فضل عشر ذي الحجة من خطب الجمعة لفضيلة الشيخ محمد نبيه يبين فيها فضل العشر الأوائل من ذي الحجة وما هي أفضل الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر المباركة.
# مقدمة خطبة الجمعة #
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾.
# أما بعد #
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي نبينا محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾.
عباد الله، تأتي الأيام مسرعة وتمضي مسرعة، وفي النهاية لقاء الله تبارك وتعالى، دنيانا التي نتكالب عليها قصيرة الأمد، والنبي ﷺ قال في الحديث: (ما لي وللدُّنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظَلَّ تحتَ شجرةٍ، ثم راح وتركَها).
إذا ضرب الإنسان منا تعب أو رهق، ينزل للقيلولة فكم يقيل؟ يقيل ساعة، هكذا عمر الدنيا التي يتكالب عليها الخلق.
# طريق السعادة #
والإنسان السعيد هو الذي ينتهز الفرص، ينتهز فرصة وجوده في الحياة القصيرة ليسعد في حياة لا نهاية لها، قال الله تعالى: ﴿وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
ومن السعادة أن ترزق الفهم الصحيح، لأن الفهم الصحيح إرادة خير من رب العالمين، قال النبي ﷺ: (مَن يُردِ اللَّهُ بهِ خَيرًا يُفقِّهُّ في الدِّينِ)، فإرادة الخير سعادة، ومن ثم الفهم الصحيح طريق السعادة.
ومن الفهم الصحيح أن تعلم أن هذا اليوم أشرف أيام الدنيا، لقول النبي ﷺ: (من أفضلِ أيامِكم يومُ الجمُعةِ، فيه خُلِقَ آدمُ وفيه قُبضَ وفيه النَّفخةُ وفيه الصَّعقةُ فأكثِروا عليَّ من الصلاةِ فيه فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ)، قالوا: يا رسولَ اللهِ وكيف تُعرضُ عليك صلاتُنا وقد أَرَمْتَ؟ يعني وقد بَلِيتَ قال: (إنَ اللهَ حرَّمَ على الأرضِ أن تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ).
وهذا اليوم يوم الجمعة زاد في الفضل لأنه في شهر حرام، وزاد كذلك في الفضل لأنه أول الأيام العشر من ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه حيث قال: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)﴾.
فهذا اليوم أول أيام شهر ذي الحجة نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم في نسك قريب، وأن يختم لنا جميعاً بخير إنه ولي ذلك والقادر عليه.
# فضل العشر من ذي الحجة #
العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام الدنيا كما أخبر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، يمتاز رمضان في فضل لياليه، ويمتاز شهر ذي الحجة في فضل نهاره وأيامه.
وهذه الأيام العشر قال فيها النبي ﷺ: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيَّامِ العَشْرِ) قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قال: (ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلٌ خرَج بنفسِه ومالِه ثمَّ لم يرجِعْ مِن ذلك بشيءٍ).
# أعمال العشر من ذي الحجة #
الأعمال الصالحة في هذه العشر كثيرة، وما توفق إليه هو أفضل عمل، الأعمال كثيرة، الصيام والصلاة والصدقات وسائر الصالحات.
إن كنت موفقاً للصيام فصم، وإن وفقت للصدقات فتصدق، وإن وفقت لقول الخير فانطق به، ما توفق إليه من صالحات هو أفضل الأعمال فاشتغل فيه وأتقنه.
لذلك الله تعالى قال في سورة النساء ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
# الصلاة
إذا وفقت للصلاة فصلي ما استطعت إلى الصلاة سبيلا، وفي الحديث الصحيح قال النبي ﷺ: (الصلاةُ خيرٌ موضوعٍ، فمَنِ استطاعَ أنْ يَسْتكْثِرَ فلْيستكْثِرْ).
