مصطلح التاريخ - أسد رستم

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د.أمير عبدالله مسلم اكتشف المزيد حول د.أمير عبدالله
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د.أمير عبدالله
    حارس مؤسِّس

    • 10 يون, 2006
    • 11252
    • طبيب
    • مسلم

    مصطلح التاريخ - أسد رستم

    مصطلح التاريخ

    وهو بحث في نقد الأصول
    وتحري الحقائِق التاريخية وايضاحها وعرضها
    وفي ما يُقابل ذلِك في علم الحديث

    لمؤلِّفه الدكتور أسد رستم

    المكتبة العصرية
    صيدا - بيروت

    جميع الحقوق محفوظة
    الطبعة الأولى
    1423هـ -2002 م

    شركة ابناء شريف الانصاري للطباعة والنشر والتوزيع
    المكتبة العصرية للطباعة والنشر
    الدار النموذجية المطبعة العصرية

    بيروت ص.ب 8355 11- تلفاكس 655015 9611..
    صيدا ص.ب 221 - تلفاكس 961773217.

    المقدمة

    وأقدم التواريخ المدونة أسفار موسى الخمسة وأسفار يشوع وصموئيل فإنها دونت فيما يظهر حوالي السنة 900 قبل الميلاد. وأول من حاول نقد الروايات التاريخية هكتايوس الملطي اليوناني. فإنه كتب في القرن السادس قبل الميلاد في أصل الشعب اليوناني وفي تجوالاته الأولى. وقال:" ولست أثبت هنا إلا الحكاية التي اعتقد صحتها. فإن أساطير اليونان كثيرة وهي عندي حديث خرافة". وجاء بعده عدد من أبناء جنسه يؤرخون فينظرون إلى الأشياء على حقيقتها ويبتعدون عن الخرافات والأساطير، شأنهم في كل عمل فكري قاموا به، ولكن أحداً منهم فيما نعلم لم يحاول أن يجعل من هذا النظر إلى الروايات التاريخية على حقيقتها "علماً بأصول ".

    وأول من نظّم نقد الروايات التاريخية ووضع القواعد لذلك علماء الدين الإسلامي، فإنهم اضطروا اضطرارا إلى الاعتناء بأقوال النبي، وأفعاله لفهم القرآن وتوزيع العدل. فقالوا: " إن هو إلا وحي يوحى، ما تلي منه فهو القرآن وما لم يُتل فهو السنة" فانبروا لجمع الأحاديث ودرسها وتدقيقها فاتحفوا علم التاريخ بقواعد لا تزال، في أسسها وجوهرها، محترمة في الأوساط العلمية حتى يومنا هذا. وهو ما سيتاح لنا الاطلاع عليه في تضاعيف هذا الكتاب في حينه.

    وجاء عبد الرحمن ابن خلدون في القرن الرابع عشر (1332- 6 0 14 ) فكتب في مقدمته في "طبائع العمران " وجعل من هذه الطبائع محكا علميا لنقد الأخبار التاريخية وتمحيصها، فسجل بذلك فوزا كبيراً. ونحن وإن خالفناه في صحة هذه الطبائع وفي وجوب تطبيقها على حوادث الماضي، لا يسعنا إلا أن نعترف بفضله وبتفوقه على سائر من كتب في التاريخ قبله، وسنعرض على القارئ شيئا من هذا في حينه في فصل لاحق من فصول هذا الكتاب. وعاصر ابن خلدون فلافيوس بلوندوس الإيطالي (388 1- 3 6 4 1) الذي كتب في تاريخ روما، وحكم عقله وطرق منطقه الفطري، فقذف بأساطير زملائه السابقين إلى حيث يطرح سقط المتاع. فكان خير زميل لجاره التونسي الكبير.

    وأدت الاكتشافات الجغرافية واليقظات العلمية الفنية والمنازعات الدينية والمطامع السياسية والوثبات الفلسفية في القرون الحديثة في أوروبا إلى الرجوع إلى الماضي وتقليب صفحاته والاهتمام بأخباره اهتماما شديداً ولكن رائد المؤرخ الأوروبي في القرن الخامس عشر حتى الثامن عشر، بقي طوال هذه العصور مجرد استغلال الماضي لصوالح سياسية أو دينية. ولم يدرس لذاته أي للوصول إلى الحقيقة المجردة.

