رد شبهة: نبيٌّ الإسلام يقول: " الجنةُ تحت ظلال السيوف " !
قالوا: لقد حث نبيٌّ الإسلام أتباعَه على قتالِ الآخرين... بدعوى هذا الحديث الذي يدعو للإرهابِ ...!!
في صحيح البخاري كتاب ( الجهاد والسير) باب (الجنة تحت بارقةِ السيوف) برقم 2607 عن عَبْد اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِr قَالَ: " وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ". تَابَعَهُ الْأُوَيْسِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
الرد على الشبهة
أولًا: إن لي سؤالين للمعترضين من خلالهما أنسف الشبهة نسفًا - إن شاء الله I - :
الأول: متى وأين قال النبيُّ r هذا الحديث " وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ"؟
الجواب: قاله النبيُّ r في غزوةِ الأحزاب ( الخندق ).
الثاني: هل غزوة الأحزاب كانت اعتداء من المسلمين على غيرهم أم العكس... ؟
الجواب: العكس صحيح ؛ الغزوة كانت دفاعًا من المسلمين عن أنفسهم ...
إذًا: ليس في الحديث الحث على الاعتداء على الآخرين ، والكل يتفق أن استخدامَ السيف لدفع المعتدي يعتبر منقبة وليس مذمة ... وعلى هذا فالحديث يحث على الصبرِ على اعتداءِ الكفارِ على المسلمين كما سيتبن من الرواية الأخرى ...
يدلل ذلك دليلان:
الأول: سنن أبي داود برقم 3748 قال r: " دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ ". تحقيق الألباني :( حسن ) انظر حديث رقم 3384 في صحيح الجامع .
والمعنى: إذا لم يعتدوا عليكم فلا تعتدوا عليهم ...
الثاني: قوله: ]وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [ ( البقرة 190).
ثانيًا: كان على المعترضين أن يدققوا في البحثِ قبل عرضهم.......
فلو بحثوا جيدًا في الرواياتِ والشروحِ لوجدوا الروايات الأخرى التي توضح الرواية التي جعلوا منها شبهة ...
ففي صحيح البخاري برقم 2744 عن عَبْد اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِنَّ رَسُولَ اللَّه ِr فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ".
قال ابنُ حجرٍ في الفتحِ : قَوْله : ( لَا تَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدُوّ وَسَلُوا اللَّه الْعَافِيَة فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ) قَالَ ابْنُ بَطَّال:حِكْمَة النَّهْي أَنَّ الْمَرْء لَا يَعْلَم مَا يَئُول إِلَيْهِ الْأَمْر ، وَهُوَ نَظِير سُؤَال الْعَافِيَة مِنْ الْفِتَن ، وَقَدْ قَالَ الصِّدِّيقُ: " لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُر أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِر " وَقَالَ غَيْره : إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَمَّنِي لِقَاء الْعَدُوّ لِمَا فِيهِ مِنْ صُورَة الْإِعْجَاب وَالْإِتْكَال عَلَى النُّفُوس وَالْوُثُوق بِالْقُوَّةِ وَقِلَّة الِاهْتِمَام بِالْعَدُوِّ ، وَكُلّ ذَلِكَ يُبَايِن الِاحْتِيَاط وَالْأَخْذ بِالْحَزْمِ . وَقِيلَ يُحْمَل النَّهْي عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ الشَّكّ فِي الْمَصْلَحَة أَوْ حُصُول الضَّرَر ، وَإِلَّا فَالْقِتَال فَضِيلَة وَطَاعَة . وَيُؤَيِّد الْأَوَّل تَعْقِيب النَّهْي بِقَوْلِهِ " وَسَلُوا اللَّه الْعَافِيَة "........ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْع طَلَبِ الْمُبَارزَة، وَهُوَ رَأْي الْحَسَن الْبَصْرِيّ ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُول : لَا تَدْعُ إِلَى الْمُبَارَزَةِ ، فَإِذَا دُعِيت فَأَجِب تُنْصَر ، لِأَنَّ الدَّاعِي بَاغٍ . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل عَلِيّ فِي ذَلِكَ.