عندك في طول النهار وعرضه ركعات مؤكدات قال فيها رسول الله ﷺ: (مَن صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً في يَومٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ له بِهِنَّ بَيْتٌ في الجَنَّةِ).
ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، من داوم على هذه الركعات في اليوم الواحد يبنى له بها بيت في الجنة.
كذلك عندك في أول النهار ركعتي الشروق قال فيها المصطفى ﷺ: (من صلى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكُرُ اللهَ حتى تطلُعُ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعمرةٍ. قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ).
وعندك أربع ركعات كذلك في أول النهار كان يصليهن رسول الله ﷺ وقال فيها: (قال اللهُ تعالى: يابنَ آدمَ! لا تعجِزْ عنْ أربعِ ركعاتٍ في أولِ النهارِ، أكفِكَ آخرَهُ)، يعني من ركع في أول النهار أربع ركعات كفاه الله تعالى شر يومه.
كذلك هناك أربع ركعات قبل العصر قال فيها المصطفى ﷺ: (من صلَّى قبلَ العصرِ أربعَ ركعاتٍ غفرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لهُ مغفرةً عَزَمًا)، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
فأربع ركعات قبل العصر سبيل إلى رحمة الله، وعندك صل ما شئت بليلك، إن وفقت إلى الصلاة فهي خير عمل.
# الصدقات
ومن وفق إلى الصدقات فهي خير عمل، وما أحوجنا إلى الصدقات في هذه الأيام، حيث الستر على المسلمين، حيث كفاية المعوزين والمحتاجين، حيث تفريج الكرب وفك الأسر والخلاص.
والنبي ﷺ قال: (مَن ستَر أخاه المسلمَ ستَره اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه).
هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى ثياب للعيد، هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى كفايتها، فإن وفقت في الصدقات فأتقنها واشتغل، واعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾، ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ﴾.
السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كانت إذا أتاها الفقير وضعت الصدقة في يدها وقالت له: خذها.
لماذا كل هذا؟ حتى تكون يد الفقير هي العليا، في هذا اعزاز للفقير، لكننا عكسنا الأحوال، إن أعطينا الفقير نعطيه لنذله، وفي القرب العاجل نمن عليه بما أعطيناه.
والمن بالصدقة يبطلها، كما قال الله في كتابه الكريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ﴾.
فأي من بالصدقة، أي من بموقف من المواقف يحبط أجره ويعيد صاحبه صفراً، لذلك من وفق إلى الصدقات فليتصدق وليعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع على صاحبه أبداً، بل إن الله تعالى ينمي الصدقة لصاحبها، يكبرها حتى تكون يوم يوافيه كجبل أحد في ميزان صاحبها.
# قول الخير
ومن وفق إلى قول المعروف والخير فليصدح به، فقول المعروف من الصدقات، في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله ﷺ: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: فَيَعْمَلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ قالوا: فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فَيَأْمُرُ بالخَيْرِ أوْ قالَ: بالمَعروفِ قالَ: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فإنَّه له صَدَقَةٌ).
إذا وفقت إلى قول الخير فاصدح به، إذا لم توفق إلى قول الخير فلا تقل الشر، ولا تركن إلى أهله.
واعلم باركك الله أن بيوتاً كثيرة معرضة للخراب، لماذا؟ لغشم في التعامل، لغشم في العشرة، لغشم في التصرف.
هناك نساء كُثر غَضبى إن كانت في بيت أبيها أو إن كانت في بيت أخيها أو إن أخذت مكاناً واستقلت به لا تريد أن تعامل البشر، من ماذا؟ لخديعة وقعت فيها، خديعة في الزواج كانت.
