⭕تفريغ محاضرتي في دورة إعداد حارس ((شرح الأصول الثلاثة ))) لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
🔹️إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
🔹️أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
⭕ معاشر الصالحين إخوة الإيمان أحييكم بتحية الإسلام تحية أهل الجنة { يوم يلقَونهُ سلام} السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد : لما عرف المصنف رحمه الله ((الأصول الثلاثة )) تعريفا كليّا، انتقل إلى تعريف كل أصل منها على حدة تعريفا تفصيليا وبدأ بالأصل الأول لأنه أهم
فقال <معرفة ربه > ، وهنا وجب التنبيه على فائدة مهمة نمر عليها سريعا بإذن الله رب العالمين وهي العلاقة بين العلم و المعرفة
🔹️ العلم يعرفه أهل العلم أنه : صفة يميز المتصف بها تمييزا جازما مطابقا (١) ، وإن شئت اختصاره قلت هو الإدراك الجازم المطابق ، والإدراك معناه هو: الوصول إلى معنى الشيء بتمامه
فقولهم صفة : جنس يدخل فيه جميع الصفات ، وقولهم يميز المتصف بها : هذا قيد يخرج الجهل البسيط لأن المتصف به لا يميز به كأن تسأل شخصا عن تعريف العلم فيقول لك لا أدري فهو لا يستطيع التمييز
وقولهم تمييزا جازما: قيد يخرج الظن والوهم والشك
وقولهم : مطابقا يخرج الجهل المركب لأنه تمييز جازم لكنه غير مطابق كأن تسأل شخصا متى كانت معركة بدر فيقول لك في السنة الرابعة بعد الهجرة
🔹️والعلم يطلق ويراد به أربعة أشياء
أ_ الإدراك الجازم المطابق وهو العلم
ب_ مطلق الإدراك فيدخل فيه أربعة أشياء الوهم والشك والظن و الجهل المركب
ت_التصديق لأنه إدراك مع الحكم عليه سواء كان هذا الإدراك قطعيا أوظنيا
مثال القطعي قوله تعالى { فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } فالمقصود بالعلم هنا التصديق القطعي الجازم
ومثال الظني قوله تعالى{ فإن علمتموهن مؤمنات} أي غلب على ظنكم ، أو كيف يمكن معرفة إيمانهن؟
الإطلاق الرابع : يطلق العلم على المعرفة والمعرفة تشمل العلم والظن كما يعرف الفقهاء ، الفقه أنه معرفة الأحكام الشرعية ،،،،إلخ ، فمعرفة الأحكام قد تكون يقينية وقد تكون ظنية والظن المعتبر هو الظن الغالب فهو يقوم مقام اليقين
🔹️مثال المعرفة اليقينية قوله تعالى {لما عرفوا من الحق } أي علموا
ومثال الظن أي يطلق الظن ويراد به العلم كقوله تعالى {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } أي يعلمون ، وقوله تعالى {فظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه } أي علموا
⭕ والعلاقة بين العلم والمعرفة تكون من وجهين
الوجه الأول : أن العلاقة بينهما أعم من جهة وأخص من جهة فتكون العلاقة بينهما عموم وخصوص وجهي
💠وإيضاح ذلك
أن المعرفة تكون أخص من العلم ، فالمعرفة لا يد أن يسبقها جهل ، وتكون بعد حصول لبس واشتباه، أما العلم فهو أعم فمن الممكن أن يكون بعد جهل كعلم المخلوقين ، ويمكن ألا يكون بعد جهل كعلم الله تعالى ، وكذلك فالمعرفة تكون بعد حصول لبس واشتباه، والعلم قد يكون بعد حصول لبس واشتباه وقد لا يكون فالمعرفة أخص من العلم من هذا الوجه
🔹️ وتكون أعم أنها كما سبق تشمل الظن واليقين ، والعلم يختص باليقين ، هذا فيما يخص العلاقة بينهما من وجه أول
🔹️أما الوجه الثاني أن المعرفة تطلق ويراد بها التصور ، وهو إدراك الشيء دون الحكم عليه بنفي أو أثبات ، مثلا كإدراكك معنى جاء زيد ، فإدراكك لمعنى جاء هذا تصور وإدراكك لمعنى زيد هذا تصور ، فتقابل العلم لأن من إطلاقاته التصديق ، والتصديق كما عرفناه أنه إدراك الشي مع الحكم عليه .
فمعرفة الله بالقلب: تستلزم قبول ما شرعه الله في الكتاب والسنة، والإذعان
والانتصار له، و تحکیم ما جاء به محمد .
