بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الكريم، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد، ففي بداية هذه الدورة المباركة والتي ارجو الله سبحانه وتعالى أن يجزي كل من شارك فيها خير الجزاء، ويجزيكم أنتم جميعا خيرا على حضوركم وحرصكم، وباسم منتديات حراس العقيدة فإنه يُسعدنا ان نقدم لكم كل ما ينفع ابناءنا واخواننا، وكذلك الدعاة، بكل ما يخدم هذا الدين وهذه الأمة.
1- علوم القرآن الكريم ومنهجنا في هذه المحاضرات
1- تعريف علوم القرآن
القرآن الكريم كتاب هداية وكتاب إعجاز، ومن أجل هذين المطمحين نزل، وفيهما تحدث وعليهما، ولاجله ولخدمته قامت العلوم، فقولنا علوم جمع علم، وهي على الجمع لا المفرد، لأنها تشمل كل علم يخدم القرآن الكريم، ويحاول سبر أغواره لكشف أسراره وخباياه، مثل علم التفسير وعلم القراءات وعلم الرسم العثماني وتدوينه وكتابته وجمعه، ونقله محفوظا عبر القرون، وعلم إعجاز القرآن وبلاغته واساليبه وقصصه، وعلم أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه، وعلم إعراب القرآن وعلم غريب القرآن وعلوم الدين واللغة إلى غير ذلك. فكل علم يتصل بالقرآن من ناحية قرأنيته أو يتصل به من ناحية هدايته أو إعجازه فذلك من علوم القرآن.
2- لماذا اخترت هذا الموضوع علوم القران وما أهميته؟
أولا: السبب الأول في اختيار الموضوع: تصحيحالمنهج بين كثير من الشباب الغيور المهتم بدرأ الشبهات عن كتاب الله او الحديث عن مخطوطات القرآن الكريم ورسْمِه وقراءاتِه، مع تصحيح ما قد يكون في خاطرك من قناعات لا تعلم أنها لا تصح. وهذا ومع الاقرار بأن جهد الشباب مبارك في تبيان عظمة القران الكريم وحفظه وهمينته على غيره من الكتب التي تعرضت للتبديل والتحريف، إلا أنه جُهْدٌ يعوزه الكثير من التدقيق والتِزام المنهج، لأن غياب المنهج قد يجعل ردك على الشبهةِ هو في ذاتِه شُبهة إن لم يكن الرد سالِمًا، صحيحا ومعك عليه الأدلة والبراهين.
والسبب الثاني لمثل هذه المحاضرات أن منهجنا هو: تعلم النصرانية من خلال الاسلام، وليس تعلم الاسلام من خلال النصرانية، ولذا لم نضع محاضرات للتعريف بالنصرانية والكتاب المقدس وانما وُضعا محاضرات الحديث وعلوم القران ومنها تتعلم الفارق مع اهل الكتاب وحين تحتاج التعمق فعندك كذلك النقد النصي واللاهوت. وأنت بهذا تتعرف على الكتاب المقدس ولكن من خلال القرآن، وتتعرف على الاديان الوضعية ولكن من خلال الاسلام، فستكون اشبه بمحاضرات في الدين المقارن. في هذه المحاضرات ستتعلم الاديان كلها بناءا على تعلمك كتاب ربك، فحين نتعلم ان نثبت بالدليل والبرهان كيف انتقل النص المقدس القرآني والسنة عبر القرون حتى وصلتنا، ستتعلم معها مقارنة بكتب اهل الكتاب وغيرها من الكتب الوضعية كيف وصلت وكيف انتقلت ولماذا كان يجب عقلا ومنطقا وضرورة ان يطال التحريف كتب السابقين بينما يظل القرآن الكريم محفوظا بحفظ رب العالمين. وحين تدرس اهمية النقل الشفهي المتواتر لكتاب الله وكيف حفظ لنا لغتنا العربية، فإنك ستقارن ذلك بمن لم يخفظوا كتب الله من الامم السابقة وكيف انهم حين اعتمدوا على الاوراق وحدها ضيعوا كتبهم واديانهم بل وضيعوا لغات انبيائهم. وحين تتعلم كيف جُمع القران الكريم ودُوِّن بما يُبهر العقول وتتعرف على رسمه وقراءاته ومخطوطاته واهمية ذلك، سنتعلم معه متى عرف النصارى كتبهم وكيف جمعوها ومتى دونوها، وحين نتحدث عن حفظ كتاب اللهـ فاننا سنتحدث عن تحريف اليهود والنصارى لكتبهم. فانت تتعلم النصرانية واليهودية وكيفية اقامة الحجة عليهم ودعوتهم الى الاسلام عن طريق تعلمك لدينك. وهكذا سيكون الحال في محاضرات العقيدة ومع علوم الحديث ومع علوم القران، ولم نغفل ان نضع بعد ذلك مناهج النقد النصي واللاهوت كمرحلة متقدمة تبدأها مع تعلمك لدينك.
والامر الاخر أنه واجبٌ شرعيٌّ مأمورون به، أن أبين وان تبينوا للناس وللدعاة على الثغر أنه قد ظلم نفسه ودينه من يدخل هذا المعترك بصدر مكشوف فيتحدث في كتاب الله بغير علم. والحديث في كتاب اللهِ بغيْرِ علْمٍ ذنْبُ عظيم، حتى لو خلُصت النوايا، فمن تكلف ما لا علم له به، فلو أنه وُفِّق إلى الصواب وكان جوابه صحيحا، فإنه قد أخطأ، قال صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ"، لانه لم يُوفق إليه بعلمٍ واتباعٍ، وإنما برأيه، وهذا أحد الاسباب المفضية الى مرض تقديس العقل ورد النقل او تعطيله وتأويله ليوافق عقله وهواه، قال صلى الله عليه وسلم: " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"، سلّمنا الله واياكم.
والسبب الرابع لمثل هذه المحاضرات، ترسيخ حقيقة ان القران الكريم يوافق صريح العقل والعلم، والرد على تلك الدسائس الرخيصة المفضوحة التي تُصور وتوهِم المخدوعين بأن الإسلام نقيض العلم، وكأن بين الدين والعلم خصومة، وهذا غير صحيح وسنؤصل بحول الله لمنهج الاعجاز القراني واثبات ما صح منه وكيفية تناوله دون افراط او تفريط.
والسبب الخامس: من فوائد علوم القرآن كذلك أن التسلح بمعرفتها يساعد في محاججة غير المسلمينومجادلتهم بالتي هي أحسن، والدفاع عن القرآن ضد الشبهات التي تثار حوله.ويضع لك منهجا قويما تنسف به الشبهات عن كتاب الله نسفا: فلن يرقى فكرك بغير فهمك لهذا الدين، ولن تفهمه بغير القرآن، ولن تصون كتاب الله ودين الله بغير فهمك لعلوم القرآن. معرفة قاعدة واحدة ينسف عدة شبهات مجتمعة، فبدلا من ان تبحث عن درأ شبهة هنا وهناك، لو انك عرفت الاصل لسقطت ومعها سلاسل من السبهات غيرها بنيت عليها، ولذا فقد ارتأيْتُ أن أضع منهجًا تعليميًّا، وتأصيلًا لا يميل الداعية عنه. وهو سبيل الحق وسبيل السلفِ الذي يسعنا ما وسعهم. وكل مبحثٍ متبوع بالنقاط الواجب العلم بها مع أسئِلةٍ وتدريباتٍ عمليّةٍ نافعة للدعاةِ في زمن الإنترنت.
