بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الذي مات وتألم اللاهوت أم الناسوت
لا يوجد إتفاق بين النصارى على من مات الصليب هل هو الناسوت أم اللاهوت أم الإله المتسجد حسب الطبيعة الواحدة والأقنوم الواحد سواء من السابقين أو المتأخرين والغريب أن هذا الإختلاف طال أبناء الكنيسة الواحدة فمثلا في الكنيسة الأرثوذكسية نجد رأس الكنيسة الباب شنودة يقول أن الذي مات الطبيعة البشرية أو الناسوت فينكر عليه الأنبا موسى ذلك ويقول الذي مات هو اللاهوت ولكل منهم سبب وجيه فموت الناسوت لن يحقق الكفارة لأنه محدود وموت اللاهوت مستحيل لأنه غير قابل للموت ومن يقول أن التجسد أعطاه قابلية ذلك يناقض الكتاب الذي قرر أن الرب غير قابل لأن تصبح له هذه القابلية عندما قال "حي أنا الى الأبد" ولو فرضنا جدلا بأن اللاهوت أثر في الناسوت واعطاه لا محدودية وهذا محال لأن الحادث المخلوق لا يمكن أن يصبح أزلي فهذه اللامحدودية ستجعله غير قابل للموت فالمسألة إذن ليس لها حل.
وهذه بعض الأقوال التي توضح الإختلاف ومن المراجع المسيحية:
الذي مات وتألم الناسوت
كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس سبونتج الإسكندرية، أسرة القديس ديديموس الضرير للدراسات الكنسية، سلسلة من كتابات الآباء، كتاب سر التجسد للقديس أمبروسيوس أسقف ميلان: ترجمة ريمون يوسف – هـ صـ 30. [السيد المسيح قد قام من الأموات بحسب ناسوته الذي مات وقبر في القبر، لكننا لا نستطيع القول بأنه قام بحسب لاهوته لأن اللاهوت لم يموت أصلًا لكي يقوم بعد ذلك.]
كنيسة الشهيد مارجرجس الإسكندرية، أسرة القديس ديديموس الضرير للدراسات الكنسية، سلسلة من كتابات الآباء، كتاب سر التجسد للقديس أمبروسيوس أسقف ميلان: ترجمة ريمون يوسف – صـ 31. [وهكذا، مات بحسب طبيعتنا ولم يمت بحسب جوهر حياته الأبديّة؛ تألم بحسب اتخاذه للجسد، حتى نؤمن بحقيقة اتخاذه للجسد؛ فالمسيح لم يتألم بحسب إلوهيّة الكلمة غير المتغيرة، إذ هي بلا ألم من الأساس. أخيرا، هذا الواحد قال: "إلهي إلهي لماذا تركتني". لأنه ترك بحسب الجسد، ولكن بحسب إلوهيّته لا يمكن أن يهجر أو يُترك.]
كتاب حتمية التجسد الإلهي - كنيسة القديسين مارمرقس والبابا بطرس - سيدي بشر - الإسكندرية ، 33- جسد المسيح في أقوال الآباء، طعن أريوس في لاهوت الإبن وقال أنه مخلوق: [القديس أثناسيوس قال: " لأنهم (الهراطقة) يطلقون على جسد المسيح أوصافاً مثل " غير مخلوق " و" سمائي " وأحياناً يقولون أن الجسد " من ذات جوهر اللاهوت".. لكن كل ما قالوه ليس إلاَّ سفسطة فارغة وآراء عاطلة.. من أي مصدر أخذتم البشارة التي تجعلكم تقولون أن الجسد " غير مخلوق " ألا يجعلكم هذا تتخيلون أمرين لا ثالث لهما ! أما إن لاهوت الكلمة قد تحوَّل إلى جسد، وإما أنكم تعتقدون بأن تدبير
الآلام والموت والقيامة خيال لم يحدث، وهذان التصوران كلاهما خطأ، لأن جوهر الثالوث هو وحده غير المخلوق، والأبدي، وغير المتألم، وغير المتغيّر. أما المسيح حسب الجسد (رو 9:5) فقد وُلِد من الناس الذين قيل عنهم " أخوته " بل تغيَّر بقيامته فصار بعد قيامته " باكورة الراقدين " (كو 1: 18).. فكيف تسمون الناسوت الذي تغيَّر من الموت إلى الحياة " غير مخلوق "؟... عندما تصفون الجسد المتغيّر المكوَّن من عظام ودماء ونفس إنسانية، أي كل مكونات أجسادنا. والذي صار ظاهراً ومحسوساً مثل أجسادنا، عندما يصفون كل هذا بأنه " غير مخلوق " تسقطون سقوطاً شنيعاً في خطأين: أولهما أنكم تفترضون أن الآلام التي احتملها هي مجرد خيال، وهذا تجديف المانويين، وأنكم تعتبرون أن اللاهوت له طبيعة ظاهرة محسوسة، رغم أنه جوهر غير مخلوق..وهذا التصوُّر الأخير يضعكم مع الذين يتصوَّرون أن الله كائن في شكل بشري جسداني، فما هو اختلافكم عن هؤلاء، مادام لكم نفس الاعتقاد؟ ]
الأسقف إيسوذورس: الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة – جـ 1 صـ 106. [نحن نؤمن أن المسيح الإله تألم بالجسد كالإنسان وهو غير متألم كالإله وذاق الموت بالجسد وهو غير مائت كالإله، فإذا سمعت أن الله تألم عنا وأن الله الكلمة مات لأجلنا فافهم أننا نوصل الطبائع إلى وحدانية اللاهوت والناسوت ونسميها بهذا الاسم الواحد اللائق.]
