ما جاء في الصراط
بسم الله والحمد لله والصـلاة والسـلام على رســول الله ,
: وفي ورود الأخبار بذكر الصراط وهو جسر جهنم، بيان أن الجنة في علو، كما أن جهنم في السفل، إذا لو لم يكن كذلك لم يحتج الصائر إليها إلى الجسر.
قال سعيد أنه: بلغنا أن الصراط يوم القيامة وهو الجسر يكون على بعض الناس أدقّ من الشعرة، وعلى بعضهم مثل الدار الواسع.
قال بعض العلماء ان الكفّار لا يجاوزن على الصراط لأنهم في معدن النار،
قال غيرهم: إنهم يركبون الصراط، ثم قد يكون أبواب جهنم فروجا في الجسر كأبواب السطوح، فهم يقذفون منها في جهنم ليكون غمّهم أشدّ وأفظع، وإلقاؤهم من الجسر أخوف وأهول، وفرح المؤمنين بالخلاص أكثر وأعظم،
وما في القرآن من قول اللّه عزّ وجل: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ، وقوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ... كالدليل على هذا، لأن الإلقاء في الشيء أكثر ما يستعمل في الطّرح من علوّ إلى أسفل، واللّه أعلم بكيفية ذلك.
وأما المنافقون.. فالأشبه أنهم يركبون الجسر مع المؤمنين ليمشوا في نورهم، فيظلم اللّه عزّ وجل على المنافقين فيقولون للمؤمنين: ((انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً.))
فيرجعون إلى المكان الذي قسّم فيه النور على قدر إيمانهم وأعمالهم فلا يجدون شيئا، فينصرفون وقد ((ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ يُنادُونَهُمْ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ)) نصلي بصلاتكم ونغزوا مغازيكم قالُوا بَلى وَ لكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ.
فيحتمل- واللّه أعلم- أن هذا السور إنما يضرب عند انتهاء الصراط، ويترك له باب يخلص منه المؤمنون إلى طريق الجنة، فذلك هو الرحمة التي في باطنه، وأما ظاهره، فإنه يلي النار، وإن كانت النار سافلة عنه لا محاذية إياه، فإذا لم يجد المنافقون إلى باطن السور سبيلا، فليس إلا أن يقذفوا من أعلى الصراط، فيهوون منه إلى الدرك الأسفل من النار، هذا باستهزائهم بالمؤمنين في دار الدنيا
قال اللّه عزّ وجل: ((فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا.))
اختلف أهل العلم بالتفسير في معنى هذا الورود.
وقد يكون هذا الورود من وراء الصراط كما قال عبد اللّه بن مسعود، وسمّاه باسم النار لأنه جسر جهنم ومنه يلقى فيها من يلقى، ومنه تخطف الكلاليب من تخطف، وعليه الحسك وألوان العذاب ما عليه، إلا أن اللّه تعالى ينجي الذين اتقوا يعني بالجواز عنه ويذر الظالمين فيها جثيّا أي في جهنم على الرّكب بعد ما يلقى فيها من الصراط واللّه أعلم.
وقد روينا في الحديث الثابت عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في حديث الرؤية قال: «فينصب الجسر على جهنم ويقولون: اللّهمّ سلم سلم»، قيل:
يا رسول اللّه وما الجسر؟ قال: «دحض مزلّة عليه خطاطيف وكلاليب وحسك، يكون بنجد فيه شوك يقال له السعدان، فيمرّ المؤمن كطرف العين، والبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل، فناج مسلّم. ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار ...
وفي رواية عبد اللّه بن مسعود: فيمرّون على قدر أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخرّ يد، وتعلق يد، وتخرّ رجل، وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون فإذا خلصوا قالوا: الحمد للّه الذي نجّانا منك بعد الذي أراناك.
وذلك يبيّن ما قلناه في الورود أنه يحتمل أن يكون المراد به المرور على الصراط.
وذهب عبد اللّه بن عباس ... أن المراد به الدخول.