واخيرا احياء عبادة مجالس العلم ولو عبر الانترنت، فهذه الدورة التي تحضرونها، وما يُقدم فيها من دروس تعليمية، هي: عمل صالح اجتمعتم عليه، والله يجزيكم عليه الجزاء الأوفى، فجددوا النوايا، جدد نيتك الان ان يكون جلوسك لله، فكل دقيقة تمر عليك استفدت منها او لم تستفد تؤجر عليها لن يضيعها عليك الله، فإذا تأخر عليك الشيخ فانتظارك لله، واذا أطال الوقت والنفس في نقطة فلا تمل وتتأفف فهي لله، فانت في كل حال تعبد الله وتستفيد، وإذا كان للإنسان نيةٌ في كل مجلس علمٍ يقدم عليه، سواء في ذلك حصَّلت من العلم شيئًا أو لم تُحصِّل، يكتبه الله لكم عبادة، فكلكم الآن في عبادة، وهي: من أجل العبادات، ولا من العبادات أفضل وأشرف مما أنتم فيه بعد الفرائض، كذلك أنت بحضورك تستفيد علما، وتستفيد أدبا، وتستفيد هديا وسمتا، وصحبة صالحة، ولذا اذكركم أحبتي في الله انك وان كنت لا تمثل الا نفسك فأنت عنوان لهذا الدين، فليكن سمتك على وسائل التواصل الاجتماعي او في اي مكان يعبر عن دينك فتجنب الهزر وسفاف الامور، واياك والدخول في الجدل مع اخوانك، او مع المخالفين في غير ان يكون دعواك لله. اسال الله ان يبارك لنا في مجلسنا، فهذا مجلس تحفه الملائكة بأجنحتها، وتغشاه السكينة، ويذكركم الله في من عنده، فأحسنوا جلوسكم وجددوا نيتكم، فنقوم من هذا المجلس مغفورا لنا بفضل الله، وأي المجالس يحصل فيها مثل هذه الفضائل سوى مجالس العلم؟!
ومع ذلك فهذه الدورة لم تعقد من أجل تخريج علماء، بل هي دورة مبسطة لتبسيط العلم لمن يهتم بمقارنة الاديان، ولوضع الاصول الرئيسية وترسيخ المنهج، أن تكون على بصيرة ثم يفهم منها كل واحدٍ بحسب ما أعطاه الله من الفهوم والمدارك، ثم بعد ذلك يستطيع الواحد منكم أن يسلك الطريق بهذا المنهج، وأن يستمر في التحصيل، وأن يتتبع أهل العلم، وأن ينظر في الكتب، ويسأل ويناقش، فيفتح الله عليه ويعلمه من علمه، بالجد والارادة والتصميم مع اخلاص نية لله، فنحن نؤسس منهجا وخطوطا عريضة لا نُخرج علماء وان الامر كله بيد الله ثم موكول بك وباجتهادك. والدورة لم تكن محددة من قبل وانما تفاجأنا وفاجأنا به الجميع، ولذا وكأي دورة ابتدائية نعتذر ان لم تكن المادة واضحة لكن في الدورات القادمة سيُطبع لها كتب مقررة بامر الله سواءا ورقية او الكترونية وتخص دورات حراس العقيدة. فالاساتذة المحاضرون هم يضعون لبنات هذا المنهج ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
أولا: لفظ القرآن: في اللغة مصدر من الفعل قرأ، يُقال: قرأ قُرآناً، فهو مصدر على وزن فُعلان بالضم، كالشكران والتكلان والغفران تقول (غفر مغفرة وغفران) كذلك تقول: قرأ قراءة وقرآنا، فكما المغفرة مرادف للغفران، كذلك القراءةُ مرادف للقرآن ، ثم نقل من هذا المعنى المصدري وجُعل اسما مختصا بالكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.
1- القرآن يكون مصدراً: كما في قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ [القيامة: 17]،
2- القرآن يكون اسماً: كما في قوله (تعالى): وَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا
ذلك ما نختاره استنادا إلى موارد اللغة وقوانين الاشتقاق، أما القول بأنه وصف من القرء بمعنى الجمع أو أنه مشتق من القرائن، فكل هذا توجه مرتجل لا يخلو توجيه بعضه من كلفة ولا من بعد عن قواعد الاشتقاق وموارد اللغة.
ثانيا: دلالة معنى القرآن في اللغة: فإن معنى القرآن لغةً دالةً على تلقيهِ اقراءًا، وقد عرفنا ان القرآن معناه: القراءة، أي: أنه يُقرأ. فجزءٌ أساسي في تعريف القرآن هو الكيفية التي يُتلى بها القرآن، فإنه يُتلى بطريقة معينة، وهي: مراعاة أحكام التجويد وصفات الحروف ومخارجها ونحو ذلك. فالعدول عن ذلك بأن يتلقى الإنسان القرآن عن طريق سماع الأشرطة او قراءةً من المصاحِفِ غير صحيح.
ثالثًا: نطق لفظ "قرآن":مهموز وإذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف، وفيهِ قراءاتان (نُطقان) ثابِتانِ عن النبيِّ صلى الله عليْهِ وسلّم أن يُقرأ غير مهموز (القُران) كما في قراءةِ ابن كثير أو أن يُقرأ مهموزًا (القرآن).
رابعًا: اسماء القرآن الكريم: ويقال للقرآن: فرقان أيضا وأصله مصدر كذلك ثم سمي به النظم الكريم تسمية للمفعول أو الفاعل بالمصدر باعتبار أنه كلام فارق بين الحق والباطل أو مفروق بعضه عن بعض في النزول أو في السور والآيات. قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ثم إن هذين الاسمين هما أشهر أسماء النظم الكريم. بل جعلهما بعض المفسرين مرجع جميع أسمائه كما ترجع صفات الله على كثرتها إلى معنى الجلال والجمال.
ويلي هذين الاسمين في الشهرة هذه الأسماء الثلاثة الكتاب والذكر والتنزيل. لكن قد يسرف البعض في اعتبار الوصف اسما للقرآن كما فعل الزركشي في البرهان فبلغ باسمائه خمسة وخمسين وأسرف غيره في ذلك حتى بلغ بها نيفا وتسعين، وفاتهما أن يفرقا بين ما جاء من تلك الألفاظ على أنه اسم وما ورد على أنه وصف ويتضح ذلك لك على سبيل التمثيل في عدهما من الأسماء لفظ قرآن ولفظ كريم أخذا من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} الواقعة كما عدا من الأسماء لفظ ذكر ولفظ مبارك اعتمادا على قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} على حين أن لفظ قرآن وذكر في الآيتين مقبول كونهما اسمين. أما لفظ كريم ومبارك فلا شك أنهما وصفان كما ترى. والخطب في ذلك سهل يسير.
خامسًا: إطلاق القرآن على الكل وعلى أبعاضه: لا شك أن القرآن يطلق على الكل وعلى أبعاضه. فيقال لمن قرأ اللفظ المنزل كله إنه قرأ قرآنا. وكذلك يقال لمن قرأ ولو آية منه: إنه قرأ قرآنا. وكذلك يطلق على المكتوب في الصحف وبالالواح، وعلى المحفوظ في الصدور. فهو مشترك لفظي لا يتبادر الى الذهن غيره اذا قلت " قرآن" وما يتبادر الى الذهن نسميه: أمارة الحقيقة.
سادسًا: القرآن في الإصطلاح:
- القرآن هو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته.
- القرآن هو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة منه.
