- 12- أخوة سيدنا يوسف طلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم ولكن كان هذا بعد ندمهم وتوبتهم ، كما أنهم لم يطلبوا من مجرد أي رجل صالح بل من والدهم الذي أخطأوا في حقه فكان المجنى عليه :-
ندم إخوة سيدنا يوسف على ما فعلوه بأخيهم وأقروا بخطئهم نحو أخيهم الذي سامحهم ، ثم طلبوا من والدهم أن يدعو لهم الله عز وجل بالمغفرة ووعدهم والدهم بأنه سيستغفر لهم الله عز وجل على أمل قبول المغفرة لأن الله عز وجل هو الغفور الرحيم
وقد يقول أحدهم أن هذا دليلا على جواز التوجه للصالحين لطلب الاستغفار من الله عز وجل ولكن هؤلاء تناسوا أشياء كثيرة في الآيات وهي :-
- أن الله عز وجل لم يأمرهم بأن يطلبوا من أبيهم هذا الطلب حتى يغفر لهم و لكن هم من فعلوا ذلك من أنفسهم
- كما أنهم لم يطلبوا ذلك من أي رجل صالح و لكنهم طلبوا من المجنى عليه الذي أخطأوا في حقه وحرموه من ابنه ، و هو في نفس الوقت والدهم ، بمعنى عندما يخطئ إنسان في حق والده ويظلمه ثم يندم على جرمه العظيم والذى لا يستطيع اصلاحه ، فانه سيطلب من والده أن يسامحه و سيطلب منه أن يستغفر له الله عز وجل ، فإن كان المجنى عليه قد سامح في حقه فهذا قد يعطى الأمل في غفران الله عز وجل هذا الذنب ، يعني هذه الحالة كانت حالة خاصة ولا تجيز للناس أن يذهبوا لأي شخص صالح بقصد أن يدعو لهم و كأن دعوته هي فقط التي سيستجيب لها الله عز وجل
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)
- ومن تفسير زهرة التفاسير لــ (محمد أبو زهرة) نقرأ :-
انتهى
قال الله تعالى :- (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)) (سورة يوسف)
قال الله تعالى :- (قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ(91) قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ (94) قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (96) قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)) (سورة يوسف)
ووعد أبناء سيدنا يعقوب أباهم بأنهم لن يموتوا إلا وهم مسلمون
قال الله تعالى :- (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)) (سورة البقرة)
يعني تمسكهم بالدين الصحيح والتسليم لله عز وجل ، هو السبيل الحقيقي للمغفرة و لذلك وصى سيدنا يعقوب أبنائه به
وقد يقول أحدهم أن ما طلب أخوة سيدنا يوسف من أبيهم هو نفسه طلب أبيمالك مع سيدنا إبراهيم في القصة بسفر التكوين ، ولكن المعذرة فهناك فروق كبيرة :-
- أخوة سيدنا يوسف كانوا مسلمين ، فقد فهموا أن تمسكهم بدينهم وتسليمهم لأمر الله عز وجل هو السبيل الحقيقي لغفران الخطايا ، بينما أبيمالك كان كافر وظل كافر ، ولا يوجد نص أنه غير عبادته ، فكانت قصته تعنى أنه غير مهم الرجوع إلى الدين الحقيقي ولكن المهم رضا سيدنا إبراهيم بالمال
- أخوة سيدنا يوسف توجهوا إلى الله عز وجل بالتوبة و الندم قبل أن يطلبوا من والدهم أن يستغفر لهم وكان هذا واضحا عندما قالوا (قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ )، بينما في قصة أبيمالك لا نراه يتوب إلى الله عز وجل ويستغفره و انما كل همه رضا سيدنا إبراهيم فقط شريكه في الجريمة (طبقا للقصة)
- اخوة سيدنا يوسف طلبوا من أبيهم المجنى عليه أن يستغفر لهم الله عز وجل بينما أبيمالك طلب من سيدنا إبراهيم والذى لم يكن مجنى عليه أن يصلى له ، و نعم سيدنا إبراهيم ليس مجنى عليه في القصة بل أن القصة تجعله شريك في الجريمة والسبب الرئيسي في وقوع أبيمالك في الخطأ لأنه أخفى عن أبيمالك والناس حقيقة أن سارة امرأة متزوجة ، كما أن أبيمالك لم يفعل شئ لسارة و تراجع يعني لم يقع ضرر حقيقي على سيدنا إبراهيم في القصة
فنقرأ من سفر التكوين :-
20 :2 و قال ابراهيم عن سارة امراته هي اختي فارسل ابيمالك ملك جرار و اخذ سارة
ثم نقرأ :-
20 :9 ثم دعا ابيمالك ابراهيم و قال له ماذا فعلت بنا و بماذا اخطات اليك حتى جلبت علي و على مملكتي خطية عظيمة اعمالا لا تعمل عملت بي
بالإضافة إلى أن أبيمالك صحح خطأه على الفور وقام برد زوجته قبل أن يمسسها لذلك لم يكن أبيمالك جانيا في حق سيدنا إبراهيم في التوقيت الذي طلب منه أن يصلى له ، بل هو جانيا في حق رب العالمين الذي لا يعبده
لذلك كان أولى له أن يتوجه لرب العالمين
- خطأ إخوة سيدنا يوسف في حق والدهم وأخيهم كان متعمد و استمر سنوات ولم يقوموا بتصحيحه و انما تدخل الله عز وجل هو ما غير مجريات الأحداث ،فظل سيدنا يعقوب مجنى عليه بعد أن فرقوه عن ابنه سنوات طويلة ، لذلك طلبوا من المجنى عليه أن يستغفر لهم الله عز وجل ، هذا المجنى عليه الذي كان يتعذب أمامهم لسنوات ومع ذلك لم يرق قلبهم له و يبحثوا عن أخيهم ويردوه اليه
قال الله تعالى :- (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُواْ تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (86) (سورة يوسف)
بينما في قصة أبيمالك فإن خطأه غير مقصود وقام بتصحيحه على الفور يعني جريمته بأخذ سارة غير مكتملة ولا تقارن بجريمة أخوة سيدنا يوسف في حق والدهم ، لذلك كان يكفي أبيمالك رد زوجته إليه ، بالإضافة إلى أن يستغفر الله عز وجل بنفسه على ما فعله وعلى كفره (والأخير لم يقم به ولكن استبدله برضا سيدنا إبراهيم والذى لم يكن مجنى عليه بل شريكه)
تعليق