الحساب والعرض وتطاير الصحف
بسم الله والحمد لله والصـلاة والسـلام على رســول الله ,
قال اللّه عزّ وجل: (( وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً. ))
وقال عزّ وجل: إِنَّ ((عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ. ))
وقال تعالى: (( عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. ))
وقال: ((هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. ))
وأخبر أن الذين يقرءون كتبهم يقولون: ((ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها. ))
وأن مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ(( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ))
وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ ((يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ. ))
((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَ يَصْلى سَعِيراً. ))
وإذا وقف الناس على أعمالهم من الصحف التي يؤتونها حوسبوا بها، ولعل ذلك- واللّه أعلم- لأن الناس إذا بعثوا لا يكونون ذاكرين لأعمالهم فإن اللّه عزّ وجل قال: ((يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ.))
فإذا ذكروها ووقفوا عليها حوسبوا عليها. وقد جاء في كيفية المحاسبة أخباروقد أخبر اللّه عزّ وجل ثناؤه أن المحاسبة تكون بشهادة النبيين والشهداء
قال تعالى: وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ، قال:
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.
والشهيد في هذه الآية النبي صلى اللّه عليه وسلم، وشهيد كل أمة نبيّها عليهم السلام، وأما الشهداء في الآية قبلها فالأظهر أنهم كتبة الأعمال، تحضر الأمة ورسولها فيقال للقوم: ما ذا أجبتم المرسلين؟ ويقال للرسل: ما ذا أجبتم؟ فيقول الرسل للّه: لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ وكأنهم نسوا ما أجيبوا به، وتأخذ الهيبة بمجامع قلوبهم فيذهلون في تلك الساعة عن الجواب، ثم يثبّتهم اللّه ويحدث لهم ذكرى فيشهدون بما أجابتهم أمتهم.
: ودلّت الأخبار عن سيدنا المصطفى صلى اللّه عليه وسلم على أن كثيرا من المؤمنين يدخلون الجنة بغير حساب، وكثيرا منهم يحاسبون حسابا يسيرا، وكثيرا منهم يحاسبون حسابا شديدا.
[1]- عن عدي بن حاتم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى شيئا إلا شيئا قدّمه، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدّمه، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشقّ تمرة».
[2]- و عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «يجيء النبي يوم القيامة، ومعه الثلاثة والأربعة والرجلان، حتى يجيء النبي وليس معه أحد، قال: فيقال لهم: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم، قال: فيدعى قومهم فيقال لهم: هل بلغكم؟
فيقولون لا، قال: فيقال للنبيّين: من يشهد لكم أنكم قد بلغتم؟ قال: فيقولون:
أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم قال: فتدعى أمة محمد فيشهدون أنهم قد بلغوا، قال: فيقولون:
جاءنا رسولنا بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه، قال: فيقال: صدقتم، قال:
وذلك قول اللّه عزّ وجل في كتابه: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
[146]- قال أنس بن مالك: كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فضحك وقال: «هل تدرون ممّ أضحك»؟ قال: قلنا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «من مخاطبة العبد ربه يوم القيامة، يقول: يا رب أ لم تجرني من الظلم؟ قال: فيقول:
بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني، قال: فيقول اللّه:
كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم اللّه على فيه ويقول لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال:
فيقول: بعدا وسحقا فعنكنّ أناضل» « مسلم ».
فأما إخبار اللّه عزّ وجل عن شهادة الجوارح على أهلها، بقوله: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، وقوله: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ، وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
[147]- قال صلى اللّه عليه وسلم: «تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام «»، فأول ما يتكلم من ابن آدم فخذه وكفّه» «2».
و في الرؤية قال: «فيلقى العبد فيقول: أي فل، أ لم أكرمك وأسوّدك وأزوّجك وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ قال:
فيقول: بلى أي ربّ، قال: فيقول أ ظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول اليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل:
فذكر في السؤال والجواب مثل الأول [ وقوله:اليوم أنساك كما نسيتني أي اليوم أتركك في العذاب كما تركت عبادتي ومعرفتي]، ثم يلقى الثالث فيقول: مثل ذلك، فيقول: آمنت بك وبكتابك وصلّيت وصمت وتصدّقت، فيقال: الآن نبعث شاهدنا عليك فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه، فيختم على فيه ويقال لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله ما كان، ذلك ليعذر نفسه، وذلك المنافق وذلك الذي يسخط اللّه عليه.
