"أسفار التوراة السبعة!"
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
فقد ورد لفظ الحكمة في سفر الأمثال في مواضع كثيرة؛ فتأوّل اليهود لفظ الحكمة بـ "التوراة"، وتأوّل النصارى لفظَ الحكمةِ في بعض مواضع السفر بـ "الكلمة = أقنومهم الثاني"*.
وقد أوجد اليهود من أحد النصوص المُشْكِلَة مهربًا من إشكال آخر؛ فضربوا النصين بعضهما بعْضًا!
فإننا إذا قرأنا الأمثال ٩ : ١ "الحكمة بنت بيتها، نحتت أعمدتها السبعة"** مستحضرين تأويل الحكمة ب" التوراة" ؛ فإن أسفار التوراة "الأعمدة" صارت سبعة بينما الموجود هي خمسة أسفار فقط !
هذا التفسير الذي يبدو شديد الإعضال؛ هو في الأصل مهرب من تفسير آخر أشد إعضالًا والذي قد وُضع بدوره للهروب من مشكلة نصية معضلة في سفر العدد!
إعادة قراءة المشهد:
جاء التقليد الماسوري فيما يخص نص العدد ١٠ : ٣٥ - ٣٦ بإشارة عجيبة فريدة لم تتكرر إلا في المزمور ١٠٧ ؛ وهي ظاهرة "النون المقلوبة".... حيث جاء النص المذكور في التقليد الماسوري وكأنه بين قوسين "القوسين = حرفين نون بشكل مقلوب".
وقد اتفقت الآراء التلمودية اتفاقا ضمنيًا مع اختلاف في التفصيل أن هذا النص مخالف للسياق سباقه ولحاقه ، وأن وجوده في هذا الموضع محل شك ؛ بل ليس هذا موضعه الصحيح ؛ مما يفسر عندهم وضعه بين علامتين "النونين المقلوبتين".
من هنا جاء الحل السحري على لسان مدون المشناة" يهوذا هنّاسي" اعتمادًا على تأويل نص الأمثال ٩ : ١ أن التوراة سبعة أسفار وليست خمسة.
لنقرأ تلك التفسيرات من التلمود *** :
תנו רבנן ויהי בנסוע הארון ויאמר משה פרשה זו עשה לה הקדוש ברוך הוא סימניות מלמעלה ולמטה לומר שאין זה מקומה
רבי אומר לא מן השם הוא זה אלא מפני שספר חשוב הוא בפני עצמו
כמאן אזלא הא דאמר רבי שמואל בר נחמן אמר רבי יונתן חצבה עמודיה שבעה אלו שבעה ספרי תורה כמאן כרבי
מאן תנא דפליג עליה דרבי רבן שמעון בן גמליאל הוא דתניא רבן שמעון בן גמליאל אומר עתידה פרשה זו שתיעקר מכאן ותכתב במקומה ולמה כתבה כאן כדי להפסיק בין פורענות ראשונה לפורענות שנייה פורענות שנייה מאי היא ויהי העם כמתאוננים פורענות ראשונה ויסעו מהר ה׳ ואמר רבי חמא ברבי חנינא שסרו מאחרי ה׳ והיכן מקומה אמר רב אשי בדגלים
الترجمة:
روى الربانيون**** أن هذ النص (وكان عند ارتحال التابوت يقول موسى ....) قد جعل له القدوس المبارك علامةً فوقه وأخرى تحته ليخبرنا أن هذا ليس موضعه.
وقال الرَباي "يهوذا هنّاسي" : إنه ليس من هذا الوجه "يكون التفسير الصحيح للعلامتين" ؛ بل "وُضِعَتْ = الأقواس" من أجل أن هذا النص في حد ذاته محسوب سفرًا من أسفار التوراة.
مَن جاء "اعتراضه" موافقًا للذي قاله الرَباي شموئيل ابن نحمان عن الرَباي يونثان "خارقًا للإجماع" ؛ فقال "متأولًا" (نحتت أعمدتها السبعة) هي أسفار التوراة ؟ ك"كلام" مَن؟ .. الراباي "يهوذا هنّاسي".
