الحمد لله،
الأصول الثلاثة، هذا عنوان مؤلَّف للشّيخ "محمّد بن عبد الوهاب" رحمه الله، وأراد بالأصول الثلّاثة: معرفة الله، ومعرفة نبيّه، ومعرفة دين الإسلام، بالأدلّة، لا بالرأي، ولا بقول فلانٍ، بل بالأدلة من الآيات والأحاديث، وذلك هو دين الإسلام الذي أنت مأمور بالدخول فيه والالتزام به.
وقد قال الشيخ محمّد بن عبد الوهاب في ذلك الكتاب: "فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها؟ فقل: معرفة العبد ريّه ودينه ونبيه محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم-"، ولم يخترع الامام ابن عبدالوهاب هذه الاصول من كيسه، بل هو دين الله وهذا ما قال الله، والدليل قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"، فمن هو المرسِل بكسر السين؟ هو الله، ومن هو المرسَل بفتح السين؟ هو محمد صلى الله عليه وسلم، وما هي الرسالة " دين الحق دين الاسلام الذي أظهره الله وظهر ويظهر وسيظهر على كل دين من اديان اهل الشرك"، إذن فهذه الأصول الثلاثة، عليها مدار الدين كله، وبها تقرر أنت جنتك ونارك، وهذه الأصول الثلاثة هي التي يُسألُ عنها الإنسان في قبره، فيُقال للميت إذا وضع في قبره: مَن ربّك؟ وما دينك؟ ومَن نبيك؟ فالمؤمن الموقن يقول: "ربّي الله، وديني الإسلام ونبيي محمّد -صلّى الله عليه وسلم-"، وأمّا المنافق الشّاك فإنّه يتحيّر ويقول: "هاه هاه، لا أدري، سمعتُ النّاس يقولون شيئاً فقلته"، فالمؤمن يكون قبره عليه روضة مِن رياض الجنة، والكافر والمنافق يصير قبره حفرة مِن حفر النار، يُعذّب في قبره، وأما المؤمن فإنه ينعم في قبره، فنؤمن ان عذاب القبر حق ونعيم القبر حق وسؤال الملكين حق.
ومعرفة الله: أي معرفة العبد ربه، وهذا إذا قيل لك: مَن ربّك، فقل: ربّي الله، الذي ربّاني وربّ جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي، ليس لي معبود سواه. فالله واحد أحد أزلا وأبدا، لا يتغير ولا يتبدل، له الاسماء الحسنى والصفات العلا، ولا نقول على الله الا ما قاله عن نفسه، وهو الله الواحد الاحد الذي أرسلَ الرسل بدين الإسلام، فإنّ دين الإسلام هو دينُ الرّسل جميعاً، والله الواحد الاحد هو الذي آمن به ودعا اليه أول الانبياء سيدنا آدم عليه السلام، وهو الله الواحد الاحد الذي دعا اليه وامر بعبادته وحده كل انبياء الله من بعد آدم عليه السلام كإدريس ونوح وهود ولوط ومرورا بابراهيم أبو الانبياء ومن أتى من نسله اسحق ويعقوب واسماعيل ويوسف وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم، ومن علمنا من أنبياء الله ومالم نعلم، كلهم دعوا إلى الله واخلاص العبادة لله.
ومغرفة اسماء الله وصفاته: فمهم أن تعرف أن أسماءَ اللهِ وصفاتِه غيرُ محصورةٍ بعددٍ معروفٍ، وأمَّا حديثُ (( إنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسماً مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجنَّةَ)) فلا تفيد الحصر، وإنَّما غايةُ ما فيه: أنَّ من الأسماءَ 99 اسما، من أَحْصاها دخلَ الجنَّةَ، كما تقولُ عندي مائةُ ألف اعددتها للصدقات، فهذا لا يعني ان هذا كل ما عندك بل يكون عندك غيره لغير الصدقات، فحض الله على احصاء 99 اسما، وجعل جزاءَهُ الجنة. واما الايمان بصفات الله فأن تؤمن بما ما دلَّتْ عليه من المعنى وبما تعلَّقَ بها من الآثارِ، فَتُؤْمِنُ بأنّه عليمٌ، وذو علمٍ عظيمٍ، وأنَّه لا تَخْفَى عليه خَافِيةٌ.
كما أن صّفاتِ الله تنقسمُ إلى قسمين:
1) صفاتٌ ذَاتِيَّةٌ، أي من لوازم ذاته سبحانه لا تنفك عنه بأي حَالٍ، كالغِنَى، والقدرةِ، والعُلوِّ، والرَّحمةِ.
2) وصفاتٌ فعليّةٌ، اختيارية وهي كلُّ صفةٍ تَعَلَّقَتْ بمشيئتة الله وإرادتهِ، كالاستواءِ والمَجِيءِ والنّزولِ ونحوِ ذلك.
وفي القسم والحلف بالله: فلله أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته، لله أن يُقسم بما دل على عظم ماخلق، فتدل مخلوقاته على عظمته ووحدانيته، فلا أحد يتحجر عليه، فأقسم بالسَّماء ذات البروج، وأقسم بالسَّماء والطارق، وبالضحى، وبالشمس وضحاها، وبالليل إذا يغشى، وبالنازعات، وغير ذلك؛ لأنَّ المخلوقات تدل على عظمته، وعلى أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، وأما المخلوق فليس له أن يُقسم إلا بربه، فلا يُقسم ولا يحلف إلا بالله، ولا يجوز له أن يحلف بالأنبياء، ولا بالأصنام، ولا بالصَّالحين، ولا بالأمانة، ولا بالكعبة، ولا بغيرها. هذا هو الواجب على المسلم؛ لقول النبي ﷺ: مَن حلف بشيءٍ دون الله فقد أشرك صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت.
والحنيفية ملة إبراهيم التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهي عبادة الله وحده، وإخلاص العبادة له جلَّ وعلا، هذه الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وتُخلص له الدِّين، ويكون الله سبحانه هو معبودك بدُعائك وخوفك ورجائك وصلاتك وصومك وذبحك ونذرك، هذه الحنيفية ملة إبراهيم، وهذا هو أصل الإسلام، وأساس الملة، وأصل دين الرسل جميعًا أن يعبدوا الله وحده دون كلِّ ما سواه
أما دعاء الميت، ودعاء الغائب الذي لا يسمع كلامك، أو دعاء الصنم أو الجن أو الأشجار وغيرها، فهذا صرف للعبادة لغير الله؛ فهذا شرك المشركين، وهو الشرك الأكبر الذي قال الله فيه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
ومعرفة الدين: وإذا كان كل أنبياء الله دعوتهم واحدة الى توحيد الله واخلاص العبادة له وحده.، فإن دينهم جميعا الاسلام، ولكن اختلفت الشرائع، فدين موسى الاسلام وشريعة موسى عليه السلام كان فيها من الاصر والاغلال التي وضعها الله على اليهود، وهي شريعة عيسى عليه السلام بعد ان أتمها وقبلها ونسخ بالوحي ما نسخ منها، ثم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وهي ناسخة للشرائع قبله، ورفع الله عنا فيه الاصر والاغلال التي وضعها على اليهود، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي أكمل الشّرائع وأشملها وأيسرها، لأنّه رسول الله إلى النّاس جميعاً إلى الناس كافة عربهم وعجمهم ابيضهم وأسودهم. إذن معرفة دين الإسلام "أنّه: "الاستسلام لله بالتّوحيد قولا وفعلا واعتقادا، والانقياد له بالطّاعة والبراءة مِن الشّرك وأهله".
ولابد ان نعرف أن للاسلام ثلاث مراتب (مرتبة الاسلام، ومرتبة الايمان، ومرتبة الاحسان)،
وكل مرتبة لها أركان، فأركان الإسلام الخمسة، وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، وإقام الصلّاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع اليه سبيلا،
وأن الإيمان وهي المرتبة الثانية: والإيمانُ لغةً يعني: التَّصْدِيقُ، (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ) أي مصدِّقٍ، وكذلك إذا أُقْرِنَ العَملُ فمعناه التَّصديقُ، قالَ اللهُ: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ). أمَّا الإيمانُ في الشَّرعِ: فهو قولٌ وعملٌ واعتقادٌ، قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح. وقد قال رسول الله : " الايمان بضع وسبعون شعبة؛ فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. يعني قسم رسول الله الايمان الى قول وعمل واعتقاد، قول: ان تقول لا اله الا الله، تذكر الله وتسبح الله، وترطب لسانك بذكر الله، وعمل: اماطة كل ما يؤذي المسلم في الطريق، واعتقاد مثل الحياء فهذا عمل قلبي، ولذا فالايمان تعريفه في الشرع كما قلنا قول وعمل واعتقاد. واركان الايمان ستة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، والدليل على هذه الأركان الستة من القرآن: قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}. ودليل القدر: قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، فإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وبغَيْرِهِ فلا تحجر بعقلك على الله
وأما "الإحسان"، فهو ركن واحد وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، والدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}. وقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقوله: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}.
وهذا التفصيل دلّ عليه حديث جبريل الذي رواه مسلم في صحيحه، عن عمر -رضي الله عنه- كما رواه البخاري، ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
واما دليل الاركان الخمسة من القرآن:
1- دليل الشهادة: قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ومعناها لا معبود بحق إلا الله. "لا إله" نافيا جميع ما يعبد من دون الله، "إلا الله" مثبتا العبادة لله وحده، لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه. وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
2- ودليل شهادة أن محمدا رسول الله قوله تعالى: {لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}. ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
3- ودليل الصلاة والزكاة، وتفسير التوحيد: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}.
4- ودليل الصيام قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
5- ودليل الحج قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.