    وأول من نادى بنقل التاريخ من ميادين الخصام والنزاع والحرب إلى مجالسه الدرس والتدقيق، العالم الإيطالي جيوفني فيكو (1668- 1744) فإنه درس أفلاطون وغروتيوس، فدفعه الأول إلى درس بعض كبريات مسائل التاريخ والفلسفة، وبعثه الآخر على درس فلسفة القانون. وفي السنة 1725 أصدر كتابه "أصول علم جديد" اعتبر به التاريخ فرعا من علم المجتمع الإنساني. وذهب إلى أن البحث التاريخي الحقيقي يقوم على أصول منطقية دقيقة. وقال بمبدأ التطور، وسكت عن تدبير الخالق، ونوه منتسكيو نفسه بتجرد هادئ تطور الحكم في فرنسا وإنكلترا، ووازن بين الاثنين. وجاء فولتير (1694- 1778) بنقده اللاذع، فنفذ إلى صميم عناصر القوة والضعف في فرنسا، وحاول وضع تاريخ حر للثقافة. ولكن الاثنين أسرعا إلى الكتابة قبل إكمال نقد المصادر واستيعابها.

    وانتظمت الممالك في أوروبا في القرن السادس عشر. وقامت عصبية وطنية جديدة ونشا شعور قومي حديث، فقام علماء مؤرخون في دول الغرب، يعنون بجمع المصادر بدافع الاعتزاز بالماضي. وأهم مجموعة من هذه المجموعات التاريخية الوطنية، مجلدات تواريخ العصور الوسطى التي بدأ بنشرها الرهبان البندكتيون من جماعة القديس مور، وذلك في منتصف القرن السابع عشر. والواقع الذي لا مفر منه هو أن رسالة جان مابيون في الديبلوماسيات (1681) هي فاتحة البحث العلمي الحديث للمخطوطات، وظهر في القرن الثامن عشر سلاسل أخرى من نوع هذه منها مجلدات موراتوري الخمسة والعشرون من كتاب الشؤون الإيطالية (1723- 1750) ومجموعة توما هيرن الإنكليزي للتواريخ الإنكليزية القديمة. فتيسر لمؤرخي القرن التاسع عشر ما لم يتيسر لغيرهم من سهولة الرجوع إلى المراجع، وإنعام النظر فيها ومقابلتها ومقارنتها مما لا بد منه للوصول إلى الحقيقة.

    وفي السنة 1795 أصدر العلامة وولف الألماني مقدمته الشهيرة لمجموعة هوميروس الشعرية، فأحدثت ضجة في الأوساط اللغوية الأدبية التاريخية، في ألمانيا وخارجها، لأن وولف ذهب فيها إلى أن الإلياذة والأوذيسية لم يكتبهما هوميروس ولا غيره بهذا الاسم بل جماعة من الشعراء في فترات متباعدة من الزمن. ودفعت هذه الضجة التي أحدثتها مقدمة وولف بتلميذه أوغست بوش، أن ينقد المصادر التاريخية اليونانية، في موضوع الاقتصاد السياسي في أثينا (7 1 8 1). وقام برتولت نيبون الألماني (776 1 - 1 83 1) وهو ابن الرحالة كيرستن نيبون؟ صاحب المجلدات الثلاثة في وصف الجزيرة العربية. نقول قام برتولت نيبون يغربل المراجع الرومانية بغربال وولف فوضع كتابه، تاريخ الرومان، ونهج به نهجا علميا جديداً فلم يبق من أقاصيص الرومان وأساطيرهم سوى راسب يسير من الحقيقة.! فاديا التاريخ الروماني وبؤسه مكانة علم مستقلة.

    وآمن بالنقد الجديد رهط من علماء الألمان في القرن التاسع عشر، جعلوا من ألمانيا معلمة أساتذة للعالم بأسره في فن التاريخ الحديث. وزعيم هؤلاء، دون منازع، هو ليوبولد فون رانكي (1795 - 1886) الذي ولد في فيهي وتوفي في برلين. وقد كان مثال النزاهة والعدالة، رائده الحقيقة العارية، دون أي التواء. ودأب كثيرة، وطرق مواضيع شتى، فصنف في تاريخ إيطاليا وتركيا والصرب وإنكلترا وفرنسا والكنيسة، وفي الثمانين من العمر بدأ تاريخه العام، فأتم منه سبعة مجلدات. وعندما توفي في الحادية والتسعين من العمر، هب جماعة من تلاميذه الأوفياء، فأكملوا هذا التاريخ. وتسلم شعلة نيبور ألماني آخر تيودور مومسن (1817 - 1903) فوضع تاريخا عاما لروما، وآخر لولاياتها، لا يزالان مرجعين هامين لكل من يعني بالتاريخ الكلاسيكي، حتى يومنا هذا. وساهم المؤرخون الإفرنسيون مساهمة قيمة في نقد المراجع الأولية بعملهم العظيم، في مدرسة الوثائق التاريخية التي أسسوها في السنة 1821، فعنوا عناية فائقة بنقد وثائق العصور الوسطى، ووضعوا القواعد الأساسية لعدد من العلوم الموصلة لعلم التاريخ، كعلم الديبلوماسية، وعلم السفر أجيستيك وفن الببليوغرافية، وغير ذلك مما لا بد لمؤرخ العصور الوسطى من التذرع به، لفهم مراجعه الأولية، ونقدها نقدا علميا ثابتة. ومن أشهر تلامذة هذه المدرسة بنيامين غيوار وغبريال مونو وفوستيل ده كولانج.

