أثر مجموعات الضغط الصهيونية(لوبي) في صناعة السياسات الأمريكية

تقليص

عن الكاتب

تقليص

محمد24 مسلم اكتشف المزيد حول محمد24
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد24
    2- عضو مشارك

    • 28 ماي, 2020
    • 216
    • مسلم

    أثر مجموعات الضغط الصهيونية(لوبي) في صناعة السياسات الأمريكية

    قال عبدالوهاب المسيري: "اللوبي اليهودي والصهيوني (أو جماعات الضغط الصهيونية) (Jewish and Zionist Lobby) لوبي «Lobby كلمة إنجليزية تعني «الرواق» أو «الردهة الأمامية في فندق»، ولذا يُقال مثلًا: «سأقابلك في لوبي الفندق»، أي في الردهة الأمامية التي توجد عادةً أمام مكتب الاستقبال. وتُطلَق الكلمة كذلك على الردهة الكبرى في مجلس العموم في إنجلترا، وعلى الردهة الكبرى في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، حيث يستطيع الأعضاء أن يقابلوا الناس وحيث تُعقَد الصفقات فيها، كما تدور فيها المناورات والمشاورات ويتم تبادل المصالح. وقد أصبحت الكلمة تُطلَق على جماعات الضغط (الترجمة الشائعة للمعنى المجازي لكلمة «لوبي lobby») التي يجلس ممثلوها في الردهة الكبرى ويحاولون التأثير على أعضاء هيئة تشريعية ما مثل مجلس الشيوخ أو مجلس النواب. وفعل «تو لوبي to lobby» يعني أن يحاول شخص ذو نفوذ (يستمده من ثروته أو مكانته أو من كونه يمثل جماعة تشكل مركز قوة) أن يكسب التأييد لمشروع قانون ما عن طريق مفاوضة أعضاء المجلس التشريعي في ردهته الكبرى، فيعدهم بالأصوات أو بالدعم المالي لحملاتهم الانتخابية أو بالذيوع الإعلامي إن هم ساندوا مطالبه وساعدوا على تحقيقها، ويهددهم بالحملات ضدهم وبحجب الأصوات عنهم إن هم أحجموا عن ذلك. ويوجد في الولايات المتحدة أكثر من لوبي أو جماعة ضغط تمارس معظم نشاطاتها في العلن بشكل مشروع، وإن كان هذا لا يستبعد بعض الأساليب الخفية غير الشرعية (مثل الرشاوي التي قد تأخذ شكل منح نقدية مباشرة أو تسهيلات معيَّنة أو منح عقود أو التهديد بنشر بعض التفاصيل أو الحقائق التي قد تسبب الحرج لأحد أعضاء النخبة الحاكمة وصانعي القرار … إلخ)



    وتوجد أشكال وأنواع من جماعات الضغط، فهناك جماعات الضغط الإثنية: مثل اللوبي اليوناني أو اللوبي الأيرلندي، كما يوجد الآن لوبي عربي. وهناك كذلك جماعات الضغط الدينية، فهناك لوبي كاثوليكي وآخر علماني. ويوجد جماعات ضغط مهنية وجيلية ونفسية واقتصادية، فيوجد لوبي للمصالح البترولية وآخر لمنتجي الألبان وثالث لمنتجي البيض ورابع لزارعي البطاطس وخامس لنقابات العمال وسادس لمنتجي التبغ وسابع لصانعي السجائر وثامن لمن يحاربون التدخين وتاسع للعجائز وعاشر للشواذ جنسيًا (وهناك بالطبع لوبي لمن يحاربون الشذوذ الجنسي ويدافعون عن قيم الأسرة). وقد أصبحت جماعات الضغط على درجة من الأهمية جعلت النظام السياسي الأمريكي أصبح يُسمّى «ديموقراطية جماعات الضغط»، أي أنه لم يَعُد هناك نظام ديموقراطي تقليدي يعبِّر عن مصالح الناخبين مباشرةً حسب أعدادهم (لكل رجل صوت)، بل أصبح النظام يعبِّر عن مقادير الضغوط التي تستطيع جماعات الضغط أن تمارسها على المشرِّعين الأمريكيين لتحديد قرارهم بشأن قضية ما بحيث تَصدُر تشريعات وقوانين معيَّنة وتُحجَب أو تُعدَّل أخرى. فالمواطن الأمريكي لم يَعُد يمارس حقوقه الديموقراطية مباشرةً وإنما أصبح يمارسها من خلال هذه الجماعات.
    ويُقال إن أهم جماعات الضغط في الولايات المتحدة جماعة المدافعين عن حق المواطن الأمريكي في اقتناء الأسلحة النارية (دون ترخيص) واستخدامها للدفاع عن النفس، وهو حق يعود للجذور الاستيطانية الإحلالية للولايات المتحدة، ويشبه «حق» المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية في استخدام الأسلحة لقتل العرب «دفاعًا عن النفس».


