخ الصدوق اشار في مقدمة كتابه من لايحضره الفقيه ان ما كل ذكره في كتابه الا مايعتقد في صحته وانه مما يتدين ويعتبره حجة بينه وبين ربه
      وهذا يعني ان الشيخ الصدوق يعتقد بأن اية الرجم كانت من القران حقيقة ونسخت تلاوتها وان هذا هو ما يدين به بينه وبين ربه ويؤمن بصحته كما في هذه الرواية :
      من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 4 - ص 26
      وروى هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال : " قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : في القرآن رجم ؟ قال : نعم ، قلت : كيف ؟ قال : " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة....انتهى.
      ثم عاد الشيخ الصدوق واكد ان اية الرجم كانت من القران فيقول في كتابه علل الشرائع مانصه :
      علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 2 - ص 540
      13 - أبي رحمه الله عن سعد بن عبد الله رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة لأنهما قد قضيا شهوتهما . وعلى المحصن والمحصنة الرجم .
      - حدثنا محمد بن الحسن عن الحسن بن الحسن بن أبان عن إسماعيل بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : في القرآن الرجم ؟ قال : نعم ، قال الشيخ : والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قد قضيا الشهوة .....انتهى
      ثم نجد الشيخ الكليني في كتابه الكافي ينقل عن القمي بسنده ان اية الرجم كانت من القران بحسب قول المعصوم

      الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 177
      - علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الحر والحرة إذا زنيا جلد كل واحد منهما مائة جلدة فأما المحصن و المحصنة فعليهما الرجم .
      - وبإسناده ، عن يونس ، عن عبد الله سنان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : الرجم في القرآن قول الله عز وجل : إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة.....انتهى

      فهؤلاء كبار علماء الشيعة والمعتمد عليهم والمعتد بهم في زمانهم كلهم اثبتوا ان اية الرجم كانت جزء من القران وبالتالي فلا قيمة علمية لكلام السيد الخوئي ان هذا القول كان تقية وهو قول عرض فضفاض بلا مستند ودليل.
      https://www.yahosein.com/vb/node/137871/page2
      ذكر أقوال بعض من أنكر نسخ التلاوة من أهل السنة
      قال الجصاص :" وقالت طائفة : لا يجوز نسخ القرآن وتلاوته ولكن يجوز نسخ الحكم مع بقاء التلاوة " .
      قال أبو إسحاق الشيرازي : " وقالت طائفة لا يجوز نسخ التلاوة مع بقاء الحكم لأن الحكم تابع التلاوة فلا يجوز أن يرتفع الأصل ويبقى التابع ".
      قال الزركشي : " وجزم شمس الأئمة السّرخسي بامتناع نسخ التلاوة مع بقاء الحكم لأن الحكم لا يثبت بدون تلاوة . وقد أورد على أثر عمر السابق كونه مما نسخ رسمه لأن القرآن لا يثبت بمثل هذا فإن من أنكر آية من القرآن كفر ، وبـمثل هذا لا يكفر فإذا لم يثبت كونه قرآنا ، فكيف يدعى نسخه ؟ والرجم ما عرف بـهذا بل بحديث ماعز . وكذلك حديث عائشة فإن القرآن لا يثبت بخبر الواحد فلا تثبت به تلاوة ما هو من القرآن وحكمه معا ، فإنا لا نعقل كونه منسوخا حتى نعقل كونه قرآناً وكونه من القرآن لا يثبت بخبر الواحد ".
      وقال : " ولهذا قال صاحب المصادر : وأما نسخ التلاوة دون الحكم فوجوده غير مقطوع به ، لأنه منقول من طريق الآحاد ، كذلك نسخهما جميعاً " .
      قال أبو جعفر النّحاس :" وأحسن ما قيل في معناه -أي معنى كلمة ( نُنسِها ) من آية النسخ : أو نتركها و نؤخّرها فلا ننسخها . ونسخٌ ثالثٌ ، وهو من نسخت الكتاب ، لم يذكر أبو عبيد إلاّ هذه الثلاثة . وذكر غيره رابعاً ، فقال : تُنـزّل الآية وتتلى في القرآن ثم تنسخ فلا تتلى في القرآن ولا تُثبّت في الخط و يكون حكمها ثابتاً .
      كما روى الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال : خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : كنا نقرأ : الشيخ و الشيخة إن زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة. قال أبو جعفر : وإسناد الحديث صحيح ، إلاّ أنه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله جماعة عن جماعة و لكنّـه سنـة ثابـتـة ، وقد يقول الإنسان : كنت أقرأ كذا لغير القرآن ، والدليل على هذا أنّه قال و لولا أني أكره أن يُقال زاد عمر في القرآن لزدتـها " .
      قال الشوكاني : " منع قوم من نسخ اللفظ مع بقاء حكمه ، وبه جزم شمس الدين السرخسي ، لأن الحكم لا يثبت بدون دليله " .
      وقال الشيخ الجزيري كلاما قيما للغاية يستحق الاحترام : " أن المسلمين قد أجمعوا على أن القرآن هو ما تواتر نقله عن رسول الله عن ربّ العزة ، فكيف يمكن الحكم بكون هذا قرآنا ، خصوصًا وقد صرّح بعض أئمة المسلمين بأن لا يحوز الحكم على كتاب الله المتواتر بما ليس بمتواتر ، وعلى هذا فمن المشكل الواضح ما يذكره المحدثون من روايات الآحاد المشتملة على أن آية كذا كانت قرآناً ونسخت على أن مثل هذه الروايات قد مهّدت لأعداء الإسلام إدخال ما يوجب الشك في كتاب الله ، فمن ذلك ما روي عن ابن مسعود من أن المعوّذتين ليستا من كتاب الله من الروايات الفاسدة ، فإن معنى هذا ، التشكيك في كتاب الله المتواتر كلمة كلمة وحرفاً حرفا ، ولهذا جزم الفخر الرازي بكذب هذه الرواية ، ومن ذلك ما قيل أن آية القنوت كانت موجودة في مصحف أبّي ثم سقطت . فهذا وأمثاله من الروايات التي فيها الحكم على القرآن المتواتر بأخبار الآحاد ، فضلاً عن كونه ضار بالدين فيه تناقض ظاهر ".
      ثم قال مبينا عبثية هذا النسخ :" ولكن نسخ اللفظ وبقاء معناه لم تظهر له فائدة ما معقولة ، بل قد يقال عليه ، إن نسخ الأحكام معقول لأنـها تابعة لأحوال الأمم وتطوراتـها ، فلها فائدة واضحة ، بل قد تكون الأحكام الوقتية ضرورية للأمة حديثة العهد بالتشريع أما رفع اللفظ مع بقاء معناه فإن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا اللفظ لا يناسب وضعه في هذه الجملة فلما وضع وظهر فساده حُذف ، وهذا مستحيل على الله تعالى العليم الخبير ، ومع هذا فقد يقال : أن الحكم لا بدل له من لفظ يدل عليه ، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدل عليه ؟ فإن قلتم : انه دل عليه قبل رفعه . قلنا : وقد انتفت الدلالة بعد رفعه فلم يبق للحكم دليل . فإن قلتم : إن دليل الحكم اللفظ الذي يبينه به الرسول ، قلنا : إن الحكم في هذه الحالة يكون ثابتا بالحديث لا بالقرآن المنسوخ ، فالحق أن القول بجواز نسخ اللفظ مع بقاء المعنى واه ، ومع ذلك كله فأي دليل يدل على أن اللفظ نسخ وبقي معناه ؟ إنه لا دليل لا في قول عائشة–آية الرضاع– ولا في غيره " .

      وقال الشيخ محمد الخضري بك :" أما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فقد خالف فيه بعض المعتزلة وأجازه الجمهور محتجين بأخبار آحاد وردت في ذلك لا يمكن أن تقوم برهانًا على حصوله ، وأنا لا أفهم معنى لآية أنزلها الله لتفيد حكماً ثم يرفعها مع بقاء حكمها ! لأن القرآن يقصد منه إفادته الحكم بنظمه فما هي المصلحة في رفع آية منه مع بقاء حكمها إن ذلك غير مفهوم وفي رأيي أنه ليس هناك ما يلجئني إلى القول به .
      وحكى القاضي أبو بكر في ( الانتصار ) عن قوم إنكار هذا القسم لأنّ الأخبار فيه أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها " .
      وقال في فتح الـمنّان في نسخ القرآن :" وذهبت طائفة من العلماء إلى إنكار هذا النوع من النسخ و عدم وقوعه في كتاب الله عز وجل ، لأنّه عيب لا يليق بالشارع الحكيم ، لأنه من التصرّفات التي لا تعقل لها فائدة ، ولا حاجة إليها و تنافي حكمة الحكيم .
      والحق يقال إن هذا النوع من النسخ وإن كان جائزاً عقلا ولكنّه لم يقع في كتاب الله عزّ وجل ، لأنّ هذه الروايات آحاد ، والقرآن الكريم لا يثبت بروايات الآحاد مهما كانت مكانة قائلها ، ولابد فيه من التواتر ، كما أجمع عليه العلماء قديما وحديثا . ولو أنّه صح ما قالوه لاشتهر بين الصحابة جميعاً ، ولحفظه كثير منهم أو كتبوه في مصاحفهم .
      ولكن لم يرد شيء عن غير هؤلاء الرواة . فلا يمكن القطع بأنّ هذه الآيات التي ذكروها كانت مسطورة في عهد النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وفي صحف كتّاب الوحي ثمّ نسخت بعد ذلك ورفعت من المصحف–كما رواه بعض الصحابة – وبقي حكمها للعمل به . وأيضاً فإن الحكم لا يثبت إلاّ من طريق النصّ ، ولم يظهر لزوال النص وحده حكمة من عمل الحكيم لأنّ الحكم ما زال قائماً لم ينسخ ، فأي فائدة في نسخ تلاوته ؟
      قال : ولعلّ ما قاله سيدنا عمر بن الخطاب : ( إنا كنّا نقرأ في كتاب الله …) الكتب التي كان يحفظها هو وغيره ، من باب المبالغة في تشبيه الأحكام التي قالـها الرسول بالآيات القرآنية ، لأنّ كلاً من السنّة الصحيحة والقرآن الكريم واجب الطاعة . وقد كان من الصحابة من يكتب الحديث ليحفظه حتى نـهى الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم عن كتابة ما ليس بقرآن ، إلاّ ما كان في صحيفة علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ، وهنا نستطيع أن نقول : بأنّ هذه الآية التي قالها عمر كانت أحكاما حفظها عن الرسول بألفاظ الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم ، والتعبير بأنّها آية من كتاب الله مجاز ، ولو كان ما قاله سيدنا عمر من باب الحقيقة لا المجاز " .
      أقول : يقصد أن عمر بن الخطاب أخطأ في قوله أن جملة الرجم آية من كتاب الله عز وجل بل هي من السنة ، فعلى هذا الكلام عمر يرى تحريف القرآن ولكنه أخطأ في رأيه .
      وقال :" ولأنّه يخالف المعقول والمنطق ، ولأن مدلول النسخ وشروطه التي اشترطها العلماء فيه لا تتوفّر ، ولأنّه يفتح ثغرة للطاعنين في كتاب الله تعالى من أعداء الإسلام الذين يتربّصون به الدوائر وينتهزون الفرصة لـهدمه وتشكيك الناس فيه ".
      ثم قال في نـهاية المطاف : " وأميل إلى هذا الرأي لأنّ الصواب في جانبه . فالمنسوخ تلاوة الثابت حكماً غير موجود في كتاب الله تعالى . فالحق عدم جوازه
      هذا جواب مركز الابحاث العقائدية التابع للسيد السيستاني حول رجم الشيخ والشيخة , هل هي منسوخة التلاوة؟!
      https://www.aqaed.com/faq/1889/
      الملفات المرفقة

      تعليق

      • المهندس زهدي جمال الدين
        12- عضو معطاء

        حارس من حراس العقيدة
        عضو شرف المنتدى
        • 3 ديس, 2006
        • 2169
        • مسلم

        #63
        السؤال /
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        ورد في الكافي الجزء السابع عَن يُونُسَ عَن عَبدِ اللهِ بنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبدِ اللهِ (عَلَيهِ السَّلام) الرَّجمُ فِي القُرآنِ قَولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا زَنَى الشَّيخُ وَالشَّيخَةُ فَارجُمُوهُمَا البَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهوَةَ .وفي من لا يحضره الفقيه روى هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: (قلت لابى عبدالله عليه السلام: في القرآن رجم؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة (من لا يحضره الفقيه ج4).
        وقال شيخ الطائفة الطوسي قدس سره في كتب التبيان في تفسير القران الجزء الاول ولا يخلو النسخ في القرآن من أقسام ثلاثه : احدها نسخ حكمه دون لفظه والثاني ما نسخ لفظه دون حكمة ، كآية الرجم فان وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه ، والآية التي كانت متضمنة له منسوخة بلا خلاف وهي قوله : ( والشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البته ، فانهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم)
        سؤالي : هل يعتقد الشيعة الإمامية بنسخ التلاوة وان لم يعتقدوا ما رايكم في هذه الاحاديث؟ واقبلوا خالص الشكر والدعاء.
        الجواب
        الأخ المحترم
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        الجواب يتضح من خلال بيان المقدمات التالية:
        المقدمة الأولى: انّ القرآن الكريم كما أنّ أصله يحتاج إلى التواتر في إثباته كما هو معروف ومقطوع به, كذلك نسخه يحتاج الى تواتر برفعه.
        المقدمة الثانية: المتفق عليه بين السنة والشيعة انّ كل آية من آيات القرآن لا تثبت بخبر الآحاد, حتى لو كان الخبر صحيحاً ما لم يبلغ حد القطع بصحته, بحيث أنهم ذكروا في مسائل تدوين القرآن أنّ الصحابي إذا أتى وحده بآية ما يطلب معه شاهد على تلك الآية وإنّ كان المتأخرون من السلفية قد خالفوا هذه القاعدة وقالوا بأن خبر الآحاد حجة في الأحكام العقائدية.
        المقدمة الثالثة: إنّ الشيعة الإمامية متفقون على أنّ المسائل العقائدية لديهم لابد أنّ تكون ثابته عن طريق التواتر, وعليه فكل مسألة لها صلة بالعقيدة يجب أنّ تثبت بالتواتر المؤدية الى اليقين والقطع, وبما أنّ نصوص القرآن تدخل في العقيدة فلا بد أنْ تكون ثابتة بالتواتر أيضاً, وهذه الأحاديث وانْ سلّمنا بصحتها لكنها من أخبار الأحاد التي تفيد الظن لا القطع بحجيتها, وعليه فهي ليست من القرآن لكونها أخبار آحاد فضلاً عن كونها منسوخه التلاوة.
        إذا اتضح ذلك, نقول:
        انه لما كان القرآن الكريم هو ما بين الدفتين ثابت لا خلاف فيه, ظهرت جملة من الأحاديث بين الفريقين (السنة والشيعة) التي ظاهرها يؤول الى أنّ في القرآن زيادة في بعض آياته أو نقصاً أو ما شابه ذلك. ومن هنا تصدى العلماء لبيان حقيقة هذه الأحاديث وأجابوا عنها جملة, وتفصيلاً, غير أنّ بعض هذه الاجابات عن مثل هذه الأحاديث كانت في نظر المحققين من أهل العلم أنها تسيء الى القرآن بطريقة غير مباشرة!!
        ومن هذه الاجابات, القول بفرضيه (نسخ التلاوة)، والتي مفادها أنّ ما جاء في الاحاديث من كلمات أو جّمل أو سور, إنما كان قرآناً, ولكن نسخت تلاوتها أي رفعت قرآنيتها, وإنْ بقي حكمها سارياً ولم ينسخ!!
        وهي فرضية باطله حسب رأي المحققين لانها تتضمن الاعتراف بانّ المحذوفات كانت قرآناً, وإذا نسخت تلاوتها لم تنسخ أحكامها, مع أنّ الهدف من نزول الآية هو الحكم والمفروض أنّ النزول قد تحقق والحكم باق, فليس هناك أي معنى في (رفع التلاوة) (وانظر كلام ابن الخطيب المصري في الفرقان ص157، وكذا كلام الشيخ علي حسن العريض في كتابه فتح المنان في نسخ القرآن ص223ـ 230) وغيرهما.
        وهذه النتيجة (أي بطلان فرضية نسخ التلاوة) تكاد تكون مما أجمع عليه العلماء الشيعة الإمامية كما هو واضح في كلمات المتأخرين، كالعلام الطباطبائي صاحب (تفسير الميزان) عند تفسيره لقوله تعالى: ((ما ننسخ من آية....))[البقرة:106]، والسيد أبو القاسم الخوئي (قدس) في كتاب (البيان في تفسير القرآن)، والشيخ والمظفر في (أصول الفقه)، وغيرهم.
        نعم، يظهر من كلمات المتقدمين كالسيد المرتضى (قدس) والشيخ الطوسي (قدس) أنهما كانا يميلان إلى القول بالجواز!.
        ولكن بمجرد التأمل والفحص في كلماتهما يتضح لك أنهما كانا في معرض التنقيح والمناقشة لكل الآراء المطروحة من قبل علماء أهل السنة حول حقيقة النسخ وجوازه وما يدور حوله, فمالا إلى القول بجواز نسخ التلاوة، كحل وسط من بقية الحلول المطروحة لدفع الاشكال عن شبهة تحريف القرآن وما شابه ذلك. فليس قولهما بملزم لمن جاء بعدهما من الإمامية فضلاً عن جمهور المتأخرين منهم.
        وعموماً فانّ هذه الأحاديث قد أعرض عنها علماؤنا مستندين في حكم الرجم الى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (حددت بالقرآن ورجمت بالسنة). فلو كانت هذه الاحاديث ثابته لا إشكال فيها لكان الأولى بأمير المؤمنين(عليه السلام) أن يستند إليها لكونها من القرآن الكريم! ومن هنا كانت هنالك مجموعة من الاجابات عن هذه الأحاديث وهي قابلة للتأمل منها:
        أولاً: انها من أخبار الاحاد حسب رأي السيد المرتضى (قدس) الذي لا يعمل بكل خبر آحاد.
        الثاني: انها من أخبار الأحاد التي تفيد الظن فهي لا تعارض الاخبار القطعية التي تقول بثبوت القرآن وكونه خالياً من الزيادة والنقيصه وكل ما يؤدي الى القول بتحريفه.
        الثالث: انها تحمل على التقية أو الالزام للمخالف.
        الرابع: إننا نتوقف في تفسيرها لعدم معرفة ظروف الرواية كما أمرنا أئمتنا بذلك ويوكل أمرها إليهم.
        ودمتم في رعاية الله
        تعليق على الجواب (١)
        السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
        وردت روايات فيها آية الرجم في بعض المصادر الفقهية الشيعية , و لعل الرواية مروية بعدة طرق :
        بِإِسنَادِهِ عَن يُونُسَ عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ سِنَانٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبدِ اللَّهِ ع الرَّجمُ فِي القُرآنِ ‏قَولُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا زَنَى الشَّيخُ وَ الشَّيخَةُ فَارجُمُوهُمَا البَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهوَةَ ‏ الكافي ج : 7 ص : 177‏ وَ رَوَى هِشَامُ بنُ سَالِمٍ عَن سُلَيمَانَ بنِ خَالِدٍ قَالَ قُلتُ لِأَبِي عَبدِ اللَّهِ ع فِي القُرآنِ ‏رَجمٌ قَالَ نَعَم قُلتُ كَيفَ قَالَ الشَّيخُ وَ الشَّيخَةُ فَارجُمُوهُمَا البَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهوَةَ ‏ من ‏لا يحضره‏ الفقيه ج : 4 ص : 26‏
        1-أبي رحمه الله عن سعد بن عبد الله رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة لانهما قد قضيا شهوتهما . وعلى المحصن والمحصنة الرجم .
        2-حدثنا محمد بن الحسن عن الحسن بن الحسن بن أبان عن اسماعيل بن خالد قال قلت لابي عبد الله عليه السلام : في القرآن الرجم ؟ قال : نعم ، قال الشيخ : والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتة فانهما قد قضيا الشهوة.المصدر: علل الشرائع لابن بابوية القمي ج 2 ص 540 طبع المطبعة الحيدرية بالنجف.
        3-الحسين بن سعيد عن ابن ابي عمير عن حماد عن الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام قال : إذا قذف الرجل امرأته فانه لا يلاعنها حتى يقول رأيت بين رجليها رجلا يزني بها ، وقال : إذا قال الرجل لامرأته لم أجدك عذراء وليس له بينة يجلد الحد ويخلى بينه وبين امرأته ، وقال : كانت آية الرجم في القرآن ( والشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا الشهوة ) قال : وسألته عن الملاعنة التي يرميها زوجها وينتفي من ولدها ويلاعنها ويفارقها ثم يقول بعد ذلك الولد ولدي ويكذب نفسه قال : أما المرأة فلا ترجع إليه ابدا ، وأما الولد فاني ارده إليه إذا ادعاه ولا ادع ولده ليس له ميراث ، ويرث الابن الاب ولا يرث الاب الابن يكون ميراثه لاخواله وان لم يدعه ابوه فان أخواله يرثونه ولا يرثهم ، وان دعاه احد يابن الزانية جلد الحد .
        المصدر: تهذيب الأحكام الطوسي ج 8 ص 195 فعدا عن كون صدورها تقية من المعصوم عليه السلام
        ما حال هذه الروايات من ناحية السند ؟.
        و هل هناك روايات أصح منها و أثبت ؟.
        هل عمل بعض علماء الشيعة بهذه الروايات , و أثبتوا نسخ التلاوة ؟.
        الجواب
        إن بعض الروايات التي ذكرتم هي صحيحة السند وكان ينبغي أن يفهم ذلك من الجواب فانه بشقوقه الأربعة مبني على صحة الرواية.
        وهذه الروايات المذكورة هي كل ما ورد في هذا الموضوع وهي مخالفة للرواية المعروفة والمشهورة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) عند الفريقين والتي تنص على أن الرجم ثابت بالسنة لا بالقرآن الكريم. فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لما أقام الحد على سراجة الهمدانية : (جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله))، واستدل بذلك فقهاء الفريقين ولم يدع مدع بأن آية الرجم في القرآن الكريم أو كانت في القرآن ثم نسخت تلاوة وبقي الحكم، أي لم يعمل أحد من علماء الفريقين بتلك الروايات التي ذكرتها أو التي برواية عمر في نفس المجال حين أراد إثبات آية الشيخ والشيخة في القرآن الكريم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن لم يوافقه أحد من الصحابة على ذلك فقال: (لولا أن تقولوا زاد عمر في كتاب الله لأثبت آية الرجم فيه)! وكأن القرآن بابه مفتوح لإبداء الرأي وإدخال الآيات أو إخراجها بحسب الاجتهاد والرأي وقبول الناس أو رفضهم لذلك ليس إلا!!.
        وبالتالي فهذه الاحاديث وكل أحاديث تخالف صريح القرآن الكريم أو لم تثبت بالتواتر فإنها ليست قرآناً قطعاً ولا تثبت شيئاً ، وخصوصاً مع وجود المعارض لها كما أوضحنا وكما هو الحال في كل ما ورد في التحريف أو النسخ وما إلى ذلك فلا يهم ذلك، وإن صحت الرواية سنداً فانها تبقى ظنية يتوفر الاطمئنان بذلك في ثبوتها وصدورها عن النبي(صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام) فتكون تلك الروايات أما شاذة أو منكرة أو غير صادرة في الواقع أو يجب تأويلها أو إيكال علمها إلى أهلها وبالتالي تكون مطروحة على جانب ولا يجب العمل بها ، والله العالم.
        أما بالنسبة الى القول بنسخ التلاوة، فإنه لم يثبت عن أحد علمائنا القول بذلك حول ذلك، بل المشهور هو قولهم بأن القول بنسخ التلاوة هو أخو وصنو القول بالتحريف والعياذ بالله! وقد يفهم خطأً من كلام شيخ الطائفة الطوسي(قدس سره) في (العمدة في الاصول) أو في تفسير بأنه يقول بالنسخ ! والصحيح أنه في معرض الكلام بالجواز أو الاستحاله فمال بحسب رأية واجتهاده الى جوازه العقلي ولم يقل بوقوعه، وكذلك فإنّ قوله ليس بحجة على الشيعة فإن لكل زمان وعصر علماءه ومجتهديه فلا نلتزم بقول المجتهد الميت في آرائه ، ولنا قول مشهور في ذلك وهو (ان الميت تموت معه آراؤه وأقواله)، فعلينا بالاجماع أو المشهور أو قول علماء عصرنا وزماننا وهي التي تلزمنا.
        هذا جواب مركز الابحاث العقائدية التابع للسيد السيستاني
        http://www.aqaed.com/faq/1889/




