التأليف الموسوي للأسفار الخمسة
التأليف الموسوي : هو التقليد القائل بأن الله قد أملى التوراة على موسى، أي أن موسى هو كاتب التوراة، والمقصود بالتوراة أي الكتب ( الأسفار) الخمسة الأولى من الكتاب العبري (العهد القديم عند المسيحيين)، وهي سفر التكوين Genesis، سفر الخروج Exodus، سفر اللاويين Leviticus، سفر العدد Numbers، وسفر التثنية Deuteronomy.
هذه الفكرة اليومَ مرفوضة في الأوساط الأكاديمية، وهي الآن موضع تساؤل متزايد بين علماء العهد القديم المحافظين، بعد أن ظلت لقرون اعتقادًا راسخًا لا يتزعزع بين اليهود والمسيحيين، رغم أن الأسفار الخمسة لا تذكر اسم المؤلف (كما هو الحال في العديد من كتب العهد القديم)، فلا يوجد في سفر التكوين اشارة المؤلف لنفسه انه الكاتب "أنا" كما هو الحال في سفري عزرا أو نحميا، وليس فيها: "نحن" كما في أعمال الرسل من العهد الجديد.
نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى عند اليهود:
يبدو أن نسبة الاسفار الخمسة إلى موسى، والمعروف اكاديميا بالتأليف الموسوي هو فقرة سفر الخروج 24/ 4 " فكتب موسى جميع اقوال الرب"، ومثلها في سفر التثنية 1/ 1: " هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع اسرائيل في عبر الاردن"، وإن كانت هذه الشهادات الداخلية في ذاتها لا تشير الى التأليف او تُعيِّن الكلام الذي تُشير اليه، فهي شهادة في ذاتها تحتاج إلى برهان. أما الأجزاء التي قد نُصَّ فيها صراحةً على أن موسى هو كاتبها ولا يُعلم على الحقيقة محتواها، فهي:
أما عن التقريرات التي يسجلها التاريخ للكُتّاب اليهود بنسبة هذه الأسفار إلى موسى، فإنها على النحو التالي:
مناقشة الاقرار التلمودي: تيدو الصياغة التلمودية وكأنها وُضعت لحل الإشكال حول مؤلفي الأسفار، مما يُثير الشكوك حول مصداقيتها، ويدل كذلك على ان مثل تلك التساؤلات عن مؤلفي الاسفار الخمسة كانت مُثارة في هذه الفترة، على الاقل في الفقرات الخاصة بموت موسى والتي تُثير التساؤلات والشكوك حول ان يكون موسى كاتبها او كاتب هذا السفر، وحل الإشكال في الرواية التلمودية هو بنسبة هذه الفقرات الى يشوع. أما نسبة الفقرات الخاصة ببلعام إلى موسى فهو حل لاشكال أن لا يكون بلعام نبيًا ويوحى إليه! مما يعني نبوته، فيكون نسبتها إلى موسى، نفيُ للنبوة عن بلعام وخروج من هذا الإشكال. كذلك الأمر بالنسبة إلى أيوب والذي كان قبل اليهودية وعاش قبل ان يوجد موسى، ولا يعرف شيئا عن التوراة، فحلت الرواية التلمودية هذا الأمر بنسبة السفر الى موسى!
نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى عند المسيحيين:
تسلّم المسيحيون العهدَ القديم من اليهود، وأخذوا عنهم في الوقت عينه نظريتهم عن الأداة التي كتبت بها أسفارهم، وظلت هذه النظرية قائمة أجيالاً طويلة لم يتعرض لها أحد. وما يزال فريق من المسيحيين معتصمًا بها، مؤيدًا أن موسى هو كاتب الأسفار الخمسة.د
نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى عند المسلمين:
بداية التحول عن المصدر الموسوي ونقد الفكرة:
ظهر أول نقد حقيقي على يد العالم المسلم ابن حزم الأندلسي في القرن العاشر الميلادي، حيث استدل في كتابه الفصل في الملل والنحل على الأدلة النقدية الداخلية التي تنفي نسبة هذه الأسفار إلى موسى، وتثبت كما يقول أنه "من وضع مُدلِّسٍ جاهل"، أو "ملحد متستر باليهودية". فاستطاع أن يجعل التوراة نفسها تحمل بين ثناياها أدلة بطلان نسبتها إلى موسى النبي.
