المندائية بقايا الغنوصية .. وعبادة الملائكة!
تعد الصابئة من الدیانات القدیمة، التي عُرِفت ما قبل الإسلام، ویدل أصل أشتقاق كلمة الصابئة الى جذورها الآرامیة بمعنى الاغتسال أو التعمید( ١)، والصابئة جاءت من الفعل صبب صب الماء ونحوه( ٢) . وهذا یدل على إستخدام الماء في ألإغتسال والإرتماس بالماء الجاري( ٣) الذي یعد من أهم الطقوس عند الصابئة عامة ويتضمن ما يتفرع عنهم كالحرانية والمندائیة.
والصابئة الاولى قد بين الله ان أصلها صحيح، كأصل اليهودية والنصرانية، قال الله عنهم : "إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا".
وعند العرب، في الجاهلية، وظفت كلمة "الصابئة" بمعنى الخروج من دین وا عتناق دین آخر، كما تصبأ النجوم من مطالعها( ٤) و وردت بمعنى المیل عن سنن الحق و الزیغ عن نهج الانبیاء( ٥ ).
والمقصود بالصابئة في هذا البحث هو فرع قيل أنه نشأ من ثوب الصابئة الاولى، وتبقى منهم وهم الصابئة المندائیةـ وهم في الحقيقة لا يحملون من التوحيد الا اسمه. مثلهم في ذلك مثل كثير من الطوائف التي انبثقت عن النصرانية الاولى ولا تحمل من التوحيد الا اسمه. ويُعتقد انهم اوثق اتصالا باليهود والمجوس من كونهم ذو أصل صابئي، وربما ربطوا انفسهم بالصابئة في العصر العباسي، حتى يكونوا مندرجين تحت اهل الكتاب الصابئة الذين تحدث عنهم القرآن الكريمـ فيؤخذ منهم الجزية ولا يُجبرون على الإسلام.
فمن هم المندائيون؟
المندائیة: كلمة آرامیة نسبة الى مندى أو مندا وتعني علم أو العارف أي (غنوصي)، ومنها جاءت تسمیة مندا اد هيي أي: (العارف بالحیاة) وهو اسم الملائكة العارفین عند المندائیة.
والمندائيون هم المتفلسفة الصابئة المبتدعة وهم وإن زعموا انهم على التوحيد، فإنهم لا يأمرون بالتوحيد وهو عبادة الله وحده ولا بالعمل للدار الآخرة، ولا ينهون فيها عن الشرك بل يأمرون فيها بما يخص صلاح الدنيا من العدل والصدق والوفاء بالعهد ونحو ذلك من الأمور التي لا تتم مصلحة الحياة الدنيا إلا بها بينما يُشرعون العبادات لغير الله. يقول ابن تيمية: " ولهذا فهم يقيمون النواميس بأنواع من الحيل والسحر والطلسمات كما وضعوا في كتبهم ذلك ويقولون في بعض الطلاسم هذا يصلح لوضع النواميس كما تواصت القرامطة والباطنية وكما كان يفعله سحرة فرعون وغيرهم وآثارهم موجودة بذلك إلي اليوم وكما يفعله المشركون من الترك والهند في بلادهم، والمتفلسفة الصابئة تجعل ذلك جنسا لما بعثت به الرسل من الآيات ويجعلون موسى والسحرة والذين عارضوه من جنس واحد ". وما قاله ابن تيمية ثبُت بما في كتبهم اليوم، كما سياتي.
وديانة المندائيين اليوم هي ديانة ضائعة، مفقوده!! ، يتم احياؤها من الكتب، ولا يعرف المندائيون انفسهم لديانتهم اصولا بل لا يوجد شيء مستقل حقيقي يخصهم، إلا انهم يستشفعون بقدم اسم " الصابئة" وديانتها، فينسبون أنفسهم لهم، وبذلك فهم يرون أن ديانتهم هي الصابئة التي بدأت قبل التاريخ مع آدم الارضي !!. وعقائد ومذاهب المندائية الحالية لم تكن مكتوبة أو مدونة قبل الاسلام، بخلاف ما يتعلق بفلسفة اليونان، والغنوصية، ولم تُدون الا حديثا، ربما بعد الفتح الاسلامي كما سيأتي.
ولذا فكل ما هو مكتوب كتب فيما بعد كتجميع لما توارثوه ممن حولهم من الامم، ليبدو الامر وكانهم " اهل كتاب" للفاتحين المسلمين، فلا يُقرض عليهم الدخول للاسلام ويكونوا تحت الجزية كاليهود والنصارى، وكما سيأتي تفصيله في نهاية هذا المقال. ومن يطلع على كتاباتهم لن يجد عناءا في اكتشاف انها تجميعات شتى لعقائد متناقضةومتضاربة أخذوها عن خرافات بابل، واليهود والنصارى، والصابئة الاولى، ثم نقحوها مع الفتح الاسلامي، لتكون المحصلة النهائية: هي عبادة الملائكة وتوحيد شكلي مثلهم في ذلك مثل الوثنيين في كل زمان ومكان.
هل أخذ المندائيون المعاصرون عقائدهم من الوحي والكتب؟
لا يوجد بين المندائيين اليوم من يُمكن ان يقال انه قادر على قراءة او فهم اي شيء عن طقوسهم، فهو مخصص بالكهنة (شيوخهم) فقط، لا يعرف العامة عنه اي شيء، لكن هل يعرف الكهنة قراءة ما في الكتب؟، الجواب: لا، بل حتى الكهنة لا يفهمون شيء فيه اليوم، ولذا اعلى مرتبتين في الكهنوت لا يصل اليه احد منهم، اصبحت معطلة معلقة، منتهية وحجتهم ان الكوليرا في القرن التاسع عشر حصدت ارواح الكهنة العلماء!!، بل جميع المندائيين لا يفهمون دينهم اصلا بخلاف ما يمليه الكهنة اليوم حسب ماتوارثوه ويعتقدونه.
ويعتمد مندائيو اليوم على اكتشاف دينهم بما ترجمه الألماني Mark LIDZARSKI مارك ليدزبارسكي 1868- 1928 م، في القرن الميلادي العشرين، ولذا بدأت تخرج كتاباتهم للنور، وقد ترجم الالماني ليدزبارسكي النصوص التي كادت ان لا تُعرف، فعمله اليوم بمثابة اعادة احياء لتراث يحتضر، بل وليس من المبالغة القول انه يُعد الكاهن الاكبر الذي يعرف المندائية اكثر من اي مندائي، فكل عباداتهم او ما قد يعرفونه هي تقاليد او اساطير موروثة في تقديم العبادة للملائكة، مع طقوس التعميد والصلاة ثلاثة مرات في اليوم، وبعض القوانين العامة مثل الزواج والطلاق وحرمة الكبائر، وقصص ملفقة يمنة ويسرة، وعقائد تتطور عبر التاريخ!!