        الملفات المرفقة

        تعليق

        • المهندس زهدي جمال الدين
          12- عضو معطاء

          حارس من حراس العقيدة
          عضو شرف المنتدى
          • 3 ديس, 2006
          • 2169
          • مسلم

          #64
          المطلب الثالث
          آية الرجم
          مقتبس من كتاب : [ إعلام الخلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السلف ] / المجلّد : ۲ / الصفحة : ۲٥٥ ـ ۲۷۹


          وقد جاءت بألفاظ عدّة وهي :
          ١ ـ إذا زنيا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم .
          ٢ ـ الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة .
          ٣ ـ إن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة .
          هذه الجمل التي ألصِقت بكتاب الله كل صيغها مسودّة كئيبة ، يدفعها القرآن بجماله وينفيها برونق نظمه وبيانه ، ولا يكاد ينقضي عجبي من هؤلاء المحتجين علی غير أهل ملّتنا بإعجاز القرآن ، وانقطاع البشر كلهم عن أن يأتوا بمثله ، وهم مع ذلك ينسبون له سورا وآيات لو وضعت بين آيات القرآن لكانت كالفحم بين رواصع الألماس ولجين اللؤلؤ ، وقد أشار لهذا المعنی بعض المنصفين من علماء أهل السنة ، كما سيأتي ذكر كلماتهم بإذنه تعالی .
          وإن كانت آية الكرسي سيّدة آي القرآن فإن آية الرجم سيدة آي التحريف ، حيث أخرجها البخاري في صحيحه في أكثر من موضع عن ابن الخطاب ، وقد ألح عليها هذا في أكثر من موقف ومقام ، وأراد دمجها في المصحف الذي حاولوا إنجازه ليكون للمسلمين ملجأ - كما زعموا - ومصحفا رسميا للدولة في زمن أبي بكر ، ولكنهم فشلوا كما أوضحنا ، وحيث كان ابن الخطاب وحده ، لم يستطع دسها في القرآن ، وقد ذكرنا ذلك سابقا ونذكّر هنا بما أخرجه ابن أشته في المصاحف :
          عن الليث ببن سعد قال : أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد ... وإن عمر أتی بآية الرجم فلم يكتبها ؛ لأنه كان وحده .( الإتقان في علوم القرآن ١ : ١٢١ ، ط . الحلبي .).
          ويا ليت محاولته اقتصرت علی دسها في المصحف ، بل ظلت هذه الفكرة تراوده بين الحين والآخر ويتلهف لفشله في تنفيذ مخططه ، حتی قام خطيبا كاشفا عما يستره في صدره منذ أول زمن أبي بكر وزاد علی ذلك أنه يريد الآن إلحاقها في القرآن ، ولكنه يخاف من أن يقول الناس إن ابن الخطاب زاد في كتاب الله عز وجل ، وهذا قول عمر : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي ، فهو لم يكن يخاف من رب الناس في دسها في كتاب الله ، لأنه يری أن تلك الآية من القرآن وإلحاقها فيه أمر مطلوب له عز وجل !
          قال الزيلعي في نصب الراية : قلت : روی البخاري ومسلم عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب خطب فقال : إن الله بعث محمدا صلی الله عليه [وآله] وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ورجمنا من بعده ، وإني حسبت إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، فالرجم حق علی من زنی من الرجال والنساء إذا كان محصنا إن قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف ، وأيم الله ! لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها .( نصب الراية للحنفي الزيلعي ٣ : ٣١٨ ، وهي في صحيح البخاري ٤ : ١٢٢ (باب رجم الحبلی من الزنی) وص ١١٥ ، وفي صحيح مسلم ٥ : ١١٦ كتاب الحدود (باب رجم الثيب من الزنی) .).
          وأخرج النسائي في سننه الكبری بسند صحيح : أخبرنا العباس بن محمد الدوري ، قال : ثنا أبو نوح عبد الرحمان بن غزوان ، قال : ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عبد الرحمان بن عوف ، قال : خطبنا عمر فقال : ثم قد عرفت أن أناسا يقولون إن خلافة أبي بكر كانت فلتة . ولكن وقی الله شرها ، وإنه لا خلافة إلا عن مشورة ( وهل كانت خلافة عمر نفسه عن مشورة ؟! لا طبعا ، فإن أبا بكر هو الذي استخلفه بلا مشورة المسلمين بل كان بعض الصحابة معارضا استخلاف أبي بكر لعمر لأنه عتي وفظ وغليظ !! ، ففي فضائل الصحابة لابن حنبل ١ : ٣٣٧ ، ح ٤٨٥ بتحقيق وصي الله بن محمد عباس : (قال : حدثني القاسم بن محمد ... ثم إن أسماء بنت يزيد أخبرته أن رجلا من المهاجرين دخل علی أبي بكر حين اشتد وجعه الذي توفي فيه ، فقال : يا أبا بكر أذكرك الله واليوم الآخر ! فإنك قد استخلفت علی الناس رجلا فظا غليظا ، يزع الناس ولا سلطان لهم ، وان الله سائلك ! . فقال : أجلسوني . فأجلسناه . فقال : أبالله تخوفوني ؟ إني أقول اللهم إني استخلفت عليهم خيرهم) . علق عليه المحقق : (الأثر صحيح ، فقد أخرجه ابن سعد ... هذا إسناد حسن . وبإسناد آخر ... وفيه فدخل عليه علي وطلحة فقالا من استخلفت .. نحوه . هذا أيضا إسناد حسن . وأخرجه عبد الرزاق في المصنف .... وإسناده صحيح) . وقال ابن حجر العسقلاني في تلخيص الحبير ٤ : ٤٤ ـ ٤٥ : (حديث أن أبا بكر عهد إلی عمر هو صحيح مشهور في التواريخ الثابتة وفي البخاري عن ابن عمر ، إن عمر قال : إني إن استخلف فقد أستخلف من هو خير مني يعني أبا بكر الحديث . ولمسلم مثله والبيهقي من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت : لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان ، قالوا : يا خليفة رسول الله ! ماذا تقول لربك غدا إذا قدمت عليه وقد استخلفت علينا ابن الخطاب ... الحديث) . المصنف لعبد الرزاق ٥ : ٤٤٩ ح ٩٧٦٤ (عبدالرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن القاسم بن محمد ، عن أسماء بنت عميس قالت : دخل رجل من المهاجرين علی أبي بكر رحمه الله وهو شاكٍ ، فقال : استخلفت عمر ؟! وقد كان عتا علينا ولا سلطان له ! فلو قد ملكنا لكان أعتی علينا وأعتی !! فكيف تقول لله إذا لقيته ؟! فقال أبو بكر : أجلسوني . فأجلسوه . فقال : هل تفرقني إلا بالله فإني أقول إذا لقيته استخلفت عليهم خير أهلك ، قال معمر ، فقلت للزهري : ما قوله خير أهلك ، قال : خير أهلك مكة) . وعن مصنف ابن أبي شيبة ٧ : ٤٣٤ ، ح ٧٠٥٦ (حدثنا وكيع وابن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زبيد بن الحارث ـ الحافظ الثقة ـ أن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلی عمر يستخلفه فقال الناس : تستخلف علينا فظا غليظا !! ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ !! فما تقول لربك إذا لقيته استخلفت علينا عمر ؟!!! قال أبو بكر : أبربي تخوفونني ...) ، ح ٣٧٠٥٧ : (حدثنا وكيع بن الجراح ـ ثقة حافظ ـ عن إسماعيل بن أبي خالد ـ ثقة ثبت ـ عن قيس بن أبي حازم ـ ثقة ثبت ـ قال : رأيت عمر بن الخطاب وبيده عسيب نخل وهو يجلس الناس ، ويقول : اسمعوا لقول خليفة رسول الله ! قال : فجاء مولی لأبي بكر يقال له شديد بصحيفة فقرأها علی الناس ، فقال : يقول أبو بكر : اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة ، فوالله ما ألوتكم ! قال قيس : فرأيت عمر بن الخطاب بعد ذلك علی المنبر) . وفي سنن الترمذي ٤ : ٥٠٢ ، ح ٢٢٢٥ (حدثنا يحيی بن موسی ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، قال : قيل لعمر بن الخطاب : ثم لو استخلفت ؟ قال : إن أستخلف فقد استخلف أبو بكر ...) وعلق عليه الترمذي : (وفي الحديث قصة وهذا حديث صحيح قد روي وجه عن ابن عمر) .
          أقول : فإن كانت الخلافة لا تصح إلا عن مشورة فلا خلافة لعمر ، وتأمره علی الناس كان بغير حق هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن حكمه بقتل من بايع رجلا من غير مشورة ؛ وقتل المبايع له يلزم منه هدر دمه ودم أبي بكر عندما بايعه عمر في سقيفة بني ساعدة وقال له : (ابسط يدك يا أبا بكر) بلا مشورة ، وقبل أن ينقضي الاختلاف ، ويهدأ اللغط الذي دار بينهم كما أخرجه البخاري في صحيحه ٦ : ٢٥٠٦ : (فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ! فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتی فرقت من الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته) ، فعند هذه اللحظة يهدر دم عمر وأبي بكر ، علی فقه عمر نفسه .).
          وأيما رجل بايع رجلا مشورة لا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا . قال شعبة : قلت لسعد : ما تغرة أن يقتلا ؟ قال : عقوبتهما أن لا يؤمر واحد منهما . ويقولون : والرجم ؟ وقد رجم رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ورجمنا وأنزل الله في كتابه ، ولولا أن الناس يقولون زاد في كتاب الله لكتبته بخطي حتی ألحقه بالكتاب .( السنن الكبری ٤ : ٢٧٢ ، ح ٧١٥١ .). أخبرني الحسين بن إسماعيل بن سليمان ، قال : ثنا حجاج بن محمد عن شعبة عن سعد بن إبراهيم ، قال : سمعت عبيد الله بن عبد الله يحدث عن ابن عباس عن عبد الرحمان بن عوف ، قال : ثم حج عمر فأراد أن يخطب الناس خطبته ، فقال له عبد الرحمان بن عوف : إنه قد اجتمع عندك رعاع الناس وسفلتهم فأخر ذلك حتی تأتي المدينة . قال : فلما قدم المدينة دنوت قريبا من المنبر ، فسمعته يقول : إني قد عرفت أن ناسا يقولون إن خلافة أبي بكر كانت فلتة . وأن الله وقی شرها ، إنه لا خلافة إلا عن مشورة ولا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا ، وأن ناسا يقولون : ما بال الرجم وإنما في كتاب الله الجلد ؟ وقد رجم رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ورجمنا بعده ، ولولا أن يقولوا أثبت في كتاب الله ما ليس فيه لأثبتها كما أنزلت . (نفس المصدر : ٢٧٣ ، ح ٧١٥٤ .).
          وقد قال عمر من قبل : إنها ذهبت بوفاة النبي صلی الله عليه وآله وسلم : ((عن ابن عباس قال : أمر عمر بن الخطاب مناديا فنادی : إن الصلاة جامعة . ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنی عليه ثم قال : يا أيها الناس لا تخدعن عن آية الرجم ، فإنها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ، ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد))( المصنف للصنعاني ٧ : ٣٤٥ ، ح ١٣٣٢٩ ، وعن الدر المنثور ٥ : ١٧٩ . أقول : قد يقال بأن عمر قال ذلك علی المنبر ، فسكوت الصحابة عنه دليل علی صحته ! ، وهذا ليس بشيء ؛ لأن السكوت أعم من الإنكار ، هذا أولا ، ثم لا دليل علی أن الجميع قد شهد الحادثة ، ولو كان هذا كافيا حقا لاستطاع دمجها في المصحف ، لأنه يحتاج إلی شاهد آخر حتی تدمج ، ولو كانت دعواه محل إقرار الجميع لما ردّه زيد بن ثابت مسبقا ! ، ناهيك عن أن المتكلم هو صعب المراس ، الفظّ الغليظ ـ كما صرّحت به رواية البخاري في قول الجواري لعمر (أنت أفظ وأغلظ) ـ وصاحب المقرعة والمخفقة والدرّة والعراجين ! حتی أن ابن عباس كان ينتظر أوقات اعتدال مزاجه ليتسنی له الكلام معه ويصارحه مع تقديم المقدمات الطوال ، وقد كانت كلماته نافذة علی أبي بكر في خلافته ويلغي أوامره ، ويحل ويعقد بمرأی منه ومسمع ولا ينكر عليه ، بل وتطاول علی رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، كما في الحديبية ، وفي صلاته صلی الله عليه وآله وسلم علی عبد الله بن أبي سلول ، وودع النبي صلی الله عليه وآله وهو علی فراش المرض بالطعن في عقله الشريف حينما اتهمه بالهجر والهذيان والعياذ بالله وغيرها من الموارد ، فليس من العجيب أن يفضل البعض ـ من كان حاضرا وسمع قول عمر ـ عدم الاعتراض عليه ، وهو من لم يعرف إلا لغة الضرب والجلد لمن أراد أن يتفقه في دينه خاصة علوم القرآن !! ، فهاك فعله بمن أراد أن يطلب معاني مفردات القرآن : ففي الدر المنثور ٢ : ٧ ـ ٨ : (أخرج الدارمي في مسنده ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر ، وقد أعد له عراجين النخل ، فقال من أنت ؟ فقال أنا عبد الله صبيغ . فقال : وأنا عبد الله عمر ! فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتی دمی رأسه فقال : يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي) . وكذا (أخرج الدارمي عن نافع أن صبيغا العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتی قدم مصر ، فبعث به عمرو بن العاص إلی عمر بن الخطاب ، فلما أتاه أرسل عمر إلی رطائب من جريد فضربه بها حتی ترك ظهره دبره ثم تركه حتی برئ ثم عاد له ثم تركه حتی برئ فدعا به يعود له ، فقال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا ، وان كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت ، فأذن له إلی أرضه وكتب إلی أبي موسی الأشعري أن لا يجالس أحدا من المسلمين) . وكذا : (أخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس أن عمر بن الخطاب جلد صبيغا الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتی اطردت الدماء في ظهره) . وكذا : (وأخرج ابن الأنباري في المصاحف ، ونصر المقدسي في الحجة ، وابن عساكر عن السائب بن يزد أن رجلا قال لعمر : إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن ، فقال عمر : اللهم أمكني منه ! فدخل الرجل يوما علی عمر فسأله فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ، ثم قال : ألبسوه تبانا ، واحملوه علی قتب ، وأبلغوا به حيه ثم ليقم خطيب فليقل : إن صبيغا طلب العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم) . وكذا : (أخرج نصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن عمر كتب إلی أهل البصرة أن لا يجالسوا صبيغا ، قال : فلو جاء ونحن مئة لتفرقنا) . وكذا : (أخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين قال : كتب عمر بن الخطاب إلی أبي موسی الأشعري : أن لا يجالس صبيغا وأن يحرم عطاءه ورزقه) . وكذا : (أخرج نصر في الحجة وابن عساكر عن زرعة قال : رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلی الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه ، فتناديهم الحلقة الأخری : عزمة أمير المؤمنين عمر ، فيقومون ويدعونه) . وكذا : (أخرج نصر في الحجة عن أبي إسحاق أن عمر كتب إلی أبي موسی الأشعري : أما بعد فإن الأصبغ تكلف ما يخفی وضيع ما ولي ، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه ، وإن مرض فلا تعودوه ، وإن مات فلا تشهدوه) . وكذا : (أخرج الهروي في ذم الكلام عن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال : حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ أن يضربوا بالجريد ويحملوا علی الإبل ، ويطاف هم في العشائر والقبائل ، وينادی عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل علی علم الكلام) . وفي شرح الزرقاني ٣ : ٣٣ : (وروی الدارمي عن سليمان بن يسار ونافع قالا : قدم المدينة رجل فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وأعد له عراجين النخل ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ . قال : وأنا عبد الله عمر ! فضربه حتی دمي رأسه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي ، ثم نفاه إلی البصرة . ورواه الخطيب وابن عساكر عن أنس ، والسائب بن يزيد وأبي عثمان النهدي وزادوا عن الثالث : وكتب إلينا عمر لا تجالسوه ، فلو جاء ونحن مئة لتفرقنا . وروی إسماعيل القاضي عن محمد بن سيرين قال : كتب عمر إلی أبي موسی لا تجالس صبيغا وأحرمه عطاءه . وأخرج ابن الأنباري وغيره بسند صحيح عن السائب بن يزيد قال: جاء صبيغ التميمي إلی عمر فسأله عن الذاريات ... الحديث. وفيه: فأمر عمر فضرب مئة سوط فلما برأ دعاه فضربه مئة أُخری، ثم حمله على قتب وكتب إلی أبي موسی: حرم علی الناس مجالسته، فلم يزل كذلك حتی أتی أبا موسی، فحلف له أنه لا يجد في نفسه شيئاً، فكتب إلی عمر أنه صلح حاله، فكتب إليه خل بينه وبين الناس فلم يزل صبيغ وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم كانوا يأتمرون بأمر عمر كانت بأجمعها أسبابا لسكوت البسطاء من الناس.) .
          الملفات المرفقة

