بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الحوار مثالٌ لما وجب فعله مع من لم يرجع عن باطله بالمناظرة، فأهل السنة يحرصون على هداية الخلق، ويسعون إلى ذلك بشتى الوسائل، منها: الوعظ والإرشاد، والجدال والمناظرة وإقامة الحجة، وتبديد الشبهات، وإزالة الإشكالات، ويبذلون لذلك كل غال ونفيس، لكن يبقى هناك نوع من الناس لا يستجيب لوعظ، ولا يلتزم بدليل من عقل او نقل، ولا بما تُفضي اليه المناظرة معهم وإقامة الحجة، بل يتمادى في غيه، ويضرب عن الحق صفحا، ثم يبذل جهده ليغمس الناس في ضلالته، ويحشرهم في نِحلته، وذلك بالتزيين وإلقاء الشبهات، فمثل هذا لا بد من إذلاله بالعلم والمنهج، وقطع دابره، وفضح أمره، عساه أن يتوب، أو يكف شره عن الأبرياء، والتغرير بالضعفاء، وأمثال هؤلاء كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضربه على رأسه بعراجين النخل، قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ"
منذ شهر، دخل أحد منكري السنة، في ثوب السائِل الباحث عن الحق
وعرضنا عليه الحوار، وقبل مؤكدا انه جاء لنصحح له إن أخطأ. وتم فتح منشور لتنسيق القواعد الحاكمة التي سيحتكم إليها في إثبات عدم صحة الحديث، فزعم أنه من اهل السنة والجماعة مما يعني أنه يُلزمه منهج وقواعد أهل السنة والجماعة، إلا أنه عاد وقال أنه يرى أحاديث مُعلّة المتن بينما اعتبرها اهل السنة والجماعة صحيحة.
فسألناه عن منهجه وقاعدته في التعليل والحكم على عدم صحةِ المتن، من وجهة نظره، فكان هذا جوابه:
وحين سألناه عن كيفية الحكم على التعارض اذا اختلفت العقول ما بين من يراها تتعارض ومن يراها لا تتعارض مع القرآن او الفطرة او العقل او اللغة؟، أقر بلسانه: يحكمنا الدليل!!
وعن موقفه من السنة وعلاقتها بالقرآن الكريم، فيقول:
إذًا هذه هي القواعد الواضحة التي يرتضيها لنفسه، ليحكم أن العلة قادحة في المتن عنده فيُسقط بها صحة الحديث:
1- أن يُعارض القرآن الكريم.
2- أن يُعارض لغة العرب.
3- أن يُعارض الفطرة.
4- أن يُعارض العلم اليقيني.
5- أن تأتي بعقيدة جديدة (لأن السنة إنما تأتي فقط مبينة للقرآن)
6- وفي كل ما سبق الذي يحكمنا هو الدليل.
وحين بدأ الحوار مع أحد الأساتذة، وبدأ بعرض ما يظنه معارضا للغة وللقرآن، طولب أكثر من مرة بالدليل، وهو نفسه الذي قال اذا حدث اني ارى تعارض وانت لا تراه فسيكون الحكم بيننا هو الدليل، وفي كل مرة لا يُقدم أي دليل، فلننظر الى حاله في مناقضة ما وضعه هو بنفسه من شروط:
قبل الحوار قال ان ما سيحكمنا الدليل:
فهل صدق ؟، لنرى ما فعله في أثناء الحوار:
وتم تحذيره بالالتزام بالاستدلال وبتبني ما ألزم به نفسه:
فبدلًا من ان يأتي بالدليل، إذ به يعتبر نفسه انه هو الدليل وانتقل الى الانتفاخ والكِبر !!
فأصر على عدم التزامه اي منهج وامتناعه عن الاستدلال .. فانتهى الحوار لعدم الأهلية والجدية.
فعرفنا أنه ما كان باحث حق، بل داعٍ إلى بدعته، ولا يبحث عن حقٍ او يريده، فسبحان الله، هذا حالهم دائما، لا تجد لأحدهم أي مبدأ، ولا يلتزم قاعدة، ولابد ان يناقض نفسه، وليس عندهم إلا التألي على الله بلا دليل وقرينةٍ أو بينةٍ و برهان، قال تعالى: "الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ" وقال تعالى: "إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ". ومثل هؤلاء لا يعرفون الفرق بين ما هو محال على العقل، وبين ما توجبه العقول، وما بين ماهو تصور وبين ما هو دليل، وكل واحد فيهم يخالف الاخر في عقله، فهذا يرد وحيا عقله لا يقبله بينما يقبله الاخر، ويرد غيره، وهكذا صار الوحي والكتاب والسنة مرده عقل كل سفسطي من هؤلاء، ويا حسرة على العقول، بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟!، فرضي الله عن الإمام مالك حيث قال: " أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد لجدل هولاء؟!".
وقد نُهينا عن المجادلة مع هؤلاء إن كنا نرغب في عودتهم وتوبتهم، لان توبة مثل هذا عزيزة بخلاف العاصي، ولذا ففي انهاء الحوار خير له، والمبتدع يعتقد انه على الحق وغيره على الباطل، فالمبتدع يتدين ببدعته، ويعتقد أنها الحق، والمناظرة معه مضيعة للأزمان، لاسيما إذا كان من أهل العناد والخبط بلا منهج، بل السلامة في ترکه والابتعاد والسكوت عنه، لعل وعسى يتوب ولا ينشر بدعته، ويرجع إلى رشده ويلتزم جماعة المسلمين، وإلا فرجوع المبتدع إلى الحق عزيز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يرجع السهم إلى فُوقِه".
ولقد سكتنا عنه، لعل الله يهديه.
لكن، وبعد انتهاء الحوار بأسبوعين، إذ به يدخل منذ يومين، في أحد المنشورات مهاجما بهذا:
وقد عرفنا أن الواجب على كل مسلم أن لا يناقش او يناظر من لا يلتزم منهجًا، ولا قواعد حاكمة وان يترك بدعة المبتدع تموت، ويسكت عنه لعله يتوب، لأن الحوار معهم يكون من قبيل الجدل البيزنطي، وقدْر العلم أعظم وأجل من الاسفاف والزج به في مثل هذه الامور التي نُهينا عنها.
لكن قد نلجأ إلى الاستثناء في حال استمرار المكابرة والتشنيع واصراره التلبيس على العوام، وفي هذا الحال، يكون المناظرة ضرورة لا اختيارا، و الغاية هو تثبيت المتذبذب، وتنبيه القارىء، وفضح المبتدع، ويكون الحوار حوار تبكيت وإفحام لمعاندٍ متلدد - بالعلم والمنهج- وكسْرا للباطل وأهله، وليتبين الناس حقيقة هؤلاء، وقد استحق المعانِد هذا الحوار من هذا الباب. وفي هذا يقول الشافعي: " ما ناظرت أحدا أحببت أن يُخطىء إلا صاحب بدعة، لأني أحب أن ينكشف امره للناس"
ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية: " فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم، لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفّى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور، وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين"
وسيكون الحوار على محاور ثلاثة:
1- اثبات عدم الأهلية بعجزه المنهجي.
2- اثبات انقطاعه بعجزه عن اثبات دعواه.
فإذا انقطع فلا يبقى إلا:
3- الإفحام والإلزام بتبيان الحق للناس ورد الشبهة.
يتبع
تعليق