ونرى اعترافات اكبر مربي هذه الديانة: نعيم بدوي وغضبان الرومي، وهم من اوائل من عرف العالم بالمندائية، في هذا القرن، واقرارهم بانهم انفسهم لا يعرفون عن عقائدها شيئا الا من خلال التراجم الانجليزية والاجنبية لصعوبة اللغة ولصعوبة معرفة شيء عن الدين من اهل الدين ولكونهم طائفة صغيره، ولان دينهم ليس تبشيريا. وننقل ما قالوه من مقدمتهم لترجمة كتاب الليدي دراور، ص. 5ـ مع عدم اقرارنا بالنصف الاول من المقدمة، فالآيات القرانية لم تقل ان المندائيين هم الصابئة الحقيقيون الذين تحدث عنهم القرآن الكريم، وسيتضح تفصيله في ثنايا هذا المبحث.
هل المندائية ديانة توحيدية؟
المندائيون صابئة مبتدعة، وحالهم مثل كل ذي بدعة، فلا بد أن يكون في قولهم شبهة من الحق، ولولا ذلك لما راجت واشتبهت، وهم لهذا يشبهون على الناس بدعوى التوحيد، وهم وإن زعموا انهم على التوحيد، فإنهم لا يأمرون بالتوحيد وهو عبادة الله وحده ولا بالعمل للدار الآخرة، ولا ينهون فيها عن الشرك بل يأمرون فيها بما يخص صلاح الدنيا من العدل والصدق والوفاء بالعهد ونحو ذلك من الأمور التي لا تتم مصلحة الحياة الدنيا إلا بها بينما يُشرعون العبادات لغير الله. وبقايا الوحدانية، عندهم هي مما يعتقده كل اهل الارض في التوحيد الفطري الغريزي "توحيد الربوبية"، وهو منقوض كذلك بنسبة الخلق لغير الخالق من وسطاء جعلوهم مع الله من الملائكة،.
فالخالق هو ملاك خالق من خلال 360 صبغة اعطيت له !! وهذا الملاك كباقي الملائكة لم يُخلق وانما نادى عليهم الرب فوُجدوا، فاحدهم هو مسبب البرق، والاخر يسبب الرعد، والاخر خلق الشمس والقمر واخر مسؤول عن الليل والنهار ... الخ.. والرب غير محدود لذا اسمه الحي "هيي"، ويمكن اطلاق اي اسم او صفة عليه، فيسمونه الاله (الاها) او الغريب (نخرايا) او العظيم (ربا)، او المسبح ( مشبا) ولا مانع من تسميته الله بالعربية.
المندائيون لا يعرفون اسم الرب الذي يعبدون!
كنزا ربا يمين الكتاب الاول، بوثة التوحيد (التسبيح الاول)، 32
واسم الرب لا يعرفونه، وانما يطلقون عليه صفات مثل: "هيي/الحي" يشاركه فيه الملاك (ملكا) هيبل زيوا خالق الحياة على الارض، وابوه (الملاك الاب): " مندا اد هيي (الملاك جبريل)" ، وغيرهم، من الأثريين، وهيبل زيوا هذا الذي خلق ادم وكل الكائنات على الارض!!
عبادة الملائكة:
وتصرف العبادات للملاك هيبل زيوا، فالعيد الاصغر لا يقدم للاله الحي، وانما للملاك الحي هيبل، فهو يوم عروج هيبل زيوا الى السماء بعد ان خلق كل الكائنات على الارض!، ويطلقون عليه الابن الطيب!! ومما يقال فيه شعرا: "دعك الكون براحتيه ، بأنامله مسح الزيت"، وهو ابن الملاك منداد هيي، الذي امره بالنزول الى الارض : وانظر الى ما يقوله الى ابيه، وهل هذا هو التوحيد المزعوم: " بقوتكم ياابائي وبالسر العظيم الذي يحرسكم وبقوة ابي مند اد هيي سأذهب الى عالم الظلام الذي اليه تبعثوني وسأفعل ماتأمرونني اليه ".فهو لا يذهب بقوة الحي القديم (هيي قدمايي) الخالق بل بقوة ابيه الملاك مثله منداد هيي !!, وهم انفسهم لا يمنع ان يذكروا اسمه مع اسم الاله فيختمون به كلامهم: "بشهادة الحي وشهادة مَلك النور السامي"!!
وقصة الخليقة ينقلونها من كل كتاب بشكل مختلف، فعندهم ثلاث قصص مختلفة جذريا عن بعضها البعض لقصة خليقة ادم والكون، منها ما نقلوه مع التعديل عن المركبة الغنوصية، ومنها ما نقلوه عن سفر التكوين ومنها ما نقلوه عن الاساطير البابلية، وهم غير مستقرين على قصة واحده!، والقسط الاكبر منها يعتمد في الحقيقة على اساطير بابل، بحكم ان هذا موطنهم، و مثلهم في ذلك مثل القصة التوراتية (بحكم سبي اليهود لبابل)، فقصة الخلق الاقرب لقصة سفر التكوين التوراتي (الخليقة) تبدأ بـ" اشمخ يا هيي (اسمك يا حي)، اذهب واخلق رجلا واحدا وامرأة واحدة واطلق عليهما الاسمين ادم للرجل وحواء للمرأة.. " حيث نزل الملاك هيبل زيوا وهيأ الارض وعمرها وخلق الكائنات وخلق ادم وحواء بامر من أبيه بأمر من الرب الحي ، وكانت الارض خربة ويكسوها المياهـ، نصوص توراتية صِرفة مع تبديل وتغيير !!، ثم تبدأ تصوير صراع الآلهة في ابهى حلة واكبر ميثولوجية يمكن ان تقرأها، متأثرين في ذلك بميثولوجيا المكان الذين عاشوا فيه " بابل" مثلهم مثل كتبة سفر التكوين!!. ومن حماقة الفلسفة الميثولوجية في صراع الآلهة هذه أن الملاك نزل ليخلق ادم ويعد له الارض بحرب قوى الظلام الذين وياللعجب كانوا ايضا آدميين !!، آدميين قبل آدم!، نفس الفكرة حين نقلت من بابل دون ابداع او محاولة توفيق!