          تعليق

          • المهندس زهدي جمال الدين
            12- عضو معطاء

            حارس من حراس العقيدة
            عضو شرف المنتدى
            • 3 ديس, 2006
            • 2169
            • مسلم

            #65
            أقول : كل هذا لأنه سأل عن معنی الذاريات ذروا !! ، قارن بين فعل عمر وفعل أمير المؤمنين عليه السلام ، كما أخرجه الطبري في تفسيره ٢٦ : ١٨٦ : (عن أبي الصهباء البكري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال وهو علی المنبر : لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته ، فقام ابن الكواء وأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغ عمر بن الخطاب فقال : ما الذاريات ذروا ؟ قال علي عليه السلام : الرياح) ، وهكذا بلا أي معاناة ! ومحل الكلام من كل هذا أنه لأجل سؤال عن كلمة واحدة فعل به عمر ما فعل ، فيتضح أن عدم الإنكار والاعتراض علی شخص عمر ، وهو بهذه العصبية والغلظة لا يعني موافقة الناس ورضاهم ولا نظن أن الكل كان راضيا عن فعل عمر حينما أمر بجمع الحطب لإحراق بيت فاطمة عليها السلام ، ولكن الغلظة وبعض كبار المنافقين من وجوه الصحابة وكذا بنو أسلم الذين ولا ريب أن عمر بن الخطاب بتصريحه هذا وما تضمن من أنه لا يخاف الله في إلحاق الآية في المصحف ، ولكنه يخاف كلام الناس فقد ألقی ضلالا كثيرة من الشك علی تمامية القرآن وصيانته من التحريف ، ولو أحسن العاقل الظن به لسأل نفسه أليس من الأمر الجسيم المضر بالقرآن وأهله إصراره المتواصل وعلی المنبر أمام الملأ بأن هذه الآية سقطت وفقدت من القرآن بلا أن يذكر سبب ذلك ؟!.

            والصحيح أن ابن الخطاب ـ وهو ظاهر كلامه ـ كان معتقدا بقرآنية تلك الجملة وبوجوب دمجها مع بقية الآيات في المصحف ، ولكن كلام الناس هو الذي منعه من إصلاح هذا التحريف الذي وقع في القرآن بإسقاط هذه الآية ، وهذا كلامه الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما : (وأيم الله ! لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها) ، فهذا يعني أنها من نفس القرآن المدون في المصحف في نظر عمر !.

            لذلك احتار بعض علماء أهل السنة في توجيه هذه الجملة وما فيها من ملازمة بين الكتابة ومخافة قول الناس ! قال السبكي في الإبهاج :

            وأنا لا يبين لي معنی قول عمر : لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها . إذ ظاهر هذا أن كتابتها جائزة ، وإنما منعه من ذلك قول الناس والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه ، وإذا كانت كتابتها جائزة لزم أن تكون التلاوة باقية ؛ لأن هذا شأن المكتوب ، وقد يقول القائل في مقابلة هذا : لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر إلی كتابتها ، ولم يعرج علی مقال الناس ؛ لأن مقال الناس لا يصلح مانعا من فعل هذا الواجب ، وبالجملة لا يبين لي هذه الملازمة أعني (لولا قول الناس لكتبت) ولعل الله أن ييسر علينا حل هذا الأثر بمنه وكرمه ، فإنا لا نشك في أن عمر إنما نطق بالصواب ولكنا نتهم فهمنا .( الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي ٢ : ٢٤٢ .).

            وهكذا ، نسخّف عقولنا لأن فلانا من الناس لا يُحتمل أن يخطئ ! فكل ما يقوله صواب في صواب مع أنهم يقولون بعدم عصمته ! ، ولا أدري كيف يقولون بعدم عصمته مع أنهم يعاملونه معاملة المعصوم ؟!

            وعلی أيّ حال فإن الله عز وجل تكفّل بكتابه حافظا صائنا ، وقد قال تعالی في كتابه المجيد (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)( الحجر : ٩ .). ، ومن أصدق من الله حديثا ؟.

            عمر يعتقد أن الله أخطأ في إنزال آية الرجم لذا كره النبي صلی الله عليه وآله وسلم كتابتها !

            جاء بسند صحيح في مسند أحمد : حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت قال : كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف ، فمروا علی هذه الآية فقال زيد : سمعت رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم يقول : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة . فقال عمر : لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ، فقلت : أكتبنيها ؟ ـ قال شعبة : فكأنه كره ذلك ـ فقال عمر : ألا تری أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وإن الشاب إذا زنی وقد أحصن رجم ؟!( مسند أحمد ٥ : ١٨٣ ، ح ٢١٦٣٦ ، سنن البيهقي الكبری ٨ : ٢١١ .).

            الرواية تدعي أن زيد بن ثابت ذكر هذه الجملة علی أنها قول للنبي صلی الله عليه وآله وسلم ، ولم يقل : أنها قول الله عز وجل حتی تكون قرآنا في نظره(لذا لا يمكن قبول دعوی أن هناك من نسب هذه الجملة للقرآن قبل أن يتفوه عمر بها ؛ لأن هذا الرأي لا ينسجم مع عدم وجود شاهد آخر يشهد مع عمر علی أنها من القرآن ، خاصة وأن نفس زيد هذا هو الكاتب الذي طلب من عمر الشاهد الثاني ، فكيف يعلم زيد بقرآنيتها ثم يمتنع عن كتابتها ؛ لعدم وجود شاهد آخر مع عمر ؟! ، نعم قد يوجد من يقول بذلك تقليدا لعمر .). ، نعم قول عمر هو نص صريح في أنها قرآن في نظره ، ولكن قول عمر هو الكفر أقرب منه للإيمان ، إذ ادعی أن هذه الآية المزعومة حينما نزلت جاء عمر للنبي صلی الله عليه وآله وسلم ، وأراد عمر كتابتها فكره النبي صلی الله عليه وآله وسلم ذلك !( هل من المعقول أن يكره النبي صلی الله عليه وآله وسلم كتابة آية نزلت لتوها ؟! ، ولماذا ؟ ، هل لأن الله نسخها فور نزولها ؟!! ، أم أنها نزلت منسوخة ؟!! ، فما نسبه عمر للنبي صلی الله عليه وآله وسلم أمر لا يمكن تصديقه .) ، فعلل عمر لزيد سبب كراهية النبي صلی الله عليه وآله وسلم كتابة هذه الآية التي تنص علی أن الشيخ والشيخة إذا زنيا يرجمان مطلقا ، بأن الزاني إن لم يكن محصنا لا يرجم في الإسلام حتی وإن كان شيخا ! ، فقول عمر هذا صريح في أنه يری أن الله عز وجل أخطأ في هذه الآية وخالف حكمه المعروف في الشيخ الزاني غير المحصن الذي يجلد ولا يرجم ولا ريب أنا لا نقبل ما نسبه عمر لله ، تعالی الله عن ذلك علوا كبيرا ، لأن العقيدة الإسلامية تتناقض مع نسبة الخطأ والغلط لله عز وجل .

            ولأعجب من ذلك أن زيد بن ثابت المتفاني في تقليد سيده عمر أخذ بهذا الكفر كما في رواية البيهقي بسنده :

            عن محمد قال نبئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال : كنا ثم مروان وفينا زيد بن ثابت قال زيد : ثم كنا نقرأ (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) . قال : فقال مروان : أفلا نجعله في المصحف ؟ ، قال : لا ! ألا تری الشابين الثيبين يرجمان ؟! ، قال وقال : ذكروا ذلك وفينا عمر بن الخطاب قال : أنا أشفيكم من ذاك ، قال : قلنا : كيف ؟ قال آتي النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم فأذكر كذا وكذا فإذا ذكر الرجم ، أقول يا رسول الله أكتبني آية الرجم ؟ قال : فأتيته فذكرته ، قال : فذكر آية الرجم ، قال : فقال : يا رسول الله أكتبني آية الرجم ؟ قال : لا أستطيع ذاك (سنن البيهقي الكبری ٨ : ٢١١ .) .

            وهذه الرواية يدّعي فيها عمر أنه جاء مرة أُخری للنبي صلی الله عليه وآله وسلم يسأله عن آية الرجم ، ولكن هذه المرة كان سؤال عمر استدراجي وبطريقة غير مباشرة !
            الملفات المرفقة

            تعليق

            • المهندس زهدي جمال الدين
              12- عضو معطاء

              حارس من حراس العقيدة
              عضو شرف المنتدى
              • 3 ديس, 2006
              • 2169
              • مسلم

              #66
              ملاحظة مهمة :


              هذه الجملة المتهالكة والمسماة بآية الرجم وردت في كتب الشيعة الروائية ، وأقر الإمام جعفر الصادق عليه السلام بوجودها في القرآن ، ولا غرابة في ذلك ؛ لأن إنكاره لقرآنية هذه الجملة يعتبر رميا لنفسه في التهلكة إذ كلما ذكرت هذه المزعومة في محفل اقترن ذِكرها بذكر ابن الخطاب مرسي قواعد الخلافة المناهضة لأهل البيت عليهم السلام ، والذي كان موضع اعتزاز وتقدير عند أعداء أهل البيت من الخلفاء الأمويين والعباسيين علی حد سواء فيكون إنكاره عليه السلام لوجود مثل هذه الجملة ضمن آيات القرآن اتهاما صريحا لابن الخطاب بالكذب والافتراء علی الله عز وجل ، وهذا مدعاة لتناقل الغوغاء : إن جعفر بن محمد زعم : أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ممن قال الله فيهم : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام : ٩٣ .). وهذه حينئذ فرصة لا تفوت ، وذريعة جيدة لتخلص خلفاء الجور ممن تلتف المعارضة حوله ، وتربص خلفاء الجور بأئمة أهل البيت عليهم السلام لا يمكن

              إنكاره ، وهو ما اضطرهم للعمل بالتقية في أقل الأحكام كأحكام الحيض والنفاس حتی لا يقال (فلان بن فلان شقّ عصا المسلمين !) ، فلا غرابة إذن إن سئل عنها ولم ينف كونها من القرآن .

              وهذا نص الرواية كما وردت في الكافي : عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : الرجم في القرآن قول الله عز وجل : إذا زنی الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة (الكافي ٧ : ١٧٧ ، التهذيب ١٠ : ٣ رقم ٧ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٦ ، رقم ٤٩٤٨ .).

              وفي وسائل الشيعة : عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ـ في القرآن رجم ؟ قال : نعم ، قلت كيف ؟ قال : الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة فانهما قضيا الشهوة (وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٠ ، القضاء .).

              وننقل هنا كلمات العلماء ومراجع الشيعة العظام رضوان الله تعالی عليهم في بيان وجه صدور هذه الرواية : قال السيد الخوئي رضوان الله تعالی عليه حال حديثه عن تينك الروايتين :

              فهما وإن كانتا تدلان علی ثبوت الرجم علی الشيخ والشيخة مع عدم الإحصان ، أيضا إذ مع تخصيصهما بالإحصان لا تبقی خصوصية لهما ، إلا أنه لا قائل بذلك منّا . ولا شك في أنهما وردتا مورد التقية ، فإن الأصل في هذا الكلام هو عمر بن الخطاب ، فإنه ادعی أن الرجم مذكور في القرآن ، وقد وردت آية بذلك ، ولكن اختلفت الروايات في لفظ الآية المدعاة ، فانها نقلت بوجوه : (فمنها) : ما في هاتين الصحيحتين . و (منها) : غير ذلك ، وقد تعرضنا لذلك في كتابنا (البيان) في البحث حول التحريف وأن القرآن لم يقع فيه تحريف (مباني تكملة المنهاج ١ : ١٩٥ ، ط . دار الزهراء .) .

              وقال السيد عبد الأعلی السبزواري رضوان الله تعالی عليه : ثم إن مقتضی صحيح عبد الله بن سنان أن ما ذكره عليه السلام كان آية من القرآن فحذفت ، ولكن أثبتنا في تفسيرنا (مواهب الرحمان) بطلان التحريف في القرآن بجميع الصور المتصورة فيه (مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام ٢٧ : ٢٧٤ .) .

              قال السيد الگلپايگاني رضوان الله تعالی عليه في (الدر المنضود) بعد ذكره للروايتين : فمقتضی الأخيرتين هو وجوب الرجم فقط ، بخلاف الروايات المتقدمة عليهما فإنها صريحة في الجمع بين الجلد والرجم ، ولا يخفی ؛ لأن روايتي عبد الله بن سنان وسليمان بن خالد ظاهرتان في وقوع التحريف في القرآن الكريم ، ولكن الأقوی والمستظهر عندنا عدم التحريف فيه حتی بالنقيصة ، خصوصا وان هذه العبارة المذكورة فيهما بعنوان القرآن لا تلائم آياته الكريمة التي قد آنسنا بها . هذا مع أن الأصل في هذا الكلام عمر ابن الخطاب (الدر المنضود ١ : ٢٨٣ .) .

              وكلامه رضوان الله تعالی عليه واضح في أنه لا يقبل مضمون الروايتين لأنهما تدلان علی أمر مرفوض وهو تحريف القرآن ، وقد أشار بالجملة الأخيرة إلی التقية .

              وقال الميرزا جواد التبريزي حفظه الله في حديثه عنهما : فإن مقتضی التعليل فيهما عدم اختصاص الرجم بصورة الإحصان مع كون الزاني شيخا أو الزانية شيخة ، ولكن يتعين حملها علی التقية ، حيث أن الأساس في كون رجمهما من القرآن هو الثاني (أي عمر بن الخطاب .) ، وعدم الذكر في القرآن لنسخ التلاوة من توجيهاتهم ، ولعله يشير إلی ذلك تركه عليه السلام الذيل المروي ... نكالا من الله ولله عزيز حكيم (يقصد حفظه الله وسدد خطاه ، أن ما يشعِر بصدور هذه الرواية علی نحو التقية أن الإمام عليه السلام ترك هذا المقطع ولم يذكره لأجل مشابهته للسبك القرآني ، وبه يقرب التصديق بمضمون الرواية ، لذلك لم يذكر عليه السلام هذا المقطع فيها خلافا للعامة .) ... ووجه الإشارة أن الكلام المزبور لا يشبه في السبك ألفاظه بالقرآن المجيد ، والذيل المروي الذي أريد به إعطاء الشباهة له لم ينقل في كلامه ليعطي صورة ما جری (أُسس الحدود والتعزيرات : ١٠٩ .) .

              وقال الشيخ الفاضل اللنكراني حفظه الله : ثم إنه يظهر من رواياتنا أيضا ثبوت الرجم في القرآن مثل ما رواه عبد الله بن سنان ـ الحديث ـ ورواية سليمان بن خالد ـ الحديث ـ ولكن بعد قيام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة علی عدم وقوع التحريف في الكتاب وإن ما بأيدينا مطابق لما أنزل إلی الرسول بعنوان القرآنية لا يبقی مجال لمثل هذه الروايات ، بل لابد من حملها علی التقية أو علی أن المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل علی الخصوصيات الأخری أيضا ، من الشرح والتفسير والتأويل وشأن النزول وأمثالها ، كقرآن أمير المؤمنين عليه السلام (سيأتي عدم دقة هذا الاحتمال .)، مع أنه يرد علی تعبير الروايتين الإشكالات المتقدمة كلّاً أو جُلّاً كما لا يخفی . وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن ، بل الدليل عليه هي السنة المستفيضة ، بل المتواترة (تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب الحدود ـ : ١٢٩ .) . بل إن رفض كل عالم من علماء الشيعة لقرآنية هذه المزعومة يعني إقرارا غير مباشر بأن هاتين الروايتين صدرتا تقية ؛ لأن الشيعة يتعبدون بكلام النبي صلی الله عليه وآله وسلم ومن يفرغ عنه وهم أهل بيته عليهم السلام فمن غير المعقول أن يعتقد صدور تلك الروايات علی غير التقية ، ومع ذلك يرفض مضمونها ، وكمثال واحد نذكره لمن رفض قرآنيتها ، قال الشيخ محمد رضا الأنصاري محقق كتاب عدة الأُصول :

              والتدقيق في هذه الآية المزعومة ـ آية الرجم ـ ومقارنتها مع سياق بقية الآيات القرآنية ونفسها وأسلوبها يؤدي إلی إنكار كونها قرآنا ، هذا فضلا عن أن عليا عليه السلام قد أنكر بالملازمة وليس بالصراحة كونها آية قرآنية ، فإنه عليه السلام لما جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال : حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم (انظر جواهر الكلام ٤١ : ٣٠ ، عوالي اللآلئ ٢ : ١٥٢ و ٣ : ٥٥٣ ، ورواه أحمد والبخاري والنسائي والحاكم وغيرهم .) ، فلو كان عليه السلام يری أن حكم الرجم ثابت بآية قرآنية قد نسخت تلاوتها كما رأی عمر لم يقل ذلك (هامش كتاب عدة الأُصول للشيخ الطوسي ٢ : ٥١٦ .) ، ورفض علمائنا سددهم الله لهذه المزعومة أشهر من أن يمثل له بمثال . أقوال من أنصف القرآن من أهل السنة


              قلنا : إن مضامين هذه الروايات يضرب الشيعة بها عرض الجدار لبداهة أن قبولها يعني تحريف القرآن بالزيادة فيه أو النقص منه ، كما بينا سابقا ، ناهيك عن ركاكة نظمها وضعف أُسلوبها الذي ينادي به القرآن (إِنْ هَـٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٣) ، وللأسف فإن أغلب أهل السنة يرونها قرآنا منزلا ، وبعض من حكم عقله منهم ذهب إلی ما ذهب له الإمامية ، وقد مرت بعض كلماتهم في مبحث نسخ التلاوة .