    وسرت عدوى هذا التدقيق في المراجع من ألمانيا وفرنسا إلى بريطانيا، فقام سر فرنسيس بالغرايف (788 1 - 1861) وجون ميتشل كامبل (1807 - 1857) يعنيان بتاريخ الجزر "البريطانية، في العهدين السكسوني والنورماندي، بالدقة المطلوبة، ففتحا بذلك عصرا جديدا في التاريخ، في الجزر البريطانية. وفي منتصف القرن التاسع عشر أمّ مدارس ألمانيا، عدد من الطلاب الأميريكيين، يدرسون التاريخ بالأسلوب الجديد، وأشهر هؤلاء قدما هنري آدمز الذي درس في جامعة هيدلبوغ، ودرّس في جامعة جونس هوبكنز، وجون برجس الذي عاد من ألمانيا، فاسس في جامعة كولومبية مدرسة العلوم السياسية، على طراز ما شاهد في برلين.

    وعلى الرغم من العناية بالمصادر وجمعها ونشرها ونمو الروح البريء من الهوى، وتقدم الطريقة العلمية في البحث وازدياد احترامها في جميع الأوساط في أوروبا الغربية وفي الولايات المتحدة، ظل البعض من رجال التاريخ والفلسفة يندفع بالعاطفة، فيضل ويضلل. ولا يزال رجال الفلسفة، حتى يومنا هذا يتذرعون بالتاريخ لتأييد نظرياتهم دون تبصر، فيما يقرأون أو ترو في الاستنتاج. وما أكثر الفلاسفة الذين يجهلون التاريخ، ولا يكلفون أنفسهم مشقة الاستشارة، فيجعلون التاريخ ينطق بما ليس فيه.

    ولمس بعض أساتذة التاريخ هذا الضعف، وهالهم أمر هذا الشطط، فنبهوا إليه وردعوا عنه. وبين هؤلاء غبريال نونو، فإنه ما فتئ منذ السنة 1876 عندما ظهر العدد الأول من مجلته التاريخية الإفرنجية؟ نقول ما فتئ يردع عن التعميم قبل الإحاطة، وينذر بالخطر الذي ينجم عن تقبل مذهب معين من مذاهب الفلسفة، وكتابة التاريخ على ضوئه، قبل التثبت من الحقائق التاريخية تثبته مستقلا عن كل رأي فلسفي، وذلك حتى وفاته في السنة 1912. وقال غيره من المؤرخين الأساتذة، بوجوب تربية المؤرخين المبتدئين الصغار تربية علمية واقعية تتفق في جوها وأسلوبها وتربية طلاب العلوم الطبيعية. وأشهر من أقدم على هذا العمل الشاق وأعرقهبم شرفا العلامة الألماني الأستاذ الدكتور أرنست برنهايهم. فإنه أعد في الثمانين من القرن الماضي، مؤلفا خاصا لهذه الغاية، أبان فيه الخطوات الصائبة التي يجب على المؤرخ أن يخطوها، والعقبات التي تعترضه، وكيفية تذليلها، والمهالك التي قد يقع فيها، وكيفية تحاشيها. وأردف كلامه فيها كلها بالأمثلة الدقيقة المفصلة. ثم نشر هذا المؤلف الأول مرة في السنة 1889 وأعاد طبعه مراراً وهو لا يزال حتى يومنا هذا أكمل ما صنف من نوعه. وانبرى بوعده المؤرخان الإفرنسيان الكبيران شارل سينيوبوس وشارل لانغلوا فاصدرا في السنة 1898 مقدمتهما في الأبحاث التاريخية، فجاءت مختصرا دقيقا مفيداً أما علماء الإنكليز، فإنهم آثروا ولا يزالون التعليم بالأمثلة دون اللجوء إلى كتاب خاص بالقواعد.

    ولست أذكر تماما متى بدأ عهدي بهذا العلم؟ ولكني أذكر تماما أني لما عدت من جامعة شيكاغو سنة 1923 وباشرت عملي في جامعة بيروت توليت تدريس علم المثودولوجية فيها. وأول ما عملته أني أخذت أجمع أهم المؤلفات التي تدور حوله. فتوفر لدي عدد منها في اللغات الأجنبية. ولكني لم أعثر على شيء في العربية. فصممت آنئذ أن أتلافى هذا الفراغ، وأكتب شيئا في هذا الموضوع.