البرهان الصريح في حقيقة سري دين المسيح وهما سر التثليث وسر التجسد الإلهي – صـ 85.[فهذا إذاً الذي هو منزه عن الآلام والموت بحسبما هو إله. اقتبل عنا الآلام والموت نفسه بحسبما هو إنسان، أي اقتبل ذلك بطبيعته البشرية القابلة الموت والآلام . وذلك في عهد بيلاطس البنطي والي اليهودية، ولم يقتبل ذلك خيالاً بل حقاً ليفي عن الخطاة وفاءً حقيقياً حسب اقتضا العدل الإلهي فمات إذًا مصلوباً من اليهود ولم يلحقه موت بحسب لاهوته. لكنه إنما اقتبل الموت بطبيعتنا القابلة الموت.]
ظهور المسيح المحي – مؤسسة القديس أنطونيوس صـ 16. [فإنه هو نفسه يجب أن نعترف به متألماً وغير متألم... تألم كأنسان وظل غير متألم ولا متغير كإله.]
تجسد الإبن الوحيد – صـ 37. [وعلى الرغم من أنه قيل عن يسوع أنه تألم فإن الآلام هى خاصة بالتدبير. وهى آلامه هو، وهذا صحيح تماماً لأنه تألم فى الجسد الذى يخصه هو. ولكنه كإله لا يتألم أى لا تقبل طبيعته الألم. (اقتبسه القمص عبد المسيح بسيط في كتابه إذا كان المسيح إلهاً فكيف تألم ومات، الفصل الرابع.)]
تجسد الإبن الوحيد – صـ 13. [هو يتألم ولكنه لا يتألم، أى أنه يتألم فى الجسد كإنسان لكنه غير قابل للألم كإله. (اقتبسه القمص عبد المسيح بسيط في كتابه إذا كان المسيح إلهاً فكيف تألم ومات، الفصل الرابع.)]
تجسد الإبن الوحيد – صـ 36. [وهكذا نعتقد أنه فى جسده الخاص قد تألم لأن الآلام تخص الناسوت بينما اللاهوت هو فوق الألم. (اقتبسه القمص عبد المسيح بسيط في كتابه إذا كان المسيح إلهاً فكيف تألم ومات، الفصل الرابع.)]
القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة إلى ابيكتيكوس 6. [ومن الغريب أن الكلمة نفسه كان متألماً وغير متألم، فمن ناحية، كان (الكلمة) يتألم لأن جسده هو الذى يتألم، أن الكلمة – إذ هو بالطبيعة - لا يقبل التألم. وكان الكلمة غير الجسدى موجوداً فى الجسد الذى يتألم، وكان الجسد يحوى فيه الكلمة غير المتألم الذى كان يبيد العلل التى قبلها فى جسده.]
يوحنا الدمشقي: المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، منشورات المكتبة البولسية لبنان، المقالة الحادية والخمسون – صـ 16. [نفوذ الطبيعتين فيه من قبل اللاهوت: - واعلم أننا، إذا كنا نقول بنفوذ طبيعتي الرب إحداهما في الأخرى، فإننا نعتقد بأن النفوذ واقع من قبل الطبيعة الإلهية، لأن هذه أن تعبر في الكل كما تشاء ولا يمكن شيئًا أن ينفذ فيها وإنها هي أيضًا تمنح الجسد مفاخرها الخاصة وتلبث هي بلا انفعال، غير متأثرة بآلام الجسد.فإذا كانت الشمس – وهي تمنحنا قواها الخاصة - تبقى دون أن تشاركنا تأثرنا، فكم بالأحرى صانع الشمس وربها!]