لكن وفي رحلة الملاك الخالق " هيبل زيوا" السعيدة، فانه يعجب بزهرائيل (كوكب الزهرة فيما بعد) ويتزوجها ويأخذها معه، وانظر الى نفس الميثولوجيا البابلية (العراقية القديمة) في سفر التكوين 1:6-4 ، عن زواج ابناء الله من بنات الناس في قصة الخلق !! يقول، "وحدث لما أبتدأ الناس يكثرون علي الأرض، وولد لهم بنات، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات. فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا. فقال الرب "لا يدين روحي في الأنسان الي الأبد لزيغانه، هو بشر. وتكون أيامه مئة وعشرين سنة" !!
إذا نظرنا الى الاعياد، فسنجد أن عندهم (عيد الستة أيام )، ابتهاجا باكتمال الخلق الذي تكون، وهو مأخوذ عن ايام الخليقة البابليةـ والتي نُقلت في سفر التكوين والذي استراح فيه الرب في اليوم السابع، تعالى الله عما يقولون، فان المندائيين يعتبرون هذا العيد هو تتويج لاكتمال الخلق الذي أمر الرب به آدم السماوي (الملاك الاب لكل الملائكة) والذي بدأ بولادته هو حيث كون له عالما وذرية ، واستمر ذلك التكوين ستة أيام، وينقلون القصة التوراتية البابلية بل ويوم الراحة، ثم يجعلون ان من استراح من الخلقة هو آدم !!، " أما اليوم السابع وهو اليوم الذي استراح فيه أبونا آدم كسيا الذي آمر بذلك التكوين"، ويحتقلون فيه بالالكاليل وقراءة النصوص الدينية!
وعندهم كذلك عيد راس السنة (الكرصة)، فانه وُضع للملائكة الاب السماوي الملاك الاكبر وابناؤه .. فنجد فيها نفس فكرة الولادات الوثنية الرمزية، مختلطة مع قصة ادم في الجنة حسب سفر التكوين التوراتي، وبعض الاضافات: وفيه تجسد أدم الملائكي وهو المثيل الروحي لادم بالجسد!!، وخرج إلى الوجود حيث ولد ولادة رمزية من رمزي الحياة السندركا (النخلة ) والأينه (عين الماء الجاري ) حيث تمثل السندركا الجانب الذكري والأينه تمثل الجانب الأنثوي ، وعندما سقطت حبة لقاح من السندركا في الماء الجاري أي( الرحم المقدس ) بقيت هناك 360 يوما ومن هنا بدأت عجلة الزمن تدور وعندما اكتملت 360 يوما خرج آدم إلى العالم النوراني (مشوني كشطا ) ، نهض وقام واختبأ بين تلك الأشجار والأعناب التي تكسو العالم النوراني .اما الستة والثلاثين ساعة التي يكرصون فيها فهي تمثل الثلاثمائة والستون يوما التي بقاها آدم ساكنا في ذلك الرحم المقدس ، فبدأت تلك الستة والثلاثون ساعة في القسم الثالث من يوم كنشي وزهلي ( في الساعة السادسة مساءا ) حيث بقى ساكنا طوال تلك الساعات وعندما انتهت ، قام وتحرك وبدأت الحياة تسير وبأمر من هيي قدمايي (الحي القديم) بدأ بتكوين ذرية له وهم الملائكة والأثيريين فصار أبا لهم وسيدا لذلك العالم النقي ، وبهذا فأن تلك الساعات أصبحت ذكرى للكون أجمع يحتفل بها من قبل الملائكة وكذلك البشر بعد أن يختبئوا ست وثلاثين ساعة ويكونوا في سكون تام تمثيلا لتلك السكنة التي بقاها أبونا أدم كسيا ، في تلك الساعات تعرج الملائكة الى السماء لمباركة ميلاد أبيهم والتسبيح والشكر للرب على ذلك الخلق العظيم ، وبرجوعهم سيعود النور الى الأرض ثانية وتعود الحياة الى الأرض والى الكون أجمع . وهذا الرب العظيم الخالق ليس الا الملاك هيبل زيوا!
كل ما سبق لا يبينه بل قد لا يعرفه المندائيون فمن يقرأ عن عيدهم من كتاباتهم قد لا يفطن الى هذه الحقائق عنهم، وقد يظن أنه عيد كعيد المسلمين يُقدم لله، وعلى انهم موحدون، فلن يفطن الى حقيقته وكنهه، ولنقر مثلا ما قاله غضبان الرومي في كتابه مذكرات مندائية يصف فيها هذا العيد: " في عيد الكرصة تبقى كل عائلة ستاً وثلاثين ساعة في بيتها لا تخرج الى غيرها. لم نكن نفهم المقصود من هذا العيد سوى انه العيد الكبير. فكانت كل عائلة تهتم بأفرادها فتشتري لهم ثياباً (دشاديش) جديدة، وزبنات (جمع زبون او صاية) واحذية جديدة. ونذبح قبل العيد بيوم خروفاً لعمل اللوفاني (غذاء ديني خاص يعمل للموتى)، ونخزن الماء في قدور وطشوت ونودع الحيوانات لدى الجيران من المسلمين لان لمسها يعد حراماً، وقبل العصر يذهب معظمنا للغطس بمياه النهر اما للطهارة او للنظافة. وفي اول ليلة من ذلك اليوم ندق القهوة ونعد الشاي وتبدأ كل عائلة بتقديم ما حضرت لافرادها من المأكل والمشرب وتتواصل المسرات حتى الفجر. في نهار اليوم الثاني يصبح الاولاد باكرين فيقبلون أيادي ابائهم وامهاتهم، ويبارك افراد العائلة بعضهم بعضاً بالقبل والتهاني ثم توزع على الذكور منهم الطرايين (وهي اوانٍ دائرية طينية ذات اقسام) فيأخذ كل واحد منهم طريانة تحتوي على الفاكهة واللوز والجوز والرمان وغيرها من المواد. ان العيد الكبير هو عيد رأس السنة عند الصابئة، وانني اشبه الطرايين وهداياها بهدايا بابا نوئيل عند المسيحيين في عيد رأس السنة. يخرج الفرد الصابئي من كرصته في اليوم التالي ويعايد اباه وامه قبل غيرهم ويقبل أياديهما ثم يعانق اخوته واخواته مهنئاً مباركاً. اما النسوة المصابات بنكبة بوفاة احد اقاربهن فيذهبن مبكرات الى المقبرة باكيات نادبات موتاهن ليعدن بعد الصباح الى الدور"
