الاسقف ثيؤدور الميصى ... مفسر فذ بدرجة مهرطق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
يعتبر الأسقف الانطاكى ثيؤدور الميصى او المصيصى ( يعرف أيضا باسم : ثيؤدور المبسويسيتى وأيضا باسم ثيؤدور الانطاكى Theodore of Mopsuestia أو Theodore of Antioch ) أحد أشهر اللاهوتيين christologist الذين عنوا بتفسير الكتاب المقدس في القرن الرابع الميلادى .ويذكر المفسر تادرس يعقوب ملطى عن هذا الاسقف انه : ولد في إنطاكية حوالي سنة 350 م.، ونشأ في أسرة غنية جدًا، وكان والده الذي لا نعرف اسمه له مركزه المرموق، أما ابن عمه Paeanius الذي كتب له القديس يوحنا ذهبي الفم عدة رسائل (95، 193، 204، 220) فكان يحتل مركزًا حكوميًا هامًا. وقد صار أخوه Polchronius أسقفًا على إيبارشية Apamea.
درس الخطابة والأدب في إنطاكية على يديْ الفيلسوف المشهور ليبانوس حيث التقى بالقديس يوحنا الذهبي الفم وصارا صديقين. وفي سنة 369 التحق الاثنان بمدرسة ديؤدور الطرسوسى في دير بأنطاكيا حيث عاشا في حياة نسكية وتكريس لدراسة الكتاب المقدس بالمنهج الأنطاكي الرافض للتفسير الرمزي لمدرسة إسكندرية، المنهج الذي تبناه معلمهما ديؤدور الطرسوسى.
https://st-takla.org/Saints/Coptic-O...Story_660.html
ويضيف الخورى بولس الفغالى :
وُلد تيودور في أنطاكية، في عائلة ميسورة، حوالى سنة 350. ودُعي المصِّيصيّ، على اسم المدينة التي كان أسقفها. كان زميل الذهبيّ الفم في دراسة البلاغة، لدى ليبانيوس، ذاك الوثنيّ الذي ارتبط بعلاقات حلوة مع المسيحيّين... تأثَّر بيوحنّا، فدخل في مجموعة نسكيّة. تلتئم في ضواحي أنطاكية، وتعيش حياة مشتركة بقيادة ديودور الذي سيصبح أسقف طرسوس، ورفقة كارتيريوس. مارست هذه المجموعةُ، النسك والصلاة ودراسة الكتب المقدَّسة، فخرج منها مفسِّرون كبار شكَّلوا ما يُدعى »مدرسة أنطاكية« . بعد ثلاثة أشهر من الحياة النسكيّة، عزم تيودور أن يتخلّى عن الرفاق، فيدرس الحقوق ويتزوَّج. حضَّه صديقه يوحنّا مرَّتين. فجعله يترك قراره ويعود إلى الحياة النسكية.
عكف تيودور على دراسة معمَّقة للكتاب المقدَّس لدى معلِّمه ديودور( الطرسوسى). وفي الوقت عينه، باشر نشاطه الرعائيّ الأدبيّ الذي قام به باندفاع لم يعرف الكلل حتّى ساعة موته. وأكبر شاهد على ذلك، مؤلَّفاته العديدة.
https://boulosfeghali.org/2017/front...D=37&CatID=282
أما المفسر تادرس يعقوب ملطى فيذكر : في سنة 392 م. سيم أسقفًا على الميصة، وقد بقي حتى نياحته (سنة 428 م.) في كرسيه تلاحقه شهرة عظيمة بسبب بلاغته وكتاباته .
لمحة تاريخية عن زمانه :
عاش من ميلاده وحتى وفاته ( 350 – 428 ) في زمان كانت المسيحية تشهد مسرحا من اعنف الصراعات اللاهوتية والفكرية بين الكنائس المتناحرة لبسط نفوذها وسلطانها ( ككنيسة الإسكندرية وكنيسة انطاكيا وكنيسة بيزنطة ) , حتى ان كثيرا ما استقوت هذه الكنائس بسلطان الاباطرة الرومان وسيف الملوك البيزنطيين لتمرير افكارها وعقائدها وإخضاع الكنائس المتنافسة معها لها ... وطبيعى جدا ان يشارك رجل بهذه القيمة التفسيرية في هذا المعترك اللاهوتى وتكون له بصمته الخاصة ويدلى بدلوه .. وعلى الرغم من ان الرجل له سجالات مشهودة في محاربة الأفكار الهرطوقية ومحاججتها كما وصفه بولس الفغالى بأنه (ذاك الخصم العنيد لكلِّ الهرطقات التي انغرست في الكنائس الشرقيّة) .. إلا ان ذلك لم يكن كافيا ليشفع له عند البعض الذين حاكموه بعد موته ب 125 عاما وحكموا عليه أخيرا بالهرطقة والحرمان في مجمع القسطنطينية الثانى 553 م لاسباب سنأتى على ذكرها لاحقا .
وقد لخص الاب متى المسكين هذه الفترة التي عاشها ثيؤدور الميصى في القرن الرابع حيث قال ما نصه : ولكن للأسف قد عثرت الكنيسة عبر التاريخ في نفس هذه العثرة عينها , فكان لما يضيق بها الأمر تلتجيء الى الملوك ليقووا سلطانها ,ولكن بقدر ما كانت الكنيسة تستمد القوة من الملوك بقدر ما ما كانت تفقد قوتها الروحية ,وكثيرا ما تذللت ( الكنيسة ) تحت أقدام الملوك لما قوى مناوءوها فتملقت الولاة ليعزلوا مناويئيها , وكانت بداءة عثرات الكنيسة أيام إحتمائها في قسطنطين الملك في القرن الرابع ليتولى حماية الايمان بالسيف ...وثيؤدوسيوس الذى جاء بعده ...( راجع كتاب الكنيسة والدولة للاب متى المسكين ) .
كما أكد الانبا بيشوى حالة إستقواء الكنيسة بالاباطرة والملوك في نفس الفترة حيث ذكر أنه حين مات الإمبراطور ثيئودوسيوس عام 450 م (بموته خسر البابا ديسقورس سندًا عظيمًا ومدافعًا أمينًا ) .
https://st-takla.org/Coptic-History/...alkidonia.html
إذن , في هذه البيئة المتناحرة منذ القرن الرابع نشأ وترعرع ثيؤدور الميصى حيث انتشار الهرطقات والُحُرُم الكنسية واستقطاب الراعايا والاتباع والاستقواء بالاباطرة والملوك , فكان الجو الكنسى العام ملبد بالكراهية والعصبية الدينية الممقوتة , وبمدى استقواء الكنيسة بالأباطرة كانت تظهر قوة الكنيسة , وبمدى تخلى الاباطرة عنها ودعمهم لخصومها من الكنائس الأخرى كانت تضعف , فالبابا ديسقورس مثلا بعد ان خسر دعم الامبراطور ثيؤديسيوس الذى مات , تعرض للتنكيل والضرب والنفى على يد الامبراطور التالى .
أما ثيؤدور المصيصى فالرجل نصيبه من هذه المعارك اللاهوتية والفلسفية الطاحنة مع هراطقة عصره وليس مع الذين ثاروا ضده بعد وفاته بزعم انه كان معلما لنسطور , حتى انتهى به الحال بإصدار حكما تعسفيا غريبا وإعلان الحرمان الكنسي ضده بعد وفاته بأكثر من قرن وربع القرن في مجمع القسطنطينية الثانى 553 م .
يقول الخورى بولس الفغالى مدافعا عن الرجل :
غريب مصير هذا المفكِّر الكبير في أنطاكية. معاصروه اعتبروه من » أهمِّ « العلماء في عصره. ذاك
( الخصم العنيد لكلِّ الهرطقات ) التي انغرست في الكنائس الشرقيّة. ذاك الذي دافع محبّوه عنه بحرارة بعد موته، لأنَّ ( الذين هاجموه لم يكن اهتمامهم المدافعة عن الإيمان القويم ).
ومع ذلك، فالشرق والغرب جعل هذا الأسقف بين الهراطقة. حُرمت مؤلَّفاته وأُتلفت. بل صار اسمه مرادفًا للكره في العالم المسيحيّ، وما تبدَّل هذا الحكم كثيرًا، بعد اجتماعات »من أجل الشرق« بيَّنت أنَّ ما دُعي هرطقات في الشرق من نسطوريّة وغيرها، كانت اختلافات على مستوى الكلمات، لا على مستوى العقيدة.
شرقيّ الفرات يعتبرونه »المفسِّر« بدون منازع، ولبث يسيطر على الفكر البيبليّ ( الإنجيلى ) حتى القرن العاشر وما بعده. أمّا غربيّ الفرات فانتقدوا أيَّ انتقاد ذاك الذي فسَّر المزامير وأوَّلَها وهو بعمر عشرين سنة. وعلى سبيل المثال، نستطيع أن نقرأ حكم فوتيوس على تفاسيره، لكي نفهم كم لبث ذكر تيودور مرفوضًا في العالم البيزنطيّ وبالتالي في العالم اللاتينيّ. أمّا نحن وبعد نقلنا »العظات التعليميّة «، وكتبنا مؤلَّفًا عن تيودور حول سيرته وآثاره ، فنعتبر هذا المفسِّر من كبار المفسِّرين ..... انتهى
https://boulosfeghali.org/2017/front...D=37&CatID=282
علاقته بيوحنا فم الذهب :
وقد كان هذا الاسقف يتمتع بصداقة متينة جدا للغاية مع المفسر المعروف يوحنا ذهبي الفم ... فكلاهما انطاكى المولد والنشاة ...وكلاهما تشرب الفلسفة على يد الفيلسوف الوثنى ليبانوس , وكلاهما ينتمى لمدرسة كنيسة انطاكيا التفسيرية الحرفية , وكلاهما تشرب النسك وحياة الرهبنة في مدرسة ثيؤدور الطرسوسى النسكية , وكلاهما عنى بتفسير الكتاب المقدس وعمت شروحاتهما كنائس الشرق والغرب .. وقد قال عنه الخورى بولس الفغالى : شرقيّ الفرات يعتبرونه »المفسِّر« بدون منازع، ولبث يسيطر على الفكر البيبليّ ( الانجيلى ) حتى القرن العاشر وما بعده .
كما ذكرنا فإن هذا الاسقف ( ثيؤدور المصيصى ) تمتع بعلاقة صداقة متينة للغاية مع رفيق كفاحه وصديق الدراسة يوحنا ذهبى الفم ... ووصلت درجة قوة الرابطة بينهما كما يقول المفسر تادرس يعقوب ملطى ان :
بعد فترة بردت روح ثيؤدور، وترك الحياة الرهبانية، فصار محاميًا، وتعرف علي سيدة يهودية جميلة تدعى Hermoine تزوجها فتحطمت نفسه تمامًا باليأس. أسرع صديقه القديس يوحنا الذهبي الفم فأرسل رسالتين يحثه فيهما على الرجوع إلي حياته الأولى ... وقد جاءت الرسالتان بالنتيجة المرجوة، فعاد ثيؤدور المصيصى إلى الحياة الرهبانية، وفي سنة 383 م. سيم كاهنًا بواسطة الأسقف فلافيان الأنطاكى.... إنتهى
https://st-takla.org/Saints/Coptic-O...Story_660.html
وقد أكد هذا الامر الخورى بولس الفغالى : بعد ثلاثة أشهر من الحياة النسكيّة، عزم تيودور أن يتخلّى عن الرفاق، فيدرس الحقوق ويتزوَّج. حضَّه صديقه يوحنّا ( فم الذهب ) مرَّتين فجعله يترك قراره ويعود إلى الحياة النسكيّة.وبالمثل تأثّر في أعماقه حين عُزل الذهبيّ الفم عن كرسيِّه وأُرسل إلى المنفى، سنة 404. حينئذٍ وجَّه إليه يوحنّا رسالة (نص الرسالة مذكور في رسالة الآباء اليونان) ... إنتهى
https://boulosfeghali.org/2017/front...D=37&CatID=282
وما ذكرناه انفا انما يعطى لمحة مختصرة ومبسطة عن مدى قوة ومتانة وشائج العلاقة بين الصديقين المقربين ثيؤدور المصيصى ويوحنا ذهبي الفم .... وبالرغم من هذا أيضا حكم على كلا الصديقين بالهرطقة واستصدرت الحرومات الكنسية ضدهما مثلهما مثل الكثيرين إما لاعتبارات سياسية , أوصراعات كهنوتية بحتة .
أثاره في التفسير :
مثَّل تيودور كنيسة أنطاكية أرفع تمثيل، ولاسيّما في مجال تفسير الكتاب المقدَّس. دوَّن مؤلَّفاته في اليونانيّة، فضاعت في هذه اللغة منذ الحكم عليه، بل قبل ذلك الوقت. ولكنَّ الكنيسة السريانيّة قدَّرت هذا »المفسِّر« حقَّ قدره، فنقلت مؤلَّفاته. كما وُجد تفسير المزامير في اللاتينيّة.
أوَّلاً: لائحة المؤلَّفات
أمّا لائحة مؤلَّفاته، فنجدها في السريانيّة، في نسختين. الأولى، التاريخ السعرديّ الذي يعود إلى القرن 13. والثانية، نسخة عبد يشوع مطران نينوى الذي توفِّي سنة1318.
ونقرأ ما كتبه التاريخ السعرديّ:
ولمّا رآه ثياذاسيس (تيودوز) يكشف له عن كلّ مسألة غامضة، فسأله عنها ويُوضح له أسبابها في الجواب، اشتدَّ اغتباطه به. فسأله (هو) وجماعة من الأساقفة، أن يفسِّر لهم الكتب. فمنهم »آليفا«. سأله أن يفسِّر التوراة (= الأسفار الخمسة)، ففسَّرها في ثلاثة كتب. »مار بابي« سأله أن يفسِّر كتاب شموئيل (صموئيل). »قدرون« سأله أن يفسِّر الداود (أي المزامير). ففسَّره في ثلاثة كتب. »مار طومى« سأله تفسير الاثني عشر (نبيٌّا)، ففسرَّها. »مرفوريا« تفسير قوهلت (= سفر الجامعة). »اوسيا« سأله تفسير الأفراكسيس (= أعمال الرسل). »أثناسيوس« سأله تفسير رسالة فولوس إلى الروم. ففسَّرها. وتيودوز، سأله تفسير الرسالة الأولى إلى القورنتانيّين (= الكورنثيّين). »طرافل« سأله تفسير الرسالة الثانية إلى القورنتانيّين، وإلى الجالاطيّين (الغلاطيّين) والأفاسيين (والأفسسيِّين) والقولسايين (الكولوسيّين). »يعقوب« سأله تفسير الرسالتين إلى التسالونيقيانيّين (تسالونيكي). »هوذاطوس« سأله تفسير رسالته إلى فيلمون والعبرانيّين، وسأله كتاب الكمال والكهنوت. »موريقي« سأله تفسير رسالته إلى تيماثاوس.
»وآخرون طلبوا منه تفسير كلِّ فن. وفسَّر من الكتب، كتاب أيّوب، كتاب الإنجيل، متّى ومرقوس ولوقا ويوحنّا. تفسير الأمانة الثلاثمئة والثمانية عشرة (مجمع نيقية مع 318 أسقفًا). تفسير الرازين (في السريانيّة: ا ر ز ي ن: الأسرار). كتاب في إنسانيّة سيِّدنا. كتاب كمال التدبير. كتاب في الردِّ على من قال إنَّ الخطيئة موضوعة في الطبع. كتاب على روح القدس. كتبَ في الكهنوت. كتبَ في الردّ على المجوس رسائلَ تُدعى الجواهر. كتاب في الردِّ على أوناميوس. كتاب في الردّ على أبوليناريوس، مقالة في مجيء الدجّال. رسالة إلى رجلٍ كفرَ بالمسيح. كتاب في تفسير مذهب أريوس. كتاب يناقض من يقرأ الكتب على جهة الأمثال (مفرد مثَل أو لغز).
»وبالجملة، ما سأله أحد شيئًا إلاّ سارع إليه. ولا مرَّ قلمه على شيء من الكتب إلاّ فسَّر مثل باقي (العهد) الحديث (= الجديد) وإرميا وحزقيال ودانيال. وعمل كتابًا جمع فيه الردّ على كلِّ مُبدع، وأسمه بالطُرَف، وسمّاه كتاب الجوهر لأنَّه منظوم بالدرر الفاخرة. ولبث خمسًا وخمسين سنة يكدُّ نفسه بالنظر في الكتب والتفسير ومقاومة أهل البدع، حتّى دعاه الله إلى ملكوته«.
ثانيًا: المؤلَّفات التفسيريّة
ممّا سبق نفهم أنَّ تيودور فسَّر جميع الأسفار البيبليّة ( الانجيلية ) في العهد القديم. الأسفار الخمسة، يشوع، صموئيل، الأنبياء الكبار الأربعة، الأنبياء الصغار الاثنا عشر، المزامير، سفر الجامعة، أيُّوب، نشيد الأناشيد. وفي العهد الجديد: الأناجيل الأربعة، أعمال الرسل، الرسائل البولسيّة بما فيها الرسالة إلى العبرانيّين.... إنتهى
https://boulosfeghali.org/2017/front...D=37&CatID=282
هل بقى من تفاسيره شيء :
ضاعت تفاسير الرجل واهُملت بسبب موقف الكنيسة المتشدد معه ولم يصل منها شيء سوى تفاسير الأنبياء الاثنى عشر .
يقول المفسر تادرس يعقوب ملطى عن ثيؤدور المصيصى :
خير مَنْ يمثل مدرسة إنطاكية التفسيرية، الرافضة للفكر الإسكندري الرمزي، يعتبره النساطرة أعظم مُفَسِّر للكتاب المقدس. فَسَّرَ تقريبًا جميع الأسفار بطريقة تاريخية نقدية. يُعتبر أول من استخدم النقد الحرفي لحل مشاكل نصوص الكتاب، كما ضم تفسيره عددًا كبيرًا من المقالات العقيدية والجدلية، مما يظهر انه قد انشغل بالأسئلة اللاهوتية التي سادت في عصره. إذ دين كهرطوقي بادت أغلب كتاباته حتى اُكتشفت بواسطة بعض الدارسين المحدثين
https://st-takla.org/Saints/Coptic-O...Story_660.html
موقف الكنيسة منه :
بالرغم من سيرة الرجل اللامعة وجهوده المعروفة في مجابهة الهراطقة وتفنيد أقوالهم ودحض إدعاءاتهم , ودخوله في معارك ساخنة معهم إلا ان هذا كله لم يكن كافيا ليشفع له عند الكنيسة الارثوذكسية التي حكمت على الرجل بعد موته بالهرطقة ومنع تداول كتبه ومؤلفاته حتى اُهملت وطواها الزمان في عالم التجاهل والنسيان .
يقول المفسر تادرس يعقوب ملطى فى ترجمة الرجل :
كان نسطور الهرطوقي تلميذًا له، بدأ الشك في أمره بعد مجمع أفسس (431 م)، وحُسب أنه هو العلة الأصلية لظهور النسطورية ... انتهى
https://st-takla.org/Saints/Coptic-O...Story_660.html
ويكفى المرء ان يقرأ كلمة ( حُسب ) التي أوردها المفسر تادرس يعقوب ملطى ليعرف مدى براءة الرجل من جريرة لا ذنب له فيها سوى انه ( حُسب) انه كان معلما لنسطور ... وهو ما يمثل إدعاءا كافيا لإثبات أن هذا الإتهام كان أكثر منه ( ظنيا ) وليس قطعيا مدعوما بأدلة نهائية ثابتة .... خصوصا وان جميع أقوال نسطور خلت من اى إشارة لدور معلمه فيها او تأثيره عليه في إكتسابها ... فضلا عن أن المؤلفات التي تركها ثيؤدور المصيصى نفسه لم تحتوى على أيا مما اعتبره البعض هرطقات أدت الى ظهور النسطورية فيما يخص علاقة ( ام الاله او عقيدة الثيؤطوكس ) التي كانت الشرارة الرئيسة في إتهام نسطور بالهرطقة بإعتباره نفى عن العذراء مريم ان تكون أُماً ( للرب ) وانها كانت أُماً ( ليسوع الانسان ) فحسب .... ولكن كل ذنب الرجل انه ( حُسب ) انه كان معلما لنسطور ...
اما الانبا بيشوى فذكر شيئا من التفصيل عن سبب اتهام الرجل بالهرطقة فقال :
أراد ثيئودور الموبسويستى Theodore of Mopsuestia أن يؤكد الإنسانية الكاملة للمسيح، واعتبر أن الإنسانية الكاملة لا تتحقق إلا إذا كان المسيح شخصًا إنسانيًا لأنه اعتقد أنه لا وجود كاملًا بلا شخصية. وبهذا لم يكتفِ بتأكيد وجود طبيعة إنسانية كاملة للسيد المسيح، ولكنه تمادى إلى تأكيد اتخاذ الله الكلمة لإنسان تام يستخدمه كأداة لخلاص البشرية واعتبر أن الله الكلمة قد سكن في هذا الإنسان بالإرادة الصالحة (good will)، وأنه قد اتحد به اتحادًا خارجيًا فقط. واستخدم عبارة اتصال conjoining- sunafeia بدلًا من كلمة اتحاد e{nwsiõ union . وبهذا فقد جعل في المسيح شخصين أحدهما إلهي والآخر إنساني وقد كونا معًا شخصًا واحدًا هو شخص الاتحاد (اتحاد خارجي) مشبهًا إياه باتحاد الرجل بالمرأة.
حرم المجمع المسكوني الخامس 553 م. ثيئودور الموبسويستي وتعليمه وكان ضمن ما قيل ضده هو أن استخدامه تشبيه اتحاد الرجل بالمرأة عن اتحاد الله الكلمة بالإنسان يسوع يعتبر وقاحة. وكان ضمن ما قاله ثيئودور أيضًا أن توما الرسول حينما قال "ربى وإلهي" (يو20: 28) لم يقلها بمعنى أن المسيح هو ربه وإلهه، إنما قالها من شدة الانبهار، مثلما يرى إنسان كنزًا من الجواهر أو حادث أليم.
كنا نحن قد حرمنا ثيئودور قبل ذلك التاريخ بزمان لأننا في حرمنا للنسطورية حرمنا نسطور وتعليمه وكل ما يمت إليها بصلة.... انتهى
https://st-takla.org/Coptic-History/...obsoyesty.html
إلا ان الانبا بيشوى وضع نفسه في تناقض غريب جدا حيث أورد في كتابه ( المجامع المسكونية والهرطقات ) :
ان مجمع خليقدونية المسكونى عام 451 حكم بعزل البابا ديسقوروس الإسكندري لأسباب إدارية وقانونية، وبإعادة ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها إلى رتبة الأسقفية بعد أن وافقا على حرم نسطور وتعاليمه. ولكن المجمع ( لم يحكم ) على كتابات ثيئودوريت وإيباس ضد تعليم القديس كيرلس الكبير، كما ( لم يحكم ) على ثيئودور الموبسويستى معلم نسطور ولا على تعاليمه..... انتهى
https://st-takla.org/Coptic-History/...alkidonya.html
فكيف يزعم الانبا بيشوى بأن الكنيسة السكندرية الارثوذكسية حرمت ثيؤدور كما قال ( كنا نحن قد حرمنا ثيئودور قبل ذلك التاريخ بزمان لأننا في حرمنا للنسطورية حرمنا نسطور وتعليمه وكل ما يمت إليها بصلة ) ... مع انه نفسه نفى ان تكون صدرت ضد ثيؤدور المصيصي اى حرومات كنسية او إتهامات صريحة بالهرطقة في مجمع خليقدونية وهو المجمع الذى عقد لادانة تعاليم نسطور , بل انه نفسه قال نصا أن ( عاد ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها إلى رتبة الأسقفية بعد أن وافقا على حرم نسطور وتعاليمه ) ... أي ان الرجلين لم يستعيدا درجتهما الكنهوتية إلا بعد التبرؤ من نسطور وتعاليمه ... فكيف الحال بالأنبا بيشوى وقد قال عن نفس المجمع في خليقدونية (كما لم يحكم على ثيئودور الموبسويستى معلم نسطور ولا على تعاليمه) ... إلا اذا كان هذا دليلا صريحا منه انه لا علاقة لثيؤدور المصيصى بأقوال تلميذه نسطور ولا شان له فيما ذهب اليه ... وإلا كان مجمع خليقدونية أصدر قرارا بحرمانه وإعلانه مهرطقا ... حيث ذكر الانبا بيشوى في كتابه السابق عن مجمع خليقدونية الذى لم يعلن فيه اى شيء ضد ثيؤدور المصيصى معلم نسطور صراحة ( إن المجمع في قراراته قد أكّد على حرم كل من النسطورية والأوطاخية ) اى ان المجمعالذى عقد خصيصا لادانة نسطور لم يحكم على ثيؤدور لا بالهرطقة او النسطورية .. .... انتهى
https://st-takla.org/Coptic-History/...alkidonya.html
وهذا يثبت كما قلنا تناقض اقوال الأنبا بيشوى لانه لم يُذكر على الاطلاق ان قامت الكنيسة السكندرية الارثوذكسية بإصدار اى حرومات ضد ثيؤدور المصيصى لا في مجمع افسس الأول عام 431 م ولا مجمع افسس الثانى عام 449 م ولا مجمع خليقدونية 451 م وهى المجامع التي تلت وفاة ثيؤدور المصيصى وبدأ بزوغ نجم تلميذه نسطور واشتهار أقواله وتعاليمه ... وان الرجل نفسه لم ينل هذا العقاب الا بعد وفاته بقرن وربع اثناء انعقاد مجمع القسطنطينية الثانى عام 553 م ...
أما المفاجأة الكبرى انه حتى عندما حكم على ثيؤدور المصيصى بالحرمان بعد وفاته بقرن وربع .. فإن ذلك لم يعد لأسباب هرطوقية او لتعاليم مخالفة نشرها الرجل بين أتباعه , ولا كانت بسبب انه كان معلما لنسطور .. ولكن السبب الرئيسي كما قال الانبا بيشوى في كتابه المجامع المسكونية والهرطقات (أما المجمع القسطنطينية الخامس 553 م. فقد عقد لإرضاء كنائسنا، إذ حاول الإمبراطور أن يصالح الخلقيدونيين مع اللاخلقيدونيين. فحرم هذا المجمع كتابات ثيئودور الموبسويستي ) .... انتهى
https://st-takla.org/Coptic-History/...obsoyesty.html
ويعد هذا تصريحا صريحا جدا من الانبا بيشوى بأن الموضوع كله كانت دوافعه سياسية بحتة وليست دينية لاهوتية , فالأمر لم يخرج عن كون استصدار قرار الحرمان لثيؤدور المصيصى بعد 125 عاما من وفاته ليكون كبش فداء مقابل الصلح بين الكنيسة السكندرية ( اللاخليقدونية ) مع كنيسة انطاكية ( الخليقدونية ) , فالموضوع لا يخرج عن كونه دهاءا سياسيا ذبُحت فيه عدالة الرجل وسمعته ونزاهته لتكون عربون المصالحة بين الكنيسيتين المتناحرتين لاهوتيا .... وكله هذا يصب في صالح الرجل بالرغم من رغبتهم المضادة لذلك بل ويثبت عدالة موقفه .. لأن الرجل مات ولم يدنه أحد ولم يتهمه أحد بانه كان سببا في انتشار تعاليم ضالة لا في حياته ولا بعد موته , ولكن لأن الرجل كان معلما لنسطور , ونسطور كان تلميذه .. أُخُذ الرجل بجريرة التلميذ .. وهذا يقطع الشك بمدى تعسف الحكم الذى كان جائرا عليه بلا ذنب منه سوى أن الدهاء السياسي تلاقى مع كيد اللاهوتيين فكانت النتيجة ان الرجل اصبح هرطوقيا .
وقد دافع الخورى بولس الفغالى صراحة عن ثيؤدور المصيصى وفند كل المزاعم الكاذبة التي حاولت ان تنل من عقيدة الرجل , وهاجم من اتهمه بالهرطقة بانهم لم يكن همهم الايمان وقال نصا :
( معاصروه اعتبروه من »أهمِّ« العلماء في عصره. ذاك الخصم العنيد لكلِّ الهرطقات التي انغرست في الكنائس الشرقيّة. ذاك الذي دافع محبّوه عنه بحرارة بعد موته، لأنَّ الذين هاجموه لم يكن اهتمامهم المدافعة عن الإيمان القويم.
ومع ذلك، فالشرق والغرب جعل هذا الأسقف بين الهراطقة. حُرمت مؤلَّفاته وأُتلفت. بل صار اسمه مرادفًا للكره في العالم المسيحيّ، وما تبدَّل هذا الحكم كثيرًا، بعد اجتماعات »من أجل الشرق« بيَّنت أنَّ ما دُعي هرطقات في الشرق من نسطوريّة وغيرها، كانت اختلافات على مستوى الكلمات، لا على مستوى العقيدة ) .... انتهى
https://boulosfeghali.org/2017/front...D=37&CatID=282
ثيؤدور المصيصى .. رجل سابح ضد التيار
سبق أن أوردنا ما ذكره المفسر تادرس يعقوب ملطى عن ثيؤدور المصيصى ومنهجه في التفسير حيث قال نصا :
فَسَّرَ تقريبًا جميع الأسفار بطريقة تاريخية نقدية. يُعتبر أول من استخدم النقد الحرفي لحل مشاكل نصوص الكتاب ... حيث عاش في حياة نسكية وتكريس لدراسة الكتاب المقدس بالمنهج الأنطاكي الرافض للتفسير الرمزي لمدرسة إسكندرية ...إنتهى
وهذا السرد يعطى انطباعا ان الرجل قد سار عكس المنهج المألوف في تفسير الكتاب المقدس , بل وعكس التيار الذى اعتمدته الكنيسة الارثوذكسية المصرية , ولربما يعطى هذا السبب تفسيرا منطقيا لعداوة الكنيسة المصرية للرجل ( بالإضافة إلى ما نسبوه له عن علاقته بنسطور ) ... حيث عمد الرجل الى تبنى المنهج الحرفى التاريخى عوضا عن المنهج الرمزى التخيلى ... وكالعادة نال الرجل نصيبه من الإستعداء والهجوم ... فقط لأنه سار ضد التيار .
