جمع القرآن الكريم وتدوينه
عرفنا في المحاضرتين السابقتين معنى الاحرف السبعة؟: انَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ مِنَ اللُّغَاتِ والْقِرَاءَاتِ والمعاني وعرفنا اننا نفرق بين معنى الاحرف السبعة وبين المراد من اوجهها السبعة، وعرفنا أن تحديد المراد بأوجه الاختلاف واستقراؤها غير واجب على التعيين ولا أمِرنا به، وكل ما أُمِرناه أن نقرأ الوحي كما عُلِّمنا، وعرفنا انه لا يمكن لاحد تحديد هذه الاوجه التي سكت عنها الوحي من باب الجزم، إلا على سبيل الاستقراء الاكاديمي والعلمي، وأن نتاج الاحرف السبعة هو ما نراه اليوم في قراءاتنا العشر المتواترة عن رسول الله من ما قد نجده في بعض المواضع من اختلاف الحركات الاعرابية او اللهجة الصوتية او اختلاف في الكلمة وطريقة نطقها، او ربما اختلاف زيادة ونقص، وعرفنا ان الأحرف السبعة لا تعني قِراءة كل كلِمة بسبعة طُرُق، ولا ان الاحرف السبعة هي القراءات السبعة التي نقرأها اليوم، وعرفنا ان هذه القراءات السبعة والثلاثة المكملة أي العشرة كلها مردها الى الاحرف السبعة بالوحي وليست من تأليف التابعين ومن تأليف الرواة، اوحسب التشهي، ولا يجوز ولا يحدث ان يكون قراءة بالمعنى او التفسير فهذا مما لا يصح الا ان كان من باب النسخ او مما اجازه النبي لاحد اصحابه ولم يصلنا متواترا ولم يثبت صحابة رسول الله بالاجماع قرآنيته,
وعرفنا ان القرآن الكريم لا يُتلقى ولا يؤخذ من الكتب وإنما بالتلقي والتلقين والمشافهة، ومع ذلك فقد دُوِّن القرآن الكريم كاملا وكُتب في زمان النبي ولو لم يجمع في الصحف والمصاحف.
1- حالة الكِتابة العربية في الأمة الأمية، قبل الرسم العُثماني:
هل الكتابة في العرب كانت قليلة ام كثيرة ام معدومة بالكلية؟، الجواب: أن نفي معرفة العرب للكتابة قبل الإسلام إلى حد الندرة إخلال بالمنهج السديد. يقول ابن تيمية: " قَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ الْمَكْتُوبَ وَكُلُّهُمْ أُمِّيُّونَ."، وكذلك يقول ابن فارس، (ت 395 هـ ) : "فإنا لم نزعم أن العرب كلها مدراً ووبراً قد عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها، وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم، فما كلٌّ يعرف الكتابة والخط والقراءة " ( ابن فارس: الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها). وهذا ما يُثبته الدليل العلمي، بخلاف من منع الكتابة بالكلية بين العرب كما ذهب أبوالحجاج البلوي بأن الكتابة قد انعدمت عند العرب في الجاهلية، وأن الشعر قد جعل لهم عِوضاً.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم الى امة امية ، لكن ليست معدومة عرية عن كل الوان الكتاب كما عرفنا، بل لحق بالنبي مثقفوا العربية وكُتابها، وفصحاؤها في مكة وصاروا هم كتاب الوحي، مثل: أبي بكر ، وفيما بعد عمر وعثمان وعلي وطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص وعامر بن فهيرة ومعيقيب ابن ابي فاطمة وحذيفة بن اليمان وحنظلة بن الربيع وغيرهم.
حتى فيمن لا يعرف القراءة والكتابة، عرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حض صحابته على تعلمها فكانوا يتعلمون القرآن والكتاب، حتى تحولوا إلى أمة تقرأ وتكتب، وتَعَلّم أكثرهم الكتابة في الإسلام لا في الجاهلية، وفداء الأسرى في بدر حين أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لمن كان كاتبًا منهم أن يفدي نفسه بتعليم عشرة من صبيان المسلمين الكتابة والقراءة هذه أمور قد استفضنا في شرحها فيما سبق. وتعدد كتب الطبقات والرجال من الصحابة عشرات بعد عشرات كلهم كاتب ضابط لما يكتب.
