توضيحات هامة بشأن القراءات وتواتر القراءات ومصحف ابن مسعود
بسم الله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وسيد المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الصادق الأمين الذي قال " أنزل القرآنُ على سبعةِ أحرفٍ ، كلُّها شافٍ كافٍ" وقال " أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ علَى حَرْفٍ، فَلَمْ أزَلْ أسْتَزِيدُهُ حتَّى انْتَهَى إلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ."
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ أصحابَه القُرآنَ حتَّى إتقانِه، وكان يَقرَؤُه عليهم بالقِراءاتِ والأوْجُهِ التي تُوافِقُ لَهَجاتٍ عِدَّةً، كُلُّها عَربيَّةٌ، تَخفِيفًا وتَيسيرًا وتَسهيلًا على المُسلِمينَ.
وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ -وهو المَلَكُ المُوَكَّلُ بالوَحْيِ- كان يَنزِلُ عليه بالقُرآنِ ويُقرِئُه على حَرفٍ واحدٍ، فلمْ يَزَلِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَطلُبُ منه الزِّيادةَ، حتَّى أقْرَأَه القُرآنَ على سَبعةِ أحرُفٍ بأمْرٍ مِنَ اللهِ تعالَى؛ وذلك لِلتَّخفيفِ والتَّيسيرِ على أُمَّتِه. فأيُّ حَرْفٍ قرَأَ به القارئُ فهو صَحيحٌ.
واختُلِف في المرادِ بالأحرفِ السبعةِ على أقوالٍ كثيرةٍ، مِن أقْربِها: أنَّ المرادَ سَبعةُ أوجُهٍ مِن الاختلافِ لا يَخرُجُ عنها، أو سبْعُ لُغاتٍ مِن لُغاتِ العَرَبِ، أو سبعةُ أوجهٍ مِن المعاني المتَّفقةِ بألفاظٍ مُختلِفةٍ.
ذهب جمع غفير من العلماء من أبرزهم أبو الفضل الرازي وابن قتيبة وابن الجزري وغيرهم إلى أن الأحرف السبعة هي سبعة أوجه لا يخرج عنها الاختلاف في القراءات وهى: اختلاف وجوه الإعراب. اختلاف بالنقص والزيادة. الاختلاف بالتقديم والتأخير. الاختلاف بالإبدال. اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام.
وفي الحَديثِ: وُرودُ القِراءةِ بالقِراءاتِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
من رحَمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنه أنزَل القرآنَ الكريمَ على أحرُفٍ وقِراءاتٍ تُوافِقُ لهجاتٍ عدةً، وكلُّها عربيَّةٌ؛ تَخفيفًا وتيسيرًا وتسهيلًا على المسلمين.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "نزل القرآنُ على سبعةِ أحرُفٍ"، أي: نزَلَ بسَبعةِ أوجُهٍ، أو سَبْعِ لَهَجاتٍ، والمرادُ منها التَّسهيلُ والتيسيرُ. وقيل: أُنزِلَ القرآنُ أولًا بلِسانِ قُريشٍ ومَن جاورَهم من العربِ الفُصحاءِ، ثُمَّ أُنزل القرآن بما يُبيحَ للعربِ أنْ يَقرؤوه بلُغاتهم التي جرَتْ عادتُهم باستعمالها على اختِلافِهم في الألفاظِ والإعرابِ بإشراف رسول الله ، ولم يُكلَّفْ أحدٌ منهم الانتقالَ من لُغتِه إلى لُغةٍ أخرى للمَشقَّةِ، ولِمَا كان فيهم مِن الحَمِيَّةِ، ولطلبِ تسهيلِ فَهْمِ المرادِ، وهذه الإباحةُ المذكورةُ لم تقَعْ بالتشهِّي بحيثُ يُغيِّرُ كلُّ أحدٍ الكلمةَ بمُرادفِها في لُغتِه، بل المُراعَى في ذلك السماعُ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
فأيُّ وجهٍ تقرأُ به الأُمَّةُ، وأيُّ لهجةٍ تيسَّرَت لها؛ فهي مقبولةٌ إن شاء الله؛ تيسيرًا وتخفيفًا، وليس المرادُ أن كلَّ كلمةٍ وكلَّ جملةٍ من القرآنِ تُقرَأُ على سَبعةِ أوجُهٍ، بل المرادُ أنَّ غايةَ ما انتَهى إليه عددُ القِراءاتِ في الكلمةِ الواحدةِ إلى سَبعةٍ، فإن قيل: فإنَّا نَجِدُ بعضَ الكلماتِ يُقرَأُ على أكثرَ من سَبعةِ أوجُهٍ، فالجوابُ: أنَّ غالِبَ ذلك إمَّا لا تَثبُتُ الزِّيادةُ، وإمَّا أن يكونَ من قَبيلِ الاختلافِ في كيفيَّةِ الأداءِ؛ كما في المدِّ والإمالةِ ونحوِهما، وقيل: ليس المرادُ بالسَّبعةِ حقيقةَ العددِ، بل المرادُ التَّسهيلُ والتَّيسيرُ.
ثم يحذِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فيقولُ: "المِراءُ"، أي: الجِدالُ، "في القُرآنِ كُفْرٌ"، وهو الجِدالُ الَّذي يُريدُ به صاحبُه تَكذيبَ القرآنِ، وقد أنزل سبحانه كتابَه على سبعةِ أحرُفٍ، فنهاهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن إنكارِ القراءةِ التي يَسمَع بعضُهم بعضًا يَقرؤُونها، وتوعَّدَهم بالكُفرِ عليها؛ لينتهوا عن المِراءِ فيه والتكذيبِ به، وقد كرَّر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الجملةَ ثلاثًا للتأكيدِ والإسماعِ، ثم قال: "ما عرفتم منه، فاعملوا به"، أي: اعمَلوا بما عَرَفْتم من الكتاب ما استطعتُم، "وما جَهِلتُم منه"، أي: خفِيَ عليكم من أحكامِهِ وغيرِها، "فرُدُّوه إلى عالِمِه"، أي: فتعلَّموه ممَّن هو أعلمُ منكم.
وفي الحديثِ: بيان خُطورةِ الجِدالِ في القُرآنِ
قمت أنا الطالب محمد الأزهري بعمل هذا المقال ك مقال لمناقشة بعض الاعتراضات على القراءات وبعض الشبهات حولها فإن كان توفيق فمن الله و إن كان غير ذلك ف مني ومن الشيطان .... وسأحاول إن شاء الله الإحالة لكل ما كتبت إلى صاحبه فكما قال القرطبي
وشَرْطِي فِي هَذا الكِتابِ"كتاب التفسير ": إضافَةُ الأقْوالِ إلى قائِلِيها، والأحادِيثِ إلى مُصَنِّفِيها، فَإنَّهُ يُقالُ: مِن بَرَكَةِ العِلْمِ أنْ يُضافَ القَوْلُ إلى قائِلِهِ.
وقد استلخصته من عدة مقالات وكتب وفيديوهات شرح للموضوع لأساتذتي م.ع و أ.ع و أ.ش
-------------
أولا : شرح القصة الإسلامية في القراءات ووصولها إلينا ورد أهم الشبهات للشيخ مسلم عبد الله والتاعب حفظهم الرب
https://www.youtube.com/playlist?lis...pj9bn9CdRd8WYZ
----------------------------------------------------
ثانيا :تواتر القراءات القرآنية
هو موضوع منتهي ف قراءات القرآن الكريم متواترة إلينا
جماهير أهل العلم من القراء والأصوليين على أن القراءات السبع متواترة إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وقد خالف في ذلك بعضهم والقول في ذلك قول العامة ، وهو الصواب الذي لا معدل عنه .
قال العطار في حاشيته على الجلال المحلي : هذا الحكم مجمع عليه بين أهل السنة إلا من شذ من الحنفية كصاحب البديع ، فإنه ذهب إلى أنها مشهورة، وذهب المعتزلة إلى أنها آحاد غير متواترة والمراد نفي التواتر عن قراءة الشيخ المخصوص بتمامها كنافع -مثلا- بل منها ما هو آحاد ومنها ما هو متواتر،
وليس المراد نفي التواتر من أصله وإلا لزم نفي التواتر عن القرآن كله والإجماع خلافه .
قال الإمام النووي في المجموع :قال أصحابنا وغيرهم : تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بكل واحدة من القراءات السبعة , ولا تجوز القراءة في الصلاة ولا غيرها بالقراءة الشاذة ; لأنها ليست قرآنا , فإن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر , وكل واحدة من السبعة متواترة , هذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه , ومن قال غيره فغالط أو جاهل , وأما الشاذة فليست متواترة
وقال الزرقاني رحمه الله :
" والتحقيق الذي يؤيده الدليل هو أن القراءات العشر كلها متواترة ، وهو رأي المحققين من الأصوليين والقراء كابن السبكي وابن الجزري والنويري " انتهى من "مناهل العرفان" (1 /441) .
راجع :
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/44...ت-العشر
لعلك لاحظت أيها القارئ مصطلح قراءة شاذة .... فما هو
أولا تعريف القراءن الكريم :
القرآن الكريم.
وهو «كلام الله تعالى، المعجز، المنزّل على خاتم الأنبياء، سيدنا محمد ﷺ بواسطة جبريل ، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس».
:
علم القراءات
: هو: «علم بكيفية أداء كلمات القرآن، واختلافها، منسوبة لناقلها»
- فالقراءات إذا، هي تلك الوجوه اللغوية والصوتية- التي أباح الله بها قراءة القرآن- تيسيرا، وتخفيفا على العباد.
(علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية وطريق أدائها اتفاقًا واختلافًا مع عزو كل وجه لناقله)
والقراءات: هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، وكيفيتها، من تخفيف وتشديد وغيرهما.
ولا بدّ فيها من التلقي والمشافهة، لأنّ القراءات أشياء لا تحكم إلّا بالسماع والمشافهة]
واشتهر في القراءة والحفظ لما تواتر من أحرف القرآن الكريم،
عشرة من الأئمة الثقات الأثبات، كلّهم أخذ الحرف القرآني عن رسول الله ﷺ بالسند المتصل إليه.
راجع :
" قال تاج الأئمة السبكي – وهو تاج الدين عبد الوهاب السبكي - في فتاواه :
" القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي ، والثلاثة التي هي قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب وقراءة خلف ، متواترة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله ، لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل ، وليس تواتر شيء منها مقصورا على من قرأ بالروايات ، بل هي متواترة عند كل مسلم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، ولو كان مع ذلك عاميا جلفا لا يحفظ من القرآن حرفا " .
التواتر عزيزي القارئ هو : أن ينقل عدد كبير من الناس خبر ما أو حديث أو قراءة ما وينقله عنهم عدد كبير من الناس أيضا وهكذا ف يستحيل اتفاقهم على الكذب والاجتماع والاتفاق على هذا
فمثلا متواتر أن الصين والهند بلاد موجودة على الكرة الأرضية أليس كذلك
فمثلا متواتر أن الاسلام هو دين النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكل مسيحي ويهودي و ملحد يعلم ذلك
وفي علوم القرآن معلوم أن القراءت العشر متواترة
التواتُر : هو نقل الجماعة عن الجماعة بحيث يستحيل تواطُئهُم على الكذِب ... فلو نقل راو واحِد أثراً عن الرسول ولم ينقُلهُ عنه إلا واِحد وهكذا فهنا صِحّة السند تُفيد صِحّة الخبر, ولكِن الخبر الصحيح غير الخبر المُتيقّنُ بِصِحّتِه ... فقد نحتاج إلى اليقين مع الصِّحة ... ولِذا فيكون نقل الجماعة هو اليقين .. حيث يعني أنهم لما يتواطئوا على تأليفِه ونِسبتِهِ إلى الرسول , فيكون التواتُر أي ثبوته عن جماعة كثيرين هو اليقين بحقيقتِه , والقرآن الكريم هو الكِتاب الوحيد في الدُنيا المثبوت بِالتواتُر.
قال الإمام شمس الدين الذهبي رحمه الله :
" ليس من شرط التواتر أن يصل إلى كل الأمة ، فعند القراء أشياء متواترة دون غيرهم ، وعند الفقهاء مسائل متواترة عن أئمتهم لا يدريها القراء ، وعند المحدثين أحاديث متواترة قد لا يكون سمعها الفقهاء ، أو أفادتهم ظنا فقط ، وعند النحاة مسائل قطعية، وكذلك اللغويون " انتهى .
"سير أعلام النبلاء" (10 /171) .
رابعا: القراءة الصحيحة والشاذة
شروط القرءاة الصحيحة : صحة الاسناد إلى النبي ... موافقة اللغة العربية ... موافقة أحد المصاحف العثمانية
راجع : https://www.alukah.net/sharia/0/104077/
القراءات الشاذة وتطور معنى هذا المصطلح
أنقل الآن من كلام الشيخ المجتهد مسلم عبد الله
https://www.facebook.com/media/set/?...78899328957957
قال .....
وبدأنا بتعريف القراءة الصحيحة للقرآن الكريم !
بأنه القرآن هو كلام الله جل جلاله لفظاً ومعنى، الذي أوحاه إلى نبيِّه مُحمَّد صلى الله عليه وسلم ، المُتعبَّد بلفظه، المُتحدَّى بإعجازه.
وتكلمنا عن خطأ تعريف القرآن بإضافات لاحقة ..
كمن يُعرِّفه بأنه (المكتوب في المصاحف، المبدوء بالفاتحة، المختوم بالناس)، أو من يُعرِّفه بأنه (المنقول بالتواتر) ..
وانتهينا إلى أن القراءة الصحيحة هي ما اجتمع فيه صحة السند عن النبي صلى الله عليه وسلم، وموافقة الرسم المصحفي الذي قصر القراءات على ما ثبت في العرضة الأخيرة فقط.
وبذلك صارت القراءة الشاذة هي التي انتقض فيها أحد الشرطين أو كلاهما ..
فما لم يصح سنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم من قراءات مفتراة مكذوبة تعمدًا، أو قراءات خاطئة عفوياً .. قراءة شاذة، ولو وافقت رسم المصحف .
وما لم يوافق الرسم المصحفي .. قراءة شاذة، ولو كانت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنها ستكون قراءة منسوخة بالعرضة الأخيرة.
فتعالوا نُكمل اليوم رحلتنا مع القرآن عبر التاريخ ..
الحمد لله ..
قد انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها .. ودخل الأعاجم في دين الله أفواجاً ..
ولكن مع زيادة القوة تزيد المسئولية (اقتباس من فيلم الرجل العنكبوت ج1 😊 )
وبزيادة دخول الأعاجم للإسلام، خُشي على القرآن من الخطأ في اللغة أثناء القراءة ..
فقال العلماء أن تركيب التنوعات الموحى بها يحتاج لمن يفهم اللغة العربية لكيلا يُخطئ في تركيب لفظ غير صحيح لغوياً !