خدعها بطيب حاله بحسن مظهره فلما أضيفت إليه كزوجة رأت حقيقة أمره، فعلمت أنها وقعت في خداع، غضبت أعادها أبوها، غضبت أعادها أبوها، سئمت من الحال بين أبيها وزوجها تركت الدنيا ومشت في شوارع الناس تدور على البيوت، لماذا؟ لإذلال وقهر وقعت فيه، ما هذا؟
لذلك الله تعالى ما غفل الحال أبداً ولذا أوصى بالإصلاح بين الناس، الإصلاح بين الناس ما أحوجنا إليه، بيوت معطلة، أطفال مشردة، من ماذا؟ من سوء العشرة في البيوت.
لذلك من كانت امرأته غَضبى فليسعى في اصلاحها، من كانت ابنته غَضبى فليسعى في ارجاعها، هكذا ما ينبغي أن يكون قبل مجيء العيد وإلا كيف يكون العيد عيداً!؟
كيف يكون العيد عيداً وحالنا هكذا؟ الجار مع الجار، الزوج مع الزوجة، بيوت تهتكت وخربت بأسباب حقيرة، من لا شيء تصنع أزمة، من لا شيء يغضب الإنسان، من لا شيء والعياذ بالله يكفر الإنسان.
لذلك أول يوم من أيام ذي الحجة ما ينبغي أن نتركه هكذا، بل العاقل من ينتهز الفرص حتى إذا وافته المنية وافته وهو على خير، والنبي ﷺ قال: (إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا عسَله)، قيلَ: وما عسَله؟ قال: (يُفتَحُ له عملٌ صالِحٌ قبل موتِه فيقبضُهُ عليهِ).
# الصلاح
لما عرج بالنبي إلى السماوات رأى آدم عليه السلام وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، والأسودة هي الجماعة من الناس، وكان آدم عليه السلام كلما نظر عن يمينه سُر، وكلما نظر عن يساره اغتم.
فعجب النبي ﷺ من هذا فسأل جبريل عليه السلام: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك آدم، والذين عن يمينه هم من قسم الله لهم بالجنة من ذريته نسأل الله تعالى أن نكون منهم، وأما الذين عن يساره فهم من قسم الله لهم بالنار من ذريته نعوذ بالله أن نكون منهم.
فكان آدم كلما نظر إلى ولده الصالح الذي قسم له بالجنة يفرح ويسر، هكذا فكن، افرح لصلاح ولدك واحزن لفساده.
إذا كان الولد صالحاً وسبقني إلى ربي سبق جزء مني إلى الرضا والرحمة، وإذا ما سبقته أنا تركت أثراً صالحاً يُدعى إلي به، ويستغفر إلي به.
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن العشر عشر فاضلة، بل هي أفضل أيام الدنيا، فالسعيد من استغلها في طاعة مولاه، والشقي من أعرض فيها عن طاعة الله، واعلموا اخوتي الكرام أن من الأعمال الصالحة مباشرة الأولاد بالرعاية والتأديب.
# رعاية وتأديب الأولاد
تكثر المصائب والحوادث في مثل هذه الأيام، في أيام الأعياد عموماً تكثر البلايا والحوادث، من ماذا؟ من الغلو في الفرح، يفرح ولكن في غلو، الشباب الناشئة ضُيع منهم كثير، ترى وتشاهد الحركات الغلمانية الصبيانية على الطرق، خاصة في أيام الأعياد.
افرح ما يمنعك أحد أن تفرح، لكن افرح بلا تفزيع الناس، لا تؤذي مشاعر الناس، لا تحدث الصخب فتفرح أنت ويحزن غيرك، افرح ولكن باعتدال، لا تفزع الآخرين، ولا تشوش على الآخرين، لا تبكي أمك، لا تبكي أباك، لا تبكي أخاك.
# صيام عشر ذي الحجة
هكذا فافهم، ثم اعلم باركك الله أن من صالح الأعمال أن تصوم من هذه الأيام، لو صومتها كلها ما خالفت، لو صومت منها الإثنين والخميس ما خالفت، لو صومت منها عرفة فقط ما خالفت، لكن لا تصم باتفاق أيام العيد، لا تصم يوم الأضحى ولا أيام التشريق.