2- الشواهد التي تؤكد أنه قد كان للكتابة العربية شأن قبل الإسلام:
في الحجاز:
1- جاء في القرآن الكريم بِما يفيد معرفة عرب الجاهلية القريبة من الاسلام القراءة والكتابة , فقد تكررت في كثير من الآيات مادة (كتب) وما في معناها أكثر من ثلاثمائة مرة، ومادة (قرأ) وما اشتُق منها نحواً من ثمانين مرة . ووردت كذلك مادة (خط) وأسماء أدوات الكتابة: القلم , والصحف والقرطاس والرق واسم آلات الكتابة، ولا تعقل مخاطبة القرآن الكريم قومأ بهذه الآيات لو لم يكونوا على علم وبصيرة بالقراءة والكتابة، والقرآن الكريم أصدق وثيقة تحدثنا عن حياة العرب في ذلك العهد .
2- وكان بعض اليهود قد علم العربية، وكان يعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول، فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون
3- وأما جفينة النصراني فهو من مسيحيي الحيرة أرسله سعد بن أبي وقاص كذلك إلى المدينة ليعلم أبناءها القراءة والكتابة
5- وبعد الاسلام حول النبي صلى الله عليه وسلم مجتمع الصحابة الى امة تقرأ وتكتب وتضبط، وكان من الكتاب في زمان النبي اشكالا والوانا ..
- فكان هناك كتاب مخصوصين للوحي كزيد بن ثابت ومعاوية وشراحبيل بن حسنة وعلي وعثمان رضي الله عنهم،
_ وكتاب مخصوصين للصدقات كالزبير بن العوام،
_ وكتاب مخصوصين للعقود والمعاملات والغنائم كالعلاء بن عقبة ..
_ ومنهم من كان يكتب إلى الملوك ويجيب رسائلهم ويترجم بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية، كزيد بن ثابت وتعلم ذلك في المدينة... وكان يحل محله حنظلة بن الربيع اذا غاب احد من الكتاب حتى عًرِف بالكاتب وكان حامل ختم رسول الله.
وتجد تفصيل ماسبق في التنبيه والإشراف للمسعودي، وكتاب الوزراء والكتاب للجهشياري او العقد الفريد لابن عبدربه.
6- ورقة ابن نوفل كان يكتب الكتاب العربي والكتاب العبراني
7- وحين قاطعت قريش النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين في بداية الدعوة بمكة كتبوا كتاباً بذلك , وعلقوه في جوف الكعبة كما ذكر ابن سعد.
8- ويحدثنا ابن النديم عن كتاب رآه في خزانة المامون بخط عبد المطلب بن هَاشِم , فيه ذكر حقه على فلان بن فلان الحميري (الفهرست، ص. 5).
9- قصي ابن كلاب يكتب من مكة إلى أخيه ابن أمه رزاح ابن ربيعة ابن حرام العذري في مشارف الشام , يدعوه إلى نصرته والقيام معه في منازعة خزاعة وبني بكر أمر مكة كما ذكر ابن هشام.
10- ويقول البلاذري " دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر وجلاً كلهم يكتب" رغم أن هذه الرواية - ربما - لا تمثل الواقع تماماً، وعدد منهم أحد عشر كاتباً في المدينة.
11- كتابة المعلقات السبعة على أستار الكعبة.
12- كتابة العهود والمواثيق والاحلاف: مثل كتاب النعمان الى الحارث بن ظالم في مكة يعطيه به الأمان
13- بل وشهرة الطائف، وقبيلة ثقيف خاصة، بالكتابة وإتقانها منذ الجاهلية، دعت عمر بن الخطاب إلى أن يجعل كتبة المصحف من قريش وثقيف، ودعت عثمان بن عفان إلى أن يقول: "اجعلوا من يملي من هذيل والكاتب من ثقيف".
وفي شمال الجزيرة واطراف العراق:
7- وكتب حماد جد عدي بن زيد الشاعر - وعدي نفسه توفي عام 587 م- للنعمان الاكبر
8- وكان المترجمون في العرب في الجاهلية قبل الاسلام، وكانت لهم مدارس وكتاتيب.. ومثاله عدي بن زيد الشاعر اتقن العربية في الكُتّاب، ثم انتقل الى بلاد فارس، وأصبح يكتب لملك فارس بالعربية، حيث جعله ترجمانا بينه وبين العرب. وما دام عدي يستخدم العربية في ديوان ملك الفرس , فإن من المنطقي أن تكون الكتابة العربية هي المستعملة في إمارة المناذرة في الحيرة.
9- وكذلك كان لقيط بن يعمر الإيادي كاتبًا بالعربية ويحسن الفارسية، فكان من أجل ذلك مترجمًا في ديوان كسرى.