فمثلاً قال الله ﴿ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ على أن (آدم) هو الفاعل، و(كلماتٍ) مفعول به،
ووردت في قراءة أخرى ﴿ فَتَلَقَّىٰ آدَمَ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٌ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ على أن (آدم) هو المفعول به، و(كلماتٌ) هي الفاعل.
فخشي العلماء من أن يأتي أحد مُسلمة الأعاجم فيُركِّب الجملة بما يُخالف اللغة، فيرفع كلا من (آدم، كلمات)، فيكونا فاعلين اثنين للفعل دون وجود مفعول! أو ينصبهما ، فيكونا مفعولين للفعل دون وجود فاعل !!
فزاد العلماء شرطاً آخر في القراءة الصحيحة ، وهو شرط موافقة وجه من أوجه اللغة العربية !
فصارت بذلك القراءة الصحيحة هي ما اجتمع فيها ثلاثة شروط :
1- صحة السند عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- موافقة الرسم المصحفي الذي حصر العرضة الأخيرة.
3- موافقة وجه من أوجه اللغة العربية، منعاً للحن الأعاجم في القرآن.
وصارت القراءة الشاذة هي ما انتقض فيها أحد تلك الشروط أو أكثر.
1- عدم صحة السند، بالافتراء المتعمد أو الخطأ العفوي.
2- مخالفة الرسم المصحفي، لثبوت نسخها بالعرضة الأخيرة.
3- عدم موافقة وجه من أوجه العربية، لأن الله أنزل القرآن بلسان عربيِ مُبين غير ذي عوج.
ومع توالي الأجيال، تراكمت القراءات الصحيحة وتضاعفت !! وصعُبَ بذلك على طالب العلم المُهتم بحفظ قراءات القرآن الكريم أن يجمعها !!
فاهتم العلماء في القرن الثالث الهجري بتقليل عدد القراءات بتقييد الأهتمام والتركيز على كبار القُراء ..
لكن من الذي يُحدد العدد الذي نكتفي به من كبار القراء ؟
ومن الذي يُحدد كبار القراء أصلاً ومعظم أهل الزمان علماء أثبات متقنين من أهل الورع !!
فبدأ كل عالِم يجتهد في تحديد أكبر القراء وتحديد عدد معين لهم ..
فمن العلماء من اكتفى بخمسة .. ومنهم من اختار سبعة .. ومنهم من اختار ثمانية .. وعشرة .. حتى جمع الهذلي في كتابه (الكامل) خمسين قارئ أخذ عنهم القرآن بألف وخمسمائة سند !!
--وكان من بين العلماء عالم كبير جليل القدر .. أجمع جميع أهل عصره على إمامته وسبقه ورسوخ قدمه في العلم بالقرآن وحروفه، هو العلم العلَّامة أحمد بن موسى بن العباس، المعروف باسم (ابن مجاهد) .. ولاتساع علمه، وصدق لهجته، وبراعة فهمه، بَعُدَ صيته وذاع، وأقبل عليه طلاب القراءات من كل بلد.
--حدد ابن مجاهد رقم سبعة تشرُّفاً بحديث (نزول القرآن على سبعة أحرف)، واختار على ذلك سبعة من أكابر القراء بحسب الأمصار الإسلامية .. وجمع قرائتهم في كتاب سماه (السبعة في القراءات) ..فاختار من قراء المدينة الإمام نافع، ومن قُراء مكة الإمام ابن كثير المكي (غير ابن كثير المفسر)، ومن قُراء الشام ابن عامر، ومن قراء البصرة أبو عمرو، واختار ثلاثة من كبار قُرَّاء الكوفة وهم عاصم، حمزة، الكسائي.
وقد أنكر كثير من العلماء تحديد ابن مجاهد للعدد سبعة، وقالوا أن هذا يُوهِم العوام أن قراءة هؤلاء السبعة هي المقصودة بحديث الأحرف السبعة، وأنكروا عليه بعض اختياراته لوجود قُراء آخرين أتقن أو مُساوين لمن اختارهم ..
على كل حال هذا اجتهاد ابن مجاهد وهذه اختياراته ..
لكن لجلال قدر ابن مُجاهد بين العلماء والعوام، وإجماعهم على إمامته في العلم بالقرآن وحروفه، ذاع صيت كتابه وأطبقت شهرته الآفاق، حتى صار اختيار ابن مجاهد هو الاختيار .. وقُراء ابن مُجاهد هُم القُراء الذي يتسابق طلبة العلم لأخذ أسانيد القرآن عنهم.
فصار قراءات القراء غير من اختارهم ابن مُجاهد شواذاً ..
ليس لكونها غير صحيحة مُفتراة، أو لأنها خاطئة، أو لأنها مُخالفة للرسم المصحفي، أو لأنها لأوجه اللغة ..
بل سُميَّت شاذة لخروجها عن اختيار ابن مجاهد فقط.
ثم تمخض القرن الخامس عن أحد عظماء علماء القرآن الكريم، وهو الإمام أبو عمرو الداني القرطبي الأندلسي ..
سار أبو عمرو على خُطا ابن مُجاهد، فالتزم القراء السبعة ..
لكنه اقتصر على تلميذين فقط من تلاميذ كل قارئ ، سماهم الرواة عن القارئ ..
وأما سبب اقتصاره على راويين لكل قارئ فقد بينه في مقدمة " كتاب التيسير" قائلا: " إنه أراد ما يقرب تناوله، ويسهل حفظه، ويخف درسه مما يتضمن الروايات والطرق المنتشرة والمشتهرة عند التالين، وصح وثبت عند المتصدرين"، معتمدا على الإيجاز والاختصار، وترك التطويل والتكرار.
فمن عرف سعة علم أبي عمرو الداني في القراءات وبصره بطبقات القراء التي ألف فيها كتابا في أربعة أسفار، و " جامعه" الذي اشتمل على أكثر من خمسمائة رواية وطريق، علم أن اختياره لهؤلاء الرواة ليس اعتباطيا، وليس دليلا على حصر القراءة الصحيحة فيها، وإنما عمد إلى " التيسير" و " التسهيل" و " التقريب".
فانتقى أئمة انتهت إليهم رئاسة الإقراء في أمصارهم، وحملوا بأمانة ومهارة قراءات القراء السبعة.
فاختار من رواة قراءة نافع المدني (قالون، ورش) ..
ومن رواة قراءة ابن كثير المكي (البَزِّي، قنبل) ..
ومن رواة أبي عمرو البصري (الدوري، السوسي) ..
ومن رواة ابن عامر الشامي (هشام، ابن ذكوان) ..
ومن رواة عاصم الكوفي (شعبة، حفص) ..
ومن رواة حمزة الكوفي (خلف، خلّاد) ..
ومن رواة الكسائي (أبي الحارث، الدوري).
وبذلك اجتمعت أربع عشرة رواية، عن سبعة قُراء، باعتبار راويان لكل قارئ ..
وصارت قراءة كل من سوى هؤلاء الرواة تدخل في مُسمى (القراءة الشاذة) ..
ليس لكونها غير صحيحة مُفتراة، أو لأنها خاطئة، أو لأنها مُخالفة للرسم المصحفي، أو لأنها لأوجه اللغة ..
بل سُميَّت شاذة لأنها تخرج عن اختيار أبي عمرو الداني للرواة ، عن القراء السبعة الذين اختارهم ابن مُجاهِد !
ولم تندثر القراءات الشاذة الصحيحة الخارجة عن اختيار ابن مجاهد واختيار ابي عمرو الداني .. بل ظلَّت مشهورة يُقرأ بها حتى القرن التاسع الهجري، لكن بصورة أقل من الروايات الأربعة عشر، وفي القرن التاسع الهجري لمع نجم علم الأعلام، القارئ المُتقِن، شيخ قُراء عصره، ابن الجزري ..
فقام بتتبع أسانيد القراءات حتى زمانه، فوجد قراءات ثلاثٍ من القراء تشارك السبع في الشهرة والثبوت، فضمها جميعا في كتاب واحد، واختار لكل من القراء الثلاثة راويان -على منوال اختيار ابي عمرو الداني-، فأصبحت الروايات المشهورة عشرين رواية عن عشر قُراء، وما سواها سُمِّيَ شاذاً.
فصار من بعد ابن الجزري، مصطلح القراءات الشواذ يتعلق بما خرج عن الروايات العشرين عن القراء العشرة.
إذا فـالقراءات الشاذة أنواع عديدة بحسب وجه الشذوذ فيها .. فتشمل :
1- القراءات التي لم يثبت نقلها.
2- القراءات التي خالفت رسم المصحف.
3- القراءات التي لا وجه لها في اللغة العربية.
4- القراءات التي خرجت عن الرواة العشرين عن القراء العشرة.
ثم اشتَهر أربعةٌ من الأئمة بنسبة القراءات الشاذة إليهم، وتعدُّ قراءات هؤلاء الأئمة من أشهر القراءات بعد القراءات العشر، حتى ظن طلبة القراءات أنها هي وحدها ما يُطلق عليه "قراءة شاذة" !! وهي صحيحة السند، وقد ذكر سندهم الشيخ المتولي في كتابه: (العجالة البديعة الغرر، في أسانيد الأئمة القرَّاء الأربعة عشر).
وهؤلاء الأئمة هم:
• الإمام محمد بن عبدالرحمن بن محيصن السهمي، ت123هـ، مقرئ أهل مكة مع الإمام ابن كثير، وأعلم قراء مكة بالعربية.
• والإمام يحيى بن المبارك اليزيدي البصري، ت202هـ، نَحْوي مقرئ.
• والإمام الحسن البصري، إمام زمانه علمًا وعملًا، ت110هـ.
• والإمام سليمان بن مِهران الأعمش، ت148هـ، وهو إمام جليل، مقرئ الأئمة الأعلام.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة حيث نتكلم عن
خصائص رسم المصحف الشريف
-------------------------------------------انتهى كلامه
لذلك تطور مصطلح قراءة شاذه فمثلا
القراءة التي صح سندها ووافقت اللغة العربية ولو بوجه وخالفت المصحف.
وهذا التعريف هو الذي اعتمده ابن تيمية [12، ج13 ص393-394] وابن الجزري [4، ص16-17] كما اعتمده قبلهما مكي القيسي [13، ص10، 103] وأبو شامة المقدسي [15، ص145،171].
وبهذا يعلم أن القراءة الشاذة عند الجمهور هي ما لم يثبت بطريق التواتر [11، ص10].
ولعل السبب في تسميتها بالقراءة الشاذة يعود إلى أنها شذت عن الطريق الذي نقل به القرآن حيث نقل بجميع حروفه نقلاً متواترًا.
قال ابن الجزري: شذت عن رسم المصحف المجمع عليه وإن كان إسنادها صحيحًا [4، ص16-17].
وقال وقال في«النشر» (1/ 13-14):
« ( وَقَوْلُنَا ) وَصَحَّ سَنَدُهَا ، فَإِنَّا نَعْنِي بِهِ:
1-أَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِهِ كَذَا حَتَّى تَنْتَهِيَ .
2- وَتَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَئِمَّةٍ هَذَا الشَّأْنَ الضَّابِطِينَ لَهُ غَيْرَ مَعْدُودَةٍ عِنْدَهُمْ مِنَ الْغَلَطِ أَوْ مِمَّا شَذَّ بِهَا بَعْضُهُمْ ( ).
وَقَدْ شَرَطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّوَاتُرَ فِي هَذَا الرُّكْنِ,وَلَمْ يَكْتَفِ فِيهِ بِصِحَّةِ السَّنَدِ ، وَزَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِالتَّوَاتُرِ ، وَإِنَّ مَا جَاءَ مَجِيءَ الْآحَادِ لَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ ، وَهَذَا مَا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ ، فَإِنَّ التَّوَاتُرَ إِذَا ثَبَتَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الرَّسْمِ وَغَيْرِهِ إِذْ مَا ثَبَتَ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ مُتَوَاتِرًا عَنِ النَّبِيِّ -r- وَجَبَ قَبُولُهُ وَقُطِعَ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا( )
«وَقَدْ شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُقْرِئِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ كُلَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ ، أَيْ كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ ممَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلاءِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ . قَالُوا:وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاجِبٌ.
وَنَحْنُ بِهَذَا نَقُولُ ، وَلَكِنْ فِيمَا اجْتَمَعَتْ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمُ الطُّرُقُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِرَقُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لَهُ مَعَ أَنَّهُ شَاعَ وَاشْتَهَرَ وَاسْتَفَاضَ ، فَلَا أَقَلَّ مِنَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَّفِقِ التَّوَاتُرُ فِي بَعْضِهَا»انتهى .
)في« المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز»(ص176-178):؟
قلت :صحة السند ما هو الا شرط1 من شروط القراءة أصلا لذلك يحتج بعض المتعالمين من النصارى بأحاديث في الصحيحن تدل على قراءة شاذه مثل قراءة والذكر والأنثى لابن مسعود وأبي الدرداء ... ثم يقول لك هذا دليل تواتر هذه القراءة وقراءة الصحابة بها
هذا جهل
ولكن نعود ونكرر
....... فصار من بعد ابن الجزري، مصطلح القراءات الشواذ يتعلق بما خرج عن الروايات العشرين عن القراء العشرة.
إذا فـالقراءات الشاذة أنواع عديدة بحسب وجه الشذوذ فيها .. فتشمل :
1- القراءات التي لم يثبت نقلها.
2- القراءات التي خالفت رسم المصحف.
3- القراءات التي لا وجه لها في اللغة العربية.
4- القراءات التي خرجت عن الرواة العشرين عن القراء العشرة.
ثم اشتَهر أربعةٌ من الأئمة بنسبة القراءات الشاذة إليهم، وتعدُّ قراءات هؤلاء الأئمة من أشهر القراءات بعد القراءات العشر، حتى ظن طلبة القراءات أنها هي وحدها ما يُطلق عليه "قراءة شاذة" !! وهي صحيحة السند، وقد ذكر سندهم الشيخ المتولي في كتابه: (العجالة البديعة الغرر، في أسانيد الأئمة القرَّاء الأربعة عشر).
وهؤلاء الأئمة هم:
• الإمام محمد بن عبدالرحمن بن محيصن السهمي، ت123هـ، مقرئ أهل مكة مع الإمام ابن كثير، وأعلم قراء مكة بالعربية.
• والإمام يحيى بن المبارك اليزيدي البصري، ت202هـ، نَحْوي مقرئ.
• والإمام الحسن البصري، إمام زمانه علمًا وعملًا، ت110هـ.