وهذا موضع إجماع من السلف الصالح -رحمهم الله فكلهم يقول: إنالإيمان: قول، وعمل،واعتقاد.
قال الشافعي: «كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم
أن الإيمان: قول، وعمل، ونية، ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر»). ((أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للاكائي))
وقال شيخ الإسلام: «وقد حكى غير واحد إجماع أهل السنة والحديث ((الفتاوى الكبرى))
ثم قال المصنف : «إن قيل لك: من ربك»..
أي: إذا سئلت: من هو ربك الذي خلقك و أعدك ورزقك وأمدك؛ لأن
الرب المراد به: الخالق الرازق المدبر، وهو: الله ، وهذا هو المعنى المراد إذاأطلق لفظ الرب، وهو خاص بالله، أما إذا قيد؛ فبحسب التقييد والإضافة .مثلا إذا قيل رب البيت أي المالك للبيت الراعي لشؤونه المدبر له
ثم قال المصنف: ربي الله الذي رباني، وبين جميع العالمين بنعمته »
و رعاية يقوم بها المربي، وكلام المصنف رحمه اللع يشعر بأن الرب
مأخوذ من التربية؛ لأنه قال: «الذي رباني وربي جميع العالمين بنعمته»؛ فكل
العالمين قد رباهم الله بنعمته وأعدهم لما خلقوا له، وأمدهم برزقه، قال الله -
تعالى - في محاورة موسى وفرعون: وقال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه، ثم هدى [طه: 49 و 50]، فكل أحد في العالمين قد رباه تعالى بنعمته .
ونعم الله كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ قال تعالى : وإن تعدوا نعمة لاتحصوها } [النحل: ۱۸ ]
واستدل المصنف في ثلاثة أصول» لكون الله تعالی مربيا لجميع الخلق
بقوله: الحمد لله ؛ أي: الوصف بالكمال والجلال والعظمة والإكرام لله وحده
رب العالمين ؛ أي: مربيهم وخالقهم ومالكهم والمدبر لهم كما شاء .
والعبد واحد من هذه العوالم.
ثم قال: «وخلقني من عدم إلى وجود» .
فإن العبد قبل خلق الله له لم يكن شيئا مذكورا؛ كما في قوله تعالى: هل أتى
على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا [الإنسان].
والرب في اللغة يطلق على الحفظ والرعاية، وعلى الخالق
المربي، والرب يطلق على المالك، والسيد، والمدير، والقيم، والمنعم.
والمصنف فسر الرب هنا بكلمتين: الخالق والمعبود، وهذا تعريف
الرب عند الإطلاق؛ فإنه يدخل فيه معنى الألوهية بإجماع السلف.
والحقيقة: أن هذه الآيات فيها تقرير عبودية الرسل لله رب العالمين فحتى
لا يظن أحد أن الرسل غير الناس؛ قرر الرسل عليهم الصلاة والسلام- أن الله
ربهم ورب الناس، وعبادته واجبة على الجميع.
فأين الأمر بعبادة المسيح -عليه الصلاة والسلام- بل إن أناجيلهم تدحض
عبادتهم اله؛ ففي إنجيل مرقص» (۷۷) و إنجيل متى» (۹:۱۰): «وباطلا
يعبدونني، وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس» .
ثم قال المصنف : «وإذا قيل لك: بأي شيء عرفت ربك؟ فقل: عرفته
بآياته ومخلوقاته،.
فيه مسائل
الأولى: طرح المصنف هنا سؤالا: «وإذا قيل لك: بأي شيء عرفت
ربك؟».
والجواب: حتى تعرف ربك بالأدلة، ويكون إيمانك مبنيا على الاستدلال؛
لأنه أقوى وأفضل، ومعناه: ما هي الوسائل التي عرفت بها الله؟ وما هي الأدلة
على ذلك ؟
الثانية: معرفة الله لا تنحصر على دليل السمع من الكتاب والسنة فحسب،
بل دلائل معرفة الحق عامة بالسمع والعقل والفطرة مما يرى في النفس والآفاق وهي
لا تعد ولا تحصى، كما في قوله تعالى : سنريهم ، آیتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى
يتبين لهم أنه الحق (فصلت)
فأرشد المصنف رحمه الله بأن من أوضح الأدلة على معرفة الله و
وأصرحها على وجوب الإيمان به : الآيات والمخلوقات، ولذلك خصها بالذكر .
الرابعة: قوله : «فقل: عرفته بآياتيه ومخلوقاته» .