قَوْله : ( ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِل الْكِتَاب إِلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا الدُّعَاء إِلَى وُجُوه النَّصْر عَلَيْهِمْ ، فَبِالْكِتَابِ إِلَى قَوْلِه I : ] قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه بِأَيْدِيكُمْ [ (التوبة14). وَبِمُجْرِيَ السَّحَاب إِلَى الْقُدْرَة الظَّاهِرَة فِي تَسْخِير السَّحَاب حَيْثُ يُحَرِّك الرِّيح بِمَشِيئَةِ اللَّه U ، وَحَيْثُ يَسْتَمِرّ فِي مَكَانه مَعَ هُبُوب الرِّيح ، وَحَيْثُ تُمْطِر تَارَة وَأُخْرَى لَا تُمْطِر ، فَأَشَارَ بِحَرَكَتِهِ إِلَى إِعَانَة الْمُجَاهِدِينَ فِي حَرَكَتهمْ فِي الْقِتَال ، وَبِوُقُوفِهِ إِلَى إِمْسَاك أَيْدِي الْكُفَّار عَنْهُمْ ، وَبِإِنْزَالِ الْمَطَر إِلَى غَنِيمَة مَا مَعَهُمْ حَيْثُ يَتَّفِق قَتْلهمْ ، وَبِعَدَمِهِ إِلَى هَزِيمَتهمْ حَيْثُ لَا يَحْصُل الظُّفْر بشيء مِنْهُمْ ، وَكُلّهَا أَحْوَال صَالِحَة لِلْمُسْلِمِينَ . وَأَشَارَ بِهَازِمِ الْأَحْزَاب إِلَى التَّوَسُّل بِالنِّعْمَةِ السَّابِقَة ، وَإِلَى تَجْرِيد التَّوَكُّل ، وَاعْتِقَاد أَنَّ اللَّه Uهُوَ الْمُنْفَرِد بِالْفِعْلِ . وَفِيهِ التَّنْبِيه عَلَى عِظَم هَذِهِ النِّعَم الثَّلَاث ، فَإِنَّ بِإِنْزَالِ الْكِتَاب حَصَلَتْ النِّعْمَة الْأُخْرَوِيَّة وَهِيَ الْإِسْلَام ، وَبِإِجْرَاءِ السَّحَاب حَصَلَتْ النِّعْمَة الدُّنْيَوِيَّة وَهِيَ الرِّزْق ، وَبِهَزِيمَةِ الْأَحْزَاب حَصَلَ حِفْظ النِّعْمَتَيْنِ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : اللَّهُمَّ كَمَا أَنْعَمْت بِعَظِيمِ النِّعْمَتَيْنِ الْأُخْرَوِيَّة وَالدُّنْيَوِيَّة وَحَفِظْتهمَا فَأَبْقِهِمَا . وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ وَجْه آخَر أَنَّهُ r دَعَا أَيْضًا فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبّنَا وَرَبّهمْ ، وَنَحْنُ عَبِيدك وَهُمْ عَبِيدك نَوَاصِينَا وَنَوَاصِيهمْ بِيَدِك ، فَاهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " وَلِسَعِيدِ بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْحُبُلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ r مُرْسَلًا نَحْوه لَكِنْ بِصِيغَةِ الْأَمْر عَطْفًا عَلَى قَوْله ( وَسَلُوا اللَّه الْعَافِيَة : فَإِنْ بُلِيتُمْ بِهِمْ فَقُولُوا اللَّهُمَّ ) فَذَكَرَهُ وَزَادَ ( وَغُضُّوا أَبْصَاركُمْ وَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ عَلَى بَرَكَة اللَّه ) . اهـ
ثالثًا: إن قيل: ما هو ما معنى قولِه r : " وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ " ؟
قلتُ: إن المجاهدَ الذي يجاهدُ في سبيلِِ اللهِ بالسيفِ أو البندقيةِ.... إن قُتل من أجلِ كلمةِ التوحيد ومن أجل دفاعِه عن المستضعفين جهادًا في سبيلِ الله؛ صار شهيدًا ثم صار من أهل الجنة.