    وتشير كلمة «لوبي»، بالمعنى المحدَّد والضيق للكلمة، إلى جماعات الضغط التي تسجل نفسها رسميًا باعتبارها كذلك. ولكنها، بالمعنى العام، تشير إلى مجموعة من المنظمات والهيئات وجماعات المصالح والاتجاهات السياسية التي قد لا تكون مسجلة بشكل رسمي، ولكنها تمارس الضغط على الحكام وصناع القرار. وعبارة «اللوبي اليهودي الصهيوني» في الأدبيات العربية والغربية (في كثير من الأحيان) تشير إلى معنيين اثنين:
    ١ - اللوبي الصهيوني بالمعنى المحدَّد: تشير كلمة لوبي في هذا السياق إلى لجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأمريكية (إيباك)، وهي من أهم جماعات الضغط. ومهمته، كما يدل اسمه، الضغط على المشرعين الأمريكيين لتأييد الدولة الصهيونية. ويتم ذلك بعدة سبل، من بينها تجميع الطاقات المختلفة للجمعيات اليهودية والصهيونية وتوجيه حركتها في اتجاه سياسات وأهداف محددة عادةً تخدم إسرائيل. كما أن اللوبي يحاول أيضًا أن يحوِّل قوة الأثرياء من أعضاء الجماعات اليهودية (وخصوصًا القادرين على تمويل الحملات الانتخابية)، وأعضاء الجماعات اليهودية على وجه العموم (أصحاب ما يُسمّى «الصوت اليهودي») إلى أداة ضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة، فيلوح بالمساعدات والأصوات التي يمكن أن يحصل المرشح عليها إن هو ساند الدولة الصهيونية والتي سيفقدها لا محالة إن لم يفعل.
    ٢ - اللوبي الصهيوني بالمعنى العام الشائع للكلمة: وهو إطار تنظيمي عام يعمل داخله عدد من الجمعيات والتنظيمات والهيئات اليهودية والصهيونية تنسق فيما بينها، من أهمها: مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى، والمؤتمر اليهودي العالمي، واللجنة اليهودية الأمريكية، والمؤتمر اليهودي الأمريكي، والمجلس الاستشاري القومي لعلاقات الجماعة اليهودية.



    وكل هذه المنظمات لديها ممثلون في واشنطن للتأثير على عملية صنع السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. ورغم أن هذه المنظمات لديها أنشطة مختلفة ترتبط بالموضوعات الاجتماعية، فإنها أيضًا تعمل بشكل مباشر في الموضوعات التي ترضي إسرائيل حيث تسعى إلى الضغط على الكونجرس من خلال إرسال الخطابات إلى أعضائه، وغير ذلك من أشكال الضغط.
    وهناك أيضًا عدد من الجماعات الصهيونية التي تسعى إلى كسب تعاطف الرأي العام الأمريكي مع إسرائيل، والتي ظهرت في بداية الأمر من أجل السعي لإنشاء دولة إسرائيل ثم تأييدها بعد ذلك. ومن هذه المنظمات: المنظمة الصهيونية لأمريكا، والتحالف العمالي الصهيوني، والهاداساه، ومنظمة النساء الصهاينة في أمريكا. وتعمل هذه الجماعات على كسب الرأي العام عن طريق مشروعات متعددة تتراوح بين إنشاء المدارس التي تعلِّم العبرية وإنشاء المستشفيات وإنتاج الأفلام الموالية لإسرائيل وتمويل رحلات الباحثين والسياسيين الأمريكيين إلى إسرائيل.
    ومن الناحية التنظيمية، تتميَّز هذه الجمعيات والمنظمات عن نظيراتها الأمريكيات بكونها تضم عضوية كبيرة، كما أن أجهزتها تتميَّز بوجود موظفين متميزين ومدربين على العمل في مجالات جماعات الضغط والتأثير. كذلك فإنها قادرة حاليًا على تشجيع برامج سياسية واجتماعية غير مرتبطة دائمًا بالبرنامج الصهيوني، كما أنها تملك جماعات متخصصة وقادرة على معالجة مشاكل بعينها وتنمية شبكات للاتصال. وكذلك فإن لديهم بيروقراطية مركزية لها القدرة على الربط الدائم بين اليهود النشيطين سياسيًا على مستوى أمريكا كلها عن طريق كل من مؤتمر الرؤساء ولجنة الشئون العامة. هذا بدوره يجعل لدى الجماعات الصهيونية القدرة على الرد الفوري والتعبئة السريعة وبشكل منسق على المستوى القومي، وذلك عندما تظهر موضوعات تستحق التدخل من جانب هذه الجماعات.