لأن الأدلة في معرفة الرب -تبارك وتعالى - وأنه الخالق ثلاثة :
الأول: دلیل فطري.
الثاني: دلیل عقلي.
-
الثالث: دلیل نقلي
واختار المصنف الدليل العقلي الذي دل على معرفة الرب -تبارك
وتعالی ؛ فقال: «بآياته ومخلوقاته، وليس هو دليلا عقليا صرفا بل عضده بایات
في القرآن.
الدليل العقلي: معرفة الرب -تبارك وتعالى من الجهة العقلية بآياته
و مخلوقاته ؛ يسمى: دليل الأثر، ودليل حدوث العالم، وخلاصته: أنه لابد لكل
حادث من محدث، ولابد لهذا الوجود من موجد سابق عليه، فهذه الآيات
والمخلوقات حادثة، ولا يمكن أن تكون جاءت من نفسها، أو صدفة، بل لابد من
محدث، وهو : الله.
وهذا يعضده دلیل قرآني نبه عليه وأرشد إليه، وهو قوله تعالى: و أم خلقوا
من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا پوقنون [الطور:
والمعنى: لا يمكن أن يوجد مخلوق بلا خالق، أو أن يوجد اتفاقا؛ هذا
محال، ولا يصح في الأذهان شيء إذا احتاج هذا الدليل إلى دليل؛ فلذلك لابد
للمخلوق من خالق، فذكر ثلاثة أمور:
أحدها: خلقوا من غير شيء وهذا محال، لأن العدم لا يلد الوجود.
والأمر الثاني: أم هم الخالقون؛ أي: خلقوا أنفسهم بأنفسهم - أو كما
يقول بعض الملاحدة المعاصرين: أوجدتهم الطبيعة - وهذا محال أيضا.
والأخير: أم خلقوا السماوات والأرض فإذا لم يوجدوا هم أنفسهم من
العدم، ولم يوجدوا هم أنفسهم بأنفسهم، فمحال أن يوجدوا غيرهم،
لأن فاقد
الشيء لا يعطيه !!
وليس المقصود فقط إثبات وجود الله، وأنه الخالق، فهذه ربوبيته يؤمن بها
حتى الكفار، كما قال تعالى : ولئن سأتلهم من خلق السماوات والأرض والشمس
والقمر ليقولون الله فأنى يؤفكون)
المراد: الربوبية والألوهية، ثم عظم هذه الآيات يدل على عظم خالقها، وحسن
هذه الآيات وإتقانها يدل على علم وحکمة خالقها.
هذا الدليل العقلي، وقد ذكره المصنف رحمه الله ووضحه وضوحا جليا، وهو
دلیل محکم: ولذا قال أعرابي - كان في إبله، لم يقرأ، ولم يكتب، ولم يتعلم
الفلسفة، ولا المنطق، ولا علم الكلام، ولكنه ذو عقل وفكر وفهم في إثباته
للصانع -: «الأثر يدل على المسير ، والبعرة تدل على البعير، فكيف إلى ليل داج،
وسماء ذات أبراج، وسراج وهاج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، فلا
تدل على الصانع الخبير ؟! .
الدليل الفطري: هو ما يجده كل مخلوق في نفسه من الاعتراف بالله، وبأنه
الخالق المعبود، وهو مرکوز في كل الفطر : { و أقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم }
و أبي هريرة عنه قال: قال رسول الله : «كل مولود يولد على الفطرة
فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، کمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى
فيها جدعاء "
فاحتج الله -جل وعلا- على الكفار والمشركين بهذه الفطرة، فقال
لهم : من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء* [النمل: ۹۲].
كقوله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه. حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره
ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين [الأعراف: 54].
وهذا من باب الإلزام: إلزام بتوحيد الألوهية بعد إقرارهم بالربوبية لله،
وهذه طريقة القرآن الكريم حيث يلزم بتوحيد الربوبية لتحقيق توحيد الألوهية .
الدليل النقلي، وهذا أدلته كثيرة في الكتاب والسنة تدل على أن الله هو
الخالق المعبود بحق.
وهذه الأدلة العقلية والنقلية والفطرية تدل على أن الله خالق معبود وحده
لا شريك له .
وأما أهل البدع: فعندهم أدلة فلسفية لإثبات وجود الله فقط، مثل: دلیل
الأعراض والأجسام، وهي !
لا تدل على أنه المعبود بحق.