              قال في كتاب الفقه علی المذاهب الأربعة : أما ما نقله البخاري تعليقاً من أن الذي كان في كتاب الله ورفع لفظه دون معناه ، فهو ـ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة الخ ـ فإنني لا أتردد في نفيه ؛ لأن الذي يسمعه لأوّل وهلة يجزم بأنه كلام مصنوع ، لا قيمة له بجانب كلام الله الذي بلغ النهاية في الفصاحة والبلاغة ، فضلاً عن كونه لا ينتج الغرض المطلوب ، فإن الرجم شرطه الإحصان والشيخ في اللغة من بلغ الأربعين ، فمقتضی هذا أنه يرجم ولو كان بكر لم يتزوج ، وكذا إذا زنی الفتی في سن العشرين مثلاً وهو متزوج فانه لا يرجم ، مثل هذه الكلمة لا يصح مطلقاً أن يقال : أنها من كتاب الله ... فالخير كل الخير في ترك مثل هذه الروايات . أما الأخبار التي فيها أن بعض القرآن المتواتر ليس منه ، أو أنّ بعضاً منه قد حذف فالواجب علی كل مسلم تكذيبها بتاتاً ، والدعاء علی راويها بسوء المصير ؛ لأن إدخال شيء في كتاب الله ليس منه ، وإخراج شيء منه رِدّة نعوذ بالله منها (كتاب الفقه علی المذاهب الأربعة ٤ : ٢٥٧ ـ ٢٥٩ ، ط . الاستقامة السادسة .).

              وقال آخر في فتح المنان : إن الحق أن هذا النوع من النسخ غير جائز لأن الآثار التي اعتمدوا عليها لا تنهض دليلاً لهم ، والآيتان (الرجم والرضاع) لا تسمحان بوجوده إلّا علی التكلّف ، ولأنّه يخالف المعقول والمنطق، ولأن مدلول النسخ وشروطه التي اشترطها العلماء فيه لا تتوفّر ، ولأنّه يفتح ثغرة للطاعنين في كتاب الله تعالی من أعداء الإسلام الذين يتربّصون به الدوائر وينتهزون الفرصة لهدمه وتشكيك الناس فيه . والعجيب أنّه قد وردت رواية عن عمر : ولولا أن يقال زاد عمر في المصحف لكتبتها .

              فهذا الكلام يدلّ علی أنّ لفظها موجود لم ينسخ ، فكيف يقال : إنّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه ! وهي موجودة ومسطّرة ومحفوظة علی قولهم . ولو كانت آية من القرآن وتحقّق منها عمر لأثبتها من غير تردّد ولا وجل (فتح المنان في نسخ القرآن ، للشيخ علي حسن العريض مفتّش الوعظ بالأزهر : ٢٣٠ .) .

              وقال في كتاب النسخ في القرآن الكريم : علی أنه قد ورد في الرواية عن عمر قوله بشأن آية حد الرجم فيما زعموا (ولولا أن يقال زاد عمر في المصحف لكتبتها) ، وهو كلام يوهم أنه لم ينسخ لفظها أيضاً ، مع أنهم يقولون أنها منسوخة اللفظ باقية الحكم ! كذلك ورد نص الآية في الروايات التي أوردته بعبارات مختلفة ، فواحدة منها تذكر قيد الزنی بعد ذكر الشيخ والشيخة ، وواحدة لا تذكره ، وثالثة تذكر عبارة (نكالاً من الله) ، ورابعة لا تذكرها ، وما هكذا تكون نصوص الآيات القرآنية ولو نسخ لفظها !.

              وفي بعض هذه الروايات ، جاءت بعض العبارات التي لا تتفق ومكانة عمر ولا عائشة مما يجعلنا نطمئن إلی اختلاقها ، ودسّها علی المسلمين (النسخ في القرآن الكريم ـ دراسة تشريعية تاريخية نقدية ـ ١ : ٢٨٤ مسألة رقم ٣٨٩ .).

              وقال في كتاب القرآن نظرة عصرية جديدة عن هذه الآية المزعومة : أما أن تنسخ التلاوة ويبقی الحكم ، فقد قال به بعضهم محتجاً بأنه كانت هناك آية قيل : إن نصها كان (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) ولا أميل شخصياً إلی القول بهذا الرأي ، وأری أن حكم الرجم للزاني المحصن ثبت بالحديث

              الشريف والإجماع .

              وقال : إنه بالنظر في هذه العبارة التي زعموا أنها كانت آية من القرآن لا أحس بأن بها نسج القرآن ولا روعته ، فقد وردت بها كلمة البتّة ولا أری أن هذه الكلمة قرآنية ، وهي لم ترد في القرآن أبداً ، وليس لها جمال ألفاظ القرآن ، واستعملت فيها كلمة الشيخ والشيخة بقصد الرجل والمرأة المتزوجة وهو استعمال فيه تكلّف ، فالشيخ في اللغة هو الطاعن في السن ، ولا يلزم أن يكون شيخاً ، بل كثيراً ما يكون شاباً ، وللقرآن تعبير جميل عن الرجل المتزوج أو المرأة المتزوجة وهو المحصن والمحصنة ، أما كلمة شيخ فاستعمالها في القرآن محدود بكبر السن ، وقد وردت في القرآن في ثلاث مواضع نعرضها لنبيّن اتجاه القرآن في استعمال هذه الكلمة اتجاهاً لم يختلف ؛ وهو لا شك متفق مع ذوق اللغة أو هو قدوة للاستعمال العربي السليم ، ـ ثم ذكر تلك الآيات ـ(من مقالة للدكتور أحمد شلبي في كتاب القرآن نظرة عصرية جديدة : ١٥٤ ـ ١٥٥.) .

              وأنصف الشيخ محمود أبو ريّة في كتابه القيم أضواء علی السنّة المحمّدية عندما استنكر ما تفعله الروايات في كتاب الله عز وجل ، وهاك مقتطفات منه :

              ولم يقف فعل الرواية عند ذلك ، بل تمادت إلی ما هو أخطر منه من ذلك ، حتی زعمت أن في القرآن نقصاً ولحناً وغير ذلك مما أورد في كتب السنّة ، ولو شئنا أن نأتي به كله هنا لطال الكلام ـ ولكنا نكتفي بمثالين مما قالوه في نقص القرآن ، ولم نأت بهما من كتب السنة العامة ، بل مما حمله الصحيحان ، ورواه الشيخان البخاري ومسلم . أخرج البخاري وغيره عن عمر بن الخطاب أنه قال ـ وهو علی المنبر ـ : إن الله بعث محمداً بالحق نبيّا وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل آية الرجم قرأناها وعقلناها ووعيناها . رجم رسول الله صلی الله عليه [واله] وسلم ورجمنا بعده فأخشی إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما أجد آية الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق علی من زنی إذا أحصن من الرجال والنساء . ثم إنا كنا نقرأ فيما يقرأ في كتاب الله ، (ألا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) .

              وأخرج مسلم عن أبي الأسود عن أبيه قال : بعث أبو موسی الأشعري إلی قرّاء البصرة فدخل عليه ثلاثمئة رجل قد قرأوا القرآن فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم ، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول ببراءة فأنسيتها ، غير أني قد حفظت منها : (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغی وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) ، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدی المسبحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة)( وسيأتي الكلام عنها ، بإذن الله تعالی .) ، نجتزئ بما أوردنا ، وهو كاف هنا لبيان كيف تفعل الرواية حتی في الكتاب الأول للمسلمين ، وهو القرآن الكريم ! ولا ندري كيف تذهب هذه الروايات التي تفصح بأن القرآن فيه نقص ، وتحمل مثل هذه المطاعن مع قول الله سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر : ٩ .) . فأيهما نصدّق ؟! اللهم إن هذا أمر عجيب يجب أن يتدبره أولو الألباب (أضواء علی السنّة المحمّدية : ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، ط . الأعلمي الخامسة .) .
              الملفات المرفقة

              تعليق

              • المهندس زهدي جمال الدين
                12- عضو معطاء

                حارس من حراس العقيدة
                عضو شرف المنتدى
                • 3 ديس, 2006
                • 2169
                • مسلم

                #67
                كلام من فضحه الله !


                بعد أن ذكرنا كلام المنصفين من أهل السنة لا بأس بذكر كلمة لمن فضحه الله تعالی عندما حاول أن ينال من الشيعة في شريطه (الشيعة والقرآن) وهو ال***** (عثمان . خ) ، قال هذا المسكين :

                أمثلة من الآيات المنسوخة تلاوتها : آية الرجم وهي قوله تعالی أو ما يذكر فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، فهذه أولا قراءة آحادية شاذة لم تثبت قرآنا (الوجه الثاني من شريط (الشيعة والقرآن)).

                فهو يعترف أولا أنها آية منسوخة ، ثم يرجع ويقول بعدم ثبوت قرآنيتها ! ، فكيف هي آية منسوخة ولم تثبت قرآنيتها ؟! ، ثم من أين جاءنا بـ (قراءة آحادية شاذة) ؟! ، آية الرجم عند أهل السنة من المنسوخ تلاوة وليست قراءة شاذة ! وهذا أمر واضح لأن القراءة الشاذة تتغير فيها أحرف أو بعض مفردات الآية ولا تكون بإضافة آية كاملة للقرآن ! وإلا لما كان هناك معنی للشذوذ ، لأن الشذوذ يتحقق عندما يتخالف الشاذ مع الأصل ، وآية الرجم لا يوجد أصل لها حتی تخالفه ! ، وكل هذه الموارد تدل علی أن هذا ال***** (عثمان . خ) جاهل بكل ما للكلمة من معنی . آية الرجم جاء بها عمر من توراة اليهود !


                كنت دائما أتساءل من أين جاءنا عمر بهذه الجملة ؟! هل هي من نسج خياله ؟ أم هي جملة سمعها فأعجبته كما أعجبته جملة (الصلاة خير من النوم) التي حشرها في الأذان؟! ، فاتضح لي أن هذه الجملة مقتبسة من توراة اليهود ! ولا أدري علی أي أساس أراد ابن الخطاب إدخال شيء من كتاب اليهود المحرف في القرآن ؟!

                فقد أخرج الطبري بسنده رواية مطولة تتحدث عن حد الزاني في شريعة اليهود المحرفة إلی أن تقول : وكان النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم قال لهم : من أعلمكم بالتوراة ؟ فقالوا : فلان الأعور . فأرسل عليه فأتاه فقال : أنت أعلمهم بالتوراة ؟ قال : كذلك تزعم اليهود . فقال النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم : أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها علی موسی يوم طور سيناء ما تجد في التوراة في الزانيَين فقال : يا أبا القاسم يرجمون الدنيئة ، ويحملون الشريف علی بعير ، ويحممون وجهه ، ويجعلون وجهه من قبل ذنب البعير ويرجمون الدنيء إذا زنی بالشريفة ، ويفعلون بها هي ذلك . فقال له النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم : أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها علی موسی يوم طور سيناء ما تجد في التوراة ؟! فجعل يروغ والنبي صلی الله عليه [وآله] وسلم ينشده بالله وبالتوراة التي أنزلها علی موسی يوم طور سيناء ، حتی قال : يا أبا القاسم ، (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) فقال رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم : فهو ذاك ، اذهبوا بهما فارجموهما (تفسير الطبري ٦ : ١٥٧ ، ط . دار المعرفة الثالثة .).

                وقد أخرج هذه الحادثة البخاري في خمسة مواضع من صحيحه وهذا نصه : عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالی عنهما أن اليهود جاءوا إلی رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ، فذكروا له : أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ فقالوا نفضحهم ويجلدون . فقال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده علی آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا : صدق يا محمد فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم فرجما . قال عبد الله : فرأيت الرجل يحنأ علی المرأة يقيها الحجارة (صحيح البخاري ٣ : ١٣٣٠ ، ح ٣٤٣٦ ، ٤ : ١٦٦٠ ، ح ٤٢٨٠ باب (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ، ٦ : ٢٤٩٩ ، ح ٦٤٣٣ باب الرجم في البلاط ، ٦ : ٢٥١٠ ، ح ٦٤٥٠ ، ٦ : ٢٧٤٢ ، ح ٧١٠٤ .).

                ومما يدل علی أن الرجم لم ينزل فيه شيء من القرآن ما أخرجه ابن الضريس والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب ، قال تعالی (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ)( المائدة : ١٥) . قال : فكان الرجم مما أخفوا (الدر المنثور ٢ : ٢٦٩ ، ط . دار المعرفة .).

                ومن كلام ابن عباس يتضح عدم نزول آية في القرآن تحكي الرجم صريحا ، وإلا لكان الأُولی لابن عباس ، وهو جبل التفسير أن يذكرها لا أن يستدل بآية غير ظاهرة فيه !

                بل هناك رواية أظهر من هذه وردت في صحيح البخاري وهي : حدثنا سلمة بن كهيل قال : سمعت الشعبي يحدث عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال : قد رجمتها بسنة رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم (صحيح البخاري ٨ : ٢١ .) ، ولو كانت آية الرجم في القرآن وقد رفعت تلاوتها وبقي حكمها لقال عليه السلام : إني رجمتها بكتاب الله ، أو لا أقل أن يقول عليه السلام رجمتها بكتاب الله وسنة رسوله صلی الله عليه وآله وسلم لا أن يغفل أمر القرآن ؟.

                وهذه الرواية نص في ثبوت الرجم بالسنة لا بالقرآن ، وقد أخرجها عبد الرزاق الصنعاني في المصنف : عن ابن التيمي عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال : قال علي ـ عليه السلام ـ في الثيب : (أجلدها بالقرآن ، وأرجمها بالسنة ، قال : وقال أُبيّ بن كعب مثل ذلك) (مصنف عبد الرزاق الصنعاني ٧ : ٣٢٨ ، ح ١٣٣٥٦ .) .

                وبعد هذا لنتساءل ، هل جهل الإمام علي عليه السلام ـ والعياذ بالله ـ وهو باب مدينة علم رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، وسيد القرّاء أُبيّ ابن كعب ، وحبر الأُمة ابن عباس عن نزول آية في القرآن تحكي الرجم ؟! ناهيك عن إجماع أهل السنة بأن الرجم قد ثبت بالسنة لا بالقرآن !.

                وليس بعزيز علی ابن الخطاب أن يأخذ هذه الجملة من توراة اليهود فعلاقته كانت قوية معهم ، حتی أنه كان يتعلم شيئا من التوراة منهم ويعلمونه ، ويوما ما اقترح علی الرسول صلی الله عليه وآله تعليمه للمسلمين ، فغضب منه صلی الله عليه وآله وسلم حتی احمرت وجنتاه واجتمعت الأنصار شاكةً بالسلاح وأمر بالصلاة جامعة لهول ما قاله عمر !.

                أخرج أبو يعلی وابن المنذر وابن أبي حاتم ونصر المقدسي في الحجة والضياء في المختارة عن خالد بن عرفطة قال : كنت جالسا عند عمر ... فقال ـ عمر ـ : انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم : ما هذا في يدك يا عمر ؟ فقلت : يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما إلی علمنا . فغضب رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم حتی احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار : (أغضب نبيكم ، السلاح !) فجاءوا حتی أحدقوا بمنبر رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم فقال : يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصارا ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية ، فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون ، قال عمر رضي الله عنه : فقمت ، فقلت : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا ، ثم نزل رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم .( الدر المنثور ٤ : ٣ ، وجاء هذا المعنی أيضا في ٥ : ١٤٨ ـ ١٤٩ : أخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن الضريس والحاكم في الكنی ، والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن ثابت بن الحرث الأنصاري قال : دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه علی النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم بكتاب فيه مواضع من التوراة ، فقال : هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك ، فتغير وجه رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم تغيرا شديدا ، لم أر مثله قط ، فقال عبد الله بن الحارث لعمر رضي الله عنه : أما تری وجه رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ؟! فقال عمر رضي الله عنه : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فسري عن رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ، وقال : (لو نزل موسی فاتبعتموه وتركتموني لضللتم ، أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأُمم) .

                وكذا : (أخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل يقرأ كتابا ، فاستمعه ساعة فاستحسنه ، فقال للرجل : اكتب لي من هذا الكتاب قال : نعم ، فاشتری أديما فهيأه ، ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ، ثم : أتی النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم فجعل يقرأه عليه ، وجعل وجه رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم يتلون ، فضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب ، وقال : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ! أما تری وجه رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم منذ اليوم ، وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب ، فقال النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم عند ذلك : إنما بعثت فاتحا وخاتما وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه ، واختصر لي الحديث اختصارا فلا يهلكنكم المتهوكون) .

                وكذا : (أخرج ابن الضريس عن الحسن : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا ، وقد هممنا أن نكتبها فقال : يا ابن الخطاب !! أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصاری ؟! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارا) .

                وكذا في مجمع الزوائد ١ : ١٧٤ : (وعن أبي الدرداء قال : جاء عمر بجوامع من التوراة إلی رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم فقال : يا رسول الله ، جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق ، فتغير وجه رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ، فقال عبد الله بن زيد الذي أري الأذان : أمسخ الله عقلك ؟! ألا تری الذي بوجه رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ؟! فقال عمر : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما ، فسري عن رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو كان موسی بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا ، أنتم حظي من الأمم ، وأنا حظكم من النبيين) ، وعلق عليه الهيثمي : (رواه الطبراني في الكبير ، وفيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي ، ولم أر من ترجمه ، وبقية رجاله موثقون) . انتهی .

                أقول : بعد أن نقل ابن حجر العسقلاني هذه الروايات ، قال في فتح الباري ١٣ : ٥٢٥ : (وهذه جميع طرق هذا الحديث ، وهي وان لم يكن فيها ما يحتج به ، لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلا) .

                ولم ينته عمر عن الأخذ عنهم ، لاسيما في زمن تأمره علی الناس وقصصه وحكاياته مع كعب الأحبار أشهر من أن تذكر أو تنقل ، فمن شاء الإطلاع فليراجع المصادر(راجع مشورة عمر لكعب الأحبار ، وأخذه بآرائه وتنبؤاته ، مسند أحمد ١ : ٤٢ ، تاريخ المدينة ٣ : ٨٩١ ، تاريخ الطبري ١ : ٣٢٣ ، مجمع الزوائد ٩ : ٦٥ و ١٠ : ٣٣١ ، كنز العمال ١٢ : ٥٦١ و : ٥٦٧ ، الدر المنثور ٤ : ٥٧ و : ٣٤٧ و ٦ : ٢٥٧ ، وغيرها من المصادر .) .