واما من نصوص عبادة الملائكة الصريحة فنقرأ: "باسم الحي العظيم اسجد و أمجد و اسبح إلى ذلك المانا العظيم الخفي الأول الذي عاش تسعمائة و تسعة و تسعين الف روبان سنة في مسكنه الخاص وكيداغ إذ ما كان قد أتى له رفيق ابن من ذلك المانا العظيم الخفي الأول الذي كان فيه و كبر فيه ثم اسجد و أمجد و اسبح لتلك النطفة العظيمة الخفية الأولى التي منها كانوا إذ كانت منذ أربعمائة و أربعة و أربعين ألف روبان سنة في مسكنها الخاص وحيدة ما كان قد أتى لها رفيق ثم اسجد و أمجد و اسبح إلى ذلك الشار كفنا العظيم الأول الذي كان قربهم ثم اسجد و أمجد و اسبح إلى ذلك القبرون كفنا الخفي الأول الذي تكون منه 8880 روبان من الاثريين معهم و مع أولئك الاثريين كان ذلك الاثرا الذي يسمى برصوفا ربا ايقارا (السيماء العظيم ذو الوقار) و هو صغير إخوانه و كبير آبائه أعلن وأوضح و قال مندادهيي الاثرا الفطن كل رجل ناصورائي حيثما يجلس يثب و يقول مخلدون انتم أيها الحي الاول و يقطع الخبز المبارك المشورة ستكون له من بيت الحي العظيم و انا اتقوم بنور الحي العظيم و الحي المزكى امين"
ومنه كذلك عبادة منداد هيي او (الملاك جبريل) وهو عندهم الذي يشفي المرضى ويحيي الموتى: "باسم الحي العظيم معظم النور السني مخرج السبت مساءا مدخل الأحد الأفضل لمخرج السبت مساءا ذهبت مرياي إلى باب المندي لطلب الصلاة و التسبيح للاثريين كل الأشرار حالما شاهدوا مرياي اعتراهم جميعا الغضب فتقلدوا السلاح و واجهوا مرياي و قالوا لها حلفناك يا مرياي بالقول و الثبات و الحق ثم حلفناك يا مرياي بالرجل الذي فطنتك كانت معه، الرجل الذي شاهدته عيناك ماذا يشبه، و كيف عمل ذلك؟ اقول لهم لتنقشعوا و اغربوا من قدامي أيها الزوار الأشرار فلن تنظروا إلى الحي و لن تشاهدوا ما شاهدت عيناي و لن تسمعوا ما سمعت اذناي فالرجل الذي شاهدته عيني لا يوجد مثله في العالم فهو يرفع مقلة عينه من ضفة إلى الضفة التي في طريقها للعالم موطئ قدم، الأرض المعمورة مبهورة بها لقد سمعه الموتى فحييوا و سمعه المرضى فتعافوا و سمعه المجذومون فشفوا و وقفوا و تعافوا بالعافية التي حلها فوقهم مندادهيي و الحي المزكي "
وجاء عندهم كذلك، والملاك الخالق هذا هو أصل كل الحياة، اصل كل شيء !! " إنّ ملكا زيوا هو أصل كلّ شيء، منه تنبع أشعّة النّور والحياة ويمدُّ بها الشّمس والكواكب من خلال أربعة ملائكة يسكنون نجمة الشّعرى العبور، وهم: أَرْحُوم هيي وزِيوْ هيي وعين هيي وشُوْم هيي، ومن هؤلاء الأربعة جاءت قوّة شمش وحياتُه".
.
فسبحان الله على دقة ووثاقة وصدق علماء هذا الدين المسلمين، فما تركوا شاردة ولا واردة الا بينوها، وصدقوا حين قالوا ان هؤلاء الوثنيين يعبدون الملائكة، فما كان هذا كذبا منهم، وقد حاول الصابئة اخفاء تعاليمهم بل وترجموا كثيرا منها بين المسلمين ولم يُطلعوهم على تلك النصوص التي تثبت عبادة الملائكة، حتى تشكك كثيرون في كونها فُرية افتُريت عليهم في التاريخ الاسلامي!
فسبحان الله على دقة ووثاقة وصدق علماء هذا الدين المسلمين، فما تركوا شاردة ولا واردة الا بينوها، وصدقوا حين قالوا ان هؤلاء الوثنيين يعبدون الملائكة، فما كان هذا كذبا منهم، وقد حاول الصابئة اخفاء تعاليمهم بل وترجموا كثيرا منها بين المسلمين ولم يُطلعوهم على تلك النصوص التي تثبت عبادة الملائكة، حتى تشكك كثيرون في كونها فُرية افتُريت عليهم في التاريخ الاسلامي!
هل بعد ما سبق يُقال ان القبلة عند المندائيين لله؟
فكل ما سبق عبادات لا تُقدم لله بل للملائكة، فماذا بقي؟ـ يقيت القبلة، فالقبلة وان زعموا انها توجه لبيت الرب الحي "هيي ربي" فهو عندهم كما يزعمون " يسكن في الشمال القاصي"، لكن يسكن هناك كذلك كل الملائكة والاثيريون، واليها صعد الابن الطيب هيبل زيوا حالق الحياة على الارض !!، ولذا فحين يجعلون هذه قبلتهم، ويسمونها ملكوت الحي، وعلامة الشمال عندهم هي النجم القطبي، فانهم لايزالون يتوجهون للملائكة شركا مع الله !! ..
التأثر بالمسيحية والإسلام وامم الارض:
ثم هم يقرون بوجود الجنة والنار، " ان كل من يقلب الحق مصيره النار". ولا نجد تفاصيل هذه الجنة والنار، كما هو الحال عند اليهود وسفر التكوين، وهم كذلك يؤمنون بالثنائيات في الكون ذكر وانثى، خير وشر، نور وظلام، يمين ويسار، ويرون ان النجوم الواكواكب تؤثر على البشر، وقد غيروا وكتبوا عقائدهم بناءا على تأثرهم بالاسلام وليس قبل الاسلام.