وهذا من أهم الفروق في التوحيد بين السلف الصالح والمتكلمين؛ فإن
وجود الله عند السلف الصالح لا يحتاج إلى دليل؛ فأدلته ظاهرة،
{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}
ولذلك يقر به الكفار، وإنما إثبات الصانع دليل على ألوهيته، وأنه معبود
وحده بحق، وأما المتكلمون؛ فيقفون عند إثبات الصانع، ولا يتجاوزونه.
الخامسة: ذكر الشيخ رالله أدلة من الوحي ، و شواهد من العقل؛ لأن من
ادعى شيئا فلابد أن يقيم الدليل على دعواه:
والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات أهلها أدعياء
فمن أقام البرهان الواضح وأتى بالدليل اللائح على دعواه كان صادقا: وقل
هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [النمل: 64].
قال المصنف رله : «أما الدليل على آياته؛ فقوله تعالى : ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر إن كنتم إياه تعبدون [فصلت: ۳۷].
وفي مخلوقاته قوله تعالى: «إن ربكم الله الذي خلقق السماوات الأرض في
ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه . حثيئا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره » [الأعراف: 54].
فيه مسائل:
الأولى: لا يقال: فرق المصنف الآيات والمخلوقات، فعطف
المخلوقات على الآيات، والأصل أن العطف يقتضي المغايرة؛ فالآيات غير
المخلوقات .
بل هذا من باب عطف العام على الخاص؛ إذ الآيات من المخلوقات،
ولكنها امتازت بأنها آیات ظاهرة، وإن كان في كل مخلوق آية دالة على وجوده
وعظمته ووحدانيته.
قال شاعر الزهد أبو العتاهية :
فيا عجبا كيف يعصي الإله أم كيف يجحده الجاحد
و في كل شيءله آية تدل على أنه واحد
ولله في كل تحريكة وتسكينة في الورى شاهد
والمصنف رحمه الله سلك سبيل النصوص في التسمية؛ ففي الآية سمیت
السماوات وما عطف عليها مخلوقات، فتقيد المصنف بألفاظ القرآن،
وإلا فالمخلوقات التي ذكرها المصنف آیات؛ ولذا جمعها الله :
في قوله: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي
الألباب [آل عمران: ۱۹۰).
والآيات التي ذكرها المصنف أربع: الليل والنهار، والشمس، والقمر.
والمخلوقات التي ذكرها هي: السموات والأرض، وما فيهن، وما بينهما.
:ثم جعل قوله تعالى: ومن اياته الليل والنهار والشمس والقمر لا
تسجدوا للشمس و لا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون [فصلت:] دليلا على آيات الله التي يعرف بها.
ووجه الدلالة:
1- أن الله عرف نفسه لعباده بها؛ فجعلها آیات دالة عليه ز على كمال
صفاته؛ فكلها من الآيات الدالة على كمال القدرة، وكمال الحكمة، وكمال
الرحمة.
فالشمس آية من آيات الله و لكونها تسير سيرا منتظما بديعا منذ خلقها
الله وو إلى أن يأذن الله تعالى بانتهاء العالم؛ فهي تجري لمستقر لها؛ كما في قوله ثم إنها مخلوقات دالة على غيرها وهو الله تعالى ، والدال على غيره لا يكون دالا على نفسه وإنما الذي يدل عليه هو خالقه ولذلك نعرف الله بآياته، ولما كان السجود أعظم أنواع العبادة لأن وجهك الذي هو أعز شيء عندك تضعه لله على الأرض تعبدا لله وحبا وتعظيما وتذللا بين يديه هذا السجود الحقيقي لا يليق إلا لله
فالمخلوقات كالشمس والقمر فهي عاجزة فقيرة وإنما الذي يستحق السجود الخالق الغني الذي لا يعجزه شيء
ثم جعل قوله تعالى ((إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله أحسن الخالقين} دليلا على مخلوقاته الذي يعرف بها
ووجه الدلالة
١_ أن فيها من آيات الله الدالة على الله
أ_أن الله خلق هذه المخلوقات العظيمة في ستة أيام ، ولو شاء لخلقها في لحظة، ولكنه ربط المسببات بأسبابها، كما تقتضيه حكمته
ب_ أنه استوى على العرش أي : على عليه علوا خاصا به كما يليق بجلاله وعظمته ، وهذا كمال الملك والسلطان
ت_ أنه يغشي الليل النهار، فكان الليل ثوب يسدل على ضوء النهار فيغطيه