من الراوي الذي خالف قول الرَباي "يهوذا هنّاسي"؟.. الرَباي شمعون ابن جملَئيل ؛ إذ نُقِل**** عن الرباي شمعون ابن جملَئيل قوله = تلك الفقرة سوف تزال من هنا وتوضع في مكانها "مستقبلاً" ؛ لكن لماذا كُتبت هنا؟ من أجل أن تفصل بين التمرد الأول "الذي استوجب عقابا" والتمرد الثاني "الذي استوجب عقابًا" ، فما التمرد الثاني؟ = وكأنَّ الشعب اشتكى***** .. والتمرد الأول؟ = وارتحلوا من جبل ياهو******) ؛ فقال "مبيّنًا" الرَباي حما عن الرَباي حنينا (حيث أعرضوا عن ياهو******) ، إذن فما موضع الفقرة "الموضع الصحيح الذي كانت عليه ثم تصير إليه بعد ذلك مستقبلاً" ؟ قال الرَباي آشي (بالرايات) *******.
خلاصة ما جاء في التلمود :
يرى الحاخامات إجماعا أن موضع الفقرة ليس هذا الذي هي عليه الآن وأن الله قد أمر بوضع حرفي نون "قوسين" للدلالة على ذلك.
ويرى شمعون ابن جملَئيل أن علة وضع الفقرة في موضعها الجديد أن تفصل بين ذكر تمردَين لبنى إسرائيل بدلًا من سردهما أحدهما تلو الآخر.
وقد خالف ذلك الإجماع ثلاثة ؛ يهوذا هناسي"الرئيس" محرر المشناة؛ وشموئيل ابن نحمان ويونثان فقالوا إن العلامات إنما وضعت للدلالة أن تلك الفقرة هي سفر منفصل من أسفار التوراة ؛ إذ أن أسفار التوراة سبعة وفقا لنص الأمثال وهي "التكوين، الخروج، اللاويين، العدد إلى أول نون مقلوبة، الفقرة بين حرفي النون، سفر العدد من النون الأخيرة لآخر السفر ثم التثنية".
هوامش وملاحظات
* الأمثال ٨ : ٢٢ "الرب قناني أول طرقه ، من قبل أعمالِه، منذ القدم".. ترجمة سميث وفانديك؛ ومنه الخلاف حول الفعل ײקנה = قنا" ودلالته على الحيازة أم الخلق والتكوين.
ومن هذا النص مع اختلاف دلالة الفعل استدل جمهور اليهود الفريسيين على خلق التوراة، والنصارى على أزلية أقنوم الكلمة.
** ترجمة سميث وفانديك.
*** التلمود "شبت ١١٥ب - ١١٦أ".
**** لفظ "روي، روى" في ترجمتي العربية ؛ جاء ترجمة لكلمة "תני" والتي تشير إلى المروي عن جيل حاخامات المشنا "التنائيم = المكررين أو الرواه" والذي عاصر المسيح وانتهى في القرن الثاني أو الثالث الميلادي والذي سبقه جيل "الزوجوت = الأزواج أو الثنائيات" ، وتبعه جيل التلمود "الأمورائيم = الشرَّاح" ، ولفظ "نُقل" هو ترجمة لكلمة "תניא" وهو القول المنقول عن أحد حاخامات المشناة ولكنه غير مدون في المشناة بل مدون في مصدر آخر نقل عنه هذا القول.
وما بين الأقواس ".." في الترجمة هو من كلامي للتوضيح إذ أن تراكيب النص الأصلي من الصعب سردها بترجمة مباشرة لركاكتها واختصاراتها المخلة.
***** العدد ١١ : ١
****** هي تحريف بلَيّ اللسان لنص العدد ١٠ : ٣٣ والذي جاء فيه ויסעו מהר יהוה = وَيسعو مِهار ياهو = وارتحلوا من جبل ياهو، فقرأها ויסעו מאחרי יהוה = وَيسعو مِأخري ياهو = فارتحلوا عن الرب.
******* الموضع الأصلي للفقرة كان في سياق الحديث عن رايات الأسباط المذكورة في سفر العدد الإصحاح الثاني؛ وقد حدد راشي الموضع بعد العدد ١٧ منه.