سابعًا: عقيدتنا في القرآن الكريم:
- وقد عرف أئمة السلف القرآن تعريف عقديا يُرد به على الجهمية واتباعهم وهو قولهم : " هو كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام الخلق، فمن سمعه، فزعم أنه كلامُ البشر فقد كفر. ولذا قال السلف : "القرآن كلام الله منه خرج وإليه يعود"، ومهما تتقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه مما خرج منه. فالقرآن كلام الله تعالى هو أحب ما يُتقرب به الى الله، منه خرج واليه يعود، ولذا فالقرآن ليس بمخلوق كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفاق الأئمة من أهل السنة الجماعة ، وعليه.. ولذا هنا كذلك لطيفة ننوه عليها وهي قول البعض "يا رب القرآن"، فهل يجوز هذا ام لا يجوز؟ لاننا عرفنا ان القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته، وصفاته ليست مخلوقة كذاته فلا يصح بمهذا المعنى أن يقال يارب القرآن . إلا إذا قصد القائل بقوله (يا رب القرآن) أي يا صاحب القرآن كما يقال يا صاحب العزة والجلال ونحو ذلك فلا بأس.
ومن شأن المصنفين والمحاضرين في اي شيء يتعلق بهذا الدين من اهل السنة والجماعة ان يذكر بما تتميز به أهل السنة والجماعة عن الكفار واهل البدع، في كل محفل وكل محاضرة، ويذكّروا الناس بإثبات الصفات، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه تعالى يُرى في الآخرة خلافا للجهمية من المعتزلة، وأن الله خالق أفعال العباد، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن خلافا للقدرية من المعتزلة، وأن المؤمن لا يُكفَّر بمجرد الذنب ولا يُخلّد في النار خلافا للخوارج والمعتزلة ويحققون القول في الإيمان بقوة ووضوح وهي الايمان باركانه الستة (ويثبتون الوعيد لأهل الكبائر مجملا خلافا للمرجئة ويذكرون إمامة الخلفاء الأربعة وفضائلهم خلافا للشيعة من الرافضة وغيرهم
وهذا الكلام لم ينقضِ عصره، فهذه الامور كلها متنازع عليها اليوم، وستجد الفيس منبر كل جاهل ينتف من الكتب ومن اقوال المبتدعة نتف من هنا وهنا ويعيد كل هذا ويُشغب به على المسلمين، فيجب ان تكون واعٍ ممسك بزمام العقيدة متنبه لهؤلاء.
أولا: أين كان القرآن الكريم قبل نزوله وتنزيله؟
كان في اللوح المحفوظ، ودليله قولُهُ تعالى { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ , فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } ( البروج : 21، 22 ) .. فكِتابُ اللهِ القُرآنُ الكريم ... حُفِظَ كِتابةً في اللوحِ المحفوظ الذى أودع الله - عز وجل - كلَّ شىء فيه: { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } (القمر:53) .. فحُفِظَ في اللوحِ قبلَ أن ينْزِلَ إلى السماء الدنيا ثم إلى الأرْضِ ... و اللوحُ المحفوظُ هو كِتاب اللهِ الَّذِي كَتبَ اللَّهُ فِيهِ كُلَّ شيْءٍ، ففيهِ الأحكامُ ومقاديرُ الخلائِقِ التي كانت في علم اللَّه , ولم يزل اللهُ عالماً بها. تجْرِي الأَحْكامُ عَلى مَا سطَّرَه القلم في هذا اللوْحِ منْ نَسْخٍ وثُبوتٍ وَإِمْضاءٍ وَرَدٍّ ...ودليله كذلك قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} , مرةً أخرى يؤكِّد اللهُ عزّ وجلّ أن ما نزل من الوحي نجوما جميعه كانَ في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ
إذن بدأ الحِفظ من قبل أن يوحى القرآن للنبي على الأرض، وبدأ الحِفْظُ حتى قبْلَ أن ينزِل إلى السماء الدُنْيا (إن جاز ان نُسمِّيهِ النزولُ والتنزُّل الثاني ) .. فقد بدأ الحِفْظُ منذ النزولِ الأول, منذ أن كتَبَ القلم في اللوحِ المحْفوظ ...فانفرد هذا الكِتابُ بشهادتِهِ لِنفْسِهِ بحِفظ اللهِ وعنايتِهِ في اللوحِ المحفوظِ .. قبل ان ينزله الى السماء الدنيا.
ثانيا: ما هي مراحل نزول القرآن الكريم؟
نعرف للقران الكريم نزولين:
1- نزول الجملة: وهو نزول القُرآن الكريمُ أولا من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا على مواقِعِ النُّجومِ ,
2- ونزول التفريق: ثانيا من الله الى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُفرّقاً ومُنجّمًا على مدار ثلاثة وعشرين سنة.
والاجماع على ان القران الكريم نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجما مفرقا من وقت بعثته الى وقت وفاته بغير سبب وهو اكثر القران واحيانا اخرى ينزل مرتبطا بالاحداث والوقائع والاسباب.
1- المرحلة الأولى: نزول القرآن الكريم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، في ليلة القدر من شهر رمضان، ونزل على مواقع النجوم، ونزل به الملائكة الكرام البررة، فهو ظاهر قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 2]. وقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، وقوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ ﴾ [البقرة: 185]، فدلت هذه الآيات على أن القرآن أنزل جملة واحدة في ليلة القدر ، ويستفاد منها كذلك ان ابتداء نزول القران كان في رمضان في ليلة القدر، وان معارضة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بالقران الذي كان ينزل على النبي طيلة العام تكون في رمضان.
فاصبح للقران مكانين يحفظ فيهما في السماوات .. اولهما في اللوح المحفوظ، والثاني: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ}، ونزل اين تحديدا في السماء الدنيا، على مواقع النجوم، قال تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ, وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ , إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ, لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ...فيؤكد الله تعالى وصفه بكونه في كِتابٍ مكنون ينزِلُ إلى السماءِ الدُنيا بأيدي الملائكة، تمسُّهُ أيْدِيهِم الطاهِرةُ ولا يمسّهُ شيْطانٌ ولا نجِس، فحفِظهُ اللهُ في السماءِ الدُنيا.
2- المرحلة الثانية: نزول (تنزُّل) القرآن منجمًا - أي مفرقًا - من الله، يسمعه جبريل عليه السلام من الله فينزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم على مدار ثلاث وعشرين سنة[2]. قال الله تعالى: "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ"، وقال تعالى: "{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}"، وقال تعالى: ﴿ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلًا ﴾ [الإسراء: 106]. قال تعالى :{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ}، فحفِظهُ اللهُ أثناءَ تنزيله، حتى من الشياطين، بينما الشياطينُ ان اقتربت ستجِدُ الحرْس الشديد والشُهُب بانتِظارِها.. قال تعالى :{ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا , وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا , وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا } (الجن: 8- 10 ) وقال تعالى: { وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ,لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ , دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ , إلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } (الصافات : 7- 10)، و قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { } ... ويقول تعالى : {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وجاء في تفصيل المرحلتين، الجديث الذي رواه النسائي في سننه الكبرى بسنده إلى عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم نُزِّل بعد ذلك في عشرين سنة، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33]، ﴿ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلًا ﴾ [الإسراء: 106][1]. فعرفنا أن هذا التنزيل الثاني غير النزول الأول إلى سماء الدنيا، فالمراد به نزوله مُنَجَّمًا.
وقد ورد في ذلك اكثر من 13 اثرا، ووجه الاستدلال بهذه الاثار وان كانت في جملتها موقوفة على ابن عباس رضي الله عنه، فإن لها حكم الرفع الى النبي صلى الله عليه وسلم، لان قول الصحابي الذي لا يأخذ عن الاسرائيليات فيما لا مجال للرأي فيه له حكم المرفوع الى النبي، وابن عباس لن يقول هذا بهذا التفصيل والتحديد بمحض رأيه ومن عند نفسه، فهو اذن محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم او ممن سمعه من الصحابة، والصحابة كلهم عدول.