ث_أنه جعل الشمس والقمر والنجوم مذللات بأمره جل سلطانه يأمرهن بما يشاء من مصالح العباد
نتوقف هنا ، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح
🔹️إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
🔹️أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
⭕ معاشر الصالحين إخوة الإيمان أحييكم بتحية الإسلام تحية أهل الجنة { يوم يلقَونهُ سلام} السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد : لما عرف المصنف رحمه الله ((الأصول الثلاثة )) تعريفا كليّا، انتقل إلى تعريف كل أصل منها على حدة تعريفا تفصيليا وبدأ بالأصل الأول لأنه أهم
فقال <معرفة ربه > ، وهنا وجب التنبيه على فائدة مهمة نمر عليها سريعا بإذن الله رب العالمين وهي العلاقة بين العلم و المعرفة
🔹️ العلم يعرفه أهل العلم أنه : صفة يميز المتصف بها تمييزا جازما مطابقا (١) ، وإن شئت اختصاره قلت هو الإدراك الجازم المطابق ، والإدراك معناه هو: الوصول إلى معنى الشيء بتمامه
فقولهم صفة : جنس يدخل فيه جميع الصفات ، وقولهم يميز المتصف بها : هذا قيد يخرج الجهل البسيط لأن المتصف به لا يميز به كأن تسأل شخصا عن تعريف العلم فيقول لك لا أدري فهو لا يستطيع التمييز
وقولهم تمييزا جازما: قيد يخرج الظن والوهم والشك
وقولهم : مطابقا يخرج الجهل المركب لأنه تمييز جازم لكنه غير مطابق كأن تسأل شخصا متى كانت معركة بدر فيقول لك في السنة الرابعة بعد الهجرة
🔹️والعلم يطلق ويراد به أربعة أشياء
أ_ الإدراك الجازم المطابق وهو العلم
ب_ مطلق الإدراك فيدخل فيه أربعة أشياء الوهم والشك والظن و الجهل المركب
ت_التصديق لأنه إدراك مع الحكم عليه سواء كان هذا الإدراك قطعيا أوظنيا
مثال القطعي قوله تعالى { فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } فالمقصود بالعلم هنا التصديق القطعي الجازم
ومثال الظني قوله تعالى{ فإن علمتموهن مؤمنات} أي غلب على ظنكم ، أو كيف يمكن معرفة إيمانهن؟
الإطلاق الرابع : يطلق العلم على المعرفة والمعرفة تشمل العلم والظن كما يعرف الفقهاء ، الفقه أنه معرفة الأحكام الشرعية ،،،،إلخ ، فمعرفة الأحكام قد تكون يقينية وقد تكون ظنية والظن المعتبر هو الظن الغالب فهو يقوم مقام اليقين
🔹️مثال المعرفة اليقينية قوله تعالى {لما عرفوا من الحق } أي علموا
ومثال الظن أي يطلق الظن ويراد به العلم كقوله تعالى {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } أي يعلمون ، وقوله تعالى {فظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه } أي علموا
⭕ والعلاقة بين العلم والمعرفة تكون من وجهين
الوجه الأول : أن العلاقة بينهما أعم من جهة وأخص من جهة فتكون العلاقة بينهما عموم وخصوص وجهي
💠وإيضاح ذلك
أن المعرفة تكون أخص من العلم ، فالمعرفة لا يد أن يسبقها جهل ، وتكون بعد حصول لبس واشتباه، أما العلم فهو أعم فمن الممكن أن يكون بعد جهل كعلم المخلوقين ، ويمكن ألا يكون بعد جهل كعلم الله تعالى ، وكذلك فالمعرفة تكون بعد حصول لبس واشتباه، والعلم قد يكون بعد حصول لبس واشتباه وقد لا يكون فالمعرفة أخص من العلم من هذا الوجه
🔹️ وتكون أعم أنها كما سبق تشمل الظن واليقين ، والعلم يختص باليقين ، هذا فيما يخص العلاقة بينهما من وجه أول
🔹️أما الوجه الثاني أن المعرفة تطلق ويراد بها التصور ، وهو إدراك الشيء دون الحكم عليه بنفي أو أثبات ، مثلا كإدراكك معنى جاء زيد ، فإدراكك لمعنى جاء هذا تصور وإدراكك لمعنى زيد هذا تصور ، فتقابل العلم لأن من إطلاقاته التصديق ، والتصديق كما عرفناه أنه إدراك الشي مع الحكم عليه .
فمعرفة الله بالقلب: تستلزم قبول ما شرعه الله في الكتاب والسنة، والإذعان
والانتصار له، و تحکیم ما جاء به محمد .