• والإمام سليمان بن مِهران الأعمش، ت148هـ، وهو إمام جليل، مقرئ الأئمة الأعلام.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/37/#ixzz6tO4VCJR7
فيديو دقيقه ونصف عن القراءة الشاذة
https://www.youtube.com/watch?v=A85bMeU9O3U
أنواع القراءات الشاذة
من خلال التتبع والاستقراء في المصادر الخاصة لشواذ القراءات وكذلك بالمصادر التي اهتمت ببيان أنواع القراءات المردودة يتبين أنها تنقسم إلى أربعة أنواع.
النوع الأول:القراءات الشاذة المشهورة: وهي التي وافقت العربية والرسم العثماني وصح سندها إلا أنها لم تبلغ درجة التواتر
ومن أمثلتها قراءة ابن عباس في آخر سورة التوبة قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾ القراءة المتواترة بضم الفاء، والقراءة الشاذة بفتح الفاء (أنفسكم) [التوبة: 128].
النوع الثاني:القراءات التي جاءت بطريق الآحاد وتنقسم إلى قسمين:
القسم الأول:كل قراءة لم يصح سندها وإن وافقت العربية والرسم العثماني، يمثل لها بقراءة ابن السميفع في قوله تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 92].
قرئت شاذة (ننحيك) بالحاء المهملة، وخلفك بفتح اللام [10، ج1 ص16. فهذه وصفت بأنها ضعيفة مردودة، وسمى هذا النوع السيوطي بأنه موضوع [9، ج1 ص216].
القسم الثاني:كل قراءة صح سندها في الآحاد ولها وجه في العربية وخالفت رسم المصحف، ويمثل لها بأمثلة منها قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء في سورة الليل ﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُْنْثَى ﴾ [آية: 3] بحذف لفظ (ما خلق)[4] [10، ج1 ص14] وكذلك قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي ابن كعب وابن عمر وابن الزبير وغيرهم (فامضوا إلى ذكر الله) بدلاً من (فاسعوا) [الجمعة: 9].
قال أبو الفتح في هذه القراءة تفسير للقراءة العامة، أي اقصدها وتوجهوا، وليس نية دليل على الإسراع [26، ج2 ص322].
وكقراءة ابن عباس ((وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا، وأما الغلام فكان كافرًا)) [الكهف 79 - 80] [20، رقم 4725،4726].
وفي بيان هذا النوع من القراءات قال ابن الجزري (فهذه القراءة تسمى اليوم شاذة لكونها شذت عن رسم المصحف المجمع عليه وإن كان إسنادها صحيحًا فلا تجوز القراءة بها لا في الصلاة ولا في غيرها) [4، ص16-17].
قلت
والسبب في عدم جواز القراءة بها مع صحة السند لأنها لم تبلغ درجة التواتر إن كل قراءة وافقت العربية وخالفت الرسم، صح سندها أم لم يصح فهي شاذة. أما القراءة التي تخالف العربية بكل لهجاتها فلا توصف بأنها قراءة بل تعتبر ضربًا من ضروب الوضع والاختلاق [27، ص31].
وفيه يقول ابن الجزري (ولا يصدر مثل هذا إلا على وجه السهو والغلط وعدم الضبط، ويعرفه الأئمة المحققون والحفاظ الضابطون وهو قليل جدًا بل لا يكاد يوجد وقد جعل بعضهم منه رواية خارجة عن نافع (وجعلنا لكم فيها معائش) بالهمز [الأعراف: 10] [10، ص16]، وقد حكم ابن مجاهد بغلط هذه الرواية فقال (هو بالياء من غير همز ولا مد لكل القراء وشذ خارجة فرواة عن نافع بالهمز وهو ضعيف جدًا بل جعله بعضهم لحنًا) [28، ص278].
النوع الثالث: القراءات المدرجة:
المقصود بالإدراج، الإدخال والتضمني، مشتق من مادة (د ر ج) تقول أدرجت الشيء في الشيء بمعنى أدخلته فيه [1، ج2، ص275] و[3، ج1، ص962].
أما معناه في اصطلاح القراء: أن يزاد في الكلمات القرآنية على وجه التفسير [9، ج1 ص243]، فيزاد في الآية كلمة أو أكثر، ويسمى تساهلاً بأنه قراءات، ومن أمثلته:
• قراءة ابن مسعود ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات)) [المائدة: 89] بزيادة ((لفظ متتابعات)) [29، ج1 ص47].
• قراءة سعد ابن أبي وقاص ((وإن كان رجل يورث كلالة وله أخ أو أخت – من أمه)) [النساء: 12 بزيادة (من أمه [9، ج1 ص364].
• وكقراءة ابن الزبير (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر – ويستعينون بالله على ما أصابهم – وأولئك هم المفلحون) [آل عمران: 104] بزيادة ((ويستعينون بالله على ما أصابهم)) [27، ص31].
ولعل هذا النوع لا يوصف بأنه قراءة بل هو ضرب من التفسير والبيان للآيات.
النوع الرابع:
هو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل البتة، وهذا النوع أضافه ابن الجزري ورده بشدة فقال: (فهذا رده أحق، ومنعه أشد ومرتكبه مرتكب العظيم من الكبائر. . . إلى أن قال: ومن ثم امتنعت القراءة بالقياس المطلق وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه، ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه [10، ج1 ص17].
يتبين من خلال عرض هذه الأنواع، أن القراءات الشاذة منها ما هو مشهور لصحة سنده وموافقته للغة ورسم المصحف يقبل في التفسير وبيان الأحكام الشرعية، واللغوية، ولا يقرأ به قرآنًا لنقصان رتبته عن درجة التواتر.
ومنها ما نقل نقل آحاد لكنه صحيح السند مقبول مثل سابقه، ومنها ماهو ضعيف السند، ولا وجه له في العربية فلا يلتفت إليه، يقول ابن الجزري مبينًا هذه المعاني في أنواع شواذ القراءات (والقسم الثاني: ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية وخالف لفظ خط المصحف، فهذا يقبل ولا يقرأ به لعلتين: إحداهما أنه لم يؤخذ بإجماع، وإنما أخذ أخبار الآحاد ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر واحد، والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع عليه فلا يقطع على مغيبه وصحته، وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به ولا يكفر من جحده، ولبئس ما صنع إذ جحده، قال (والقسم الثالث) هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية فهذا لا يقبل، وإن وافق خط المصحف [10، ج1 ص14].
راجع للاستزادة مهم جدا : https://www.alukah.net/sharia/0/37/#ixzz6tO5I0svk
الفروق بين القراءات المتواترة والشاذة
من خلال التأمل لعبارة (قراءات القرآن) نجد أنها مطلقة تشمل القراءات المتواترة المجمع عليها وتشمل القراءات الشاذة التي لم يجمع عليها، وبالتالي توجد هناك فروق بين القراءتين:
• تتفق القراءة المتواترة مع القراءة الشاذة من حيث الاعتماد عليها في استنباط الأحكام الشرعية العملية عند بعض الفقهاء كالأحناف.
• تتفق القراءة المتواترة مع الشاذة في الاستفادة منها في النواحي النحوية واللغوية.
• تصلح القراءة الشاذة مع القراءة المتواترة في تفسير وبيان معاني القرآن.
• تتفق القراءة المتواترة مع القراءة الشاذة من حيث الاعتماد عليها في استنباط الأحكام الشرعية العملية عند بعض الفقهاء كالأحناف.
• تتفق القراءة المتواترة مع الشاذة في الاستفادة منها في النواحي النحوية واللغوية.
• تصلح القراءة الشاذة مع القراءة المتواترة في تفسير وبيان معاني القرآن.
ف مثلا :
المذهب الحنفي:ذهب فقهاء هذا المذهب إلى أنه يجوز العمل والاحتجاج بالقراءة الشاذة في استنباط الأحكام الشرعية العملية، وذلك إذا صح سندها ولذلك يقولون بوجوب التتابع في صوم كفارة اليمين مستدلين بقراءة ابن مسعود في قول الله: ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات))، ومؤكدين حجتهم أن القراءات الشاذة إما أن تكون قرآنًا نسخت تلاوته وإما أن يكون خبرًا وقع تفسيرًا
المذهب المالكي : فقهاء المذهب المالكي اختلفوا في شأن القراءة الشاذة بين رافض لها ومستحب، ومجيز الاحتجاج بها فإذا ثبتت عندهم مع وجود سند قوي لها أخذوا بها كما حدث في ميراث الاخوة لأم، حيث عملوا بمقتضاها لوجود الإجماع الذي قواها
ومن حجتهم في رفضها يرون أن الشاذ ليس كتابًا ولا سنة ولا إجماعًا ولا قياسًا ولا غير ذلك من الأدلة الشرعية ويتبين من ذلك أن القراءة الشاذة لا تكون حجة عندهم إلا إذا عضدها خبر آخر غير القراءة، فبوجود الخبر يأخذون بها وبعدمه لا، فدل هذا على أنهم يأخذون بالخبر لا بالقراءة
المذهب الشافعي : الشافعية يقبلون القراءة البيانية ويعملون بها إذا صح سندها ولم يكن لها خبر يعارضها أو قياس
المذهب الحنبلي : بالنظر والتأمل إلى كتب الحنابلة وآراء علماء المذهب نجدهم أخذوا بالقراءة الشاذة واحتجوا بها، فهذا ابن قدامة ذكر أقوال العلماء في عدد الرضعات المحرمات وذكر أن عددها كانت عشرًا ثم نسخن وأصبحن خمسًا وهذا يفيد احتجاجهم بالشاذ واستدلالهم به في بعض الأحكام الواردة عنهم
مهم جدا رااااجع : https://www.alukah.net/sharia/0/37/
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------
أنقل لكم بعض الفوائد من كتاب الابانه للامام مكي بن أبي طالب
-------------------------
الان مع بعض الاعتراضات على تواتر القراءات
الاعتراض ورده ثم نقد الرد على الاجابة
كما قرأت عزيزي القارئ حديث الأحاد مثلا عند المحدثين سأعرض لك منه مثالا
فهذا
الحديث رواه في طبقة التابعين 3 فقط بينما في قراءت القرآن الكريم عندما تجد أن مثلا مثلا طبقة بها قارئ واحد ... فهذا معناه اتتتتفااااق أهل البلد على قراءته ولكنه ك قارئ مجتهد ومتفرغ لتعليم الناس القراءة فأسندنا إليه القراءة
وليس معناه في هذه الطبقة شخص واحد فقط هو الذي قرأ بهذه القراءة
فإن قيل بهذا مثلا حديث انما الأعمال بالنيات متواتر مع أنه عن عمر ابن الخطاب فقط وانحصار الاسانيد في طائفة لا يمنع من غيره
قلت نعم لا اشكال في ذلك ولكن لكل مصطلح في كل علم معنى ولا مشاحة في الاصطلاح المهم معنى المطلح بعد اطلاقه
الان اعترض مسيحي على هذا وقال :
أنقل لكم من مناظرة أستاذ أحمد الشامي ونصراني متعالم
ردي :بل قد أثبتت كتب الحديث شذوذ القراءة فهي حجة لنا لا علينا
اعتراض
قلت : دعني أطعمك طعم العلقم ... فقد تواتر لدينا قراءة ابن مسعود الصحيحة وهو ما في المصاحف الان
وتواتر لدينا "شذوذ تفرد قراءة ابن مسعود "
و تمسك ابن مسعود أو كان يرى بعدم اقصاء القراءات التي أصبحت شاذه لانها وردت عن رسول الله
عَنْ شَقِيقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَرَأَ : { هَيْتَ لَكَ }، فَقَالَ شَقِيقٌ : إِنَّا نَقْرَؤُهَا : هِئْتُ لَكَ - يَعْنِي - فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ::rose: أَقْرَؤُهَا كَمَا عُلِّمْتُ أَحَبُّ إِلَيَّ.:rose:
وليس اعتراضه عليهم هو على كل ما فعلوه
فلا يُعد هذا خرقا للإجماع أصلا
ثم أنه قد وافقهم في النهاية🙃🤷♂:rose:
ثانيا ثبوت قراءة بحديث لا يدل على تواترها واثباتها في متن المصحف
فكثير من مصاحف الصحابة بها تفاسير وهوامش مهمه مراجعة لهم ولا تعني قراءتهم ولا تعني تغير النص القرآني
عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ، أَنَّهُ قَالَ : أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا. وَقَالَتْ : إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَآذِنِّي { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى }، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )
. قَالَتْ عَائِشَةُ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رد الاستاذ الشامي
----------
رابط مناظرة احمد الشامي
https://drive.google.com/file/d/0B6j...YEj7zMelvNHKMY
-----------------------------
اعتراض آخر : أن ابن الجزري كان يرى أن من شروط القراءة هو "التواتر" ثم رجع عن رأيه
قلت : كما علمني أستاذي .... اشتراط التواتر شئ .. وتحقق التواتر شئ أخر فقد نقلت في المقال كلام ابن الجزري أن التواتر حاصل
أي أن الكل مجمع على أن القراءات متواتره .. فإن قال ابن الجزري انا أشترط لقبول القراءة أن تكون متواتره ثم تراجع عن ذلك فهذا لا يضر فالتواتر حاصل أصلا
----------------------------------
شبهة أخرى وهي أن بعض العلماء""مثل الطبري وأحمد بن جنبل"" أنكروا بعض القراءات المتواتره :
أنقل لكم الرد وأضع الرابط
هل يضر ثبوت الحق غيابه عن البعض؟
قلت: لا يضر، ولو كان كذلك لما بقي في الدنيا حق يثبت، فليس من شرط الحق أن تعلمه الناس كلهم دون استثناء، فهذا لا يقول به عاقل، وبالتالي فلا يضر قراءة حمزة غياب ثبوتها عن الإمام أحمد وغيره.
فالإمام أحمد على سعة علمه ، وجلالة قدره ، وعظيم منزلته في قلوب المسلمين ليس معصومًا، ولا نقول عنه إنه أحاط بكل شيء علمًا، شأنه في ذلك كشأن غيره من أهل العلم رضي الله عنهم.
والذي نرجحه أن الإمام أحمد رحمه الله لم تثبت عنده قراءة حمزة، فإن كذلك فهو معذور ، ومما يشير إلى ذلك ما ذكره ابن أبي يعلى في "طبقاته" (1/ 391 - 392) قال:
((سئل أبو عبد الله عن قراءة حمزة فقال: نعم أكرهها أشد الكراهية قيل له ما تكره منها؟ قال: هي قراءة محدثة ما قرأ بها أحد إنما هي إيه وآه)).
قلت: قوله (قراءة محدثة ما قرأ بها أحد) فيه أن الإمام أحمد لم تثبت عنده القراءة.
قلت: لا يضر، ولو كان كذلك لما بقي في الدنيا حق يثبت، فليس من شرط الحق أن تعلمه الناس كلهم دون استثناء، فهذا لا يقول به عاقل، وبالتالي فلا يضر قراءة حمزة غياب ثبوتها عن الإمام أحمد وغيره.