وبرغم انهم ينفون نبوة المسيح ويكذبونه، الا انهم ياخذون اعتقادات من حولهم واما يتبنونها او يكذبونها، دون تمحيص او دراسة ومن ثمّ تُضاف في كتبهم !!، فهم يتهمون المسيح عليه السلام بانه دعا الى الالوهية، وهذا غير موجود حتى في الاناجيل، بل ويختلقون على لسانه حوارا مع يحيى، في كتاب منفصل!. وفي حين يكذبون المسيحية فانهم اخذوا عنهم تقديس يوم الاحد (شرف الشمس الوثني)، وفيه يعقد مراسيم الزاوج، وكل امرأة مقدمة على الزواج تُفحص عذريتها !!! ويدعون ان الزواج في يوم الاحد نفيا للتعدد، لان الله واحد احد، يبررون ( من الفكر الاسلامي) ما لا يعلمون له اصل .. واخذوا عن المسيحية كذلك عدم الختان، والتعميد، وان غيروا في طريقته، بل ونقلوا ما للمسيح الى يحيى، فزعموا ان يحيى هو من صعد الى السماء، وانه من كان يشفي الابرض والاعمى ويحيي الموتى!
أما عن اسم اعظم نبي يعتقدون فيه فقد اخذوا الاسمين، الاسم المسيحي "يوحنا" والاسم الاسلامي "يحيى" وينادونه : " يهيى يوهنا"!!، نداء أعجمي لا يتفق والارامية، ولكن هكذا اخذوه عن التراجم الالمانية والانجليزية.!
بل الاكثر من ذلك انهم يثبتون الولادة العزراوية للرجل الذي وجدت معه مريم حبلى، انه (الملاك جبريل) !!، الذي يشفي المرضى ويحيي الموتى، ومنه خرج يسوع المسيح !!: "كل الأشرار حالما شاهدوا مرياي اعتراهم جميعا الغضب فتقلدوا السلاح و واجهوا مرياي و قالوا لها حلفناك يا مرياي بالقول و الثبات و الحق ثم حلفناك يا مرياي بالرجل الذي فطنتك كانت معه، الرجل الذي شاهدته عيناك ماذا يشبه، و كيف عمل ذلك؟ اقول لهم لتنقشعوا و اغربوا من قدامي أيها الزوار الأشرار فلن تنظروا إلى الحي و لن تشاهدوا ما شاهدت عيناي و لن تسمعوا ما سمعت اذناي فالرجل الذي شاهدته عيني لا يوجد مثله في العالم فهو يرفع مقلة عينه من ضفة إلى الضفة التي في طريقها للعالم موطئ قدم، الأرض المعمورة مبهورة بها لقد سمعه الموتى فحييوا و سمعه المرضى فتعافوا و سمعه المجذومون فشفوا و وقفوا و تعافوا بالعافية التي حلها فوقهم مندادهيي و الحي المزكي "
بل حتى الصليب يصيغون له عقيدة خاصة ويسمونه درفش (دربشا) يحيى او الضوء والنور،
(دربشا) راية الصابئة المندائيين ورمزهم الديني
ومما يدل تاريخيا على ان تطور المعتقد مستمر لا يتوقف، نضرب المثل بالصيام، فهو عندهم اليوم محرم، اي لا يجوز الامتناع عن الطعام والشراب!! ، بينما نجد ابن النديم في القرن العاشر يصف الصوم عند المندائيين تأثرا بالاسلام بانه ثلاثين يوما، واليوم في العصر الحديث وبعد ترجمة الكتاب يُقررون انه محرم، وينكرونه ولا يؤمنون به!، وصار روحيا ويسمونه " الصوم الكبير /صوما ربا"، والذي يُحرم فيه ان تصوم !!، فلا يجوز ان تمتنع عن الطعام والشراب !!ّ، ومع ذلك فعندهم الصيام الصغير بالامتناع عن اكل ذي روح من اللحوم ويضيفون معها الاسماك !!
ولما يكتفوا بنقل اساطير بابل والتوراة في قصة الخلق بل ان طراسة المندي منقول كما هو عن تكريس المعبد عند الاكاديين وذلك بعد النحاسة او الزلزال او الاعتداء، تقول البروفيسور اثيل دراور في كتابها "الصابئة المندائيون" ما يلي: "لقد اندهشت حقا و انا اقرأ الطقوس الاكدية "ثوررو دانجن" ( Thureau Dangin) التشابه بين طراسة المندي و طقوس الاكديين في تكريس المعبد بعد النحاسة او الزلزال او الاعتداء. لقد ترجم المؤلف عدة الواح مكتوبة توضح هذه المراسيم و فيها تظهر عدة مظاهر للطقوس المندائية و بخاصة في ذبح حيوان على فراش من قصب ، و في التلاوة عليه قبل تضحيته يرش الماء النقي و في الخوانات الثلاثة للطعام و اشعال النار، و في المناحة - قريبة من المسخثة - و في جلب الحبوب و الزيت و الطجين و الفاكهه و الاطعمة الاخرى، و في الماء فوق الخوانات..."
متى كُتب نص كنزا ربا؟
ليس عند المندائيين كتاب مقدس واحد، وانما مجموعة كتب اهمها هو كنزا (جينزا) ربا ويزعمون ان مؤلفه هو النبي آدم، وجينزا هي مجموعة من الكتابات الأسطورية، والنشيدية مقسمة إلى جينزا الأيمن (العالم المادي) وجينزا الايسر (العالم الآخر). يحتوي الايمن: على نثر يهتم بشكل أساسي بعالم البشر ، ويحتوي جينزا الايسر على شعر يهتم بشكل أساسي بمصير الأرواح. ويليه في الاهمية كتاب منسوب الى النبي يحيى وهو دراشة اديهيا، وباقي الكتب: الفلستا ويخص عقد الزواج، وكتاب النياني عبارة عن اناشيد دينية، وكتاب ادنشماثا ويتعلق بقوانين الدفن والجنائز، وكتاب تنجيم يختص بالنجوم والافلاك والتنبؤ بالمستقبل، وحجاب سحري يجعلونه كتابا يقولون من يحمله لا يؤثر فيه سيف او نار!!
وفي الكتاب ما يدل على انها اضافات وُضعت في عصور متفاوتة قبل الاسلام وبعده، ويُعتقد ان معظم الكتاب قد كُتِب بعد الاسلام لا قبله كما يزعمون -بأن كاتبه هو ادم - ولا يمكن تأريخ أقدم ما فيه من معتقدات لما قبل القرن الثاني الميلادي، مما يُسقط نسبته إلى آدم عليه السلام، بل وعلامات الوضع الداخلية في النص نفسه كافية في نفي هذه النسبة. وما يُقال عن كنزا ربا، يُقال كذلك عن الكتاب المنسوب الى يحيى النبي وباقي الكتب.