وهذا موضع إجماع من السلف الصالح -رحمهم الله فكلهم يقول: إنالإيمان: قول، وعمل،واعتقاد.
قال الشافعي: «كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم
أن الإيمان: قول، وعمل، ونية، ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر»). ((أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للاكائي))
وقال شيخ الإسلام: «وقد حكى غير واحد إجماع أهل السنة والحديث ((الفتاوى الكبرى))
ثم قال المصنف : «إن قيل لك: من ربك»..
أي: إذا سئلت: من هو ربك الذي خلقك و أعدك ورزقك وأمدك؛ لأن
الرب المراد به: الخالق الرازق المدبر، وهو: الله ، وهذا هو المعنى المراد إذاأطلق لفظ الرب، وهو خاص بالله، أما إذا قيد؛ فبحسب التقييد والإضافة .مثلا إذا قيل رب البيت أي المالك للبيت الراعي لشؤونه المدبر له
ثم قال المصنف: ربي الله الذي رباني، وبين جميع العالمين بنعمته »
و رعاية يقوم بها المربي، وكلام المصنف رحمه اللع يشعر بأن الرب
مأخوذ من التربية؛ لأنه قال: «الذي رباني وربي جميع العالمين بنعمته»؛ فكل
العالمين قد رباهم الله بنعمته وأعدهم لما خلقوا له، وأمدهم برزقه، قال الله -
تعالى - في محاورة موسى وفرعون: وقال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه، ثم هدى [طه: 49 و 50]، فكل أحد في العالمين قد رباه تعالى بنعمته .
ونعم الله كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ قال تعالى : وإن تعدوا نعمة لاتحصوها } [النحل: ۱۸ ]
واستدل المصنف في ثلاثة أصول» لكون الله تعالی مربيا لجميع الخلق
بقوله: الحمد لله ؛ أي: الوصف بالكمال والجلال والعظمة والإكرام لله وحده
رب العالمين ؛ أي: مربيهم وخالقهم ومالكهم والمدبر لهم كما شاء .
والعبد واحد من هذه العوالم.
ثم قال: «وخلقني من عدم إلى وجود» .
فإن العبد قبل خلق الله له لم يكن شيئا مذكورا؛ كما في قوله تعالى: هل أتى
على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا [الإنسان].
والرب في اللغة يطلق على الحفظ والرعاية، وعلى الخالق
المربي، والرب يطلق على المالك، والسيد، والمدير، والقيم، والمنعم.
والمصنف فسر الرب هنا بكلمتين: الخالق والمعبود، وهذا تعريف
الرب عند الإطلاق؛ فإنه يدخل فيه معنى الألوهية بإجماع السلف.
والحقيقة: أن هذه الآيات فيها تقرير عبودية الرسل لله رب العالمين فحتى
لا يظن أحد أن الرسل غير الناس؛ قرر الرسل عليهم الصلاة والسلام- أن الله
ربهم ورب الناس، وعبادته واجبة على الجميع.
فأين الأمر بعبادة المسيح -عليه الصلاة والسلام- بل إن أناجيلهم تدحض
عبادتهم اله؛ ففي إنجيل مرقص» (۷۷) و إنجيل متى» (۹:۱۰): «وباطلا
يعبدونني، وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس» .
ثم قال المصنف : «وإذا قيل لك: بأي شيء عرفت ربك؟ فقل: عرفته
بآياته ومخلوقاته،.
فيه مسائل
الأولى: طرح المصنف هنا سؤالا: «وإذا قيل لك: بأي شيء عرفت
ربك؟».
والجواب: حتى تعرف ربك بالأدلة، ويكون إيمانك مبنيا على الاستدلال؛
لأنه أقوى وأفضل، ومعناه: ما هي الوسائل التي عرفت بها الله؟ وما هي الأدلة
على ذلك ؟
الثانية: معرفة الله لا تنحصر على دليل السمع من الكتاب والسنة فحسب،
بل دلائل معرفة الحق عامة بالسمع والعقل والفطرة مما يرى في النفس والآفاق وهي
لا تعد ولا تحصى، كما في قوله تعالى : سنريهم ، آیتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى
يتبين لهم أنه الحق (فصلت)
فأرشد المصنف رحمه الله بأن من أوضح الأدلة على معرفة الله و
وأصرحها على وجوب الإيمان به : الآيات والمخلوقات، ولذلك خصها بالذكر .
الرابعة: قوله : «فقل: عرفته بآياتيه ومخلوقاته» .