أنت مأمور بالعمل بهذا الدين -دين الإسلام- من صلاةٍ وصومٍ وجهادٍ وحجٍّ وإيمانٍ وتقوى، فتعمل بالإسلام؛ لأنك مخلوق لله، ومخلوق لعبادة الله، فعليك أن تعلم وتعمل بما علمت، فتعبد الله وحده، وتُقيم أركان الايمان والاسلام، ومن العمل بدينك أن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتبرّ والديك، وتصل الأرحام، إلى غير ذلك، فتعمل بما أمرك الله به، وتنتهي عمَّا نهاك الله عنه. وأن لا تكذب، المسلم ليس بكذاب، تسقط عدالتك بالكذب، من آيات المنافقين الكذب، وأنت في الدعوة الى الله لا تكذب، كن عناون لدينك ادعُ نفسك قبل ان تدعوا غيرك، واقبل النصح واقبل التوجيه واقبل التراجع والتصحيح والتصويب، واعتذر ومرر ثقافة الاعتذار، وإياك والأنا وحظ النفس، روِّدض نفسك وتواضع لله، من تواضع لله رفعه، وكف عن الجدل والمراء، والزِم الجاهل بالدليل ولا تكثر معه في الحوار، وتأدب مع الكبير وأهل العلم وكل من يعلمك حرفا، وترقق وترفق واحتوي الصغير، وكن رفيقا رقيقا مع كل مسلم وداعية، وأثخن على الأعداء فهذه عقيدة الولاء.
وعقيدة الولاء والبراء: إياك أن تفرط فيها فمن أهم الواجبات أن يعلم كل مسلمٍ ومسلمةٍ أنه لا يجوز له أن يُوالي المشركين ويوادهم، فكل مَن أطاع الله ورسوله ووحَّد الله جلَّ وعلا، كل مسلمٍ يلزمه أن يُعادي الكفار ويبغضهم في الله، ودين الله، ولا يجوز له مُوالاتهم؛ لقوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22] أي: لا تجد يا محمد قومًا أهل إيمانٍ صادقين يُوادُّون مَن حاد الله ورسوله. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]. وقال سبحانه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ". هكذا المؤمن: يُحب أولياء الله ويودهم ويتعاون معهم على الخير، ويكره أعداء الله ويبغضهم ويُعاديهم في الله، وإن دعاهم إلى الله، وإن أخذ منهم الجزية، لكن لا يُحبهم، بل يبغضهم في الله، وإن أقرَّهم في بلادهم
ومِنَ الإِيْمانِ باللهِ: الإِيمانُ بِمَا وَصَفَ بهِ نَفْسَهُ وَ وَصَفَهُ بهِ رَسُولُهُ محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ غَيْرِ تَحْريفٍ ولا تَعْطيلٍ ولا تكييف ولا تمثيل، بَلْ نؤمن بأَنَّ اللهَ ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )، فالمؤمن لا ينفي عن الله ما وصف الله به نفسه، ولا يُحرف الكلم عن مواضعه، ولا يُلحد في أسمائه وآياته. ولا نُكيف او نُمثل او نشبه صفات الله بصفات أحدٍ من خلقه. ونؤمن أنه سبحانه: لاَ سَمِيَّ لَهُ، ولا ندّ له ولا كُفْؤَ، وأن الله لا يُقاس بأحدٍ من خلقه. قال تعالى: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ). وجاء في الصَّحيحِ ((لاَ نُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ))، فأسماء الله وصفاته نقبلها كما هي، توقيفية لا تكون الا بالنص والنقل، بقال الله وقال الرسول، وليس بالهوى والتشهي. ونؤمن أن من جَحَدَ صفاتِ اللهِ سبحانه وتعالى فليسَ بمؤمنٍ، قال تعالى: (وهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ )، وكذلك من عطَّلها أو شبَّهها بصفات خلقه، فمن شبَّه اللهَ بخلقِه كفر، ومن نفى ما وصف به نفسَه فقد كفر، وليس فيما وصف اللهُ به نفسَه أو وصفَه به رسولُه تَشْبِيهاً. والله أَصْدَقُ قِيلاً، وأَحْسَنُ حَدِيثاً مِنْ خَلْقِهِ ثُمَّ رُسُلُهُ صادِقُونَ بخِلافِ الَّذينَ يَقُولونَ على الله مَا لا يَعْلَمونَ.
ومِن الإِيمانِ باللهِ وكُتُبِهِ الإِيمانُ بأَنَّ القرآنَ: كَلامُ اللهِ، مُنَزَّلٌ، ولم يَقُلْ أحدٌ مِن السَّلَفِ: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ أو قديم غير مخلوق، بل الآثارُ متواتِرةٌ عنهم بأنَّهم يقولون: القرآنُ كلامُ اللَّهِ، لكن لمّا ظهر من قال: إنَّه مخلوقٌ، قالوا رداًّ لكلامه: إنَّه غير مخلوق. وأفعالُ العِبادِ كأصواتِهم ومِدادِهم الذي يَكتُبون به القرآنَ، والوَرَقِ الذي يَكتُبون عليه، فإنَّ ذَلِكَ مِن جُملةِ المخلوقِ، ومع ذلك فحين يتلو القارىء كتاب الله فإنه يتلوا كلامه غير المخلوق، لذَلِكَ يقولونَ: الكلامُ كلامُ البارِئِ والصَّوتُ صوتُ القَارِئِ، وهذا ما يفهمه اهل السنة والجماعة فالملفوظ به كلام الله واللفظ فعل المخلوق، وفي الحديثِ: ((زَيِّنُوا الْقُرَآنَ بَأَصْوَاتِكُمْ))، فنفرق بين القران وبين صوت المخلوق.
وقَدْ دَخَلَ أَيضاً فيما ذَكَرْناهُ مِن الإِيمانِ بهِ وبِكُتُبِهِ وبملائِكَتِهِ وبِرُسُلِهِ: الإِيمانُ بأَنَّ المؤمِنينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيامَةِ عياناً بأَبصارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ صحواً ليسَ [ بها ] سحابٌ، وكَما يَرَوْنَ القَمَرَ ليلَةَ البَدْرِ لا يضامونَ في رُؤيَتِهِ.
ونؤمن بيوم القيامة، كما اخبر الله تعالى، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة ومنكره كافر، ومنكر البعث كافر، وسيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غُرلا وتدنو منهم الشمس ويُلجمهم العرق وتُنشر الدواوين أي صحائف الاعمال، فمن أخذ كتابه بيمينه - جعلنا الله واياكم من اهل اليمين- فهو من الفائزين، ومن اخذ كتابه بشماله او من ومراء ظهره فاولئك الهالكون. كَما قالَ سُبحانَهُ وتَعالى: ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ في عُنُقِهِ ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ).
أما المؤمن: فيحلو الله به ويقرره بذنوبه، ويُستثنَى مِن ذَلِكَ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ بغيرِ حسابٍ، كما في "الصَّحيحَيْنِ" من حديثِ ابنِ عبَّاسٍ في السَّبعِينَ ألْفًا الذين يَدخلون الجَنَّةَ مِن غيرِ حسابٍ ولا عذابٍ.
وأَمَّا الكافر: فلن يٌحاسب محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، لانهم لا حسنات لهم لكي توزن واعمالهم في الدنيا حابطة باطلة لافقتقارهم لشروط العبادة، التي هي الإخلاصُ والمتابعةُ، والحساب لا يكون الا لمن له حسنات وسيئات، فكل عَملٍ لا يكونُ خالِصاً لله على الوجه المرضي له سبحانه فهو باطل، قال تعالى: (فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) ففيها دليلٌ على أنَّ الكافرَ لا تُوزن أعمالُه؛ إذْ لا ثواب له في الآخرةِ، ولا يجازَى فيها بشيءٍ مِن عمله في الدنيا، قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) و إن عَمِلَ الكافرٌ صالحا في الدنيا من عِتقٍ أو صدقةٍ أو خير، فليس له في الآخرةِ جزاءُ عملٍ، لكنْ يُرْجىَ أنْ يَخفَّفَ عنه مِن عذابِ مَعاصِيه لحديثِ ثُويْبَةَ حين أعْتَقَها أبو طالبٍ. وفي "صحيحِ مسلمٍ" عن أنسِ بنِ مالكٍ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسول اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((إنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مؤمنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا ويُجْزَى بِهَا في الآَخِرَةِ، وأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ في الدُّنْيَا، حتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآَخِرَةِ لم تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا )).
وقال النوويُّ في شرحِ صحيحِ مسلمٍ: " أَجْمعَ العلماءُ على أنَّ الكافرَ الذي ماتَ على كُفرِه لا ثوابَ له في الآخرةِ، ولا يُجازَى فيها بشيءٍ مِن عملِه في الدُّنْيَا متقرِّبًا بِهِ إلى اللَّهِ، وصرَّحَ في هَذَا الحديثِ بأنَّه يُطْعَمُ في الدُّنْيَا بما عَمِلَه مِن الحسناتِ، أي بما فَعلَه متقرِّبا بِهِ إلى اللَّهِ ممَّا لا تفتقِرُ صحَّتُه إلى النيَّةِ، كصِلةِ الرَّحمِ والصَّدقةِ والعِتقِ والضيافةِ وتسهيلِ الخيراتِ ونحوِها، وأمَّا المؤمنُ فيُدَّخَرُ له أيضًا حسناتُه وثوابُ أعمالِه إلى الآخَرَةِ ويُجزى بها مع ذَلِكَ في الدُّنْيَا، ولا مانِع من جزائِه بها في الدُّنْيَا والآخرةِ، وقد وردَ الشَّرعُ بِهِ فيَجِبُ اعتقادُه".