مشاهدة خطبة عن فضل العشر من ذي الحجة
# مقدمة خطبة الجمعة #
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾.
# أما بعد #
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي نبينا محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾.
عباد الله، تأتي الأيام مسرعة وتمضي مسرعة، وفي النهاية لقاء الله تبارك وتعالى، دنيانا التي نتكالب عليها قصيرة الأمد، والنبي ﷺ قال في الحديث: (ما لي وللدُّنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظَلَّ تحتَ شجرةٍ، ثم راح وتركَها).
إذا ضرب الإنسان منا تعب أو رهق، ينزل للقيلولة فكم يقيل؟ يقيل ساعة، هكذا عمر الدنيا التي يتكالب عليها الخلق.
# طريق السعادة #
والإنسان السعيد هو الذي ينتهز الفرص، ينتهز فرصة وجوده في الحياة القصيرة ليسعد في حياة لا نهاية لها، قال الله تعالى: ﴿وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
ومن السعادة أن ترزق الفهم الصحيح، لأن الفهم الصحيح إرادة خير من رب العالمين، قال النبي ﷺ: (مَن يُردِ اللَّهُ بهِ خَيرًا يُفقِّهُّ في الدِّينِ)، فإرادة الخير سعادة، ومن ثم الفهم الصحيح طريق السعادة.
ومن الفهم الصحيح أن تعلم أن هذا اليوم أشرف أيام الدنيا، لقول النبي ﷺ: (من أفضلِ أيامِكم يومُ الجمُعةِ، فيه خُلِقَ آدمُ وفيه قُبضَ وفيه النَّفخةُ وفيه الصَّعقةُ فأكثِروا عليَّ من الصلاةِ فيه فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ)، قالوا: يا رسولَ اللهِ وكيف تُعرضُ عليك صلاتُنا وقد أَرَمْتَ؟ يعني وقد بَلِيتَ قال: (إنَ اللهَ حرَّمَ على الأرضِ أن تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ).
وهذا اليوم يوم الجمعة زاد في الفضل لأنه في شهر حرام، وزاد كذلك في الفضل لأنه أول الأيام العشر من ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه حيث قال: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)﴾.
فهذا اليوم أول أيام شهر ذي الحجة نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم في نسك قريب، وأن يختم لنا جميعاً بخير إنه ولي ذلك والقادر عليه.
# فضل العشر من ذي الحجة #
العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام الدنيا كما أخبر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، يمتاز رمضان في فضل لياليه، ويمتاز شهر ذي الحجة في فضل نهاره وأيامه.
وهذه الأيام العشر قال فيها النبي ﷺ: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيَّامِ العَشْرِ) قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قال: (ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلٌ خرَج بنفسِه ومالِه ثمَّ لم يرجِعْ مِن ذلك بشيءٍ).
# أعمال العشر من ذي الحجة #
الأعمال الصالحة في هذه العشر كثيرة، وما توفق إليه هو أفضل عمل، الأعمال كثيرة، الصيام والصلاة والصدقات وسائر الصالحات.
إن كنت موفقاً للصيام فصم، وإن وفقت للصدقات فتصدق، وإن وفقت لقول الخير فانطق به، ما توفق إليه من صالحات هو أفضل الأعمال فاشتغل فيه وأتقنه.
لذلك الله تعالى قال في سورة النساء ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
# الصلاة
إذا وفقت للصلاة فصلي ما استطعت إلى الصلاة سبيلا، وفي الحديث الصحيح قال النبي ﷺ: (الصلاةُ خيرٌ موضوعٍ، فمَنِ استطاعَ أنْ يَسْتكْثِرَ فلْيستكْثِرْ).
عندك في طول النهار وعرضه ركعات مؤكدات قال فيها رسول الله ﷺ: (مَن صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً في يَومٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ له بِهِنَّ بَيْتٌ في الجَنَّةِ).
ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، من داوم على هذه الركعات في اليوم الواحد يبنى له بها بيت في الجنة.
كذلك عندك في أول النهار ركعتي الشروق قال فيها المصطفى ﷺ: (من صلى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكُرُ اللهَ حتى تطلُعُ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعمرةٍ. قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ).
وعندك أربع ركعات كذلك في أول النهار كان يصليهن رسول الله ﷺ وقال فيها: (قال اللهُ تعالى: يابنَ آدمَ! لا تعجِزْ عنْ أربعِ ركعاتٍ في أولِ النهارِ، أكفِكَ آخرَهُ)، يعني من ركع في أول النهار أربع ركعات كفاه الله تعالى شر يومه.
كذلك هناك أربع ركعات قبل العصر قال فيها المصطفى ﷺ: (من صلَّى قبلَ العصرِ أربعَ ركعاتٍ غفرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لهُ مغفرةً عَزَمًا)، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
فأربع ركعات قبل العصر سبيل إلى رحمة الله، وعندك صل ما شئت بليلك، إن وفقت إلى الصلاة فهي خير عمل.
# الصدقات
ومن وفق إلى الصدقات فهي خير عمل، وما أحوجنا إلى الصدقات في هذه الأيام، حيث الستر على المسلمين، حيث كفاية المعوزين والمحتاجين، حيث تفريج الكرب وفك الأسر والخلاص.
والنبي ﷺ قال: (مَن ستَر أخاه المسلمَ ستَره اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه).
هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى ثياب للعيد، هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى كفايتها، فإن وفقت في الصدقات فأتقنها واشتغل، واعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾، ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ﴾.
السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كانت إذا أتاها الفقير وضعت الصدقة في يدها وقالت له: خذها.
لماذا كل هذا؟ حتى تكون يد الفقير هي العليا، في هذا اعزاز للفقير، لكننا عكسنا الأحوال، إن أعطينا الفقير نعطيه لنذله، وفي القرب العاجل نمن عليه بما أعطيناه.
والمن بالصدقة يبطلها، كما قال الله في كتابه الكريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ﴾.
فأي من بالصدقة، أي من بموقف من المواقف يحبط أجره ويعيد صاحبه صفراً، لذلك من وفق إلى الصدقات فليتصدق وليعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع على صاحبه أبداً، بل إن الله تعالى ينمي الصدقة لصاحبها، يكبرها حتى تكون يوم يوافيه كجبل أحد في ميزان صاحبها.
# قول الخير
ومن وفق إلى قول المعروف والخير فليصدح به، فقول المعروف من الصدقات، في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله ﷺ: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: فَيَعْمَلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ قالوا: فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فَيَأْمُرُ بالخَيْرِ أوْ قالَ: بالمَعروفِ قالَ: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فإنَّه له صَدَقَةٌ).
إذا وفقت إلى قول الخير فاصدح به، إذا لم توفق إلى قول الخير فلا تقل الشر، ولا تركن إلى أهله.
واعلم باركك الله أن بيوتاً كثيرة معرضة للخراب، لماذا؟ لغشم في التعامل، لغشم في العشرة، لغشم في التصرف.
هناك نساء كُثر غَضبى إن كانت في بيت أبيها أو إن كانت في بيت أخيها أو إن أخذت مكاناً واستقلت به لا تريد أن تعامل البشر، من ماذا؟ لخديعة وقعت فيها، خديعة في الزواج كانت.
خدعها بطيب حاله بحسن مظهره فلما أضيفت إليه كزوجة رأت حقيقة أمره، فعلمت أنها وقعت في خداع، غضبت أعادها أبوها، غضبت أعادها أبوها، سئمت من الحال بين أبيها وزوجها تركت الدنيا ومشت في شوارع الناس تدور على البيوت، لماذا؟ لإذلال وقهر وقعت فيه، ما هذا؟
لذلك الله تعالى ما غفل الحال أبداً ولذا أوصى بالإصلاح بين الناس، الإصلاح بين الناس ما أحوجنا إليه، بيوت معطلة، أطفال مشردة، من ماذا؟ من سوء العشرة في البيوت.