لأن الأدلة في معرفة الرب -تبارك وتعالى - وأنه الخالق ثلاثة :
الأول: دلیل فطري.
الثاني: دلیل عقلي.
-
الثالث: دلیل نقلي
واختار المصنف الدليل العقلي الذي دل على معرفة الرب -تبارك
وتعالی ؛ فقال: «بآياته ومخلوقاته، وليس هو دليلا عقليا صرفا بل عضده بایات
في القرآن.
الدليل العقلي: معرفة الرب -تبارك وتعالى من الجهة العقلية بآياته
و مخلوقاته ؛ يسمى: دليل الأثر، ودليل حدوث العالم، وخلاصته: أنه لابد لكل
حادث من محدث، ولابد لهذا الوجود من موجد سابق عليه، فهذه الآيات
والمخلوقات حادثة، ولا يمكن أن تكون جاءت من نفسها، أو صدفة، بل لابد من
محدث، وهو : الله.
وهذا يعضده دلیل قرآني نبه عليه وأرشد إليه، وهو قوله تعالى: و أم خلقوا
من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا پوقنون [الطور:
والمعنى: لا يمكن أن يوجد مخلوق بلا خالق، أو أن يوجد اتفاقا؛ هذا
محال، ولا يصح في الأذهان شيء إذا احتاج هذا الدليل إلى دليل؛ فلذلك لابد
للمخلوق من خالق، فذكر ثلاثة أمور:
أحدها: خلقوا من غير شيء وهذا محال، لأن العدم لا يلد الوجود.
والأمر الثاني: أم هم الخالقون؛ أي: خلقوا أنفسهم بأنفسهم - أو كما
يقول بعض الملاحدة المعاصرين: أوجدتهم الطبيعة - وهذا محال أيضا.
والأخير: أم خلقوا السماوات والأرض فإذا لم يوجدوا هم أنفسهم من
العدم، ولم يوجدوا هم أنفسهم بأنفسهم، فمحال أن يوجدوا غيرهم،
لأن فاقد
الشيء لا يعطيه !!
وليس المقصود فقط إثبات وجود الله، وأنه الخالق، فهذه ربوبيته يؤمن بها
حتى الكفار، كما قال تعالى : ولئن سأتلهم من خلق السماوات والأرض والشمس
والقمر ليقولون الله فأنى يؤفكون)
المراد: الربوبية والألوهية، ثم عظم هذه الآيات يدل على عظم خالقها، وحسن
هذه الآيات وإتقانها يدل على علم وحکمة خالقها.
هذا الدليل العقلي، وقد ذكره المصنف رحمه الله ووضحه وضوحا جليا، وهو
دلیل محکم: ولذا قال أعرابي - كان في إبله، لم يقرأ، ولم يكتب، ولم يتعلم
الفلسفة، ولا المنطق، ولا علم الكلام، ولكنه ذو عقل وفكر وفهم في إثباته
للصانع -: «الأثر يدل على المسير ، والبعرة تدل على البعير، فكيف إلى ليل داج،
وسماء ذات أبراج، وسراج وهاج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، فلا
تدل على الصانع الخبير ؟! .
الدليل الفطري: هو ما يجده كل مخلوق في نفسه من الاعتراف بالله، وبأنه
الخالق المعبود، وهو مرکوز في كل الفطر : { و أقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم }
و أبي هريرة عنه قال: قال رسول الله : «كل مولود يولد على الفطرة
فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، کمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى
فيها جدعاء "
فاحتج الله -جل وعلا- على الكفار والمشركين بهذه الفطرة، فقال
لهم : من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء* [النمل: ۹۲].
كقوله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه. حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره
ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين [الأعراف: 54].
وهذا من باب الإلزام: إلزام بتوحيد الألوهية بعد إقرارهم بالربوبية لله،
وهذه طريقة القرآن الكريم حيث يلزم بتوحيد الربوبية لتحقيق توحيد الألوهية .
الدليل النقلي، وهذا أدلته كثيرة في الكتاب والسنة تدل على أن الله هو
الخالق المعبود بحق.
وهذه الأدلة العقلية والنقلية والفطرية تدل على أن الله خالق معبود وحده
لا شريك له .
وأما أهل البدع: فعندهم أدلة فلسفية لإثبات وجود الله فقط، مثل: دلیل
الأعراض والأجسام، وهي !
لا تدل على أنه المعبود بحق.