ونؤمن بالصِّراطُ: قد تكاثَرت الأحاديثُ في إثباتِ الصِّراطِ، فيَجبُ الإيمانُ بِهِ واعتقادُ ثُبوتِه. والصراط في اللغة الطريق الواضح، وفي الشرع: هو جسر منصوب على متن جهنم، بين الجنة والنار، و سرعةِ مرور الناس عليه على حسَبِ مَراتِبِهم وأعمالِهم. يَرِدُه الأوَّلونَ والآخِرون، وما من احد الا وسيمر ويرد على النار ويمر من فوقها على الصراط ( يرد مرورا على الصراط وليس دخولا في النار كما يُشغب النصارى واهل الالحاد)، فيَمُرَّون على الصراط على قَدْرِ أعمالِهم، وَيكون ذلك بعد مفارقة الناس للموقف، وبعد حشرهم وحسابهم، فيكون الصراط إما نجاة من كتب له الله النجاة، وإما سقوط لمن كتب الله له النار والعياذ بالله، كما ثَبَتَ في الأحاديثِ. و" يَمُرُّ النَّاسُ عليه على قَدْرِ أعمالِهم"، أي: أنَّهم يَكونون في سرعةِ المرورِ على حسَبِ ثباتِهم على دِينِ الإسلامِ واستقامَتُه على الصِّراطِ في الدنيا، فإن الله يُثبته على الصِّراطِ الحقيقي المنصوبِ على مَتْنِ جهنم في الحياة الآخرة، ومَن زَلَّ عن الصِّراطِ المعنوي في الدنيا، زَلَّ عَن الصِّراطِ الحسِّيِّ الحقيقي في الآخرة " وما ربُّكَ بظلاَّمٍ للعَبيدِ"، فمِنْهُم مَن يَمُرُّ كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، او كالريح، ومنهم من يمر كالفرس ومنهم من يعدو عدوا او يمشي مشيا، او يزحف/ ومنهم من يُخطف بكلاليب ويُلقى في جهنم. جاء في الصَّحيحِ قول النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: " يُضْرَبُ الصِّراطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ وَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْهِ فِرَقاً، فَمِنْهُمْ كَالْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَأَشَدِّ الرِّجَالِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ وَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفاً، وَفِي حَافَّتَيْهِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِأَخْذِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ))
ثم بعد العبور على الصراط: فإن المؤمنين يقفون على قنطرة بين الجنة والنار ليُقتص من بعضهم بعضا، حتى يُنقوا، ثم يُسمح لهم بدخول الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: ((يُحْبَسُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَا يَجُوزُونَ الصِّرَاطَ حَتَّى يُؤْخَذَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ظَلامَاتُ الدُّنْيَا وَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، وَلَيْسَ فِي قُلُوبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ شَيْئاً)). وأَوَّلُ مَنْ يَسْتَفْتح باب الجنَّة هو رسول الله محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَوَّلُ مَن يدْخُلُ الجنَّةَ مِن الأمَمِ أمَّتُه وفي الصَّحيحِ عن أبي هريرةَ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((نَحْنُ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ)) أي لم يَسبِقونا إلاَّ بهَذَا القَدْرِ، فمعنى (بَيْدَ) معنى سِوى وغيرِ وإلاَّ ونحوِها، وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أبي هريرةَ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ)).
ومن معرفة النبي معرفة سنته، والسُّنَّةُ تُفَسِّرُ القُرْآنَ وتُبَيِّنُهُ، وتَدُلُّ عَلَيْهِ، وتُعَبِّرُ عَنْهُ. (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)، ونتعرف على سنته مما صح من الحديث وثبت وتلقته الأمة بالقبول، فما قاله حق وصدق، ومما قاله (يَنْزِلُ رَبُّنا إِلى السَّماءِ الدُّنيا كُلَّ لَيْلَةٍ حينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَن يَدْعوني فَأَسْتَجيبَ لَهُ؟ مَن يَسْأَلُني فَأُعطِيَهُ، مَن يستَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَهُ؟ )). متَّفَقٌ عليه. ومنه قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبِدِهِ المُؤِمِنِ التَّائِبِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ )). مُتَّفَقٌ عليِه. وقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( يَضْحَكُ اللهُ إِلى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُما الآخَرَ؛ كِلاهُما يَدْخُلُ الجَنَّةَ )). مُتَّقَقٌ عليهِ.
ثم وإياك وانت تدعوا اهل الكتاب أن تسخر من صفة من صفات الله وتكون مما قد اثبتها الله ورسوله، فنحن نؤمن بما ثبُت عن الله وصح به النقل. ومن ذلك قولُهُ: (( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُونَ في رُؤيَتِهِ، فإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِها؛ فافْعَلُوا )). مُتَّفَقٌ عليهِ. أي ان لا يفوتكم صلاة الصبح وصلاة العصر. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيها وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيْدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيها رِجْلَهُ [ وفي روايةٍ: قَدَمَهُ ] فَيَنْزَوِي بَعْضُها إِلى بَعْضٍ، فَتَقولُ: قَط قَط )) متَّفق عليه. وقوله:صلى الله عليه وسلم (( ما مِنْكُمْ مِن أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ وَلَيْسَ بينَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمانٌ )، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم للِجَارِيَةِ: (( أَيْنَ اللهُ )). قالَتْ: في السَّمَاءِ. قالَ: (( مَنْ أَنا؟. قالَتْ: أَنْتَ رَسولُ اللهِ. قالَ: (( أَعْتِقْهَا فَإِنَّها مُؤِمِنَةٌ )). رواهُ مسلمٌ.
ومنه كذلك قَوْلُهُ: (( إِذا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلى الصَّلاةِ؛ فَلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلا عَنْ يَمِيْنِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَو تَحْتَ قَدَمِهِ )). متَّفقٌ عليهِ، وهذا الحديث يعني استحضارِ قُرْبِ الله -سُبْحَانَهُ وتعالَى- ومَعيَّتِهِ قِبَلَ وَجْهِك في حالِ العبادةِ والصلاة وأنت مستقبلا القبلة، وقد جاء في الجديث المرفوع: (( مَن تَفَلَ تجاهَ القبلَةِ جاءَ يومَ القيامةِ وتفلُه بينَ عينيِه)) واستفيدَ مِن الحديثِ تحريمُ البُصاقِ إلى القِبلَة سواءا كنت في الصلاة او في غير الصلاة، فإنَّ ذلكَ يوجبُ الخشيةَ والخوفَ مِن اللهِ، وفيه من التأدب مع الله و إتمامِ العبادةِ على الوجهِ اللائِقِ، ثم ان هذا الحديث قد خُصص فلا يجوزُ البصاقُ في أرضِ المسجدِ مطلقًا، لحديثِ ((الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا))، اما عن منع البصق عن اليمين، فتفصيلها في روايةِ البخارِيِّ ((ولا عن يمينه فإنَّ عن يمينِه مَلَكَين)) فظهر ان هذا الحديث ليس فيه مطعن لمن طعن به من المبتدعة، بل ينفي ان يكون الله في كل مكان بذاته او ان يحل في مخلوقاته، والدليل انك قد تبصُق عَنْ يَسَارِك، أَو تَحْتَ قَدَمِك. ونفهم هذا الحديث كما نفهم قول الله: (وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ)، ومثل قوله ( وَهُوَ مَعَكُمْ ) ولَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّهُ معكم أي انه مُخْتَلِطٌ بخلقه نستغفر الله؛ فإِنَّ هذا لاتُوجِبُهُ اللُّغَةُ خِلافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأمَّةِ، وخِلافُ مَا فَطَرَ اللهُ عليهِ الخَلْقَ، وكُلُّ هذا الكَلامِ الَّذي ذَكَرَهُ اللهُ - مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ وأَنَّهُ مَعَنا - حَقٌّ على حَقيقَتِهِ، لا يَحْتاجُ إِلى تَحْريفٍ، ولكنْ يُصانُ عَنِ الظُّنُونِ الكاذِبةِ. وقد قال تعالى: ( وإِذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإِنِّي قَرِيبٌ ... ) ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الَّذي تَدْعونَهُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلَتِه) وهَذَا كتابُ اللَّهِ مِن أوَّلِه إلى آخِرِه وسُنَّةُ رسولِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وكلامُ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ وسائرِ الأئمَّةِ مملوءٌ بما هُوَ نَصٌّ أو ظاهرٌ أنَّ اللَّهَ فوقَ كُلِّ شيءٍ، وأنَّه فوقَ العرشِ، وأنَّه العَليُّ الأعلى، وأنَّه مستوٍ على عرشِه، وَمَا ذُكِرَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِنْ قُرْبهِ ومعيَّتِه لا يُنافي ما ذُكِرِ مِن عُلوِّهِ وفوقيَّتِه؛ فإِنَّهُ سبحانَهُ ليسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ في جَميعِ نُعوتِه، وهُو عَليٌّ في قُربه، قريبٌ في عُلُوِّه وأنَّ كله على الحقيقة، مبطل لما زَعَموه مِن المجازِ، وقد تكاثَرَت الأدلَّةُ في ذَلِكَ، وأَجْمعَ على ذَلِكَ السَّلَفُ، ودلَّ على ذَلِكَ أيضًا دَليلُ العقلِ، وليس مع مَن خالَفَ سِوى الظُّنونِ الكاذبةِ والشُّبَهِ الفاسدةِ التي لا يُعارَضُ بها ما دلَّ عليه نصوصُ الوحيِ والأدلَّةِ العقليَّةِ، وقد ذَمَّ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- الظَّنَّ المجرَّدَ وأهلَه فقال: (إنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ) (وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِن الْحَقِّ شَيْئاً) وفي الصَّحيحِ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ)).
ولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القيامَةِ شَفاعَاتٌ:
وتُؤْمِنُ الفرقة الناجية من اهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره: والإِيمانُ بالقَدَرِ عَلى دَرَجَتينِ، كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئينِ :
ومعرفة محمد صلى الله عليه وسلم: أي نؤمن:
1- أن رسولنا ونبينا هو محمد صلى الله عليه وسلم بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش مِن العرب، والعرب مِن ذريّة إسماعيل بن إبراهيم -عليهما وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام-، وأنّه -صلّى الله عليه وسلّم- ولد بمكة، وأمه آمنة،
2- وأنّه نبي ورسول، نزّل عليه القرآن وأوّل ما نزل عليه في مكة، في غار حراء، وفيها نُبِّئَ بـ "أقرأ" وأُرْسِلَ بالمدثر؛ والدليل قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ" ومعنى {قُمْ فَأَنْذِرْ}، ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد. {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}، أي عظمه بالتوحيد. {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}، أي طهر ثيابك ونفسك وأعمالك عن الشرك. {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}، الرجز اي الأصنام، وهجرها تركها والبراءة منها وأهلها.