قال I : ] وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [ (آل عمران 169). وقد كان من الصحابةِ y من فتح اللهُ مسامه في الدنيا قبل استشهاده حتى اشتم رائحةَ الجنة كأنسِ بنِ النضر t ، وذلك في صحيح البخاري برقم 3742 عَنْ أَنَسٍ t أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ r لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ r لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضَى فَقُتِلَ فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبَنَانِهِ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ . لهذا قال النبيُّ r : " وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ".
وأقول: إن الجهادَ ليس كله بالسيفِ؛ فمن الجهاد أيضًا الجهاد بالقرآنِ الكريم....
قال I : ]فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً [ (الفرقان52).
أجمع المفسرون أن الجهادَ في هذه الآيةِ هو بالقرآن الكريم.
وعن أنسٍ t عن النَّبِيِّ r قال: " جاهدوا المشركينَ بأموالِكم وأنفسِكم وألسنتِكُم " .
رواه أبو داود والنسائيُّ والدارمي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم 3821.
وحينما نتكلم عن السيوف والقتال لابد أن نفرق أولاً بين قتالٍ من أجلِ الباطل، وقتال دفعًا عن الدينِ و النفسِ، والعرضِ، والضعفاءِ من الولدان والنساءِ.... أي: من أجلِ الحقِ ...
قال I : ]وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً [(النساء75).
جاء في التفسير الميسر : وما الذي يمنعكم - أيها المؤمنون- عن الجهاد في سبيل نصرة دين اللهU ,ونصرة عباده المستضعفين من الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي عليهم, ولا حيلة لهم ولا وسيلة لديهم إلا الاستغاثة بربهم, يدعونه قائلين : ربنا أخرجنا من هذه القرية - يعني "مكة "- التي ظَلَم أهلها أنفسهم بالكفر والمؤمنين بالأذى, واجعل لنا من عندك وليّاً يتولى أمورنا, ونصيرًا ينصرنا على الظالمين . اهـ
وأتساءل : هل هذا قتال من أجل الباطل ؟! هذا هو.
الجواب : إن ما وقع في الحديثِ الذي معنا أن الأحزابَ تكالبت على رسولِ الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمين في غزوةِ الأحزاب ( الخندق ) ، وكان عددهم أكثر من عشرة آلاف مقاتل ، أمام ثلاثمائة من المسلمين بعد أن فارق المنافقون نبينا r ومن معه ، وحُصِرَ النبيُّ r وأصحابُه y والنساءُ والأطفالُ فخطب فيهم r قائلًا :" أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ". ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " . وبعدها حدث النصرُ من عند اللهU بإرسالِ ريحٍ دمرت حصونَهم ، وأقلعت خيامَهم ، وجنود لم يروها ؛ أرسلها اللهُ نصرة للمؤمنين هم الملائكة ؛ قال I : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً )[الأحزاب9).
جاء في التفسير الميسر: يا معشر المؤمنين اذكروا نعمة الله التي أنعمها عليكم في "المدينة" أيام غزوة الأحزاب وهي غزوة الخندق, حين اجتمع عليكم المشركون من خارج "المدينة", واليهود والمنافقون من "المدينة" وما حولها, فأحاطوا بكم, فأرسلنا على الأحزاب ريحًا شديدة اقتلعت خيامهم ورمت قدورهم , وأرسلنا ملائكة من السماء لم تروها, فوقع الرعب في قلوبهم. وكان الله بما تعملون بصيرًا, لا يخفى عليه من ذلك شيء . اهـ
رابعًا : بعد أن بيّنتُ - بفضل الله I- أن الحديثَ ليس فيه شبهة ؛ بل هو من أعظم أحاديثِ النبيِّ r ، وفيه معجزة من معجزاتِه r حيث انتصر المسلمون لما دعا r أصحابَه y إلى عدمِ تمني لقاء العدو ، والصبر عند اللقاء ، ثم دعا اللهَI فجاء المددُ من السماءِ بالنصرِ والتمكينِ من غيرِ حولٍ منه ولا قوةr ؛ نصره اللهُ تعالى دون إراقةِ دماءٍ ، ودون قِتالٍ ؛ قال I :] وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً [ ( الأحزاب 25 ).