10- وقصة الشاعرين المتلمس وطرفة مشهورة، إذ كانا قد قدما على عمرو بن هند ملك الحيرة، فكتب لهما كتابين إلى عامله في البحرين يأمره بقتلهما , وأخبرهما أنه كتب لهما بجائزة، وتروي القصة كيف أعطى المتلمس صحيفته لغلام من غلمان الحيرة فقرأها له ونجا بنفسِه. وتدل هذه القصة على مدى شيوع الكتابة في الحيرة , وكذلك احتمال معرفة الكتابة العربية في البحرين.
10- ومما يذكر أن خالد بن الوليد بعد أن فرغ من فتح الأنبار وأمّن أهلها وظهروايعد ما كانوا متخفين " رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها "(تاريخ الطبري) وحين خرج خالد إلى عين التمر وجد صبيانأ يتعلمون الكتابة (معجم البلدان لياقوت الحموي).
11- ويبدو أن شهرة أهل الحيرة وما جاورها بالكتابة قد استمرت حتى بعد الاسلام، فهذا عبد الرحمن بن عوف يستكتب رجلا من أهل الحيرة نصرانيأ مصحفاً , فأعطاه ستين درهما (كتاب المصاحف، ص.133).
أطراف الشام:
12- فيروي البخاري أن ملك غسان أرسل مع رجل نصراني، صحيفة إلى كعب بن مالك رضي الله عنه شاعر الاسلام - وقد كان أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم بعد تخلفهم عن غزوة تبوك- يدعوه فيه أن يلحق به بعد ما كان من جفاء المسلمين له ولصاحبيه.
13- كذلك كتب النبي - صلى الله عليه و سلم كتاباً لأكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل وهي في محافظة الجوف شمال السعودية الان (المغازي للواقدي).
14- وهذا فروة ابن عمرو الجذامي وكان عاملاً لقيصر على عمّان من أرض البلقاء أي الاردن، وكان قد أسلم، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه جواب كتابه (طبقات ابن سعد) .
15- كذلك أهل أيلة وتَيْماء وجَرْباء وأذْرُح -وهي قرى في شمال الجزيرة العربية- وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فكتب لهم كتباً (الواقدي) .
اليمن:
16- وقدم على رسول الله كتاب ملوك حِمْير اليمن بعد عودته من تبوك باسلامهم، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب كتابهم (32). وكل هذه المكاتبات - ولا شك أن معظمها وربما كلها كان يستخدم الكتابة العربية - تدل على مدى إنتشارها زمن ظهور الإسلام , حتى في جنوب الجزيرة معقل الخط العربي القدبم (المُسند).
17- انتشار الكتابة بـ «المسند» في العربية الجنوبية، وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب، والاف النقوش المكتشفة.
واخيرا النقوش والمكتشفة بالالاف في جزيرة العرب وانتشار الخط العربي الجنوبي القديم في جزيرة العرب وغير جزيرة العرب.
كل ما سبق يُشير إلى أن الكتابة العربية كانت معروفة بين عرب الجاهلية- سواء في وسط الجزيرة أم في أطرافها - بدرجة تكفي لأن تنفي ما قيل من ندرة أو انعدام الكتابة بينهم، ويثير من جانب آخر أن الكتابة العربية بذلك الاستخدام الواسع ، لا بد أنها قد أخذت شكلاً أقرب إلى الاطراد وتوحيد القواعِدِ ، ومع كل ذلك فإنها كانت تنتظر الفرصة العظيمة التي أتاحها لها الإسلام لأن تعبر عن حضارة جديدة ، قادها القرآن الكريم الذي دُوِّن بها.
3- معنى الأمية في القرآن والسنة:
ولا يرد على ما سبق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب ". رواه البخاري ( 1814 ) ومسلم ( 1080 ) ، وذلك لأنه قال ذلك في حديث الصيام عن رؤية الهلال في حديث الصيام عن رؤية الهلال، والحديث كاملًا: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا". فهذا الحديث -أولًا- لا يعني إلا ضربًا خاصًّا من الكتابة والحساب، هو حساب سير النجوم، وتقييد ذلك بالكتابة لمعرفة مطلع الشهر؛ فقد أخبر أن هذا الضرب من العلم المدون المسجل القائم على الحساب والتقويم لم يكن للعرب عهد به، ومن هنا علق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير. وهذا الحديث -ثانيًا- لا يعني نفي الكتابة والحساب نفيًا عامًّا شاملًا, وذلك لأن عرب الجاهلية قد كانوا يكتبون ويحسبون، وإنما هو نفي لأن تكون الكتابة وأن يكون الحساب نظامًا عامًّا متبعًا في كل الشئون كما كان ذلك عند بعض الأمم الأخرى ذات التقاويم الفلكية.