3- وله من العمر ثلاث وستون سنة. منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون بعد النبوة. وأنه أنذر وبلّغ رسالة ربّه بمكة ثلاث عشرة سنة، في اول عشر سنين كان يدعو إلى التوحيد. وبعد العشر عُرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة.
4- ثم أنّه هاجر -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة واكمل فيها الدين في عشر سنوات، فأظهر الله به دين الإسلام، تحقيقاً لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة:33). فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام،
5- والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام؛ وكما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فإن الهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة. والدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} وقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}، والدليل على الهجرة من السنة قوله ﷺ: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".
6- ثم توفي صلوات الله وسلامه عليه في المدينة ودينه باقٍ؛ وهذا دينه، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه. " تركتكم على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك"، والخير الذي دل عليه: التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه. والشر الذي حذر منه: الشرك، وجميع ما يكرهه الله ويأباه. بعثه الله إلى الناس كافة، والدليل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وفرض الله طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس. وأكمل الله به الدين. والدليل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِينًا}.
7- والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون * َثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}. والناس إذا ماتوا يبعثون. والدليل قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}. وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا}. وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم. والدليل قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}. ومن كذب بالبعث كفر. والدليل قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
8- ونؤمن بأنبياء الله جميعا، ولا نفرق بين أحد منهم، والله الذي أرسلَ الرّسل قد أنزلَ معهم الكتب، ذكر الله منها التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم وأرسلَ خاتم النبيين محمدًا -صلّى الله عليه وسلّم- بالذكر الخاتَم القرآن الكريم. وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين. والدليل قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}. وأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد ﷺ. والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}.
9- وكل أمة بعث الله إليها رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت. والدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. والطاغوت هو كل من رُضي أن يُعبد من دون الله، وقد افترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة:
فالفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ أَهْلَ السنَّةِ والجَماعةِ يُؤمِنونَ بكل ما سبق؛ كما يُؤمِنونَ بما أَخْبَرَ اللهُ بِهِ في كِتابِهِ؛ مِنْ غَيْرِ تَحْريفٍ ولا تَعْطيلٍ، ومِنْ غيْرِ تَكْييفٍ ولا تَمْثيلٍ. وبهذه المعرفة يعرف الإنسان "الرّسولَ" محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، و"المُرسِلَ" الذي هو الله، و"الرّسالةَ" التي هي دين الإسلام، الذي تضمّن أحكامه وشرائعه وعقائده كتاب الله وسنّة رسوله -عليه الصّلاة والسّلام-.
ثم قال الشيخ: " فمَن عرف ربّه بأسمائه وصفاته، وأنّه الإله الحقّ الذي لا يستحق العبادة سواه، وعرف محمّدًا –صلّى الله عليه وسلم- وأنّه رسول الله إلى الناس كافة، وعرف ما جاء به، وآمن بذلك كلّه، واستقام على طاعة الله ومات على ذلك: كانَ مِن السعداء المفلحين، فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يمنّ علينا بالعلم النافع والعمل الصالح والثبات على دينه، إنّه تعالى على كلّ شيء قدير.
ووأخيرا أحبتي في الله فإن الدّعوة إلى الله: فرض كفاية، إذا قام بها مَن يكفي سقط الإثم عن الباقين، لكن فرض الكفاية قد يكون فرض عين إذا قام السبب الموجب للدعوة، ولم يكن هناك مَن يقول بذلك الواجب، فإنه يصير على مَن قدر على الدعوة فرض عين بالنسبة إليه، فينبغي للمسلم أن يجتهد في الدعوة إلى الله بحسب حاله، وكلما سنحت له الفرصة يقوم بهذا العمل الصالح ليكون مِن اتباع الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- الذين قال الله فيهم: {قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف:108) كما سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت:33]، والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
الأصول الثلاثة، هذا عنوان مؤلَّف للشّيخ "محمّد بن عبد الوهاب" رحمه الله، وأراد بالأصول الثلّاثة: معرفة الله، ومعرفة نبيّه، ومعرفة دين الإسلام، بالأدلّة، لا بالرأي، ولا بقول فلانٍ، بل بالأدلة من الآيات والأحاديث، وذلك هو دين الإسلام الذي أنت مأمور بالدخول فيه والالتزام به.
وقد قال الشيخ محمّد بن عبد الوهاب في ذلك الكتاب: "فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها؟ فقل: معرفة العبد ريّه ودينه ونبيه محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم-"، ولم يخترع الامام ابن عبدالوهاب هذه الاصول من كيسه، بل هو دين الله وهذا ما قال الله، والدليل قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"، فمن هو المرسِل بكسر السين؟ هو الله، ومن هو المرسَل بفتح السين؟ هو محمد صلى الله عليه وسلم، وما هي الرسالة " دين الحق دين الاسلام الذي أظهره الله وظهر ويظهر وسيظهر على كل دين من اديان اهل الشرك"، إذن فهذه الأصول الثلاثة، عليها مدار الدين كله، وبها تقرر أنت جنتك ونارك، وهذه الأصول الثلاثة هي التي يُسألُ عنها الإنسان في قبره، فيُقال للميت إذا وضع في قبره: مَن ربّك؟ وما دينك؟ ومَن نبيك؟ فالمؤمن الموقن يقول: "ربّي الله، وديني الإسلام ونبيي محمّد -صلّى الله عليه وسلم-"، وأمّا المنافق الشّاك فإنّه يتحيّر ويقول: "هاه هاه، لا أدري، سمعتُ النّاس يقولون شيئاً فقلته"، فالمؤمن يكون قبره عليه روضة مِن رياض الجنة، والكافر والمنافق يصير قبره حفرة مِن حفر النار، يُعذّب في قبره، وأما المؤمن فإنه ينعم في قبره، فنؤمن ان عذاب القبر حق ونعيم القبر حق وسؤال الملكين حق.
ومعرفة الله: أي معرفة العبد ربه، وهذا إذا قيل لك: مَن ربّك، فقل: ربّي الله، الذي ربّاني وربّ جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي، ليس لي معبود سواه. فالله واحد أحد أزلا وأبدا، لا يتغير ولا يتبدل، له الاسماء الحسنى والصفات العلا، ولا نقول على الله الا ما قاله عن نفسه، وهو الله الواحد الاحد الذي أرسلَ الرسل بدين الإسلام، فإنّ دين الإسلام هو دينُ الرّسل جميعاً، والله الواحد الاحد هو الذي آمن به ودعا اليه أول الانبياء سيدنا آدم عليه السلام، وهو الله الواحد الاحد الذي دعا اليه وامر بعبادته وحده كل انبياء الله من بعد آدم عليه السلام كإدريس ونوح وهود ولوط ومرورا بابراهيم أبو الانبياء ومن أتى من نسله اسحق ويعقوب واسماعيل ويوسف وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم، ومن علمنا من أنبياء الله ومالم نعلم، كلهم دعوا إلى الله واخلاص العبادة لله.
ومغرفة اسماء الله وصفاته: فمهم أن تعرف أن أسماءَ اللهِ وصفاتِه غيرُ محصورةٍ بعددٍ معروفٍ، وأمَّا حديثُ (( إنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسماً مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجنَّةَ)) فلا تفيد الحصر، وإنَّما غايةُ ما فيه: أنَّ من الأسماءَ 99 اسما، من أَحْصاها دخلَ الجنَّةَ، كما تقولُ عندي مائةُ ألف اعددتها للصدقات، فهذا لا يعني ان هذا كل ما عندك بل يكون عندك غيره لغير الصدقات، فحض الله على احصاء 99 اسما، وجعل جزاءَهُ الجنة. واما الايمان بصفات الله فأن تؤمن بما ما دلَّتْ عليه من المعنى وبما تعلَّقَ بها من الآثارِ، فَتُؤْمِنُ بأنّه عليمٌ، وذو علمٍ عظيمٍ، وأنَّه لا تَخْفَى عليه خَافِيةٌ.
كما أن صّفاتِ الله تنقسمُ إلى قسمين:
1) صفاتٌ ذَاتِيَّةٌ، أي من لوازم ذاته سبحانه لا تنفك عنه بأي حَالٍ، كالغِنَى، والقدرةِ، والعُلوِّ، والرَّحمةِ.
2) وصفاتٌ فعليّةٌ، اختيارية وهي كلُّ صفةٍ تَعَلَّقَتْ بمشيئتة الله وإرادتهِ، كالاستواءِ والمَجِيءِ والنّزولِ ونحوِ ذلك.
- وليسَ في أسماءِ اللهِ وصفاتِه نفيٌ مَحْضٌ، لأن النَّفيُ المحضُ عَدَمٌ، والعدمُ ليس بشيءٍ، فضلاً عن أنْ يُمْدَحَ به، لكن كلُّ نفيٍ وُجِدَ في أسماءِ الله وَصِفاتِه فهو لإثباتِ كمالٍ ضِدِّه، كما قالَ تعالى: (وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) أي لِكَمالِ عَدْلِهِ، (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا )، أي لكمالِ قوّتِه واقتدارِهِ.
- ثم أن أهلِ السّنّةِ والجماعةِ، يُجملون في النَّفيِ ويُفصلون في الإثباتِ كما دلَّ على ذلك الكتابُ والسّنّةُ، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) فَأَجْمَلَ الله في النّفيِ وَفصَّل في الإثباتِ، وهذا عكسُ ما عليه أهلُ البدعِ من الجَهْمِيَّةِ والمُعتزلَةِ وأشباهِهم فإنَّهم يُجْمِلون في الإثباتِ ويُفَصِّلون في النَّفي.