وفيه دلالة على أن بعضهم تشهد عليهم ألسنتهم، وبعضهم ينكر فيختم على أفواههم وتشهد عليهم أفواههم وتشهد عليهم سائر جوارحهم، ويشبه أن يكون هذا الإنكار من المنافقين كما في خبر أبي هريرة، ويشبه أن يكون منهم وممّن شاء اللّه من سائر الكافرين حين رأوا يوم القيامة يغفر اللّه لأهل الإخلاص ذنوبهم، لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفر، ولا يغفر الشرك قالوا: إن ربّنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك، فتعالوا حتى نقول إنّا كنّا أهل ذنوب ولم نكن مشركين، فقال اللّه عزّ وجل: أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم، فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، فعند ذلك عرف المشركون أن اللّه لا يكتم حديثا فذلك قوله: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً،
[148]- عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها «1» قال:
«أ تدرون ما أخبارها»؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما كان على ظهرها تقول: عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فذلك أخبارها»
[149]- ، عن عبد اللّه بن مسعود قال: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف بالأيمان والشمائل «».
[150]- عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ «»
قال: «يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعا، ويبيضّ وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، قال: فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللّهمّ ائتنا به وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول:
أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا.
وأما الكافر فيعطى كتابه بشماله مسودّا وجهه، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعا على صورة آدم، ويلبس تاجا من نار، فيراه أصحابه فيقولون: اللّهمّ لا تأتنا به، قال: فيأتيهم، فيقولون اللّهمّ اخزه، قال:فيقول: أبعدكم اللّه فإن لكل واحد منكم مثل هذا» « ».
[152]- و قال: «إن الرجل لترفع له يوم القيامة صحيفته حتى يرى أنه ناج، فما تزال مظالم بني آدم تتبعه حتى ما يبقى له حسنة، ويحمل عليه من سيئاتهم».
سيئات المؤمن على أصول أهل السنّة متناهية الجزاء، وحسناته غير متناهية الجزاء، لأن من ثوابها الخلود في الجنة، فوجه الحديث عندي واللّه أعلم أنه يعطى خصماء المؤمن المسيء من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته فإن فنيت حسناته أخذ من خطايا خصومه فطرحت عليه، ثم يعذّب إن لم يعف عنه، فإذا انتهت عقوبة تلك الخطايا أدخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه، ولا يعطى خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل عقوبة سيئاته- يعني من المضاعفة- لأن ذلك من فضل اللّه يختص به من وافى يوم القيامة مؤمنا واللّه أعلم.
[154]- عن أبي ذر قال: رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شاتين تنتطحان قال: «يا أبا ذر أ تدري فيم تنتطحان»؟ قلت: لا، قال: «ربك يدري، وسيقضي بينهما يوم القيامة»
[155]- ، عن أبي هريرة في قوله: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً « » قال: يحشر الخلائق كلهم يوم القيامة: البهائم والدوابّ والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل اللّه أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابا، فذلك حين يقول الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً « و قال: لما نزلت إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ «3» قلت:
يا رسول اللّه أ يكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواصّ الذنوب؟ قال: «نعم ليكررنّ عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حقّ حقه»، قال الزبير: واللّه إن الأمر لشديد
[158]- عن ابن عباس(( فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ))قال: نسأل الناس عمّا أجابوا المرسلين، ونسأل المرسلين عمّا بلغوا فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ « » قال: يوضع يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون « ».
و في قوله: وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ يقول: لا يسأل كافر عن ذنبه، كلّ كافر معروف بسيماه. وفي قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ.... يعني يوم تشقّق السماء وتكوّر، لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان، وذلك عند الفراغ من الحساب، وكلّ معروف: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ وأما الكافر فبسواد وجهه وزرقة عينيه، وأما المؤمن فأغرّ محجّل من أثر الوضوء.