وَقد جاء لفظ الأميين في القرآن الكريم، والْأُمِّيُّونَ نِسْبَةً إلَى الْأُمَّة، كَمَا يُقَالُ عَامِّيٌّ نِسْبَةً إلَى الْعَامَّةِ، وَيُقَالُ الْأُمِّيُّ لصنفين:
1- لِمَنْ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ كِتَابًا كما في قوله تعالى: "فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ" لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ مَا فِي الْكُتُبِ
2- و يُقَالُ لِمَنْ لَيْسَ عندهم العلم أي ليس لَهُمْ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ مِنْ اللَّهِ يَقْرَءُونَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ؛ وَبِهَذَا الْمَعْنَى الثاني كَانَ الْعَرَبُ كُلُّهُمْ أُمِّيِّينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ مِنْ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}
فإن قال قائل: فقد تواترت الروايات بأن أبا الأسود أول من وضع العربية، وأن الخليل أول من تكلم في العروض، قيل له: نحن لا ننكر ذلك، بل نقول إن هذين العِلْمَين قد كانا قديمًا، وأتت عليهما الأيام، وقلَّا في أيدي الناس، ثم جددهما هذان الإمامان، وأرسوا قواعدهما، فقد كان العرب يعرفون من أمر النحو ومن أمر العروض وعيوب القافية ما يستطيعون به أن يميزوا الصحيح من الخطإ، وما أصبح بعد ذلك أساسًا لعلمي النحو والعروض. ومن الدليل على أن العروض كان متعارفًا معلومًا اتفاق أهل العلم على أن المشركين لما سمعوا القرآن قالوا -أو من قال منهم-: إنه شعر. قال الوليد بن المغيرة منكرًا عليهم: لقد عرضت ما يقرؤه محمد على أقراء الشعر: هزجه ورجزه وكذا وكذا، فلم أره يشبه شيئًا من ذلك. أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف بحور الشعر؟ ... ومن الدليل على معرفتهم بالعروض كذلك ما مر بنا من قول أنيس أحد الشعراء عن القرآن لأخيه أبي ذر الغفاري فقال: " والله لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلا يلتئم على لسان أحد..". وليس هذا مما تناقلوه تناقلًا شفهيًّا عابرًا، بل قصدوه وتعلموه، وقد كان في الجاهلية الكثير من المعلمين، فمن هؤلاء المعلمين في الجاهلية: عمرو بن زرارة، وكان يسمى كذلك الكاتب؛ وغيلان بن سلمة بن معتب، جاهلي أسلم يوم الطائف، والطائف هي التي أخرجت، بعد غيلان، يوسف بن الحكم الثقفين وابنه الحجاج بن يوسف المعلمين فيها.
ثم إن شيوع القراءة والكتابة بالمعنى المفهوم عندنا، لم يكن معروفاً حتى عند أرقى الشعوب إذ ذاك، مثل اليونان والرومان والساسانيين. فسواد كلّ الأمم كان جاهلاً لا يحسن قراءة ولا كتابة.
جمع القرآن بمعنى كتابته
أولا: جمعه وتدوينه في زمان الني محمد صلى الله عليه وسلم.
أولا: معنى جمع القرآن:
الجمع في اللغة اي الضم، وهو ضم المتفرق، تقول جمعت الشيء جمعا.
- اما في الاصطلاح، عند علماء المسلمين: أطلق علماء الشرع "جمع القرآن" [3]على أربعة معانٍ[4]، وهي[5]:
- حفظ القرآن في الصدور عن ظهر قلب (في عصر النبي)
- تأليف[6] سور القرآن الكريم (تولاه الصحابة عن رسول الله عن جبريل).
- تأليف الآيات في السورة الواحدة من القرآن الكريم (تولاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن جبريل).
- كتابة القرآن الكريم في الصحف والمصاحف.
أما المعنى الأول وهو حفظه في الصدور :فقد حصل في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث حفظ القرآنَ الكريمَ عن ظهر قلبٍ النبيُّ صلى الله عليه وسلم , وجمعٌ من أصحابه .. وهو قول الله: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).
وأما المعنيان الثاني والثالث [7]: فقال الزركشي: قال أبو الحسين أحمد بن فارسٍ في كتاب المسائل الخمس: جمع القرآن على ضربين: أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطُّوال ، وتعقيبها بالمئين، فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة رضي الله عنهم وأما الجمع الآخر، فضمُّ الآي بعضها إلى بعضٍ، وتعقيب القصة بالقصة، فذلك شيءٌ تولاَّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم[8] كما أخبر به جبريل عن أمر ربه[9].
