بسم الله الرحمن الرحيم
لم نجد في عالم المذاهب والاديان والعقائد عقيدة تعاني من الابهام والغموض كما تعاني عقيدة التثليث لدى المسيحيين.
ان كلمات المسيحيين في كتبهم الكلامية تحكي عن ان الاعتقاد بالتليث من المسائل الاساسية التي تبنى عليها عقيدتهم ولا مجال لاي مسيحي الا الاعتقاد بهذه العقيدة الباطلة.
وفي الوقت ذاته يقولون بانها من المسائل التعبدية التي لا تدخل في نطاق التحليل العقلي لان التصورات البشرية لا تستطيع ان تدرك فهمها كما ان المقاييس التي تنبع من العالم المادي تمنع من ادراك حقيقة التثليث لان حقيقته حسب زعمهم وكما يقولون فوق المقاييس المادية وفوق الاعتبارات العقلية.
هذا ومع تركيزهم على التليث في جميع ادوارهم وعصورهم يعتبرون انفسهم موحدين غير مشركين, وان الاله في عين كونه واحدا في ثلاثة وهو ايضا ثلاثة في واحد. وقد عجزوا عن تفسير الجمع بين هذين النقيضين الذي تشهد بداهة العقل السليم ببطلانه. ولم ينتج جهدهم عن تفسير هذه القضية المتناقضة مع نفسها الا بما يلي من قولهم:
ان تجارب البشر مقصورة على المحدود فاذا قال الله تعالى بان طبيعته غير محدودة تتألف من ثلاثة اشخاص لزم قبول ذلك اذ لا مجال للمناقشة في ذلك وان لم يكن هناك اي مقياس لمعرفة ذلك. بل يكفي نزول الوحي به والاخبار عن الله به, وان هؤلاء الثلاثة يشكلون صورة جماعية تمثل الطبيعة الالهية الغير محدودة, وكل واحد من هؤلاء في عين تشخصه وتميزه عن الاخرين ليس بمنفصل ولا متميز عنهم رغم انه ليس بينهم اي نوع من انواع الشراكة في الالوهية بل كل واحد منهم اله مستقل بذاته ومالك بانفراده لكامل الالوهية. فالاب مالك بانفراده لتمام الالوهية من دون نقصان والابن ايضا مالك لكمال الالوهية من غير نقصان وكذلك روح القدس.
هذه العبارات وما شابهها توحي بانهم يعتبرون مسألة التثليث فوق الاستدلال والبرهنة العقلية وانها بالتالي منطقة محظورة على العقل الخوض بها والدخول اليها. فلا يصل العقل اليها بجناح الاستدلال بل المستند في ذلك هو الوحي والاخبار.
ويلاحظ على هذه العقيدة امور:
الامر الاول: وجود التناقض الواضح في هذا التوجيه الذي تلوكه اشداق البطاركة والقسيسين. اذ من جانب يعرفون كل واحد من الالهة الثلاثة بانه متشخص ومتميز عن البقية وفي الوقت نفسه يعتبرون الجميع الها واحدا حقيقة لا مجاز. فهل يمكن الاعتقاد بشئ يضاد بداهة العقل؟ فان التميز والتشخص اية التعدد والوحدة الحقيقية دليل رفعهما فكيف يجتمعان؟
وبكلمة مختصرة : ان البابا وانصاره واتباعه لا طريق لهم الا سلوك احد الطريقين : اما طريق التوحيد وقول كلمة لا اله الا الله وحينها يجب طرح عقيدة التثليث ورفضها واما السلوك في طريق الشرك واتباع عقيدة التثليث. اذ لا يمكن الجمع بين الطريقين.
الامر الثاني: ان عالم ما وراء الطبيعة وان كان لا يقاس بالامور المادية المألوفة لكن ليس هذا معناه ان ذلك العالم عالم فوضوي وغير خاضع للمعايير العقلية البحتة وذلك لان هناك سلسلة من القضايا العقلية التي لا تقبل النقاش والجدل وعالم المادة وما وراءه بالنسبة اليها سيان ومسألة امتناع اجتماع النقيضين وامتناع ارتفاعهما معا واستحالة الدور والتسلسل وحاجة الممكن الى العلة من تلك القواعد السارية والسائدة على عالمي المادة والمعنى.
فاذا ما بطلت عقيدة التثليث بحكم العقل فلا يجوز الاعتقاد بها.
واما الاستدلال بها عن طريق الاناجيل الرائجة فمردود اذ هي ليست كتب سماوية يمكن الاعتماد عليها. بل تدل طريقة كتابتها على انها الفت بعد رفع السيد المسيح او بعد صلبه كما يزعمون. والشاهد على ذلك انه وردت فيه كيفية صلبه ودفنه ثم عروجه الى السماء.
اضافة الى ذلك وجود التناقضات الكثيرة في الانجيل التي لا تقبل الحل وتدل بوضوح على انه من كتابة البشر من بني ادم وقد اوضحنا ذلك في موضوع مستقل بعنوان تناقضات الكتاب المقدس
الامر الثالث: انهم يعرفون الثالوث المقدس بانه الطبيعة الالهية التي تتالف من اقانيم متساوية الجوهر اي الاب والابن وروح القدس وهو المعروف بالمطهر. وهذه الاقانيم الثلاثة مع ذلك ذات رتبة واحدة وعمل واحد.
