الفاتيكان يشهر إفلاسه
بقلم خالد حربي
مجدي علام
لأكاذيب الكبرى.. يتبعها ناس كثيرون..
عبارة شهيرة لهتلر تنطبق بامتياز على ما شهده الفاتيكان في عيد الفصح, حين عمّد البابا بندكت بنفسه سبعة أشخاص, بينهم صحافي مسلم مصري يبلغ من العمر 55 عامًا كما قيل, وأحدث هذا الخبر صدمة عند بعض المسلمين, وأثار غضبهم جميعًا, بينما هللت المواقع التنصيرية والمعادية للإسلام بهذا الخبر ورأت فيه مرحلة جديدة في الحرب على الإسلام.
وقبل أن نناقش دلالات الحدث دعونا أولاً نصحح الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام للحدث.. في الحقيقة لا يوجد مسلم تنصر وتم تعميده في عيد الفصح كما أشاع الفاتيكان, والصحيح أن شيوعيًا قديمًا وعتيدًا عمل لفترة طويلة بجريدة "لا أونيتا" الناطقة باسم الحزب الشيوعي الإيطالي, وجاسوسًا إسرائيليًا سابقًا جنّدته عشيقته الإيطالية اليهودية في ستينيات القرن الماضي ـ كما يقول هو بنفسه ـ وقد حصل على عدة جوائز من إسرائيل؛ آخرها جائزة "دان ديفيد" لعام 2006.
حتى زعْم الفاتيكان أنه مصري فيه تدليس عجيب, فمجدي علام [55 عامًا] يعيش في إيطاليا منذ عام 72, ويحمل الجنسية الايطالية, متزوج من "فلانتينا كولومبو"، ولديهما ثلاثة أبناء: صوفيا [27 عامًا]، وأليساندرو [23 عامًا], وأصغر أبنائه "ديفيد"! هو نائب رئيس تحرير صحيفة "كوريرا ديللا سيرا" الإيطالية، والتي بات طريقه إلى رئاسة تحريرها مفتوحًا بعد تنصره بحسب الكثير من أصدقاء مجدي؛ فإن هذا الهدف هو الدافع الأول لتنصّره, والصواب إذن أن يقال: إيطالي من أصل مصري كما يحدث عندما توجه تهمة لمسلم في أوربا جميعها فيقال: بريطاني من أصل باكستاني, أو فرنسي من أصل مغربي.
وهكذا نرى أن الخبر الصحيح ربما لا علاقة له بالمسلمين أو بالإسلام, فهناك أحد الشيوعيين الإيطاليين من أصل مصري اعتنق المذهب الكاثوليكي, هذا هو الخبر الصحيح.. مجدي علام ليس سوى حجر على رقعة العدوان الغربي على الإسلام وأهله, وهو يمثل طبقة من المرتدين باتت تشكل أحد فيالق الحرب الصليبية على الإسلام.
نشر مجدي علام مذكراته باسم (تحيا إسرائيل.. من أيديولوجية الموت إلى ثقافة الحياة: قصتي), وضمّنها كل ما يمكن إلصاقه بالمسلمين والعرب من اتهامات, وربما أبسطها هو الإرهاب والتخلف والعدوانية والقتل المستمر ليل نهار لليهود الذين يمثلون في نظره المثال النموذجي للمجتمع الديمقراطي الحر ويحتل أعلى نماذج التجربة الإنسانية كما يزعم.
حاول مجدي علام قديمًا أن يصنف نفسه في خانة الليبراليين, وكتب مقالات عدة يهاجم الإسلام من منطلق الهم الإنساني كما كان يقول, وبعد أن رأى أن اتجاه الريح تسير في ركب النصرانية بعد هيمنة المحافظين الجدد على المعسكر الغربي, غيّر مجدي علام شراعه ليساير الريح الجديدة في الغرب؛ فخرج في تظاهرات يطالب فيها برفع الاضطهاد عن الأقلية النصرانية في العالم الإسلامي, ثم أصبح ضيفًا على مؤتمرات الأقباط المشهورة, وأخيرًا لم نفاجأ به وهو ينحني أمام بندكت ليعمّد حسب المذهب الكاثوليكي.
