مقدمة :
نقدم لكم مقارنة بسيطة بين آلية نقل القرآن الكريم عبر العصور إلى يومنا هذا وبين آلية نقل العهد الجديد، وسنبين لكم بإذن الله الدقة والإتقان في نقل القرآن الكريم سواءً كان ذلك شفاهية أو كتابة، ومن الطرف الآخر التحريف وقلة الضبط وضعف الآلية في نقل نص العهد الجديد ووصوله إلينا.
وقبل الشروع في الدخول إلى شرح آلية نقل كل من القرآن الكريم والعهد الجديد، فإننا نود أن نذكر الطرق المتبعة عبر التاريخ في نقل نصوص الأديان المقدسة، مع بيان عيب أو دقة كل من هذه الطرق :
1. الكتابة : عن طريق مخطوطة تعود لمؤسس الدين نفسه (بمعنى أنها بخط يده)
وهذا طريق قوي وآلية ممتازة إلا أنه يعيبها شيء واحد ألا وهو :
أن هذا الكتاب معرض للتخريب والتحريف
أما التخريب : كالحرق أو الضياع أو الطمس أو تضرر الكتاب بالعوامل الطبيعية كالتآكل خاصة إن أخذنا في عين الاعتبار أن النصوص المقدسة القديمة كانت تكتب على أوراق البردي أو جلود الحيوانات أو بضعة نقوشات على الصخر.
أما التحريف : الإضافة أو النقص أو التبديل على مر العصور.
2. الكتابة : عن طريق مخطوطة تعود لزمن مؤسس الدين نفسه دون أن تكون مكتوبة بخط يده :
و هذا طريق قوي إلا أنه يعيبه ما يعيب الطريق الأول وكذلك إثبات هوية الكاتب إذ أن جهالة هوية الكاتب تشكك في وثاقة الكاتب وضبطه وأمانته من ناحية وسلامة النص من ناحية أخرى، فالكاتب قد يكون غير ثقة في نقله (أي يتعمد التحريف ) أو أنه ينقل من حفظه ولكن حفظه ليس بمضبوط أو أنه كثير الخطأ في الكتابة أو .....
3. الكتابة : عن طريق مخطوطة تعود لزمن ما بعد مؤسس الدين :
وهذا سيئ بل سيئ جداً لأنه جمع بين احتمالية التحريف والتخريب وجهالة الكاتب، وبين تأخر الزمن عن زمان مؤسس الدين، فحينها يحق لنا أن نسأل :
من هذا الذي كتب هذه المخطوطة، ومن أين استاق مصادره، وممن نقل هذا الكلام، وهل من نقل عنه أدرك زمن المؤسس أم هو أيضاً مجرد ناسخ مجهول لا نعرف عمن نسخ؟؟؟؟
وكلما تأخر الزمان صار الاعتماد على هذا النوع أقل وثاقة بل أقل اعتماداً.
ويدخل ضمن هذا النوع كل ما فيه من مخطوطات أي حتى وإن وصلنا لمرحلة من الزمان انتشرت فيها المخطوطات الخاصة بنص مقدس انتشاراً عظيماً، وكل هذه المخطوطات ليست فقط متشابهة بل متطابقة، لما زاد الأمر ثقة لأنه حينها لا نستطيع أن نجزم بصحة النص المقدس فيما هو أبعد من زمن الانتشار وأقرب إلى زمن مؤسس الدين، وعلى أحسن الأحوال فإن الانتشار حينها لا يشير لنا إلا إلى صعوبة أو استحالة تخريب أو تحريف ذلك النص المقدس بعد زمن الانتشار وليس قبله.
4. التواتر المعنوي : وهو التواتر الذي يكتفي بضمان أن نصاً مقدساً كان منتشراً في زمن معين إلى ما قبله من الأزمنة حتى زمان مؤسس هذا الدين بمعنى :
أن هذا النص المقدس يمكن الوثوق به بشكل عام (وليس بشكل خاص) بأنه قد تُلقِّي جيلا بعد جيل عبر الزمان ومع اختلاف المكان بشكل شفهي إلى زمان مؤسس هذا الدين وضابط هذا الطريق وشرطه : أن يكون متواتراً منذ الجيل الأول أي يكون معلوماً انتشاره بين كافة أو معظم أفراد الجيل الأول.