[159]- عن عديّ بن حاتم قال: كنت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السبيل قال: فقال: «لا عليك إلا قليل حتى تخرج المرأة من الحيرة إلى مكة بغير خفير، ولا تقوم الساعة حتى يطوف أحدكم بصدقته فلا يجد من يقبلها، ثم ليفيض المال، ثم ليقفنّ أحدكم بين يدي اللّه ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ولا ترجمان يترجم له فيقول: أ لم أوتك مالا؟ فيقول: بلى، فيقول: أ لم أرسل إليك رسولا؟ فيقول: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، وينظر يساره فلا يرى إلا النار، فليتّق أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة».
[160]- عبد اللّه بن عكيم قال: سمعت عبد اللّه بن مسعود بدأ باليمين قبل الحديث فقال: ما منكم من أحد إلا سيخلو اللّه به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: يا عبدي ما غرّك بي، ما ذا عملت فيما علمت، ما ذا أجبت المرسلين
[161]- : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة، أمر اللّه مناديا ينادي: ألا إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا، فجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان خير من فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتّقون»
[162]- و قال : «يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفا لا حساب عليهم» فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم قال: فدعا له، فقام رجل آخر فقال: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم، قال: «سبقك بها عكاشة»
[163]- عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «سألت ربي عزّ وجل فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا، فقلت: أي رب أ رأيت إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي؟ قال: إذا أكملهم من الأعراب» «
[164]- ، عن عمرو بن حزم الأنصاري قال: تغيّب عنّا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثا لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة ثم يرجع فلما كان اليوم الرابع خرج إلينا فقلنا:
يا رسول اللّه احتبست عنّا حتى ظننا أنه قد حدث حدث، فقال: «إنه لم يحدث إلا خير، إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم، وإني سألت ربي في هذه الأيام الثلاثة المزيد فوجدت ربي واجدا ماجدا كريما أعطاني مع كل واحد من السبعين سبعين ألفا قال: قلت: يا رب وتبلغ أمتي هذا؟ قال:أكمل لك العدد من الأعراب» «2».
(2) ومن رواىه الطبراني في الكبير عن عامر بن عمير قال:
لبث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثا لا يخرج إلى صلاة مكتوبة فقيل له في ذلك فقال: «إني وجدت ربي ماجدا كريما أعطاني مع كل واحد من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب سبعين ألفا، فقلت إن أمتي لا تبلغ هذا، أو تكمل هذا، فقال: أكملهم لك من الأعراب».
[165]- ، عن الحسن في قوله: وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ «1 قال: هي واللّه لكل واصف كذب إلى يوم القيامة « ».
و قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة فيقال: هلمّ، هلمّ. فيجيء بكربه وغمّه، فإذا جاء أغلق دونه ثم يفتح له باب آخر، فيقال له: هلمّ، هلمّ. فيجيء بكربه وغمّه، فإذا جاء أغلق دونه فما يزال كذلك حتى إن الرجل ليفتح له الباب فيقال له: هلمّ، هلمّ. فما يأتيه» «
[168]- : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من أعان على دم امرئ مسلم ولو بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة: آيس من رحمة اللّه» «
[169]- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من قطع ميراثا فرضه اللّه ورسوله قطع اللّه به ميراثه من الجنة» «
[171]- عن كلثوم بن عياض قال: إنه لا يأتي على صاحب الجنة ساعة إلا وهو يزاد صنفا من النعيم لا يكون يعرفه، ولا يأتي على صاحب النار ساعة إلا وهو مستنكر لشيء من العذاب لم يكن يعرفه.
[172]- ، عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي؟ قال: «رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزّة فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال اللّه تبارك وتعالى للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري» قال: وفاضت عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالبكاء ثم قال: «إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم، فقال اللّه تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكلّلة باللؤلؤ لأي نبي هذا، أو لأي صدّيق هذا، أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال:
يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بما ذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال اللّه عزّ وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ «فإن اللّه تعالى يصلح بين المسلمين» «1».