وبعد أن بيّنتُ للمعترضين الحق، وما غاب عنهم... ..
أتساءل :إن إنجيل لوقا ذكر أن يسوع إله المحبة بحسب اعتقادكم .... أمر تلاميذَه بأن يشتروا سيوفًا لماذا ؟؟ أليس هو إلهًا قويًا ؟ أم أنه رسول من عند اللهِ... ؟!
جاء ذلك في الأصحاح 22 عدد 36فَقَالَ لَهُمْ:«لكِنِ الآنَ، مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا. 37لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضًا هذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ».38فَقَالُوا: «يَارَبُّ، هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». فَقَالَ لَهُمْ:«يَكْفِي!». 39وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَتَبِعَهُ أَيْضًا تَلاَمِيذُهُ. 40وَلَمَّا صَارَ إِلَى الْمَكَانِ قَالَ لَهُمْ:«صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ». 41وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى42قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». 43وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. 44وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ. 45ثُمَّ قَامَ مِنَ الصَّلاَةِ وَجَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا مِنَ الْحُزْنِ. 46فَقَالَ لَهُمْ:«لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ».
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أمر يسوعُ تلاميذه أن يبيعوا ملابسهم ويشتروا سيوفًا ؟ هل كان المعنى (الجنة تحت ظلال السيف)، أم كان يدعوهم إلى بحيرةِ النار والكبريت... ؟!
ثم إن لفظ السيف جاء في الكتابِ المقدس مئات المرات، ولم يرد في القرآنِ الكريمِ مرة واحدة، أفلا يعقلون ؟!
قلتُ: إن هذه النصوص تشبه نفس الظروف التي مرت بالنَّبي في عزوةِ الأحزابٍ كما في الحديث الذي معنا، وما حدث مع يسوع حين حاصره اليهود هو وتلاميذه ....
نلاحظ من كلامِ يسوع:" صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ ".
وأتساءل : أليس هذا هو نفس كلامِ النبيِّ r : " لَا تَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدُوّ وَسَلُوا اللَّه الْعَافِيَة فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا " أي : لا تتمنوا أن تدخلوا في تجربة القتال؟! - سبحان الله- إنها السنن
ونلاحظ من النصوصِ فعل يسوع : " 41وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى 42قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ " أي: أنه دعا ربَه أن ينصره ويخلصه من مكرِ اليهود ، وهو كفعل النبيِّ r لما قَالَ :" اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " .
ونلاحظ من النصوصِ : " 43وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ " . ونزلت الملائكةُ بعد دعاء النبيِّ r وهي الجنود التي لم يروها ؛ قال I : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً [ ( الأحزاب9).
قلتُ: إنها السنن التي لا تتبدل، التي منها الابتلاء؛ حاصر اليهودُ المسيحَ u كما بيّنت النصوصُ التي ذكرناها، وحاصر المشركون النبيَّ بتحريض من اليهود وفيهم اليهود، وكان فعل المسيح u قريب جدًا من فعل النَّبي .
وعليه أتساءل : كيف للمعترضين إن يحكموا على نبيِّنا r بأنه يدعوا للإرهاب من خلالِ حديثه الذي أُسيء فهمه، وقد تم إيضاحه - بفضل الله I- ولم يحكموا بذلك الحكم على يسوع المسيح u؛ فالظروف واحدة كما بيّنتُ - بفضله I - ؟!