                فلا يُستبعد اقتباس عمر بن الخطاب لهذه الجملة من توراة اليهود ، أو علی أحسن التقادير أنه كان متواجدا في الحادثة السابقة ، وعلقت تلك الجملة في رأسه .
                الملفات المرفقة

                تعليق

                • المهندس زهدي جمال الدين
                  12- عضو معطاء

                  حارس من حراس العقيدة
                  عضو شرف المنتدى
                  • 3 ديس, 2006
                  • 2169
                  • مسلم

                  #68

                  النتيجة :

                  بعدما صحّ عند أهل السنة نسبة هذه الجملة إلی عمر بن الخطاب ، وأنه أول من تفوّه بها ونشرها بين المسلمين ، من أي مصدر كان التوراة أم غيره فيكون أمامنا ثلاثة خيارات لا رابع لها :
                  إما أن نقول : بكفر عمر بن الخطاب ، لأنه أضاف للقرآن شيئا ليس منه ، فمصحف المسلمين محرف في نظره ، أو إن صحيح البخاري وغيره فيه روايات موضوعة ، قد نسبت للخليفة الأكاذيب والمدسوسات تريد النيل منه أو إن القرآن محرف حقا ، وقد سقط منه آية الرجم .
                  والاحتمال الأول يؤيّده ما مرّ من قول عمر في التحريف الإجمالي لآيات القرآن : وادعائه أن القرآن كان ألف ألف آية وسبعة وعشرين ألف آية ! وعلی أي حال فالاختيار كله لأهل السنة !. آية الرضاع !

                  أخرج مسلم في صحيحه أن عائشة قالت : كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يحرمن) ثم نسخن بـ (خمس معلومات) ، فتوفي رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن(صحيح مسلم ٤ : ١٦٧ ، وسنن الدارمي ٢ : ١٥٧ ، والمصنف للصنعاني ٧ : ٤٦٧ ، ٤٧٠ ، وسنن الترمذي ٣ : ٤٥٦ ، والسنن الكبری للبيهقي ٧ : ٤٥٤ ، ح ١٥٣٩٧ ، ومشكل الآثار للطحاوي ٣ : ٦ ، والنسائي ٦ : ١٠٠ ، وسعيد بن منصور : ٩٧٦ ، والمحلی لابن حزم ١١ : ١٩١ ، وموطأ مالك ٢ : ١١٧ ، ومسند الشافعي ١ : ٢٢٠ وغيرها .) .
                  وأخرج عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه بسند صحيح : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج قال : سمعت نافعا يحدث أن سالم بن عبد الله حدثه : أن عائشة زوج النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم أرسلت به إلی أختها أم كلثوم ابنة أبي بكر لترضعه عشر رضعات ليلج عليها إذا كبر فأرضعته ثلاث مرات ثم مرضت فلم يكن سالم يلج عليها . قال : زعموا أن عائشة قالت : لقد كان في كتاب الله عز وجل عشر رضعات ثم رد ذلك إلی خمس ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم (مصنف عبد الرزاق ٧ : ٤٦٩ ، ح ١٣٩٢٨ .).
                  هنا تدعي عائشة أن جملة (خمس معلومات يحرمن) كانت إلی ما بعد وفاة الرسول الأعظم صلی الله عليه وآله وسلم من جنس القرآن المقروء كغيرها من آيات القرآن ، وهذه الدعوی من عائشة طامة كبری ! لأنها تزعم ـ وبكل صراحة ـ أن سبب سقوط الآية المزعومة وعدم كتابتها في القرآن الكريم هو موت النبي صلی الله عليه وآله وسلم وهذا يعني أنه الوحيد الذي كان يحفظها دون المسلمين ، ولم يعلم بهذه الآية المزعومة سوی النبي صلی الله عليه وآله وسلم وعائشة التي كانت تحتفظ بنصها في صحيفة تحت سريرها ! ، وقد اختفت الصحيفة ! ولكن أين ؟!. في بطن السخلة !

                  وخير من يخبرنا عن أمر هذا القرآن المفقود هي عائشة نفسها، فقد ذكرت أن الآية المزعومة كانت في صحيفة تحت سريرها فدخلت سخلة وأكلتها حين تشاغلوا بدفن الرسول صلی الله عليه وآله وسلم(من أين يأتيها التشاغل ، وما شاركت بتغسيله ولا بتكفينه صلی الله عليه وآله وسلم ؟! ، ولا حتی أبوها الذي أخذته الدنيا وزبرج الملك والإمارة ورسول الله صلی الله عليه وآله وسلم لا يزال في المغتسل لم يوار بعد !) ، وهكذا انتفت هذه الآية من الوجود بوفاة رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم التي اختص بحفظها ولأكل الداجن المعجزة للصحيفة !.
                  قال ابن حزم في المحلی: ثم اتفق القاسم بن محمد وعمرة كلاهما عن عائشة أم المؤمنين قال: لقد نزلت آية الرجم والرضاعة فكانتا في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها. قال أبو محمد ـ ابن حزم ـ : وهذا حديث صحيح (المحلی بالآثار لابن حزم الأندلسي ١١ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ رجم المحصن .) .
                  وفي سنن ابن ماجة عن عائشة: لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشراً. ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها(سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٥ ـ ٦٢٦ ، ح ١٩٤٤ .) .
                  قال الطبراني في المعجم الأوسط: عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة عن عائشة، وعن عبد الرحمان بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشرا، فلقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها(المعجم الأوسط ٨ : ١٢ ، ح ٧٨٠٥ ، ومسند أبي يعلی ٨ : ٦٤ ، ح ٤٥٨٨ ، وسنن الدارقطني ٤ : ١٧٩ ، ح ٢٢ .) (٢) .
                  ورواية صحيح مسلم إما أن يقبلها أهل السنة، فيلزم ذلك أنهم يعتقدون بتحريف القرآن ، وإما أن يكفّروا عائشة ؛ لأنها كانت تدعي تحريف القرآن ، وإما أن يرفضوا الرواية ويجزموا ببطلانها ، واعتقد أن الأسلم عند الجميع هو الطريق الثالث ، إلّا عند من يقدّس صحيح مسلم أكثر من القرآن (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)( يوسف : ١٠٣ .) .
                  الملفات المرفقة

                  تعليق

                  • المهندس زهدي جمال الدين
                    12- عضو معطاء

                    حارس من حراس العقيدة
                    عضو شرف المنتدى
                    • 3 ديس, 2006
                    • 2169
                    • مسلم

                    #69


                    الفصل الثاني
                    إذا ماذا حدث للآية؟
                    من الأمور المستقرّة لدى المسلمين: الإيمان بكتاب الله تعالى، وأنه محفوظ من التغيير والتبديل والتحريف، وحفظُه مستمرّ في الأجيال المتعاقبة إلى قيام الساعة… هذه أمور ثابتة في عقيدة كل مسلم.
                    وفي عصر بُلي المسلمون بالشبهات حينًا وبالشهوات حينًا آخر، لا يفتأ من لا يريد بهم خيرًا في إثارة ألوان من الشبَه والتشكيكات مهما كانت ضعيفة أو واهنة؛ لأن كثرة ذِكر الشبه وسيلة يصطادون به من يتهيأ لذلك من عامة المسلمين وربما مثقفيهم...!
                    ولم يسلم منهم حتى كتاب الله تعالى، فمما أوردوه بغية الطعن في الإسلام والتشكيك في كتاب الله، وفي حفظ الله له من التحريف أو الزيادة أو النقصان: حديث الداجن(الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج إلى المرعى، وقيل: هي كل ما يألف البيوت مطلقًا، شاةً أو طيرًا. فتح الباري لابن حجر (8/470).) التي أكلت الصحيفة التي فيها آية الرجم ورضاع الكبير، وكانت محفوظة تحت سرير عائشة رضي الله عنها.
                    وسنعرض لهذا الحديث مع بيان درجته، وأقوال النقّاد فيه، حتى تدحض الشبهة ولا يغتر بها مَن تروج عليه أمثالها، وسيكون الكلام في ثلاثة مقامات:



                    الملفات المرفقة

                    تعليق

                    • المهندس زهدي جمال الدين
                      12- عضو معطاء

                      حارس من حراس العقيدة
                      عضو شرف المنتدى
                      • 3 ديس, 2006
                      • 2169
                      • مسلم

                      #70

                      المطلب الأول
                      أولًا: نص حديث الداجن
                      روى ابن ماجه وأبو يعلى والدارقطني وغيرهم من طريق محمد بن إسحاق عن عبدالله بن أبي بكر ابن حزم عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرًا، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها»( سنن ابن ماجه (1944)، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (310)، ومسند البزار (298)، ومسند أبي يعلى (4587)، وسنن الدارقطني (4376).).
                      وهو عند أحمد ولفظه: «…ودخلت دُويبة لنا فأكلتها»( المسند (6/269).).
                      ورواه ابن ماجه والبزار وأبو يعلى والدارقطني من طريق ابن إسحاق عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها(سنن ابن ماجه (1944)، ومسند البزار (299)، ومسند أبي يعلى (4588)، وسنن الدارقطني (4376).) بمثله.


























                      الملفات المرفقة

                      تعليق

                      • المهندس زهدي جمال الدين
                        12- عضو معطاء

                        حارس من حراس العقيدة
                        عضو شرف المنتدى
                        • 3 ديس, 2006
                        • 2169
                        • مسلم

                        #71
                        المطلب الثاني
                        ثانيًا: الكلام على الإسناد
                        في هذا الحديث أربعة علل:
                        الأولى: مداره على محمد بن إسحاق (ت150ه)، وهو وإن كان إمامًا في المغازي فليس بحجة في الحديث، ولم يكن الإمام أحمد بن حنبل يحتج به في الأحكام، سئل عنه مرة فقيل له: إذا تفرد بحديث تقبله؟ فقال: لا والله، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من ذا. وضعفه يحيى بن معين في مواضع، وقال مرة: سقيم ليس بالقوي. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: اختلف الأئمة فيه وليس بحجة، إنما يعتبر به(ينظر تهذيب التهذيب (9/38- 40).). وقال الذهبي: كان صدوقًا من بحور العلم، وله غرائب في سعة ما روى تستنكر، واختلف في الاحتجاج به، وحديثه حسن، وقد صححه جماعة(الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة (2/156).). وقال ابن حجر: إمام المغازي صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر(تقريب التهذيب (2/467).).
                        العلة الثانية: عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس لم يصرح بالسماع، وقد ذكره الحافظ في الطبقة الرابعة من المدلسين، قال: “مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما” (تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس (ص 51).). وبين الطبقة الرابعة في المقدمة بأنهم: “من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل”( ص 14.).
                        العلة الثالثة: الاضطراب، فرواه ابن إسحاق مَرَّةً عن عبدالله بن أبي بكر ابن حزم عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة، ومَرة عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة(رواه ابن ماجه (1944)، والبزار (299)، وأبو يعلى (4588)، والدارقطني (4376).)- بإسقاط عمرة- قال الجورقاني: “هذا حديث باطل، تفرد به محمد بن إسحاق، وهو ضعيف الحديث، وفي إسناد هذا الحديث بعض الاضطراب”( الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير (2/184). وينظر علل الدارقطني (15/153).).

                        العلة الرابعة: مخالفة ابن إسحاق للثقات، فرواه مالك -ومن طريقه مسلم- عن عبدالله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة: أنها قالت: «كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيما يقرأ من القرآن»( صحيح مسلم (1452)، الموطأ (1270).).
                        وتوبع عبدُالله بن أبي بكر فيه، فرواه جماعة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة، أنها سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: «نزل في القرآن عشر رضعات معلومات، ثم نزل أيضا خمس معلومات»( رواه مسلم (1452)، والدارقطني في سننه (4382)، والبيهقي في الكبرى (7/454).).
                        ورواه حماد بن سلمة عن عبدالرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن عمرة أن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان فيما أنزل من القرآن، ثم سقط: أن لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات، ثم نزل بعد: أو خمس رضعات»( رواه ابن ماجه (1942)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/486)، والطبراني في الأوسط).
                        فزيادة الداجن منكرة تفرد بها محمد بن إسحاق مخالفًا للثقات، وقد لخص الذهبي أقوال الأئمة في ابن إسحاق، فقال عنه في السير: “وأما في أحاديث الأحكام، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذَّ فيه، فإنه يعد منكرًا”( سير أعلام النبلاء (13/53).). وقال في العلو: “وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب”( العلو للعلي الغفار (44).).
                        ثالثًا: المناقشة على فرض صحة الحديث
                        فلو فرضنا جدلًا أن القصة صحيحة، فهذا لا تأثير له إطلاقًا، ولا دليل فيه على أن القرآن الكريم نقص منه شيء البتة، ولا يناقض حفظ الله له من الضياع؛ لأن رجم الزاني المحصن مما نُسخ رسمه وبقي حكمه، وعشر رضعات مما نسخ رسمه وحكمه معًا، وهذان نوعان من أنواع النسخ(ينظر “الإتقان في علوم القرآن” للسيوطي (2/57).)، فلا يجوز إدخال ما نسخ رسمه في المصحف الشريف؛ إذ لا حاجة لأحد إليه. وتزول الشبهة إذا عُلم أن التشريع الإسلامي مر بمراحل عدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات، والنسخ هو: إزالة ما استقر من الحكم الشرعي بخطاب وارد متراخيًا لولاه لكان السابق ثابتًا، ويُعبر عنه بـ : رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي(ينظر “مناهل العرفان في علوم القرآن” للزرقاني (2/176)، ومباحث في علوم القرآن (238).). والنسخ ثابت في ديننا، ومن أدلته قوله تعالى: ]مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ [البقرة:106]. قال القرطبي: “ننسها، أي: نتركها”( الجامع لأحكام القرآن (11/178).).
                        وبهذا يكون ما أكلته الداجن -لو صحت القصة- مما تُرك ونسخ، مثله مثل ما أحرق بعد كتابة المصحف الشريف، بل يكون أكل الداجن لما نُسخ وترك من أسباب حفظ الله تعالى لما استقر ولم يُنسخ حتى لا يختلط به المنسوخ.
                        ولابن حزم -رحمه الله- كلام نفيس نسوق طرفًا منه للفائدة: “وقد غلط قوم غلطًا شديدًا وأتوا بأخبار ولدها الكاذبون والملحدون منها أن الداجن أكل صحيفة فيها آية متلوة فذهب البتة… وهذا كله ضلال نعوذ بالله منه ومن اعتقاده. وأما الذي لا يحل اعتقاد سواه فهو قول الله تعالى: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ [الحجر: 9]، فمن شك في هذا كَفَر، ولقد أساء الثناء على أمهات المؤمنين، ووصفهن بتضييع ما يُتلى في بيوتهن حتى تأكله الشاة فيتلف، مع أن هذا كذب ظاهر ومحال ممتنع؛ لأن الذي أكل الداجن لا يخلو من أحد وجهين، إما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حافظًا له، أو كان قد أُنْسِيَه، فإن كان في حفظه، فسواء أكل الداجن الصحيفة أو تركها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنسيه فسواء أكله الداجن أو تركه قد رُفع من القرآن، فلا يحل إثباته فيه كما قال تعالى: ]سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى[ [الأعلى:6- 7]. فنصَّ تعالى على أنه لا ينسى -أصلًا- شيئًا من القرآن إلا ما أراد تعالى رفعه بإنسائه… بل كل ما رفعه الله تعالى من القرآن فإنما رفعه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قاصدًا إلى رفعه، ناهيًا عن تلاوته إن كان غير منسي، أو ممحوًا من الصدور كلِّها، ولا سبيل إلى كون شيء من ذلك بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُجيز هذا مسلم؛ لأنه تكذيب لقوله تعالى: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ [الحجر: 9]” (الإحكام في أصول الأحكام (4/479).).
                        ومما سبق يتبن أن ما لم يُثبَت في القرآن فهو منسوخ رسمًا، ولا يجوز اعتقاد أنه ضاع دون نسخ. قال الآلوسي رحمه الله: “وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة -رضي الله عنها- فأكلها الداجن فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (11/140).).
                        فإذا تقرر أن الله تعالى تولَّى حفظ القرآن الكريم من الزيادة والنقصان، فإن الآيات التي ذهبت إما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُمر بتبليغها وقد بلغها بلا ريب، وما بلغه حُفظ ولله الحمد، وما حُفظ لا يضر بموته عليه الصلاة والسلام، ولا بذهاب ما كتب فيه شيء من القرآن، ما دام يحفظه جمع من أصحابه رضوان الله عليهم، وإن كان صلى الله عليه وسلم لم يُبلِّغ شيئًا، أو بلغه ولكن لم يأمر أن يُكتب في القرآن فهو منسوخ بتبيين من الله تعالى، لا يحل أن يضاف إلى القرآن الكريم(ينظر المحلى بالآثار (12/177- 178).).
                        ومن العجب أن هؤلاء الذين يحتجون بمثل هذه الأحاديث الواهية يشككون بل ينكرون أحاديث الصحيحين التي هي في غاية الصحة عند عامة المسلمين، فيستدلون بالضعيف إذا ما اشتهوا مادام يخدم أغراضهم، ويشككون في الصحيح بل ينكرونه إذا ما اشتهوا، كصنيع أهل الأهواء! وبهذا يظهر جليًّا أن غرضهم هو تلقُّف كلِّ ما يكون سببًا للقدح في الإسلام والنيل منه، فليس همهم حجة ولا برهان ودليل، فليتدبّر العاقل، والله الهادي.
                        حدثنا ‏أبو سلمة يحيى بن خلف ‏حدثنا ‏عبد الأعلى عن ‏محمد بن إسحق ‏‏عن ‏عبد الله بن أبي بكر‏عن ‏عمرة ‏‏عن ‏عائشة ‏ ‏وعن ‏ ‏عبد الرحمن بن القاسم ‏عن ‏أبيه ‏‏عن ‏عائشة ‏ ‏قالت‏: “‏لقد نزلت‏ آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وتشاغلنا بموته دخل ‏ ‏داجن ‏ ‏فأكلها “.
                        والحديث رواه ابن ماجه والدارقطني وأبو يعلى في "مسنده" والطبراني في "معجمه الأوسط" وابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث"، جميعهم من طريق مُحَمَّدِ بن إسحاق، عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ، عن عَمْرَةَ، عن عَائِشَةَ، وعَنْ عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه، عن عَائِشَةَ قالت: "لقد نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا وَلَقَدْ كان في صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي، فلما مَاتَ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ؛ دخل دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا". وسند هذا الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية محمد بن إسحاق بن يسار وهو مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع في شيءٍ من الطرق، ومع ذلك فهو مُخْتَلَفٌ في قبول ما ينفرد به لو صرَّح بالسماع، ويكفينا الأخذ بالعلَّة الْمُتَيَقَّنَة، وهي عدم تصريحه بالسماع، ومع هذا فقد صححه أبو محمد بن حزم في "المحلى"، وهذا من حيث النظر في الإسناد.

