إذ لا شك أن أحدهما يؤثر في الآخر على وجه ما، وإذا كانت غاية الديني الآخرة من خلال الالتزام بالدين، فإن غاية السياسي الإسلامي السلطوي الآخرة من خلال إحسان العمل السياسي، طبعا المقصود السياسي الراشد، لقد نقلنا الدكتور في كتابه القيم ضمن رحلة شيقة في التاريخ من خلال المراجعة للمحنة ومحاولة الوصول للأسباب المختفية وراءها وهذا ما يحاول الكتاب إبرازه وبيانه جلياً واضحاً لحساب التاريخ كما قرر الدكتور في مدخله.
والفكرة المحورية التي أرادها فهمي جدعان في دراسته القيمة هذه هي بيان صراع السلطة السياسية مع سلطة موازية تعتمد على العامة هي سلطة الديني أي سلطة أهل الحديث خاصة. فهما أي السلطة السياسية والسلطة الدينية طرفاً المحنة ومع الإشارة للعلاقة ما بين ثورة السفياني (195- 198) وسلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للوقوف أمام الفوضى في بغداد أثناء صراع الخليفتين الأمين والمأمون، وإذ تتوجت أعمال أهل الحديث بثورة أحمد بن نصر الخزاعي ومقتله بيد الواثق على تلك الصورة سنة (231 هـ) انتهي خطر أهل الحديث، ولهذا أصبحت الأجواء مهيأة لإعلان الانقلاب والعودة لرأي أهل الحديث في المسائل العقدية التي آثارها المعتزلة وخاصة مسألة خلق القرآن ولهذا ما أن توفي الواثق حتى أعلن أخوه المتوكل قراره بمنع المناقشة والمجادلة في تلك المسألة وغيرها، مع إبقاء أحمد بن حنبل وهو من أهم مراكز الخطر على الدولة العباسية في حالة سجن شرف في سامراء دون تمكينه من العودة لتحديث العامة تلك التي شكلت قلقا دائماً للمأمون .
والختام اللائق بهذا العرض القاصر عبارة أوردها الدكتور جدعان في بداية مدخله للكتاب إذ قال " وليس يخفى على أحد أن مسألة محنة خلق القرآن قد احتلت مكاناً فسيحاً في مصادرنا العربية وفي حياتنا الثقافية الاتباعية والحقيقة أن الذي بتابع الوقائع وينظر إليها من أجل الفهم فإن عليه أن يعد نفسه لحالة من الإعياء الشديدة.
وأخيراً هل في فتح هذه المسألة من جدوى أو نفع لأحد والجواب؟ إن الضرورة تحتم فتح هذه المسألة ليس لإشكاليتها العقدية في موضوع العدل، ولأهميتها في موضوع التوحيد وليس لحساب التاريخ أيضاً بل لضرورتها كمشكلة لا تزال تثير الشقاق بين الفرق الإسلامية المتواجدة والموزعة على العالم العربي ولقد كانت هذه المشكلة محوراً من محاور التكفير للإباضية في رسالة من ابن باز لطالب عربي يدرس في الولايات المتحدة مما حدا بالشيخ أحمد الخليلي أن يقوم بإصدار كتاب يعالج المسائل الثلاث: الرؤية وخلق القرآن وخلود العصاة من زاوية خلافية.
إنَّ الدليلَ على أنَّ المحنة، لم تكن من صنيع المعتزلة ـ رغم قول المعتزلة بخلق القرآن إجماعا ـ فأساس قول المعتزلة بخلق القرآن، بُني على أنـها مسألة من مسائل العدل، بينما هي عند الجبرية من مسائل التوحيد، والقارئ لنقاشات المحنة، يراها تدور حول التوحيد، أي حول انفراد الله بالخالقية، وحول علم الله الأزلي، وليس حول العدل، وهذا يكشف أنَ أيام المأمون، والمعتصم والواثق لم تكن زمناً اعتزالياً وإنما هو زمن عباسي، يرفض التشبيه، ويقبل الجبر ويمارس الجور أما في أيام المتوكل فهو يقبل التشبيه، والجبر، ويمارس الجور، ويزيد على ذلك ارتكاب الأعمال الحرام [ يقصد من ارتكاب الأعمال الحرام أعمال المتوكل نفسه في شربه المسكر وفي الأمة بممارسة سياسة الظلم في الرعية ] ويقيم سياسة غاية في السوء مع أهل الكتاب، ويقهر التفكير، ويمنع الجدل، ويهبط مستوى العلم، ويبدأ عصر استهانة العسكر التركي بالخلفاء وزيادة في التقرب للنواصب، يعمد إلى هدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .
ويعلن الدكتور فهمي منذ البداية في المدخل (ص 12) أنه يسير تماماً في الاتجاه المعاكس لمجرى التيار وذلك عند أمرين اثنين على الأقل.
الأول: أنه نأى بالمعتزلة نأياً يشبه أن يكون تاماً عن عملية الامتحان التي نسبت إليهم وأنه يَرُدُّ الأمور إلى نصابها في هذا الشأن لحساب التاريخ، والثاني أنه يريد أن ينظر في مسألة المحنة كحالة تبين إبانة بينة عما يمكن أن تكون عليه صيغة العلاقة بين السلطة أو الأمر من وجه وبين الطاعة من وجه آخر في دولة هي دولة الخلافة لا شيء يحول اعتبارها أكمل ممثل تاريخي لما وصل إليه الملك في الإسلام. ويقتضي التاريخ التحفظ على المحور الثاني وخاصة اعتبار الخلافة المركزية الممثل التاريخي لما وصل إليه الملك في الإسلام إذ تتضمن هذه العبارة إسقاط المحور التاريخي المتمثل في العديد في المحاولات لإزاحة هذا الملك العضوض ومع أن الكتاب في فصله الثالث " الدواعي والرجال " يشير إلى بعض من هذه المحاولات ولكنه لا يربط هذه المحاولات في الأسس الفكرية التي يستند عليها.
ومع أن الدكتور جدعان أعلن بداية انه غير معني ببحث الوجه العقدي في قضية خلق القرآن إلا أنه اضطر في المدخل الذي استغرق الصفحات من (11- 44) أن يتعرض للأقوال المتعددة في مسألة خلق القرآن متعرضاً للرأيين اللذين يستحيل التوفيق بينهما على وجه ما وعرض أربعة آراء أخرى تشكل مواقف متوسطة أساسية متوقفاً عند حدود العرض مما يجعل القارئ محتاراً لا يدري بعد أن ادخله الكتاب إلى صميم هذه المسألة ما رأي الدكتور في تلك المسألة، ولقصور حيثيات المسائل المعروضة يبقى القارئ في حالة من الفراغ حول هذه المسألة، إلاَّ القارئ الذي له موقف مسبق في هذه المسألة .
والفكرة المحورية التي أرادها فهمي جدعان في دراسته القيمة هذه هي بيان صراع السلطة السياسية مع سلطة موازية تعتمد على العامة هي سلطة الديني أي سلطة أهل الحديث خاصة. فهما أي السلطة السياسية والسلطة الدينية طرفاً المحنة ومع الإشارة للعلاقة ما بين ثورة السفياني (195- 198) وسلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للوقوف أمام الفوضى في بغداد أثناء صراع الخليفتين الأمين والمأمون، وإذ تتوجت أعمال أهل الحديث بثورة أحمد بن نصر الخزاعي ومقتله بيد الواثق على تلك الصورة سنة (231 هـ) انتهي خطر أهل الحديث، ولهذا أصبحت الأجواء مهيأة لإعلان الانقلاب والعودة لرأي أهل الحديث في المسائل العقدية التي آثارها المعتزلة وخاصة مسألة خلق القرآن ولهذا ما أن توفي الواثق حتى أعلن أخوه المتوكل قراره بمنع المناقشة والمجادلة في تلك المسألة وغيرها، مع إبقاء أحمد بن حنبل وهو من أهم مراكز الخطر على الدولة العباسية في حالة سجن شرف في سامراء دون تمكينه من العودة لتحديث العامة تلك التي شكلت قلقا دائماً للمأمون .
والختام اللائق بهذا العرض القاصر عبارة أوردها الدكتور جدعان في بداية مدخله للكتاب إذ قال " وليس يخفى على أحد أن مسألة محنة خلق القرآن قد احتلت مكاناً فسيحاً في مصادرنا العربية وفي حياتنا الثقافية الاتباعية والحقيقة أن الذي بتابع الوقائع وينظر إليها من أجل الفهم فإن عليه أن يعد نفسه لحالة من الإعياء الشديدة.