ولم يغفل ابن حزم منهجية النقد الخارجي، وذلك بالتتبع التاريخي والديني والسياسي لليهود، مما دفع المستشرق مرجليوث، والمعروف بتعصبه ضد الإسلام بتقرير هذه الريادة المنهجية لابن حزم، وذلك في مقالة له بعنوان: "أسفار العهد القديم والعهد الجديد في الإسلام"، حين رأى أن دراسة ابن حزم لأسفار العهد القديم، جعلته "سبَّاقاً" في إيراد الملاحظات النقدية المنهجيَّة التي أَدلَى بها النقَّاد في العصر الحديث، مثل: الأسقف J.H.Colenso صاحب الكتاب الضخم "الفحص النقدي للأسفار الخمسة وسفر يوشع"، الذي نشره في سبعة أجزاء، من سنة 1862 ــ 1879م. (مصدر: أحمد الدبش: ابن حزم.. مؤسس علم نقد الكتاب المقدس).
ويعتبر فلهاوزن حلقة الوصل بين التراث الإسلامى والتراث الغربى الحديث في نقد الكتاب المقدس. فقد تخصص فلهاوزن في الدراسات العربية والاسلامية قبل أن يتحول إلى نقد العهد القديم ويؤسس علم نقد الكتاب المقدس في الغرب. وصلة فلهاوزن بأعمال ابن حزم وغيره من علماء المسلمين لا تحتاج إلى دليل؛ فهو من كبار المستشرقين المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية. من هنا يتضح لنا ان ابن حزم الأندلسي، يستحق لقب "مؤسس علم نقد الكتاب المقدس".
يتبع
التأليف الموسوي : هو التقليد القائل بأن الله قد أملى التوراة على موسى، أي أن موسى هو كاتب التوراة، والمقصود بالتوراة أي الكتب ( الأسفار) الخمسة الأولى من الكتاب العبري (العهد القديم عند المسيحيين)، وهي سفر التكوين Genesis، سفر الخروج Exodus، سفر اللاويين Leviticus، سفر العدد Numbers، وسفر التثنية Deuteronomy.
هذه الفكرة اليومَ مرفوضة في الأوساط الأكاديمية، وهي الآن موضع تساؤل متزايد بين علماء العهد القديم المحافظين، بعد أن ظلت لقرون اعتقادًا راسخًا لا يتزعزع بين اليهود والمسيحيين، رغم أن الأسفار الخمسة لا تذكر اسم المؤلف (كما هو الحال في العديد من كتب العهد القديم)، فلا يوجد في سفر التكوين اشارة المؤلف لنفسه انه الكاتب "أنا" كما هو الحال في سفري عزرا أو نحميا، وليس فيها: "نحن" كما في أعمال الرسل من العهد الجديد.
موسى والوصايا العشر، للرسام الفرنسي فيليب دي شامبين - القرن السابع عشر
Philippe de Champaigne - Moses with the Ten Commandments
Philippe de Champaigne - Moses with the Ten Commandments
نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى عند اليهود:
يبدو أن نسبة الاسفار الخمسة إلى موسى، والمعروف اكاديميا بالتأليف الموسوي هو فقرة سفر الخروج 24/ 4 " فكتب موسى جميع اقوال الرب"، ومثلها في سفر التثنية 1/ 1: " هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع اسرائيل في عبر الاردن"، وإن كانت هذه الشهادات الداخلية في ذاتها لا تشير الى التأليف او تُعيِّن الكلام الذي تُشير اليه، فهي شهادة في ذاتها تحتاج إلى برهان. أما الأجزاء التي قد نُصَّ فيها صراحةً على أن موسى هو كاتبها ولا يُعلم على الحقيقة محتواها، فهي:
1. كتاب العهد الذي تعاهَد به الله مع بني إسرائيل في برية سيناء (خر 24: 7،4).