                        الملفات المرفقة

                        تعليق

                        • المهندس زهدي جمال الدين
                          12- عضو معطاء

                          حارس من حراس العقيدة
                          عضو شرف المنتدى
                          • 3 ديس, 2006
                          • 2169
                          • مسلم

                          #72


                          المطلب الثالث
                          ولننظر إلى الحديث (أكلت داجن ورقة من مصحف) مدار جميع طرقه وألفاظه
                          رواه الطبراني في المعجم الأوسط (8/12) وابن ماجة في سننه (1/625) وصححها الألباني في صحيح سنن ابن ماجة رقم 1580.
                          ولكن هذا لا حجة فيه فإن مصاحف المسلمين كثيرة. والداجن إذا أكلت ورقة لا تستطيع إذهاب آيات القرآن من صدور مئات آلاف المسلمين وليست عائشة وحدها عندها أوراق من القرآن ولم تكن من كتبة الوحي المتخصصين في كتابة كل آية تتنزل على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                          إن هذا محاولة يائسة لإيجاد مساومة مع السنة على قول الرافضة بأن القرآن محرف.
                          * نصُ الحديث .
                          1-أخرجه الإمام مسلم في الصحيح بشرح النووي رحمه الله تعالى (2/1075) : " عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ " قال الإمام النووي رحمه الله تعالى عقب شرحه لهذا الحديث : "وَقَوْلهَا : ( فَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأ ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاء مِنْ ( يَقْرَأ ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخ بِخَمْس رَضَعَاتٍ تَأَخَّر إِنْزَالُهُ جِدًا حَتَى أَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم تُوفِي وَبَعْض النَّاس يَقْرَأ خَمْس رَضَعَات وَيَجْعَلهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغهُ النَّسْخ لِقُرْبِ عَهْده فَلَمَّا بَلَغَهُمْ النَّسْخ بَعْد ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى " فنصُ صحيح مسلم يخالفُ ما اعتقد بهِ الرافضي في حديث الداجن , فهذا شرحهُ الإمام النووي رحمه الله تعالى وبين صحيح المتن.
                          وقال الجوزقاني في كتابه "الأباطيل والمناكير" (حديث 541): (هذا حديث باطل. تفرَّد به محمد بن إسحاق، وهو ضعيف الحديث. وفي إسناد هذا الحديث بعض الاضطراب). اهـ .
                          وقال ابن حزم في كتابه "الإحكام" (4/453): (وقد غلط قومٌ غلطاً شديداً، وأتوا بأخبار ولَّدها الكاذبون والملحدون. منها: أنّ الداجن أكل صحيفةً فيها آية متلوة فذهب البتة ... وهذا كلّه ضلالٌ نعوذ بالله منه ومن اعتقاده! وأمّا الذي لا يحلّ اعتقاد سواه فهو قول الله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. فمَن شكّ في هذا كفر، ولقد أساء الثناء على أمهات المؤمنين ووصفهن بتضييع ما يتلى في بيوتهن، حتى تأكله الشاة فيتلف! مع أنّ هذا كذب ظاهر ومحال ممتنع ... فصحّ أنّ حديث الداجن إفك وكذب وفرية، ولعن الله من جوَّز هذا أو صدَّق به) . أهـ .
                          وبذكر تلك المناسبة وكما ذكرنا بعاليه قد اضطرب محمد بن إسحاق في رواية هذا الحديث , واختلف فيما يرويه عن أم المؤمنين عائشة , ولهذا فالحديث مضطرب وواضح الاضطراب فيه , فكما اختلفت روايته من طريق محمد بن إسحاق فلم يكن لمحمد بن إسحاق عناية في الحديث , ولم يكن بالمكثر على عكس ما يرويه في السير وسنبينُ بإذن الله تعالى ما موقف العلماء من محمد بن إسحاق .
                          أما وقد اختلف في وثاقة ابن إسحاق رحمه الله تعالى , في الجرح والتعديل والأصلُ ان ابن إسحاق من ثقات من حدث في السير وقال الذهبي في السير(7/41)[وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن إلا فيما شذ فيه،فإنه يعد منكراً] وقال الذهبي في العلو صـفحة39 [وابن اسحاق حجة في المغازي إذا أسند وله مناكير وعجائب].
                          1-وقال النسائي في الضعفاء (211) : [ محمد ابن إسحاق ليس بالقوي ] , ورغم أن هناك من دافع عنه رحمه الله تعالى إلا أنه اضطرب في حديثه هذا .
                          2-قال الآلوسي في [ روح المعاني – ج 11 – ص 140 ] :[وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ كذا في الكشاف ].
                          3- قال السرخسي في [ المبسوط – ج 5 – ص 134 ] :[ أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَتْلُوًّا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ، وَنَسْخُ التِّلَاوَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ فَلِمَاذَا لَا يُتْلَى الْآنَ.؟ وَذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ «فَدَخَلَ دَاجِنٌ الْبَيْتَ فَأَكَلَهُ» وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ ذَهَبَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ إرْضَاعُ الْكَبِيرِ مَشْرُوعًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الثَّانِي، فَإِنَّ إنْبَاتَ اللَّحْمِ وَإِنْشَازَ الْعَظْمِ فِي حَقِّ الْكَبِيرِ لَا يَحْصُلُ بِالرَّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَكَانَ الْعَدَدُ مَشْرُوعًا فِيهِ ثُمَّ انْتَسَخَ بِانْتِسَاخِ حُكْمِ إرْضَاعِ الْكَبِيرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ].
                          4- قال القرطبي في [ تفسير القرطبي – ج 14 – ص 113 ] :[ وَأَمَّا مَا يُحْكَى مِنْ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ كَانَتْ فِي صَحِيفَةٍ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَأَكَلَتْهَا الدَّاجِنُ فَمِنْ تَأْلِيفِ الْمَلَاحِدَةِ وَالرَّوَافِضِ].
                          5- قال النسفي في [ تفسير النسفي :: مدارك التنزيل وحقائق التأويل – ج 3 – ص 14 ] :[وأما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة رضى الله عنها فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض ].
                          6-أخرجه ابن ماجة (1944) قال : حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف . قال : حدثنا عبد الاعلى ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمان بن القاسم ، عن أبيه ، فذكره , قال شيخنا عبد الرحمن الفقيه : ( عن حديث عائشة عن عمرة قال نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم صرن إلى خمس فقال: يرويه يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن القاسم واختلف عن عبدالرحمن فرواه حماد بن سلمة عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمرة عن عائشة قاله أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة وخالفه محمد بن إسحاق فرواه عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة لم يذكر عمرة وقول حماد بن سلمة أشبه بالصواب وأما يحيى بن سعيد فرواه عن عمرة عن عائشة قال ذلك ابن عيينه وأبو خالد الأحمر ويزيد بن عبدالعزيز وسليمان بن بلال وحدث محمد بن إسحاق لفظا آخر وهو عن عائشة لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ، فلما مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انشغلنا بموته فدخل داجن فأكلها) انتهى. فقد اضطرب ابن إسحاق اضطرابا عظيماً في روايته لهذا الحديث.
                          اما عن الإسناد فهو كالآتي :
                          الحديث مدار جميع طرقه وألفاظه على الإسناد الآتي :
                          عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة رضي الله عنها من كلامها موقوفا عليها .
                          وقد أخذه عن عبد الله بن أبي بكر جماعة من الرواة ، وقد كانت روايتهم على الأوجه الآتية :
                          الوجه الأول : يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري ، ولفظه : ( نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ )
                          أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " (رقم/1452) وغيره ، ونلاحظ في هذه الرواية أنها لا تشتمل على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من صحف القرآن الكريم .
                          الوجه الثاني : يرويه الإمام مالك رحمه الله ، ولفظه : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ )
                          رواه مالك في " الموطأ " (كتاب الرضاع/حديث رقم17) ومن طريقه الإمام مسلم (1452) وغيره ، ونلاحظ ههنا أن رواية الإمام مالك عن عبد الله بن أبي بكر لا تشتمل أيضا على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من المصحف ، وإنما زاد فيه الجملة الأخيرة : ( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ ).
                          الوجه الثالث : يرويه محمد بن إسحاق ، ولفظه : ( لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ ، وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرٌ ، فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي ، فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ ، وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا ).
                          رواه الإمام أحمد في " المسند " (43/343)، وابن ماجة في " السنن " (رقم/1944) ولفظه : ( فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا ).
                          وهو كما ترى يشتمل على لفظ زائد وغريب عما رواه الإمامان الكبيران يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس رحمهما الله ، وهو ما يقصده السائل بسؤاله ، ففي الحديث أن داجنا – وهي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم - دخلت فأكلت الصحيفة التي تشتمل على آية الرجم وآية رضعات الكبير .
                          وهذه المخالفة كافية لدى المحدثين في الحكم على لفظ محمد بن إسحاق بالضعف والرد والشذوذ ، فالحديث الشاذ عندهم هو الحديث الذي يخالف فيه الراوي الثقة ما رواه الثقات الأحفظ منه أو الأكثر عددا ، وهي قاعدة عقلية سليمة ، إذ كيف ينفرد راو بألفاظ للحديث نفسه الذي يرويه آخرون من رواته ، وهم أكثر عددا ، أو أقوى حفظا وأعلى مرتبة ، أين كانوا عن تلك الزيادة أو المخالفة ، وهل من سبيل إلا نحو القاعدة لمعرفة مخالفات الرواة وغرائب حديثهم ومروياتهم ، وإذا لم يكن كذلك فكيف يقول قائل بأن محمد بن إسحاق حفظ من حديث عائشة ما نسيه كل من يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس ، وهما أئمة هذا الشأن وأعلامه الكبار ، حتى قال سفيان الثوري رحمه الله : كان يحيى بن سعيد الأنصاري أجل عند أهل المدينة من الزهري ، وعده علي بن المديني أحد أصحاب صحة الحديث وثقاته ومن ليس في النفس من حديثهم شيء ، وقال فيه أحمد بن حنبل : أثبت الناس ، وقال وهيب : قدمت المدينة فلم أر أحدا إلا وأنت تعرف وتنكر غير مالك ويحيى بن سعيد . انظر : " تهذيب التهذيب " (11/223).
                          فكيف إذا علمنا أن محمد بن إسحاق منتقَدٌ لدى بعض علماء الحديث ، وقد عهدت عليه بعض الأخطاء في مروياته ، وعهد عليه المخالفة لرواية الأئمة الثقات ، فمثله لا تقبل مخالفته ولا تفرده بالغرائب عن غيره من الحفاظ الثقات .
                          قال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد الله يقول : ابن إسحاق ليس بحجة .
                          وقال عبد الله بن أحمد : لم يكن – يعني أحمد بن حنبل - يحتج به فى السنن .
                          وقال أيوب بن إسحاق : سألت أحمد بن حنبل ، فقلت : يا أبا عبد الله ! ابن إسحاق إذا تفرد بحديث تقبله ؟ قال : لا ، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا من ذا .
                          وضعفه يحيى بن معين في إحدى الروايات عنه ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : اختلف الأئمة فيه ، وليس بحجة ، إنما يعتبر به . انظر : " تهذيب التهذيب " (9/45.
                          ومما يزيد الأمر وضوحا أيضا أن القاسم بن محمد تابع عبد الله بن أبي بكر في رواية الحديث من غير زيادة محمد بن إسحاق .
                          فروى الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (11/486) قال : حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا الحجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن القاسم بن محمد ، عن عمرة ، أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ : أَنْ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ : أَوْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ ).
                          الملفات المرفقة

                          تعليق

                          • المهندس زهدي جمال الدين
                            12- عضو معطاء

                            حارس من حراس العقيدة
                            عضو شرف المنتدى
                            • 3 ديس, 2006
                            • 2169
                            • مسلم

                            #73
                            فالخلاصة أن قصة الشاة التي أكلت صحيفة القرآن الكريم في بيت عائشة رضي الله عنها قصة ضعيفة لا تثبت .
                            يقول ابن قتيبة الدينوري رحمه الله :
                            " ألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق ، ومالك أثبت عند أصحاب الحديث من محمد بن إسحاق " انتهى من " تأويل مختلف الحديث " (ص/443).
                            وقال محققو مسند الإمام أحمد :
                            " إسناده ضعيف لتفرد ابن إسحاق - وهو محمد - وفي متنه نكارة " انتهى من " طبعة مؤسسة الرسالة " (43/343).
                            ويقول الألوسي رحمه الله :
                            " وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن ، فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ ، كذا في الكشاف " انتهى من " روح المعاني " (11/140)
                            ويقول ابن حزم رحمه الله :
                            " صح نسخ لفظها ، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها - كما قالت عائشة - رضي الله عنها فأكلها الداجن ، ولا حاجة بأحد إليها ، وهكذا القول في آية الرضاعة ولا فرق ، وبرهان هذا : أنهم قد حفظوها كما أوردنا ، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم .
                            فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر ... فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبليغها لبلغها ، ولو بلغها لحفظت ، ولو حفظت ما ضرها موته ، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ فقط من القرآن " انتهى من " المحلى " (12/177) ..
                            ويقول الباقلاني رحمه الله :
                            " وليس على جديدِ الأرض أجهلُ ممن يظُنُ أن الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابةَ كانوا جميعا يُهملون أمرَ القرآن ويعدِلون عن تحفُظه وإحرازِه ، ويعوِّلون على إثباته في رقعةٍ تُجعَلُ تحتَ سريرِ عائشةَ وحدَها ، وفي رقاعٍ ملقاةِ ممتهَنةٍ ، حتى دخلَ داجنُ الحي فأكلَها أو الشاةُ ضاع منهم وتفقَت ودرسَ أثرُه وانقطعَ خبره !
                            وما الذي كان تُرى يبعثُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا التفريطِ والعجز والتواني ، وهو صاحبُ الشريعة ، والمأمورُ بحفظِه وصيانتِه ونصب الكَتَبةِ له ، ويَحضُرُه خَلْقٌ كثيرٌ متبتلون لهذا الباب ، ومنصوبون لكتبِ القرآن الذي يَنزِل ، وكتبِ العهودِ والصلح والأمانات وغير ذلك مما نزل ويَحدُثُ بالرسول خاصةً وبه حاجةٌ إلى إثباته ...
                            والرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصوبٌ للبيان وحِياطةِ القرآنِ وحفظِ الشريعةِ فقط ، لا حرفةَ له ولا شيءَ يقطعُه من أمورِ الدنيا غيرُ ذلك إلا بنَصَبٍ يعود بنُصرةِ الدين وتوكيدِه ، ويثبِتُ أمرَ القرآن ويُشِيدُه ، وكيف يجوزُ في العادةِ أن يذهبَ على هؤلاءِ وعلى سائرِ الصحابةِ آيةُ الرضاع والرجمِ فلا يحفظها ويذكرها إلا عائشةُ وحدَها ، لولا قلةُ التحصيلِ والذهابِ عن معرفةِ الضروراتِ ، وما عليه تركيبُ الفِطَرِ والعادات .
                            فقد بان بجملةِ ما وصفناه من حالِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابةِ أنه لا يجوزُ أن يذهبَ عليهم شيءٌ من كتاب الله تعالى قلَّ أو كَثرُ ، وأنّ العادةَ تُوجِبُ أن يكونوا أقربَ الناسِ إلى حفظِه وحراستِه وما نزلَ منه وما وقع وتاريخهِ وأسبابهِ وناسخِه ومنسوخِه " انتهى باختصار من " الانتصار للقرآن " (1/412-418).
                            وعلى كل حال فالواجب على المسلم دوام الوعي واليقظة ، فلا يصدق كل مدع ، ولا يتبع كل إشاعة أو خرافة أو قصة تحكى هنا أو هناك ، خاصة في غرف الحوار ومواقع المنتديات ، حيث يدخل إليها العالم والجاهل ، والصادق والكاذب ، والمخلص والمنافق الحاقد ، وهذا ما يقتضي التحري والتثبت دائما ، بسؤال أهل العلم ، والتفتيش في كتب الإسلام الموثوقة ، وهي كثيرة منتشرة والحمد لله ، يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36.
                            كثيراً ما يستشهد أعداء الإسلام للتشكيك في نقل القرآن بحديث عائشة والذي جاء فيه : (لقد نزلت آية الرجم ، ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها ).
                            والحق أن هذا الحديث لا يصح فإما ذكر الرضاع فيه غلط ، وقد أخرجه ابن ماجه ( رقم : 1944 ) وأبو يعلى ( رقم 4587 ، 4588 ) من طريق محمد بن اسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة .
                            وعن عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن عائشة ، به .
                            وابن اسحاق رجل مشهور بالتدليس مكثر منه ، يدلس عن المجروحين ، وشرط قبول رواية من هذا حاله أن يذكر سماعه ممن فوقه فإذا قال ( عن ) لم يقبل منه .
                            كما أن له في هذا الخبر إسنادان ، وجمعه الأسانيد بعضها إلى بعض وحمل المتن على جميعها مما عيب عليه ، فربما كان اللفظ عنده بأحد الإسنادين فحمل الآخر عليه ، لأنه حسبه بمعناه ، وقد لا يكون كذلك .
                            قيل لأحمد بن حنبل : ابن اسحاق إذا تفرد بحديث تقبله ؟ قال : ( لا ، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا من ذا ) ( تهذيب الكمال ( 24 : 422 ) .
                            نعم ربما كان يرويه تارةً فيذكر أحد إسناديه ، كذلك أخرجه أحمد ( 6 : 269 ) وابن الجوزي في نواسخ القرآن ( ص : 118 _ 119 ) من طريق إبراهيم بن سعيد ، عنه قال : حدثني عبدالله بن ابي بكر ، فذكره بإسناده دون إسناد ابن القاسم .
                            وحين رأى بعض الناس تصريح ابن اسحاق بالتحديث في هذه الرواية صححوها ، قالوا اندفعت شبهة تدليسه ، ونقول : فماذا عن شبهة تخليطه ؟.
                            ولنجر الكلام في ظاهر الإسناد الآن في روايته عن ابن قاسم ، هذا على جواز أن يكون ابن اسحاق حفظه بإسناد ابن أبي بكر .
                            والتحقيق أنه لم يحفظه . . . .
                            وببعض ما تم ذكره تبطل رواية ابن اسحاق ، وإذا كان جماعة من العلماء الكبار كأحمد بن حنبل والنسائي نصوا على أن ابن إسحاق ليس بحجة في الأحكام ، فهو أحرى أن لا يكون حجة تستعمل للتشكيك في نقل القرآن .
                            قال السرخسي: "حديث عائشة لا يكاد يصحّ ؛ لاَنّ بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذّر عليهم به إثباته في صحيفة أُخرى، فعرفنا أنّه لا أصل لهذا الحديث .
                            على ان هناك بعض العلماء الأفاضل قد بينوا معنى الحديث والمراد منه فقالوا :
                            إن التشريع الإسلامي في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بمراحل عدة حتى وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات، والنسخ عرفه العلماء بأنه: رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر.
                            ولم يقع خلاف بين الأمم حول النسخ، ولا أنكرته ملة من الملل قط، إنما خالف في ذلك اليهود فأنكروا جواز النسخ عقلاً، وبناء على ذلك جحدوا النبوات بعد موسى عليه السلام، وأثاروا الشبهة، فزعموا أن النسخ محال على الله تعالى لأنه يدل على ظهور رأي بعد أن لم يكن، وكذا استصواب شيء عُلِمَ بعد أن لم يعلم، وهذا محال في حق الله تعالى.
                            والقرآن الكريم رد على هؤلاء وأمثالهم في شأن النسخ رداً صريحاً، لا يقبل نوعاً من أنواع التأويل السائغ لغة وعقلاً، وذلك في قوله تعالى : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)[البقرة:106] فبين سبحانه أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال تعالى: (نأت بخير منها أو مثلها) ثم عقب فقال: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير*ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير).
                            أن النسخ الواقع في القرآن يتنوع إلى أنواع ثلاثة : نسخ التلاوة والحكم معاً ، ونسخ الحكم دون التلاوة ، ونسخ التلاوة دون الحكم .
                            قال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني – رحمه الله - :
                            النسخ الواقع في القرآن يتنوع إلى أنوع ثلاثة نسخ التلاوة والحكم معاً ، ونسخ الحكم دون التلاوة ، ونسخ التلاوة دون الحكم .
                            1-نسخ الحكم والتلاوة جميعاً ، فقد أجمع عليه القائلون بالنسخ من المسلمين ، ويدل على وقوعه سمعاً : ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قال : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " وهو حديث صحيح [ رواه مسلم ( 1452 ) ] ، وإذا كان موقوفاً على عائشة رضي الله عنها : فإن له حكم المرفوع ؛ لأن مثله لا يقال بالرأي ، بل لا بد فيه من توقيف ، وأنت خبير بأن جملة " عشر رضعات معلومات يحرِّمن " ليس لها وجود في المصحف حتى تتلى ، وليس العمل بما تفيده من الحكم باقياً ، وإذن يثبت وقوع نسخ التلاوة والحكم جميعاً ، وإذا ثبت وقوعه ثبت جوازه ؛ لأن الوقوع أول دليل على الجواز ، وبطل مذهب المانعين لجوازه شرعاً ، كأبي مسلم [ الأصفهاني ، أصولي معتزلي ] وأضرابه .
                            2-نسخ الحكم دون التلاوة ، فيدل على وقوعه آيات كثيرة : منها : أن آية تقديم الصدقة أمام مناجاة الرسول وهي قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) منسوخة بقوله سبحانه ( ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله ) على معنى أن حكم الآية الأولى منسوخ بحكم الآية الثانية، مع أن تلاوة كلتيهما باقية .
                            ومنها : أن قول سبحانه ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) منسوخ بقوله سبحانه ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) على معنى أن حكم تلك منسوخ بحكم هذه ، مع بقاء التلاوة في كلتيهما كما ترى .
                            3-نسخ التلاوة دون الحكم ، فيدل على وقوعه ما صحت روايته عن عمر بن الخطاب ، وأبي بن كعب أنهما قالا : ( كان فيما أنزل من القرآن " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبتة " ) ، وأنت تعلم أن هذه الآية لم يعد لها وجود بين دفتي المصحف ، ولا على ألسنة القراء ، مع أن حكمها باقٍ على إحكامه لم ينسخ .
                            ويدل على وقوعه أيضاً : ما صح عن أبي بن كعب أنه قال : " كانت " سورة الأحزاب " توازي " سورة البقرة " ، أو أكثر " [ رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ( رقم 540 ) ، وعبد الرزاق في " المصنف " ( رقم 5990 ) ، والنسائي في " السنن الكبرى " ( رقم 7150 ) ، وإسناده صحيح ] ، مع أن هذا القدر الكبير الذي نسخت تلاوته لا يخلو في الغالب من أحكام اعتقادية لا تقبل النسخ .
                            ويدل على وقوعه أيضاً : الآية الناسخة في الرضاع ، وقد سبق ذكرها في النوع الأول .
                            ويدل على وقوعه أيضاً : ما صح عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا يقرؤون سورة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طول " سورة براءة " ، وأنها نسيت إلا آية منها ، وهي : " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب" [ رواه أحمد ( 19280 ) ، وإسناده صحيح ، وصححه محققو المسند ]" مناهل العرفان " ( 2 / 154 ، 155 ) .
                            قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (فصح نسخ لفظها، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها كما قالت عائشة رضي الله عنها فأكلها الداجن، ولا حاجة إليها.. إلى أن قال: وبرهان هذا أنهم قد حفظوها، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم وبالله التوفيق.).
                            وقال ابن قتيبة:
                            (فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلى ما كتب به القرآن، لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا.
                            وقد أجاب أهل العلم عن هذا الحديث بأجوبة أبسط من هذا يرجع فيها إلى أقوالهم لمن أراد المزيد، وصدق الله تعالى إذ يقول: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم)[النساء:83]. فلله الحمد والمنة، فنحن على يقين أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ كما أمر، قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)[المائدة:67].
                            وقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)[الحجر:9] فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبليغها لبلغها، ولو بلغها لحفظت، ولو حفظت ما ضرها موته، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ من القرآن، وإن كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبلغ أو بلغه ولكن لم يأمر أن يكتب في القرآن فهو منسوخ بتبيين من الله تعالى، لا يحل أن يضاف إلى القرآن.
                            الداجن الذي أكل القرآن
                            حدثنا ‏أبو سلمة يحيى بن خلف ‏حدثنا ‏عبد الأعلى ‏عن ‏ ‏محمد بن إسحق‏ ‏عن‏ ‏عبد الله بن أبي بكر‏عن‏ عمرة‏ ‏عن عائشة‏ ‏وعن ‏عبد الرحمن بن القاسم‏ ‏عن أبيه ‏عن‏‏عائشة ‏ ‏قالت ‏‏لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله ‏ ‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وتشاغلنا بموته دخل ‏ ‏داجن ‏ ‏فأكلها. وهذه الرواية منكرة ولا تصح وقد وردت عند ابن ماجه(1944).
                            حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها.
                            وأخرجه أحمد (6/269) وأبو يعلى في المسند(4587) والطبراني في الأوسط (8/12) وغيرهم من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبدالله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به.
                            والعلة في هذا الحديث هو محمد بن إسحاق فقد اضطرب في هذا الحديث وخالف غيره من الثقات
                            وهذا الحديث يرويه ابن إسحاق على ألوان.
                            فمرة يرويه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة.
                            ومرة يرويه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
                            ومرة يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة كما عند أحمد (6/269) وليس فيه هذه اللفظة المنكرة
                            وفي كل هذه الروايات تجد أن محمد بن إسحاق قد خالف الثقات في متن الحديث.