فالإمام أحمد على سعة علمه ، وجلالة قدره ، وعظيم منزلته في قلوب المسلمين ليس معصومًا، ولا نقول عنه إنه أحاط بكل شيء علمًا، شأنه في ذلك كشأن غيره من أهل العلم رضي الله عنهم.
والذي نرجحه أن الإمام أحمد رحمه الله لم تثبت عنده قراءة حمزة، فإن كذلك فهو معذور ، ومما يشير إلى ذلك ما ذكره ابن أبي يعلى في "طبقاته" (1/ 391 - 392) قال:
((سئل أبو عبد الله عن قراءة حمزة فقال: نعم أكرهها أشد الكراهية قيل له ما تكره منها؟ قال: هي قراءة محدثة ما قرأ بها أحد إنما هي إيه وآه)).
قلت: قوله (قراءة محدثة ما قرأ بها أحد) فيه أن الإمام أحمد لم تثبت عنده القراءة.
https://www.hurras.org/vb/forum/%D8%...08-oNeAqDJN24s
دكتور أمير:
وقد أجمع أئِمة القراء على ثبوت قراءة حمزة وصحتها .. وقد كان إماما في القراءات وله اختياره فيها، وما كان اختياره الا متواترا مجمع على صحته. ويكفي مارواه إمام الحديث يحيى بن معين -والذي عاصر ابن حنبل - أنه يروي عن محمد بن فضيل أنه يقول: "ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة".
رحمهم الله جميعًا وأجزل لهم العطاء .. فهؤلاء رجال صانوا الأمانة.. وكان نقدهم بميزان الحق حرصًا على الدين .. وسلامة النقل .. ولم يكونوا كأشباه الرجال النصارى الذين يتوسلون التربة اليوم .. بحثا عن نصوص الانجيل الضائِع !.. فعليهم أن يُثبِتوا لهم نصًا اولا قبل ان يتطرقوا لما هو مصدر عزّة لنا وذلةٍ وخُذْلان لهم.
وللمزيد راجع كتاب :أسباب الاعتراض على القراءات القرآنية المتواترة عرض ونقد
----------------
اعتراض على مصحف ابن مسعود أو انكاره للمعوذتين
قلت : أنقل لكم من كلام استاذي التأصيل العلمي لتهافت هذه الشبهة بعد عرض الرد من دكتور منقذ السقار
إن القرآن نقل إلينا بالتواتر، جيلًا بعد جيل، فقد حمله من الصحابة من لا يحصي عددهم إلا الله، ونلقه عنهم أضعافهم عددًا إلى يومنا هذا، فتوافق الصحابة على النص القرآني حجة لا ينقضها ولا يقدح فيها مخالفة واحد من آحاد الصحابة أو من بعدهم، إذ مخالفة الآحاد لا تقدح في التواتر، فليس من شرطه عدم وجود المخالف، فقد تواتر عند الناس - اليوم - وجود ملك قديم، الفرعون خوفو، فلو أنكر اليوم واحد من الباحثين هذا الذي تواتر عند الناس، وقال: لم يوجد هذا الملك، فإنه لا يلتفت إليه، لمخالفته المتواتر.
ومثله تواتر القرآن برواية الجموع عن الجموع في كل جيل، فلو صح إنكار ابن مسعود سورة من سوره، بل لو أنكر القرآن كله لما قدح هذا بقرآنية القرآن ولا طعن في موثوقيته.
لكن هذه الروايات لا تصح عن ابن مسعود - ﵁ -، ففي أسانيدها ما يقدح في صحتها، فخبر حكِّ السورتين من المصاحف، وقول ابن مسعود - ﵁ -: (ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى)، مروي في مسند أحمد والطبراني في الكبير، وتدور أسانيدهما على أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني عن عبد الرحمن بن يزيد.
وأبو إسحاق رغم توثيق العلماء له؛ فإنه قال عنه ابن حبان: «وكان مدلسًا»، والمدلس لا تقبل روايته إلا إذا صرح بالتحديث [أي قال: حدثني]، وترد روايته إذا كانت بصيغة العنعنة، كما في هذه الرواية، حيث يقول فيها: (عن عبد الرحمن بن يزيد)
ولا يتقوى هذا الإسناد بإسناد الطبراني للأثر من رواية الأزرق بن علي (أبي الجهم الحنفي)، وقد ذكره ابن حبان وقال: «يغرب»، أي له غرائب (١).
والأزرق صاحب الغرائب يرويه عن حسان بن إبراهيم الكرماني، وقد وثقه البعض، وضعفه غيرهم، كالعقيلي الذي قال عنه: «في حديثه وهم»، كما أعله غير واحد من العلماء، قال ابن حبان: «ربما أخطأ».
وقال أبو زرعة: «لا بأس به».
وقال النسائي: «ليس بالقوي».
وقال ابن عدي: «قد حدث بأفراد كثيرة، وهو عندي من أهل الصدق إلا أنه يغلط في الشيء ولا يتعمد» (٢).
وبهذا يتبين ضعف هذه الروايات المروية عن مثل هؤلاء، وقد أشار العلماء من أهل الصنعة الحديثية إلى ذلك، فقال ابن حزم: «وكل ما روى عن ابن مسعود من أن المعوذتين وأم القرآن لم تكن في مصحفه؛ فكذب موضوع لا يصح، وإنما صحت عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود، وفيها أم القرآن والمعوذتان» (٣).
وكذلك فإن الباقلاني يكذب هذه الأخبار ويقول: «هذا باطل وزور، ولا ينبغي لمسلم أن يثبته على عبد الله بن مسعود بأخبار آحاد معارضة بما هو أقوى منها عن رجال عبد الله في إثباتها قرآنًا» (٤)، ونرى في كلام ابن حزم والباقلاني إشارة إلى أمر مهم - نعود إليه -، وهو مخالفة هذه الروايات الضعيفة للقراءات
المتواترة عن ابن مسعود وغيره من الصحابة الكرام.
ويستشهد الباقلاني على ضعف هذه الروايات بعلة أخرى، وهي سكوت الصحابة على قوله وهم جميعًا يقرؤون المعوذتين، فيقول:»وأما المعوذتان، فكل من ادَّعى أن عبد الله بن مسعودٍ أنكر أن تكونا من القرآن، فقد جهل، وبعُد عن التحصيل، لأن سبيل نقلهما؛ سبيل نقل القرآن ظاهرًا مشهورًا .. وكيف ينكر كونهما قرآنًا منزلًا، ولا ينكر عليه الصحابة، وقد أنكرت عليه أقل من هذا وكرهته من قوله: «معشر المسلمين، أُعزل عن كتابة المصحف؟! والله لقد أسلمت؛ وإن زيدًا لفي صلب رجل كافر». قال ابن شهاب: كره مقالته الأماثل من أصحاب رسول الله - ﷺ - «(١).
والصحيح أن ابن مسعود - ﵁ - لم ينكر سماع المعوذتين من النبي - ﷺ -، بل غاية ما نقل أنه كان يراهما عوذة علمها الله لنبيه، فكان يعوذ بهما نفسه والحسن والحسين، لكنه لم يسمعه - ﷺ - يقرأ بهما في الصلاة، وهذا الذي نُقل عن ابن مسعود: (لا تخلطوا بالقرآن ما ليس فيه، فإنما هما معوذتان تعوذ بهما النبي - ﷺ -: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) (٢)، وفي رواية الطبراني من طريق أبي الجهم الأزرق بن علي أنه قال: (إنما أمر رسول الله - ﷺ - أن يتعوذ بهما، ولم يكن يقرأ بهما) (٣).
وإذا كان ابن مسعود لم يسمع النبي - ﷺ - يقرأ السورتين في الصلاة فإن ذلك لا يعني بالضرورة عدم قراءته - ﷺ - لهما، فقد سمعهما غيره منه، قال سفيان:»كان يرى رسول الله - ﷺ - يعوذ بهما الحسن والحسين، ولم يسمعه يقرؤهما في شيء من صلاته، فظن أنهما عوذتان، وأصر على ظنه، وتحقق الباقون كونهما من القرآن،فأودعوهما إياه» (١).
وإذا كان ابن مسعود يظن - حسب تلك الآثار الضعيفة - عدم قرآنيتهما؛ فإن جميع الصحابة خالفوه في ذلك، فالمفروض في ميزان العقلاء أن قوله خطأ يردُّ في مقابل قولهم الصحيح، يقول ابن قتيبة: «إنا لا نقول: إن عبد الله وأُبيًا أصابا (٢)، وأخطأ المهاجرون والأنصار، ولكن عبد الله ذهب فيما يرى أهل النظر إلى أن المعوذتين كانتا كالعوذة والرقية وغيرها، وكان يرى رسول الله - ﷺ - يعوذ بهما الحسن والحسين وغيرهما .. فظن أنهما ليستا من القرآن، وأقام على ظنه ومخالفة الصحابة جميعًا» (٣)، ولن يقبل أحد ترك القراءة بآية قرآنية، لأن ابن مسعود لم يسمعها من النبي - ﷺ -، فليس من شرط القرآن أن يسمعه ابن مسعود - ﵁ - تحديدًا.
قال البزار: «لم يتابع عبدَ الله أحدٌ من الصحابة، وقد صح عن النبي - ﷺ - أنه قرأ بهما في الصلاة، وأُثبتتا في المصحف» [أي العثماني] (٤)، أفلا يكفي للإيمان بقرآنيتهما أن النبي - ﷺ - قرأهما في الصلاة (٥).
كما جاء في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر أن رسول الله - ﷺ - قال له: «ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾، و﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾» (٦)، وفي رواية عنه - ﵁ - أن النبي - ﷺ - قال له: «فإن استطعت ألا تفوتك قراءتهما في صلاة، فافعل» (٧).
ونقل أبو سعيد الخدري قرآنيتهما عن النبي - ﷺ - بقوله: (كان رسول الله - ﷺ - يتعوذ من عين الجان وعين الإنس، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سوى ذلك) (١).
ولما قيل لأبي بن كعب - ﵁ -: إن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه قال أُبي: أشهد أن رسول الله - ﷺ - أخبرني أن جبريل ﵇ قال له: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ فقلتُها، فقال: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾ فقلتُها، فنحن نقول ما قال النبي - ﷺ - (٢).
لكن الموضوع الأهم هو ما أشار إليه ابن حزم والباقلاني في أن الأخبار المروية عن ابن مسعود بشأن حك المعوذتين معارضة بآثار أصح منها منقولة عن ابن مسعود - ﵁ -، فالمعوذتان قرأ بهما عاصم - راوي الأثر المشكِل - في قراءته الصحيحة التي يرويها عن زر بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي عمرو سعد بن إلياس الشيباني، «وقرأ هؤلاء الثلاثة على عبد الله بن مسعود - ﵁ -، وقرأ السلمي وزِر أيضًا على عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ﵄، وقرأ السلمي أيضًا على أُبي بن كعب وزيد بن ثابت ﵄، وقرأ ابن مسعود وعثمان وعلي وأبو زيد على رسول الله - ﷺ -» (٣).
وكذلك رويت قراءة المعوذتين عن ابن مسعود في قراءة حمزة وتلميذه الكسائي، فقد قرآها عنه من طريق «علقمة والأسود وابن وهب ومسروق وعاصم بن ضمرة والحارث» فقد قرؤوا جميعًا على ابن مسعود - ﵁ - (٤).
بل وقرأ المعوذتين جميعُ القراء العشرة، وأسانيد قراءاتهم أقوى من تلك الرواية الضعيفة المستشكلة، التي لن تقوى على معارضة (٩٨٠) طريقًا مسندة، وهي عدد الطرق التي ذكرها ابن الجزري تفصيلًا للقراء العشر (١)، وتنتهي هذه الطرق - التي قاربت الألف - إلى ابن مسعود - ﵁ - وإلى أجلّة إخوانه من أصحاب النبي - ﷺ - كعثمان وأُبي بن كعب وأبي هريرة وابن عباس، وهذا أصح من الآثار المروية في محو السورتين، ولا تنهض آثار الآحاد الضعيفة في نقض ألف من الأسانيد الصحاح، لذا «أجمع المسلمون على أن المعوذتين، والفاتحة من القرآن، وأن مَن جحد شيئًا منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح عنه» (٢).
ومال بعض المحققين إلى الجمع بين هذه الآثار، والقول بأن ابن مسعود كان يصنع ذلك، لأنه لم يسمع النبي - ﷺ - يقرأ بهما في الصلاة، فلما رأى إجماع الصحابة قرأ بهما، وأقرأ التابعين كما في القراءات المنقولة عنه، يقول ابن كثير: «مشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النَّبيِّ - ﷺ -، ولم يتواتر عنده، ثم قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة [بدليل القراءات المروية عنه]، فإن الصحابة أثبتوهما في المصاحف الأئمة، وأنفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنَّة» (٣).
أنقل لكم التأصيل للرد
التساؤلات الأولى :
1- هل مُصحف ابن مسعود يحتوي على العَرضة الأخيرة ؟!!
التساؤلات الثانية:
1- هل مُصحف ابن مسعود هو القرآن الكريم ؟!!
2- أو هل مُصحف ابن مسعود يعني قِراءة ابن مسعود ؟!!
3- أو هل حوى مُصحف ابن مسعود القرآن الكريم كامِلاً ؟!!!
التساؤلات الثالثِة :
1- هل لو صحّ أنه قد حك ابن مسعود المُعوِّذتين من مُصحفِه فهل هذا يعني أن العَرضة الأخيرة كانت بدون المُعوِّذتين ؟!!
2- وهل ثبت أن ابن مسعود لم يُقرىء أحداً بالمُعوِّذتيْن ؟!!!
التساؤلات الربِعة :
1- هل رفض ابن مسعود حرْق مُصْحفِهِ لأنه يحوي العَرضة الأخيرة ؟!!
2- وهل رفض ابن مسعود حرْق جميع المصاحِفِ بلا استِثناء أم مُصحفُهُ فقط ؟!!
3- وهل وافقهُ الصحابة وأقرّوه في عدم حرْقِه لمُصحفِه ؟!!.
التساؤلات الخامِسة :
1- هل منع عُثمان قِراءة ابن مسعود ؟!!
2- وهل تصرّف عُثمان في نص القُرآن أي تصرُّف إنفرادي ؟!!
3- وهل منع عُثمان القِراءة بأي حرف من الأحرُف فالسبعة ؟!
هذا تأصيل مهم جدااااا
1- هل مُصحف ابن مسعود يحتوي على العَرضة الأخيرة ؟!!
التساؤلات الثانية:
1- هل مُصحف ابن مسعود هو القرآن الكريم ؟!!
2- أو هل مُصحف ابن مسعود يعني قِراءة ابن مسعود ؟!!
3- أو هل حوى مُصحف ابن مسعود القرآن الكريم كامِلاً ؟!!!