بالنسبة للمندائيين، لا يبدو أن الأدب المندائي (نصوص الكتب) يمثل لهم نظامًا واحدًا موحدًا من المعتقدات والطقوس، فبرغم قلة حجمه، فإن نص الأدب المندائي مرتبك ومتناقض مع نفسه ، ويتكون من أجزاء كثيرة تنتمي إلى فترات تاريخية مختلفة وتحتوي على عناصر تاريخية قديمة وعناصر تاريخية أخرى حديثة. حتى في الكتاب الواحد فإنه يمكننا العثور على العديد من الاعتقادات والأفكار الدينية التي لن تجد عناءا في ادراك، تناقضها مع بعضها البعض. ويمكننا أيضًا إيجاد مناهج مختلفة بين النصوص، والشخصيات في نفس هذه الكتب. في جزء واحد من الأدب يمكن ذكر شخصية أو مفهوم بشكل إيجابي ، ولكن في جزء آخر يعتبر نفس هذه الشخصية ممثلا للشر وقوة الظلام. لذلك ، غالبًا ما يكون من الصعب جدًا الحصول على صورة واضحة من هذه الأدبيات للأفكار والشخصيات الدينية.
ونعطي بعض الأمثلة على هذه المشكلة:
1 - في الأدب المندائي ، نجد أن اليهود والأفكار والشخصيات المرتبطة باليهودية مكروهة بشكل عام وتُعامل بعداء. فاليهود "أمة شريرة" وهم "قوى الظلام" ((جينزا ربا يمين، ص. 251). كما يُعتقد أنهم مصدر كل مشقة وخطيئة وتشويش وتجديف وخلاف (جينزا ربا يمين، ص.25). ويبدو أن السبب الرئيسي لكراهية المندائيين لليهودية هو الاعتقاد بأن اليهود اضطهدوا أسلافهم في القدس وقتلوا بعضهم وأجبروا البقية على الفرار من فلسطين. كما يعتبر الإله (أدوناي) وموسى شريرين، فمثلا يُنظر إلى أدوناي على أنه إله زائف أو شرير أو رجل دين ويتم ربطه بالشمس ، وبالتالي يوصف اليهود بأنهم عبدة الشمس ((جينزا ربا يمين، ص. 25، 43)). ويوصف موسى بأنه نبي كاذب وحاكم شرير اضطهد أسلاف المندائيين في القدس (جينزا ربا يمين، ص. 43، 46). لكن على النقيض تماما، نرى أحيانًا أخرى تصريحات إيجابية حول الشخصيات والمفاهيم اليهودية. عن أدوناي !! فنقرأ من ديوان حران كويثا : "واحبو - اي المندائيين- الرب ادوناي الى ان حدث ان في بيت اسرائيل خُلق شيء ما ولم يوضع في رحم مرياي بنت اسرائيل"، فانظر الى هذا التناقض مرة هو اله الشر ومرة هو اله محبوب يحبه المندائيون!
2- ثم ان اخر انبيائهم هو يحي، وقد مات قبل ان يدعو المسيح اليهود ويؤسس معتقده بل وقبل صلبه، لكننا نقرأ من ديوان حران كويثا : " و حينها ادعوا أن أحدا لا يستطيع أن يضع حملا في رحم مرياي (مريم) بنت موسى - وفي مخطوطة اخرى ينت اسرائيل . لم يتحقق لهم ذلك بل استطاعت مريم أن تخفي عيسى (اشو) عن أنظار العالم في رحمها تسعة أشهر، و بعد انقضاء التسعة جاءها المخاض فولدت المسيح الذي بعد حين خرج و نادى لنفسه أمة و تكلم عن الموت و أخذ أسرار الوجبات الطقسية و استطاع أن يصوم عن الطعام و جمع أمة لنفسه و سمي (اشو مشيها) عيسى المسبح. و استطاع أن يغير كل شئ و يجعله مشابها لذاته لقد غير الكلمات و غير كل ماهو علوي و استطاع أن يغير و يعمل لنفسه أمة و سمي بالمتعمد (كرسطيانا) و من الناصرة مدينة اليهود التي سميت بمدينة المسبح ... " ديوان حران گويثا، ولادة المسيح، ص 2!، وهل كان يحيى هو ادم السماوي الذي صعد الى السماء؟، ثم هل يكون يسوع ابن المسيح بذلك هو اخو الحي هيبل زيوا؟!، وكيف يتسق هذا مع نقمتهم من دعوته الالوهية اذن وهم يعبدون ويسجدون لاخيه هيبل زيوا !
3- ثم أن كتاب دراشة اد يهيا هو اهم من كتاب كنزا ربا، وهو لاعظم نبي عندهم واخر انبياءهم، وهو يحي يوحنا، لكن نجد ان هذا يكتبه يحيى عن نفسه: " الطيور و الأسماك تسجد إلى يهيا يهانا " فهل صار الها هو اخر وهل يعلمهم بالسجود للبشر؟!، بل لنكمل قراءة النص كاملا ونرى: هل يمكن ان يكون هذا القول منسوبا ليحيى؟ : " في هدوء الليالي يعظ يحيى و يقول: من قوة أحاديثي و تراتيلي توقف الماء في الجداول و القنوات. من فيض أحاديثي و تراتيلي سجدت طيور السماء و الأسماك و قالت : طوبى لك يا يحيى، و طوبى للخالق الذي سجدت له. ابتعدت نقيا ممتلئا بمعرفة الدنيا. يا يحيى، لم تستطع النساء أن يسقطنك في كيدهن، و لم يغضبنك بكلامهن، و ما استطاعت عطورهن و رياحينهن أن تنسيك ربك. يا يحي انك لم تعاقر الخمرة، و لم ترتكب فاحشة، و لم تجترح الضلالة في أورشليم. سموت، و جعلت عرشك طاهرا في بيت الكمال. و الحي المزكي "، فكيف كتب يحيى هذا عن نفسه؟ وكيف عرف بموته؟ ثم اي خالق هذا الذي سجد له؟ الم يخلقه الملاك (ملكا) هيبل زيوا؟
4- ومن الاخطاء التاريخية المبنية عن النقل غير المدقق ممن حولهم، فقد اعتقدوا ان من بنى الهيكل هو موسى وليس سليمان !!، بل جعلوا موسى يصل الى اسوار اورشاليم ويبني البيت اول مرة، واورشاليم لم يكن لها وجود اصلا في زمان موسى !!، بل ولا بنى بيتا، بل كان الامر لداود وسليمان، فيقول الكاتب " خططت الروها(روح الظلام) و ادوناي لإعلاء شان البيت المتداعي فاسهبوا بالحديث عن النبي موسى و عن الروها و عن نبي إسرائيل و إعلاء شأنهم و قرروا بنيان البيت المتداعي الذي كان قد بناه موسى قبل ردح من الزمن الغابر، و بعد ذلك بدأوا يلسنون بالاقاويل الباطلة عن مجموعة انش أثرا رئيس الدارة و اباحوا قتل اتباعه و سفك دمائهم و لم يتبقى احد من تلاميذ انش أثرا و الناصورائيين، مما تسبب في غليان اليردنا و فروعه، فصعد انش أثرا إلى السماء مع ضوء درفش اباثر، مما أثار خوف الروها و اليهود الذين كانوا يعيشون في بيت السبعة، و بعث إليهم ادوناي مجموعة من العصي، بعد أن قال و قال عنها الكثير و أراهم نهر القصب، و شق لهم المياه الموجودة في نهر القصب، و جعلها كالهوة بين الجبلين جاعلا منها ممرا فعبرت بهم الروها نهر القصب (نهر النهاية) وقادت أبناءها و صنعت لهم قطع الأجر المقدس وأقامت لهم البناء، و أقاموا هيكلا، و جعلوه يعلو كل الهياكل، و اسكنت الروها اليهود لتجعلهم يخطئون و يرتكبون الحماقات، و هي تباركهم على كل ذلك. أحاطت الروها المدينة بثلاثة أسوار لا يشبه الآخر و باعدت بينها و وضعت علامات فوقها، و حصنت أورشليم ليسكنها اليهود. و لم يكن بمقدورهم الابتعاد عن الاسوار.... " ديوان حران گويثا ، ص 6.