أكرم حسن
قالوا: لقد حث نبيٌّ الإسلام أتباعَه على قتالِ الآخرين... بدعوى هذا الحديث الذي يدعو للإرهابِ ...!!
في صحيح البخاري كتاب ( الجهاد والسير) باب (الجنة تحت بارقةِ السيوف) برقم 2607 عن عَبْد اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِr قَالَ: " وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ". تَابَعَهُ الْأُوَيْسِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
الرد على الشبهة
أولًا: إن لي سؤالين للمعترضين من خلالهما أنسف الشبهة نسفًا - إن شاء الله I - :
الأول: متى وأين قال النبيُّ r هذا الحديث " وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ"؟
الجواب: قاله النبيُّ r في غزوةِ الأحزاب ( الخندق ).
الثاني: هل غزوة الأحزاب كانت اعتداء من المسلمين على غيرهم أم العكس... ؟
الجواب: العكس صحيح ؛ الغزوة كانت دفاعًا من المسلمين عن أنفسهم ...
إذًا: ليس في الحديث الحث على الاعتداء على الآخرين ، والكل يتفق أن استخدامَ السيف لدفع المعتدي يعتبر منقبة وليس مذمة ... وعلى هذا فالحديث يحث على الصبرِ على اعتداءِ الكفارِ على المسلمين كما سيتبن من الرواية الأخرى ...
يدلل ذلك دليلان:
الأول: سنن أبي داود برقم 3748 قال r: " دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ ". تحقيق الألباني :( حسن ) انظر حديث رقم 3384 في صحيح الجامع .
والمعنى: إذا لم يعتدوا عليكم فلا تعتدوا عليهم ...
الثاني: قوله: ]وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [ ( البقرة 190).
ثانيًا: كان على المعترضين أن يدققوا في البحثِ قبل عرضهم.......
فلو بحثوا جيدًا في الرواياتِ والشروحِ لوجدوا الروايات الأخرى التي توضح الرواية التي جعلوا منها شبهة ...
ففي صحيح البخاري برقم 2744 عن عَبْد اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِنَّ رَسُولَ اللَّه ِr فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ".
قال ابنُ حجرٍ في الفتحِ : قَوْله : ( لَا تَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدُوّ وَسَلُوا اللَّه الْعَافِيَة فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ) قَالَ ابْنُ بَطَّال:حِكْمَة النَّهْي أَنَّ الْمَرْء لَا يَعْلَم مَا يَئُول إِلَيْهِ الْأَمْر ، وَهُوَ نَظِير سُؤَال الْعَافِيَة مِنْ الْفِتَن ، وَقَدْ قَالَ الصِّدِّيقُ: " لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُر أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِر " وَقَالَ غَيْره : إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَمَّنِي لِقَاء الْعَدُوّ لِمَا فِيهِ مِنْ صُورَة الْإِعْجَاب وَالْإِتْكَال عَلَى النُّفُوس وَالْوُثُوق بِالْقُوَّةِ وَقِلَّة الِاهْتِمَام بِالْعَدُوِّ ، وَكُلّ ذَلِكَ يُبَايِن الِاحْتِيَاط وَالْأَخْذ بِالْحَزْمِ . وَقِيلَ يُحْمَل النَّهْي عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ الشَّكّ فِي الْمَصْلَحَة أَوْ حُصُول الضَّرَر ، وَإِلَّا فَالْقِتَال فَضِيلَة وَطَاعَة . وَيُؤَيِّد الْأَوَّل تَعْقِيب النَّهْي بِقَوْلِهِ " وَسَلُوا اللَّه الْعَافِيَة "........ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْع طَلَبِ الْمُبَارزَة، وَهُوَ رَأْي الْحَسَن الْبَصْرِيّ ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُول : لَا تَدْعُ إِلَى الْمُبَارَزَةِ ، فَإِذَا دُعِيت فَأَجِب تُنْصَر ، لِأَنَّ الدَّاعِي بَاغٍ . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل عَلِيّ فِي ذَلِكَ.