ونود التنبيه على ان النزولين للقران الكريم غير متصلين، كما يوضحه هذا الرسم، لان محاولة الايهام بهذا يلجأ اليه القائلون بخلق القران الكريم الذي تكلمنا عنه سابقا، فهذا تفريع منه. وقد اخطأ من نسب ان جبريل عليه السلام اخذ القران من اللوح المحفوظ كما زعم الإمام ابن القيم والامام السيوطي رحمهما الله على سعة علمهما واطلاعهما، الا انه لا يُعول عليه في مثل هذه الأصول العظيمة، ومنهم من قال أن جبريل عليه السلام أخذ القران من السماء الدنيا من الملائكة، وهذا باب للخلط كما يرمي الى ذلك القائلون بخلق القران، بل القول ما قال الله انه نزله على جبريل عليه السلام، فسمعه جبريل من الله، وسمعه النبي محمد من جبريل عليهما السلام.
ثالثا: تفرد القرآن بشهادته لنفسه بالحفظ في السماء قبل الارض مقارنة بالكتب المحرفة:
وهكذا انفردَ هذا الكِتابُ بحِفْظِ اللهِ لهُ في اللوح المحفوظ و في السماء الدُنيا ..
ثم انفرَد القرآن الكريمُ بِحِفْظِ اللهِ له بعد الوخي على رسولِ الله في الأرْضِ.
ثم انفردَ باستِمرارِ حِفْظِ اللهِ له بتكفُّلهِ بِحِفْظِهِِ إلى يومِ الدين ...
ولو طالبنا جميع أرباب الديانات الأخرى أن يُخْرِجوا من متن كُتُبِهِم التي ينسِبونها لله عز وجل مِثْلَ هذه الشهاداتِ عن الحِفْظ في السماء و الارض وإلى يومِ العرْض لاستحال عليهم وأعياهُم ذلِك ... لينفرد القرآن وحده باحتِوائِه على شهادتِهِ لِنفْسِهِ بالحِفظِ في السماء قبل الحِفْظِ على الارض .. أما أدِلة واثبات الحِفظِ على الارض بعد نزول القران على نبيه، فهذا له محاضرة منفصلة في جمع القران الكريم ووثاقة نقله عبر القرون والى ان وصلنا اليوم.
فوائد:
1- نعلم ان اللوح المحفوظ فيه كل شيء
2- نعرف مرحلتي النزول ونتنبه لمغالطة المعاندين
3- ونفرق بين انواع الحفظ الثلاثة.
4- ونجزم ان الشيطان لا يمكن ان ينزل بالوحي.
رابعا: هل هناك فرق بين النزول والتنزيل؟
ستجد في كثير من كتب التفسير يفرقون بين النزول والتنزيل مثل ما قال الامام القرطبي في تفسيره، فقالوا كانت الكتب السماوية السابقة تنزل على الرسل جملة واحدة كما ذهب إلى ذلك جمهور المفسرين، فكان الخطاب القرآني بكلمة "انزل"، بينما كان في حق القرآن الكريم حين خاطب الله نبيه قال "نزّل" بالتشديد، بقوله تعالى : "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ" وكذلك قال تعالى : "ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ " فقالوا ان نزّل تنزيلا جاءت مع القران بينما انزل نزولا جاءت مع التوراة والانجيل.
فعمموا هذه القاعدة وسموا بها النزول الاول الى السماء الدنيا "نزولا" و النزول الثاني منجما ومفرقا من جبريل عليه السلام "تنزيلا"، وهذا التشديد يدل على ان القران نزل مفرقا منجما، وهذا وإن كانت قاعدة غالبة الا انها ليست قاعدة مطرده، فنجد الدليل على خلاف ذلك، حين اعترض المشركون على نزول القرآن مفرقًا فبين الله تعالى ذلك الاعتراض في القرآن، قال سبحانه: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]، كذلك قال الله تعالى مع انزال القرآن للنبي " وأنزلنا إليك الذكر"، فلا يُسلم اذن بهذه القاعدة على إطلاقها، وإن كانت ملحوظة في اغلب الايات، لكن تأصيها كقاعدة فيها من التكلف ما فيها، ويضع اشكاليات كنت في مأمن عنها، وهذا نبينه حتى لا تستخدمها بناءا على ما قد تقرأ في بعض التفاسير دون أن تتنبه الى هذا وقد بين ابو حيان في تفسيره تفصيل هذا الخطأ الذي وقع فيه المفسرون فليطالع هناك.
خامسا: حكمة نزول القرآن منجمًا:
وكان لنزول القرآن الكريم مفرقًا على قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم كثيرة يمكن إجمالها فيما يلي:
• تثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• تيسير حفظ القرآن الكريم وفهمه لأمة لا تعرف القراءة ولا الكتابة.
• مسايرة الحوادث والتدرج في التشريع، وتربية الأمة الجديدة.
• تحدي العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة وإثبات عجزهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن العظيم.
• إثبات أن القرآن الكريم كلام الله تعالى، وليس من عند محمد - صلى الله عليه وسلم.
المستفاد من نزول القران جملة :جمع الله للقران نزولين، جملة واحدة والنزول مفرق، بينما لم يجتمع للكتب السابقة الا احد النزولين اما جملة واما مفرقا. وفي اجتماع الصفتين معا تميز للقران الكريم ولمن نزل عليه ولمن نزل اليهم، والله اعلم بحكمته وأمره.
سادسا: وانظر كيف اهتموا بدقائق النزول وتفصبلاته، في كل اية منه وكل سورة، وقارن هذا بحال اهل الكتاب الذين فقدوا كتابهم كله ووجدوا ترجمة يونانية في القرن الميلادي الرابع لا يعرفون من ترجمها ولا متى كما قال القديس جيروم في اخر القرن الرابع واول القرن الخامس.
فقالوا اكثر نزول القران في النهار حضري (وحضري اي عكس السفر) ، وقد نزل يسيرا منه في السفر وقليلا منه في الليل، ومما نزل في الليل المعوذتان، فعن عقبة بن عامر الجهني قال قال رسول الله صبى الله عليه وسلم "أنزلت الليلة آيات لم يُر مثلهن: قل اعوذ برب الفلف، وقل اعوذ برب الناس" اخرجه مسلم في صحيحه، ومما نزل في الليل كذلك اية المائدة " والله يعصمك من الناس".
وفي نزول الايات الصيفي والشتائي: أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِهَا.
ومنها ما نزل في السماء وما نزل في الارض، واما في السماء فهو ليلة اسري بالنبي وانْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وفيه " أُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ"
وَأَمَّا مَا نَزَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فَسُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وأول ما نزل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، واخر ما نزل: "واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله" وعلى خلاف في ذلك.
ومن مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَتَذْكِيرًا عِنْدَ حُدُوثِ سَبَبِهِ خوف نِسْيَانِهِ. مثل آيَةَ الرُّوحِ وَقَوْلُهُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}
وهنا سور نزلت في مكة ثم نزلت مرة اخرى في المديتة، سُورَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُودٍ مَكِّيَّتَانِ وَسَبَبُ نُزُولِهِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ وَلِهَذَا أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ. وَلَا إِشْكَالَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ مِنْ أَنَّهَا جَوَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ وَجَوَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ بالمدينة
وما هو اول يوم نزل فيه القران؟، هو يوم الاثنين ولذلك نصوم الاثنين والخميس من كل اسبوع، يقول صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن صيام يوم الاثنين، قال " فيه وُلِدت وفيه أنزل عليّ"
قارن ما سبق من تفصيل واهتمام وعناية بما عند اهل الكتاب، فانت تفصل في نزول وكتابة آيات واوقاتها واماكنها، بينما هم لا يعرفون اين ذهب الكتاب ككل ولا اين اختفت لغته !
