5- الصدق في الراوي والصدق في الرواية (الصدق ما بين العدالة والضبط)
أولا: وقفة مع المنطق الحسابي للمهندس محمد بخصوص " الصدق"، "الكذب"، " العدالة"، " تعديل"
ثانيا: بيان أن الضبط يُستدل به على الصدق وعلى الكذب (قرينة لا اثباتا)
ثالثا: بيان أن الضبط قد يكون صفة سالبة للصدق مثبتة للكذب
رابعا: تصحيح المنهجية العلمية "الصفة الموجبة للحكم والصفة السالبة له"، والتي غفلها المهندس فتسببت في الخلط عنده بين السبر وعلاقته بالعدالة والضبط
خامسا: إذا كان السبر يُثبت الضبط و ينفيه، فإن السبر يطعن في العدالة ولا يُثبتها.
سادسا: بيان أن الطعن في صدق الرواية (الضبط) يطعن في العدالة الحديثية وقد يطعن او لا يطعن في العدالة الدينية.
أولا: وقفة مع المنطق الحسابي للمهندس محمد بخصوص " الصدق"، " العدالة"، " تعديل"
يقول المهندس محمد ان الصدق والكذب صفتان للحكم على العدالة لا الضبط، ودلّل على هذا بمثالين من كتاب ابن أبي حاتم، فيقول:
والأمثلة على ذلك كثيرة منها قول أبي حاتم صراحة إن فلان تدل مروياته على صدقه أو كذبه، والصدق والكذب صفتان للحكم على العدالة لا الضبط.
- يقول ابن أبي حاتم [الجرح والتعديل (ج6/ص278)]: سألت أبي عنه (أي عيسى بن سليمان) فقال هذا شيخ حمصي يدل حديثه على الصدق
- ويقول [الجرح والتعديل (ج2/ص40)]: سألت أبي عنه (أي أحمد بن إبراهيم الحلبي) وعرضت عليه حديثه فقال لا أعرفه وأحاديثه باطلة موضوعة كلها ليس لها أصول يدل حديثه على أنه كذاب.
- يقول ابن أبي حاتم [الجرح والتعديل (ج6/ص278)]: سألت أبي عنه (أي عيسى بن سليمان) فقال هذا شيخ حمصي يدل حديثه على الصدق
- ويقول [الجرح والتعديل (ج2/ص40)]: سألت أبي عنه (أي أحمد بن إبراهيم الحلبي) وعرضت عليه حديثه فقال لا أعرفه وأحاديثه باطلة موضوعة كلها ليس لها أصول يدل حديثه على أنه كذاب.
و مرة أخرى لازلنا في التصحيحات ..
مشكلة المهندس .. أنه يتعامل مع المصطلحات والعلوم النظرية والمعنويات بعلم الهندسة او بعلمه الحسابي، فيقيس على المعنوي بترمومتر مغلوط مادي .. مثله كمن يقيس الضغط او السكر بترمومتر الحرارة مثلا .. ثم يُصدر حكما !!
حتما ستكون النتيجة حائرة .. غير علمية .. لان القياس منذ البدء مغلوط. .. فهو يستخدم مع المعنويات اما صح واما خطأ .. 1 زائد 1 يساوي 2 .. لا يجوز تكون نتيجة اخرى، ولا يجوز للمعنى ان يتفاوت بين الناس وبين العلماء .. وهذا صواب ان كان الحوار او البحث في علم الحساب والمسائل الحسابية. او في العلم الضروري مافي اي نتيجة أخرى .
لكنه منطق مغلوط وأعور اذا ما استُخدم نفس هذا المقياس في اللغة او في الاصطلاحات.. حتما ستكون النتيجة كارثية.
فإذا ما قرأ لفظة " تعديل" او " عدل" او " عدالة" او "توثيق" - مع ما بينهم من تفاوت واختلاف - فسرعان ما يخرجه عقله من بوتقة واحدة وهي انها لا تدل الا على صلاح الدين وبيان حال الفرد في نفسه!! .. فيضع نظريته ويشغل الخلاط، دون مرونة او مجرد عودة الى اقوال اهل العلم واختبار فهمه .. وهذا شطط .. فالواجب على كل باغ حق أن يُلم أولا باصطلاح وفهم كل انسان وكل اهل تخصص ..