    ورأيت أن أتريث في الأمر، فأبدأ بتدريس الموضوع بلغة أجنبية، ريثما تتوفر لدي الأمثلة التاريخية المحلية والاصطلاحات الفنية العربية. فاضطررت أن أرجع إلى مصطلح الحديث لسببين: أولهما: الاستعانة باصطلاحات المحدثين، والثاني: ربط ما أضعه لأول مرة في اللغة العربية بما سبق تأليفه في عصور الأئمة المحدثين.

    فانكببت على مطالعة كتب المصطلح. وجمعت أكثرها. وكنت كلما ازددت اطلاعك عليها، ازداد ولعي بها! واعجابي بواضعيها. ولا أزال أذكر حادثا وقع لي عام 1936 في دمشق، يوم احتفلت الحكومة السورية بمرور ألف سنة على وفاة المتنبي. فإني كنت من جملة الوافدين إلى عاصمة الأمويين والمحتفلين بذكرى شاعر العرب. وأقمت فيها مدة من الزمن، أقلب في أبنائها مخطوطات المكتبة الظاهرية. وما إن بدأت بالعمل حتى أيقنت أني أمام أعظم مجموعة لكتب الحديث النبوي في العالم. ففي خزائن هذه المكتبة، عدد لا يستهان به من أمهات المخطوطات في هذا العلم، وقسم منها يحمل خطوط أعاظم رجال الحديث. ومن أهم ما وجدت فيها، نسخة قديمة من رسالة القاضي عياض في علم المصطلح، كتبها ابن أخيه سنة 595 للهجرة. وكنت قد قرأت شيئا عنها في بعض رسائل المصطلح. فاستنسختها بالفوتوستات وبدأت في درسها وتفهم معانيها. فإذا هي من أنفس ما صنف في موضوعها، وقد سما بهذا القاضي عياض إلى أعلى درجات العلم، والتدقيق في عصره. والواقع أنه ليس بإمكان كابر رجال التاريخ اليوم، أن يكتبوا أحسن منها في بعض نواحيها وذلك على الرغم من مرور سبعة قرون عليها. فإن ما جاء فيها من مظاهر الدقة في التفكير والاستنتاج، تحت عنوان " تحري الرواية والمجيء باللفظ" يضاهي ما ورد في الموضوع نفسه في كتب الفرنجة في أوروبا وأميركا. وقد اقتطفنا من كلام القاضي عياض في هذا الموضوع شيئا كثيرا أوردناه في باب تحري النص والمجيء باللفظ في كتابنا هذا،

    والواقع أن المثودولوجية الغربية التي تظهر اليوم لأول مرة بثوب عربي، ليست غريبة عن علم مصطلح الحديث، بل تمت إليه بصلة قوية. فالتاريخ دراية أولا ثم رواية، كما أن الحديث دراية ورواية. وبعض القواعد التي وضعها الأئمة منذ قرون عديدة للتوصل إلى الحقيقة في الحديث، تتفق في جوهرها، وبعض الأنظمة التي أقرها علماء أوروبا فيما بعد، في بناء علم المثودولوجية. ولو أن مؤرخي أوروبا في العصور الحديثة اطلعوا على مصنفات الأئمة المحدثين، لما تأخروا في تأسيس علم المثودولوجية، حتى أواخر القرن الماضي.

    وبإمكاننا أن نصارح زملاءنا في الغرب فنؤكد لهم بان ما يفاخرون به، من هذا القبيل، نشا وترعرع في بلادنا. ونحن أحق الناس بتعليمه، والعمل باسسه وقواعده.

    وها أنا الآن أضع بين يدي القارئ رسالتي، في مصطلح التاريخ، متوخيا خدمة لغتي وبلادي، ومحاولا أن أفتح بابا جديدا لطلاب التاريخ العربي، ينفذون منه إلى مجاهله، ويتوصلون به إلى فهم الروح العلمية الحديثة التي تتجلى في مؤلفات علماء الغرب اليوم. فكاي من قضية في تاريخنا، لا يزال مؤرخونا يخبطون في حلها، خبط عشواء، وكأي من ناحية في حياة القدماء، في العصور السالفة يجهلونها تمام الجهل. وحسبنا أن نذكر أن أكثر مؤرخينا، اليوم يزعمون أن كتابة التاريخ لا تتعدى نقل الرواية والإلمام بقواعد اللغة. ففي عرفهم أنك إذا أجدت الإنشاء وفهمت بعض النص فقد هيئت لك العدة لكتابة التاريخ. ولقد فات هؤلاء أن التاريخ هو علم أيضاً يعوزه ما يعوز سائر العلوم الأخرى من طب وهندسة وفقه وغيرها وأنه لا بد لصاحبه من أن ينشا نشأة علمية خالصة يتربى فيها على الشروط الفنية التي يقتضيها كل علم، مما أوردنا في تضاعيف هذا الكتاب. ولعلي أول من حاول أن يربط ما توصل إليه علماؤنا في الحديث بما وضعه علماء الغرب اليوم، في هذا الحقل من العمل.