5- وهذا آدم كاتب الكنزا ربا، نبيهم الاول، لا يعرف من رماه الى الارض ويعترض على الهه فيقول: " أنا آدم مانا، النقيُّ الصالحُ الوَقور أنا ابنُ عالمِ النّور مَن الّذي رَماني، في هذا العالم الفاني؟ مَن وضَعَني في هذا الدِّثار، وأسكنَني مع الأشرار, بين الماءِ العَكرِ والنّار؟"، والعجيب ان آدم هذا الذي يُنسب الكتاب اليه فيما يبدوا نسي من انزله، او كونه كان سماويا متجسدا، في كلام سجعي سخيف يتعارض وحكمة الرب الاله!
6- مثال آخر هو شخصية روحا (الروح القدس) ، "الشخصية الأكثر تعقيدًا في المندائية"، فهو (او هي كأنثى) مذكور ككائن شرير ، قوة الظلام في الأدب المندائي. هي أم الكواكب السبعة الشريرة وام الابراج الشمسية الاثنتي عشرة الشريرة. فهي رمز للظلام وتجلب الكوارث و الدمار والشر للعالم. وهي التي قادت الأنبياء الأشرار: إبراهيم والذي جعل للأصل اليهودي أمة، لتدمير أتباع النور والحياة في القدس، و هي أيضا التي ولدت أور. العملاق الشرير للعالم السفلي ، وجميع الكائنات الشريرة الأخرى مثل الشياطين، و الوحوش وما إلى ذلك، لذلك فهي تمثل عالم الظلام في مواجهة عالم النور والموت، والتشوه ضد الحياة ، والشر ضد الخير (جينزا ربا يمين، ص. 80، 81، 89). ثم فجأة في تحول فصامي عجيب يظهر الروح القدس يشد من ازر الروح التي كانت تخاطب الاله باكية، لانفصالها عن ابيها وتركها على الارض فيقول لها : "ثم جاء إيواث الروح القدس لي في أوكينتي وقال لي لماذا أنت موجود هناك ، دينانوخت؟ لماذا تحبين النوم؟ أنا الحياة التي كانت من البداية ، أنا الكوستا التي كانت حتى في اول البدايات. أنا الاحمرار ، أنا الإشراق ، أنا الاحمرار ، أنا الضوء. أنا الموت ، أنا الحياة ، أنا الظلام ، أنا النور"
7- بل لا يكتفون بالتنقيص من ابراهيم وموسى وعيسى، بل ومحمد كذلك صلى الله عليهم وسلم، فيقول كتابهم: "حين يأتي أحمد بن الشيطان بزباط ويصرخ وهو ليس صراخ حقيقي، فإنه يجلب الشر في الدنيا ويأخذ كل النفوس إلى الضلال"
8- ومن العجيب في فلسفتهم للصيام الاكبر انها منقولة كلها عن صون الشهوات والبعد عن المحرمات عند المسلمين، ويبدو ان الناقل لم يفطن الى تنقيح ما ينقل، فاعتقد انه يتحدث للمسلمين فيقول: "لأن الذي في قلبه بغض لا يعد مُسلما"، وهذا النص كاملا: " أمرناكم وعلمناكم كلكم أيها المؤمنون المختارون: صوموا الصوم الكبير، لا عن مأكل ومشرب هذه الدنيا. صوموا بأعينكم عن الغمز والرمز ولا تنظروا بسوء أو تعملوه. صوموا بآذانكم عن التنصت لأبواب غيركم. صوموا بأفواهكم عن قول الكذب والزيف والتأويل ولا تحبوا الأباطيل. صوموا بضمائركم عن ظنون السوء والبغض والفرقة، ولا تدعوها تحل أفئدتكم، لأن الذي في قلبه بغض لا يعد مُسلما ً. صوموا بأيديكم عن ارتكاب القتل وعن السرقة. صوموا باجسادكم عن معاشرة أزواج الآخرين. صوموا بركبكم عن السجود للشيطان وأصنام الزيف. صوموا بأرجلكم عن السعي في السوء."
9- لكنه بعد قليل يقول: " أمرناكم ألا تؤمنوا به (نبي الزيف) وسبحوا لملك النور السامي رب العوالم كلها ذلك أنه - نبي الزيف- فرض على أتباعه أن يصموا أفواههم ويتركوا الأكل والشرب ولا يكتسوا بالأردية البيضاء"، ولا يُعرفنا آدم كاتب هذا الكتاب .. من هذا النبي الذي جاء قبله؟، وحض اهله على عبادة الله والصوم، أنسي أنه اول نبي على الارض؟!
سبحان الله، أفلا يتدبرون القرآن؟
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
أما ماهي اقدم مخطوطات كتبهم؟!