    ولا يُوظِّف اللوبي اليهودي الصهيوني عناصر اليهودية والصهيونية وحسب، وإنما يُوظِّف عناصر ليست يهودية ولا صهيونية (بل قد تكون معادية لليهود واليهودية) ولكنها مع هذا تُوظِّف نفسها دفاعًا عنه وعن مصالحه، بسبب الدور الذي تؤديه الدولة الصهيونية في الشرق الأوسط وبسبب تلاقي المصالح الإستراتيجية الغربية والصهيونية.

    وفي مجال الدعاية والتأثير على الرأي العام الأمريكي، فإن اللوبي الصهيوني بالمعنى المحدد للكلمة، وبالمعنى العام، نجح في جعله مواليًا لإسرائيل بصورة عامة. وهذا النجاح لا يرجع فقط إلى الدعاية المنظمة والمؤتمرات وإنما يرجع أيضًا لقدرة اللوبي الصهيوني على عقد تحالفات دائمة مع جماعات المصالح الأخرى مثل العمال والمرأة والمنظمات الدينية وتلك التي تمثل الأقليات الأخرى وجمعيات حقوق الإنسان، واستخدام هذه الجماعات للتأثير على الرأي العام والكونجرس.
    ولا يعمل اللوبي الصهيوني (بالمعنى العام الشائع) بشكل مستقل عن الحركة الصهيونية وإنما ينسق معها. وعندما يُثار موضوع مهم، فإن قادة مؤتمر الرؤساء ولجنة الشئون العامة يحتفظون باتصال وثيق مع العاملين في السفارة الإسرائيلية في واشنطن ومع المستويات العليا في الحكومة الإسرائيلية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كلتا المنظمتين لديها القدرة على تنسيق أنشطتها مع الجماعات الصهيونية على المستوى العالمي من خلال المنظمة الصهيونية.
    هذا هو المعنى الشائع، ولكننا سنطرح معنى ثالثًا غير شائع إذ أننا نذهب إلى أن اللوبي الصهيوني لا يتكون من عناصر يهودية وحسب وإنما يضم عناصر غير يهودية أيضًا، وهو يضم كل أصحاب المصالح الاقتصادية الذين يرون أن تفتيت العالم العربي والإسلامي يخدم مصالحهم، وأعضاء النخبة السياسية والعسكرية ممن يتبنون وجهة نظرهم. كما يضم اللوبي الصهيوني كثيرًا من الليبراليين ممن كانوا يدعون إلى اتخاذ سياسة ردع نشيطة ضد الاتحاد السوفيتي (سابقًا)، وكثيرًا من المحافظين الذين يرون في إسرائيل قاعدة للحضارة الغربية وقاعدة لمصالحها، كما يضم جماعات الأصوليين (الحَرْفيين) ممن يرون في دولة إسرائيل إحدى بشائر الخلاص.