- والقولُ في الصّفاتِ كالقولِ في الذَّاتِ، فكما أنَّنا نُثْبِتُ لله ذاتاً لا تُشْبِهُ الذّواتِ فيجبُ أنْ نثبتَ له صفاتٍ لا تشبهُ الصّفاتِ، فالصّفاتُ فَرْعُ الذَّاتِ يُحْذَى فيها حَذْوَها. وعلى هذا فالقولُ في بعضِ الصّفاتِ كالقولِ في البعضِ الآخرِ إذ لا فرقَ، فمن أثبتَ الصّفاتِ ونفَى البعضَ الآخرَ كالأشاعرةِ، فقد تَنَاقَضَ، إذ الدّليلُ الَّذي ثبتت به الصّفاتُ الَّتي أقرُّوا بها يوجدُ مثلُه أو أقوى منه يثبِتُ البعضَ الآخرَ.
- وأسماءُ اللهِ سبحانه وتعالى وصفاتُه هي بِالنَّظَرِ إلى الذَّاتِ من قبيلِ المترادفِ، وبالنّظرِ إلى الصّفاتِ من قَبِيلِ المُتبَايِنِ.
- وأسماءُ اللهِ سبحانَه وصفاتُه حقيقةٌ، وليستْ من قَبِيلِ الَمجازِ، خلافاً للمبتدعةِ من الجهميَّةِ والمعتزلةِ وغيرِهِم، فعلى كلامِ هؤلاء لا يكونُ سبحانَه حيّاً حقيقةً، ولا مريداً حقيقةً، ولا قادراً، تعالى اللهُ عن قولِهِم، وهذا لازمٌ لكلِّ من ادّعى المجازَ في أسماءِ الرّبِّ وصفاتِه وأفعالِه لزوماً لا مَحِيدَ عنه، وكفى أصحابُ هذهِ المقالةِ كفراً.
- وكل اسم من اسماء الله قد يُطلق على المخلوق، هي حقيقةٌ في الخالقِ والمخلوقِ، خلافاً للجهميَّةِ. ولا يَلْزمُ من اتّحادِ الاسمينِ تماثلُ مُسَمَّاهُمَا، فإنَّ اللهَ سمَّى نفسَهُ بأسماءٍ تَسَمّى بها بعضُ خلقِه، وكذلك وصفَ نفسَه بصفاتٍ وُصِفَ بها بعضُ خلقِه، فلا يلزمُ من ذلك التَّشبيهُ، فقد وَصَفَ نَفْسَهُ بالسَّمعِ، والبصرِ، والعلمِ، والقدرةِ، وَوُصِفَ بذلك بعضُ خلقهِ، فليس السَّميعُ كالسَّميعِ، ولا البصيرُ كالبصيرِ، فصفاتُ كلِّ موصوفٍ تُناسِبُ ذاتَه وتليقُ به، ولا مُنَاسَبَةَ بين الخالقِ والمخلوقِ.
- و أسماءُ اللهِ وصفاتُه من قبيلِ المُحْكمِ وليستْ من المتشابِه، فإنَّ معناها واضحٌ معروفٌ في لغةِ العربِ، وأمَّا الكُنْهُ والكَيْفِيَّةُ فهو ممَّا اسْتَأثَرَ اللهُ بِعِلْمِهِ.
- أسماؤُه سبحانَه وتعالى تنقسمُ إلى قسمين: أَعْلاَمٌ، وأوصافٌ، والوصفيّةُ فيها لا تُنافي العلميَّةَ، بخلافِ أوصافِ العبادِ.
- للاسمِ مِن أسمائِه ثلاثُ دلالاتٍ: دلالةٌ على الذّاتِ والاسمِ. بِالْمُطَابَقَةِ، وعلى أحدهِما بِالتَّضَمُّنِ، وعلى الصّفةِ الأخرى بالالتزامِ، مثالُه اسمُ السَّميعِ، يدلُّ على ذاتِ الرَّبِّ وسَمْعِهِ بالمطابقةِ، وعلى الذَّاتِ وحدَها والسّمعِ وحدَه بِالتَّضَمُّنِ، ويدلُّ على الحيِّ وصفةِ الحياةِ بالالتزامِ، وكذلك سائرُ أسمائهِ وصفاتهِ.
- إذا كانتِ الصّفةُ منقسمةً إلى كمالٍ ونقصٍ لم تدخلْ بِمطلقِها في أسمائه سبحانه، بل يُطلَقُ عليه منها كمالُها كالمريدِ والصَّانعِ، فإِنَّ هذه الألفاظَ لا تدخلُ في أسمائِه، فإنَّ الصّنعَ والإرادةَ مُنقسمةٌ إلى محمودٍ ومذمومٍ.
- ولا يُشتق من افعاله اسماءا: وقد غَلطَ من جعلَ من أسمائِه الَماكِرَ والفَاتِنَ والُمُضِلَّ، تَعالى اللهُ عن قَوْلِهم، ثمَّ إِنَّه على فَهْمِ هذا الغَاِلطِ أنْ يجعلَ من أسمائِه الجَائِيَ والغَضْبانَ ونحوَ ذلك من الأسماءِ الَّتي أُطلقَتْ عليه أفعالُها، وهذا لا يقولُه مسلمٌ ولا عاقلٌ، انتهى من كلامِ ابنِ القيِّمِ ملخصاً.
وفي القسم والحلف بالله: فلله أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته، لله أن يُقسم بما دل على عظم ماخلق، فتدل مخلوقاته على عظمته ووحدانيته، فلا أحد يتحجر عليه، فأقسم بالسَّماء ذات البروج، وأقسم بالسَّماء والطارق، وبالضحى، وبالشمس وضحاها، وبالليل إذا يغشى، وبالنازعات، وغير ذلك؛ لأنَّ المخلوقات تدل على عظمته، وعلى أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، وأما المخلوق فليس له أن يُقسم إلا بربه، فلا يُقسم ولا يحلف إلا بالله، ولا يجوز له أن يحلف بالأنبياء، ولا بالأصنام، ولا بالصَّالحين، ولا بالأمانة، ولا بالكعبة، ولا بغيرها. هذا هو الواجب على المسلم؛ لقول النبي ﷺ: مَن حلف بشيءٍ دون الله فقد أشرك صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت.
والحنيفية ملة إبراهيم التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهي عبادة الله وحده، وإخلاص العبادة له جلَّ وعلا، هذه الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وتُخلص له الدِّين، ويكون الله سبحانه هو معبودك بدُعائك وخوفك ورجائك وصلاتك وصومك وذبحك ونذرك، هذه الحنيفية ملة إبراهيم، وهذا هو أصل الإسلام، وأساس الملة، وأصل دين الرسل جميعًا أن يعبدوا الله وحده دون كلِّ ما سواه
أما دعاء الميت، ودعاء الغائب الذي لا يسمع كلامك، أو دعاء الصنم أو الجن أو الأشجار وغيرها، فهذا صرف للعبادة لغير الله؛ فهذا شرك المشركين، وهو الشرك الأكبر الذي قال الله فيه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
ومعرفة الدين: وإذا كان كل أنبياء الله دعوتهم واحدة الى توحيد الله واخلاص العبادة له وحده.، فإن دينهم جميعا الاسلام، ولكن اختلفت الشرائع، فدين موسى الاسلام وشريعة موسى عليه السلام كان فيها من الاصر والاغلال التي وضعها الله على اليهود، وهي شريعة عيسى عليه السلام بعد ان أتمها وقبلها ونسخ بالوحي ما نسخ منها، ثم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وهي ناسخة للشرائع قبله، ورفع الله عنا فيه الاصر والاغلال التي وضعها على اليهود، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي أكمل الشّرائع وأشملها وأيسرها، لأنّه رسول الله إلى النّاس جميعاً إلى الناس كافة عربهم وعجمهم ابيضهم وأسودهم. إذن معرفة دين الإسلام "أنّه: "الاستسلام لله بالتّوحيد قولا وفعلا واعتقادا، والانقياد له بالطّاعة والبراءة مِن الشّرك وأهله".
ولابد ان نعرف أن للاسلام ثلاث مراتب (مرتبة الاسلام، ومرتبة الايمان، ومرتبة الاحسان)،
وكل مرتبة لها أركان، فأركان الإسلام الخمسة، وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، وإقام الصلّاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع اليه سبيلا،
وأن الإيمان وهي المرتبة الثانية: والإيمانُ لغةً يعني: التَّصْدِيقُ، (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ) أي مصدِّقٍ، وكذلك إذا أُقْرِنَ العَملُ فمعناه التَّصديقُ، قالَ اللهُ: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ). أمَّا الإيمانُ في الشَّرعِ: فهو قولٌ وعملٌ واعتقادٌ، قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح. وقد قال رسول الله : " الايمان بضع وسبعون شعبة؛ فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. يعني قسم رسول الله الايمان الى قول وعمل واعتقاد، قول: ان تقول لا اله الا الله، تذكر الله وتسبح الله، وترطب لسانك بذكر الله، وعمل: اماطة كل ما يؤذي المسلم في الطريق، واعتقاد مثل الحياء فهذا عمل قلبي، ولذا فالايمان تعريفه في الشرع كما قلنا قول وعمل واعتقاد. واركان الايمان ستة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، والدليل على هذه الأركان الستة من القرآن: قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}. ودليل القدر: قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، فإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وبغَيْرِهِ فلا تحجر بعقلك على الله
وأما "الإحسان"، فهو ركن واحد وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، والدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}. وقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقوله: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}.
وهذا التفصيل دلّ عليه حديث جبريل الذي رواه مسلم في صحيحه، عن عمر -رضي الله عنه- كما رواه البخاري، ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
واما دليل الاركان الخمسة من القرآن:
1- دليل الشهادة: قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ومعناها لا معبود بحق إلا الله. "لا إله" نافيا جميع ما يعبد من دون الله، "إلا الله" مثبتا العبادة لله وحده، لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه. وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
2- ودليل شهادة أن محمدا رسول الله قوله تعالى: {لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}. ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
3- ودليل الصلاة والزكاة، وتفسير التوحيد: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}.
4- ودليل الصيام قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
5- ودليل الحج قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.