2. بعض كلمات العهد التي طلب الله من موسى أن يكتبها: «لأنني بحسب هذه الكلمات قطعت عهداً معك ومع إسرائيل» (خر 34: 27).
3. قائمة مراحل خروج بني إسرائيل وتنقُّلاتهم في البرية (عد 33: 2).
4. كتاب التوراة (الناموس) الذي كتبه موسى في سهول موآب (تث 31: 9-11، 24-26). 5. ترنيمة موسى (تث 31: 1-44).
2. بعض كلمات العهد التي طلب الله من موسى أن يكتبها: «لأنني بحسب هذه الكلمات قطعت عهداً معك ومع إسرائيل» (خر 34: 27).
3. قائمة مراحل خروج بني إسرائيل وتنقُّلاتهم في البرية (عد 33: 2).
4. كتاب التوراة (الناموس) الذي كتبه موسى في سهول موآب (تث 31: 9-11، 24-26). 5. ترنيمة موسى (تث 31: 1-44).
أما عن التقريرات التي يسجلها التاريخ للكُتّاب اليهود بنسبة هذه الأسفار إلى موسى، فإنها على النحو التالي:
1- تأتي أقدمها بعد زمان موسى بأكثر من عشرةِ قرون، وتعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وذلك في سفر يشوع ابن سيراخ (كُتِب حوالي 185 ق.م) وذلك في الفقرة 45/ 6: "اعطاه الوصايا مواجهة شريعة الحياة والعلم ليعلم يعقوب العهد واسرائيل احكامه".
2- أما النسبة الثانية فتظهر في التلمود، Bava Batra 14b: " ומי כתבן משה כתב ספרו ופרשת בלעם ואיוב יהושע כתב ספרו ושמונה פסוקים שבתורה ". وترجمتها: " "ومن كتب؟ كتب موسى كتابه، وجزء من بلعام، وأيوب. وكتب يشوع كتابه وثمان فقرات في التوراة" يعني من اول فقرة موت موسى في سفر التثنية 34/ 5 إلى نهاية السفر.
3- وتأتي النسبة الثالثة عند المفكر اليهودي فيلو السكندري (نسبته كفيلسوف محل نزاع اكاديمي) في القرن الأول ( ت. 42 م).
4- والنسبة الرابعة ذكرها المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس (37- 70م).
2- أما النسبة الثانية فتظهر في التلمود، Bava Batra 14b: " ומי כתבן משה כתב ספרו ופרשת בלעם ואיוב יהושע כתב ספרו ושמונה פסוקים שבתורה ". وترجمتها: " "ومن كتب؟ كتب موسى كتابه، وجزء من بلعام، وأيوب. وكتب يشوع كتابه وثمان فقرات في التوراة" يعني من اول فقرة موت موسى في سفر التثنية 34/ 5 إلى نهاية السفر.
3- وتأتي النسبة الثالثة عند المفكر اليهودي فيلو السكندري (نسبته كفيلسوف محل نزاع اكاديمي) في القرن الأول ( ت. 42 م).
4- والنسبة الرابعة ذكرها المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس (37- 70م).