فمصطلح " العدالة" عند القانونيين والحقوقيين يختلف معناه عن مصطلح " العدالة" عند الأصوليين والفقهاء، ويختلف مرة ثالثة هذا المصطلح عند المحدثين. بل إن العلماء في نفس التخصص قد يصطلح كل واحد منهم للفظ " العدالة" اصطلاحا يختلف عن اصطلاح الآخر.. وقد مر بنا أعلاه كيف ان العدالة الدينية تختلف عن العدالة الاصولية وتختلف عن العدالة الحديثية.. نعم قد يكون بينهم مشترك وهو " الرضا" او اركان العدالة الرئيسية.. لكن لا يجوز الحكم على قواعد العدالة عند القانونين بحسب فهم المحدثين للعدالة. بل لا يجوز الحكم على اصطلاح العدالة عند المتقدمين من المحدثين بالاصطلاح المتأخر للمحدثين.. بل ان اصطلاحهم للتعديل يختلف عن اصطلاحهم لقولهم " عدل"
ونفس الأمر يتكرر كل مرة، فإذا ما لمحت عينه كلمة "صدق" او "كذب" او " صدوق" فإنه فورا وبشطحة رياضية حسابية، اعتاد عليها عقله الباطن في التفكير يصرفها فورا من بوابة " العدالة".. والأمر مرة أخرى ليس كذلك على اطلاقه، بل لابد من فهم سياق الكلام في كل مرة قبل ان يتصدر بفهمه الخاص.
ولو تتبع وسبر واعتبر صنيع المحدثين، لوجد ان الصدق وإن كان حُكما على العدالة في اصله، فإن هذا الحكم في الاغلب الاعم في الجرح والتعديل .. وُضع على اساس مراتب الضبط .. وكثيرا ما يكون هناك تقييد للصدق بالرواية ليدل على تأكيد الضبط لهذا الحكم أو نفيه.
ولو تأنى لوجد ان الصدق وان كان هو عمدة العدالة عند المحدثين وجناحه الأول، فإن الضبط هو جناح الصدق الثاني ودليله.
فصدق الحديث عن رسول الله لا يتأتى الا بــ:
1- صدق الراوي في نفسه وفي روايته (عدالة)
2- صدق الراوي في الرواية وقله خطئه واتقانه (ضبط)
بل إن " الصدق" عند المحدثين، لا يعني فقط ما هو ضد الكذب، بل قد يعني أيضا شدّة ضبط الراوي في نقل الرواية:
فانظر إلى قول الإمام ابن حبّان : «سمعت ابن قَحطبة يقول: سمعت نصر بن علي يقول: سمعت عبد الله بن داود الخُريبي يقول: كان مِسعر بن كِدام يسمّى المصحف؛ لقلة خطئه، وحفظِه". وممن أُطلق عليه المصحف سُليمان بن مهران الأعمش (ت 148هـ)، قال عمرو بن علي: «كان الأعمش يُسمَّى المُصحفَ من صدقِه".
.
المصحف يعني قلة خطئه، وحفظِه
المصحف يعني صدقه
المصحف يعني صدقه
فدل قوله: "كان الأعمش يسمَّى المُصحف من صدقِه" أي : لشدّة ضبطه في نقل الرواية، وليس المراد بالصِّدق نقيضُ الكَذب؛ إذ لا معنى له في سياق الكلام، والحاصل أنَّه قصد تشبيه ضبط الأعمش بأنه كضبط المصحف الذي لا يتسرّبُ إليه تحريف أو تبديلٌ.
ومنه كذلك ما قيل في خالد بن الحارث الهجيمي ووصف قوة ضبطه بالصدق، قال احمد ابن حنبل: " خالد بن الحارث اليه المنتهى في التثبيت بالبصرة"، قال ابن أبي حاتم: " سمعت أبي يقول خالد بن الحارث امام ثقة حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن خالد بن الحارث فقال كان يقال له خالد الصدق"
وسنورد تقرير ذلك مع الأدلة عليه في ثانيا.
يتبع
تعليق