التساؤلات الثالثِة :
1- هل لو صحّ أنه قد حك ابن مسعود المُعوِّذتين من مُصحفِه فهل هذا يعني أن العَرضة الأخيرة كانت بدون المُعوِّذتين ؟!!
2- وهل ثبت أن ابن مسعود لم يُقرىء أحداً بالمُعوِّذتيْن ؟!!!
التساؤلات الربِعة :
1- هل رفض ابن مسعود حرْق مُصْحفِهِ لأنه يحوي العَرضة الأخيرة ؟!!
2- وهل رفض ابن مسعود حرْق جميع المصاحِفِ بلا استِثناء أم مُصحفُهُ فقط ؟!!
3- وهل وافقهُ الصحابة وأقرّوه في عدم حرْقِه لمُصحفِه ؟!!.
التساؤلات الخامِسة :
1- هل منع عُثمان قِراءة ابن مسعود ؟!!
2- وهل تصرّف عُثمان في نص القُرآن أي تصرُّف إنفرادي ؟!!
3- وهل منع عُثمان القِراءة بأي حرف من الأحرُف فالسبعة ؟!
هذا تأصيل مهم جدااااا
راجع رابط الحوار
https://www.hurras.org/vb/forum/إسلا...معوذتين
-------------
توضيح مهم بشأن مصحف عثمان الذي أجمع عليه الصحابة و مصاحف الصحابة الفرديه:
اعلم أن الصحابة كانت لهم مصاحف خاصة بهم يكتبون بها
عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ، أَنَّهُ قَالَ : أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا. وَقَالَتْ : إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَآذِنِّي { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى }، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ). قَالَتْ عَائِشَةُ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالفارق بين مُصحف ذي النوريْنِ عُثمان بن عفان .. ومُصحف ابن مسعود -رضي اللهُ عنهما - كبير :
1- فمُصحف عُثمان يُراد به القرآن الكريم كامِلاً , أما مُصحف ابن مسعود فقد كتب فيه ما سمِعه فقط من الرسول مُباشرة وخشي ان ينساه ...
2- مُصحف ابن مسعود حوى بِضع وسبعون سورة سمِعها مُباشرة من فمِ رسول الله في حين كان مُصحف عُثمان يحوي القرآن الكريم كامِلاً كما قرأهُ رسول الله وجمهور الصحابة.
3- مُصحف عُثمان كُتِب بعد العَرضة الأخيرة على رسول الله وبعد انتهاء الوحي القرآني كامِلاً وبعد الإستِقرار على الناسِخ والمنسوخ , في حين مُصحف ابن مسعود كُتِب قبل العَرضة الأخيرة وكُتِب مُنذ القِدم في أوائل زمان نزول القرآن , مما جعله قد يفتقِر لآيات نزلت فيما بعد أو أن يكون شيء طبيعي وجود سُوَر لم تكتمِل بعد في مُصحفِه ..
4- مُصحف عُثمان أجمع عليْه جميعُ الصحابة بلا خِلاف بينهُم , فقد كُتِب في وجودِهِم وبِشهادتِهِم , في حين كان ابن مسعود يكتُب مُصحفه بنفسه مما يسمعه من النبي مباشرة اما في خُطبِهِ او بعد الصلاة .. وبالتالي يكون عُرضة للخطأ بسبب عدم المراجعة .
5- مُصحف عُثمان شارك في كِتابتِهِ جميع الصحابة منذ عهد أبي بكر وإلى عهد عُثمان , حين جمعه أبو بكر في الصُحُف في وجود الصحابة و شاهِدين على كل آية , ثم نسخه عُثمان من صُحُف ابي بكر بيد من كتبوه انفُسُهم , ثم مُشاركة و مراجعة 12 صحابياً معه , ثم راجعه عُثمان بن عفان نفسه وقد كان هو أيضاً كاتِباً لوحي الرسول فراجعهُ اربع مرات , ولكِن لم يُراجِع أحد لابن مسعود ما كتبه .. من راجع ماكتبهُ ابن مسعود ؟!!....إذاً مُصحف عُثمان مكتوب بالإجماع ومُصحف ابن مسعود انفرد هو وحده بكتابته وهل يثبُت قرآن بالإنفراد؟!.. لا .. القرآن يثبُت فقط بالإجماع.
6- مُصحف عُثمان كُتِب كامِلاً على القِراءة العامة التي قرأ بِها جمهور الصحابة وأجمعوا عليْها بِما فيهِم ابن مسعود , أما مُصحف ابن مسعود فقد كتب فيه بعض القرآن على ما قد يكون نُسِخ أوعلى ما يُحمل كتفسير , وعلى ما اختصّهُ بِهِ الرسول من بعض الأحرُف السبعة التي تتناسب مع لهجته لأنه كان من هذيل.
7- مُصحف ابن مسعود لم يوجد بين أيدينا تاريخياً أصلاً وكثًرت الروايات المُتناقِضة حوْله حتى ان ابن النديم يقول انه وجد العديد من المصاحِف المكتوبة وكل يزعُم صاحِبُها انها لابن مسعود وتختلف جميعها فيما بينها في ترتيب السُور ... في حين جميع المصاحِف المنسوخة التي وصلتنا هي على ترتيب وخط عُثمان بن عفان.
8- مُصحف ابن مسعود قد يكون حوى بجانِب القرآن تفسير او شرح او خِلافه , لأن المصحف لم يكُن يُطلق على القرآن فقط وإنما على أي كِتاب في زمانِهِم , أما بعد جمع عُثمان فقد اقتصر إطلاق المُصحف على الكِتاب المجموع فيه القرآن الكريم كامِلاً وفقط ...!
9- أن ناسِخ المُصحف وكاتِبه لعُثمان هم كتبة الوحي , وكتبة الوحي هم أعلم بما هو مكتوب وكيفية كِتابتِه , فقد نقلوا الوحي كما كتبوه في الصُحُف على عهد أبي بكر ومن الصُحُف نسخوها في المصاحِفِ في عهد عُثمان ... وهم أولى بِكِتابتِه لأنهم هم الذين عدّل لهم الرسول ما كتبوا فكان يقول لهم اعيدوا القراءة علي فيُقوِّم ما فيها مِن عوج , في حين ان ابن مسعود بجلالة عِلمه و صُحبتِه ومالهُ مِن فضل لم يكتب للرسول و لم يُقوِّم له الرسول كِتابته.
10- جميع الصحابة اعترضوا على تعصُّب ابن مسعود لمُصحفِهِ وأنه لم يُرِد حرْقهُ , في حين أنهم باركوا جميعاً بلا منازع جمع عُثمان ... لأن مُخالفة ابن مسعود نشأت عن أمور :
- مخالفته في رفضه أن يختار عُثمان زيد بن ثابِت لكتابة المصحف .. فقد كان ابن مسعود رضي اللهُ عنه يرى أنه الاحق بالإختيار فهو الأعلم بتفسير القرآن وعلومِه ... و الاكبر سِنّاً و الأقدمُ اسلاما من زيد الذي كان طِفلاً يهودياً في المدينة .
- مُخالفتُهُ لهم في حرق مُصحفِهِ ..لاعتِزازِهِ بِما أخذهُ مُباشرة مِن فم رسول الله ولم يضع في الحُسبان أن رسول الله كان يُقْرِئُهُ بِما يُناسِب لسان ابن مسعود , ولم يُفرِض عليْنا القرآن بقراءة هذيل , وإنما عمّمه الرسول على الصحابة بالقراءة التي نُسِخت في مصاحِف عُثمان .. بل مِن قبل عُثمان , أرسل عُمر بن الخطاب إلى ابن مسعود ان لا تُعلِّم الناس في الكوفة بقراءة هذيل فلم ينزِل القرآن على هذيل ...!
- مُخالفتُهُ في اعتِزازِه بما أخذه مُباشرة عن رسول الله صلى اللهُ عليْهِ وسلّم , ولم يُراعي أموراً كالفتنة الناجِمة عن ذلِك خاصة وان هناك من الآي ماهو منسوخ أو كُتِب على التيسير وأن من المُسلِمين الجُدد من وقع في فِتنة التكفير و الإقتِتال.
11- أجمع الصحابة على خطأ ابن مسعود ورجِع رضي اللهُ عنه عما فعل و أقرأ التابِعين جميعاً بقراءة المُسلِمين العامة ..
إن رأيت كل ماسبق وجدت ان ابن مسعود نفسُه ايضاً لم يعترِض على القراءة العامة و جمع عُثمان للقرآن لأنه نفسُه قرأ بِها وأقرأ من أخذ عنه القرآن بها , ولكِنه اعترض في اول الأمر ظانا أنهم سيفرِضوا عليه قراءة زيد , واعترض ظانا أنهم أهملوا عِلْمه واعترض اعتِزازاً وتيمُّناً بِما أخذه مِن الرسول ولم يُرِد أن يحرِق شيئاً خصّهُ بِهِ الرسول وكتبهُ عنه ....
وزيْدُ ابن ثابِت أولى في كِتابة المُصحفِ من ابن مسعود رضي اللهُ عنهُما , لأننا حين نُريد كِتابة كِتاب فإننا نبحث عن ناسِخ جيِّد وكاتِب ولا نبحث عن الأكثر عِلْماً أو دِراية بالتفسير او خِلافه ... فالمُفسِّر نحتاجه في التفسير وليس الكِتابة , والكاتِب نحتاجه في الكِتابة وليس التفسير , و أولى الصحابة بنسخ ما كُتِب من وحي في العسب و الرق إلى الصُحُف في زمان أبي بكر هو من كتبها وكاتب الوحي الأصلي وهو زيد , وأولى الصحابة في نسخ الصُحُف التي كُتِبت زمان أبي بكر في مصاحِف عُثمان هو كاتِبِها وهو زيد بن ثابِت أيضاً.. فهو الأعلم بِما كتبه في زمان الرسول وزمان أبي بكر , فنسخُهُ لهم في زمان عُثمان أولى به مِن غيرِه.
رضي الله عنهُم جميعا
اعلم أن الصحابة كانت لهم مصاحف خاصة بهم يكتبون بها
عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ، أَنَّهُ قَالَ : أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا. وَقَالَتْ : إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَآذِنِّي { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى }، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ). قَالَتْ عَائِشَةُ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالفارق بين مُصحف ذي النوريْنِ عُثمان بن عفان .. ومُصحف ابن مسعود -رضي اللهُ عنهما - كبير :
1- فمُصحف عُثمان يُراد به القرآن الكريم كامِلاً , أما مُصحف ابن مسعود فقد كتب فيه ما سمِعه فقط من الرسول مُباشرة وخشي ان ينساه ...
2- مُصحف ابن مسعود حوى بِضع وسبعون سورة سمِعها مُباشرة من فمِ رسول الله في حين كان مُصحف عُثمان يحوي القرآن الكريم كامِلاً كما قرأهُ رسول الله وجمهور الصحابة.
3- مُصحف عُثمان كُتِب بعد العَرضة الأخيرة على رسول الله وبعد انتهاء الوحي القرآني كامِلاً وبعد الإستِقرار على الناسِخ والمنسوخ , في حين مُصحف ابن مسعود كُتِب قبل العَرضة الأخيرة وكُتِب مُنذ القِدم في أوائل زمان نزول القرآن , مما جعله قد يفتقِر لآيات نزلت فيما بعد أو أن يكون شيء طبيعي وجود سُوَر لم تكتمِل بعد في مُصحفِه ..
4- مُصحف عُثمان أجمع عليْه جميعُ الصحابة بلا خِلاف بينهُم , فقد كُتِب في وجودِهِم وبِشهادتِهِم , في حين كان ابن مسعود يكتُب مُصحفه بنفسه مما يسمعه من النبي مباشرة اما في خُطبِهِ او بعد الصلاة .. وبالتالي يكون عُرضة للخطأ بسبب عدم المراجعة .
5- مُصحف عُثمان شارك في كِتابتِهِ جميع الصحابة منذ عهد أبي بكر وإلى عهد عُثمان , حين جمعه أبو بكر في الصُحُف في وجود الصحابة و شاهِدين على كل آية , ثم نسخه عُثمان من صُحُف ابي بكر بيد من كتبوه انفُسُهم , ثم مُشاركة و مراجعة 12 صحابياً معه , ثم راجعه عُثمان بن عفان نفسه وقد كان هو أيضاً كاتِباً لوحي الرسول فراجعهُ اربع مرات , ولكِن لم يُراجِع أحد لابن مسعود ما كتبه .. من راجع ماكتبهُ ابن مسعود ؟!!....إذاً مُصحف عُثمان مكتوب بالإجماع ومُصحف ابن مسعود انفرد هو وحده بكتابته وهل يثبُت قرآن بالإنفراد؟!.. لا .. القرآن يثبُت فقط بالإجماع.
6- مُصحف عُثمان كُتِب كامِلاً على القِراءة العامة التي قرأ بِها جمهور الصحابة وأجمعوا عليْها بِما فيهِم ابن مسعود , أما مُصحف ابن مسعود فقد كتب فيه بعض القرآن على ما قد يكون نُسِخ أوعلى ما يُحمل كتفسير , وعلى ما اختصّهُ بِهِ الرسول من بعض الأحرُف السبعة التي تتناسب مع لهجته لأنه كان من هذيل.
7- مُصحف ابن مسعود لم يوجد بين أيدينا تاريخياً أصلاً وكثًرت الروايات المُتناقِضة حوْله حتى ان ابن النديم يقول انه وجد العديد من المصاحِف المكتوبة وكل يزعُم صاحِبُها انها لابن مسعود وتختلف جميعها فيما بينها في ترتيب السُور ... في حين جميع المصاحِف المنسوخة التي وصلتنا هي على ترتيب وخط عُثمان بن عفان.
8- مُصحف ابن مسعود قد يكون حوى بجانِب القرآن تفسير او شرح او خِلافه , لأن المصحف لم يكُن يُطلق على القرآن فقط وإنما على أي كِتاب في زمانِهِم , أما بعد جمع عُثمان فقد اقتصر إطلاق المُصحف على الكِتاب المجموع فيه القرآن الكريم كامِلاً وفقط ...!
9- أن ناسِخ المُصحف وكاتِبه لعُثمان هم كتبة الوحي , وكتبة الوحي هم أعلم بما هو مكتوب وكيفية كِتابتِه , فقد نقلوا الوحي كما كتبوه في الصُحُف على عهد أبي بكر ومن الصُحُف نسخوها في المصاحِفِ في عهد عُثمان ... وهم أولى بِكِتابتِه لأنهم هم الذين عدّل لهم الرسول ما كتبوا فكان يقول لهم اعيدوا القراءة علي فيُقوِّم ما فيها مِن عوج , في حين ان ابن مسعود بجلالة عِلمه و صُحبتِه ومالهُ مِن فضل لم يكتب للرسول و لم يُقوِّم له الرسول كِتابته.