مناقشة الاقرار التلمودي: تيدو الصياغة التلمودية وكأنها وُضعت لحل الإشكال حول مؤلفي الأسفار، مما يُثير الشكوك حول مصداقيتها، ويدل كذلك على ان مثل تلك التساؤلات عن مؤلفي الاسفار الخمسة كانت مُثارة في هذه الفترة، على الاقل في الفقرات الخاصة بموت موسى والتي تُثير التساؤلات والشكوك حول ان يكون موسى كاتبها او كاتب هذا السفر، وحل الإشكال في الرواية التلمودية هو بنسبة هذه الفقرات الى يشوع. أما نسبة الفقرات الخاصة ببلعام إلى موسى فهو حل لاشكال أن لا يكون بلعام نبيًا ويوحى إليه! مما يعني نبوته، فيكون نسبتها إلى موسى، نفيُ للنبوة عن بلعام وخروج من هذا الإشكال. كذلك الأمر بالنسبة إلى أيوب والذي كان قبل اليهودية وعاش قبل ان يوجد موسى، ولا يعرف شيئا عن التوراة، فحلت الرواية التلمودية هذا الأمر بنسبة السفر الى موسى!
نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى عند المسيحيين:
تسلّم المسيحيون العهدَ القديم من اليهود، وأخذوا عنهم في الوقت عينه نظريتهم عن الأداة التي كتبت بها أسفارهم، وظلت هذه النظرية قائمة أجيالاً طويلة لم يتعرض لها أحد. وما يزال فريق من المسيحيين معتصمًا بها، مؤيدًا أن موسى هو كاتب الأسفار الخمسة.د
نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى عند المسلمين:
بداية التحول عن المصدر الموسوي ونقد الفكرة:
ظهر أول نقد حقيقي على يد العالم المسلم ابن حزم الأندلسي في القرن العاشر الميلادي، حيث استدل في كتابه الفصل في الملل والنحل على الأدلة النقدية الداخلية التي تنفي نسبة هذه الأسفار إلى موسى، وتثبت كما يقول أنه "من وضع مُدلِّسٍ جاهل"، أو "ملحد متستر باليهودية". فاستطاع أن يجعل التوراة نفسها تحمل بين ثناياها أدلة بطلان نسبتها إلى موسى النبي.
ولم يغفل ابن حزم منهجية النقد الخارجي، وذلك بالتتبع التاريخي والديني والسياسي لليهود، مما دفع المستشرق مرجليوث، والمعروف بتعصبه ضد الإسلام بتقرير هذه الريادة المنهجية لابن حزم، وذلك في مقالة له بعنوان: "أسفار العهد القديم والعهد الجديد في الإسلام"، حين رأى أن دراسة ابن حزم لأسفار العهد القديم، جعلته "سبَّاقاً" في إيراد الملاحظات النقدية المنهجيَّة التي أَدلَى بها النقَّاد في العصر الحديث، مثل: الأسقف J.H.Colenso صاحب الكتاب الضخم "الفحص النقدي للأسفار الخمسة وسفر يوشع"، الذي نشره في سبعة أجزاء، من سنة 1862 ــ 1879م. (مصدر: أحمد الدبش: ابن حزم.. مؤسس علم نقد الكتاب المقدس).
ديفيد صموئيل مارغوليوث (1858-1940) ، اللاودياني، أستاذ اللغة العربية (1889-1937) ؛ المعهد الشرقي
في جامعة أكسفورد من 1889 إلى 1937،كان مستشرقاً وقساً -لفترة قصيرة- في كنيسة إنجلترا.
في جامعة أكسفورد من 1889 إلى 1937،كان مستشرقاً وقساً -لفترة قصيرة- في كنيسة إنجلترا.
ويعتبر فلهاوزن حلقة الوصل بين التراث الإسلامى والتراث الغربى الحديث في نقد الكتاب المقدس. فقد تخصص فلهاوزن في الدراسات العربية والاسلامية قبل أن يتحول إلى نقد العهد القديم ويؤسس علم نقد الكتاب المقدس في الغرب. وصلة فلهاوزن بأعمال ابن حزم وغيره من علماء المسلمين لا تحتاج إلى دليل؛ فهو من كبار المستشرقين المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية. من هنا يتضح لنا ان ابن حزم الأندلسي، يستحق لقب "مؤسس علم نقد الكتاب المقدس".
يتبع