يُفصًل الخورى بولس الفغالى أسباب هذا الهجوم الضارى ونتائجه حيث قال :
ولكن نحن لا نظنُّ هنا أنَّ تيودور قبِل بأن يرى المسيح معلَنًا في كلِّ مقاطع الأنبياء، كما فعل معاصروه. لهذا هاجمه الخصوم بعد موته، لأنَّه لم يربط المسيح بكلَّ أقوال الأنبياء. ومن الغريب أن يكون رفض أن يطبِّق على يسوع ما قيل عن عبد الربّ (أش 53: 7): ( مثل شاة سيق إلى الذبح ). رفض القول بتبدُّل من صيغة الماضي إلى صيغة المضارع ..... فوحيُ الآب والابن ينتمي إلى العهد الجديد.
فما هي نظرة تيودور في هذا المجال؟ شدَّد على المعنى الحرفيّ والتاريخيّ، ورفض أن يخرج إلاّ نادرًا من العهد القديم والتاريخ الذي يحويه. والأمثلة على ذلك كثيرة.... إنتهى
https://boulosfeghali.org/2017/front...D=37&CatID=282
وبحسب ما قاله بولس الفغالى , تتجلى الأسباب الحقيقية لإهمال تفاسير هذا الرجل وشروحاته اللاهوتية والكتابية حتى طواها الزمان داخل حافة النسيان وضاعت معظمها .. فالرجل سبح ضد التيار المعهود عن المفسرين في ذلك الزمان ... فإذا كان جُل مفسرين عصره إعتمدوا المنهج الرمزى في تفسير الكتاب المقدس وهو منهج ( عاطفى بحت ) يضرب على وتر إثارة الانفعالات الروحية , وتهييج المشاعر القلبية , ودغدغة الشغف لدى عوام الناس وذلك عن طريق لى أعناق النصوص ( خصوصا العهد القديم ) وتفسيرها بطريقة قسرية وجعلها تبدو وكما انها لو كانت تقدم نبوات صريحة عن قدوم المسيح المنتظر , وهو منهج مثًل تجارة رائجة لذلك النوع من المفسرين لضمان بلوغ الشهرة و استمرارية التمجيد ... فإن الرجل خالف ذلك الأسلوب ( الذى فى اعتقادى اعتبره الرجل أسلوبا رخيصا ) واعتمد على تفسير النصوص في اطارها الحرفى والتاريخى ولم يخرجها عن سياقها ليجامل تلك القلوب الشغوفة او ينافقها حتى لو كان ذلك على حساب شهرته او مجده . وهذا الأمر يلخص شيئا بسيطا عن شخصية الرجل المنضبطة بغير تلون , والصريحة بغير نفاق ..
خاتمة البحث
ثيؤدور المصيصى .. هل هو جانى ام مجنى عليه
حين نكتب عن رجل مسيحى كثيؤدور المصيصي شغل درجة دينية كهنوتية مسيحية , فسر الكتاب المقدس , وخاض صراعات مع هراطقة عصره , ثم مات على عقيدته , ثم جاء من بعد موته من بنى دينه ومعتقده من يكيل له الاتهامات ويتجنى عليه باطلا ..ليتهمونه بالرهطقة والخروج على صحيح الملة المسيحية , ثم ناتى لنفند هذه الاتهامات ونزن الرجل بميزان العدل الخالى من تحيزات الهوى وإنحيازات الانقسامات الكنسية , , فنحن هنا انما نفعل ذلك من قبيل وضعه في إطاره الذى يستحقه تاريخيا ودينيا بالرغم من اختلافنا معه في الايمان والمعتقد , فنحن هنا لا نناقش صحة معتقده بل عدالة قضيته , ولا يمنعنا اختلافنا ان نشهد للرجل بما يستحقه , وان نرد اليه حقه وندفع عنه أسباب إدانته التي اغتالت سمعته وسحقت قيمته بحسب ما يمليه علينا ضميرنا الانسانى .. وبهذا نترك الحكم أخيرا للقاريء الحصيف والناقد النزيه كى يحكم على الرجل أخيرا ويقرر هل هو فعلا جانى كما ارادته الكنيسة الارثوذكسية السكندرية ام مجنيا عليه .
تعليق