10- جميع الصحابة اعترضوا على تعصُّب ابن مسعود لمُصحفِهِ وأنه لم يُرِد حرْقهُ , في حين أنهم باركوا جميعاً بلا منازع جمع عُثمان ... لأن مُخالفة ابن مسعود نشأت عن أمور :
- مخالفته في رفضه أن يختار عُثمان زيد بن ثابِت لكتابة المصحف .. فقد كان ابن مسعود رضي اللهُ عنه يرى أنه الاحق بالإختيار فهو الأعلم بتفسير القرآن وعلومِه ... و الاكبر سِنّاً و الأقدمُ اسلاما من زيد الذي كان طِفلاً يهودياً في المدينة .
- مُخالفتُهُ لهم في حرق مُصحفِهِ ..لاعتِزازِهِ بِما أخذهُ مُباشرة مِن فم رسول الله ولم يضع في الحُسبان أن رسول الله كان يُقْرِئُهُ بِما يُناسِب لسان ابن مسعود , ولم يُفرِض عليْنا القرآن بقراءة هذيل , وإنما عمّمه الرسول على الصحابة بالقراءة التي نُسِخت في مصاحِف عُثمان .. بل مِن قبل عُثمان , أرسل عُمر بن الخطاب إلى ابن مسعود ان لا تُعلِّم الناس في الكوفة بقراءة هذيل فلم ينزِل القرآن على هذيل ...!
- مُخالفتُهُ في اعتِزازِه بما أخذه مُباشرة عن رسول الله صلى اللهُ عليْهِ وسلّم , ولم يُراعي أموراً كالفتنة الناجِمة عن ذلِك خاصة وان هناك من الآي ماهو منسوخ أو كُتِب على التيسير وأن من المُسلِمين الجُدد من وقع في فِتنة التكفير و الإقتِتال.
11- أجمع الصحابة على خطأ ابن مسعود ورجِع رضي اللهُ عنه عما فعل و أقرأ التابِعين جميعاً بقراءة المُسلِمين العامة ..
إن رأيت كل ماسبق وجدت ان ابن مسعود نفسُه ايضاً لم يعترِض على القراءة العامة و جمع عُثمان للقرآن لأنه نفسُه قرأ بِها وأقرأ من أخذ عنه القرآن بها , ولكِنه اعترض في اول الأمر ظانا أنهم سيفرِضوا عليه قراءة زيد , واعترض ظانا أنهم أهملوا عِلْمه واعترض اعتِزازاً وتيمُّناً بِما أخذه مِن الرسول ولم يُرِد أن يحرِق شيئاً خصّهُ بِهِ الرسول وكتبهُ عنه ....
وزيْدُ ابن ثابِت أولى في كِتابة المُصحفِ من ابن مسعود رضي اللهُ عنهُما , لأننا حين نُريد كِتابة كِتاب فإننا نبحث عن ناسِخ جيِّد وكاتِب ولا نبحث عن الأكثر عِلْماً أو دِراية بالتفسير او خِلافه ... فالمُفسِّر نحتاجه في التفسير وليس الكِتابة , والكاتِب نحتاجه في الكِتابة وليس التفسير , و أولى الصحابة بنسخ ما كُتِب من وحي في العسب و الرق إلى الصُحُف في زمان أبي بكر هو من كتبها وكاتب الوحي الأصلي وهو زيد , وأولى الصحابة في نسخ الصُحُف التي كُتِبت زمان أبي بكر في مصاحِف عُثمان هو كاتِبِها وهو زيد بن ثابِت أيضاً.. فهو الأعلم بِما كتبه في زمان الرسول وزمان أبي بكر , فنسخُهُ لهم في زمان عُثمان أولى به مِن غيرِه.
رضي الله عنهُم جميعا
-----------------------
بعض اهم ردود دكتور أمير
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تلخيص ما سبق في كلام ابن تيمية فقد سُئِلَ:
عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «﴿أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ﴾» ما المُرادُ بِهَذِهِ السَّبْعَةِ؟ وهَلْ هَذِهِ القِراءاتُ المَنسُوبَةُ إلى نافِعٍ وعاصِمٍ وغَيْرِهِما هِيَ الأحْرُفُ السَّبْعَةُ أوْ واحِدٌ مِنها؟ وما السَّبَبُ الَّذِي أوْجَبَ الِاخْتِلافَ بَيْنَ القُرّاءِ فِيما احْتَمَلَهُ خَطُّ المُصْحَفِ؟ وهَلْ تَجُوزُ القِراءَةُ بِرِوايَةِ الأعْمَشِ وابْنِ محيصن وغَيْرِهِما مِن القِراءاتِ الشّاذَّةِ أمْ لا؟ وإذا جازَتْ القِراءَةُ بِها فَهَلْ تَجُوزُ الصَّلاةُ بِها أمْ لا؟ أفْتُونا مَأْجُورِينَ.
عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «﴿أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ﴾» ما المُرادُ بِهَذِهِ السَّبْعَةِ؟ وهَلْ هَذِهِ القِراءاتُ المَنسُوبَةُ إلى نافِعٍ وعاصِمٍ وغَيْرِهِما هِيَ الأحْرُفُ السَّبْعَةُ أوْ واحِدٌ مِنها؟ وما السَّبَبُ الَّذِي أوْجَبَ الِاخْتِلافَ بَيْنَ القُرّاءِ فِيما احْتَمَلَهُ خَطُّ المُصْحَفِ؟ وهَلْ تَجُوزُ القِراءَةُ بِرِوايَةِ الأعْمَشِ وابْنِ محيصن وغَيْرِهِما مِن القِراءاتِ الشّاذَّةِ أمْ لا؟ وإذا جازَتْ القِراءَةُ بِها فَهَلْ تَجُوزُ الصَّلاةُ بِها أمْ لا؟ أفْتُونا مَأْجُورِينَ.
فَأجابَ:
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، هَذِهِ «مَسْألَةٌ كَبِيرَةٌ» قَدْ تَكَلَّمَ فِيها أصْنافُ العُلَماءِ مِن الفُقَهاءِ والقُرّاءِ وأهْلِ الحَدِيثِ والتَّفْسِيرِ والكَلامِ وشَرْحِ الغَرِيبِ وغَيْرِهِمْ حَتّى صُنِّفَ فِيها التَّصْنِيفُ المُفْرَدُ ومِن آخِرِ ما أُفْرِدَ فِي ذَلِكَ ما صَنَّفَهُ الشَّيْخُ أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْماعِيلَ بْنِ إبْراهِيمَ الشّافِعِيُّ المَعْرُوفُ بِأبِي شامَةَ صاحِبُ «شَرْحِ الشاطبية».
فَأمّا ذِكْرُ أقاوِيلِ النّاسِ وأدِلَّتِهِمْ وتَقْرِيرُ الحَقِّ فِيها مَبْسُوطًا فَيَحْتاجُ مِن ذِكْرِ الأحادِيثِ الوارِدَةِ فِي ذَلِكَ وذِكْرِ ألْفاظِها وسائِرِ الأدِلَّةِ إلى ما لا يَتَّسِعُ لَهُ هَذا المَكانُ ولا يَلِيقُ بِمِثْلِ هَذا الجَوابِ؛ ولَكِنْ نَذْكُرُ النُّكَتَ الجامِعَةَ الَّتِي تُنَبِّهُ عَلى المَقْصُودِ بِالجَوابِ. فَنَقُولُ: لا نِزاعَ بَيْنَ العُلَماءِ المُعْتَبَرِينَ أنَّ «الأحْرُفَ السَّبْعَةَ» الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ أنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَيْها لَيْسَتْ هِيَ «قِراءاتِ القُرّاءِ السَّبْعَةِ المَشْهُورَةَ»
بَلْ أوَّلُ مَن جَمَعَ قِراءاتِ هَؤُلاءِ هُوَ الإمامُ أبُو بَكْرِ بْنُ مُجاهِدٍ وكانَ عَلى رَأْسِ المِائَةِ الثّالِثَةِ بِبَغْدادَ فَإنَّهُ أحَبَّ أنْ يَجْمَعَ المَشْهُورَ مِن قِراءاتِ الحَرَمَيْنِ والعِراقَيْنِ والشّامِ؛ إذْ هَذِهِ الأمْصارُ الخَمْسَةُ هِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنها عِلْمُ النُّبُوَّةِ مِن القُرْآنِ وتَفْسِيرِهِ والحَدِيثِ والفِقْهِ مِن الأعْمالِ الباطِنَةِ والظّاهِرَةِ وسائِرِ العُلُومِ الدِّينِيَّةِ فَلَمّا أرادَ ذَلِكَ جَمَعَ قِراءاتِ سَبْعَةِ مَشاهِيرَ مِن أئِمَّةِ قُرّاءِ هَذِهِ الأمْصارِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُوافِقًا لِعَدَدِ الحُرُوفِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْها القُرْآنُ لا لِاعْتِقادِهِ أوْ اعْتِقادِ غَيْرِهِ مِن العُلَماءِ أنَّ القِراءاتِ السَّبْعَةَ هِيَ الحُرُوفُ السَّبْعَةُ أوْ أنَّ هَؤُلاءِ السَّبْعَةَ المُعَيَّنِينَ هُمْ الَّذِينَ لا يَجُوزُ أنْ يُقْرَأ بِغَيْرِ قِراءَتِهِمْ. ولِهَذا قالَ مَن قالَ مِن أئِمَّةِ القُرّاءِ: لَوْلا أنَّ ابْنَ مُجاهِدٍ سَبَقَنِي إلى حَمْزَةَ لَجَعَلْت مَكانَهُ يَعْقُوبَ الحَضْرَمِيَّ إمامَ جامِعِ البَصْرَةِ وإمامَ قُرّاءِ البَصْرَةِ فِي زَمانِهِ فِي رَأْسِ المِائَتَيْنِ.
ولا نِزاعَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ أنَّ الحُرُوفَ السَّبْعَةَ الَّتِي أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَيْها لا تَتَضَمَّنُ تَناقُضَ المَعْنى وتَضادَّهُ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعْناها مُتَّفِقًا أوْ مُتَقارِبًا كَما قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنّما هُوَ كَقَوْلِ أحَدِكُمْ أقْبِلْ وهَلُمَّ وتَعالَ.
وقَدْ يَكُونُ مَعْنى أحَدِهِما لَيْسَ هُوَ مَعْنى الآخَرِ؛ لَكِنْ كِلا المَعْنَيَيْنِ حَقٌّ وهَذا اخْتِلافُ تَنَوُّعٍ وتَغايُرٍ لا اخْتِلافُ تَضادٍّ وتَناقُضٍ وهَذا كَما جاءَ فِي الحَدِيثِ المَرْفُوعِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي هَذا حَدِيثِ: ﴿أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ إنْ قُلْت: غَفُورًا رَحِيمًا أوْ قُلْت: عَزِيزًا حَكِيمًا فاَللَّهُ كَذَلِكَ ما لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذابٍ أوْ آيَةَ عَذابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ﴾»
. وهَذا كَما فِي القِراءاتِ المَشْهُورَةِ (رَبَّنا باعَدْ) (وباعِدْ)، ﴿إلّا أنْ يَخافا ألّا يُقِيما﴾. و(إلّا أنْ يُخافا ألّا يُقِيما) (وإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ). (ولِيَزُولَ مِنهُ الجِبالُ) و(بَلْ عَجِبْتَ). (وبَلْ عَجِبْتُ) ونَحْوِ ذَلِكَ.
ومِن القِراءاتِ ما يَكُونُ المَعْنى فِيها مُتَّفِقًا مِن وجْهٍ مُتَبايِنًا مِن وجْهٍ كَقَوْلِهِ: (يَخْدَعُونَ ويُخادِعُونَ (ويَكْذِبُونَ ويُكَذِّبُونَ (ولَمَسْتُمْ ولامَسْتُمْ) و(حَتّى يَطْهُرْنَ) (ويَطَّهَّرْنَ) ونَحْوِ ذَلِكَ فَهَذِهِ القِراءاتُ الَّتِي يَتَغايَرُ فِيها المَعْنى كُلُّها حَقٌّ وكُلُّ قِراءَةٍ مِنها مَعَ القِراءَةِ الأُخْرى بِمَنزِلَةِ الآيَةِ مَعَ الآيَةِ يَجِبُ الإيمانُ بِها كُلِّها واتِّباعُ ما تَضَمَّنَتْهُ مِن المَعْنى عِلْمًا وعَمَلًا لا يَجُوزُ تَرْكُ مُوجِبِ إحْداهُما لِأجْلِ الأُخْرى ظَنًّا أنَّ ذَلِكَ تَعارُضٌ بَلْ كَما قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ﵁ مَن كَفَرَ بِحَرْفِ مِنهُ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ.
وأمّا ما اتَّحَدَ لَفْظُهُ ومَعْناهُ وإنَّما يَتَنَوَّعُ صِفَةُ النُّطْقِ بِهِ كالهَمَزاتِ والمَدّاتِ والإمالاتِ ونَقْلِ الحَرَكاتِ والإظْهارِ والإدْغامِ والِاخْتِلاسِ وتَرْقِيقِ اللّاماتِ والرّاءاتِ: أوْ تَغْلِيظِها ونَحْوِ ذَلِكَ مِمّا يُسَمّى القِراءاتِ الأُصُولَ فَهَذا أظْهَرُ وأبْيَنُ فِي أنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَناقُضٌ ولا تَضادٌّ مِمّا تَنَوَّعَ فِيهِ اللَّفْظُ أوْ المَعْنى؛ إذْ هَذِهِ الصِّفاتُ المُتَنَوِّعَةُ فِي أداءِ اللَّفْظِ لا تُخْرِجُهُ عَنْ أنْ يَكُونَ لَفْظًا واحِدًا ولا يُعَدُّ ذَلِكَ فِيما اخْتَلَفَ لَفْظُهُ واتَّحَدَ مَعْناهُ أوْ اخْتَلَفَ مَعْناهُ مِن المُتَرادِفِ ونَحْوِهِ ولِهَذا كانَ دُخُولُ هَذا فِي حَرْفٍ واحِدٍ مِن الحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَيْها مِن أوْلى ما يَتَنَوَّعُ فِيهِ اللَّفْظُ أوْ المَعْنى وإنْ وافَقَ رَسْمَ المُصْحَفِ وهُوَ ما يَخْتَلِفُ فِيهِ النَّقْطُ أوْ الشَّكْلُ.