و هذا طريق قوي جداً ويمتاز بأنه محصن من التحريف والتخريب إلا أنه يعيبه شيء واحد وهو:
أنه يحصن ضد التحريف والتخريب بشكل عام، ولكنه معرض للتحريف أو التبديل الداخل في السياق الخاص البسيط (هجاء الأحرف وطريقة إلقائها) بالإضافة إلى أنه لا يجيب عن السؤال التالي :
ما أدرانا عن حال الجيل الأول وكيف كانت آلية نقل النص من مؤسس الدين أو تلقفها منه؟؟
هل تواترت كتابة بينهم أو شفاهية، وهل كانوا ضابطين للكتابة أو الحفظ، وهل كانت بيئتهم الثقافية تعتمد على الحفظ الشفهي أو الكتابة أو كليهما ؟؟؟
5. التواتر المعنوي المدعوم بأسانيد صحيحة ترجع إلى مؤسس ذلك الدين، وروايات تاريخية ثابتة تشرح لنا كيفية نقل النص الديني كتابة وشفاهية، وتعليمه بين أفراد الجيل الأول وعبر الأجيال والعصور والأمكنة.
و هذا بلا شك أقوى الطرق لأنه محصن من التحريف والتخريب، ومدعوم بعامل الحفظ الموثق بسلسلة الحفاظ الثقات المعروفين والمشهود لهم من أصحاب التخصص بقوة الضبط والحفظ وأمانة النقل وعدالة الطبع، بالإضافة إلى وجود عامل الاتصال الزمني بين النص وبين مؤسس هذا الدين وانتساب النص الديني إليه.
بالإضافة إلى أن هذا الطريق يحفظ لنا وجه النص العام والخاص، ويخبرنا عن حال الأجيال وخاصة الجيل الأول، وكيف تلقفوا هذا النص من مؤسس الدين وعلموه للأجيال القادمة واللاحقة، وآلية جمع أو انتشار هذا النص على المكتوب أياً كان هذا المكتوب وموافقته للمقروء شفاهية .
هذه هي الطرق التي أحصيتها فيما يخص نقل النصوص عبر التاريخ وقد استفرد القرآن الكريم بالطريق الخامس وهو أقوى وأعدل هذه الطرق، بينما أخذ العهد الجديد نصيبه عبر الطريق الثالث المذكور آنفاً.
وسنعرج في مقارنتنا هذه بإذن الله على طرق نقل القرآن الكريم شفاهية وكتابة، بالإضافة إلى التحدث قليلا عن مخطوطات القرآن.
ثم سنتحول بعدها إلى الحديث عن العهد الجديد وكيفية انتقاله عبر العصور، ومخطوطاته، مع ذكر أمثلة على تحريف العهد الجديد.
يتبع بإذن الله...
نقدم لكم مقارنة بسيطة بين آلية نقل القرآن الكريم عبر العصور إلى يومنا هذا وبين آلية نقل العهد الجديد، وسنبين لكم بإذن الله الدقة والإتقان في نقل القرآن الكريم سواءً كان ذلك شفاهية أو كتابة، ومن الطرف الآخر التحريف وقلة الضبط وضعف الآلية في نقل نص العهد الجديد ووصوله إلينا.
وقبل الشروع في الدخول إلى شرح آلية نقل كل من القرآن الكريم والعهد الجديد، فإننا نود أن نذكر الطرق المتبعة عبر التاريخ في نقل نصوص الأديان المقدسة، مع بيان عيب أو دقة كل من هذه الطرق :
1. الكتابة : عن طريق مخطوطة تعود لمؤسس الدين نفسه (بمعنى أنها بخط يده)
وهذا طريق قوي وآلية ممتازة إلا أنه يعيبها شيء واحد ألا وهو :
أن هذا الكتاب معرض للتخريب والتحريف
أما التخريب : كالحرق أو الضياع أو الطمس أو تضرر الكتاب بالعوامل الطبيعية كالتآكل خاصة إن أخذنا في عين الاعتبار أن النصوص المقدسة القديمة كانت تكتب على أوراق البردي أو جلود الحيوانات أو بضعة نقوشات على الصخر.
أما التحريف : الإضافة أو النقص أو التبديل على مر العصور.
2. الكتابة : عن طريق مخطوطة تعود لزمن مؤسس الدين نفسه دون أن تكون مكتوبة بخط يده :
و هذا طريق قوي إلا أنه يعيبه ما يعيب الطريق الأول وكذلك إثبات هوية الكاتب إذ أن جهالة هوية الكاتب تشكك في وثاقة الكاتب وضبطه وأمانته من ناحية وسلامة النص من ناحية أخرى، فالكاتب قد يكون غير ثقة في نقله (أي يتعمد التحريف ) أو أنه ينقل من حفظه ولكن حفظه ليس بمضبوط أو أنه كثير الخطأ في الكتابة أو .....