                            فالرواية الأولى رواها ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها.
                            وقد روى هذا الحديث الإمام مالك رحمه الله عن عبدالله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله وهن مما نقرأ من القرآن،كما في الموطأ (2/608) ومسلم (1452) وغيرها،وكذلك أخرجه مسلم (1452) عن يحيى بن سعيد عن عمرة بمثله.
                            وسئل الدارقطني في العلل (المخطوط (5 /150-151 )) عن حديث عائشة عن عمرة قال نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم صرن إلى خمس فقال:يرويه يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن القاسم.
                            واختلف عن عبد الرحمن،فرواه حماد بن سلمة عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمرة عن عائشة
                            قاله أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة.
                            وخالفه محمد بن إسحاق فرواه عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة لم يذكر عمرة
                            وقول حماد بن سلمة أشبه بالصواب.
                            وأما يحيى بن سعيد فرواه عن عمرة عن عائشة،قال ذلك ابن عيينه وأبو خالد الأحمر ويزيد بن عبدالعزيز وسليمان بن بلال.
                            وحدث محمد بن إسحاق لفظا آخر وهو عن عائشة لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم انشغلنا بموته فدخل داجن فأكلها) انتهى.
                            وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل ج:6 ص:269.
                            ثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن بن إسحاق قال حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت أتت سهلة بنت سهيل رسول الله فقالت له يا رسول الله إن سالما كان منا حيث قد علمت إنا كنا نعده ولدا فكان يدخل علي كيف شاء لا نحتشم منه فلما أنزل الله فيه وفي أشباهه ما أنزل أنكرت وجه أبي حذيفة إذا رآه يدخل علي قال فأرضعيه عشر رضعات ثم ليدخل عليك كيف شاء فإنما هو ابنك فكانت عائشة تراه عاما للمسلمين وكان من سواها من أزواج النبي يرى إنها كانت خاصة لسالم مولى أبي حذيفة الذي ذكرت سهلة من شأنه رخصة له.
                            وقد انفرد محمد بن إسحاق في هذا الحديث بلفظ (فأرضعته عشر رضعات) وقد رواه عن الزهري ابن جريج ومعمر ومالك وابن أخي الزهري بلفظ (أرضعيه خمس رضعات) (حاشية المسند (43/342)
                            وقال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في ج:3 ص:95.
                            وقد رواه الدارقطني في سننه في كتاب الرضاع من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمره عن عائشة وعن عبد الرحمن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم والرضاعة وكانتا في صحيفة تحت سريري فلما مات النبي تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها انتهى.
                            وكذلك رواه أبو يعلى الموصلي في سنده.
                            ورواه البيهقي في المعرفة في الرضاع من طريق الدارقطني بسنده المتقدم ومتنه.
                            وكذلك رواه البزار في مسنده وسكت والطبراني في معجمه الوسط في ترجمة محمود الواسطي.
                            وروى إبراهيم الحربي في كتاب غريب الحديث ثنا هارون بن عبد الله ثنا عبد الصمد ثنا أبي قال سمعت حسينا عن ابن أبي بردة أن الرجم أنزل في سورة الأحزاب وكان مكتوبا في خوصة في بيت عائشة فأكلتها شاتها انتهى .
                            فهذه الرواية التي ذكرها عن الحربي في الغريب فيها عدة علل منها ضعف عبدالصمد بن حبيب وجهالة والده والإرسال.
                            فتبين لنا مما سبق أن هذه الرواية المنكرة قد تفرد بها محمد بن إسحاق وخالف فيها الثقات ، وهي رواية شاذة منكرة.
                            وهذه بعض أقوال أهل العلم في حديث محمد بن إسحاق في غير المغازي والسير
                            [قال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن نمير-وذكر ابن اسحاق-فقال( إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتى من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة ] تاريخ بغداد للخطيب (1/277).
                            وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل قيل لأبي يحتج به-يعني ابن اسحاق-قال(لم يكن يحتج به في السنن)
                            وقيل لأحمد:إذا انفرد ابن اسحاق بحديث تقبله قال لا والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا-سير(7/46)
                            وقال أحمد(وأما ابن اسحاق فيكتب عنه هذه الأحاديث –يعني المغازي ونحوها-فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوماً هكذا- قال أحمد ابن حنبل-بيده وضم يديه وأقام الإبهامين)تاريخ ابن معين(2/504-55)
                            وقال الذهبي في السير(7/41)[وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن إلا فيما شذ فيه،فإنه يعد منكراً].
                            وقال الذهبي في العلوصـ39 [وابن اسحاق حجة في المغازي إذا أسند وله مناكير وعجائب] ا هـ
                            بالنسبة لمخالفة ابن إسحاق من هو أحفظ منه فهذه مقبولة في لفظة رضاعة الكبير فكلمة الكبير هنا مردودة
                            أما قصة الداجن فليس بالضرورة أن تكون زيادة ضعيفة خاصة أنها حكاية عن أمر خارج عن الجزء الأول من الأثر.
                            ولنفترض جدلا أن القصة صحيحة، فهذا لا يضر إطلاقا، ولا دليل فيه على نقصان القرآن ومناقضته للحفظ من الضياع، لأن هناك دليل آخر يثبت أن ما في هذه الصحيفة ليس من العرضة الأخيرة بل وليس مما كتب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا الأخير يعبر عنه بعض العلماء المنسوخ تلاوة والباقي حكما.ففي نفس الأثر أعلاه نجد ذكر آية الرجم
                            وهذه الآية حتى لو كتبها بعض الصحابة من حفظه فهي ليست مما كتب قرآنا يتلى إلى يوم القيامة بل نزل حكما فقط ونسخ من حيث القراءة والتعبد بكونه قرآنا.
                            فآية الرجم لم يأذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتابتها وتدوينها في صحف القرآن وهو الذي حرص الصحابة على جمعه بين الدفتين بعد وفاته.
                            فقد أخرج الحاكم من طريق كثير بن الصلت قال كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان في المصحف فمرا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فقال عمر لما نزلت أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت أكتبها فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد وان الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم اهـ من الفتح
                            وجاء أيضا في رواية النسائي والبيهقي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأذن بكتابتها،
                            ففي سنن النسائي الكبرى ج: 4 ص: 271.
                            أخبرنا إسماعيل بن مسعود الجحدري قال ثنا خالد بن الحارث قال ثنا بن عون عن محمد قال نبئت عن بن أخي كثير بن الصلت قال كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت فقال زيد كنا نقرأ الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فقال مروان لا تجعله في المصحف قال فقال ألا ترى إن الشابين الثيبين يرجمان ذكرنا ذلك وفينا عمر فقال أنا أشفيكم قلنا وكيف ذلك قال أذهب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن شاء الله فاذكر كذا وكذا فإذا ذكر أية الرجم فأقول يا رسول الله أكتبني آية الرجم قال فأتاه فذكر ذلك له فذكر آية الرجم فقال يا رسول الله أكتبني آية الرجم قال لا أستطيع.
                            وفي سنن البيهقي الكبرى ج: 8 ص: 211
                            أخبرنا أبو الحسن المقري أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن المثنى ثنا بن أبي عدي عن بن عون به.
                            قال البيهقي عقبه:
                            في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت وتلاوتها منسوخة وهذا مما لا أعلم فيه خلافا
                            قلت: هكذا عبر عنه البيهقي، وعندي أنه مما لم يكتب قرآنا بين الدفتين من الأساس، ولذا لم يستطع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يكتبها فيما بعد كما في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال لما صدر عمر من الحج وقدم المدينة خطب الناس فقال أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة ثم قال إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.
                            فتح الباري ج: 12 ص: 143 وراجع بقية الآثار في نفس الموضع في الفتح.
                            فعدم سماحه لنفسه بكتابتها إنما بسبب عدم الإذن بكتابتها من سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند نزول الحكم.
                            وما بين أيدينا اليوم، مما نعده قرآنا إنما جمع بشاهدي عدل أنه كتب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                            ففي فتح الباري ج: 9 ص: 14
                            عند ابن أبي داود في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قام عمر فقال من كان تلقى من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا منا لقرآن فليأتيه وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان.
                            قال الحافظ: وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجر وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاء سماعه مع كون زيد كان يحفظ وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط.
                            وذكر غيره من الآثار، ثم تعرض لمعنى الشاهدين ولا أرى إلا كونهما شاهدين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهكذا فعلوا في كل القرآن إلا آيتين لم يشهد عليها إلا خزيمة ذو الشهادتين وقصته مشهورة تجدها في البخاري وشرحه.
                            وارجع لترجمته في الإصابة ولقبه ذو الشهادتين لمزية حصل عليها لشدة يقينه بصدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                            الملفات المرفقة

                            تعليق

                            • المهندس زهدي جمال الدين
                              12- عضو معطاء

                              حارس من حراس العقيدة
                              عضو شرف المنتدى
                              • 3 ديس, 2006
                              • 2169
                              • مسلم

                              #74
                              فالخلاصة :
                              حتى لو ثبت الأثر فما في الصحيفة ليس مما كتب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بل هي صحف خاصة لا تمثل القرآن المعجز الباقي ليوم القيامة.
                              وبعض العلماء عبر عن أحد أنواع النسخ في القرآن أنه نسخ للتلاوة وبقاء للحكم
                              لكن الذي يظهر من الآثار أن الأولى أن ينظر له أنه مما نزل حكما ولم يأذن الله ولا رسوله بكتابته ليكون قرآنا نتلوه إلى يوم القيامة.
                              والدليل على ذلك أن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله وهن مما نقرأ من القرآن ولا يوجد بين أيدينا في القرآن لا العشر ولا الخمس.أما قول أن الإمام الألباني صححه واعتبره حديث حسن نقول :
                              وينقسم الحديث الحسن إلى قسمين:
                              الحسن لذاته: وهو ما اتصل اسناده بنقل عدل خفيف الضبط عن مثله من أول السند إلى آخره وسلم من الشذوذ و العلة، و سمي(بالحسن لذاته) لأن حسنه لم يأته من أمر خارجي، وإنما جاءه من ذاته.
                              الحسن لغيره: هو ما كان في إسناده مستور لم يتحقق أهليته غير مغفل ولا كثير الخطأ في روايته ولا متهم بتعمد الكذب فيها و لا ينسب إلى مفسق آخر، أو هو (أي الحسن لغيره ) ما فقد شرطا من شروط الحسن لذاته ويطلق عليه اسم (الحسن لغيره)لأن الحسن جاء إليه من أمر خارجي.
                              الحديث الحسن: قال ابن القطّان في " بيان الوهم والإيهام " (1118(.فتصحيح الألباني لا يعني تصحيحه .
                              عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة رضي الله عنها من كلامها موقوفا عليها .
                              وقد أخذه عن عبد الله بن أبي بكر جماعة من الرواة ، وقد كانت روايتهم على الأوجه الآتية :
                              الوجه الأول : يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري ، ولفظه : ( نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ )
                              أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " (رقم/1452) وغيره ، ونلاحظ في هذه الرواية أنها لا تشتمل على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من صحف القرآن الكريم .
                              الوجه الثاني : يرويه الإمام مالك رحمه الله ، ولفظه : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ )
                              رواه مالك في " الموطأ " (كتاب الرضاع/حديث رقم17) ومن طريقه الإمام مسلم (1452) وغيره ، ونلاحظ ههنا أن رواية الإمام مالك عن عبد الله بن أبي بكر لا تشتمل أيضا على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من المصحف ، وإنما زاد فيه الجملة الأخيرة : ( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ ).
                              الوجه الثالث : يرويه محمد بن إسحاق ، ولفظه : ( لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ ، وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرٌ ، فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي ، فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ ، وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا )
                              رواه الإمام أحمد في " المسند " (43/343)، وابن ماجة في " السنن " (رقم/1944) ولفظه : ( فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا ).
                              وهو كما ترى يشتمل على لفظ زائد وغريب عما رواه الإمامان الكبيران يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس رحمهما الله ، وهو ما يقصده السائل بسؤاله ، ففي الحديث أن داجنا – وهي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم - دخلت فأكلت الصحيفة التي تشتمل على آية الرجم وآية رضعات الكبير .
                              وهذه المخالفة كافية لدى المحدثين في الحكم على لفظ محمد بن إسحاق بالضعف والرد والشذوذ ، فالحديث الشاذ عندهم هو الحديث الذي يخالف فيه الراوي الثقة ما رواه الثقات الأحفظ منه أو الأكثر عددا ، وهي قاعدة عقلية سليمة ، إذ كيف ينفرد راو بألفاظ للحديث نفسه الذي يرويه آخرون من رواته ، وهم أكثر عددا ، أو أقوى حفظا وأعلى مرتبة ، أين كانوا عن تلك الزيادة أو المخالفة ، وهل من سبيل إلا نحو القاعدة لمعرفة مخالفات الرواة وغرائب حديثهم ومروياتهم ، وإذا لم يكن كذلك فكيف سيقنعنا ذلك المجادل بأن محمد بن إسحاق حفظ من حديث عائشة ما نسيه كل من يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس ، وهما أئمة هذا الشأن وأعلامه الكبار ، حتى قال سفيان الثوري رحمه الله : كان يحيى بن سعيد الأنصاري أجل عند أهل المدينة من الزهري ، وعده علي بن المديني أحد أصحاب صحة الحديث وثقاته ومن ليس فى النفس من حديثهم شيء ، وقال فيه أحمد بن حنبل : أثبت الناس ، وقال وهيب : قدمت المدينة فلم أر أحدا إلا وأنت تعرف وتنكر غير مالك ويحيى بن سعيد . انظر: " تهذيب التهذيب " .(11/223)
                              فكيف إذا علمنا أن محمد بن إسحاق منتقَدٌ لدى بعض علماء الحديث ، وقد عهدت عليه بعض الأخطاء في مروياته ، وعهد عليه المخالفة لرواية الأئمة الثقات ، فمثله لا تقبل مخالفته ولا تفرده بالغرائب عن غيره من الحفاظ الثقات .
                              قال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد الله يقول : ابن إسحاق ليس بحجة .
                              وقال عبد الله بن أحمد : لم يكن – يعني أحمد بن حنبل - يحتج به فى السنن .
                              وقال أيوب بن إسحاق : سألت أحمد بن حنبل ، فقلت : يا أبا عبد الله ! ابن إسحاق إذا تفرد بحديث تقبله ؟ قال : لا ، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا من ذا .
                              وضعفه يحيى بن معين في إحدى الروايات عنه ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : اختلف الأئمة فيه ، وليس بحجة ، إنما يعتبر به . انظر : " تهذيب التهذيب " (9/45.
                              ومما يزيد الأمر وضوحا أيضا أن القاسم بن محمد تابع عبد الله بن أبي بكر في رواية الحديث من غير زيادة محمد بن إسحاق .
                              فروى الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (11/486) قال : حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا الحجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن القاسم بن محمد ، عن عمرة ، أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ : أَنْ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ : أَوْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ )
                              فالخلاصة أن قصة الشاة التي أكلت صحيفة القرآن الكريم في بيت عائشة رضي الله عنها قصة ضعيفة لا تثبت .
                              يقول ابن قتيبة الدينوري رحمه الله :
                              " ألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق ، ومالك أثبت عند أصحاب الحديث من محمد بن إسحاق " انتهى من " تأويل مختلف الحديث " (ص/443)
                              وقال محققو مسند الإمام أحمد :
                              " إسناده ضعيف لتفرد ابن إسحاق - وهو محمد - وفي متنه نكارة " انتهى من " طبعة مؤسسة الرسالة " (43/343)
                              ويقول الألوسي رحمه الله :
                              " وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن ، فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ ، كذا في الكشاف " انتهى من " روح المعاني " (11/140)
                              ويقول الباقلاني رحمه الله :
                              " وليس على جديدِ الأرض أجهلُ ممن يظُنُ أن الرسولَ والصحابةَ كانوا جميعا يُهملون أمرَ القرآن ويعدِلون عن تحفُظه وإحرازِه ، ويعوِّلون على إثباته في رقعةٍ تُجعَلُ تحتَ سريرِ عائشةَ وحدَها ، وفي رقاعٍ ملقاةِ ممتهَنةٍ ، حتى دخلَ داجنُ الحي فأكلَها أو الشاةُ ضاع منهم وتفقَت ودرسَ أثرُه وانقطعَ خبره !
                              وما الذي كان تُرى يبعثُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا التفريطِ والعجز والتواني ، وهو صاحبُ الشريعة ، والمأمورُ بحفظِه وصيانتِه ونصب الكَتَبةِ له ، ويَحضُرُه خَلْقٌ كثيرٌ متبتلون لهذا الباب ، ومنصوبون لكتبِ القرآن الذي يَنزِل ، وكتبِ العهودِ والصلح والأمانات وغير ذلك مما نزل ويَحدُثُ بالرسول خاصةً وبه حاجةٌ إلى إثباته ...
                              والرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصوبٌ للبيان وحِياطةِ القرآنِ وحفظِ الشريعةِ فقط ، لا حرفةَ له ولا شيءَ يقطعُه من أمورِ الدنيا غيرُ ذلك إلا بنَصَبٍ يعود بنُصرةِ الدين وتوكيدِه ، ويثبِتُ أمرَ القرآن ويُشِيدُه ، وكيف يجوزُ في العادةِ أن يذهبَ على هؤلاءِ وعلى سائرِ الصحابةِ آيةُ الرضاع والرجمِ فلا يحفظها ويذكرها إلا عائشةُ وحدَها ، لولا قلةُ التحصيلِ والذهابِ عن معرفةِ الضروراتِ ، وما عليه تركيبُ الفِطَرِ والعادات .
                              فقد بان بجملةِ ما وصفناه من حالِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابةِ أنه لا يجوزُ أن يذهبَ عليهم شيءٌ من كتاب الله تعالى قلَّ أو كَثرُ ، وأنّ العادةَ تُوجِبُ أن يكونوا أقربَ الناسِ إلى حفظِه وحراستِه وما نزلَ منه وما وقع وتاريخهِ وأسبابهِ وناسخِه ومنسوخِه " انتهى باختصار من " الانتصار للقرآن " (1/412-418).
                              ويقول ابن حزم رحمه الله :
                              " صح نسخ لفظها ، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها - كما قالت عائشة - رضي الله عنها فأكلها الداجن ، ولا حاجة بأحد إليها ، وهكذا القول في آية الرضاعة ولا فرق ، وبرهان هذا : أنهم قد حفظوها كما أوردنا ، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم .
                              فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر ... فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبليغها لبلغها ، ولو بلغها لحفظت ، ولو حفظت ما ضرها موته ، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ فقط من القرآن " انتهى من " المحلى " (12/177) .