وأما المعنى الرابع، فيتضمن مرحلتين[10]: الأولى جمع متَفَرِّقِهِ في صحفٍ، وهو ما حدث في عصر الصِّدِّيق ، والثانية: جمع تلك الصحف في مصحفٍ واحدٍ، وهو ما حدث في عصر عثمان بن عفان.[11]
ثانيا: التدوين الفوري للوحي:
1- تدوين القرآن الكريم وكتابتِهِ في زمان النبي، كان بعد تلقيهِ شفاهًا على نوعين:
1- تدوين الكتبة الفوري للنص بمجرد وحيه: حفظ مكتوب فوري، وهذه هي الوثيقة الاولى. و برغم أن المُعوّل عليه هو الحفظ في الصدور .. فإنه مع ذلِك .. ما من آية نزلت وحُفِظت إلا وقد عُضِدت بأن كُتِبت فوراً لحظة نزولِها،
2- أو تدوين افراد الصحابة في مرحلة التعلم والتلقين وحفظ النص في الصدور. ومنهم من كان يدون في مصحفه الخاص ما اجازه النبي من ان يقرا به من الاحرف السبعة، او ما يسمعه من النبي من تفسير، أو ربما كتب اية ونُسِخت، لكن لم يُجمع القرآن الكريم كله مجردا بوحيه في صحف مجموعة او مصحف واحد عند احد من الصحابة.
والتدوين الفوري خصيصة لكتاب الله، و لم يتأتى لامة من الامم ولدين من الاديان يُنسب كتابها للوحي أن تجمع الخصيصتين معا من أول يوم وهما:
- " المشافهة والسماع مع الحفظ في الصدور"
- " الكتابة والتدوين مع الحفظ في السطور".
2-وكان كتاب الوحي يكتبون الآيات ويضعونها حيث يُشير عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يُبلغه بها جبريل عليه السلام:
1) روي عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال: "ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا" .
2) وعن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع. وكان هذا التأليف عبارة عن ترتيب الآيات حسب إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا الترتيب بتوقيف من جبريل عليه السلام فقد ورد أن جبريل عليه السلام كان يقول: ضعوا كذا في موضع كذا. و جبريل كان لا يصدر في ذلك إلا عن أمر الله عز وجل.
3-- بل لم يكُن يترُك رسول الله الكاتِب حتى يقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلّم و يُعيد عليه ما كتب :
3) فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يأمر الكاتب أن يقرأ ما كتب حتى يقوِّم ما قد يكون من زلل فى حرف. ومن أدِلّة ذلك ما رُوي عن أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمر بكتابة قوله تعالى: (لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فى سبيل الله). فجاء زيد يكتبها على كتف، وكان ابن أم مكتوم الأعمى حاضرا يسمع قراءى زيد، فسأل النبي: يارسول الله فما تأمرنى؟ فإنى رجل ضرير البصر، فنزل الوحي بالرخصة: {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر}.
4) وقد ورد عن زيد بن ثابت انه قال كنت اكتب الوحى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملى على فإذا فرغت قال اقرأه فأقرؤه فان كان فيه سقط أقامه.[47]
4- ومن أدلة التدوين للوحي في زمان النبي كذلك:
5) (دخل نفر على زيد بن ثابت ، فقالوا : حدثنا بعض حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ماذا أحدثكم؟ كنت جار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا نزل الوحي أرسل إلي فكتبت الوحي .. )
6) وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي قال لمن عنده : أدع لي زيدا ، وليجيء باللوح والدواة ، ثم يقول له اكتب ... ويملي عليه الآيات..."صحيح البخاري.
7) وعن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ t قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ r فَاتَّبِعِ الْقُرْآنَ، …
8) وأول من كتب الوحي للنبي في مكة عبدالله بن أبي السرح ثم ارتد، ثم عاد بعد الفتح، واول من كتب الوحي للنبي في المدينة هو أبيُّ بن كعب
5- من الصحابة مِن غير كتبة الوحي من قد كتب ما سمِعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وإن لم يلتزموا توالي السور وترتيبها :
أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد كان منهم من يكتبون القرآن ولكن فيما تيسر لهم من قرطاس أو كتف أو عظم أو نحو ذلك بالمقدار الذي يبلغ الواحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يلتزموا توالي السور وترتيبها وذلك لأن أحدهم كان إذا حفظ سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتبها ثم خرج في سرية مثلا فنزلت في وقت غيابه سورة فإنه كان إذا رجع يأخذ في حفظ ما ينزل بعد رجوعه وكتابته ثم يستدرك ما كان قد فاته في غيابه فيجمعه ويتتبعه على حسب ما يسهل له فيقع فيما يكتبه تقديم وتأخير بسبب ذلك. وقد كان من الصحابة من يعتمد على حفظه فلا يكتب.