والحمدلله رب العالمين.
1- علوم القرآن الكريم ومنهجنا في هذه المحاضرات
1- تعريف علوم القرآن
القرآن الكريم كتاب هداية وكتاب إعجاز، ومن أجل هذين المطمحين نزل، وفيهما تحدث وعليهما، ولاجله ولخدمته قامت العلوم، فقولنا علوم جمع علم، وهي على الجمع لا المفرد، لأنها تشمل كل علم يخدم القرآن الكريم، ويحاول سبر أغواره لكشف أسراره وخباياه، مثل علم التفسير وعلم القراءات وعلم الرسم العثماني وتدوينه وكتابته وجمعه، ونقله محفوظا عبر القرون، وعلم إعجاز القرآن وبلاغته واساليبه وقصصه، وعلم أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه، وعلم إعراب القرآن وعلم غريب القرآن وعلوم الدين واللغة إلى غير ذلك. فكل علم يتصل بالقرآن من ناحية قرأنيته أو يتصل به من ناحية هدايته أو إعجازه فذلك من علوم القرآن.
2- لماذا اخترت هذا الموضوع علوم القران وما أهميته؟
أولا: السبب الأول في اختيار الموضوع: تصحيحالمنهج بين كثير من الشباب الغيور المهتم بدرأ الشبهات عن كتاب الله او الحديث عن مخطوطات القرآن الكريم ورسْمِه وقراءاتِه، مع تصحيح ما قد يكون في خاطرك من قناعات لا تعلم أنها لا تصح. وهذا ومع الاقرار بأن جهد الشباب مبارك في تبيان عظمة القران الكريم وحفظه وهمينته على غيره من الكتب التي تعرضت للتبديل والتحريف، إلا أنه جُهْدٌ يعوزه الكثير من التدقيق والتِزام المنهج، لأن غياب المنهج قد يجعل ردك على الشبهةِ هو في ذاتِه شُبهة إن لم يكن الرد سالِمًا، صحيحا ومعك عليه الأدلة والبراهين.
والسبب الثاني لمثل هذه المحاضرات أن منهجنا هو: تعلم النصرانية من خلال الاسلام، وليس تعلم الاسلام من خلال النصرانية، ولذا لم نضع محاضرات للتعريف بالنصرانية والكتاب المقدس وانما وُضعا محاضرات الحديث وعلوم القران ومنها تتعلم الفارق مع اهل الكتاب وحين تحتاج التعمق فعندك كذلك النقد النصي واللاهوت. وأنت بهذا تتعرف على الكتاب المقدس ولكن من خلال القرآن، وتتعرف على الاديان الوضعية ولكن من خلال الاسلام، فستكون اشبه بمحاضرات في الدين المقارن. في هذه المحاضرات ستتعلم الاديان كلها بناءا على تعلمك كتاب ربك، فحين نتعلم ان نثبت بالدليل والبرهان كيف انتقل النص المقدس القرآني والسنة عبر القرون حتى وصلتنا، ستتعلم معها مقارنة بكتب اهل الكتاب وغيرها من الكتب الوضعية كيف وصلت وكيف انتقلت ولماذا كان يجب عقلا ومنطقا وضرورة ان يطال التحريف كتب السابقين بينما يظل القرآن الكريم محفوظا بحفظ رب العالمين. وحين تدرس اهمية النقل الشفهي المتواتر لكتاب الله وكيف حفظ لنا لغتنا العربية، فإنك ستقارن ذلك بمن لم يخفظوا كتب الله من الامم السابقة وكيف انهم حين اعتمدوا على الاوراق وحدها ضيعوا كتبهم واديانهم بل وضيعوا لغات انبيائهم. وحين تتعلم كيف جُمع القران الكريم ودُوِّن بما يُبهر العقول وتتعرف على رسمه وقراءاته ومخطوطاته واهمية ذلك، سنتعلم معه متى عرف النصارى كتبهم وكيف جمعوها ومتى دونوها، وحين نتحدث عن حفظ كتاب اللهـ فاننا سنتحدث عن تحريف اليهود والنصارى لكتبهم. فانت تتعلم النصرانية واليهودية وكيفية اقامة الحجة عليهم ودعوتهم الى الاسلام عن طريق تعلمك لدينك. وهكذا سيكون الحال في محاضرات العقيدة ومع علوم الحديث ومع علوم القران، ولم نغفل ان نضع بعد ذلك مناهج النقد النصي واللاهوت كمرحلة متقدمة تبدأها مع تعلمك لدينك.
والامر الاخر أنه واجبٌ شرعيٌّ مأمورون به، أن أبين وان تبينوا للناس وللدعاة على الثغر أنه قد ظلم نفسه ودينه من يدخل هذا المعترك بصدر مكشوف فيتحدث في كتاب الله بغير علم. والحديث في كتاب اللهِ بغيْرِ علْمٍ ذنْبُ عظيم، حتى لو خلُصت النوايا، فمن تكلف ما لا علم له به، فلو أنه وُفِّق إلى الصواب وكان جوابه صحيحا، فإنه قد أخطأ، قال صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ"، لانه لم يُوفق إليه بعلمٍ واتباعٍ، وإنما برأيه، وهذا أحد الاسباب المفضية الى مرض تقديس العقل ورد النقل او تعطيله وتأويله ليوافق عقله وهواه، قال صلى الله عليه وسلم: " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"، سلّمنا الله واياكم.
والسبب الرابع لمثل هذه المحاضرات، ترسيخ حقيقة ان القران الكريم يوافق صريح العقل والعلم، والرد على تلك الدسائس الرخيصة المفضوحة التي تُصور وتوهِم المخدوعين بأن الإسلام نقيض العلم، وكأن بين الدين والعلم خصومة، وهذا غير صحيح وسنؤصل بحول الله لمنهج الاعجاز القراني واثبات ما صح منه وكيفية تناوله دون افراط او تفريط.
والسبب الخامس: من فوائد علوم القرآن كذلك أن التسلح بمعرفتها يساعد في محاججة غير المسلمينومجادلتهم بالتي هي أحسن، والدفاع عن القرآن ضد الشبهات التي تثار حوله.ويضع لك منهجا قويما تنسف به الشبهات عن كتاب الله نسفا: فلن يرقى فكرك بغير فهمك لهذا الدين، ولن تفهمه بغير القرآن، ولن تصون كتاب الله ودين الله بغير فهمك لعلوم القرآن. معرفة قاعدة واحدة ينسف عدة شبهات مجتمعة، فبدلا من ان تبحث عن درأ شبهة هنا وهناك، لو انك عرفت الاصل لسقطت ومعها سلاسل من السبهات غيرها بنيت عليها، ولذا فقد ارتأيْتُ أن أضع منهجًا تعليميًّا، وتأصيلًا لا يميل الداعية عنه. وهو سبيل الحق وسبيل السلفِ الذي يسعنا ما وسعهم. وكل مبحثٍ متبوع بالنقاط الواجب العلم بها مع أسئِلةٍ وتدريباتٍ عمليّةٍ نافعة للدعاةِ في زمن الإنترنت.