[174]- ، عن جدّه عباس بن مرداس، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمّته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء، فأوحى اللّه إليه: إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا، وأما ذنوبهم فيما بينهم وبيني قد غفرتها، فقال: «يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته وتغفر لهذا الظالم». فلم يجبه في تلك العشيّة، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه: إني قد غفرت لهم .. قال:
فتبسّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال له بعض أصحابه: يا رسول اللّه تبسمت في ساعة لم تكن تبسم فيها؟ فقال: «تبسمت من عدو اللّه إبليس، إنه لما علم أن اللّه استجاب لي في أمتي، أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه» «1».
: وهذا الغفران يحتمل أن يكون بعد عذاب يمسّهم، ويحتمل أن يكون خاصّا ببعض الناس، ويحتمل أن يكون عامّا في كل أحد.
صحّ بشواهده ففيه الحجة، وإن لم يصحّ فقد قال اللّه عزّ وجل:وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وظلم بعضهم بعضا دون الشرك.
عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «من حوسب عذّب»، قالت عائشة: يا رسول اللّه فأين قوله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال: «ذلكم العرض، ولكنه من نوقش الحساب عذّب».
ورواه مسلم عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذا بيد عبد اللّه بن عمر فأتاه رجل فقال: كيف سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «إن اللّه يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه يستره من الناس، فيقول: أي عبدي! تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم أي رب! حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: إني قد سترتها عليك في الدنيا، وقد غفرتها لك اليوم، قال: ثم أعطي كتاب حسابه، وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة اللّه على الظالمين».
وقوله: «يضع عليه كنفه». يريد- واللّه أعلم- عطفه ورأفته ورعايته.
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «يقول اللّه تعالى لعبده يوم القيامة: يا ابن آدم أ لم أحملك على الخيل والإبل وأزوّجك النساء وأجعلك تربع وترأس؟ :أ لم تدعني لمرض كذا وكذا فعافيتك؟ أ لم تدعني أن أزوّجك كريمة قومها فزوّجتك؟ألم، ألم». فيقول: بلى أي رب، فيقول: أين شكر ذلك؟
و الحمد لله رب العالمين اللهم صلى وسلم وبارك على الرسول الامين اللهم اغفر ورحم والداى وزوجتى والمؤمنين
بسم الله والحمد لله والصـلاة والسـلام على رســول الله ,
قال اللّه عزّ وجل: (( وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً. ))
وقال عزّ وجل: إِنَّ ((عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ. ))
وقال تعالى: (( عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. ))
وقال: ((هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. ))
وأخبر أن الذين يقرءون كتبهم يقولون: ((ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها. ))
وأن مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ(( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ))
وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ ((يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ. ))
((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَ يَصْلى سَعِيراً. ))
وإذا وقف الناس على أعمالهم من الصحف التي يؤتونها حوسبوا بها، ولعل ذلك- واللّه أعلم- لأن الناس إذا بعثوا لا يكونون ذاكرين لأعمالهم فإن اللّه عزّ وجل قال: ((يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ.))
فإذا ذكروها ووقفوا عليها حوسبوا عليها. وقد جاء في كيفية المحاسبة أخباروقد أخبر اللّه عزّ وجل ثناؤه أن المحاسبة تكون بشهادة النبيين والشهداء
قال تعالى: وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ، قال:
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.
والشهيد في هذه الآية النبي صلى اللّه عليه وسلم، وشهيد كل أمة نبيّها عليهم السلام، وأما الشهداء في الآية قبلها فالأظهر أنهم كتبة الأعمال، تحضر الأمة ورسولها فيقال للقوم: ما ذا أجبتم المرسلين؟ ويقال للرسل: ما ذا أجبتم؟ فيقول الرسل للّه: لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ وكأنهم نسوا ما أجيبوا به، وتأخذ الهيبة بمجامع قلوبهم فيذهلون في تلك الساعة عن الجواب، ثم يثبّتهم اللّه ويحدث لهم ذكرى فيشهدون بما أجابتهم أمتهم.
: ودلّت الأخبار عن سيدنا المصطفى صلى اللّه عليه وسلم على أن كثيرا من المؤمنين يدخلون الجنة بغير حساب، وكثيرا منهم يحاسبون حسابا يسيرا، وكثيرا منهم يحاسبون حسابا شديدا.