وهذا من أهم الفروق في التوحيد بين السلف الصالح والمتكلمين؛ فإن
وجود الله عند السلف الصالح لا يحتاج إلى دليل؛ فأدلته ظاهرة،
{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}
ولذلك يقر به الكفار، وإنما إثبات الصانع دليل على ألوهيته، وأنه معبود
وحده بحق، وأما المتكلمون؛ فيقفون عند إثبات الصانع، ولا يتجاوزونه.
الخامسة: ذكر الشيخ رالله أدلة من الوحي ، و شواهد من العقل؛ لأن من
ادعى شيئا فلابد أن يقيم الدليل على دعواه:
والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات أهلها أدعياء
فمن أقام البرهان الواضح وأتى بالدليل اللائح على دعواه كان صادقا: وقل
هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [النمل: 64].
قال المصنف رله : «أما الدليل على آياته؛ فقوله تعالى : ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر إن كنتم إياه تعبدون [فصلت: ۳۷].
وفي مخلوقاته قوله تعالى: «إن ربكم الله الذي خلقق السماوات الأرض في
ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه . حثيئا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره » [الأعراف: 54].
فيه مسائل:
الأولى: لا يقال: فرق المصنف الآيات والمخلوقات، فعطف
المخلوقات على الآيات، والأصل أن العطف يقتضي المغايرة؛ فالآيات غير
المخلوقات .
بل هذا من باب عطف العام على الخاص؛ إذ الآيات من المخلوقات،
ولكنها امتازت بأنها آیات ظاهرة، وإن كان في كل مخلوق آية دالة على وجوده
وعظمته ووحدانيته.
قال شاعر الزهد أبو العتاهية :
فيا عجبا كيف يعصي الإله أم كيف يجحده الجاحد
و في كل شيءله آية تدل على أنه واحد
ولله في كل تحريكة وتسكينة في الورى شاهد
والمصنف رحمه الله سلك سبيل النصوص في التسمية؛ ففي الآية سمیت
السماوات وما عطف عليها مخلوقات، فتقيد المصنف بألفاظ القرآن،
وإلا فالمخلوقات التي ذكرها المصنف آیات؛ ولذا جمعها الله :
في قوله: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي
الألباب [آل عمران: ۱۹۰).
والآيات التي ذكرها المصنف أربع: الليل والنهار، والشمس، والقمر.
والمخلوقات التي ذكرها هي: السموات والأرض، وما فيهن، وما بينهما.
:ثم جعل قوله تعالى: ومن اياته الليل والنهار والشمس والقمر لا
تسجدوا للشمس و لا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون [فصلت:] دليلا على آيات الله التي يعرف بها.
ووجه الدلالة:
1- أن الله عرف نفسه لعباده بها؛ فجعلها آیات دالة عليه ز على كمال
صفاته؛ فكلها من الآيات الدالة على كمال القدرة، وكمال الحكمة، وكمال
الرحمة.
فالشمس آية من آيات الله و لكونها تسير سيرا منتظما بديعا منذ خلقها
الله وو إلى أن يأذن الله تعالى بانتهاء العالم؛ فهي تجري لمستقر لها؛ كما في قوله ثم إنها مخلوقات دالة على غيرها وهو الله تعالى ، والدال على غيره لا يكون دالا على نفسه وإنما الذي يدل عليه هو خالقه ولذلك نعرف الله بآياته، ولما كان السجود أعظم أنواع العبادة لأن وجهك الذي هو أعز شيء عندك تضعه لله على الأرض تعبدا لله وحبا وتعظيما وتذللا بين يديه هذا السجود الحقيقي لا يليق إلا لله
فالمخلوقات كالشمس والقمر فهي عاجزة فقيرة وإنما الذي يستحق السجود الخالق الغني الذي لا يعجزه شيء
ثم جعل قوله تعالى ((إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله أحسن الخالقين} دليلا على مخلوقاته الذي يعرف بها
ووجه الدلالة
١_ أن فيها من آيات الله الدالة على الله
أ_أن الله خلق هذه المخلوقات العظيمة في ستة أيام ، ولو شاء لخلقها في لحظة، ولكنه ربط المسببات بأسبابها، كما تقتضيه حكمته
ب_ أنه استوى على العرش أي : على عليه علوا خاصا به كما يليق بجلاله وعظمته ، وهذا كمال الملك والسلطان
ت_ أنه يغشي الليل النهار، فكان الليل ثوب يسدل على ضوء النهار فيغطيه
ث_أنه جعل الشمس والقمر والنجوم مذللات بأمره جل سلطانه يأمرهن بما يشاء من مصالح العباد
نتوقف هنا ، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح