هذه هدية للمنافحين احتراقًا عن الداروينية، الذين يقولون إن الصدفة لم تخطر ببال داروينيٍّ إلى اليوم، وإن الصدفة المتداولة في الأحياء هي هي الصدفة المتداولة في الفيزياء، وأن الدراونة يتكلمون بلسانٍ كوانتيٍّ مبينٍ بينما العيب في آذاننا، وأكتفي بالنقل دون تعليق لأنّ النقل يكفي.
يقول تشارلز دارون:
(جاء في كتاب أرسطو "إنصاتات طبيعية" بعد تعليقه على أنّ المطر لا يسقط من أجل جعل الحبوب تنمو، أكثر من سقوطه لإفساد حبوب الفلاح عندما يقوم بدرسها في الخلاء، فإنّه يطبق الاستنتاج نفسه على التعضية، ويضيف – كما جاء في ترجمة السيد كلير جريس الذي كان أول من لفت نظري إلى هذه العبارة -: "فما الذي يمنع الأجزاء المختلفة – من الجسم – من أن يكون لها مثل هذه العلاقة ذات الطبيعة العرضية البحتة، فإنّ الأسنان على سبيل المثال تنمو طبقًا للضرورة، فالأسنان الأمامية حادة ومعدة للقطع، والقواطع مسطحة وتستخدم في مضغ الطعام، وبالرغم من أنّه يتم تشكيل الأسنان من أجل هذه الأغراض، إلا أنّه قد حدث ذلك عن طريق الصدفة، ونفس الشيء ينطبق على الأجزاء الأخرى، التي يبدو فيها أنّ هناك تكيفًا ما نحو غايةٍ ما، وبالتالي – وبشكلٍ عام – فإنّ مجموع الأشياء معًا – أي جميع الأجزاء التي في كيانٍ واحد، قد حدث وكأنها قد صُنعت من أجل شيءٍ ما، وهذه الأحداث قد تم الاحتفاظ بها، وذلك لكونها تكونت بعفوائيةٍ داخلية، والأشياء التي لم تكوّن بهذه الطريقة نفسها قد اندثرت ومازالت تندثر" ونستطيع هنا أن نرى أنّ مبدأ الانتقاء الطبيعي قد بدأت ظلاله في الوضوح، ولكن الذي يظهر المدى البسيط لاستيعاب أرسطو الكامل لهذا المبدأ، فإنّه يظهر من تعليقاته على تكوين الأسنان)(1)، وقد تبع جون آفري دارون في هذا الادعاء، فجعل أرسطو الأول في رواد وضع نظرية تطورية(2)، وتبعهما موقع aboutdarwin.com ليقول إن أرسطو "درس الحيوانات البحرية، ووضع أنموذجًا للتطور لا يعتمد على الجينات، ووضع نظامًا لتصنيف جميع الحيوانات"(3).
ترى أيمثل نقل دارون عن أرسطو حقيقة مذهبه؟! أم أنّ أرسطو أورد هذا الكلام ليبرهن على استحالته؟!
فلننظر فيما قاله أرسطو، ثم ليحكم القارئ فيما فعله دارون في كلام أرسطو، أين موقعه من الأمانة العلمية ودقة البحث، يقول أرسطو:
(هناك صعوبة تطرح نفسها هنا وهي: لماذا لا تكون الطبيعة لا تعمل لمصلحةٍ ما، ولا لأنّ هذا أفضل، ولم لا يكون نزول المطر من السماء ليس لنمو الحبوب ولكن للضرورة؟ فما تبخر يجب أن يبرد، وما برد فلابد أن يتحول إلى مياه ثم ينزل، ونتيجة ذلك تكون أنّ الحبوب تنمو، تمامًا كما يفسد المطرُ الحبوبَ حين يدرسها الإنسان في الخلاء، لم يهطل المطر من أجل ذلك –أن يفسد الحبوب- ولكنّ هذه النتيجة تابعةٌ وحسب، فما الذي يمنع الأجزاء المختلفة – من الجسم – من أن يكون لها مثل هذه العلاقة ذات الطبيعة العرضية البحتة، فإنّ الأسنان على سبيل المثال تنمو طبقًا للضرورة، فالأسنان الأمامية حادة ومعدة للقطع، والقواطع مسطحة وتستخدم في مضغ الطعام، وبالرغم من أنّه يتم تشكيل الأسنان من أجل هذه الأغراض، إلا أنّه قد حدث ذلك عن طريق الصدفة، ونفس الشيء ينطبق على الأجزاء الأخرى، التي يبدو فيها أنّ هناك تكيفًا ما نحو غايةٍ ما، وبالتالي – وبشكلٍ عام – فإنّ مجموع الأشياء معًا – أي جميع الأجزاء التي في كيانٍ واحد، قد حدث وكأنها قد صُنعت من أجل شيءٍ ما، وهذه الأحداث قد تم الاحتفاظ بها، وذلك لكونها تكونت بعفوائيةٍ داخلية، والأشياء التي لم تكون بهذه الطريقة نفسها قد اندثرت ومازالت تندثر، كما اندثر نسل الثيران ذو وجه الإنسان على حد قول أمبيدوقليس!
مثل هذه الحجج وأشباهها قد تمثّل صعوبة بهذا الصدد، ولكن من المستحيل أن تكون هذه هي النظرة الصحيحة، لأنّ الأسنان وكل الأشياء الطبيعية الأخرى التي تحدث بصورةٍ دائمة – أو غالبة – الثبات، لا تحدث نتيجة الصدفة أو بطريقةٍ عفوية، وهذا هو الصحيح، فإنّنا لا ننسب للصدفة البحتة تكرار هطول المطر في الشتاء، ولكن قد ننسب ذلك للصدفة لو حدث في الصيف، ولا ننسب حرّ الصيف للصدفة، بينما قد نفعل ذلك في حال حدوث الحر في الشتاء، وحيث إنّ الاتفاق على أنّ الأشياء إما أن تحدث نتيجة الصدفة أو لغرضٍ ما، فإنّ هذه الأشياء لا يمكن أن تكون نتيجة الصدفة أو العفوية، وبالتالي يبقى أنّها لابد أن تكون لغرضٍ ما)(4).
يقول مايكل روس: (إن أفلاطون وأرسطو ظنّا أن العالم – وخصوصًا عالم الأحياء – يدل على النظام والقصد، وهذا ليس شيئًا يمكن ظهوره عن طريق مجموعة من القوانين العمياء غير المنظمة، وبالتأكيد ليس هذا العالم شيئًا يمكن تحوله من البدايات البسيطة إلى التعقيد الذي يرونه .. فهو صُمّم ولم تنتجه عملية طبيعية)(5).
تقول جيليان بير: (الانتخاب الطبيعي والتكيف يستلزمان أنّه لا يمكن أن يكون هناك تصميمٌ سابق، حيث إنّ مطابقة حاجة الكائن للوسط المحيط به كان نتيجة الصدفة، ونرى أن أرسطو في الفصل الثامن من الكتاب الثاني من كتابه "الفيزياء"، اعتبر احتمالية أن تكون "هذه الأشياء تحيا نتيجة تكوينها على الوجه اللائق بصورة عفويةٍ، في حين أنّ الأشياء التي لم تكن كذلك استمرت في الاندثار"، ولكنّ أرسطو رفض هذه الفكرة، إذ إنّه "من المستحيل أن تكون هذه هي النظرة الصحيحة، لأنّ الأسنان وكل الأشياء الطبيعية الأخرى التي تحدث بصورةٍ دائمة – أو غالبة – الثبات، لا تحدث نتيجة الصدفة أو بطريقةٍ عفوية، وهذا هو الصحيح")(6) .
-----------
الحواشي:
(1) أصل الأنواع – تأليف: تشارلز دارون – ترجمة: مجدي محمود المليجي – صفحة 37.
(2) Information theory and evolution – John Avery – P 1.
(3) http://www.aboutdarwin.com/literature/Pre_Dar.html
(4) The complete works of Aristotle – Physics – Book II – P 31,32.
(5) Evolution the first four billion years – Michael Ruse & Joseph Travis- p 1&2.
(6) Darwin's plots "evolutionary narrative in Darwin, George Eliot and nineteenth-century fiction" – Gillian Beer – P38.
يقول تشارلز دارون:
(جاء في كتاب أرسطو "إنصاتات طبيعية" بعد تعليقه على أنّ المطر لا يسقط من أجل جعل الحبوب تنمو، أكثر من سقوطه لإفساد حبوب الفلاح عندما يقوم بدرسها في الخلاء، فإنّه يطبق الاستنتاج نفسه على التعضية، ويضيف – كما جاء في ترجمة السيد كلير جريس الذي كان أول من لفت نظري إلى هذه العبارة -: "فما الذي يمنع الأجزاء المختلفة – من الجسم – من أن يكون لها مثل هذه العلاقة ذات الطبيعة العرضية البحتة، فإنّ الأسنان على سبيل المثال تنمو طبقًا للضرورة، فالأسنان الأمامية حادة ومعدة للقطع، والقواطع مسطحة وتستخدم في مضغ الطعام، وبالرغم من أنّه يتم تشكيل الأسنان من أجل هذه الأغراض، إلا أنّه قد حدث ذلك عن طريق الصدفة، ونفس الشيء ينطبق على الأجزاء الأخرى، التي يبدو فيها أنّ هناك تكيفًا ما نحو غايةٍ ما، وبالتالي – وبشكلٍ عام – فإنّ مجموع الأشياء معًا – أي جميع الأجزاء التي في كيانٍ واحد، قد حدث وكأنها قد صُنعت من أجل شيءٍ ما، وهذه الأحداث قد تم الاحتفاظ بها، وذلك لكونها تكونت بعفوائيةٍ داخلية، والأشياء التي لم تكوّن بهذه الطريقة نفسها قد اندثرت ومازالت تندثر" ونستطيع هنا أن نرى أنّ مبدأ الانتقاء الطبيعي قد بدأت ظلاله في الوضوح، ولكن الذي يظهر المدى البسيط لاستيعاب أرسطو الكامل لهذا المبدأ، فإنّه يظهر من تعليقاته على تكوين الأسنان)(1)، وقد تبع جون آفري دارون في هذا الادعاء، فجعل أرسطو الأول في رواد وضع نظرية تطورية(2)، وتبعهما موقع aboutdarwin.com ليقول إن أرسطو "درس الحيوانات البحرية، ووضع أنموذجًا للتطور لا يعتمد على الجينات، ووضع نظامًا لتصنيف جميع الحيوانات"(3).
ترى أيمثل نقل دارون عن أرسطو حقيقة مذهبه؟! أم أنّ أرسطو أورد هذا الكلام ليبرهن على استحالته؟!
فلننظر فيما قاله أرسطو، ثم ليحكم القارئ فيما فعله دارون في كلام أرسطو، أين موقعه من الأمانة العلمية ودقة البحث، يقول أرسطو:
(هناك صعوبة تطرح نفسها هنا وهي: لماذا لا تكون الطبيعة لا تعمل لمصلحةٍ ما، ولا لأنّ هذا أفضل، ولم لا يكون نزول المطر من السماء ليس لنمو الحبوب ولكن للضرورة؟ فما تبخر يجب أن يبرد، وما برد فلابد أن يتحول إلى مياه ثم ينزل، ونتيجة ذلك تكون أنّ الحبوب تنمو، تمامًا كما يفسد المطرُ الحبوبَ حين يدرسها الإنسان في الخلاء، لم يهطل المطر من أجل ذلك –أن يفسد الحبوب- ولكنّ هذه النتيجة تابعةٌ وحسب، فما الذي يمنع الأجزاء المختلفة – من الجسم – من أن يكون لها مثل هذه العلاقة ذات الطبيعة العرضية البحتة، فإنّ الأسنان على سبيل المثال تنمو طبقًا للضرورة، فالأسنان الأمامية حادة ومعدة للقطع، والقواطع مسطحة وتستخدم في مضغ الطعام، وبالرغم من أنّه يتم تشكيل الأسنان من أجل هذه الأغراض، إلا أنّه قد حدث ذلك عن طريق الصدفة، ونفس الشيء ينطبق على الأجزاء الأخرى، التي يبدو فيها أنّ هناك تكيفًا ما نحو غايةٍ ما، وبالتالي – وبشكلٍ عام – فإنّ مجموع الأشياء معًا – أي جميع الأجزاء التي في كيانٍ واحد، قد حدث وكأنها قد صُنعت من أجل شيءٍ ما، وهذه الأحداث قد تم الاحتفاظ بها، وذلك لكونها تكونت بعفوائيةٍ داخلية، والأشياء التي لم تكون بهذه الطريقة نفسها قد اندثرت ومازالت تندثر، كما اندثر نسل الثيران ذو وجه الإنسان على حد قول أمبيدوقليس!
مثل هذه الحجج وأشباهها قد تمثّل صعوبة بهذا الصدد، ولكن من المستحيل أن تكون هذه هي النظرة الصحيحة، لأنّ الأسنان وكل الأشياء الطبيعية الأخرى التي تحدث بصورةٍ دائمة – أو غالبة – الثبات، لا تحدث نتيجة الصدفة أو بطريقةٍ عفوية، وهذا هو الصحيح، فإنّنا لا ننسب للصدفة البحتة تكرار هطول المطر في الشتاء، ولكن قد ننسب ذلك للصدفة لو حدث في الصيف، ولا ننسب حرّ الصيف للصدفة، بينما قد نفعل ذلك في حال حدوث الحر في الشتاء، وحيث إنّ الاتفاق على أنّ الأشياء إما أن تحدث نتيجة الصدفة أو لغرضٍ ما، فإنّ هذه الأشياء لا يمكن أن تكون نتيجة الصدفة أو العفوية، وبالتالي يبقى أنّها لابد أن تكون لغرضٍ ما)(4).
يقول مايكل روس: (إن أفلاطون وأرسطو ظنّا أن العالم – وخصوصًا عالم الأحياء – يدل على النظام والقصد، وهذا ليس شيئًا يمكن ظهوره عن طريق مجموعة من القوانين العمياء غير المنظمة، وبالتأكيد ليس هذا العالم شيئًا يمكن تحوله من البدايات البسيطة إلى التعقيد الذي يرونه .. فهو صُمّم ولم تنتجه عملية طبيعية)(5).
تقول جيليان بير: (الانتخاب الطبيعي والتكيف يستلزمان أنّه لا يمكن أن يكون هناك تصميمٌ سابق، حيث إنّ مطابقة حاجة الكائن للوسط المحيط به كان نتيجة الصدفة، ونرى أن أرسطو في الفصل الثامن من الكتاب الثاني من كتابه "الفيزياء"، اعتبر احتمالية أن تكون "هذه الأشياء تحيا نتيجة تكوينها على الوجه اللائق بصورة عفويةٍ، في حين أنّ الأشياء التي لم تكن كذلك استمرت في الاندثار"، ولكنّ أرسطو رفض هذه الفكرة، إذ إنّه "من المستحيل أن تكون هذه هي النظرة الصحيحة، لأنّ الأسنان وكل الأشياء الطبيعية الأخرى التي تحدث بصورةٍ دائمة – أو غالبة – الثبات، لا تحدث نتيجة الصدفة أو بطريقةٍ عفوية، وهذا هو الصحيح")(6) .
-----------
الحواشي:
(1) أصل الأنواع – تأليف: تشارلز دارون – ترجمة: مجدي محمود المليجي – صفحة 37.
(2) Information theory and evolution – John Avery – P 1.
(3) http://www.aboutdarwin.com/literature/Pre_Dar.html
(4) The complete works of Aristotle – Physics – Book II – P 31,32.
(5) Evolution the first four billion years – Michael Ruse & Joseph Travis- p 1&2.
(6) Darwin's plots "evolutionary narrative in Darwin, George Eliot and nineteenth-century fiction" – Gillian Beer – P38.
تعليق