6- اسباب كتابة وتدوين القرآن في زمان النبي:
و برغم أن المُعوّل عليه هو الحفظ في الصدور .. فإنه مع ذلِك .. ما من آية نزلت وحُفِظت إلا وقد عُضِدت بأن كُتِبت فوراً لحظة نزولِها،
كان لكتابة القرآن أسباب، منها:
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مطالبًا بتبليغ الوحي، قال تعالى: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" والتبليغ يحتاج كذلك إلى الكتابة، فبها تقوم الحجة على من يرى الكتاب ممن لم يسمع ولم يبلغه باللسان، إما لبعد داره أو بعد زمانه عن دار وزمان النبي.
2 - مزيد عناية من النبي وأصحابه أن اعتنوا بكتابة القرآن الكريم، حتى يكون ذلك حصنًا ثانيًا لِحمايته من التغيِير والضياع، لأن النبي سيموت، ولا يُدرى متى يموت، كما أنَّه لا يُؤمَن أن يفنى حُفَّاظُه في أي ساعة، كما نعرف بأن سبعين منهم قتلوا في بئر معونة، ومثلهم أو يزيد قتلوا في وقعة اليمامة، فاقتضى ذلك أن يُكْتَب القرآن بِمجرد نزوله.
وقارن ذلك بما حصل لحواريي المسيح عليه السلام، ولاتباع موسى عليه السلام، فاليهود كُتِب لهم ولم يحفظوا، والنصارى حفظوا ولم يكتبوا. فلما ضاعت من اليهود التابوت والكتب في الحروب تشردوا بين الامم ثم ألف لهم من ألف مما سمع او قرأ نتفا من هنا ومن هناك. ولما قتل الرومان التباع المسيح وطاردوا حواريوه، كتب اتباعهم من الذاكرة. فكلا الفريقين ضيع الكتاب وضيع لغة الكتاب. ودوما نكرر برغم فضل الكتابة والتدوين منذ وحيه، إلا ان المكتوب وحده لن يحفظ اللغة، لعجز المكتوب باستمرار على تمثيل المنطوق، تمثيلا صحيحا، ولذا فالامم التي بقيت لها الكتب وفقدت الشفاهة، فقدت معها لغتها الاصلية، و كيف لها ان تعرف معاني الكلمات التي تتغير بتغير النطق مع كونها لها نفس الرسم؟
3- وهناك نصوص تُجبر سامعيها على التدوين، وهناك نصوص يلفظها القلم، والقرآن الكريم أخذ لُباب سامعيه وألزمهم كلا الحُسنيين: المشافهة والحفظ في الصدور، والتدوين والحفظ في السطور، وهذا الالزام فطري ضروري، أنشأه في القلوب جلالة النص وقدسيته، مع الألفة الفطرية مع هذا الكتاب الذي يكسب الفؤاد والسمع واللسان، مما يدفع دفعا لتدوينه سواءا منذ لحظة نزوله، أو بعد اكتمال وحيه وفي كل زمان ومكان.
4- لكن الوحي منذ لحظة نزوله لم ينتظر ان تصحو هذه النزعة في النفوس في بيئة أمية لا ينتشر فيها الكتابة والقلم، فبدا بتأصيلها منذ لحظة وحيه بربط الشفاهية بالكتابة، يقول تعالى " اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان مالم يعلم"، فكان اول سورة واول آية وأول كلمة، وأول أمر، وتكليف نزل في الاسلام، أقرا " الذي علم بالقلم" فربط القراءة بالعلم بالقلم، فمنذ لحظة الوحي صار هذا التكليف هو اولا، والى اخر يوم في حياته صلى الله عليه وسلم، وحتى يومنا هذا. وهكذا يُرسي الوحيَ مع المشافهة دعامة العلم والقلم، من اول يوم فانتقل الصحابة من أميين لا يقرأون ولا يكتبون الى كتاب ومتعلمين يكتبون بالقلم فصار بين يدي النبي عشرات من كُتاب الوحي يكتب ما يمليه النبي فاجتمع مع الاقراء والشفاهية، التدوين الفوري.