[1]- عن عدي بن حاتم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى شيئا إلا شيئا قدّمه، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدّمه، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشقّ تمرة».
[2]- و عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «يجيء النبي يوم القيامة، ومعه الثلاثة والأربعة والرجلان، حتى يجيء النبي وليس معه أحد، قال: فيقال لهم: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم، قال: فيدعى قومهم فيقال لهم: هل بلغكم؟
فيقولون لا، قال: فيقال للنبيّين: من يشهد لكم أنكم قد بلغتم؟ قال: فيقولون:
أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم قال: فتدعى أمة محمد فيشهدون أنهم قد بلغوا، قال: فيقولون:
جاءنا رسولنا بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه، قال: فيقال: صدقتم، قال:
وذلك قول اللّه عزّ وجل في كتابه: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
[146]- قال أنس بن مالك: كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فضحك وقال: «هل تدرون ممّ أضحك»؟ قال: قلنا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «من مخاطبة العبد ربه يوم القيامة، يقول: يا رب أ لم تجرني من الظلم؟ قال: فيقول:
بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني، قال: فيقول اللّه:
كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم اللّه على فيه ويقول لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال:
فيقول: بعدا وسحقا فعنكنّ أناضل» « مسلم ».
فأما إخبار اللّه عزّ وجل عن شهادة الجوارح على أهلها، بقوله: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، وقوله: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ، وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
[147]- قال صلى اللّه عليه وسلم: «تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام «»، فأول ما يتكلم من ابن آدم فخذه وكفّه» «2».
و في الرؤية قال: «فيلقى العبد فيقول: أي فل، أ لم أكرمك وأسوّدك وأزوّجك وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ قال:
فيقول: بلى أي ربّ، قال: فيقول أ ظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول اليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل:
فذكر في السؤال والجواب مثل الأول [ وقوله:اليوم أنساك كما نسيتني أي اليوم أتركك في العذاب كما تركت عبادتي ومعرفتي]، ثم يلقى الثالث فيقول: مثل ذلك، فيقول: آمنت بك وبكتابك وصلّيت وصمت وتصدّقت، فيقال: الآن نبعث شاهدنا عليك فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه، فيختم على فيه ويقال لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله ما كان، ذلك ليعذر نفسه، وذلك المنافق وذلك الذي يسخط اللّه عليه.
وفيه دلالة على أن بعضهم تشهد عليهم ألسنتهم، وبعضهم ينكر فيختم على أفواههم وتشهد عليهم أفواههم وتشهد عليهم سائر جوارحهم، ويشبه أن يكون هذا الإنكار من المنافقين كما في خبر أبي هريرة، ويشبه أن يكون منهم وممّن شاء اللّه من سائر الكافرين حين رأوا يوم القيامة يغفر اللّه لأهل الإخلاص ذنوبهم، لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفر، ولا يغفر الشرك قالوا: إن ربّنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك، فتعالوا حتى نقول إنّا كنّا أهل ذنوب ولم نكن مشركين، فقال اللّه عزّ وجل: أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم، فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، فعند ذلك عرف المشركون أن اللّه لا يكتم حديثا فذلك قوله: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً،
[148]- عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها «1» قال:
«أ تدرون ما أخبارها»؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما كان على ظهرها تقول: عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فذلك أخبارها»
[149]- ، عن عبد اللّه بن مسعود قال: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف بالأيمان والشمائل «».
[150]- عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ «»
قال: «يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعا، ويبيضّ وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، قال: فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللّهمّ ائتنا به وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول:
أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا.
وأما الكافر فيعطى كتابه بشماله مسودّا وجهه، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعا على صورة آدم، ويلبس تاجا من نار، فيراه أصحابه فيقولون: اللّهمّ لا تأتنا به، قال: فيأتيهم، فيقولون اللّهمّ اخزه، قال:فيقول: أبعدكم اللّه فإن لكل واحد منكم مثل هذا» « ».
[152]- و قال: «إن الرجل لترفع له يوم القيامة صحيفته حتى يرى أنه ناج، فما تزال مظالم بني آدم تتبعه حتى ما يبقى له حسنة، ويحمل عليه من سيئاتهم».