                              والأحاديث في رجم الزاني المحصن كثيرة؛ ومنها: (لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ الجماعةَ). وقوله عليه الصلاة والسلام: (الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ).وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ) (الراوي: عبادة بن الصامت ، المحدث : مسلم ، المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1690 ، خلاصة حكم المحدث: صحيح).وجوب الأخذ عن الرسول الكريم: (خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي)؛ ولا يجوز الأخذ عن أصحاب الهوى.وأما هذا البعض المتأخر ومن هو على شاكلته ؛ فقولهم مردود وحجتهم داحضة بدليل الآية الكريمة: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( البقرة 106).يقول القرطبي: " والأمر عندنا أن الأمَة إذا زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله ، وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا رجم عليها. والفائدة في نقصان حدهن أنهن أضعف من الحرائر . ويقال : إنهن لا يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر . وقيل : لأن العقوبة تجب على قدر النعمة؛ ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (الأحزاب: 30). وممّا يؤكد أنّ العقوبة تجب على قدر النعمة؛ الآيات :نعمة الرسالة: (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)) (النساء)).حرمة مكة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) (الحج 25). .. ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت أهلكهم اللهُ : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (الفيل : 3 - 5 ) .ثبت الرجم عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر ، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
                              وأما آية سورة النور والتي ذكر الله تعالى فيها حد الزاني بأنه مائة جلدة : فإن المقصود به الزاني غير المحصن من الرجال والنساء ، وليس فيها تعرض للزاني المحصن بذكر أو إشارة. وقد ثبت أن الرجم وقع بعد نزول سورة النور؛ فآية النور نزلت على إثر حادثة الإفك، وأبو هريرة رضي الله عنه كان أسلم بعدها ، وقد حضر إقامة حدِّ الرجم على زانٍ محصن. نزول سورة النور كان في قصة الإفك، واختُلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست، والرجم كان بعد ذلك، فقد حضره أبو هريرة، وإنما أسلم سنة سبع، وابن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع ( فتح الباري).إذا منكروا حد الرجم على الزاني المحصن في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بحُجيّة السّنة المطهرة، ولا يعترفون بالفضل لجيل الصحابة الكرام، ولا يرون فيهم أنموذجاً يحتذى!. إنهم قد نصّبوا مداركهم وعقولهم المحدودة مكانة فوق نصوص الشرع، بل وجعلوها حكماً على النصوص؛ بدلا من أن يعملوها في فهم النّص!. هذا حالُ من تأخر زمانه، وتعاظم غرورهُ، وقل علمُه واتّباعُه إلى حدٍ نسي معه قولَ الله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم: 4-3). ونسي قولَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي) ، (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ).والسنةُ مبينةٌ لما أجمل في كتاب الله ، تخصصُ وتبينُ عمومَه ، وتقيِّدُ مطلقه ، وتبينُ الناسخَ من المنسوخِ فيه . أما تخصيص (بيان) عمومات القرآن الكريم بالسنة النبوية فقد ذهب إلى جوازه جماهير الأصوليين.مثال تخصيص الكتاب بالسنة قوله سبحانه وتعالى : (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ)، فإنه مخصوص بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُنْكَحُ المرأةُ على عَمَّتِها ولا على خالتِها). ونحوه تخصيص آية السرقة بالحديث: (تقطُّعُ يدُ السارقِ في ربعِ دينارٍ فصاعدًا وفي لفظٍ القطعُ في رُبعِ دينارٍفصاعدًا). منكروا حدّ الرجم على الزاني المحصن في غالب أمرهم لا يؤمنون بهذا التخصيص ولا يقرونه.لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ الجماعةَ(لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ الجماعةَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : ابن حبان ، المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 4408 ، خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ). (لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ . . فذكَر منهم : الثيِّبَ الزانيَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود، المحدث: البيهقي ، المصدر : السنن الصغير للبيهقي، الصفحة أو الرقم: 3/293 ، خلاصة حكم المحدث : ثابت)(لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلا بإِحدَى ثلاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي والنَّفسُ بالنَّفسِ والتاركُ لدينِه المفارقُ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : أحمد شاكر ، المصدر : مسند أحمد، الصفحة أو الرقم: 6/64 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح)(لا يحِلُّ دمُ رجلٍ مسلمٍ ، يشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ ، وأنِّي رسولُ اللهِ ، إلَّا بإحدَى ثلاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّاني ، والنَّفسُ بالنَّفسِ ، والتَّاركُ لدينِه المفارقُ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 4352 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح)(لا يَحِلُّ دمُ امرىءٍ مسلِمٍ يشهَدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّهُ ، وأنِّي رسولُ اللَّهِ ، إلَّا بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبِ الزَّاني ، والنَّفسِ بالنَّفسِ ، والتَّارِكِ لدينِه المفارقِ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم: 1402 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح)(لا يَحِلُّ دمُ امريءٍ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ إلا بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبُ الزاني والنفسُ بالنفسِ والتاركُ لدينِه المفارقُ الجماعةَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : تخريج كتاب السنة، الصفحة أو الرقم: 893 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين)(لا يَحِلُّ دَمُ امريءٍ مسْلِمٍ يشهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلَّا بإحدَى ثلاثٍ : الثيبُ الزانِي والنفسُ بالنفْسِ، والتارِكُ لدينِهِ المفارِقُ للجماعَةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : تخريج كتاب السنة، الصفحة أو الرقم: 60 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين ) (لا يَحِلُّ دَمُ امرِيءٍ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ إلا بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبُ الزاني ، والنفسُ بالنفسِ ، والتارِكُ لدينِه ، والمُفَارِقُ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 7643 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح)(لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ الجماعةَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : شعيب الأرناؤوط ، المصدر : تخريج صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 4408 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرطهما)(لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ، إلَّا بإحْدى ثلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّاني، والنَّفْسِ بالنَّفْسِ، والتَّاركِ لدِينِه المُفارقِ للجَماعةِ.) (الراوي : عبد الله بن مسعود ، المحدث : شعيب الأرناؤوط ، المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 4065 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين)
                              الملفات المرفقة

                              تعليق

                              • المهندس زهدي جمال الدين
                                12- عضو معطاء

                                حارس من حراس العقيدة
                                عضو شرف المنتدى
                                • 3 ديس, 2006
                                • 2169
                                • مسلم

                                #75

                                قال الشنقيطي في أضواء البيان (1/ 370): " قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} لم يبين هنا شيئا من ذلك الكثير الذي يبينه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم مما كانوا يخفون من الكتاب، يعني التوراة والإنجيل، وبين كثيرا منه في مواضع أخر. فمما كانوا يخفون من أحكام التوراة رجم الزاني المحصن، وبينه القرآن في قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون}".
                                وقال الشنقيطي أيضا في أضواء البيان (1/ 403): " قوله تعالى: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} في هذه الآية الكريمة إجمال; لأن المشار إليه بقوله: (هذا)، مفسر الضمير في قوله: (فخذوه)، وقوله: (لم تؤتوه)، لم يصرح به في الآية ولكن الله أشار له هنا، وذكره في موضع آخر. اعلم أولا أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية اللذين زنيا بعد الإحصان، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة، فتعمدوا تحريف كتاب الله، واصطلحوا فيما بينهم على أن الزاني المحصن الذي يعلمون أن حده في كتاب الله التوراة: الرجم، أنهم يجلدونه ويفضحونه بتسويد الوجه، والإركاب على حمار، فلما زنى المذكوران قالوا فيما بينهم: تعالوا نتحاكم إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شأن حدهما، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ذلك واجعلوه حجة بينكم وبين الله تعالى، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم فيهما بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بقوله: (هذا)، وقوله: (فخذوه)، وقوله: (وإن لم تؤتوه)، هو الحكم المحرَّف الذي هو الجلد والتحميم كما بينا، وأشار إلى ذلك هنا بقوله: (يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا) يعني المحرَّف والمبدَّل الذي هو الجلد والتحميم (فخذوه وإن لم تؤتوه) بأن حَكَم بالحق الذي هو الرجم (فاحذروا) أن تقبلوه. وذكر تعالى هذا أيضا في قوله: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله} يعني التوراة ليحكم بينهم، يعني في شأن الزانيين المذكورين، {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} أي عما في التوراة من حكم رجم الزاني المحصن، وقوله هنا: {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} هو معنى قوله عنهم: {وإن لم تؤتوه فاحذروا}".
                                وأما الآية التي هي باقية التلاوة والحكم، فهي قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون }، على القول بأنها نزلت في رجم اليهوديين الزانيين بعد الإحصان، وقد رجمهما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقصة رجمه لهما مشهورة ثابتة في الصحيح، وعليه فقوله: {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} أي: عما في التوراة من حكم الرجم، وذم المعرض عن الرجم في هذه الآية يدل على أنه ثابت في شرعنا، فدلت الآية على هذا القول أن الرجم ثابت في شرعنا، وهي آية باقية التلاوة" انتهى باختصار وتصرف.
                                قلت: وتوجد آية ثالثة أخرى تدل على إثبات حد الرجم، وهي قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}، قال ابن الجوزي في زاد المسير (1/ 556): " قوله تعالى: {واحذرهم أن يفتنوك} أي: يصرفوك {عن بعض ما أنزل الله إليك} وفيه قولان: أحدهما: أنه الرجم، قاله ابن عباس. والثاني: شأن القصاص والدماء، قاله مقاتل" انتهى.
                                فهذا دليل ثالث من القرآن على إثبات حد الرجم يضاف إلى ما ذكره الشنقيطي، فقد ذكر الشنقيطي آيتين تدلان على حد الرجم، أحدهما: منسوخة التلاوة مع بقاء الحكم، وهي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، والثانية: محكمة وهي قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون}، والثالثة التي لم يذكرها الشنقيطي قول الله تعالى في سورة المائدة التي أنزلت بعد سورة النور، وقد اتفق العلماء على أن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن الكريم: {يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا } ثم قال سبحانه: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين}، ثم قال عز وجل: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}، والله الموفق.
                                وقد يقول قائل: لماذا لم تُذكر آية الرجم صراحة في كتاب الله؟!
                                فالجواب: أنه لا يجوز رد الحق بكونه لم يذكر في القرآن الكريم، فكثير من الأحكام المجمع عليها لم تذكر في القرآن الكريم كما هو معروف، مثل عدد ركعات الصلوات وتقدير نصاب الزكاة وقدر ما يخرج منها وتحريم الجمع بين المرأة وخالتها أو عمتها وغير ذلك من الأحكام التي لم تذكر في القرآن الكريم وذكرت في السنة النبوية بالتفصيل، ومع ذلك نقول: الله أحكم الحاكمين، ولا بد أن يكون لعدم التصريح بذكر حد رجم الزاني المحصن في القرآن حكمة سواء علمناها أو لم نعلمها، وقد قال بعض العلماء: إن الحكمة من ذلك بيان تفضيل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين لم يقبلوا العمل بهذا الحد مع وجوده في كتابهم صريحا، فقبلت هذه الأمة هذا الحد الشديد مع عدم وجوده صريحا في كتاب الله، وإنما وجد في آية نسخ لفظها، وبقيت الإشارة إليه في آية أخرى ليست صريحة، ومع ذلك عملت به الأمة، اتباعا لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام الذي بين ذلك الحد بيانا شافيا، ولا شك أن العمل بالأمر مع عدم وضوح الأمر به أعظم في التعبد والانقياد والابتلاء، كما أمر الله نبيه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أن يذبح ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام برؤيا، فلم يكن الأمر مباشرا، وهذا أعظم في البلاء، وأعظم في الانقياد والاستسلام، والله أعلم، والتسليم بشرعه أسلم.
                                وقفتان للتأمل:
                                الوقفة الأولى: هنا وقفة مع من يرد حد الرجم ولا يقبله، فنقول له: إن كنت يهوديا أو نصرانيا فهذا الحد مذكور في التوراة، جاء في سفر التثنية الإصحاح 22 الفقرات من 13 إلى 21 (( إِذَا اتَّخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَحِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا أَبْغَضَهَا، وَنَسَبَ إِلَيْهَا أَسْبَابَ كَلاَمٍ، وَأَشَاعَ عَنْهَا اسْمًا رَدِيًّا، وَقَالَ: هذِهِ الْمَرْأَةُ اتَّخَذْتُهَا وَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهَا لَمْ أَجِدْ لَهَا عُذْرَةً. يَأْخُذُ الْفَتَاةَ أَبُوهَا وَأُمُّهَا وَيُخْرِجَانِ عَلاَمَةَ عُذْرَتِهَا إِلَى شُيُوخِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَابِ، وَيَقُولُ أَبُو الْفَتَاةِ لِلشُّيُوخِ: أَعْطَيْتُ هذَا الرَّجُلَ ابْنَتِي زَوْجَةً فَأَبْغَضَهَا. وَهَا هُوَ قَدْ جَعَلَ أَسْبَابَ كَلاَمٍ قَائِلاً: لَمْ أَجِدْ لِبِنْتِكَ عُذْرَةً. وَهذِهِ عَلاَمَةُ عُذْرَةِ ابْنَتِي. وَيَبْسُطَانِ الثَّوْبَ أَمَامَ شُيُوخِ الْمَدِينَةِ. فَيَأْخُذُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الرَّجُلَ وَيُؤَدِّبُونَهُ وَيُغْرِمُونَهُ بِمِئَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَيُعْطُونَهَا لأَبِي الْفَتَاةِ، لأَنَّهُ أَشَاعَ اسْمًا رَدِيًّا عَنْ عَذْرَاءَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. فَتَكُونُ لَهُ زَوْجَةً. لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُلَّ أَيَّامِهِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ هذَا الأَمْرُ صَحِيحًا، لَمْ تُوجَدْ عُذْرَةٌ لِلْفَتَاةِ. يُخْرِجُونَ الْفَتَاةَ إِلَى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ، لأَنَّهَا عَمِلَتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ))، واليهود يؤمنون بالتوراة، وكذلك النصارى يؤمنون بها ويسمونها العهد القديم، ويجعلونها مع الإنجيل في كتاب واحد يسمونه الكتاب المقدس، فليخسأ كل يهودي أو نصراني ينتقد هذا الحكم الشرعي وهو في كتابه الذي يدعي الإيمان به، وننبه على أن ثبوت آية الرجم في التوراة لا يعني عدم تحريفها.
                                الوقفة الثانية: إن كان من يرد هذا الحد من المسلمين فنقول له كلمتين بليغتين:
                                الأولى: ألا تعلم أن عذاب الله في الآخرة أشد من هذا الرجم؟! أو تريد أن تقول: إن عذاب الله لمن عصاه وكفر به في نار جهنم وتقليب وجوههم في النار وشويها وسقيهم من الحميم الذي يقطع الأمعاء وحشية وفيه انتهاك لحقوق الإنسان؟!!! .
                                الثانية: ألا تعلم يا مسلم أن أكثر الذين تريد أن ترضيهم بإنكار حد الرجم لا يرضون بحد الجلد أصلا؟! بل لا يعتبرون الزنا جريمة تستحق العذاب إن حصل برضا الطرفين؟!! .







                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة أحمد هاني مسعد, منذ أسبوع واحد
                                ردود 0
                                20 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة أحمد هاني مسعد
                                ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, منذ 4 أسابيع
                                ردود 0
                                17 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة أحمد الشامي1
                                بواسطة أحمد الشامي1
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 أكت, 2024, 01:29 ص
                                رد 1
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة محمد,,, 3 أكت, 2024, 04:46 م
                                رد 1
                                36 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة الراجى رضا الله
                                ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 29 سبت, 2024, 08:36 م
                                ردود 0
                                390 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة أحمد الشامي1
                                بواسطة أحمد الشامي1
                                يعمل...