3. الكتابة : عن طريق مخطوطة تعود لزمن ما بعد مؤسس الدين :
وهذا سيئ بل سيئ جداً لأنه جمع بين احتمالية التحريف والتخريب وجهالة الكاتب، وبين تأخر الزمن عن زمان مؤسس الدين، فحينها يحق لنا أن نسأل :
من هذا الذي كتب هذه المخطوطة، ومن أين استاق مصادره، وممن نقل هذا الكلام، وهل من نقل عنه أدرك زمن المؤسس أم هو أيضاً مجرد ناسخ مجهول لا نعرف عمن نسخ؟؟؟؟
وكلما تأخر الزمان صار الاعتماد على هذا النوع أقل وثاقة بل أقل اعتماداً.
ويدخل ضمن هذا النوع كل ما فيه من مخطوطات أي حتى وإن وصلنا لمرحلة من الزمان انتشرت فيها المخطوطات الخاصة بنص مقدس انتشاراً عظيماً، وكل هذه المخطوطات ليست فقط متشابهة بل متطابقة، لما زاد الأمر ثقة لأنه حينها لا نستطيع أن نجزم بصحة النص المقدس فيما هو أبعد من زمن الانتشار وأقرب إلى زمن مؤسس الدين، وعلى أحسن الأحوال فإن الانتشار حينها لا يشير لنا إلا إلى صعوبة أو استحالة تخريب أو تحريف ذلك النص المقدس بعد زمن الانتشار وليس قبله.
4. التواتر المعنوي : وهو التواتر الذي يكتفي بضمان أن نصاً مقدساً كان منتشراً في زمن معين إلى ما قبله من الأزمنة حتى زمان مؤسس هذا الدين بمعنى :
أن هذا النص المقدس يمكن الوثوق به بشكل عام (وليس بشكل خاص) بأنه قد تُلقِّي جيلا بعد جيل عبر الزمان ومع اختلاف المكان بشكل شفهي إلى زمان مؤسس هذا الدين وضابط هذا الطريق وشرطه : أن يكون متواتراً منذ الجيل الأول أي يكون معلوماً انتشاره بين كافة أو معظم أفراد الجيل الأول.
و هذا طريق قوي جداً ويمتاز بأنه محصن من التحريف والتخريب إلا أنه يعيبه شيء واحد وهو:
أنه يحصن ضد التحريف والتخريب بشكل عام، ولكنه معرض للتحريف أو التبديل الداخل في السياق الخاص البسيط (هجاء الأحرف وطريقة إلقائها) بالإضافة إلى أنه لا يجيب عن السؤال التالي :
ما أدرانا عن حال الجيل الأول وكيف كانت آلية نقل النص من مؤسس الدين أو تلقفها منه؟؟
هل تواترت كتابة بينهم أو شفاهية، وهل كانوا ضابطين للكتابة أو الحفظ، وهل كانت بيئتهم الثقافية تعتمد على الحفظ الشفهي أو الكتابة أو كليهما ؟؟؟
5. التواتر المعنوي المدعوم بأسانيد صحيحة ترجع إلى مؤسس ذلك الدين، وروايات تاريخية ثابتة تشرح لنا كيفية نقل النص الديني كتابة وشفاهية، وتعليمه بين أفراد الجيل الأول وعبر الأجيال والعصور والأمكنة.
و هذا بلا شك أقوى الطرق لأنه محصن من التحريف والتخريب، ومدعوم بعامل الحفظ الموثق بسلسلة الحفاظ الثقات المعروفين والمشهود لهم من أصحاب التخصص بقوة الضبط والحفظ وأمانة النقل وعدالة الطبع، بالإضافة إلى وجود عامل الاتصال الزمني بين النص وبين مؤسس هذا الدين وانتساب النص الديني إليه.
بالإضافة إلى أن هذا الطريق يحفظ لنا وجه النص العام والخاص، ويخبرنا عن حال الأجيال وخاصة الجيل الأول، وكيف تلقفوا هذا النص من مؤسس الدين وعلموه للأجيال القادمة واللاحقة، وآلية جمع أو انتشار هذا النص على المكتوب أياً كان هذا المكتوب وموافقته للمقروء شفاهية .
هذه هي الطرق التي أحصيتها فيما يخص نقل النصوص عبر التاريخ وقد استفرد القرآن الكريم بالطريق الخامس وهو أقوى وأعدل هذه الطرق، بينما أخذ العهد الجديد نصيبه عبر الطريق الثالث المذكور آنفاً.
وسنعرج في مقارنتنا هذه بإذن الله على طرق نقل القرآن الكريم شفاهية وكتابة، بالإضافة إلى التحدث قليلا عن مخطوطات القرآن.
ثم سنتحول بعدها إلى الحديث عن العهد الجديد وكيفية انتقاله عبر العصور، ومخطوطاته، مع ذكر أمثلة على تحريف العهد الجديد.
يتبع بإذن الله...
تعليق