أين هو الادب المندائي؟، من المفترض ان المندائيين تحدثوا نوعا من الارامية الشرقية (السريانية)، والمخطوطات السريانية تملا الدنيا شرقا وغربا فيما يخص اليهود والنصارى بل والطوائف التي انقرضت، فاين المندائية من كل هذا ان كان لهم كتاب وان كانوا الاقدم على الاطلاق كما كزعموا؟، هل تواطأت الارض والسماء عليهم؟
في حين أن أقدم المخطوطات السريانية الكلاسيكية تعود إلى القرن الخامس الميلادي ، بل وتحكي وتحفظ الكثير من مراحل الادب البابلي واليهودي والآرامي، وغيرها ممن لا وجود لهم اليوم، فإننا لا نجد اي شيء يتعلق بالمندائيين ما قبل القرن السادس عشر. الميلادي!!
لكن يُقرر مترجوا الكتاب المندائي للعربي هذه الجملة: " جاء كتابنا محفوظا سليما عن طريق النسخ الدقيق، والمقارنة بين المخطوطات منذ عهد نبينا يحيى بن زكريا عليه وعلى جميع الأنبياء السلام"
هل نحتاج فعلا ان نبحث عن دقة هذه العبارة؟ وهل يوجد مخطوطات لهذا الكتاب وحتى عهد يحيى عليه السلام؟
دون عناء البحثـ وكحقيقة مُسلّمة، فإن مصدر هذه الترجمة هو الترجمة الالمانية التي قام بها مارك ليدزبارسكي. بل والحقيقة انه لاجل إعداد قاموس جديد للمندائيين ، فقد قام علماء اللغات السامية (السريانية) بإجراء مسح تفصيلي لجميع مصادر المخطوطات المندائية المعروفة ، من الالف الى الياء وتم الحصول على صور للعديد من المخطوطات غير المعروفة سابقًا ودراستها، كمحاولة لجمع أكبر قدر من الادب المندائي. لكن العجيب أن أقدم مخطوطة على الاطلاق لهذه الديانة في المتحف الفرنسي ليست الكتاب المقدس المزعوم بل هي مخطوطة صلوات تعود للقرن السادس عشر الميلادي ومحفوظة في مكتبة بودليان، تحت اسم Marsh. 691، وهي عبارة عن تجميعات لصلوات كتبها كاتب اسمه ادم زهرون ومدون تاريخ كتابته لها سنة: 1529 م.
أما الكتاب المنسوب للنبي الاول ادم " جينزا رابا" فإن اقدم مخطوطة لهذا الكتاب تعود للقرن السادس عشر كذلك ومحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس تحت اسم " CS 1" ومدون عليها تاريخ كتابتها " 968 هجرية" ( 1560 م) ، ثم مخطوطة CS 2 وتعود للقرن السابع عشر الميلادي، ومدونة في عام 1042 هـ . ثم لا نجد الا مخطوطات تعود للقرن التاسع عشر وهي محفوظة في بريطانيا، وكلها تدعي انها منسوخة عن ادم زهرون السالف الذكر (القرن السادس عشر الميلادي) !!
وأما عن نص المخطوطات التي تعود كلها بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، فقد ظهر للعلماء اختلافات ضخمة بين النصوص، من تنقيح وتغيير واضافات وحذف، وكل هذا في مخطوطات ذات مصدر واحد يعود للقرن السادس عشر.!
ويمكن مراجعة تفاصيل المخطوطات من اطروحة جامعة تل ابيب التالية:
New Manuscript Sources for the Study of Mandaic, Matthew Morgenstern Tel Aviv University
وبالتالي فيتبين ان هذه الجملة عارية من الصحة، اقدم مخطوطات هذا الكتاب تاريخها منذ ثلاثة قرون فقط، أي بينها وبين يحيى عليها السلام 1700 عام على اقل نقدير !
واما محاولة ترجمتها للعربية واسلمة النص بالكلمات او الجمل العربية الاسلامية والقرانية، فقد تمت لاول مرة منذ عشرين عاما فقط !!، في عام 2000 م، بصياغة عبدالرزاق عبدالواحد الادبية وهو شاعر عربي مندائي:
القصة الحقيقية لتأليف هذا الكتاب؟
المتداول بين المؤرخين والباحثين، أنه كُتِب أثناء الفتح الاسلامي، في القرن السابع الهجري، حيث اراد المندائيون ان لا يُجبروا على التحول للاسلام، فألفوا هذا الكتاب حتى يُطلق عليهم " اهل كتاب"، فأعلن المندائيون أن جينزا هو كتابهم المقدس وأن يوحنا المعمدان هو نبيهم! ومع مرور الايام والقرون، ظل يُضاف الى هذا الكتاب ما يأتي في طريقهم من خرافات الشرق والغرب ونتف من هذا الدين وذاك، مع طعن في كل الانبياء، واصرار على تقديس وعبادة الملائكة، ويظل التوحيد شعارا يلوحون بها في وقت الشدائد حين يحتكون بالمسلمين.
In the seventh century of the common era, during the Islamic conquest, the Mandaeans assembled the Ginza in order to gain ماركstatus as a "people of the book," allowed to resist conversion to Islam.
ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين
وللحديث بقية،
وللحديث بقية،
1) اللیدى د راور، الصابئة المندائیون،الكتاب الآول، ترجمة :نعیم بدوى و غضبان الرومى، مطبعة الدیوانى،الطبعة الثانیة، (بغداد: ١٩٨٧ ) ص ٩.، خزعل الماجدى :المعتقدات الأرامیة،دار الشروق،(عمان : ٢٠٠٠ )ص ١٤٨
٢) رؤوف سبهاني،الصابئة المندائیة في ايران،دار المحجة البیضاء (دون مكان النشر والتاریخ) ) . ص ١٢
٣) عبدالرزاق محمد اسود، المدخل الى دراسة الأدیان والمذاهب ،الدار العربیة ) للموسوعات،الطبعة الثانیة،(بیروت: ١٩٨١ ) ج ١،ص ١١٥ .،محمد عبدالحمید الحمد، صابئة . حران وأخوان الصفا، الاهالي للطباعة والنشر والتوزیع (دمشق: ١٩٩٨ ) ص ٢٥
٤) أبن منظور،لسان العرب،تحقیق:عبدالله على الكبیر واخرین،دار المعارف ) . (القاهرة،د.ت)ج ٤ ص ٢٣٨٥
٥) الشهرستاني،الملل والنحل، قدم له وعلق حواشیه: د. صلاح الدین الهوارى،دار ومكتبة الهلال . (بیروت : ١٩٩٨ )، ج ٢،ص ١٣
تعليق