    أسد رستم
    عن الشوبر لبنان في 12 أيلول سنة 1939
    عن رأس بيروت في 2 نيسان سنة 1955
    "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
    رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
    *******************
    موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
    ********************
    "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
    وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
    والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
    (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )
  • د.أمير عبدالله
    حارس مؤسِّس

    • 10 يون, 2006
    • 11252
    • طبيب
    • مسلم

    #2
    الباب الأول: التقميش



    إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ معها. هذه قاعدة عامة لا موضع للجدال فيها، وذلك أن التاريخ لا يقوم إلا على الآثار التي خففتها عقول السلف أو أيديهم. فإذا سطت محن الدهر، أو عوادي الزمن، على بعض هذه الآثار، وأزالت معالمها، فقدها التاريخ، وكانت كأنها لم توجد. وبفقدها يجهل تاريخ عصرها ورجالها. أما إذا بقيت، وحفظت، فقد حفظ التاريخ فيها. لهذا يرى المؤرخون، لزاما في أعناقهم، قبل كل شيء، أن يتفرغوا للبحث والتفتيش، عن شتى الآثار التي تخلفت عن السلف، والتي اصطلحنا أن نسميها أصولاً.

    والأصول لدى المؤرخ، هي جميع الآثار التي تخلفت عن السلف. فالرسائل الواردة إلى مجلس محمد علي باشا، والصادرة عنه هي أصول لتاريخ هذه الحقبة من تاريخ العرب. ومجموعة المدافع والأسلحة التي ترجع إلى عهده والتي لا تزال محفوظة في وزارة الحربية في مصر وفي سراي عابدين الملكية، هي أيضا أصول، بعرف المؤرخ واصطلاحه. وكذلك جامعه الشهير القائم، اليوم على هضبة المقام، والذي يطل ويشرف على مدينة القاهرة. وقل الأمر نفسه عن عظامه المحفوظة في مثواه في داخل هذا الجامع العظيم، وعن بقايا ألبسته وأدواته الشخصية التي لا تزال محفوظة، لدى أحفاده في سراي عابدين الملكية، وسائر قصورهم. وما يصح من هذا القبيل على الآثار الشخصية المتخلفة عنه، يصح أيضا على آراء غيره من المعاصرين وآثارهم. فتاريخ الشيخ عبد الرحمن الجبرتي الذي عاش في القاهرة وعاصر عزيز مصر هو أيضا أصل من الأصول، وكذلك كتاب الدكتور كلوت بك الذي استخدم في حكومة الباشا والذي أسس كلية الطب في القصر العيني، وكتاب الدكتور مخايل مشاقة الدمشقي الذي درس الطب في القصر العيني، والذي التحق بخدمة الأمير بشير الثاني، وغيره من الأمراء الشهابيين الذين عاصروا عزيز مصر، ودخلوا تحت حكمه، ردحا من الزمن، كل هذه في عرف المؤرخين ضروب من أصول. وهلم جرا.

    فإذا صحت القاعدة العامة- وهي صحيحة دون جدال- في أنه إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ، أقول إذا صحت هذه القاعدة لزم على المؤرخ أن يبدأ عمله دائما بجمع الأصول. وهي لعمري حقيقة أساسية لازمة، عرفها علماء الحديث قرونا عديدة، وعملوا بها قبل أن يدرك فائدتها، وينوه بصحتها، ويحبذ العمل بها المؤرخون الحديثون، إن في أوروبا أو في غيرها من مراكز العلم الحديث.

    قال المحدث الشهير أبو حاتم الرازي (1)، من أعيان القرن الثالث: "إذا كتبت فقمش، واذا حدثت ففتش" (2) وقد جاء في المحيط: "قمش القُماشَ يقمُشة قمشًا" جمعه من ههنا وههنا، والقماش ما على وجه الأرض من فتاة الأشياء، وتقمش الرجل كل ما وجد وإن كان دوناً. فإحياءًا لذكرى الرازي، واعترافا بجهود المحدثين وفضلهم على علم التاريخ، نرى من الواجب أن نسمي أول خطوات المؤرخ المدقق المنقب التقميش، فنقول: على المؤرخ قبل كل شيء أن يعنى بتقميش الأصول لأنه إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ معها.