ولِذَلِكَ لَمْ يَتَنازَعْ عُلَماءُ الإسْلامِ المَتْبُوعِينَ مِن السَّلَفِ والأئِمَّةِ فِي أنَّهُ لا يَتَعَيَّنُ أنْ يَقْرَأ بِهَذِهِ القِراءاتِ المُعَيَّنَةِ فِي جَمِيعِ أمْصارِ المُسْلِمِينَ؛ بَلْ مَن ثَبَتَ عِنْدَهُ قِراءَةُ الأعْمَشِ شَيْخِ حَمْزَةَ أوْ قِراءَةُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحاقَ الحَضْرَمِيِّ ونَحْوِهِما كَما ثَبَتَ عِنْدَهُ قِراءَةُ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ فَلَهُ أنْ يَقْرَأ
بِها بِلا نِزاعٍ بَيْنَ العُلَماءِ المُعْتَبَرِينَ المَعْدُودِينَ مِن أهْلِ الإجْماعِ والخِلافِ؛
بَلْ أكْثَرُ العُلَماءِ الأئِمَّةِ الَّذِينَ أدْرَكُوا قِراءَةَ حَمْزَةَ كَسُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَة وأحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وبِشْرِ بْنِ الحارِثِ وغَيْرِهِمْ يَخْتارُونَ قِراءَةَ أبِي جَعْفَرِ بْنِ القَعْقاعِ وشَيْبَةَ بْنِ نِصاحٍ المَدَنِيَّيْنِ وقِراءَةَ البَصْرِيِّينَ كَشُيُوخِ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحاقَ وغَيْرِهِمْ عَلى قُرّاءِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ. ولِلْعُلَماءِ الأئِمَّةِ فِي ذَلِكَ مِن الكَلامِ ما هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ العُلَماءِ؛ ولِهَذا كانَ أئِمَّةُ أهْلِ العِراقِ الَّذِينَ ثَبَتَتْ عِنْدَهُمْ قِراءاتُ العَشَرَةِ أوْ الأحَدَ عَشَرَ كَثُبُوتِ هَذِهِ السَّبْعَةِ يَجْمَعُونَ ذَلِكَ فِي الكُتُبِ ويَقْرَءُونَهُ فِي الصَّلاةِ وخارِجَ الصَّلاةِ وذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ العُلَماءِ لَمْ يُنْكِرْهُ أحَدٌ مِنهُمْ. وأمّا الَّذِي ذَكَرَهُ القاضِي عِياضٌ ومَن نَقَلَ مِن كَلامِهِ مِن الإنْكارِ عَلى ابْنِ شنبوذ الَّذِي كانَ يَقْرَأُ بِالشَّواذِّ فِي الصَّلاةِ فِي أثْناءِ المِائَةِ الرّابِعَةِ وجَرَتْ لَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ فَإنَّما كانَ ذَلِكَ فِي القِراءاتِ الشّاذَّةِ الخارِجَةِ عَنْ المُصْحَفِ كَما سَنُبَيِّنُهُ.
ولَمْ يُنْكِرْ أحَدٌ مِن العُلَماءِ قِراءَةَ العَشَرَةِ ولَكِنْ مَن لَمْ يَكُنْ عالِمًا بِها أوْ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ كَمَن يَكُونُ فِي بَلَدٍ مِن بِلادِ الإسْلامِ بِالمَغْرِبِ أوْ غَيْرِهِ ولَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَعْضُ هَذِهِ القِراءاتِ فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَقْرَأ بِما لا يَعْلَمُهُ
فَإنَّ القِراءَةَ كَما قالَ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ سُنَّةٌ يَأْخُذُها الآخِرُ عَنْ الأوَّلِ كَما أنَّ ما ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مِن أنْواعِ الِاسْتِفْتاحاتِ فِي الصَّلاةِ ومِن أنْواعِ صِفَةِ الأذانِ والإقامَةِ وصِفَةِ صَلاةِ الخَوْفِ وغَيْرِ ذَلِكَ كُلُّهُ حَسَنٌ يُشْرَعُ العَمَلُ بِهِ لِمَن عَلِمَهُ وأمّا مَن عَلِمَ نَوْعًا ولَمْ يَعْلَمْ غَيْرَهُ فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَعْدِلَ عَمّا عَلِمَهُ إلى ما لَمْ يَعْلَمْهُ ولَيْسَ لَهُ أنْ يُنْكِرَ عَلى مَن عَلِمَ ما لَمْ يَعْلَمْهُ مِن ذَلِكَ ولا أنْ يُخالِفَهُ كَما قالَ النَّبِيُّ ﷺ ﴿لا تَخْتَلِفُوا فَإنَّ مَن كانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا﴾».
وأمّا القِراءَةُ الشّاذَّةُ الخارِجَةُ عَنْ رَسْمِ المُصْحَفِ العُثْمانِيِّ مِثْلَ قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وأبِي الدَّرْداءِ ﵄ (واللَّيْلِ إذا يَغْشى والنَّهارِ إذا تَجَلّى والذَّكَرِ والأُنْثى) كَما قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
ومِثْلَ قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ مُتَتابِعاتٍ) وكَقِراءَتِهِ: (إنْ كانَتْ إلّا زَقْيَة واحِدَةً) ونَحْوِ ذَلِكَ.
فَهَذِهِ إذا ثَبَتَتْ عَنْ بَعْضِ الصَّحابَةِ فَهَلْ يَجُوزُ أنْ يُقْرَأ بِها فِي الصَّلاةِ؟
عَلى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَماءِ هُما رِوايَتانِ مَشْهُورَتانِ عَنْ الإمامِ أحْمَد ورِوايَتانِ عَنْ مالِكٍ.
«إحْداهُما» يَجُوزُ ذَلِكَ لِأنَّ الصَّحابَةَ والتّابِعِينَ كانُوا يَقْرَءُونَ بِهَذِهِ الحُرُوفِ فِي الصَّلاةِ.
«والثّانِيَةُ» لا يَجُوزُ ذَلِكَ وهُوَ قَوْلُ أكْثَرِ العُلَماءِ؛
لِأنَّ هَذِهِ القِراءاتِ لَمْ تَثْبُتْ مُتَواتِرَةً عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وإنْ ثَبَتَتْ فَإنَّها مَنسُوخَةٌ بالعرضة الآخِرَةِ
فَإنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحاحِ ﴿عَنْ عائِشَةَ وابْنِ عَبّاسٍ ﵃ أنَّ جِبْرِيلَ ﵇ كانَ يُعارِضُ النَّبِيَّ ﷺ بِالقُرْآنِ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً فَلَمّا كانَ العامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ والعرضة الآخِرَةُ هِيَ قِراءَةُ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وغَيْرِهِ﴾
وهِيَ الَّتِي أمَرَ الخُلَفاءُ الرّاشِدُونَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمانُ وعَلِيٌّ بِكِتابَتِها فِي المَصاحِفِ وكَتَبَها أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ فِي خِلافَةِ أبِي بَكْرٍ فِي صُحُفٍ أُمِرَ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ بِكِتابَتِها ثُمَّ أمَرَ عُثْمانُ فِي خِلافَتِهِ بِكِتابَتِها فِي المَصاحِفِ وإرْسالِها إلى الأمْصارِ وجَمْعِ النّاسِ عَلَيْها بِاتِّفاقِ مِن الصَّحابَةِ عَلِيٍّ وغَيْرِهِ.
وهَذا النِّزاعُ لا بُدَّ أنْ يُبْنى عَلى الأصْلِ الَّذِي سَألَ عَنْهُ السّائِلُ وهُوَ أنَّ القِراءاتِ السَّبْعَةَ هَلْ هِيَ حَرْفٌ مِن الحُرُوفِ السَّبْعَةِ أمْ لا؟ فاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ العُلَماءِ مِن السَّلَفِ والأئِمَّةِ أنَّها حَرْفٌ مِن الحُرُوفِ السَّبْعَةِ؛
بَلْ يَقُولُونَ: إنّ مُصْحَفَ عُثْمانَ هُوَ أحَدُ الحُرُوفِ السَّبْعَةِ وهُوَ مُتَضَمِّنٌ للعرضة الآخِرَةِ الَّتِي عَرَضَها النَّبِيُّ ﷺ عَلى جِبْرِيلَ والأحادِيثُ والآثارُ المَشْهُورَةُ المُسْتَفِيضَةُ تَدُلُّ عَلى هَذا القَوْلِ. وذَهَبَ طَوائِفُ مِن الفُقَهاءِ والقُرّاءِ وأهْلِ الكَلامِ إلى أنَّ هَذا المُصْحَفَ مُشْتَمِلٌ عَلى الأحْرُفِ السَّبْعَةِ وقَرَّرَ ذَلِكَ طَوائِفُ مِن أهْلِ الكَلامِ
كالقاضِي أبِي بَكْرٍ الباقِلانِي وغَيْرِهِ؛
بِناءً عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ عَلى الأُمَّةِ أنْ تُهْمِلَ نَقْلَ شَيْءٍ مِن الأحْرُفِ السَّبْعَةِ وقَدْ اتَّفَقُوا عَلى نَقْلِ هَذا المُصْحَفِ الإمامِ العُثْمانِيِّ وتَرْكِ ما سِواهُ حَيْثُ أمَرَ عُثْمانُ بِنَقْلِ القُرْآنِ مِن الصُّحُفِ الَّتِي كانَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ كَتَبا القُرْآنَ فِيها ثُمَّ أرْسَلَ عُثْمانُ بِمُشاوَرَةِ الصَّحابَةِ إلى كُلِّ مِصْرٍ مِن أمْصارِ المُسْلِمِينَ بِمُصْحَفِ وأمَرَ بِتَرْكِ ما سِوى ذَلِكَ.
قالَ هَؤُلاءِ: ولا يَجُوزُ أنْ يَنْهى عَنْ القِراءَةِ بِبَعْضِ الأحْرُفِ السَّبْعَةِ. ومَن نَصَرَ قَوْلَ الأوَّلِينَ يُجِيبُ تارَةً بِما ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ مِن أنَّ القِراءَةَ عَلى الأحْرُفِ السَّبْعَةِ لَمْ يَكُنْ واجِبًا عَلى الأُمَّةِ وإنَّما كانَ جائِزًا لَهُمْ مُرَخَّصًا لَهُمْ فِيهِ وقَدْ جُعِلَ إلَيْهِمْ الِاخْتِيارُ فِي أيِّ حَرْفٍ اخْتارُوهُ كَما أنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ لَمْ يَكُنْ واجِبًا عَلَيْهِمْ مَنصُوصًا؛ بَلْ مُفَوَّضًا إلى اجْتِهادِهِمْ؛ ولِهَذا كانَ تَرْتِيبُ مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ عَلى غَيْرِ تَرْتِيبِ مُصْحَفِ زَيْدٍ وكَذَلِكَ مُصْحَفُ غَيْرِهِ.
وأمّا تَرْتِيبُ آياتِ السُّوَرِ فَهُوَ مُنَزَّلٌ مَنصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أنْ يُقَدِّمُوا آيَةً عَلى آيَةٍ فِي الرَّسْمِ كَما قَدَّمُوا سُورَةً عَلى سُورَةٍ لِأنَّ تَرْتِيبَ الآياتِ مَأْمُورٌ بِهِ نَصًّا وأمّا تَرْتِيبُ السُّوَرِ فَمُفَوَّضٌ إلى اجْتِهادِهِمْ. قالُوا: فَكَذَلِكَ الأحْرُفُ السَّبْعَةُ فَلَمّا رَأى الصَّحابَةُ أنَّ الأُمَّةَ تَفْتَرِقُ وتَخْتَلِفُ وتَتَقاتَلُ إذا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلى حَرْفٍ واحِدٍ اجْتَمَعُوا عَلى ذَلِكَ اجْتِماعًا سائِغًا وهُمْ مَعْصُومُونَ أنْ يَجْتَمِعُوا عَلى ضَلالَةٍ ولَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَرْكٌ لِواجِبِ ولا فِعْلٌ لِمَحْظُورِ.
ومِن هَؤُلاءِ مَن يَقُولُ بِأنَّ التَّرْخِيصَ فِي الأحْرُفِ السَّبْعَةِ كانَ فِي أوَّلِ الإسْلامِ؛ لِما فِي المُحافَظَةِ عَلى حَرْفٍ واحِدٍ مِن المَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ أوَّلًا فَلَمّا تَذَلَّلَتْ ألْسِنَتُهُمْ بِالقِراءَةِ وكانَ اتِّفاقُهُمْ عَلى حَرْفٍ واحِدٍ يَسِيرًا عَلَيْهِمْ وهُوَ أرْفَقُ بِهِمْ أجْمَعُوا عَلى الحَرْفِ الَّذِي كانَ فِي العرضة الآخِرَةِ. ويَقُولُونَ: إنّهُ نُسِخَ ما سِوى ذَلِكَ. وهَؤُلاءِ يُوافِقُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ مَن يَقُولُ: إنّ حُرُوفَ أبي بْنِ كَعْبٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وغَيْرِهِما مِمّا يُخالِفُ رَسْمَ هَذا المُصْحَفِ مَنسُوخَةٌ.
وأمّا مَن قالَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أنَّهُ كانَ يَجُوزُ القِراءَةُ بِالمَعْنى فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ وإنَّما قالَ: قَدْ نَظَرْت إلى القُرّاءِ فَرَأيْت قِراءَتَهُمْ مُتَقارِبَةً وإنَّما هُوَ كَقَوْلِ أحَدِكُمْ: أقْبِلْ وهَلُمَّ وتَعالَ فاقْرَؤُوا كَما عَلِمْتُمْ أوْ كَما قالَ. ثُمَّ مَن جَوَّزَ القِراءَةَ بِما يَخْرُجُ عَنْ المُصْحَفِ مِمّا ثَبَتَ عَنْ الصَّحابَةِ قالَ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ مِن الحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَيْها ومَن لَمْ يُجَوِّزْهُ فَلَهُ ثَلاثَةُ مَآخِذَ: تارَةً يَقُولُ لَيْسَ هُوَ مِن الحُرُوفِ
السَّبْعَةِ وتارَةً
يَقُولُ: هُوَ مِن الحُرُوفِ المَنسُوخَةِ وتارَةً يَقُولُ: هُوَ مِمّا انْعَقَدَ إجْماعُ الصَّحابَةِ عَلى الإعْراضِ عَنْهُ وتارَةً يَقُولُ: لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنا نَقْلًا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ القُرْآنُ. وهَذا هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ المُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين.