أنت مأمور بالعمل بهذا الدين -دين الإسلام- من صلاةٍ وصومٍ وجهادٍ وحجٍّ وإيمانٍ وتقوى، فتعمل بالإسلام؛ لأنك مخلوق لله، ومخلوق لعبادة الله، فعليك أن تعلم وتعمل بما علمت، فتعبد الله وحده، وتُقيم أركان الايمان والاسلام، ومن العمل بدينك أن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتبرّ والديك، وتصل الأرحام، إلى غير ذلك، فتعمل بما أمرك الله به، وتنتهي عمَّا نهاك الله عنه. وأن لا تكذب، المسلم ليس بكذاب، تسقط عدالتك بالكذب، من آيات المنافقين الكذب، وأنت في الدعوة الى الله لا تكذب، كن عناون لدينك ادعُ نفسك قبل ان تدعوا غيرك، واقبل النصح واقبل التوجيه واقبل التراجع والتصحيح والتصويب، واعتذر ومرر ثقافة الاعتذار، وإياك والأنا وحظ النفس، روِّدض نفسك وتواضع لله، من تواضع لله رفعه، وكف عن الجدل والمراء، والزِم الجاهل بالدليل ولا تكثر معه في الحوار، وتأدب مع الكبير وأهل العلم وكل من يعلمك حرفا، وترقق وترفق واحتوي الصغير، وكن رفيقا رقيقا مع كل مسلم وداعية، وأثخن على الأعداء فهذه عقيدة الولاء.
وعقيدة الولاء والبراء: إياك أن تفرط فيها فمن أهم الواجبات أن يعلم كل مسلمٍ ومسلمةٍ أنه لا يجوز له أن يُوالي المشركين ويوادهم، فكل مَن أطاع الله ورسوله ووحَّد الله جلَّ وعلا، كل مسلمٍ يلزمه أن يُعادي الكفار ويبغضهم في الله، ودين الله، ولا يجوز له مُوالاتهم؛ لقوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22] أي: لا تجد يا محمد قومًا أهل إيمانٍ صادقين يُوادُّون مَن حاد الله ورسوله. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]. وقال سبحانه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ". هكذا المؤمن: يُحب أولياء الله ويودهم ويتعاون معهم على الخير، ويكره أعداء الله ويبغضهم ويُعاديهم في الله، وإن دعاهم إلى الله، وإن أخذ منهم الجزية، لكن لا يُحبهم، بل يبغضهم في الله، وإن أقرَّهم في بلادهم
ومِنَ الإِيْمانِ باللهِ: الإِيمانُ بِمَا وَصَفَ بهِ نَفْسَهُ وَ وَصَفَهُ بهِ رَسُولُهُ محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ غَيْرِ تَحْريفٍ ولا تَعْطيلٍ ولا تكييف ولا تمثيل، بَلْ نؤمن بأَنَّ اللهَ ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )، فالمؤمن لا ينفي عن الله ما وصف الله به نفسه، ولا يُحرف الكلم عن مواضعه، ولا يُلحد في أسمائه وآياته. ولا نُكيف او نُمثل او نشبه صفات الله بصفات أحدٍ من خلقه. ونؤمن أنه سبحانه: لاَ سَمِيَّ لَهُ، ولا ندّ له ولا كُفْؤَ، وأن الله لا يُقاس بأحدٍ من خلقه. قال تعالى: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ). وجاء في الصَّحيحِ ((لاَ نُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ))، فأسماء الله وصفاته نقبلها كما هي، توقيفية لا تكون الا بالنص والنقل، بقال الله وقال الرسول، وليس بالهوى والتشهي. ونؤمن أن من جَحَدَ صفاتِ اللهِ سبحانه وتعالى فليسَ بمؤمنٍ، قال تعالى: (وهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ )، وكذلك من عطَّلها أو شبَّهها بصفات خلقه، فمن شبَّه اللهَ بخلقِه كفر، ومن نفى ما وصف به نفسَه فقد كفر، وليس فيما وصف اللهُ به نفسَه أو وصفَه به رسولُه تَشْبِيهاً. والله أَصْدَقُ قِيلاً، وأَحْسَنُ حَدِيثاً مِنْ خَلْقِهِ ثُمَّ رُسُلُهُ صادِقُونَ بخِلافِ الَّذينَ يَقُولونَ على الله مَا لا يَعْلَمونَ.
ومِن الإِيمانِ باللهِ وكُتُبِهِ الإِيمانُ بأَنَّ القرآنَ: كَلامُ اللهِ، مُنَزَّلٌ، ولم يَقُلْ أحدٌ مِن السَّلَفِ: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ أو قديم غير مخلوق، بل الآثارُ متواتِرةٌ عنهم بأنَّهم يقولون: القرآنُ كلامُ اللَّهِ، لكن لمّا ظهر من قال: إنَّه مخلوقٌ، قالوا رداًّ لكلامه: إنَّه غير مخلوق. وأفعالُ العِبادِ كأصواتِهم ومِدادِهم الذي يَكتُبون به القرآنَ، والوَرَقِ الذي يَكتُبون عليه، فإنَّ ذَلِكَ مِن جُملةِ المخلوقِ، ومع ذلك فحين يتلو القارىء كتاب الله فإنه يتلوا كلامه غير المخلوق، لذَلِكَ يقولونَ: الكلامُ كلامُ البارِئِ والصَّوتُ صوتُ القَارِئِ، وهذا ما يفهمه اهل السنة والجماعة فالملفوظ به كلام الله واللفظ فعل المخلوق، وفي الحديثِ: ((زَيِّنُوا الْقُرَآنَ بَأَصْوَاتِكُمْ))، فنفرق بين القران وبين صوت المخلوق.
وقَدْ دَخَلَ أَيضاً فيما ذَكَرْناهُ مِن الإِيمانِ بهِ وبِكُتُبِهِ وبملائِكَتِهِ وبِرُسُلِهِ: الإِيمانُ بأَنَّ المؤمِنينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيامَةِ عياناً بأَبصارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ صحواً ليسَ [ بها ] سحابٌ، وكَما يَرَوْنَ القَمَرَ ليلَةَ البَدْرِ لا يضامونَ في رُؤيَتِهِ.
ونؤمن بيوم القيامة، كما اخبر الله تعالى، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة ومنكره كافر، ومنكر البعث كافر، وسيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غُرلا وتدنو منهم الشمس ويُلجمهم العرق وتُنشر الدواوين أي صحائف الاعمال، فمن أخذ كتابه بيمينه - جعلنا الله واياكم من اهل اليمين- فهو من الفائزين، ومن اخذ كتابه بشماله او من ومراء ظهره فاولئك الهالكون. كَما قالَ سُبحانَهُ وتَعالى: ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ في عُنُقِهِ ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ).
أما المؤمن: فيحلو الله به ويقرره بذنوبه، ويُستثنَى مِن ذَلِكَ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ بغيرِ حسابٍ، كما في "الصَّحيحَيْنِ" من حديثِ ابنِ عبَّاسٍ في السَّبعِينَ ألْفًا الذين يَدخلون الجَنَّةَ مِن غيرِ حسابٍ ولا عذابٍ.
وأَمَّا الكافر: فلن يٌحاسب محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، لانهم لا حسنات لهم لكي توزن واعمالهم في الدنيا حابطة باطلة لافقتقارهم لشروط العبادة، التي هي الإخلاصُ والمتابعةُ، والحساب لا يكون الا لمن له حسنات وسيئات، فكل عَملٍ لا يكونُ خالِصاً لله على الوجه المرضي له سبحانه فهو باطل، قال تعالى: (فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) ففيها دليلٌ على أنَّ الكافرَ لا تُوزن أعمالُه؛ إذْ لا ثواب له في الآخرةِ، ولا يجازَى فيها بشيءٍ مِن عمله في الدنيا، قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) و إن عَمِلَ الكافرٌ صالحا في الدنيا من عِتقٍ أو صدقةٍ أو خير، فليس له في الآخرةِ جزاءُ عملٍ، لكنْ يُرْجىَ أنْ يَخفَّفَ عنه مِن عذابِ مَعاصِيه لحديثِ ثُويْبَةَ حين أعْتَقَها أبو طالبٍ. وفي "صحيحِ مسلمٍ" عن أنسِ بنِ مالكٍ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسول اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((إنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مؤمنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا ويُجْزَى بِهَا في الآَخِرَةِ، وأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ في الدُّنْيَا، حتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآَخِرَةِ لم تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا )).
وقال النوويُّ في شرحِ صحيحِ مسلمٍ: " أَجْمعَ العلماءُ على أنَّ الكافرَ الذي ماتَ على كُفرِه لا ثوابَ له في الآخرةِ، ولا يُجازَى فيها بشيءٍ مِن عملِه في الدُّنْيَا متقرِّبًا بِهِ إلى اللَّهِ، وصرَّحَ في هَذَا الحديثِ بأنَّه يُطْعَمُ في الدُّنْيَا بما عَمِلَه مِن الحسناتِ، أي بما فَعلَه متقرِّبا بِهِ إلى اللَّهِ ممَّا لا تفتقِرُ صحَّتُه إلى النيَّةِ، كصِلةِ الرَّحمِ والصَّدقةِ والعِتقِ والضيافةِ وتسهيلِ الخيراتِ ونحوِها، وأمَّا المؤمنُ فيُدَّخَرُ له أيضًا حسناتُه وثوابُ أعمالِه إلى الآخَرَةِ ويُجزى بها مع ذَلِكَ في الدُّنْيَا، ولا مانِع من جزائِه بها في الدُّنْيَا والآخرةِ، وقد وردَ الشَّرعُ بِهِ فيَجِبُ اعتقادُه".