ليس المهم في الخبر هو ارتداد مجدي علام عن الإسلام أبدًا, فما هو إلا رجل من المقامرين بمبادئهم, ومجدي علام ارتد عن الإسلام مبكرًا جدًا عندما اعتنق الشيوعية في شبابه, وكذلك اعتناقه للمسيحية ليس مهمًا بالمرة؛ فرجل مثل هذا لا يشرف أي دين أو فكر ينتمي له, إنما المهم والمثير هو أن يتبنى الفاتيكان رجلاً مثل مجدي علام, بل ويعمده على يد البابا نفسه أمام العالم أجمع وفي عيد الفصح أحد أكبر الأعياد النصرانية.
وقد أراد الفاتيكان أن يوصل عدة رسائل مهمة من هذا الفعل:
الرسالة الأولى والأهم بعث بها الفاتيكان للداخل الغربي والذي ينتشر فيه الإسلام بنسبة 275%, حتى بات المسلمون يشكلون الأغلبية في المناطق التي يسكنونها, وبات واضحًا للجميع أن أوروبا ستتحول إلى قارة إسلامية إذا استمر الحال على ما هو عليه, وهو ما دعا البابا إلى دعوة أوروبا لعدم التنكر لمسيحيتها عدة مرات.
وهذا السبب تحديدًا هو ما يدفع الساسة الأوروبيين إلى سن قوانين الإرهاب, وقوانين حظر المظاهر الإسلامية في المدارس والجامعات, وتشجيع المرتدين, وتسليط الضوء عليهم, ونشر الرسوم المسيئة والأفلام المحرضة على الإسلام.
مجدي علام نفسه كتب كثيرًا يحذر من المهاجرين الإسلاميين, ومن تزايد الإسلام في أوروبا, التي يرى أنها تحولت إلى "عوروبا" لارتفاع نسبة العرب والمسلمين فيها.
والفاتيكان يريد أن يقول في رسالته للغربيين: إن مشاهير تعرفونهم يتركون الإسلام ويفضلون عليه الكاثوليكية.
الرسالة الثانية حاول من خلالها البابا إحداث توازن إعلامي بين الداخلين في الإسلام والمرتدين عنه؛ فجاء تعميده لعلام بتلك الطريقة حتى لا تنفرد صور الداخلين في الإسلام بالمشهد الديني في الغرب.
الرسالة الثالثة التي بعث بها الفاتيكان هي رسالة انتصار وهمية إلى جنوده في الحرب الصليبية الجديدة, والذين يعانون من مختلف صور الهزيمة وتجلياتها؛ فالعسكريون في الحرب الصليبية يعانون الأمرّين في العراق وأفغانستان على أيدي المجاهدين المسلمين, ولا يملكون خيار التراجع؛ لأنهم يعلمون جيدًا أن ما ارتكبوه من جرائم تستوجب الثأر منهم حتى لو عادوا إلى بلادهم.
وأما المنصّرون الذين يمثلون الجانب الفكري في الحرب الصليبية, ورغم إمكانياتهم المهولة والتسهيلات الكبيرة والدعم السياسي المتوفر لهم, ومع هذا لم يظفروا من المسلمين إلا بالنطيحة والمتردية وما أكل السبع, وما حدث يوم الفصح في ساحة القديس بطرس خير شاهد؛ فالبابا رأس الكنيسة لم يجد من يعمده من المسلمين إلا جاسوس شيوعي يحمل الجنسية الإيطالية منذ ثلاثين عامًا وفي العقد السادس من عمره.
إنها رسالة تعكس ملامح الفشل الذريع الذي يعاني منه الصليبون في حربهم على الإسلام, ولا يعنينا كمسلمين مردود هذه الرسالة على الجنود الصليبين هل ستنجح في تخدير مشاعرهم لتسمح لهم بلحظة غفلة عن واقعهم المرير؟ أم سيفهمون منها أن حال الفاتيكان لا يقل سوءًا عن حالتهم؟!
لكن الذي يعنيه هذا الحدث لنا أن الحرب على الإسلام باتت صليبية محضة في كل مراحلها, حتى انضوى تحت راية الصليب كل التيارات المعادية لهذا الدين, وهو ما يستلزم من المسلمين ضرورة التمسك الشديد بدينهم.
كما يُبرز هذا الحدث خطر الحرب الإعلامية وضرورة الحذر الشديد في التعاطي مع ما تبثه المنظومة الإعلامية الدولية باعتبارها مترابطة بالمنظومة الإعلامية للمعسكر الصليبي.
وختامًا فليهنأ الفاتيكان بتنصّر جاسوس شيوعي.. وليهنأ مجدي علام برئاسة تحرير صحيفة "كوريرا ديللا سيرا"..
وإذا ذهب الحمار بأم عمرو *** فلا رجعت ولا رجع الحمار
تعليق