فيكون ذلك ولوجا من غير مسّ نار وإصابة أذى كما روينا عن خالد بن معدان وهو من أكابر التابعين أنه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: يا رب أ لم تعدنا أن نرد النار؟ قال: بلى، مررتم وهي خامدة،
قال مقاتل بن سليمان : يجعل اللّه النار على المؤمنين يومئذ بردا وسلاما كما جعلها على إبراهيم عليه السلام.
وروى البيهقي عن جابر أنه قال: صمت إن لم أكن سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «الورود الدخول: لا يبقى برّ ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام، حتى إن للنار- أو قال- لجهنم ضجيجا من بردهم، ثم ينجي اللّه الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيّا.
وهذا تأويل قوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فيقول:وردوها، ولم يصبهم من حرّها شيء إلا ليبرّ اللّه قسمه.
وروى البيهقي حديث حفصة أنها سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: «لا يدخل النار إن شاء اللّه من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها». قالت: بلى يا رسول اللّه، فانتهرها، فقالت حفصة: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: «فقد قال اللّه عزّ وجل: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا».
وهذا يحتمل أن يكون النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما نفى عن أصحاب الشجرة دخول النار البقاء فيها، أو دخولا يمسّهم منها أذى، لا أصل الدخول، ألا تراه احتج بقوله:ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا.
[184]- عن مسروق عن عبد اللّه قال: يجمع اللّه الناس يوم القيامة فينادي مناد: يا أيها الناس ألا ترضون من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وصوّركم أن يولي كل إنسان منكم إلى من كان يتولى في الدنيا: قال: فيتمثّل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويتمثّل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، حتى تتمثّل الشجرة والعود والحجر، ويبقى أهل الإسلام جثوما، فيقال لهم: ما لكم لم تنطلقوا كما ينطلق الناس؟ فيقولون: ان لنا رب لم يات بعد بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه، قالوا: وما هي؟ قالوا: يكشف عن ساق، قال:
فيكشف عند ذلك عن ساق قال: فيخرّ- أظنه قال- من كان يعبده ساجدا، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود قال: فلا يستطيعون، ثم يؤمرون، فيرفعون رءوسهم، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، قال: فمنهم من يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة وينطفئ مرة، فإذا أضاء قدّم قدمه، وإذا انطفأ قام، قال: فيمرّون على الصراط كحد السيف دحض مزلّة، فيقال لهم:
امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمرّ كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمرّ كالريح، ومنهم من يمرّ كالطرف، ومنهم من يمرّ كشدّ الرّحل، ويرمل رملا، فيمرّون على قدر أعمالهم، حتى يمرّ الذي نوره على إبهام قدمه، تخرّ يد، وتعلّق يد، وتخرّ رجل، وتعلّق رجل، وتصيب جوانبه النار، قال: فيخلصون، فإذا خلصوا قالوا: الحمد للّه الذي نجّانا منك بعد أن أراناك، لقد أعطانا اللّه ما لم يعط أحدا.
قال مسروق: فما بلغ عبد اللّه هذا المكان من الحديث إلا ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لقد حدّثت هذا الحديث مرارا فكلما بلغت هذا المكان من الحديث ضحكت، فقال عبد اللّه: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحدّثه مرارا فما بلغ هذا المكان من الحديث إلا ضحك حتى تبدو لهاته، ويبدو آخر ضرس من أضراسه لقول الإنسان: أ تهزأ بي وأنت ربّ العالمين، فيقول: لا ولكني على ذلك قادر «1».
[185]- ، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: بينما الناس في ظلمة إذ بعث اللّه نورا، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور دليلا لهم من اللّه إلى الجنة، فلما رأى المنافقون المؤمنين انطلقوا إلى النور تبعوهم، فأظلم اللّه على المنافقين، فقالوا حينئذ: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ فإنّا كنّا معكم في الدنيا، قال المؤمنون: ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فالتمسوا من هنالك النور « : يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى «قال: ليس أحد من الموحّدين إلا يعطى نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق فهو يقول: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا «
[187]- قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حدّ السيف المرهف، مدحضة مزلّة، عليه كلاليب يخطف بها، فممسك يهوي فيها ويستبقون عليه بأعمالهم، فمنهم من شدّه كالبرق فذاك الذي لا ينشب أن ينجو، ومنهم من شدّه كالريح، ومنهم من شدّه كالفرس الجواد، ومنهم من شدّه كهرولة الرجل، ثم كرمل الرجل، ثم كمشي الرجل، والملائكة يقولون: اللهمّ سلم سلم وآخر من يدخل الجنة رجل لوّحته النار فيقول اللّه: سل وتمن، فيقول: يا رب أ تسخر مني وأنت ربّ العالمين؟ فيقول:
إني لا أسخر منك، ولكني على ما أشاء قادر فسل وتمن، فإذا فرغ قال: لك ما سألت ومثله معه «
[191] عن ابن عباس في قوله: يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا «» قال:يدفعون « قال «الصراط على جهنم مثل حرف السيف، بجنبتيه الكلاليب والحسك، فيركبه الناس فيختطفون، والذي نفسي بيده إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر»
[193]- قال مجاهد: إن الصراط مثل حدّ السيف، دحض مزلّة يتكفأ، والملائكة والأنبياء قياما يقولون، ربّ سلم سلم، والملائكة يخطفون بالكلاليب.
[194]- عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سميّة قال: اختلفنا هاهنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم: يدخلونها جميعا وَ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا «» فلقيت جابر بن عبد اللّه فقلت له: إنّا اختلفنا فيها بالبصرة فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضنا: يدخلونها جميعا، فأهوى بإصبعيه إلى أذنيه فقال: صمتا إن لم أكن سمعت رسول اللّه يقول: «الورود الدخول، لا يبقى برّ ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار أو قال لجهنم ضجيجا من بردهم ثم ينجي اللّه الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيّا «
[195]- ، عن مجاهد قال: كنت عند ابن عبّاس فأتاه رجل يقال له أبو راشد وهو نافع بن الأزرق فقال له: يا ابن عباس أ رأيت قول اللّه: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا قال: أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها، فانظر هل نصدر عنها أم لا «
[196]- قال ابن عباس في قوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها: يعني البرّ والفاجر، أ لم تسمع إلى قول اللّه تعالى لفرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ «»، وقال: وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً «» فسمّى الورود في النار دخولا، وليس بصادر «».
[197]- و قال ابن مسعود وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قال: يدخلونها، أو: يلجونها ثم يصدرون منها بأعمالهم «
[199]- بكى عبد اللّه بن رواحة في مرضه، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال ابن رواحة: إني أعلم أني وارد النار، ولا أدري أ ناج منها أم لا «
[200]- عن عكرمة في قوله عزّ وجل: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قال:
الدخول.
[206]- ، عن بشر بن شغاف قال: كنّا جلوسا مع عبد اللّه بن سلام فذكر الحديث إلى أن قال: وإن أكرم الخلائق على اللّه تعالى أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم، وإن الجنة في السماء، وإن النار في الأرض، فإذا كان يوم القيامة بعث اللّه الخلائق أمة أمة ونبيّا نبيا، ثم يوضع الجسر على جهنم، ثم ينادي مناد:
أين أحمد وأمته؟ فيقوم وتتبعه أمته برّها وفاجرها، فيأخذون الجسر، فيطمس اللّه أبصار أعدائه فيتهافتون فيها من يمين وشمال، وينجو النبي صلى اللّه عليه وسلم والصالحون معه،وتتلاقاهم الملائكة وثبا، يرونهم منازلهم من الجنة: على يمينك، على يسارك على يمينك، على يسارك، ثم ذكر مرور كل نبي وأمته.
وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلّة القسم». ثم قرأ سفيان: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.
و الحمد لله رب العالمين اللهم صلى وسلم وبارك على الرسول الامين اللهم اغفر ورحم والداى وزوجتى والمؤمنين
بسم الله والحمد لله والصـلاة والسـلام على رســول الله ,
: وفي ورود الأخبار بذكر الصراط وهو جسر جهنم، بيان أن الجنة في علو، كما أن جهنم في السفل، إذا لو لم يكن كذلك لم يحتج الصائر إليها إلى الجسر.
قال سعيد أنه: بلغنا أن الصراط يوم القيامة وهو الجسر يكون على بعض الناس أدقّ من الشعرة، وعلى بعضهم مثل الدار الواسع.
قال بعض العلماء ان الكفّار لا يجاوزن على الصراط لأنهم في معدن النار،
قال غيرهم: إنهم يركبون الصراط، ثم قد يكون أبواب جهنم فروجا في الجسر كأبواب السطوح، فهم يقذفون منها في جهنم ليكون غمّهم أشدّ وأفظع، وإلقاؤهم من الجسر أخوف وأهول، وفرح المؤمنين بالخلاص أكثر وأعظم،
وما في القرآن من قول اللّه عزّ وجل: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ، وقوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ... كالدليل على هذا، لأن الإلقاء في الشيء أكثر ما يستعمل في الطّرح من علوّ إلى أسفل، واللّه أعلم بكيفية ذلك.
وأما المنافقون.. فالأشبه أنهم يركبون الجسر مع المؤمنين ليمشوا في نورهم، فيظلم اللّه عزّ وجل على المنافقين فيقولون للمؤمنين: ((انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً.))
فيرجعون إلى المكان الذي قسّم فيه النور على قدر إيمانهم وأعمالهم فلا يجدون شيئا، فينصرفون وقد ((ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ يُنادُونَهُمْ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ)) نصلي بصلاتكم ونغزوا مغازيكم قالُوا بَلى وَ لكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ.
فيحتمل- واللّه أعلم- أن هذا السور إنما يضرب عند انتهاء الصراط، ويترك له باب يخلص منه المؤمنون إلى طريق الجنة، فذلك هو الرحمة التي في باطنه، وأما ظاهره، فإنه يلي النار، وإن كانت النار سافلة عنه لا محاذية إياه، فإذا لم يجد المنافقون إلى باطن السور سبيلا، فليس إلا أن يقذفوا من أعلى الصراط، فيهوون منه إلى الدرك الأسفل من النار، هذا باستهزائهم بالمؤمنين في دار الدنيا
قال اللّه عزّ وجل: ((فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا.))
اختلف أهل العلم بالتفسير في معنى هذا الورود.
وقد يكون هذا الورود من وراء الصراط كما قال عبد اللّه بن مسعود، وسمّاه باسم النار لأنه جسر جهنم ومنه يلقى فيها من يلقى، ومنه تخطف الكلاليب من تخطف، وعليه الحسك وألوان العذاب ما عليه، إلا أن اللّه تعالى ينجي الذين اتقوا يعني بالجواز عنه ويذر الظالمين فيها جثيّا أي في جهنم على الرّكب بعد ما يلقى فيها من الصراط واللّه أعلم.
وقد روينا في الحديث الثابت عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في حديث الرؤية قال: «فينصب الجسر على جهنم ويقولون: اللّهمّ سلم سلم»، قيل:
يا رسول اللّه وما الجسر؟ قال: «دحض مزلّة عليه خطاطيف وكلاليب وحسك، يكون بنجد فيه شوك يقال له السعدان، فيمرّ المؤمن كطرف العين، والبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل، فناج مسلّم. ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار ...
وفي رواية عبد اللّه بن مسعود: فيمرّون على قدر أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخرّ يد، وتعلق يد، وتخرّ رجل، وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون فإذا خلصوا قالوا: الحمد للّه الذي نجّانا منك بعد الذي أراناك.
وذلك يبيّن ما قلناه في الورود أنه يحتمل أن يكون المراد به المرور على الصراط.
وذهب عبد اللّه بن عباس ... أن المراد به الدخول.
فيكون ذلك ولوجا من غير مسّ نار وإصابة أذى كما روينا عن خالد بن معدان وهو من أكابر التابعين أنه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: يا رب أ لم تعدنا أن نرد النار؟ قال: بلى، مررتم وهي خامدة،
قال مقاتل بن سليمان : يجعل اللّه النار على المؤمنين يومئذ بردا وسلاما كما جعلها على إبراهيم عليه السلام.
وروى البيهقي عن جابر أنه قال: صمت إن لم أكن سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «الورود الدخول: لا يبقى برّ ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام، حتى إن للنار- أو قال- لجهنم ضجيجا من بردهم، ثم ينجي اللّه الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيّا.
وهذا تأويل قوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فيقول:وردوها، ولم يصبهم من حرّها شيء إلا ليبرّ اللّه قسمه.
وروى البيهقي حديث حفصة أنها سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: «لا يدخل النار إن شاء اللّه من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها». قالت: بلى يا رسول اللّه، فانتهرها، فقالت حفصة: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: «فقد قال اللّه عزّ وجل: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا».
وهذا يحتمل أن يكون النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما نفى عن أصحاب الشجرة دخول النار البقاء فيها، أو دخولا يمسّهم منها أذى، لا أصل الدخول، ألا تراه احتج بقوله:ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا.
[184]- عن مسروق عن عبد اللّه قال: يجمع اللّه الناس يوم القيامة فينادي مناد: يا أيها الناس ألا ترضون من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وصوّركم أن يولي كل إنسان منكم إلى من كان يتولى في الدنيا: قال: فيتمثّل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويتمثّل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، حتى تتمثّل الشجرة والعود والحجر، ويبقى أهل الإسلام جثوما، فيقال لهم: ما لكم لم تنطلقوا كما ينطلق الناس؟ فيقولون: ان لنا رب لم يات بعد بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه، قالوا: وما هي؟ قالوا: يكشف عن ساق، قال:
فيكشف عند ذلك عن ساق قال: فيخرّ- أظنه قال- من كان يعبده ساجدا، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود قال: فلا يستطيعون، ثم يؤمرون، فيرفعون رءوسهم، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، قال: فمنهم من يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة وينطفئ مرة، فإذا أضاء قدّم قدمه، وإذا انطفأ قام، قال: فيمرّون على الصراط كحد السيف دحض مزلّة، فيقال لهم:
امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمرّ كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمرّ كالريح، ومنهم من يمرّ كالطرف، ومنهم من يمرّ كشدّ الرّحل، ويرمل رملا، فيمرّون على قدر أعمالهم، حتى يمرّ الذي نوره على إبهام قدمه، تخرّ يد، وتعلّق يد، وتخرّ رجل، وتعلّق رجل، وتصيب جوانبه النار، قال: فيخلصون، فإذا خلصوا قالوا: الحمد للّه الذي نجّانا منك بعد أن أراناك، لقد أعطانا اللّه ما لم يعط أحدا.
قال مسروق: فما بلغ عبد اللّه هذا المكان من الحديث إلا ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لقد حدّثت هذا الحديث مرارا فكلما بلغت هذا المكان من الحديث ضحكت، فقال عبد اللّه: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحدّثه مرارا فما بلغ هذا المكان من الحديث إلا ضحك حتى تبدو لهاته، ويبدو آخر ضرس من أضراسه لقول الإنسان: أ تهزأ بي وأنت ربّ العالمين، فيقول: لا ولكني على ذلك قادر «1».
[185]- ، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: بينما الناس في ظلمة إذ بعث اللّه نورا، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور دليلا لهم من اللّه إلى الجنة، فلما رأى المنافقون المؤمنين انطلقوا إلى النور تبعوهم، فأظلم اللّه على المنافقين، فقالوا حينئذ: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ فإنّا كنّا معكم في الدنيا، قال المؤمنون: ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فالتمسوا من هنالك النور « : يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى «قال: ليس أحد من الموحّدين إلا يعطى نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق فهو يقول: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا «
[187]- قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حدّ السيف المرهف، مدحضة مزلّة، عليه كلاليب يخطف بها، فممسك يهوي فيها ويستبقون عليه بأعمالهم، فمنهم من شدّه كالبرق فذاك الذي لا ينشب أن ينجو، ومنهم من شدّه كالريح، ومنهم من شدّه كالفرس الجواد، ومنهم من شدّه كهرولة الرجل، ثم كرمل الرجل، ثم كمشي الرجل، والملائكة يقولون: اللهمّ سلم سلم وآخر من يدخل الجنة رجل لوّحته النار فيقول اللّه: سل وتمن، فيقول: يا رب أ تسخر مني وأنت ربّ العالمين؟ فيقول:
إني لا أسخر منك، ولكني على ما أشاء قادر فسل وتمن، فإذا فرغ قال: لك ما سألت ومثله معه «
[191] عن ابن عباس في قوله: يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا «» قال:يدفعون « قال «الصراط على جهنم مثل حرف السيف، بجنبتيه الكلاليب والحسك، فيركبه الناس فيختطفون، والذي نفسي بيده إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر»
[193]- قال مجاهد: إن الصراط مثل حدّ السيف، دحض مزلّة يتكفأ، والملائكة والأنبياء قياما يقولون، ربّ سلم سلم، والملائكة يخطفون بالكلاليب.
[194]- عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سميّة قال: اختلفنا هاهنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم: يدخلونها جميعا وَ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا «» فلقيت جابر بن عبد اللّه فقلت له: إنّا اختلفنا فيها بالبصرة فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضنا: يدخلونها جميعا، فأهوى بإصبعيه إلى أذنيه فقال: صمتا إن لم أكن سمعت رسول اللّه يقول: «الورود الدخول، لا يبقى برّ ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار أو قال لجهنم ضجيجا من بردهم ثم ينجي اللّه الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيّا «
[195]- ، عن مجاهد قال: كنت عند ابن عبّاس فأتاه رجل يقال له أبو راشد وهو نافع بن الأزرق فقال له: يا ابن عباس أ رأيت قول اللّه: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا قال: أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها، فانظر هل نصدر عنها أم لا «
[196]- قال ابن عباس في قوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها: يعني البرّ والفاجر، أ لم تسمع إلى قول اللّه تعالى لفرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ «»، وقال: وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً «» فسمّى الورود في النار دخولا، وليس بصادر «».
[197]- و قال ابن مسعود وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قال: يدخلونها، أو: يلجونها ثم يصدرون منها بأعمالهم «
[199]- بكى عبد اللّه بن رواحة في مرضه، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال ابن رواحة: إني أعلم أني وارد النار، ولا أدري أ ناج منها أم لا «
[200]- عن عكرمة في قوله عزّ وجل: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قال:
الدخول.
[206]- ، عن بشر بن شغاف قال: كنّا جلوسا مع عبد اللّه بن سلام فذكر الحديث إلى أن قال: وإن أكرم الخلائق على اللّه تعالى أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم، وإن الجنة في السماء، وإن النار في الأرض، فإذا كان يوم القيامة بعث اللّه الخلائق أمة أمة ونبيّا نبيا، ثم يوضع الجسر على جهنم، ثم ينادي مناد:
أين أحمد وأمته؟ فيقوم وتتبعه أمته برّها وفاجرها، فيأخذون الجسر، فيطمس اللّه أبصار أعدائه فيتهافتون فيها من يمين وشمال، وينجو النبي صلى اللّه عليه وسلم والصالحون معه،وتتلاقاهم الملائكة وثبا، يرونهم منازلهم من الجنة: على يمينك، على يسارك على يمينك، على يسارك، ثم ذكر مرور كل نبي وأمته.
وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلّة القسم». ثم قرأ سفيان: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.
و الحمد لله رب العالمين اللهم صلى وسلم وبارك على الرسول الامين اللهم اغفر ورحم والداى وزوجتى والمؤمنين