هل جبريل إله لأنه وهب عيسى لمريم؟ !
مِنَ الشبهاتِ التافهةِ التي تراءت إلى عقولِ المعترضين شبهةٌ مفادها: إن جبريلَ بحسبِ القرآنِ وهب لمريمَ عيسى إذًا هو إله... !
تعلّقوا على ذلك بقولِه I: ] قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا(19) [(مريم).
الردُّ على الشبهةِ
أولًا: إنّ الشبهة تافهةٌ تبيّنَُ لقرائِها مدى تفاهةِ وجهلِ مثيرِها الذي فاق الحدود، ولا أدري كيف وصلت عقولهم إلى هذا الذكاء غير المعهود...!!
الآيةُ تقولُ: ]قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ... [أيْ: أنّه uمرسلٌ مِنَ ربها I، وليس إلهًا، وذلك بشهادته هو بنفسه u...!
وأفهمُ مِنَ الآيةِ أنّه سيهبُ لها بالبشارة من ربه غلامًا، بصفتِه u رسولُ ربِّها وليس إلهها؛ فنسب الإعطاءَ لنفسِه لكونِه السبب، وأمّا المُسبب والمرسِل هو الله I، وهو الواهب الحقيقي؛ وأما الرسول(الملك جبريل) فجاء ببشارة خلق الله I للمسيح عبده ورسوله u...
فإنْ قيلَ: كيف يحدث ذلك؟
قلتُ: بالمثال يتّضح المقال:
في غزوةِ الأحزاب أرسل اللهُI ريحًا أقلعت خيام المشركين المحاصرين للنبيِّ محمد r وأصحابِه، فدمرت حصونهم، وأطفأت نيرانَهم، أرسل جندًا مِنَ الملائكةِ زلزلوهم وألقوا الرعبَ في قلوبِهم فرجعوا منهزمين ...
السؤالُ الذي يطرحُ نفسَه هو: أليست الريحُ والملائكةُ هما من دمرتا المشركين؟
الجوابُ: بلى.
يبقى السؤالُ: أليست هذه أسباب للنصرِ من مسببِ الأسبابِ "اللهُ I" ؟
الجوابُ: بلى؛ إنّ النصير الحقيقي هو الله I؛ لأنّه أرسلَ الريحَ والملائكةَ – جندًا من عنده- لنصرةِ المؤمنين فكانتا سببًا للنصر المبين...
مثال آخر: أقول: إنّ الملائكةَ عذبت قومَ لوطٍ؛ لأنّها السبب المباشر المنفذ لتعذيبِهم فنُسب الفعلُ هنا للمنفذِ(الملائكة) وأقول أيضًا: عذب اللهُ Iقومَ لوطٍ؛ لأنّه I الأمر بعذابهم وهلاكهم...
إذًا: يجوز أنْ ينُسب الفعل إلى منفذِ الأمرِ "المُبشر" باعتباره سببا مباشرا من المُسبب ... دلّل على ما سبقَ ما جاءَ في كتبِ التفاسيرِ منها:
1- تفسير البغوي: وقرأَ الآخرون: "لأهب لك" أسند الفعل إلى الرسول، وإن كانتِ الهبة مِنَ اللهِ تعالى، لأنّه أرسل به. اهـ
2- تفسير المنتخب: قال الملك: ما أنا إلا رسول من ربك لأكون سببًا في أنْ يوهب لك غلام طاهر خيّر. اهـ
3- تفسير السعدي: قال: { إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ } أيْ: إنّما وظيفتي وشغلي تنفيذ رسالة ربّي فيك { لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا } وهذه بشارة عظيمة بالولد وزكائه فإنّ الزكاء يستلزم تطهيره مِنَ الخصال الذميمة واتصافه بالخصال الحميدة فتعجبت من وجود الولد من غير أب فقالت: { أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا } والولد لا يُوجد إلا بذلك؟" { قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } تدل على كمال قدرة الله تعالى وعلى أنّ الأسباب جميعها لا تستقل بالتأثير وإنّما تأثيرها بتقدير الله فيري عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية لئلا يقفوا مع الأسباب ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها { وَرَحْمَةً مِنَّا } أي ولنجعله رحمة منا به وبوالدته وبالناس أما رحمة اللهِ به فلمّا خصه الله بوحيه ومن عليه بما من به على أولي العزم وأمّا رحمته بوالدته فلمّا حصل لها مِنَ الفخر والثناء الحسن والمنافع العظيمة وأمّا رحمته بالناس فإنّ أكبر نعمه عليهم أن بعث فيهم رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فيؤمنون به ويطيعونه وتحصل لهم سعادة الدنيا والآخرة. اهـ
ويبقى السؤالُ الذي يفرض نفسه هو: منْ مِنَ المفسّرين قال بقول المُعترضِين؟
منْ من علماء المسلمين قال بقولِهم إلى الحين...؟!
ثانيًا: إنّ محل الاعتراض الحقيقي هو عند المُعترضين أنفسهم
في إنجيل متى، وليس القرآنِ الكريمِ؛ فإنجيل متى ذكر أنّ مريم وجدت حُبلى مِنَ الروح القدس...!
وذلك في الأصحاح 1 عدد 18 " أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أنْ يجتمعا، وجدت حُبلى مِنَ الروح القدس".
ويبقى السؤالُ: إنّ الروح القدس بحسبِ معتقد المُنصّرين هو أقنوم من أقانيم الله الثلاثة؛ فهل مريم حبلت مِنَ اللهِ بحسبِ هذا النصّ ....؟!
كتبه /أكرم حسن مرسي