    ولا يُوظِّف اللوبي اليهودي الصهيوني عناصر اليهودية والصهيونية وحسب، وإنما يُوظِّف عناصر ليست يهودية ولا صهيونية (بل قد تكون معادية لليهود واليهودية) ولكنها مع هذا تُوظِّف نفسها دفاعًا عنه وعن مصالحه، بسبب الدور الذي تؤديه الدولة الصهيونية في الشرق الأوسط وبسبب تلاقي المصالح الإستراتيجية الغربية والصهيونية."(1)




    ​​​​_________________________
    (1)عبد الوهاب المسيري،موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية،الجزء: ١٧_صفحة: ٣٩٨-٤٠٧
  • محمد24
    2- عضو مشارك

    • 28 ماي, 2020
    • 216
    • مسلم

    #2
    قال أيضًا'"والمفهوم الصهيوني لعالمنا العربي يتفق تمام الاتفاق مع المفهوم الغربي، فالصهاينة يشيرون إلى فلسطين باعتبارها «أرضًا بلا شعب»، وإلى الضفة الغربية باعتبارها «يهودا والسامرة»، وهي مصطلحات تلغي التاريخ العربي تمامًا. وهم يشيرون إلى الشرق الأوسط على أنه «المنطقة» وهو اصطلاح يشبه في كثير من الوجوه اصطلاح «الفراغ»، فكلاهما يؤكد فكرة أن عالمنا العربي مكان بلا زمان، وجغرافيا بلا تاريخ، أو مساحة تسكنها شعوب عديدة متفرقة متناثرة، تظهر بين يهود اليمن أو الهند أو المغرب وإنما ظهرت بين يهود العالم الغربي، وهي لم تظهر في العصور الوسطى، على سبيل المثال، وإنما في أواخر القرن السابع عشر مع ظهور التشكيل الاستعماري الغربي وبدايات استيطان الإنسان الغربي في العالم الجديد وفي بعض المدن الساحلية في أفريقيا وآسيا.
    ويدرك الساسة الإسرائيليون هذه الحقائق إدراكًا كاملًا، ولذا فهم لا يكفون عن الحديث عن أهمية إسرائيل كقاعدة عسكرية وحضارية وأمنية للغرب، وأنها، علاوة على ذلك، قاعدة رخيصة، أرخص بكثير من ١٠ حاملات طائرات تبلغ تكاليفها ٥٠ بليون دولار، كانت الولايات المتحدة ستضطر لبنائها وإرسالها للبحر الأبيض المتوسط وللبحر الأحمر لحماية «المصالح» الأمريكية. إن إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة «كنز إستراتيجي» (أو دولة وظيفية في مصطلحنا)، وهذا ما يؤكده المتحدثون الإسرائيليون في واشنطن، قبل الدخول في أية مفاوضات. وقد جاء في إحدى إعلانات النيويورك تايمز (الذي مولته إحدى الهيئات الصهيونية) أنه إذا ما تهددت مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فإن وضع قوة لها شأنها هناك يحتاج إلى «أشهر، أما مع إسرائيل كحليف فإنه لا يحتاج إلا بضعة أيام». إن هذه العبارة تتحدث عن إجراءات القمع والتأديب ضد العالم العربي وتبين مدى كفاءة الدولة الوظيفية في إنجاز مهمتها، ولا تتحدث عن نقطة الانطلاق ولا عن الأسباب الداعية للقمع والتأديب وهي أن مصلحة الغرب تتطلب مثل هذا القمع لأنها مسألة مستقرة مفروغ منها في الفكر الإستراتيجي الغربي.والصهيونية في نهاية الأمر وليدة التراث الفكري الاستعماري الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي أداته في المنطقة، وقد بدأ الاهتمام الغربي بالصهيونية كفكرة منذ القرن السابع عشر، ولكن الاهتمام الفكري تحوَّل إلى فكر سياسي ثم إلى خطاب سياسي ثم إلى مُخطَّط استعماري ثابت بعد ظهور محمد علي الذي كان يهدد المصالح الغربية لأنه كان قادرًا على ملء «الفراغ» في المنطقة إما عن طريق طرح نفسه على أنه القوة الجديدة، أو عن طريق إدخال العافية على رجل أوربا المريض. ومن هنا كانت فكرة الدولة الصهيونية التي وُلدت داخل الخطاب السياسي الغربي، ومن هنا الدعم الغربي الحاسم للمشروع الصهيوني، أداة الغرب في خَلْق الفراغ والحفاظ عليه كوسيلة للدفاع عن أمن الغرب لا عن أهل المنطقة، وعن مصالح الغرب لا مصالح العرب. ولا يمكن إنكار دور الصهاينة في ترسيخ هذا الإدراك الغربي للشرق الأوسط، ولكن تظل العلاقة بين الصهيونية والتشكيل الاستعماري الغربي تدور في إطار المصالح الإستراتيجية الثابتة التي تشكلت داخل الحضارة الغربية قبل ظهور الجماعات اليهودية كقوة سياسية فاعلة في الغرب.