واخيرا احياء عبادة مجالس العلم ولو عبر الانترنت، فهذه الدورة التي تحضرونها، وما يُقدم فيها من دروس تعليمية، هي: عمل صالح اجتمعتم عليه، والله يجزيكم عليه الجزاء الأوفى، فجددوا النوايا، جدد نيتك الان ان يكون جلوسك لله، فكل دقيقة تمر عليك استفدت منها او لم تستفد تؤجر عليها لن يضيعها عليك الله، فإذا تأخر عليك الشيخ فانتظارك لله، واذا أطال الوقت والنفس في نقطة فلا تمل وتتأفف فهي لله، فانت في كل حال تعبد الله وتستفيد، وإذا كان للإنسان نيةٌ في كل مجلس علمٍ يقدم عليه، سواء في ذلك حصَّلت من العلم شيئًا أو لم تُحصِّل، يكتبه الله لكم عبادة، فكلكم الآن في عبادة، وهي: من أجل العبادات، ولا من العبادات أفضل وأشرف مما أنتم فيه بعد الفرائض، كذلك أنت بحضورك تستفيد علما، وتستفيد أدبا، وتستفيد هديا وسمتا، وصحبة صالحة، ولذا اذكركم أحبتي في الله انك وان كنت لا تمثل الا نفسك فأنت عنوان لهذا الدين، فليكن سمتك على وسائل التواصل الاجتماعي او في اي مكان يعبر عن دينك فتجنب الهزر وسفاف الامور، واياك والدخول في الجدل مع اخوانك، او مع المخالفين في غير ان يكون دعواك لله. اسال الله ان يبارك لنا في مجلسنا، فهذا مجلس تحفه الملائكة بأجنحتها، وتغشاه السكينة، ويذكركم الله في من عنده، فأحسنوا جلوسكم وجددوا نيتكم، فنقوم من هذا المجلس مغفورا لنا بفضل الله، وأي المجالس يحصل فيها مثل هذه الفضائل سوى مجالس العلم؟!
ومع ذلك فهذه الدورة لم تعقد من أجل تخريج علماء، بل هي دورة مبسطة لتبسيط العلم لمن يهتم بمقارنة الاديان، ولوضع الاصول الرئيسية وترسيخ المنهج، أن تكون على بصيرة ثم يفهم منها كل واحدٍ بحسب ما أعطاه الله من الفهوم والمدارك، ثم بعد ذلك يستطيع الواحد منكم أن يسلك الطريق بهذا المنهج، وأن يستمر في التحصيل، وأن يتتبع أهل العلم، وأن ينظر في الكتب، ويسأل ويناقش، فيفتح الله عليه ويعلمه من علمه، بالجد والارادة والتصميم مع اخلاص نية لله، فنحن نؤسس منهجا وخطوطا عريضة لا نُخرج علماء وان الامر كله بيد الله ثم موكول بك وباجتهادك. والدورة لم تكن محددة من قبل وانما تفاجأنا وفاجأنا به الجميع، ولذا وكأي دورة ابتدائية نعتذر ان لم تكن المادة واضحة لكن في الدورات القادمة سيُطبع لها كتب مقررة بامر الله سواءا ورقية او الكترونية وتخص دورات حراس العقيدة. فالاساتذة المحاضرون هم يضعون لبنات هذا المنهج ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
2- ماهو القرآن الكريم؟
أولا: لفظ القرآن: في اللغة مصدر من الفعل قرأ، يُقال: قرأ قُرآناً، فهو مصدر على وزن فُعلان بالضم، كالشكران والتكلان والغفران تقول (غفر مغفرة وغفران) كذلك تقول: قرأ قراءة وقرآنا، فكما المغفرة مرادف للغفران، كذلك القراءةُ مرادف للقرآن ، ثم نقل من هذا المعنى المصدري وجُعل اسما مختصا بالكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.
1- القرآن يكون مصدراً: كما في قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ [القيامة: 17]،
2- القرآن يكون اسماً: كما في قوله (تعالى): وَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا
ذلك ما نختاره استنادا إلى موارد اللغة وقوانين الاشتقاق، أما القول بأنه وصف من القرء بمعنى الجمع أو أنه مشتق من القرائن، فكل هذا توجه مرتجل لا يخلو توجيه بعضه من كلفة ولا من بعد عن قواعد الاشتقاق وموارد اللغة.
ثانيا: دلالة معنى القرآن في اللغة: فإن معنى القرآن لغةً دالةً على تلقيهِ اقراءًا، وقد عرفنا ان القرآن معناه: القراءة، أي: أنه يُقرأ. فجزءٌ أساسي في تعريف القرآن هو الكيفية التي يُتلى بها القرآن، فإنه يُتلى بطريقة معينة، وهي: مراعاة أحكام التجويد وصفات الحروف ومخارجها ونحو ذلك. فالعدول عن ذلك بأن يتلقى الإنسان القرآن عن طريق سماع الأشرطة او قراءةً من المصاحِفِ غير صحيح.
ثالثًا: نطق لفظ "قرآن":مهموز وإذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف، وفيهِ قراءاتان (نُطقان) ثابِتانِ عن النبيِّ صلى الله عليْهِ وسلّم أن يُقرأ غير مهموز (القُران) كما في قراءةِ ابن كثير أو أن يُقرأ مهموزًا (القرآن).
رابعًا: اسماء القرآن الكريم: ويقال للقرآن: فرقان أيضا وأصله مصدر كذلك ثم سمي به النظم الكريم تسمية للمفعول أو الفاعل بالمصدر باعتبار أنه كلام فارق بين الحق والباطل أو مفروق بعضه عن بعض في النزول أو في السور والآيات. قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ثم إن هذين الاسمين هما أشهر أسماء النظم الكريم. بل جعلهما بعض المفسرين مرجع جميع أسمائه كما ترجع صفات الله على كثرتها إلى معنى الجلال والجمال.
ويلي هذين الاسمين في الشهرة هذه الأسماء الثلاثة الكتاب والذكر والتنزيل. لكن قد يسرف البعض في اعتبار الوصف اسما للقرآن كما فعل الزركشي في البرهان فبلغ باسمائه خمسة وخمسين وأسرف غيره في ذلك حتى بلغ بها نيفا وتسعين، وفاتهما أن يفرقا بين ما جاء من تلك الألفاظ على أنه اسم وما ورد على أنه وصف ويتضح ذلك لك على سبيل التمثيل في عدهما من الأسماء لفظ قرآن ولفظ كريم أخذا من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} الواقعة كما عدا من الأسماء لفظ ذكر ولفظ مبارك اعتمادا على قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} على حين أن لفظ قرآن وذكر في الآيتين مقبول كونهما اسمين. أما لفظ كريم ومبارك فلا شك أنهما وصفان كما ترى. والخطب في ذلك سهل يسير.
خامسًا: إطلاق القرآن على الكل وعلى أبعاضه: لا شك أن القرآن يطلق على الكل وعلى أبعاضه. فيقال لمن قرأ اللفظ المنزل كله إنه قرأ قرآنا. وكذلك يقال لمن قرأ ولو آية منه: إنه قرأ قرآنا. وكذلك يطلق على المكتوب في الصحف وبالالواح، وعلى المحفوظ في الصدور. فهو مشترك لفظي لا يتبادر الى الذهن غيره اذا قلت " قرآن" وما يتبادر الى الذهن نسميه: أمارة الحقيقة.
سادسًا: القرآن في الإصطلاح:
- القرآن هو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته.
- القرآن هو كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة منه.