5- ولكي تصير سنة في أمته: سن جمع القرآن وكتابته ، وأمر بذلك وأملاه على كتبته ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى حفظ جميع القرآن جماعة من الصحابة ، وحفظ الباقون منه جميعا متفرقا ، أو عرفوه وعلموا مواقعه ومواضعه على وجه ما يعرف ذلك اليوم من ليس من الحفاظ لجميع القرآن.
2 - مزيد عناية من النبي وأصحابه أن اعتنوا بكتابة القرآن الكريم، حتى يكون ذلك حصنًا ثانيًا لِحمايته من التغيِير والضياع، لأن النبي سيموت، ولا يُدرى متى يموت، كما أنَّه لا يُؤمَن أن يفنى حُفَّاظُه في أي ساعة، كما نعرف بأن سبعين منهم قتلوا في بئر معونة، ومثلهم أو يزيد قتلوا في وقعة اليمامة، فاقتضى ذلك أن يُكْتَب القرآن بِمجرد نزوله.
وقارن ذلك بما حصل لحواريي المسيح عليه السلام، ولاتباع موسى عليه السلام، فاليهود كُتِب لهم ولم يحفظوا، والنصارى حفظوا ولم يكتبوا. فلما ضاعت من اليهود التابوت والكتب في الحروب تشردوا بين الامم ثم ألف لهم من ألف مما سمع او قرأ نتفا من هنا ومن هناك. ولما قتل الرومان التباع المسيح وطاردوا حواريوه، كتب اتباعهم من الذاكرة. فكلا الفريقين ضيع الكتاب وضيع لغة الكتاب. ودوما نكرر برغم فضل الكتابة والتدوين منذ وحيه، إلا ان المكتوب وحده لن يحفظ اللغة، لعجز المكتوب باستمرار على تمثيل المنطوق، تمثيلا صحيحا، ولذا فالامم التي بقيت لها الكتب وفقدت الشفاهة، فقدت معها لغتها الاصلية، و كيف لها ان تعرف معاني الكلمات التي تتغير بتغير النطق مع كونها لها نفس الرسم؟
3- وهناك نصوص تُجبر سامعيها على التدوين، وهناك نصوص يلفظها القلم، والقرآن الكريم أخذ لُباب سامعيه وألزمهم كلا الحُسنيين: المشافهة والحفظ في الصدور، والتدوين والحفظ في السطور، وهذا الالزام فطري ضروري، أنشأه في القلوب جلالة النص وقدسيته، مع الألفة الفطرية مع هذا الكتاب الذي يكسب الفؤاد والسمع واللسان، مما يدفع دفعا لتدوينه سواءا منذ لحظة نزوله، أو بعد اكتمال وحيه وفي كل زمان ومكان.
4- لكن الوحي منذ لحظة نزوله لم ينتظر ان تصحو هذه النزعة في النفوس في بيئة أمية لا ينتشر فيها الكتابة والقلم، فبدا بتأصيلها منذ لحظة وحيه بربط الشفاهية بالكتابة، يقول تعالى " اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان مالم يعلم"، فكان اول سورة واول آية وأول كلمة، وأول أمر، وتكليف نزل في الاسلام، أقرا " الذي علم بالقلم" فربط القراءة بالعلم بالقلم، فمنذ لحظة الوحي صار هذا التكليف هو اولا، والى اخر يوم في حياته صلى الله عليه وسلم، وحتى يومنا هذا. وهكذا يُرسي الوحيَ مع المشافهة دعامة العلم والقلم، من اول يوم فانتقل الصحابة من أميين لا يقرأون ولا يكتبون الى كتاب ومتعلمين يكتبون بالقلم فصار بين يدي النبي عشرات من كُتاب الوحي يكتب ما يمليه النبي فاجتمع مع الاقراء والشفاهية، التدوين الفوري.
5- ولكي تصير سنة في أمته: سن جمع القرآن وكتابته ، وأمر بذلك وأملاه على كتبته ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى حفظ جميع القرآن جماعة من الصحابة ، وحفظ الباقون منه جميعا متفرقا ، أو عرفوه وعلموا مواقعه ومواضعه على وجه ما يعرف ذلك اليوم من ليس من الحفاظ لجميع القرآن.
وهكذا كانت الكتابة زيادة في التوثق والضبط والاحتياط في كتاب الله تعالى حتى تظاهر الكتابة الحفظ ويعاضد النقش اللفظ.
7-- لماذا لم يُجمع القرآن في عهد الرسول في الصحف او المصاحِف .؟!!!