    والآن وقد ثبت لدينا وجوب التقميش ننتقل إلى النظر في كميته فنتساءل: أيجب أن نجمع كل الأصول أم نكتفي ببعضها؟ وبطبيعة الحال، يصبح هذا البعض ما يسهل علينا الوصول إليه- ما قد نجده مثلا في البلدة التي نقيم فيها أو في أقرب المكاتب إلينا- نتساءل فنجيب: إذا كانت غاية المؤرخ الوصول إلى الحقيقة؟ فالحقيقة هي كل الحقيقة، لا بعضها، وهي وحدة تامة لا تتجزأ.

    أوليس مما يثلج الصدر ويبهج النفس أن يكون علماء الحديث قد سبقوا الغرب في هذا أيضا فنوهوا به؟ قال الإمام الحافظ مفتي الشام وشيخ الإسلام الشيخ تقي الدين الشهرزوري في مقدمته الشهيرة، وبمناسبة الكلام في معرفة آداب طالب الحديث (3): "وليكتب وليسمع ما يقع إليه من كتاب أو جزء على التمام ولا ينتخب. فقد قال ابن المبارك، رضي الله عنه، ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت. وروينا عنه أنه قال: لا ينتخب على عالبم إلا بذنب. وروينا أو بلغنا عن يحيى بن معين أنه قال: سيندم المنتخب في الحديث حين لا تنفعه الندامة".

    ومما لا بد من الإشارة إليه، قبل اختتام هذا الفصل، مساس الحاجة في العالم العربي اليوم إلى المشتغلين في التقميش في شتى العلوم العربية، ولا يختلف اثنان، فيما نعلم، في أن علماء العرب اليوم يعيشون في القرن العشرين، وأنهم مع احترامهم لما أنتجه السلف الصالح، ومفاخرتهم به، ينوون النهوض بثقافتهم وتراثهم القومي، إلى مستوى الأمم الراقية كي يتمكنوا من خدمة العلوم التي يشتغلون فيها، ومن السير مع زملائهم الغربيين في مضمار التقدم والعمران. فالعلوم العربية اليوم في بدء نهضة مباركة. وعلماء العرب في بدء عمل عظيم. فليس أفيد والحالة هذه من الاشتغال في التهميش إن في اللغة أو في التاريخ أو في الفلسفة أو في الفنون العربية.

    والمجال واسع من هذا القبيل. فإنه بإمكان البعض أن يتعاضدوا في تأسيس أو تشجيع المكتبات العمومية. وفي مقدور البعض الآخر أن يعنوا في التفتيش عن المخطوطات العربية في جميع المواضيع. ومن المستحب أن يقوم البعض في نشر مجلة أو مجلات ببليوغرافية، أو في نشر فهارس بعض المكتبات العمومية والخصوصية.

    وقد قلنا، منذ عشرين سنة، عندما بدأنا بنشر الأصول العربية لتاريخ سوريا في عهد محمد علي باشا- قلنا، ولا نزال نقول: إن مؤرخي العصر الحاضر، وأن حسبناهم على مستوى واحد مع وصفائهم في العصور السالفة، فهم يفوقونهم، بما توافر لديهم من المصادر والمراجع الأولية، التي لم يتسن لأولئك الأسلاف الوقوف عليها.

    (1) محمد بن إدريس المولود في الري والمتوفى 277 هـ. صاحب كتاب طبقات التابعين.
    (2) مقدمة ابن الصلاح ص 211.
    (3) مقدمة ابن الصلاح ص 212.
    "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
    رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
    *******************
    موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
    ********************
    "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
    وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
    والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
    (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

    تعليق

    • د.أمير عبدالله
      حارس مؤسِّس

      • 10 يون, 2006
      • 11252
      • طبيب
      • مسلم

      #3
      الباب الثاني: العلوم الموصلة


      لا بد للمؤرخ العصري المدقق، من ولوج باب آخر، كي يتمكن من الوصول إلى الحقيقة. عليه أن يقرب ما قمّش وينعم النظر فيه، ليرى إذا كان بإمكانه أن يدرك كنهه فيستعمله في تشييد ما يبني من صروح التأريخ، وإذا فعل سرعان ما يشعر بحاجته إلى ما نريد أن نسميه بالعربية العلوم الموصلة. والاستعارة في هذه التسمية من علم التفسير. فقد أجمع المفسرون على وجوب التمكن من العلوم الموصلة إلى علم التفسير قبلي الشروع في فهم القرآن الكريم، وبيان معانيه، واستخراج حكمه وأحكامه. والعلوم الموصلة في عرف المفسرين إلى علم التفسير هي علم اللغة وعلم النحو وعلم التصريف وعلم المعاني وعلم البيان وعلم البديع وعلم القراآت وأسباب النزول وأحكام الناسخ والمنسوخ وأخبار أهل الكتاب وعلم أصول الفقه وعلم الجدل.