ونؤمن بالصِّراطُ: قد تكاثَرت الأحاديثُ في إثباتِ الصِّراطِ، فيَجبُ الإيمانُ بِهِ واعتقادُ ثُبوتِه. والصراط في اللغة الطريق الواضح، وفي الشرع: هو جسر منصوب على متن جهنم، بين الجنة والنار، و سرعةِ مرور الناس عليه على حسَبِ مَراتِبِهم وأعمالِهم. يَرِدُه الأوَّلونَ والآخِرون، وما من احد الا وسيمر ويرد على النار ويمر من فوقها على الصراط ( يرد مرورا على الصراط وليس دخولا في النار كما يُشغب النصارى واهل الالحاد)، فيَمُرَّون على الصراط على قَدْرِ أعمالِهم، وَيكون ذلك بعد مفارقة الناس للموقف، وبعد حشرهم وحسابهم، فيكون الصراط إما نجاة من كتب له الله النجاة، وإما سقوط لمن كتب الله له النار والعياذ بالله، كما ثَبَتَ في الأحاديثِ. و" يَمُرُّ النَّاسُ عليه على قَدْرِ أعمالِهم"، أي: أنَّهم يَكونون في سرعةِ المرورِ على حسَبِ ثباتِهم على دِينِ الإسلامِ واستقامَتُه على الصِّراطِ في الدنيا، فإن الله يُثبته على الصِّراطِ الحقيقي المنصوبِ على مَتْنِ جهنم في الحياة الآخرة، ومَن زَلَّ عن الصِّراطِ المعنوي في الدنيا، زَلَّ عَن الصِّراطِ الحسِّيِّ الحقيقي في الآخرة " وما ربُّكَ بظلاَّمٍ للعَبيدِ"، فمِنْهُم مَن يَمُرُّ كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، او كالريح، ومنهم من يمر كالفرس ومنهم من يعدو عدوا او يمشي مشيا، او يزحف/ ومنهم من يُخطف بكلاليب ويُلقى في جهنم. جاء في الصَّحيحِ قول النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: " يُضْرَبُ الصِّراطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ وَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْهِ فِرَقاً، فَمِنْهُمْ كَالْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَأَشَدِّ الرِّجَالِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ وَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفاً، وَفِي حَافَّتَيْهِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِأَخْذِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ))
ثم بعد العبور على الصراط: فإن المؤمنين يقفون على قنطرة بين الجنة والنار ليُقتص من بعضهم بعضا، حتى يُنقوا، ثم يُسمح لهم بدخول الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: ((يُحْبَسُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَا يَجُوزُونَ الصِّرَاطَ حَتَّى يُؤْخَذَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ظَلامَاتُ الدُّنْيَا وَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، وَلَيْسَ فِي قُلُوبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ شَيْئاً)). وأَوَّلُ مَنْ يَسْتَفْتح باب الجنَّة هو رسول الله محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَوَّلُ مَن يدْخُلُ الجنَّةَ مِن الأمَمِ أمَّتُه وفي الصَّحيحِ عن أبي هريرةَ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((نَحْنُ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ)) أي لم يَسبِقونا إلاَّ بهَذَا القَدْرِ، فمعنى (بَيْدَ) معنى سِوى وغيرِ وإلاَّ ونحوِها، وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أبي هريرةَ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ)).
ومن معرفة النبي معرفة سنته، والسُّنَّةُ تُفَسِّرُ القُرْآنَ وتُبَيِّنُهُ، وتَدُلُّ عَلَيْهِ، وتُعَبِّرُ عَنْهُ. (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)، ونتعرف على سنته مما صح من الحديث وثبت وتلقته الأمة بالقبول، فما قاله حق وصدق، ومما قاله (يَنْزِلُ رَبُّنا إِلى السَّماءِ الدُّنيا كُلَّ لَيْلَةٍ حينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَن يَدْعوني فَأَسْتَجيبَ لَهُ؟ مَن يَسْأَلُني فَأُعطِيَهُ، مَن يستَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَهُ؟ )). متَّفَقٌ عليه. ومنه قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبِدِهِ المُؤِمِنِ التَّائِبِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ )). مُتَّفَقٌ عليِه. وقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( يَضْحَكُ اللهُ إِلى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُما الآخَرَ؛ كِلاهُما يَدْخُلُ الجَنَّةَ )). مُتَّقَقٌ عليهِ.
ثم وإياك وانت تدعوا اهل الكتاب أن تسخر من صفة من صفات الله وتكون مما قد اثبتها الله ورسوله، فنحن نؤمن بما ثبُت عن الله وصح به النقل. ومن ذلك قولُهُ: (( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُونَ في رُؤيَتِهِ، فإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِها؛ فافْعَلُوا )). مُتَّفَقٌ عليهِ. أي ان لا يفوتكم صلاة الصبح وصلاة العصر. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيها وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيْدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيها رِجْلَهُ [ وفي روايةٍ: قَدَمَهُ ] فَيَنْزَوِي بَعْضُها إِلى بَعْضٍ، فَتَقولُ: قَط قَط )) متَّفق عليه. وقوله:صلى الله عليه وسلم (( ما مِنْكُمْ مِن أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ وَلَيْسَ بينَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمانٌ )، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم للِجَارِيَةِ: (( أَيْنَ اللهُ )). قالَتْ: في السَّمَاءِ. قالَ: (( مَنْ أَنا؟. قالَتْ: أَنْتَ رَسولُ اللهِ. قالَ: (( أَعْتِقْهَا فَإِنَّها مُؤِمِنَةٌ )). رواهُ مسلمٌ.
ومنه كذلك قَوْلُهُ: (( إِذا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلى الصَّلاةِ؛ فَلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلا عَنْ يَمِيْنِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَو تَحْتَ قَدَمِهِ )). متَّفقٌ عليهِ، وهذا الحديث يعني استحضارِ قُرْبِ الله -سُبْحَانَهُ وتعالَى- ومَعيَّتِهِ قِبَلَ وَجْهِك في حالِ العبادةِ والصلاة وأنت مستقبلا القبلة، وقد جاء في الجديث المرفوع: (( مَن تَفَلَ تجاهَ القبلَةِ جاءَ يومَ القيامةِ وتفلُه بينَ عينيِه)) واستفيدَ مِن الحديثِ تحريمُ البُصاقِ إلى القِبلَة سواءا كنت في الصلاة او في غير الصلاة، فإنَّ ذلكَ يوجبُ الخشيةَ والخوفَ مِن اللهِ، وفيه من التأدب مع الله و إتمامِ العبادةِ على الوجهِ اللائِقِ، ثم ان هذا الحديث قد خُصص فلا يجوزُ البصاقُ في أرضِ المسجدِ مطلقًا، لحديثِ ((الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا))، اما عن منع البصق عن اليمين، فتفصيلها في روايةِ البخارِيِّ ((ولا عن يمينه فإنَّ عن يمينِه مَلَكَين)) فظهر ان هذا الحديث ليس فيه مطعن لمن طعن به من المبتدعة، بل ينفي ان يكون الله في كل مكان بذاته او ان يحل في مخلوقاته، والدليل انك قد تبصُق عَنْ يَسَارِك، أَو تَحْتَ قَدَمِك. ونفهم هذا الحديث كما نفهم قول الله: (وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ)، ومثل قوله ( وَهُوَ مَعَكُمْ ) ولَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّهُ معكم أي انه مُخْتَلِطٌ بخلقه نستغفر الله؛ فإِنَّ هذا لاتُوجِبُهُ اللُّغَةُ خِلافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأمَّةِ، وخِلافُ مَا فَطَرَ اللهُ عليهِ الخَلْقَ، وكُلُّ هذا الكَلامِ الَّذي ذَكَرَهُ اللهُ - مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ وأَنَّهُ مَعَنا - حَقٌّ على حَقيقَتِهِ، لا يَحْتاجُ إِلى تَحْريفٍ، ولكنْ يُصانُ عَنِ الظُّنُونِ الكاذِبةِ. وقد قال تعالى: ( وإِذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإِنِّي قَرِيبٌ ... ) ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الَّذي تَدْعونَهُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلَتِه) وهَذَا كتابُ اللَّهِ مِن أوَّلِه إلى آخِرِه وسُنَّةُ رسولِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وكلامُ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ وسائرِ الأئمَّةِ مملوءٌ بما هُوَ نَصٌّ أو ظاهرٌ أنَّ اللَّهَ فوقَ كُلِّ شيءٍ، وأنَّه فوقَ العرشِ، وأنَّه العَليُّ الأعلى، وأنَّه مستوٍ على عرشِه، وَمَا ذُكِرَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِنْ قُرْبهِ ومعيَّتِه لا يُنافي ما ذُكِرِ مِن عُلوِّهِ وفوقيَّتِه؛ فإِنَّهُ سبحانَهُ ليسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ في جَميعِ نُعوتِه، وهُو عَليٌّ في قُربه، قريبٌ في عُلُوِّه وأنَّ كله على الحقيقة، مبطل لما زَعَموه مِن المجازِ، وقد تكاثَرَت الأدلَّةُ في ذَلِكَ، وأَجْمعَ على ذَلِكَ السَّلَفُ، ودلَّ على ذَلِكَ أيضًا دَليلُ العقلِ، وليس مع مَن خالَفَ سِوى الظُّنونِ الكاذبةِ والشُّبَهِ الفاسدةِ التي لا يُعارَضُ بها ما دلَّ عليه نصوصُ الوحيِ والأدلَّةِ العقليَّةِ، وقد ذَمَّ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- الظَّنَّ المجرَّدَ وأهلَه فقال: (إنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ) (وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِن الْحَقِّ شَيْئاً) وفي الصَّحيحِ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ)).
ولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القيامَةِ شَفاعَاتٌ:
- أَمَّا الشَّفاعَةُ الأوْلى؛ فيشفَعُ في أَهْلِ المَوْقِفِ حَتى يُقْضَى بينَهُمْ بعدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ الأنْبياءُ: آدَمُ، ونوحٌ، وإِبراهيمُ، ومُوسى، وعِيسى ابنُ مَرْيَمَ عن الشَّفاعَةِ حتى تَنْتَهِيَ إِليهِ،
- وأمَّا الشَّفاعَةُ الثَّانيةُ؛ فيشْفَعُ في أَهْلِ الجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلوا الجَنَّةَ، وهاتانِ الشَّفاعَتانِ خاصَّتانِ لَهُ،
- وأَمَّا الشَّفاعةُ الثَّالِثَةُ؛ فيشفَعُ فيمَنِ استَحَقَّ النَّارِ، من عُصاةِ الموحِّدين الذين يَدخُلون النَّارَ بِذُنوبِهم وهذهِ الشَّفاعَةُ للنبي ولِسائِرِ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقينَ وغيْرِهِمْ، فَيَشْفَعُ فيمَنِ استَحَقَّ النَّارَ أَنْ لا يَدْخُلَها، ويَشْفَعُ فيمَنْ دَخَلَها أَنْ يَخْرُجَ مِنْها. ويُخْرِجُ اللهُ مِنَ النَّارِ أَقْواماً بغَيْرِ شَفَاعَةٍ، بَلْ بفَضْلِهِ ورَحْمَتِهِ. وفي الحديث القدسي (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: شَفَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ
وتُؤْمِنُ الفرقة الناجية من اهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره: والإِيمانُ بالقَدَرِ عَلى دَرَجَتينِ، كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئينِ :
- فالدَّرَجَةُ الأوْلى: الإِيمانُ بأَنَّ اللهَ تَعَالى عليمٌ بالخَلْقِ وهُمْ عَامِلُونَ بعِلْمِهِ القَديمِ الذي هُوَ مَوْصوفٌ بهِ أَزَلاً وأَبداً، وَعَلِمَ جَميعَ أَحوالِهِمْ مِن الطَّاعاتِ والمَعاصي والأرْزاقِ والآجالِ. والمرتبة الثانية أن كَتَبَ اللهُ في اللَّوْحِ المَحْفوظِ مَقاديرَ الخَلْقِ، فأَوَّل مَا خَلَقَ اللهُ القَلَم قالَ لهُ: اكْتُبْ. قالَ: ما أَكْتُبُ؟ قالَ: اكْتُبْ مَا هُو كَائِنٌ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ. فمَا أَصَابَ الإِنْسانَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصيبَهُ، جَفَّتِ الأْقلامُ، وطُوِيَتِ الصُّحُفُ. فالعبدَ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له لا مجبورٌ، فالجَبْرُ لفظٌ بِدْعيٌّ، والتَّيسِيرُ لفظُ القرآنِ والسُّنَّةِ.
ونؤمن ان ما من صغيرة او كبيرة الا وقد كتبها الله في اللوح المحفوظ، منذ أن خلق القلم وقال له اكتب، وقد دلَّتْ السُّنة أَنَّ الأقلام أربعة:
الأول: القلمُ العَام الشَّامل لجميع المخلوقات، وهو الذي كُتِبَ به مقاديرُ كُلِّ شيءٍ.
الثَّاني: خبرُ خلق آدم، وهو قلمٌ عامٌّ أيضا لكن لبني آدم، وورد في هذه آياتٌ تدلُّ على أنّ اللَّه قدَّر أعمال بني آدم وأرزاقهم وآجالَهم وسعادتهم عقيبَ خلق أَبيهِم.
الثَّالث: حين يُرسَلُ الملَك إلى الجنين في بطن أُمِّه فيَنفُخ فيه الرُّوح ويُؤمر بأربع كلمات: بكَتْب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ.
الرَّابع: الموضوع على العبد عند بُلوغه، الذي بأيدي الكرام الكاتبين الذين يكتبون ما يفعلُه بنو آدم
الثَّاني: خبرُ خلق آدم، وهو قلمٌ عامٌّ أيضا لكن لبني آدم، وورد في هذه آياتٌ تدلُّ على أنّ اللَّه قدَّر أعمال بني آدم وأرزاقهم وآجالَهم وسعادتهم عقيبَ خلق أَبيهِم.
الثَّالث: حين يُرسَلُ الملَك إلى الجنين في بطن أُمِّه فيَنفُخ فيه الرُّوح ويُؤمر بأربع كلمات: بكَتْب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ.
الرَّابع: الموضوع على العبد عند بُلوغه، الذي بأيدي الكرام الكاتبين الذين يكتبون ما يفعلُه بنو آدم
- وأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ؛ فهي مشيئة الله النافذة وقدرته التامة الشاملة، وهو الايمان بأن ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن وأنه في ما في السماوان ومافي الارض من حركة او سكون الا يعلمها وأنها بمشيئته سبحانه، فلا يكون في ملكه ما لا يريد. وانه سبحان على كل شيء قدير على الموجودات وعلى المعدومات. ونؤمن أن الله خلق افعال العباد وان العباد فاعلون على الحقيقة. ونريد بلفظ العبد اي المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم.. الخ. وأن للعباد قدرة على أفعالهم واعمالهم، ولهم ارادة، وان الله خلقهم وخلق قدرتهم وارادتهم، كَما قالَ تعالى: ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقيمَ. ومَا تَشاؤونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمينَ )، ( وهذه الدَّرَجَةُ مِنَ القدَرِ يُكَذِّبُ بها عَامَّةُ القَدَرِيَّةِ الَّذينَ سَمَّاهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَجُوسَ هذه الأمَّةِ).
ومعرفة محمد صلى الله عليه وسلم: أي نؤمن:
1- أن رسولنا ونبينا هو محمد صلى الله عليه وسلم بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش مِن العرب، والعرب مِن ذريّة إسماعيل بن إبراهيم -عليهما وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام-، وأنّه -صلّى الله عليه وسلّم- ولد بمكة، وأمه آمنة،
2- وأنّه نبي ورسول، نزّل عليه القرآن وأوّل ما نزل عليه في مكة، في غار حراء، وفيها نُبِّئَ بـ "أقرأ" وأُرْسِلَ بالمدثر؛ والدليل قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ" ومعنى {قُمْ فَأَنْذِرْ}، ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد. {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}، أي عظمه بالتوحيد. {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}، أي طهر ثيابك ونفسك وأعمالك عن الشرك. {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}، الرجز اي الأصنام، وهجرها تركها والبراءة منها وأهلها.
3- وله من العمر ثلاث وستون سنة. منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون بعد النبوة. وأنه أنذر وبلّغ رسالة ربّه بمكة ثلاث عشرة سنة، في اول عشر سنين كان يدعو إلى التوحيد. وبعد العشر عُرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة.
4- ثم أنّه هاجر -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة واكمل فيها الدين في عشر سنوات، فأظهر الله به دين الإسلام، تحقيقاً لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة:33). فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام،
5- والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام؛ وكما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فإن الهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة. والدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} وقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}، والدليل على الهجرة من السنة قوله ﷺ: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".
6- ثم توفي صلوات الله وسلامه عليه في المدينة ودينه باقٍ؛ وهذا دينه، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه. " تركتكم على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك"، والخير الذي دل عليه: التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه. والشر الذي حذر منه: الشرك، وجميع ما يكرهه الله ويأباه. بعثه الله إلى الناس كافة، والدليل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وفرض الله طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس. وأكمل الله به الدين. والدليل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِينًا}.
7- والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون * َثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}. والناس إذا ماتوا يبعثون. والدليل قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}. وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا}. وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم. والدليل قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}. ومن كذب بالبعث كفر. والدليل قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
8- ونؤمن بأنبياء الله جميعا، ولا نفرق بين أحد منهم، والله الذي أرسلَ الرّسل قد أنزلَ معهم الكتب، ذكر الله منها التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم وأرسلَ خاتم النبيين محمدًا -صلّى الله عليه وسلّم- بالذكر الخاتَم القرآن الكريم. وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين. والدليل قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}. وأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد ﷺ. والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}.
9- وكل أمة بعث الله إليها رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت. والدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. والطاغوت هو كل من رُضي أن يُعبد من دون الله، وقد افترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة:
- إبليس لعنه الله،
- ومن عبد وهو راض،
- ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه،
- ومن ادعى شيئا من علم الغيب،
- ومن حكم بغير ما أنزل الله.
والدليل قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}.
فالفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ أَهْلَ السنَّةِ والجَماعةِ يُؤمِنونَ بكل ما سبق؛ كما يُؤمِنونَ بما أَخْبَرَ اللهُ بِهِ في كِتابِهِ؛ مِنْ غَيْرِ تَحْريفٍ ولا تَعْطيلٍ، ومِنْ غيْرِ تَكْييفٍ ولا تَمْثيلٍ. وبهذه المعرفة يعرف الإنسان "الرّسولَ" محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، و"المُرسِلَ" الذي هو الله، و"الرّسالةَ" التي هي دين الإسلام، الذي تضمّن أحكامه وشرائعه وعقائده كتاب الله وسنّة رسوله -عليه الصّلاة والسّلام-.
ثم قال الشيخ: " فمَن عرف ربّه بأسمائه وصفاته، وأنّه الإله الحقّ الذي لا يستحق العبادة سواه، وعرف محمّدًا –صلّى الله عليه وسلم- وأنّه رسول الله إلى الناس كافة، وعرف ما جاء به، وآمن بذلك كلّه، واستقام على طاعة الله ومات على ذلك: كانَ مِن السعداء المفلحين، فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يمنّ علينا بالعلم النافع والعمل الصالح والثبات على دينه، إنّه تعالى على كلّ شيء قدير.
ووأخيرا أحبتي في الله فإن الدّعوة إلى الله: فرض كفاية، إذا قام بها مَن يكفي سقط الإثم عن الباقين، لكن فرض الكفاية قد يكون فرض عين إذا قام السبب الموجب للدعوة، ولم يكن هناك مَن يقول بذلك الواجب، فإنه يصير على مَن قدر على الدعوة فرض عين بالنسبة إليه، فينبغي للمسلم أن يجتهد في الدعوة إلى الله بحسب حاله، وكلما سنحت له الفرصة يقوم بهذا العمل الصالح ليكون مِن اتباع الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- الذين قال الله فيهم: {قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف:108) كما سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت:33]، والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.