في عام 1844، دخل نظام جديد يقوم بعمل علامات على شريط ورقي عند إرسال نبضات كهربية.
واستخدم جهاز تلقي تلغراف مورس آلية ميكانيكية من أجل تحريك الشريط الورقي، فعندما يستقبل التيار الكهربي يقوم المغناطيس الكهربي بتشغيل ذراع يقوم بدفع إبرة على الشريط الورقي المتحرك، مما يتسبب في عمل علامات على الشريط، وعندما يتم قطع التيار، يسحب المغناطيس الكهربي الإبرة فيظل الشريط الورقي غير معلم عليه.
تم تطوير شفرة مورس حتى يستطيع المشغلون أن يترجموا العلامات الموجودة على الشريط الورقي ويحولوها إلى رسالات نصية. في هذا الكود البدائي، خطط مورس من أجل أن يرسل أرقام فقط، ويستخدم القاموس لكي يبحث عن الكلمة طبقا للرقم الذي قد أرسله.
ولكن، تم توسيع الكود من أجل أن يتضمن حروفا وأشكالا خاصة، حتى يتم استخدامه على قاعدة أوسع. العلامات القصيرة تسمى "نقطة" والطويلة تسمى "شرطة"، والحروف المستخدمة أكثر في اللغة الإنجليزية خصصت لها التتابعات القصيرة.
الفرع الثاني: لغة عالمية واحدة
وممّا يجب أن نلزمه النظر للغة "على أنّها غاية وجوهر وليست وسيلة، لذا دعا فارديناند دي سوسير إلى دراسة اللغة لذاتها وفي ذاتها، وعدّ هذا الإجراء انقلابًا فكريًا في التفكير اللساني، لأنه يميز بين اللغات ولا يفاضل[1]، وبعيدًا عن المفاضلة نجد أن اللغات الاصطناعية تمتاز بــ:
1- معظم هذه اللغات مشتقة من شكل مكتوب للغة، ومصممة لتسهيل التخاطب المكتوب بدلاً من التخاطب الشفوي. ممّا دفع بالعديد من اللغويين إلى اعتبارها صعبة المراس وأنّها لغة كتابة لا لغة كلام.
2- غالبًا ما يستغل ابتكار اللغة مبدأ المساومة التجارية بين المستويات اللغوية، هكذا يتم تقليص حجم المفردات الشاذة من خلال الدفع بمورفولوجيا اشتقاقية قوية... فيُمكن إجراء العديد من العمليات في كل مستوى أهمها، الإضافة والحذف والاستبدال وإعادة الترتيب أو التجميع. إلّا أنّ بعض الدراسات دلّت أنّ "اللغات الاصطناعية تتميز بالتحرر الكبير من السياق، عكس اللغات الطبيعية التي تخضع للسياق مما يكسبها قابلية التغير في الصياغة، أي جعلها أكثر إبداع[2]. "فكلمات اللغات الطبيعية، كما هو معلوم، تقدم معاني سياقية مختلفة[3]، عكس المفردات الاصطناعية التي تعجز عن ذلك.
3-إنّ مقياسًا هامًا لنجاح اللغات الاصطناعية يتمثل في قدرتها على الإبداع المكيف، ويُمكن ملاحظة أنّ معظم الأنظمة المبتدعة ليست مناسبة للتغيير، "إذ لا بدّ لكل لغة في كل أمة أو مجتمع أن تساير التطور والتقدم، كي تُسعف المتحدثين بها على إيجاد الألفاظ، لتدّل على المخترعات الجديدة مثلا، وكي تسّهل على المتلاغين بها التفاهم فيما بينهم، ولا تعجز عن تلبية حاجاتهم[4].
أجمع مفكرّو وكتّاب القرن التاسع عشر أنّ السلام العالمي لا يتحقق إلّا بلغة عالمية واحدة، وقد هدفت اللغات الاصطناعية كلها، التي نمت منها والتي وئدت في المهد، إلى توحيد شعوب العالم وجمعها على كلمة واحدة وصوت واحد. ولقد نسي هؤلاء جميعاً أن الاختلاف سنة كونية قال سبحانه وتعالى:
ﭐﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﱠ البقرة: ٢١٣
ويرى سابير أنّ اللغة الاصطناعية إنّما أوجدت لفهم الثقافة البشرية وقد كتب في مقاله (وظيفة اللغة المساعدة الدولية)، "إنّه الهدف من اللغة المساعدة الدولية، وما إذا كانت الحاجات الضمنية والجلية (التواصل) يمكن أن تتحقق باللغة المبنية أو اللغة الوطنية المتضمنة بعض التراجم المبسطة، فأنا أعتقد أنّ الصعوبة في مسألة اللغة الدولية ترتبط خاصة بافتقارها للوضوح كهذه الوظائف الأساسية[5].
قُطعت العديد من الطرق باتجاه لغة مساعدة دولية ابتداءً من أحلام فرنسيس لوديك (1619-1694)، توماس إيركهارت (1611-1660)، جون ويلكينز (1614-1672)، أو جورج دالجارنو (1626-1687)". إلى مساعي ديكارت الذي يعتبر مؤسس اللغة العالمية المساعدة، في رسالة إلى بيرميرسين 1629 يوضح فيها مقترحاته حول لغات لاحقة موجودة مبسطة ولغات أولية أيضًا، وذلك اقتراح رحبت به الأوساط الأكاديمية في الوقت الذي أدى فيه انحسار اللاتينية ونشوء اللغات القومية إلى جعل التواصل الأكاديمي بين العلماء من الأمم الأوربية المختلفة أمرا يزداد صعوبة.
إلّا أنّ أيًّا من هذه المجهودات لم تلق صداها ولم تجد ضالتها المنشودة في توحيد ألسنة العالم حتى ظهور ما يسّمى بلغة الفولابيك. ثم تلتها لغة: لانجابلو، بالتا، الإسبرانتو ثم الإيدو فالإسبرانتيدو، وبعدها لينجوا، الانترلينجوا وغيرهم كثير، وتعتبر الفولابيك، الإسبرانتو، الانترلينجوا الأشهر على الإطلاق، لذا سنحصر التفصيل على هذه الثلاثية اللغوية.
1-الفولابيك (volapuk): هي أوّل لغة مصطنعة، ابتكرها القس الألماني جوهان مارتن شيلر 1879، وتعتبر أقدم لغة مساعدة دولية مع بداية الألفية الثالثة، وفي الواقع هي بداية حركة اللغات العالمية المساعدة، كما هو معروف لدينا اليوم. وصممت الفولابيك كي تُستخدم كوسيلة اتصال بين الأشخاص ذوي اللغات الأصلية المختلفة. وقد هدف مصممها إلى: أوّلاً، انتاج لغة قادرة على التعبير عن الأفكار والمقاصد بكل وضوح ودقة، ثانيًا، جعل اكتسابها أسهل مما يمكن لأكبر عدد من الكائنات البشرية.
وهي مزيج من اللغة: الفرنسية، الألمانية، الإنجليزية واللاتينية بشكل رئيس، لذلك فإنّ معجمها مشتق من هذه اللغات من خلال عمليات منتظمة وأخرى عشوائية.
2-الإسبرانتو (Esperanto): هي الأخرى لغة مصطنعة ابتكرها رجل يهودي يطلق على نفسه اسم (دكتور إسبرانتو)، وهو اسم يأتي من كلمة إسبانية معناها "الأصل[6] .
[1] رابح بوحوش، اللسانيات وعلاقتها بالعلوم الإنسانية والتكنولوجية، مجلة مخبر اللسانيات واللغة العربية، جامعة عنابة، الجزائر، العدد 2، 2006، ص77
[2] لطفي بو قربة، محاضرات في اللسانيات التطبيقية، معهد الأدب العربي والعلوم الإنسانية، جامعة بشار، 2002-2003، ص65.
[3] بتصرف، رومان جاكبسون، الاتجاهات الأساسية في علم اللغة، تر: علي حاكم صالح وحسن ناظم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2002، ص100.
[4] بتصرف، أحمد عبد الرحمن حمّاد، عوامل التطور اللغوي، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1983، ص9
[5] Sapir E, The Function of an International Auxiliary Language, H.N. Shenton, E.Sapir and O.jesperson, International communication, A symposium on the Language Problem, London, GB, 1931, p 27
[6] عامر العظم، الاسبرانتو أوسع اللغات الاصطناعية انتشارا، جريدة عكاظ، الاثنين 26 شوال 1415هـ/27 مارس 1995، ص34.
لودفيك زامنهوف
مر علينا فيما سبق كيف أن اليهودي اليعـازر بن يهودا (1857 - 1922م)، يعتبر رائد إحياء اللغة العبرية الحديثة، واسمه الأصلي (اليعازر بيرلمان) والذي ولد في إحدى قرى ليتوانيا، وتلقى تعليماً دينياً تقليدياً..
وها هو اليهودي لودفيك زامنهوف وهو من مواليد 15 ديسمبر 1859م في بياليستوك، تخصّص في طبِّ العيون، وأتقن كل من اللغة الفرنسية واللاتينية والعبرية واليونانية والإنجليزية، وكان متحدِّثًا قويًّا للغة الألمانية الفصيحة، عدا عن إتقانه للغاته الأم وهم البولندية والروسية واليدشية، يُذكر أنَّ اللغات كانت تأخذ فحوى اهتمامه حتَّى ذاع صيته بها، فمع إتقانه لكل اللغات السابقة لم يكن يخفى على أحد اهتمامه باللغات الإيطالية والإسبانية والليثوانية، وبعد تعلمه لتلك اللغات جميعها أنتج لغة جديدة سمَّها بلغة الاسبرانتو، ومثلما سادت اللغة العبرية المصطنعة العالم ، فلسوف تسود هذه اللغة وإياكم والاستهتار وفيما يأتي تفصيلٌ للحديث عنها.
تعليق