      وقد وجدنا باختبارنا عندما خَطَونا خطوة التقميش في تاريخ العرب في النصف الأول من القرن التاسع عشر، أن الأصول لهذه الحقبة من تاريخنا ترد في العربية والتركية والإفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية والبولونية والروسية، وأهمها اللغات الخمس الأولى. فأسرعنا إلى التقاط ما ينقصنا منها. وكم كنا نود لو كان بإمكاننا أن نتعلم الباقي منها كي لا تكون استنتاجاتنا موقوفة على مقدرة المُترجمين من هذه اللغات.

      ولا يقف الأمر عند هذا الحد. فإنه ليس لنا ما لبعض زملائنا في توريخ بعض الأزمنة مجموعات من التعريفات الفنية. ونحن، وإن كنا لا ننكر فائدة قاموس محيط المحيط للعلامة بطرس البستاني، فإننا لا نرى فيه جميع ما نطلبه من اللهجات العامية المحكية في عصره. وأما معجم المستشرق الهولاندي رينهاردت دوزي، فإن مُعظمه مبني على آداب العربية في القرون الوسطى. ولذلك فإن فائدته ضيقة النطاق محدودة الجدوى لمن يعني مثلنا في تاريخ العرب في القرن التاسع عشر.

      وهل لعلمائنا الأعلام أقطاب اللغة العربية وأعضاء مجمع فؤاد الأول للغة، أن يكفوا عن البحث في مثل الشاطر والمشطور والكامخ بينهما والأرزيز والطرطران والعرعور والدويداء فينصرفوا إلى التعاون في تنظيم العمل لوضع قاموس على مثال معجم أوكسفورد للغة الإنكليزية؟ فإنك لو طلبت كلمة أدميرل الإنكليزية في هذا المعجم العظيم تجد أولا مقدمة في أصلها العربي- أمير البحر أو أمير الماء- واشتقاقها منه، ووصولها إلى الإنكليز من عرب الأندلس وصقلية، بواسطة الإسبانية أو الإيطالية. وتجد ثانيًا جميع معانيها الإنكليزية المستعملة الآن. العمومي والخصوصي الفني، مع الاصطلاحات المشتقة منهما. وتحت كل من هذه المعاني تجد كذلك الاستشهادات الكافية، باستعمالها في كتب أكبر أدباء الإنكليز وعلمائهم، منذ أن شاع استعمالها، في أوائل القرن الثالث عشر، حتى الجيل الذي دخلت فيه هذا القاموس العظيم. فقد ورد في الشرح على هذه الكلمة الدخيلة ما يزيد على الأربعين شاهداً ماخودة كلها من آداب اللغة الإنكليزية ما بين سنة 1255 وسنة 1888، ومرتبة جميعها بترتيبها التاريخي، لإظهار تطور المعنى، بتطور الظروف والأحوال. ومن محاسن هذا المعجم، أنك تجد فيه جميع هذه الاستشهادات مقرونة بذكر كاتبها الأول، وتاريخ استعمالها مع الإشارة إلى المجلد والصفحة الموجودة فيها. وقد ورد في الشرح على كلمة سِت SET أكثر من مئة وخمسين معنى، وما ينيف عن الثلاثة آلاف وثلاث مئة استشهاد، من أهم كتب هذه اللغة ما بين سنة 900 وسنة 1900 م.

      ولدى إعادة النظر في بعض ما عثرنا عليه من الأصول المشار إليها، ألفيناه رسائل رسمية متبادلة بين حكام ذلك العصر، توخى كاتبها نوعا خاصا من الخط العربي هو الديواني المعلق. ولا يخفى أن قراءة الخطوط العربية العادية لا تكفي للتيقن من قراءة الخط الديواني المعلق. فأخذنا عندئذٍ ندرس قواعد هذا الخط للتثبت من قراءة الأصول المكتوبة به. وقل الأمر نفسه عن الأختام المستعملة في هذه الرسائل. فلا بد لنا من معرفة المواد التي كانت تصنع منها هذه الأختام، وكيفية بصمها، مثلاً وعدد الأشخاص الموكلين بها، وغير ذلك من الأمور التي تقع اليوم في أوروبا، تحت علم " السفراجستيك ".

      ويشعر مؤرخ هذه الحقبة من تاريخ العرب بحاجة إلى أبحاث علمية، في أصول المخابرات الرسمية في مصر وسوريا والعراق وغيرها من البلدان المجاورة في القرنين الأخيرين. لأنه يظهر أن كتاب هذين القرنين كانوا يتمشون بموجب عادات مرعية، ففواتح مراسلاتهم، وغرضها المقصود، وخواتمها جميعها تنُم عن وجود عادات في الكتابات الرسمية. قال أحد المقربين إلى الأمير بشير الشهابي الشهير- ولعله الشيخ ناصيف اليازجي-.