لذلك من كانت امرأته غَضبى فليسعى في اصلاحها، من كانت ابنته غَضبى فليسعى في ارجاعها، هكذا ما ينبغي أن يكون قبل مجيء العيد وإلا كيف يكون العيد عيداً!؟
كيف يكون العيد عيداً وحالنا هكذا؟ الجار مع الجار، الزوج مع الزوجة، بيوت تهتكت وخربت بأسباب حقيرة، من لا شيء تصنع أزمة، من لا شيء يغضب الإنسان، من لا شيء والعياذ بالله يكفر الإنسان.
لذلك أول يوم من أيام ذي الحجة ما ينبغي أن نتركه هكذا، بل العاقل من ينتهز الفرص حتى إذا وافته المنية وافته وهو على خير، والنبي ﷺ قال: (إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا عسَله)، قيلَ: وما عسَله؟ قال: (يُفتَحُ له عملٌ صالِحٌ قبل موتِه فيقبضُهُ عليهِ).
# الصلاح
لما عرج بالنبي إلى السماوات رأى آدم عليه السلام وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، والأسودة هي الجماعة من الناس، وكان آدم عليه السلام كلما نظر عن يمينه سُر، وكلما نظر عن يساره اغتم.
فعجب النبي ﷺ من هذا فسأل جبريل عليه السلام: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك آدم، والذين عن يمينه هم من قسم الله لهم بالجنة من ذريته نسأل الله تعالى أن نكون منهم، وأما الذين عن يساره فهم من قسم الله لهم بالنار من ذريته نعوذ بالله أن نكون منهم.
فكان آدم كلما نظر إلى ولده الصالح الذي قسم له بالجنة يفرح ويسر، هكذا فكن، افرح لصلاح ولدك واحزن لفساده.
إذا كان الولد صالحاً وسبقني إلى ربي سبق جزء مني إلى الرضا والرحمة، وإذا ما سبقته أنا تركت أثراً صالحاً يُدعى إلي به، ويستغفر إلي به.
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن العشر عشر فاضلة، بل هي أفضل أيام الدنيا، فالسعيد من استغلها في طاعة مولاه، والشقي من أعرض فيها عن طاعة الله، واعلموا اخوتي الكرام أن من الأعمال الصالحة مباشرة الأولاد بالرعاية والتأديب.
# رعاية وتأديب الأولاد
تكثر المصائب والحوادث في مثل هذه الأيام، في أيام الأعياد عموماً تكثر البلايا والحوادث، من ماذا؟ من الغلو في الفرح، يفرح ولكن في غلو، الشباب الناشئة ضُيع منهم كثير، ترى وتشاهد الحركات الغلمانية الصبيانية على الطرق، خاصة في أيام الأعياد.
افرح ما يمنعك أحد أن تفرح، لكن افرح بلا تفزيع الناس، لا تؤذي مشاعر الناس، لا تحدث الصخب فتفرح أنت ويحزن غيرك، افرح ولكن باعتدال، لا تفزع الآخرين، ولا تشوش على الآخرين، لا تبكي أمك، لا تبكي أباك، لا تبكي أخاك.
# صيام عشر ذي الحجة
هكذا فافهم، ثم اعلم باركك الله أن من صالح الأعمال أن تصوم من هذه الأيام، لو صومتها كلها ما خالفت، لو صومت منها الإثنين والخميس ما خالفت، لو صومت منها عرفة فقط ما خالفت، لكن لا تصم باتفاق أيام العيد، لا تصم يوم الأضحى ولا أيام التشريق.
مشاهدة خطبة عن فضل العشر من ذي الحجة
تعليق