سابعًا: عقيدتنا في القرآن الكريم:
- وقد عرف أئمة السلف القرآن تعريف عقديا يُرد به على الجهمية واتباعهم وهو قولهم : " هو كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام الخلق، فمن سمعه، فزعم أنه كلامُ البشر فقد كفر. ولذا قال السلف : "القرآن كلام الله منه خرج وإليه يعود"، ومهما تتقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه مما خرج منه. فالقرآن كلام الله تعالى هو أحب ما يُتقرب به الى الله، منه خرج واليه يعود، ولذا فالقرآن ليس بمخلوق كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفاق الأئمة من أهل السنة الجماعة ، وعليه.. ولذا هنا كذلك لطيفة ننوه عليها وهي قول البعض "يا رب القرآن"، فهل يجوز هذا ام لا يجوز؟ لاننا عرفنا ان القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته، وصفاته ليست مخلوقة كذاته فلا يصح بمهذا المعنى أن يقال يارب القرآن . إلا إذا قصد القائل بقوله (يا رب القرآن) أي يا صاحب القرآن كما يقال يا صاحب العزة والجلال ونحو ذلك فلا بأس.
ومن شأن المصنفين والمحاضرين في اي شيء يتعلق بهذا الدين من اهل السنة والجماعة ان يذكر بما تتميز به أهل السنة والجماعة عن الكفار واهل البدع، في كل محفل وكل محاضرة، ويذكّروا الناس بإثبات الصفات، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه تعالى يُرى في الآخرة خلافا للجهمية من المعتزلة، وأن الله خالق أفعال العباد، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن خلافا للقدرية من المعتزلة، وأن المؤمن لا يُكفَّر بمجرد الذنب ولا يُخلّد في النار خلافا للخوارج والمعتزلة ويحققون القول في الإيمان بقوة ووضوح وهي الايمان باركانه الستة (ويثبتون الوعيد لأهل الكبائر مجملا خلافا للمرجئة ويذكرون إمامة الخلفاء الأربعة وفضائلهم خلافا للشيعة من الرافضة وغيرهم
وهذا الكلام لم ينقضِ عصره، فهذه الامور كلها متنازع عليها اليوم، وستجد الفيس منبر كل جاهل ينتف من الكتب ومن اقوال المبتدعة نتف من هنا وهنا ويعيد كل هذا ويُشغب به على المسلمين، فيجب ان تكون واعٍ ممسك بزمام العقيدة متنبه لهؤلاء.
3- نزول القران الكريم
أولا: أين كان القرآن الكريم قبل نزوله وتنزيله؟
كان في اللوح المحفوظ، ودليله قولُهُ تعالى { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ , فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } ( البروج : 21، 22 ) .. فكِتابُ اللهِ القُرآنُ الكريم ... حُفِظَ كِتابةً في اللوحِ المحفوظ الذى أودع الله - عز وجل - كلَّ شىء فيه: { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } (القمر:53) .. فحُفِظَ في اللوحِ قبلَ أن ينْزِلَ إلى السماء الدنيا ثم إلى الأرْضِ ... و اللوحُ المحفوظُ هو كِتاب اللهِ الَّذِي كَتبَ اللَّهُ فِيهِ كُلَّ شيْءٍ، ففيهِ الأحكامُ ومقاديرُ الخلائِقِ التي كانت في علم اللَّه , ولم يزل اللهُ عالماً بها. تجْرِي الأَحْكامُ عَلى مَا سطَّرَه القلم في هذا اللوْحِ منْ نَسْخٍ وثُبوتٍ وَإِمْضاءٍ وَرَدٍّ ...ودليله كذلك قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} , مرةً أخرى يؤكِّد اللهُ عزّ وجلّ أن ما نزل من الوحي نجوما جميعه كانَ في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ
إذن بدأ الحِفظ من قبل أن يوحى القرآن للنبي على الأرض، وبدأ الحِفْظُ حتى قبْلَ أن ينزِل إلى السماء الدُنْيا (إن جاز ان نُسمِّيهِ النزولُ والتنزُّل الثاني ) .. فقد بدأ الحِفْظُ منذ النزولِ الأول, منذ أن كتَبَ القلم في اللوحِ المحْفوظ ...فانفرد هذا الكِتابُ بشهادتِهِ لِنفْسِهِ بحِفظ اللهِ وعنايتِهِ في اللوحِ المحفوظِ .. قبل ان ينزله الى السماء الدنيا.
ثانيا: ما هي مراحل نزول القرآن الكريم؟
نعرف للقران الكريم نزولين:
1- نزول الجملة: وهو نزول القُرآن الكريمُ أولا من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا على مواقِعِ النُّجومِ ,
2- ونزول التفريق: ثانيا من الله الى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُفرّقاً ومُنجّمًا على مدار ثلاثة وعشرين سنة.
والاجماع على ان القران الكريم نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجما مفرقا من وقت بعثته الى وقت وفاته بغير سبب وهو اكثر القران واحيانا اخرى ينزل مرتبطا بالاحداث والوقائع والاسباب.
1- المرحلة الأولى: نزول القرآن الكريم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، في ليلة القدر من شهر رمضان، ونزل على مواقع النجوم، ونزل به الملائكة الكرام البررة، فهو ظاهر قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 2]. وقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، وقوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ ﴾ [البقرة: 185]، فدلت هذه الآيات على أن القرآن أنزل جملة واحدة في ليلة القدر ، ويستفاد منها كذلك ان ابتداء نزول القران كان في رمضان في ليلة القدر، وان معارضة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بالقران الذي كان ينزل على النبي طيلة العام تكون في رمضان.
فاصبح للقران مكانين يحفظ فيهما في السماوات .. اولهما في اللوح المحفوظ، والثاني: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ}، ونزل اين تحديدا في السماء الدنيا، على مواقع النجوم، قال تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ, وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ , إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ, لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ...فيؤكد الله تعالى وصفه بكونه في كِتابٍ مكنون ينزِلُ إلى السماءِ الدُنيا بأيدي الملائكة، تمسُّهُ أيْدِيهِم الطاهِرةُ ولا يمسّهُ شيْطانٌ ولا نجِس، فحفِظهُ اللهُ في السماءِ الدُنيا.
2- المرحلة الثانية: نزول (تنزُّل) القرآن منجمًا - أي مفرقًا - من الله، يسمعه جبريل عليه السلام من الله فينزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم على مدار ثلاث وعشرين سنة[2]. قال الله تعالى: "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ"، وقال تعالى: "{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}"، وقال تعالى: ﴿ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلًا ﴾ [الإسراء: 106]. قال تعالى :{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ}، فحفِظهُ اللهُ أثناءَ تنزيله، حتى من الشياطين، بينما الشياطينُ ان اقتربت ستجِدُ الحرْس الشديد والشُهُب بانتِظارِها.. قال تعالى :{ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا , وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا , وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا } (الجن: 8- 10 ) وقال تعالى: { وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ,لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ , دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ , إلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } (الصافات : 7- 10)، و قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { } ... ويقول تعالى : {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وجاء في تفصيل المرحلتين، الجديث الذي رواه النسائي في سننه الكبرى بسنده إلى عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم نُزِّل بعد ذلك في عشرين سنة، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33]، ﴿ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلًا ﴾ [الإسراء: 106][1]. فعرفنا أن هذا التنزيل الثاني غير النزول الأول إلى سماء الدنيا، فالمراد به نزوله مُنَجَّمًا.
وقد ورد في ذلك اكثر من 13 اثرا، ووجه الاستدلال بهذه الاثار وان كانت في جملتها موقوفة على ابن عباس رضي الله عنه، فإن لها حكم الرفع الى النبي صلى الله عليه وسلم، لان قول الصحابي الذي لا يأخذ عن الاسرائيليات فيما لا مجال للرأي فيه له حكم المرفوع الى النبي، وابن عباس لن يقول هذا بهذا التفصيل والتحديد بمحض رأيه ومن عند نفسه، فهو اذن محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم او ممن سمعه من الصحابة، والصحابة كلهم عدول.