    هذا هو السر الحقيقي للنجاح الصهيوني في الغرب، فهو لا يعود إلى سيطرة اليهود على الإعلام، أو لباقة المتحدثين الصهاينة، أو إلى مقدرتهم العالية على الإقناع والإتيان بالحجج والبراهين، أو إلى ثراء اليهود وسيطرتهم المزعومة على التجارة والصناعة، وإنما يعود إلى أن صهيون الجديدة جزء من التشكيل الاستعماري الغربي، وإلى أنه لا يمكن الحديث عن مصالح يهودية وصهيونية مقابل مصالح غربية، وإلى أن الإعلام واللوبي الصهيونيين يمثلان أداة الغرب الرخيصة: دولة وظيفية عميلة للولايات المتحدة تؤدي كل ما يوكل إليها من مهام بنجاح وتنصاع تمامًا للأوامر، ولا توجد سوى مناطق اختلاف صغيرة بينها وبين الولايات المتحدة (لا تختلف كثيرًا عن الاختلافات التي تنشأ بين الدولة الإمبريالية الأم والجيوب الاستيطانية التابعة لها، كما حدث بين فرنسا والمستوطنين الفرنسيين في الجزائر، وبين إنجلترا من جهة والمستوطنين الإنجليز في روديسيا والمستوطنين الصهاينة في فلسطين من جهة أخرى). وتنصرف هذه الاختلافات أساسًا إلى الأسلوب والإجراءات لا إلى الأهداف النهائية، اختلافات يمكن حسمها عن طريق الإقناع والضغط كما يحدث عندما تطلب السعودية صفقة أسلحة ولا ترضى إسرائيل عن ذلك، أو عندما تريد إسرائيل توسيع رقعة استقلالها قليلًا عن طريق إنتاج سلاح مثل طائرة اللافي ولا ترضى المؤسسة العسكرية الصناعية الأمريكية عن ذلك. فالاختلاف ينصرف إلى التفاصيل لا إلى «المصلحة» وإدراكها، ومن هنا يمكن إدارة الحوار حسب قوانين اللعبة المتعارف عليها وتتم ممارسة الضغط داخل إطار من التفاهم بشأن المبادئ الأساسية ومن داخل النسق لا من خارجه. ويجب ألا يثير هذا الوضع دهشتنا فتاريخ الحركة الصهيونية ليس جزءًا من «تاريخ يهودي عالمي وهمي» ولا هو جزء من التوراة والتلمود (رغم استخدام الديباجات التوراتية والتلمودية) وإنما هو جزء من تاريخ الإمبريالية الغربية. ولذا فالصهيونية لمتظهر بين يهود اليمن أو الهند أو المغرب وإنما ظهرت بين يهود العالم الغربي، وهي لم تظهر في العصور الوسطى، على سبيل المثال، وإنما في أواخر القرن السابع عشر مع ظهور التشكيل الاستعماري الغربي وبدايات استيطان الإنسان الغربي في العالم الجديد وفي بعض المدن الساحلية في أفريقيا وآسيا.
    ويدرك الساسة الإسرائيليون هذه الحقائق إدراكًا كاملًا، ولذا فهم لا يكفون عن الحديث عن أهمية إسرائيل كقاعدة عسكرية وحضارية وأمنية للغرب، وأنها، علاوة على ذلك، قاعدة رخيصة، أرخص بكثير من ١٠ حاملات طائرات تبلغ تكاليفها ٥٠ بليون دولار، كانت الولايات المتحدة ستضطر لبنائها وإرسالها للبحر الأبيض المتوسط وللبحر الأحمر لحماية «المصالح» الأمريكية. إن إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة «كنز إستراتيجي» (أو دولة وظيفية في مصطلحنا)، وهذا ما يؤكده المتحدثون الإسرائيليون في واشنطن، قبل الدخول في أية مفاوضات. وقد جاء في إحدى إعلانات النيويورك تايمز (الذي مولته إحدى الهيئات الصهيونية) أنه إذا ما تهددت مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فإن وضع قوة لها شأنها هناك يحتاج إلى «أشهر، أما مع إسرائيل كحليف فإنه لا يحتاج إلا بضعة أيام». إن هذه العبارة تتحدث عن إجراءات القمع والتأديب ضد العالم العربي وتبين مدى كفاءة الدولة الوظيفية في إنجاز مهمتها، ولا تتحدث عن نقطة الانطلاق ولا عن الأسباب الداعية للقمع والتأديب وهي أن مصلحة الغرب تتطلب مثل هذا القمع لأنها مسألة مستقرة مفروغ منها في الفكر الإستراتيجي الغربي."(2)