ولِهَذا كانَ فِي المَسْألَةِ «قَوْلٌ ثالِثٌ» وهُوَ اخْتِيارُ جَدِّي أبِي البَرَكاتِ أنَّهُ إنْ قَرَأ بِهَذِهِ القِراءاتِ فِي القِراءَةِ الواجِبَةِ - وهِيَ الفاتِحَةُ عِنْدَ القُدْرَةِ عَلَيْها - لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ؛
لِأنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أنَّهُ أدّى الواجِبَ مِن القِراءَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ القُرْآنِ بِذَلِكَ وإنْ قَرَأ بِها فِيما لا يَجِبُ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أنَّهُ أتى فِي الصَّلاةِ بِمُبْطِلِ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن الحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْها. وهَذا القَوْلُ يَنْبَنِي عَلى «أصْلٍ» وهُوَ أنَّ ما لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِن الحُرُوفِ السَّبْعَةِ فَهَلْ يَجِبُ القَطْعُ بِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنها؟ فاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ العُلَماءِ أنَّهُ لا يَجِبُ القَطْعُ بِذَلِكَ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِمّا أوْجَبَ عَلَيْنا أنْ يَكُونَ العِلْمُ بِهِ فِي النَّفْيِ والإثْباتِ قَطْعِيًّا. وذَهَبَ فَرِيقٌ مِن أهْلِ الكَلامِ إلى وُجُوبِ القَطْعِ بِنَفْيِهِ حَتّى قَطَعَ بَعْضُ هَؤُلاءِ - كالقاضِي أبِي بَكْرٍ - بِخَطَأِ الشّافِعِيِّ وغَيْرِهِ مِمَّنْ أثْبَتَ البَسْمَلَةَ آيَةً مِن القُرْآنِ فِي غَيْرِ سُورَةِ النَّمْلِ لِزَعْمِهِمْ أنَّ ما كانَ مِن مَوارِدِ الِاجْتِهادِ فِي القُرْآنِ فَإنَّهُ يَجِبُ القَطْعُ بِنَفْيِهِ والصَّوابُ
القَطْعُ بِخَطَأِ هَؤُلاءِ وأنَّ البَسْمَلَةَ آيَةٌ مِن كِتابِ اللَّهِ حَيْثُ كَتَبَها الصَّحابَةُ فِي المُصْحَفِ إذْ لَمْ يَكْتُبُوا فِيهِ إلّا القُرْآنَ وجَرَّدُوهُ عَمّا لَيْسَ مِنهُ كالتَّخْمِيسِ والتَّعْشِيرِ وأسْماءِ السُّوَرِ؛ ولَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لا يُقالُ هِيَ مِن السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَها كَما أنَّها لَيْسَتْ مِن السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَها؛ بَلْ هِيَ كَما كُتِبَتْ آيَةٌ أنْزَلَها اللَّهُ فِي أوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وإنْ لَمْ تَكُنْ مِن السُّورَةِ وهَذا أعْدَلُ الأقْوالِ الثَّلاثَةِ فِي هَذِهِ المَسْألَةِ. وسَواءٌ قِيلَ بِالقَطْعِ فِي النَّفْيِ أوْ الإثْباتِ فَذَلِكَ لا يَمْنَعُ كَوْنَها مِن مَوارِدِ الِاجْتِهادِ الَّتِي لا تَكْفِيرَ ولا تَفْسِيقَ فِيها لِلنّافِي ولا لِلْمُثْبِتِ؛ بَلْ قَدْ يُقالُ ما قالَهُ طائِفَةٌ مِن العُلَماءِ: إنّ كُلَّ واحِدٍ مِن القَوْلَيْنِ حَقٌّ وإنَّها آيَةٌ مِن القُرْآنِ فِي بَعْضِ القِراءاتِ وهِيَ قِراءَةُ الَّذِينَ يَفْصِلُونَ بِها بَيْنَ السُّورَتَيْنِ ولَيْسَتْ آيَةً فِي بَعْضِ القِراءاتِ؛ وهِيَ قِراءَةُ الَّذِينَ يَصِلُونَ ولا يَفْصِلُونَ بِها بَيْنَ السُّورَتَيْنِ.
وأمّا قَوْلُ السّائِلِ: ما السَّبَبُ الَّذِي أوْجَبَ الِاخْتِلافَ بَيْنَ القُرّاءِ فِيما احْتَمَلَهُ خَطُّ المُصْحَفِ؟ فَهَذا مَرْجِعُهُ إلى النَّقْلِ واللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ لِتَسْوِيغِ الشّارِعِ لَهُمْ القِراءَةَ بِذَلِكَ كُلِّهِ إذْ لَيْسَ لِأحَدِ أنْ يَقْرَأ قِراءَةً بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ؛ بَلْ القِراءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ وهُمْ إذا اتَّفَقُوا عَلى اتِّباعِ القُرْآنِ المَكْتُوبِ فِي المُصْحَفِ الإمامِيِّ وقَدْ قَرَأ بَعْضُهُمْ بِالياءِ وبَعْضُهُمْ بِالتّاءِ لَمْ يَكُنْ واحِدٌ مِنهُما خارِجًا عَنْ المُصْحَفِ. ومِمّا
يُوَضِّحُ ذَلِكَ أنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ فِي بَعْضِ المَواضِعِ عَلى ياءٍ أوْ تاءٍ ويَتَنَوَّعُونَ فِي بَعْضٍ كَما اتَّفَقُوا فِي قَوْله تَعالى ﴿وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ﴾ فِي مَوْضِعٍ وتَنَوَّعُوا فِي مَوْضِعَيْنِ وقَدْ بَيَّنّا أنَّ القِراءَتَيْنِ كالآيَتَيْنِ فَزِيادَةُ القِراءاتِ كَزِيادَةِ الآياتِ؛ لَكِنْ إذا كانَ الخَطُّ واحِدًا واللَّفْظُ مُحْتَمَلًا كانَ ذَلِكَ أخْصَرَ فِي الرَّسْمِ. والِاعْتِمادُ فِي نَقْلِ القُرْآنِ عَلى حِفْظِ القُلُوبِ لا عَلى المَصاحِفِ كَما فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «﴿إنّ رَبِّي قالَ لِي أنْ قُمْ فِي قُرَيْشٍ فَأنْذِرْهُمْ. فَقُلْت: أيْ رَبِّ إذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي - أيْ يَشْدَخُوا - فَقالَ: إنِّي مُبْتَلِيك ومُبْتَلٍ بِك ومُنْزِلٌ عَلَيْك كِتابًا لا يَغْسِلُهُ الماءُ تَقْرَؤُهُ نائِمًا ويقظانا فابْعَثْ جُنْدًا أبْعَثْ مِثْلَيْهِمْ وقاتِلْ بِمَن أطاعَك مَن عَصاك وأنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك﴾» فَأخْبَرَ أنَّ كِتابَهُ لا يَحْتاجُ فِي حِفْظِهِ إلى صَحِيفَةٍ تُغْسَلُ بِالماءِ؛ بَلْ يَقْرَؤُهُ فِي كُلِّ حالٍ كَما جاءَ فِي نَعْتِ أُمَّتِهِ: «أناجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ» بِخِلافِ أهْلِ الكِتابِ الَّذِينَ لا يَحْفَظُونَهُ إلّا فِي الكُتُبِ ولا يَقْرَءُونَهُ كُلَّهُ إلّا نَظَرًا لا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ. وقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أنَّهُ جَمَعَ القُرْآنَ كُلَّهُ عَلى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ جَماعَةٌ مِن الصَّحابَةِ كالأرْبَعَةِ الَّذِينَ مِن الأنْصارِ وكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَتَبَيَّنَ بِما ذَكَرْناهُ أنَّ القِراءاتِ المَنسُوبَةَ إلى
نافِعٍ وعاصِمٍ لَيْسَتْ هِيَ الأحْرُفَ السَّبْعَةَ الَّتِي أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَيْها وذَلِكَ بِاتِّفاقِ عُلَماءِ السَّلَفِ والخَلَفِ. وكَذَلِكَ لَيْسَتْ هَذِهِ القِراءاتُ السَّبْعَةُ هِيَ مَجْمُوعَ حَرْفٍ واحِدٍ مِن الأحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَيْها بِاتِّفاقِ العُلَماءِ المُعْتَبَرِينَ؛ بَلْ القِراءاتُ الثّابِتَةُ عَنْ أئِمَّةِ القُرّاءِ - كالأعْمَشِ ويَعْقُوبَ وخَلَفٍ وأبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ القَعْقاعِ وشَيْبَةَ بْنِ نِصاحٍ ونَحْوِهِمْ - هِيَ بِمَنزِلَةِ القِراءاتِ الثّابِتَةِ عَنْ هَؤُلاءِ السَّبْعَةِ عِنْدَ مَن ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَما ثَبَتَ ذَلِكَ. وهَذا أيْضًا مِمّا لَمْ يَتَنازَعْ فِيهِ الأئِمَّةُ المَتْبُوعُونَ مِن أئِمَّةِ الفُقَهاءِ والقُرّاءِ وغَيْرِهِمْ وإنَّما تَنازَعَ النّاسُ مِن الخَلَفِ فِي المُصْحَفِ العُثْمانِيِّ الإمامِ الَّذِي أجْمَعَ عَلَيْهِ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والتّابِعُونَ لَهُمْ بِإحْسانِ والأُمَّةُ بَعْدَهُمْ هَلْ هُوَ بِما فِيهِ مِن القِراءاتِ السَّبْعَةِ وتَمامِ العَشَرَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ هُوَ حَرْفٌ مِن الأحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَيْها؟ أوْ هُوَ مَجْمُوعُ الأحْرُفِ السَّبْعَةِ عَلى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ. والأوَّلُ قَوْلُ أئِمَّةِ السَّلَفِ والعُلَماءِ والثّانِي قَوْلُ طَوائِفَ مِن أهْلِ الكَلامِ والقُرّاءِ وغَيْرِهِمْ وهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّ الأحْرُفَ السَّبْعَةَ لا يُخالِفُ بَعْضُها بَعْضًا خِلافًا يتضاد فِيهِ المَعْنى ويَتَناقَضُ؛ بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُها بَعْضًا كَما تُصَدِّقُ الآياتُ بَعْضُها بَعْضًا.
وسَبَبُ تَنَوُّعِ القِراءاتِ فِيما احْتَمَلَهُ خَطُّ المُصْحَفِ هُوَ تَجْوِيزُ الشّارِعِ وتَسْوِيغُهُ ذَلِكَ لَهُمْ؛ إذْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إلى السُّنَّةِ والِاتِّباعِ لا إلى الرَّأْيِ والِابْتِداعِ. أمّا إذا قِيلَ: إنّ ذَلِكَ هِيَ الأحْرُفُ السَّبْعَةُ فَظاهِرٌ وكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الأوْلى إذا قِيلَ: إنّ ذَلِكَ حَرْفٌ مِن الأحْرُفِ السَّبْعَةِ فَإنَّهُ إذا كانَ قَدْ سُوِّغَ لَهُمْ أنْ يَقْرَءُوهُ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ كُلُّها شافٍ كافٍ مَعَ تَنَوُّعِ الأحْرُفِ فِي الرَّسْمِ؛ فَلَأنْ يُسَوَّغَ ذَلِكَ مَعَ اتِّفاقِ ذَلِكَ فِي الرَّسْمِ وتَنَوُّعِهِ فِي اللَّفْظِ أوْلى وأحْرى وهَذا مِن أسْبابِ تَرْكِهِمْ المَصاحِفَ أوَّلَ ما كُتِبَتْ غَيْرَ مَشْكُولَةٍ ولا مَنقُوطَةٍ؛ لِتَكُونَ صُورَةُ الرَّسْمِ مُحْتَمِلَةً لِلْأمْرَيْنِ كالتّاءِ والياءِ والفَتْحِ والضَّمِّ وهُمْ يَضْبِطُونَ بِاللَّفْظِ كِلا الأمْرَيْنِ ويَكُونُ دَلالَةُ الخَطِّ الواحِدِ عَلى كِلا اللَّفْظَيْنِ المَنقُولَيْنِ المَسْمُوعَيْنِ المَتْلُوَّيْنِ شَبِيهًا بِدَلالَةِ اللَّفْظِ الواحِدِ عَلى كِلا المَعْنَيَيْنِ المَنقُولَيْنِ المَعْقُولَيْنِ المَفْهُومَيْنِ؛ فَإنَّ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَلَقَّوْا عَنْهُ ما أمَرَهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ إلَيْهِمْ مِن القُرْآنِ لَفْظِهِ ومَعْناهُ جَمِيعًا كَما قالَ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي - وهُوَ الَّذِي رَوى عَنْ عُثْمانَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «﴿خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ﴾» كَما رَواهُ البُخارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وكانَ يُقْرِئُ القُرْآنَ أرْبَعِينَ سَنَةً. قالَ - حَدَّثَنا الَّذِينَ كانُوا يُقْرِئُونَنا عُثْمانُ بْنُ عفان وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وغَيْرُهُما: أنَّهُمْ كانُوا إذا تَعَلَّمُوا مِن النَّبِيِّ ﷺ عَشْرَ آياتٍ لَمْ يُجاوِزُوها حَتّى
يَتَعَلَّمُوا ما فِيها مِن العِلْمِ والعَمَلِ. قالُوا: فَتَعَلَّمْنا القُرْآنَ والعِلْمَ والعَمَلَ جَمِيعًا. ولِهَذا دَخَلَ فِي مَعْنى قَوْلِهِ: «﴿خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ﴾» تَعْلِيمُ حُرُوفِهِ ومَعانِيهِ جَمِيعًا؛ بَلْ تَعَلُّمُ مَعانِيهِ هُوَ المَقْصُودُ الأوَّلُ بِتَعْلِيمِ حُرُوفِهِ وذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَزِيدُ الإيمانَ كَما قالَ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وغَيْرُهُما: تَعَلَّمْنا الإيمانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنا القُرْآنَ فازْدَدْنا إيمانًا وأنْتُمْ تَتَعَلَّمُونَ القُرْآنَ ثُمَّ تَتَعَلَّمُونَ الإيمانَ. وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: حَدَّثَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَدِيثَيْنِ رَأيْت أحَدَهُما وأنا أنْتَظِرُ الآخَرَ حَدَّثَنا «﴿أنَّ الأمانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجالِ ونَزَلَ القُرْآنُ﴾» وذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ ولا تَتَّسِعُ هَذِهِ الوَرَقَةُ لِذِكْرِ ذَلِكَ. وإنَّما المَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمّا بَلَّغَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى النّاسِ. وبَلَّغَنا أصْحابُهُ عَنْهُ الإيمانَ والقُرْآنَ حُرُوفَهُ ومَعانِيَهُ وذَلِكَ مِمّا أوْحاهُ اللَّهُ إلَيْهِ كَما قالَ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ ولَكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا﴾ وتَجُوزُ القِراءَةُ فِي الصَّلاةِ وخارِجَها بِالقِراءاتِ الثّابِتَةِ المُوافَقَةِ لِرَسْمِ المُصْحَفِ كَما ثَبَتَتْ هَذِهِ القِراءاتُ ولَيْسَتْ شاذَّةً حِينَئِذٍ. واَللَّهُ أعْلَمُ.
هذه أهم توضيحات رأيت أن أجمعها بارك الله في أستاتذتي وعلماء المسلمين جميعا
تعليق