قَوْله : ( ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِل الْكِتَاب إِلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا الدُّعَاء إِلَى وُجُوه النَّصْر عَلَيْهِمْ ، فَبِالْكِتَابِ إِلَى قَوْلِه I : ] قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه بِأَيْدِيكُمْ [ (التوبة14). وَبِمُجْرِيَ السَّحَاب إِلَى الْقُدْرَة الظَّاهِرَة فِي تَسْخِير السَّحَاب حَيْثُ يُحَرِّك الرِّيح بِمَشِيئَةِ اللَّه U ، وَحَيْثُ يَسْتَمِرّ فِي مَكَانه مَعَ هُبُوب الرِّيح ، وَحَيْثُ تُمْطِر تَارَة وَأُخْرَى لَا تُمْطِر ، فَأَشَارَ بِحَرَكَتِهِ إِلَى إِعَانَة الْمُجَاهِدِينَ فِي حَرَكَتهمْ فِي الْقِتَال ، وَبِوُقُوفِهِ إِلَى إِمْسَاك أَيْدِي الْكُفَّار عَنْهُمْ ، وَبِإِنْزَالِ الْمَطَر إِلَى غَنِيمَة مَا مَعَهُمْ حَيْثُ يَتَّفِق قَتْلهمْ ، وَبِعَدَمِهِ إِلَى هَزِيمَتهمْ حَيْثُ لَا يَحْصُل الظُّفْر بشيء مِنْهُمْ ، وَكُلّهَا أَحْوَال صَالِحَة لِلْمُسْلِمِينَ . وَأَشَارَ بِهَازِمِ الْأَحْزَاب إِلَى التَّوَسُّل بِالنِّعْمَةِ السَّابِقَة ، وَإِلَى تَجْرِيد التَّوَكُّل ، وَاعْتِقَاد أَنَّ اللَّه Uهُوَ الْمُنْفَرِد بِالْفِعْلِ . وَفِيهِ التَّنْبِيه عَلَى عِظَم هَذِهِ النِّعَم الثَّلَاث ، فَإِنَّ بِإِنْزَالِ الْكِتَاب حَصَلَتْ النِّعْمَة الْأُخْرَوِيَّة وَهِيَ الْإِسْلَام ، وَبِإِجْرَاءِ السَّحَاب حَصَلَتْ النِّعْمَة الدُّنْيَوِيَّة وَهِيَ الرِّزْق ، وَبِهَزِيمَةِ الْأَحْزَاب حَصَلَ حِفْظ النِّعْمَتَيْنِ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : اللَّهُمَّ كَمَا أَنْعَمْت بِعَظِيمِ النِّعْمَتَيْنِ الْأُخْرَوِيَّة وَالدُّنْيَوِيَّة وَحَفِظْتهمَا فَأَبْقِهِمَا . وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ وَجْه آخَر أَنَّهُ r دَعَا أَيْضًا فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبّنَا وَرَبّهمْ ، وَنَحْنُ عَبِيدك وَهُمْ عَبِيدك نَوَاصِينَا وَنَوَاصِيهمْ بِيَدِك ، فَاهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " وَلِسَعِيدِ بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْحُبُلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ r مُرْسَلًا نَحْوه لَكِنْ بِصِيغَةِ الْأَمْر عَطْفًا عَلَى قَوْله ( وَسَلُوا اللَّه الْعَافِيَة : فَإِنْ بُلِيتُمْ بِهِمْ فَقُولُوا اللَّهُمَّ ) فَذَكَرَهُ وَزَادَ ( وَغُضُّوا أَبْصَاركُمْ وَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ عَلَى بَرَكَة اللَّه ) . اهـ
ثالثًا: إن قيل: ما هو ما معنى قولِه r : " وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ " ؟
قلتُ: إن المجاهدَ الذي يجاهدُ في سبيلِِ اللهِ بالسيفِ أو البندقيةِ.... إن قُتل من أجلِ كلمةِ التوحيد ومن أجل دفاعِه عن المستضعفين جهادًا في سبيلِ الله؛ صار شهيدًا ثم صار من أهل الجنة.