    ---------------------------------
    (2)عبد الوهاب المسيري،موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية،الجزء: ١٧_صفحة: ٤١١-٤١٣

    ​​​​​​

    ​​​​​​

    تعليق

    • محمد24
      2- عضو مشارك

      • 28 ماي, 2020
      • 216
      • مسلم

      #3
      قال"نذهب إذن إلى أن «سر» نجاح اللوبي اليهودي والصهيوني هو أنه يدور في إطار المصالح الإستراتيجية الغربية وأنه يعرض دولته الصهيونية باعتبارها أداة، أي أن مصدر نجاحه لا يعود لقوته الذاتية أو لعناصر كامنة فيه، وإنما بسبب اتفاق مصلحته مع مصلحة الغرب الإستراتيجية. والنموذج السائد في الخطاب التحليلي العربي (الرسمي والشعبي) هو عكس هذا، فهو يفترض أن نجاح الصهاينة يعود لقوتهم الذاتية ومن ثم يُفسِّر تزايُد الدعم الغربي لإسرائيل على أساس تعاظُم النفوذ اليهودي والصهيوني، فإن زاد الثاني زاد الأول. ولاختبار هذه الأطروحة الشائعة، ولتوضيح ضعف مقدرتها التفسيرية، سنورد بعض الشواهد والقرائن التاريخية والحديثة:
      ١ - أول من دعا لإنشاء دولة يهودية في فلسطين في العصر الحديث هو نابليون بونابرت، وهو أيضًا أول غاز غربي للشرق العربي في العصر الحديث. ومما يجدر ذكره أن نابليون كان معاديًا لليهود، كما يدل على ذلك سجله في فرنسا. ولا يمكن الحديث عن وجود لوبي يهودي أو صهيوني قوي أو ضعيف حين أطلق نابليون دعوته، فقد كانت نابعة من إدراكه لمصالح فرنسا الإستراتيجية.
      ٢ - هناك حشد من الساسة البريطانيين (بالمرستون - شافتسبري - أوليفانت - لويد جورج - بلفور) دعوا لإقامة دولة يهودية في فلسطين، إما قبل ظهور الحركة الصهيونية بين اليهود أو في غياب لوبي يهودي أو صهيوني. ومما يجدر ذكره أن كل هؤلاء الساسة كانوا ممن يكرهون اليهود، وبخاصة بلفور، الذي كان وراء استصدار قانون الغرباء عام ١٩٥٠ لمنع اليهود من دخول إنجلترا، والذي اعترف بعدائه للسامية، والذي كان يرى أن اليهود يشكلون عبئًا على الحضارة الغربية ولكنهم جميعًا وجدوا أن ثمة فائدة إستراتيجية تعود على إنجلترا لو أسست دولة صهيونية
      3 ـ لا شك في أن صدور وعد بلفور هو أهم حدث في تاريخ الصهيونية ودراسة الظروف المحيطة بصدوره. ولذا فهو يزودنا بلحظة نادرة لاختبار نموذج الضغط اليهودي والصهيوني. ولإنجاز هذا سنعقد مقارنة بين "قوة" الجماعتين اليهوديتين في ألمانيا وإنجلترا من منظور مقدرتهما على الضغط:

      أ) فمن المعروف أن الوجود اليهودي في ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى كان قوياً جداً، وكان اليهود يشغلون مناصب حكومية مهمة، ويوجدون في مواقع اقتصادية ذات طبيعة إستراتيجية، فكان أهم ثلاثة بنوك يملكها بعض أعضاء الجماعة اليهودية في ألمانيا، كما كانوا متغلغلين في الإعلام وقيادات الأحزاب السياسية، وكان منهم كثير من المؤلفين والفنانين. وقد حققوا معدلات عالية للغاية من الاندماج، وهو ما يسَّر لهم عملية التحرك داخل المجتمع الألماني، كما أن اليهود الألمان اشتركوا بأعداد كبيرة في الحرب تفوق نسبتهم القومية. والحركة الصهيونية حتى ذلك الوقت كانت حركة ألمانية في توجهها الثقافي، فكانت لغة المؤتمرات الصهيونية هي الألمانية، كما كانت برلين مقر المنظمة الصهيونية العالمية. وكان الصهاينة على أتم استعداد لأن يجعلوا مشروعهم الصهيوني جزءاً من المشروع الألماني الاستعماري.

      ب) مقابل هذا كانت توجد في إنجلترا جماعة يهودية صغيرة للغاية ليست لها القوة المالية أو الثقافية للجماعة اليهودية في ألمانيا، وكانت جماعة مندمجة تماماً ومعادية للصهيونية (كان وايزمان والقيادات الصهيونية من شرق أوربا)



      مع هذا نجح الصهاينة في إنجلترا في استصدار وعد بلفور، رغم ضعفهم وعزلتهم، بينما فشل صهاينة ألمانيا في ذلك رغم قوتهم وارتباطهم بالمجتمع. ولا يمكن العودة إلى الصورة الإعلامية أو اللوبي الصهيوني وما شابه من نماذج تفسيرية. وإنما علينا أن نعود إلى المصالح الإستراتيجية الإمبريالية الإنجليزية مقابل المصالح الإستراتيجية الإمبريالية الألمانية. أما الإمبريالية الألمانية فكانت متحالفة مع الدولة العثمانية، ولذا لم يكن هناك مجال لإعطاء أي وعود للصهاينة على حساب هذه الدولة. لكن الوضع كان مختلفاً بالنسبة للإمبريالية الإنجليزية فقد ظل التحالف قائماً بينها وبين الدولة العثمانية حتى اندلاع الحرب، ولذا حينما صدر أول وعد بلفوري إنجليزي وهو الخاص بمشروع شرق أفريقيا فقد كان وعداً بقطعة أرض خارج الدولة العثمانية. ولكن بعد أن قررت الإمبريالية الإنجليزية تقسيم الدولة العثمانية أصبح من الممكن إصدار وعد بلفور لمجموعة من الصهاينة ليسوا من الإنجليز. وكان على الموجودين في إنجلترا أن يقطعوا علاقتهم مع المنظمة الخاضعة لنفوذ ألمانيا آنذاك، وكان الوعد هذه المرة وعداً بقطعة أرض داخل الدولة العثمانية. إن وعد بلفور والدعم البريطاني للمشروع الصهيوني لا علاقة لهما بأي لوبي يهودي أو صهيوني قوي أو ضعيف.



      4 ـ إذا نظرنا إلى سياسة كل من إنجلترا وفرنسا في الوقت الحالي تجاه الشرق الأوسط لوجدنا أنها تتفق مع السياسة الأمريكية والتوجه الإستراتيجي الغربي بشكل عام مع اختلافات طفيفة. ويستطيع الباحث المدقق أن يجد أن سياسة إنجلترا أكثر اقتراباً من السياسة الأمريكية وأكثر دعماً لإسرائيل، وأن السياسة الفرنسية أكثر ابتعاداً وربما اعتدالاً (من وجهة نظر غربية) . ولو حاول تفسير هذا الاختلاف على أساس النفوذ الصهيوني لباءت محاولته بالفشل:

      أ) فالجماعة اليهودية في إنجلترا ضعيفة لأقصى حد من الناحية الكمية، أما من الناحية الكيفية فهي من أكثر الجماعات اندماجاً وهي آخذة في التناقص (إن لم يكن أيضاً الاختفاء) . وعند وقوع مذبحة صبرا وشاتيلا لم يجد التليفزيون البريطاني مفكراً بريطانياً يهودياً واحداً يدافع عن الموقف الصهيوني، فاضطروا إلى إحضار نورمان بودوريتس رئيس مجلة كومنتاري من الولايات المتحدة لتقديم وجهة النظر الصهيونية.