      " وكل واحدة من هذه الطوائف (في لبنان) في الطبقتين أعني الأمراء والمشايخ، يُلقبه الحاكم في كتابته له بالأخ العزيز. غير أن في ملحقات هذا اللقب اختلافا من وجوه كثيرة بين الأمراء. فإن الأمير، إن كان من بني اللمع يكتب له الحاكم، جناب حضرة الأخ العزيز الأمير فلان المكرم، حفظه الله- تعالى- أولاً مزيد الأشواق لمشاهدتكم في كل خير، والثاني كذا وكذا. وهذه الكتابة تكون في نصف طبق من الورق، وإن كان من بني رسلان: يكتب له مثل ذلك، ولكن، في ربع طبق من الورق، ولا يقول في أثناء كتابته، والثاني: وبعده، ومتى أراد أن يكتب اسم نفسه في آخر الكتابة قال: محبا مخلصا لا أخاً. ولا يكتب لقب نفسه بل يكتب ثلاث نقط متصلة تحت اسمه، وتحتها نقطتان متصلتان. يشير بالأولى إلى شين شهاب وبالثاني حرف ب (1) ".

      وما إلى ذلك من قواعد منظمة متبعة كل الأتباع على ما يظهر. وقد وجدنا بالاختبار أنه لا بد لنا في تحري الحقيقة التاريخية، من معرفة أنواع الحبر وألوانه، وأشكال الورق- من حيث الطول والعرض واللون والسماكة- وشركات إصداره إلى الأقطار العربية، وتمغاتها الشفافة عليه، وأصناف الأقلام وظروف استعمالها، في مختلف الدوائر والدواوين. ولا يخفى ما في درس هذه الأمور جميعها من الأهمية، لفهم محتويات المخابرات الرسمية وإيجاد تواريخها، وتثبيت أصالتها وعدم تزويرها، لا بد إذا من تعلم اللغات التي ترد فيها الأصول، ومن الاستعانة بمثل ما تقدم ذكره، من العلوم والفنون. وهل ننسى القرآن والتفسير والحديث ووجوب التطلع في هذه العلوم لمن يعنى بتاريخ العرب؟

      وهنالك طائفة أخرى، من العلوم الموصلة، لا مفر من الوقوف عليها، والاسترشاد بنظرياتها ونواميسها، كي نستعين بالماضي، على فهم الحاضر، وتدارك المستقبل. لا بد للمؤرخ العصري، من التبحر في العلوم الاجتماعية والفلسفة، إذا ما أراد أن ينظر إلى باطن المجتمع الماضي، ليتوصل إلى العوامل الأساسية، التي أثرت في عقول السلف، ودفعتهم لأحداث ما حدث من وقائعهم، إن في الحرب أو في السلم. وقد أظهر علماءُ الاجتماع، كل في دائرة اختصاصه، أن كل حادث مضى، إنما هو مظهر لقوى شتى، اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية وغير ذلك، تضافرت في إبرازه إلى حيز الوجود. ولذا كان محتماً على المؤرخ المدقق، إذا ما أراد فهم حقيقة الماضي، أن يحيط علما بهذه القوى، وأن يطلع على نتائج أبحاث العلماء، في جميع العلوم الاجتماعية. وهل يختلف اثنان، في أنه يجب على مؤرخ العلوم الرياضية، أن يكون مؤرخا ورياضيا من الطبقة الأولى. وهل بإمكان من يجهل العلوم الرياضية من المؤرخين، أن يبت في تفوق علماء اليونان على علماء الشرق القديم، في مضمار علمي الهندسة والفلسفة الطبيعية؟ أو أن يحكم فيما إذا كان علم الجبر وعلم المثلثات من ابتكارات العرب أو لا؟ أو أن يقدر جهود لابلاس ونويتن ومونج حق قدرها؟ أوليس من المضحك أن يتصدى للحكم على ابتكارات أينشتاين من لا يفقه شيئا من الرياضيات العالية؟ وقل الأمر نفسه عن تاريخ العلوم الطبيعية والطب وغير ذلك.

      (1) المؤرخ مجهول: في تقسيم جبل لبنان وحالة الحكام فيه وعوايدهم والأديان التي توجد فيه. نسخة جامعة بيروت الأميركية 19474 ص 5، 6.
      "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
      رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
      *******************
      موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
      ********************
      "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
      وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
      والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
      (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة Black pearl, 24 ماي, 2024, 03:24 م
      ردود 3
      123 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 19 فبر, 2023, 10:23 م
      ردود 0
      52 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة د.أمير عبدالله
      ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 20 سبت, 2021, 07:32 م
      ردود 3
      100 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أبر, 2021, 03:16 ص
      ردود 0
      132 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 11 أبر, 2021, 12:20 م
      ردود 0
      89 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة د.أمير عبدالله
      يعمل...