قال I : ] وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [ (آل عمران 169). وقد كان من الصحابةِ y من فتح اللهُ مسامه في الدنيا قبل استشهاده حتى اشتم رائحةَ الجنة كأنسِ بنِ النضر t ، وذلك في صحيح البخاري برقم 3742 عَنْ أَنَسٍ t أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ r لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ r لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضَى فَقُتِلَ فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبَنَانِهِ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ . لهذا قال النبيُّ r : " وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ".
وأقول: إن الجهادَ ليس كله بالسيفِ؛ فمن الجهاد أيضًا الجهاد بالقرآنِ الكريم....
قال I : ]فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً [ (الفرقان52).
أجمع المفسرون أن الجهادَ في هذه الآيةِ هو بالقرآن الكريم.
وعن أنسٍ t عن النَّبِيِّ r قال: " جاهدوا المشركينَ بأموالِكم وأنفسِكم وألسنتِكُم " .
رواه أبو داود والنسائيُّ والدارمي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم 3821.
وحينما نتكلم عن السيوف والقتال لابد أن نفرق أولاً بين قتالٍ من أجلِ الباطل، وقتال دفعًا عن الدينِ و النفسِ، والعرضِ، والضعفاءِ من الولدان والنساءِ.... أي: من أجلِ الحقِ ...
قال I : ]وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً [(النساء75).
جاء في التفسير الميسر : وما الذي يمنعكم - أيها المؤمنون- عن الجهاد في سبيل نصرة دين اللهU ,ونصرة عباده المستضعفين من الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي عليهم, ولا حيلة لهم ولا وسيلة لديهم إلا الاستغاثة بربهم, يدعونه قائلين : ربنا أخرجنا من هذه القرية - يعني "مكة "- التي ظَلَم أهلها أنفسهم بالكفر والمؤمنين بالأذى, واجعل لنا من عندك وليّاً يتولى أمورنا, ونصيرًا ينصرنا على الظالمين . اهـ
وأتساءل : هل هذا قتال من أجل الباطل ؟! هذا هو.
الجواب : إن ما وقع في الحديثِ الذي معنا أن الأحزابَ تكالبت على رسولِ الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمين في غزوةِ الأحزاب ( الخندق ) ، وكان عددهم أكثر من عشرة آلاف مقاتل ، أمام ثلاثمائة من المسلمين بعد أن فارق المنافقون نبينا r ومن معه ، وحُصِرَ النبيُّ r وأصحابُه y والنساءُ والأطفالُ فخطب فيهم r قائلًا :" أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ". ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " . وبعدها حدث النصرُ من عند اللهU بإرسالِ ريحٍ دمرت حصونَهم ، وأقلعت خيامَهم ، وجنود لم يروها ؛ أرسلها اللهُ نصرة للمؤمنين هم الملائكة ؛ قال I : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً )[الأحزاب9).
جاء في التفسير الميسر: يا معشر المؤمنين اذكروا نعمة الله التي أنعمها عليكم في "المدينة" أيام غزوة الأحزاب وهي غزوة الخندق, حين اجتمع عليكم المشركون من خارج "المدينة", واليهود والمنافقون من "المدينة" وما حولها, فأحاطوا بكم, فأرسلنا على الأحزاب ريحًا شديدة اقتلعت خيامهم ورمت قدورهم , وأرسلنا ملائكة من السماء لم تروها, فوقع الرعب في قلوبهم. وكان الله بما تعملون بصيرًا, لا يخفى عليه من ذلك شيء . اهـ
رابعًا : بعد أن بيّنتُ - بفضل الله I- أن الحديثَ ليس فيه شبهة ؛ بل هو من أعظم أحاديثِ النبيِّ r ، وفيه معجزة من معجزاتِه r حيث انتصر المسلمون لما دعا r أصحابَه y إلى عدمِ تمني لقاء العدو ، والصبر عند اللقاء ، ثم دعا اللهَI فجاء المددُ من السماءِ بالنصرِ والتمكينِ من غيرِ حولٍ منه ولا قوةr ؛ نصره اللهُ تعالى دون إراقةِ دماءٍ ، ودون قِتالٍ ؛ قال I :] وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً [ ( الأحزاب 25 ).