      ب) أما في فرنسا فتوجد جماعة يهودية يبلغ تعدادها 700 ألف، وهي جماعة اكتسبت لوناً يهودياً قوياً نوعاً ما بعد هجرة يهود المغرب العربي، وهي جماعة ذات نفوذ قوي في الإعلام وغيره.

      وأعتقد أنه لتفسير موقف كلا البلدين يجب ألا نعود إلى قوة أو ضعف الجماعة اليهودية في كلٍّ منهما وإنما إلى موقف كليهما من التحالف الغربي وإلى رؤية كل منهما له. فإنجلترا أكثر ارتباطاً بالولايات المتحدة من فرنسا داخل هذا التحالف، بينما تحاول فرنسا أن تحافظ على مساحة من الاستقلال الأوربي لا تهتم بها إنجلترا بالدرجة نفسها، ولعل هذا هو مصدر اختلاف سياسة البلدين تجاه قضية الشرق الأوسط.

      5 ـ وإذا نظرنا إلى دول مثل هولندا وبلجيكا فلا يمكن تفسير تأييدها لإسرائيل استناداً إلى مقولة اللوبي اليهودي الصهيوني، فالوجود اليهودي في كثير من هذه البلدان يكاد يكون منعدمًا."
      (1)(2)

      ------------------------------------
      (1)عبد الوهاب المسيري،موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية،الجزء: ١٧_صفحة: ٤١٤-٤١٧
      (2)لونت المشاركة كلها لأهميتها

      ​​​​​
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد24; 29 أغس, 2020, 06:26 ص.

      تعليق

      • محمد24
        2- عضو مشارك

        • 28 ماي, 2020
        • 216
        • مسلم

        #4
        الخلاصة:
        ١-الكيان الصهيوني والفكر الصهيوني وُلد في الغرب ونشأ فيه،وداعمه غربي أيضًا.
        ٢-الغربي يدعم الصهاينة لتلاقي المصالح،ومصلحة الغربي زعزعة المنطقة الإسلامية،وكانت إسرائيل من أهم أدواته
        ٣-الدعم الغربي ليس بسبب قوة إسرائيل أو(اللوبي الإسرائيلي) واليهود.
        ٤-لولا الغرب لن يكون هناك حركة صهيونية،أو على الأقل لن يُكتب لها النجاح. ​​​
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد24; 29 أغس, 2020, 06:29 ص.

        تعليق

        • محمد24
          2- عضو مشارك

          • 28 ماي, 2020
          • 216
          • مسلم

          #5
          لازال هناك الكثير في هذا الباب،وقد أسهب الأستاذ في التحليل،فلمن يريد بإمكانه الإطلاع عليه

          الرابط/ https://al-maktaba.org/book/2074/7314
          ​​​​

          تعليق

          مواضيع ذات صلة

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 2 ديس, 2021, 02:04 م
          ردود 2
          37 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة عاشق طيبة
          بواسطة عاشق طيبة
          ابتدأ بواسطة محمد24, 19 أكت, 2020, 01:27 م
          ردود 8
          125 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة د.أمير عبدالله
          ابتدأ بواسطة محمد24, 2 أكت, 2020, 05:05 م
          ردود 4
          164 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة محمد24
          بواسطة محمد24
          ابتدأ بواسطة محمد24, 3 سبت, 2020, 01:58 م
          ردود 3
          114 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة سعدون محمد1
          بواسطة سعدون محمد1
          ابتدأ بواسطة محمد24, 29 أغس, 2020, 04:16 م
          ردود 0
          75 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة محمد24
          بواسطة محمد24
          يعمل...