ولم يجمع القرآن في صحف ولا مصاحف لاعتبارات كثيرة، يمكن استقراؤها:
1- أنه لم يوجد من دواعي كتابته في صحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد أبي بكر حتى كتبه في صحف. ولا مثل ما وجد على عهد عثمان حتى نسخه في مصاحف.
2- كان المسلمون وقتئذ بخير والقراء كثيرون والإسلام لم يستبحر عمرانه بعد والفتنة مأمونة
3- كان التعويل لا يزال على الحفظ أكثر من الكتابة .
4- وكانت أدوات الكتابة غير ميسورة وعناية الرسول باستظهار القرآن تفوق الوصف وتوفي على الغاية حتى في طريقة أدائه على حروفه السبعة التي نزل عليها.
5- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء الله من آية أو آيات.. فلما انقضى بوفاته ألهم الله الامة على جمعه في المصحف.
6- و لأن القرآن لم ينزل مرة واحدة بل نزل منجما في مدى عشرين سنة أو أكثر.
7- ولأن ترتيب آياته وسوره ليس على ترتيب نزوله فقد علمت أن نزوله كان على حسب الأسباب أما ترتيبه فكان لغير ذلك من الاعتبارات.
8- لو جمع في صحف أو مصاحف والحال على ما شرحنا , لكان عرضة لتغيير الصحف أو المصاحف كلما وقع نسخ أو حدث سبب. مع أن الظروف لا تساعد وأدوات الكتابة ليست ميسورة والتعويل كان على الحفظ قبل كل شيء.
9- و لأن القرآن لو كان جمع فى مصحف من أول الأمر ، لاتكل الناس على المصحف المكتوب ، وقل اهتمامهم بحفظه .
2- كان المسلمون وقتئذ بخير والقراء كثيرون والإسلام لم يستبحر عمرانه بعد والفتنة مأمونة
3- كان التعويل لا يزال على الحفظ أكثر من الكتابة .
4- وكانت أدوات الكتابة غير ميسورة وعناية الرسول باستظهار القرآن تفوق الوصف وتوفي على الغاية حتى في طريقة أدائه على حروفه السبعة التي نزل عليها.
5- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء الله من آية أو آيات.. فلما انقضى بوفاته ألهم الله الامة على جمعه في المصحف.
6- و لأن القرآن لم ينزل مرة واحدة بل نزل منجما في مدى عشرين سنة أو أكثر.
7- ولأن ترتيب آياته وسوره ليس على ترتيب نزوله فقد علمت أن نزوله كان على حسب الأسباب أما ترتيبه فكان لغير ذلك من الاعتبارات.
8- لو جمع في صحف أو مصاحف والحال على ما شرحنا , لكان عرضة لتغيير الصحف أو المصاحف كلما وقع نسخ أو حدث سبب. مع أن الظروف لا تساعد وأدوات الكتابة ليست ميسورة والتعويل كان على الحفظ قبل كل شيء.
9- و لأن القرآن لو كان جمع فى مصحف من أول الأمر ، لاتكل الناس على المصحف المكتوب ، وقل اهتمامهم بحفظه .
وهكذا ... لما استقر الأمر بختام التنزيل ووفاة الرسول وأمن النسخ وتقرر الترتيب ووجد من الدواعي ما يقتضي نسخه في صحف أو مصاحف وفق الله الخلفاء الراشدين فقاموا بهذا الواجب حفظا للقرآن وحياطة لأصل التشريع الأول مصداقا لقوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
تلخيص ما سبق:
أن القرآن كان مكتوبا كله على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن كان مفرقا في العسب واللخاف و والرقاع وقطع الأديم وعظام الأكتاف والأضلاع. وأنه اعتمد جمع القرآن في عهد النبي على منهج علمي جاء على النحو الآتي:
1 -نزول القرآن بواسطة جبريل.
2 -عرض القرآن بقراءة جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قراءة الرسول على جبريل.
3 -تدوين القرآن بواسطة كَّتاب الوحي، ادوينا فوريا، باملاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
4 -قراءة ماكتبه الكَّتاب على الرسول صلى الله عليه وسلم.
5 -تصحيح النبي لاي سقط بيد الكتاب.
6- احتفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم بما كتبه الكتاب.
7 -نقُل القرآن وجمعه بوسيلتين النقل اللفظي مشافهة في الصدور سماعا وعرضا وتلقينا، والنقل الكتابي في السطور.
8- جمعه وفق خطة علمية منهجية موضوعية من: كتابة ومقابلة المكتوب مع المحفوظ.
9- جمع بإملاء الرسول صلى الله عليه وسلم وإشراف منه.
والحمدلله رب العالمين.