سيئات المؤمن على أصول أهل السنّة متناهية الجزاء، وحسناته غير متناهية الجزاء، لأن من ثوابها الخلود في الجنة، فوجه الحديث عندي واللّه أعلم أنه يعطى خصماء المؤمن المسيء من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته فإن فنيت حسناته أخذ من خطايا خصومه فطرحت عليه، ثم يعذّب إن لم يعف عنه، فإذا انتهت عقوبة تلك الخطايا أدخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه، ولا يعطى خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل عقوبة سيئاته- يعني من المضاعفة- لأن ذلك من فضل اللّه يختص به من وافى يوم القيامة مؤمنا واللّه أعلم.
[154]- عن أبي ذر قال: رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شاتين تنتطحان قال: «يا أبا ذر أ تدري فيم تنتطحان»؟ قلت: لا، قال: «ربك يدري، وسيقضي بينهما يوم القيامة»
[155]- ، عن أبي هريرة في قوله: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً « » قال: يحشر الخلائق كلهم يوم القيامة: البهائم والدوابّ والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل اللّه أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابا، فذلك حين يقول الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً « و قال: لما نزلت إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ «3» قلت:
يا رسول اللّه أ يكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواصّ الذنوب؟ قال: «نعم ليكررنّ عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حقّ حقه»، قال الزبير: واللّه إن الأمر لشديد
[158]- عن ابن عباس(( فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ))قال: نسأل الناس عمّا أجابوا المرسلين، ونسأل المرسلين عمّا بلغوا فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ « » قال: يوضع يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون « ».
و في قوله: وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ يقول: لا يسأل كافر عن ذنبه، كلّ كافر معروف بسيماه. وفي قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ.... يعني يوم تشقّق السماء وتكوّر، لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان، وذلك عند الفراغ من الحساب، وكلّ معروف: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ وأما الكافر فبسواد وجهه وزرقة عينيه، وأما المؤمن فأغرّ محجّل من أثر الوضوء.
[159]- عن عديّ بن حاتم قال: كنت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السبيل قال: فقال: «لا عليك إلا قليل حتى تخرج المرأة من الحيرة إلى مكة بغير خفير، ولا تقوم الساعة حتى يطوف أحدكم بصدقته فلا يجد من يقبلها، ثم ليفيض المال، ثم ليقفنّ أحدكم بين يدي اللّه ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ولا ترجمان يترجم له فيقول: أ لم أوتك مالا؟ فيقول: بلى، فيقول: أ لم أرسل إليك رسولا؟ فيقول: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، وينظر يساره فلا يرى إلا النار، فليتّق أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة».
[160]- عبد اللّه بن عكيم قال: سمعت عبد اللّه بن مسعود بدأ باليمين قبل الحديث فقال: ما منكم من أحد إلا سيخلو اللّه به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: يا عبدي ما غرّك بي، ما ذا عملت فيما علمت، ما ذا أجبت المرسلين
[161]- : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة، أمر اللّه مناديا ينادي: ألا إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا، فجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان خير من فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتّقون»
[162]- و قال : «يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفا لا حساب عليهم» فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم قال: فدعا له، فقام رجل آخر فقال: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم، قال: «سبقك بها عكاشة»
[163]- عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «سألت ربي عزّ وجل فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا، فقلت: أي رب أ رأيت إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي؟ قال: إذا أكملهم من الأعراب» «
[164]- ، عن عمرو بن حزم الأنصاري قال: تغيّب عنّا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثا لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة ثم يرجع فلما كان اليوم الرابع خرج إلينا فقلنا:
يا رسول اللّه احتبست عنّا حتى ظننا أنه قد حدث حدث، فقال: «إنه لم يحدث إلا خير، إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم، وإني سألت ربي في هذه الأيام الثلاثة المزيد فوجدت ربي واجدا ماجدا كريما أعطاني مع كل واحد من السبعين سبعين ألفا قال: قلت: يا رب وتبلغ أمتي هذا؟ قال:أكمل لك العدد من الأعراب» «2».