وأخيراً هل في فتح هذه المسألة من جدوى أو نفع لأحد والجواب؟ إن الضرورة تحتم فتح هذه المسألة ليس لإشكاليتها العقدية في موضوع العدل، ولأهميتها في موضوع التوحيد وليس لحساب التاريخ أيضاً بل لضرورتها كمشكلة لا تزال تثير الشقاق بين الفرق الإسلامية المتواجدة والموزعة على العالم العربي ولقد كانت هذه المشكلة محوراً من محاور التكفير للإباضية في رسالة من ابن باز لطالب عربي يدرس في الولايات المتحدة مما حدا بالشيخ أحمد الخليلي أن يقوم بإصدار كتاب يعالج المسائل الثلاث: الرؤية وخلق القرآن وخلود العصاة من زاوية خلافية.
إنَّ الدليلَ على أنَّ المحنة، لم تكن من صنيع المعتزلة ـ رغم قول المعتزلة بخلق القرآن إجماعا ـ فأساس قول المعتزلة بخلق القرآن، بُني على أنـها مسألة من مسائل العدل، بينما هي عند الجبرية من مسائل التوحيد، والقارئ لنقاشات المحنة، يراها تدور حول التوحيد، أي حول انفراد الله بالخالقية، وحول علم الله الأزلي، وليس حول العدل، وهذا يكشف أنَ أيام المأمون، والمعتصم والواثق لم تكن زمناً اعتزالياً وإنما هو زمن عباسي، يرفض التشبيه، ويقبل الجبر ويمارس الجور أما في أيام المتوكل فهو يقبل التشبيه، والجبر، ويمارس الجور، ويزيد على ذلك ارتكاب الأعمال الحرام [ يقصد من ارتكاب الأعمال الحرام أعمال المتوكل نفسه في شربه المسكر وفي الأمة بممارسة سياسة الظلم في الرعية ] ويقيم سياسة غاية في السوء مع أهل الكتاب، ويقهر التفكير، ويمنع الجدل، ويهبط مستوى العلم، ويبدأ عصر استهانة العسكر التركي بالخلفاء وزيادة في التقرب للنواصب، يعمد إلى هدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .
ويعلن الدكتور فهمي منذ البداية في المدخل (ص 12) أنه يسير تماماً في الاتجاه المعاكس لمجرى التيار وذلك عند أمرين اثنين على الأقل.
الأول: أنه نأى بالمعتزلة نأياً يشبه أن يكون تاماً عن عملية الامتحان التي نسبت إليهم وأنه يَرُدُّ الأمور إلى نصابها في هذا الشأن لحساب التاريخ، والثاني أنه يريد أن ينظر في مسألة المحنة كحالة تبين إبانة بينة عما يمكن أن تكون عليه صيغة العلاقة بين السلطة أو الأمر من وجه وبين الطاعة من وجه آخر في دولة هي دولة الخلافة لا شيء يحول اعتبارها أكمل ممثل تاريخي لما وصل إليه الملك في الإسلام. ويقتضي التاريخ التحفظ على المحور الثاني وخاصة اعتبار الخلافة المركزية الممثل التاريخي لما وصل إليه الملك في الإسلام إذ تتضمن هذه العبارة إسقاط المحور التاريخي المتمثل في العديد في المحاولات لإزاحة هذا الملك العضوض ومع أن الكتاب في فصله الثالث " الدواعي والرجال " يشير إلى بعض من هذه المحاولات ولكنه لا يربط هذه المحاولات في الأسس الفكرية التي يستند عليها.
ومع أن الدكتور جدعان أعلن بداية انه غير معني ببحث الوجه العقدي في قضية خلق القرآن إلا أنه اضطر في المدخل الذي استغرق الصفحات من (11- 44) أن يتعرض للأقوال المتعددة في مسألة خلق القرآن متعرضاً للرأيين اللذين يستحيل التوفيق بينهما على وجه ما وعرض أربعة آراء أخرى تشكل مواقف متوسطة أساسية متوقفاً عند حدود العرض مما يجعل القارئ محتاراً لا يدري بعد أن ادخله الكتاب إلى صميم هذه المسألة ما رأي الدكتور في تلك المسألة، ولقصور حيثيات المسائل المعروضة يبقى القارئ في حالة من الفراغ حول هذه المسألة، إلاَّ القارئ الذي له موقف مسبق في هذه المسألة .
تعليق