ونود التنبيه على ان النزولين للقران الكريم غير متصلين، كما يوضحه هذا الرسم، لان محاولة الايهام بهذا يلجأ اليه القائلون بخلق القران الكريم الذي تكلمنا عنه سابقا، فهذا تفريع منه. وقد اخطأ من نسب ان جبريل عليه السلام اخذ القران من اللوح المحفوظ كما زعم الإمام ابن القيم والامام السيوطي رحمهما الله على سعة علمهما واطلاعهما، الا انه لا يُعول عليه في مثل هذه الأصول العظيمة، ومنهم من قال أن جبريل عليه السلام أخذ القران من السماء الدنيا من الملائكة، وهذا باب للخلط كما يرمي الى ذلك القائلون بخلق القران، بل القول ما قال الله انه نزله على جبريل عليه السلام، فسمعه جبريل من الله، وسمعه النبي محمد من جبريل عليهما السلام.
ثالثا: تفرد القرآن بشهادته لنفسه بالحفظ في السماء قبل الارض مقارنة بالكتب المحرفة:
وهكذا انفردَ هذا الكِتابُ بحِفْظِ اللهِ لهُ في اللوح المحفوظ و في السماء الدُنيا ..
ثم انفرَد القرآن الكريمُ بِحِفْظِ اللهِ له بعد الوخي على رسولِ الله في الأرْضِ.
ثم انفردَ باستِمرارِ حِفْظِ اللهِ له بتكفُّلهِ بِحِفْظِهِِ إلى يومِ الدين ...
ولو طالبنا جميع أرباب الديانات الأخرى أن يُخْرِجوا من متن كُتُبِهِم التي ينسِبونها لله عز وجل مِثْلَ هذه الشهاداتِ عن الحِفْظ في السماء و الارض وإلى يومِ العرْض لاستحال عليهم وأعياهُم ذلِك ... لينفرد القرآن وحده باحتِوائِه على شهادتِهِ لِنفْسِهِ بالحِفظِ في السماء قبل الحِفْظِ على الارض .. أما أدِلة واثبات الحِفظِ على الارض بعد نزول القران على نبيه، فهذا له محاضرة منفصلة في جمع القران الكريم ووثاقة نقله عبر القرون والى ان وصلنا اليوم.
فوائد:
1- نعلم ان اللوح المحفوظ فيه كل شيء
2- نعرف مرحلتي النزول ونتنبه لمغالطة المعاندين
3- ونفرق بين انواع الحفظ الثلاثة.
4- ونجزم ان الشيطان لا يمكن ان ينزل بالوحي.
رابعا: هل هناك فرق بين النزول والتنزيل؟
ستجد في كثير من كتب التفسير يفرقون بين النزول والتنزيل مثل ما قال الامام القرطبي في تفسيره، فقالوا كانت الكتب السماوية السابقة تنزل على الرسل جملة واحدة كما ذهب إلى ذلك جمهور المفسرين، فكان الخطاب القرآني بكلمة "انزل"، بينما كان في حق القرآن الكريم حين خاطب الله نبيه قال "نزّل" بالتشديد، بقوله تعالى : "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ" وكذلك قال تعالى : "ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ " فقالوا ان نزّل تنزيلا جاءت مع القران بينما انزل نزولا جاءت مع التوراة والانجيل.
فعمموا هذه القاعدة وسموا بها النزول الاول الى السماء الدنيا "نزولا" و النزول الثاني منجما ومفرقا من جبريل عليه السلام "تنزيلا"، وهذا التشديد يدل على ان القران نزل مفرقا منجما، وهذا وإن كانت قاعدة غالبة الا انها ليست قاعدة مطرده، فنجد الدليل على خلاف ذلك، حين اعترض المشركون على نزول القرآن مفرقًا فبين الله تعالى ذلك الاعتراض في القرآن، قال سبحانه: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]، كذلك قال الله تعالى مع انزال القرآن للنبي " وأنزلنا إليك الذكر"، فلا يُسلم اذن بهذه القاعدة على إطلاقها، وإن كانت ملحوظة في اغلب الايات، لكن تأصيها كقاعدة فيها من التكلف ما فيها، ويضع اشكاليات كنت في مأمن عنها، وهذا نبينه حتى لا تستخدمها بناءا على ما قد تقرأ في بعض التفاسير دون أن تتنبه الى هذا وقد بين ابو حيان في تفسيره تفصيل هذا الخطأ الذي وقع فيه المفسرون فليطالع هناك.
خامسا: حكمة نزول القرآن منجمًا:
وكان لنزول القرآن الكريم مفرقًا على قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم كثيرة يمكن إجمالها فيما يلي:
• تثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• تيسير حفظ القرآن الكريم وفهمه لأمة لا تعرف القراءة ولا الكتابة.
• مسايرة الحوادث والتدرج في التشريع، وتربية الأمة الجديدة.
• تحدي العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة وإثبات عجزهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن العظيم.
• إثبات أن القرآن الكريم كلام الله تعالى، وليس من عند محمد - صلى الله عليه وسلم.
المستفاد من نزول القران جملة :جمع الله للقران نزولين، جملة واحدة والنزول مفرق، بينما لم يجتمع للكتب السابقة الا احد النزولين اما جملة واما مفرقا. وفي اجتماع الصفتين معا تميز للقران الكريم ولمن نزل عليه ولمن نزل اليهم، والله اعلم بحكمته وأمره.
سادسا: وانظر كيف اهتموا بدقائق النزول وتفصبلاته، في كل اية منه وكل سورة، وقارن هذا بحال اهل الكتاب الذين فقدوا كتابهم كله ووجدوا ترجمة يونانية في القرن الميلادي الرابع لا يعرفون من ترجمها ولا متى كما قال القديس جيروم في اخر القرن الرابع واول القرن الخامس.
فقالوا اكثر نزول القران في النهار حضري (وحضري اي عكس السفر) ، وقد نزل يسيرا منه في السفر وقليلا منه في الليل، ومما نزل في الليل المعوذتان، فعن عقبة بن عامر الجهني قال قال رسول الله صبى الله عليه وسلم "أنزلت الليلة آيات لم يُر مثلهن: قل اعوذ برب الفلف، وقل اعوذ برب الناس" اخرجه مسلم في صحيحه، ومما نزل في الليل كذلك اية المائدة " والله يعصمك من الناس".
وفي نزول الايات الصيفي والشتائي: أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِهَا.
ومنها ما نزل في السماء وما نزل في الارض، واما في السماء فهو ليلة اسري بالنبي وانْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وفيه " أُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ"
وَأَمَّا مَا نَزَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فَسُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وأول ما نزل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، واخر ما نزل: "واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله" وعلى خلاف في ذلك.
ومن مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَتَذْكِيرًا عِنْدَ حُدُوثِ سَبَبِهِ خوف نِسْيَانِهِ. مثل آيَةَ الرُّوحِ وَقَوْلُهُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}
وهنا سور نزلت في مكة ثم نزلت مرة اخرى في المديتة، سُورَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُودٍ مَكِّيَّتَانِ وَسَبَبُ نُزُولِهِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ وَلِهَذَا أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ. وَلَا إِشْكَالَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ مِنْ أَنَّهَا جَوَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ وَجَوَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ بالمدينة
وما هو اول يوم نزل فيه القران؟، هو يوم الاثنين ولذلك نصوم الاثنين والخميس من كل اسبوع، يقول صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن صيام يوم الاثنين، قال " فيه وُلِدت وفيه أنزل عليّ"
قارن ما سبق من تفصيل واهتمام وعناية بما عند اهل الكتاب، فانت تفصل في نزول وكتابة آيات واوقاتها واماكنها، بينما هم لا يعرفون اين ذهب الكتاب ككل ولا اين اختفت لغته !
والحمدلله رب العالمين.
تعليق