(2) ومن رواىه الطبراني في الكبير عن عامر بن عمير قال:
لبث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثا لا يخرج إلى صلاة مكتوبة فقيل له في ذلك فقال: «إني وجدت ربي ماجدا كريما أعطاني مع كل واحد من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب سبعين ألفا، فقلت إن أمتي لا تبلغ هذا، أو تكمل هذا، فقال: أكملهم لك من الأعراب».
[165]- ، عن الحسن في قوله: وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ «1 قال: هي واللّه لكل واصف كذب إلى يوم القيامة « ».
و قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة فيقال: هلمّ، هلمّ. فيجيء بكربه وغمّه، فإذا جاء أغلق دونه ثم يفتح له باب آخر، فيقال له: هلمّ، هلمّ. فيجيء بكربه وغمّه، فإذا جاء أغلق دونه فما يزال كذلك حتى إن الرجل ليفتح له الباب فيقال له: هلمّ، هلمّ. فما يأتيه» «
[168]- : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من أعان على دم امرئ مسلم ولو بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة: آيس من رحمة اللّه» «
[169]- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من قطع ميراثا فرضه اللّه ورسوله قطع اللّه به ميراثه من الجنة» «
[171]- عن كلثوم بن عياض قال: إنه لا يأتي على صاحب الجنة ساعة إلا وهو يزاد صنفا من النعيم لا يكون يعرفه، ولا يأتي على صاحب النار ساعة إلا وهو مستنكر لشيء من العذاب لم يكن يعرفه.
[172]- ، عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي؟ قال: «رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزّة فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال اللّه تبارك وتعالى للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري» قال: وفاضت عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالبكاء ثم قال: «إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم، فقال اللّه تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكلّلة باللؤلؤ لأي نبي هذا، أو لأي صدّيق هذا، أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال:
يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بما ذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال اللّه عزّ وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ «فإن اللّه تعالى يصلح بين المسلمين» «1».
[174]- ، عن جدّه عباس بن مرداس، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمّته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء، فأوحى اللّه إليه: إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا، وأما ذنوبهم فيما بينهم وبيني قد غفرتها، فقال: «يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته وتغفر لهذا الظالم». فلم يجبه في تلك العشيّة، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه: إني قد غفرت لهم .. قال:
فتبسّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال له بعض أصحابه: يا رسول اللّه تبسمت في ساعة لم تكن تبسم فيها؟ فقال: «تبسمت من عدو اللّه إبليس، إنه لما علم أن اللّه استجاب لي في أمتي، أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه» «1».
: وهذا الغفران يحتمل أن يكون بعد عذاب يمسّهم، ويحتمل أن يكون خاصّا ببعض الناس، ويحتمل أن يكون عامّا في كل أحد.
صحّ بشواهده ففيه الحجة، وإن لم يصحّ فقد قال اللّه عزّ وجل:وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وظلم بعضهم بعضا دون الشرك.
عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «من حوسب عذّب»، قالت عائشة: يا رسول اللّه فأين قوله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال: «ذلكم العرض، ولكنه من نوقش الحساب عذّب».
ورواه مسلم عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذا بيد عبد اللّه بن عمر فأتاه رجل فقال: كيف سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «إن اللّه يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه يستره من الناس، فيقول: أي عبدي! تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم أي رب! حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: إني قد سترتها عليك في الدنيا، وقد غفرتها لك اليوم، قال: ثم أعطي كتاب حسابه، وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة اللّه على الظالمين».
وقوله: «يضع عليه كنفه». يريد- واللّه أعلم- عطفه ورأفته ورعايته.
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «يقول اللّه تعالى لعبده يوم القيامة: يا ابن آدم أ لم أحملك على الخيل والإبل وأزوّجك النساء وأجعلك تربع وترأس؟ :أ لم تدعني لمرض كذا وكذا فعافيتك؟ أ لم تدعني أن أزوّجك كريمة قومها فزوّجتك؟ألم، ألم». فيقول: بلى أي رب، فيقول: أين شكر ذلك؟
و الحمد لله رب العالمين اللهم صلى وسلم وبارك على الرسول الامين اللهم اغفر ورحم والداى وزوجتى والمؤمنين