وهنا يأتي السؤال: ما هو مقصودكم من الالهة الثلاثة؟ فان لها صورتين لا تناسب اي واحدة منهما سبحانه وتعالى
الصورة الاولى: ان يكون لكل واحد من هذه الالهة الثلاثة وجود مستقل عن الاخر بحيث يظهر كل واحد منها في تشخص ووجود خاص ويكون لكل واحد من هذه الاقانيم اصل مستقل وشخصية خاصة متميزة عما سواها.
وهذا شبيه بالشرك الجاهلي الذي كان شائعا عصر الجاهلية وقد تجلى في المسيحية بصورة التثليث. ولقد فندته ادلة التوحيد واثبتت بطلانه.
الصورة الثانية: ان تكون الاقانيم الثلاثة موجودة بوجود واحد مركب فحينها يكون الاله مركب من هذه الامور الثلاثة.
وهذا هو القول بالتركيب وهو باطل لكونه سبحانه بسيط غير مركب لكون الكرب يحتاج في تحققه الى اجزائه والمحتاج ممكن غير واجب وقد اثبتنا انه سبحانه واجب الوجود في ذاته في سلسلة بحوث عقائدية الموضوع الاخير.
كيف جاءت خرافة التثليث للمسيحية
ان التاريخ البشري يرينا انه طالما عمد لعض اتباع الانبياء -بعد وفاتهم او غيابهم- الى الشرك والوثنية تحت تأثير المضلين والمنحرفين. ولذلك كانوا ينحرفون عن جادة التوحيد الذي كان الهدف الاساسي والغاية القصوى لارسال الرسل وبعثة الانبياء. ان افضل نموذج واقرب مثال لذلك هو عبادة بني اسرائيل للعجل اثناء غياب النبي موسى عليه السلام.
ومن ذلك ايضا تسرب عقيدة التثليث الى المسيحية بعد ذهاب النبي عيسى عليه السلام.
ففي تقدم الزمن ترسخت عقيدة التثليث وتعمقت في قلوب المسيحين واعقولهم بحيث حتى لوثر وهو اكبر مصلح مسيحي الذي هذب العقائد المسيحية من الكثير من الاساطير والخرافات واسس المذهب البروتستانتي , لم يستطع ان يبعد مذهبه عن هذه الخرافة.
ان القران الكريم يصرح بان التثليث دخل النصرانية بعد رفع السيد المسيح من الاديان والمذاهب الضالة السابقة عليها, فقد قال الله تعالى
وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يؤفكون
لقد اثبتت الدراسات التاريخية ان التثليث كان في الديانة البرهمانية قبل ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام بمئات السنين. فقد تجلى الرب الازلي الابدي لديهم في ثلاثة مظاهر والهة:
1- براهما وهو الخالق
2- فيشنو وهو الواقي
3- سيفا وهو الهادم
وقد تسربت من هذه الديانة البرهمانية الى الديانة الهندوسية. ويضوح الهندوس هذه الامور الثلاثة بقولهم:
ان براهما هو المبتدئ بايجاد الخلق وهو دائما الخالق اللاهوتي وهو الاب. وان فيشنو هو الواقي ويسمى عندهم بالابن الذي جاء من قبل ابيه كما ان سيفا هو الهادم والمفني العيد للكون الى سيرته الاولى.
ولذلك قال الفيلسوف الفرنسي غستاف لوبون في قصة الحضارة: لقد واصلت المسيحية تطورها في القرون الخمسة الاولى من حياتها مع اخذ ما تيسر من المفاهيم الفلسفية والدينية واليونانية والشرقية وهكذا اصبحت خليطا من المعتقدات المصرية والايرانية التي انتشرت في المناطق الاوربية حوالي القرن الاول الميلادي فاعتنق الناس تثليثا جديدا مكونا من الاب والاين وروح القدس مكان التثليث القديم المكون من نروبي تر و وزنون و نرو.
القران والتثليث
ان القران الكريم يذكر التثليث ويبطله باوضح البراهين واقوى الادلة. يقول تعالى
ما السيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا يأكلان الطعام
وهذه الاية الكريمة تبطل الوهية السيد المسيح وامه التي كانت معرضا لهذه الفكرة الباطلة. ويحتج بان النبي المسيح شأنه شأن سائر الانبياء والرسل وشأن امه شان باقي الناس فهما يأكلان الطعام. فليس بين السيد المسيح وامه وبين غيرهما من الانبياء والرسل وسائر الناس اي فرق او تفاوت فالكل يأكلون اثناء الجوع ويحتاجون الى الطعام والحاجة والاكل دليل المخلوقية لا الخالقية وهو ينافي الالوهية.
ليس هذا هو البرهان الوحيد في القران الكريم على نفي الالهية عن السيد المسيح فق قال الله تعالى في مكان اخر:
لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا ان اراد ان يهلك المسيح ابن مريم وامه ومن في الارض جميعا
وهذا الاية ردت الوهية المسيح وابطلت من طريق قدرة الله سبحانه على اهلاك اليسد المسيح وامه ومن في الارض ومعلوم ان القابل للهلاك لا يكون الها واجبا.
وقال تعالى
لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد
هذا اهم ما اردنا ذكره في هذا المجال ولله الحمد اولا واخرا
تعليق