وبعد أن بيّنتُ للمعترضين الحق، وما غاب عنهم... ..
أتساءل :إن إنجيل لوقا ذكر أن يسوع إله المحبة بحسب اعتقادكم .... أمر تلاميذَه بأن يشتروا سيوفًا لماذا ؟؟ أليس هو إلهًا قويًا ؟ أم أنه رسول من عند اللهِ... ؟!
جاء ذلك في الأصحاح 22 عدد 36فَقَالَ لَهُمْ:«لكِنِ الآنَ، مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا. 37لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضًا هذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ».38فَقَالُوا: «يَارَبُّ، هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». فَقَالَ لَهُمْ:«يَكْفِي!». 39وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَتَبِعَهُ أَيْضًا تَلاَمِيذُهُ. 40وَلَمَّا صَارَ إِلَى الْمَكَانِ قَالَ لَهُمْ:«صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ». 41وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى42قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». 43وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. 44وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ. 45ثُمَّ قَامَ مِنَ الصَّلاَةِ وَجَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا مِنَ الْحُزْنِ. 46فَقَالَ لَهُمْ:«لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ».
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أمر يسوعُ تلاميذه أن يبيعوا ملابسهم ويشتروا سيوفًا ؟ هل كان المعنى (الجنة تحت ظلال السيف)، أم كان يدعوهم إلى بحيرةِ النار والكبريت... ؟!
ثم إن لفظ السيف جاء في الكتابِ المقدس مئات المرات، ولم يرد في القرآنِ الكريمِ مرة واحدة، أفلا يعقلون ؟!
قلتُ: إن هذه النصوص تشبه نفس الظروف التي مرت بالنَّبي في عزوةِ الأحزابٍ كما في الحديث الذي معنا، وما حدث مع يسوع حين حاصره اليهود هو وتلاميذه ....
نلاحظ من كلامِ يسوع:" صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ ".
وأتساءل : أليس هذا هو نفس كلامِ النبيِّ r : " لَا تَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدُوّ وَسَلُوا اللَّه الْعَافِيَة فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا " أي : لا تتمنوا أن تدخلوا في تجربة القتال؟! - سبحان الله- إنها السنن
ونلاحظ من النصوصِ فعل يسوع : " 41وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى 42قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ " أي: أنه دعا ربَه أن ينصره ويخلصه من مكرِ اليهود ، وهو كفعل النبيِّ r لما قَالَ :" اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " .
ونلاحظ من النصوصِ : " 43وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ " . ونزلت الملائكةُ بعد دعاء النبيِّ r وهي الجنود التي لم يروها ؛ قال I : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً [ ( الأحزاب9).
قلتُ: إنها السنن التي لا تتبدل، التي منها الابتلاء؛ حاصر اليهودُ المسيحَ u كما بيّنت النصوصُ التي ذكرناها، وحاصر المشركون النبيَّ بتحريض من اليهود وفيهم اليهود، وكان فعل المسيح u قريب جدًا من فعل النَّبي .
وعليه أتساءل : كيف للمعترضين إن يحكموا على نبيِّنا r بأنه يدعوا للإرهاب من خلالِ حديثه الذي أُسيء فهمه، وقد تم إيضاحه - بفضل الله I- ولم يحكموا بذلك الحكم على يسوع المسيح u؛ فالظروف واحدة كما بيّنتُ - بفضله I - ؟!
أكرم حسن