مصباح العقل 25: 2 – 30. [المسيح من جهة إنسانيته وتأنيسه، قابل للألم والعرض والتأثير والموت. ومن جهة أزليته ولاهوته غير ملموس ولا محسوس ولا متألم ولا مائت. كالجسم المتحد به الكون أو كالنفس المتحدة بالجسم أو كالنار المتحدة بالحطب. فإن الجسم يوصف بالموت والفساد والإستحالة وقبول التأثير والتجزؤ والإنفصال والحلول في الأماكن... وكذلك النفس لا توصف بأن قتلت ولا ماتت ولا جاعت ولا عطشت وإن كانت متحدة بالجسم الفاسد المائت الجائع العطشان. (أقتبسه القمص عبد المسيح بسيط في كتابه إذا كان المسيح إلهاً فكيف تألم ومات، الفصل الرابع.)]
يوحنا الدمشقي: المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، منشورات المكتبة البولسية لبنان – صـ 69. [إذاً فإن كلمة الله نفسه قد احتمل كل الآلام فى جسده، بينما طبيعته الإلهية –التى تتألم- ظلت وحدها عديمة التألم، لأن المسيح الواحد المتحد (مركب) من لاهوت وناسوت، وهو فى لاهوت وناسوت، قد تألم. والذى فيه قابل التألم – مما كان طبعاً يتألم – فقد تألم. أما الذى فيه لا يتألم فلم يشاركه الآلام. فإن النفس التى هى قابلة الآلام عندما يجرح الجسد، ولو كانت هى لا تجرح، فهى تشارك الجسد أوجاعه وآلامه. وأعلم بأننا نقول أن الله يتألم فى الجسد ولا نقول أبداً أن اللاهوت يتألم فى الجسد.]
كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس: أسئلة حول حتمية التَّثليث والتَّوحيد وحتمية التَّجسُّد الإلهي – صـ275. [وقال القدِّيس كيرلُّس الكبير في الرِّسالة الرابعة لنسطور: «ليس أنَّ كلمة الله (اللاهوت) تألَّم في طبيعته الخاصَّة، أو ضُرِبَ، أو طُعِنَ، أو قَبِلَ الجُرُوح الأخرى، لأنَّ الإلهي (اللاهوت) غير قابل للتّألُّم، حيث أنَّه غير جسمي. لكن حيث أنَّ جسده الخاصّ الذي وُلِدَ عانى هذه الأمور، فإنَّه يقال إنَّه هو نفسه أيضًا قد عانى هذه الأمور لأجلنا، لأنَّ ذلك الذي هو غير قابل للآلام كان في الجسد المُتألِّم. وعلى نفس النَّسَق نُفكِّر أيضاً في موته. إنَّ كلمة الله حسب الطَّبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومُعطي الحياة. ولكن بسبب أنَّ جسده الخاصّ ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس، لذلك يُقال إنَّه نفسه قد عانى الموت لأجلنا. وهكذا فنحن نعترف بمسيح واحد وربّ، ليس أنَّنا7ونعبد إنسانًا مع الكلمة، حتى لا يظهر أنَّ هُناك انقسامًا باستعمال لفظة "مع"، ولكنَّنا نعبد واحد هو نفسه الرَّب»
الذي مات وتألم اللاهوت:
كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس: أسئلة حول حتمية التَّثليث والتَّوحيد وحتمية التَّجسُّد الإلهي – صـ276. [والآن نضع السُّؤال صريحًا وواضحًا: هل نستطيع أن نقول إنَّ اللهَ ماتَ على الصَّلِيب ؟ ونترك الإجابة للقديس مار اسحق السرياني ليُعلِّمنا قائلًا: «سمعتُ النّاس يتساءلون: أمات اللهُ أم لم يمُت ؟ يا للجهل ! إنَّ موته خلَّص الخليقة، وهم يتساءلون إذا كان قد مات أم لم يمُت .. إنَّ نسطور وأُوطاخي أقلقا المسامع إذ أنكر الأول لاهوت ربنا قائلًا: "إنَّه إنسان مَحْض"، فردّ عليه الثاني مُنكرًا ناسوته قائلًا: "إنَّه لم يتَّخِذ جسدًا ناسوتيًّا". لذلك فإنَّ مريم والدة الإله التي تجسَّد منها تُعطي الويل لأوطاخي. كما إنَّ العناصر التي اضطَّربت بالمَصْلُوب تبصُق على نسطور. فلولا أنَّه إله، كيف أظْلَمَت الشَّمس وتشقَّقَت الصُّخُور، ولو أنَّه إنسان، فمن الذي احتمل السِّياط، وبمن غُرِزَت المسامير ؟ حقًا لم يكن الجسد وحده مُعلَّقاً على خشبة الصَّلِيب بدون الله، ولم يكُن الله يتألَّم في الجُلْجُثة بدون الجسد، فافتخار البيعة العظيم هو ربنا له لاهوت وناسوت معًا، وليس في فرصوفين (شخصين) أو طبيعتين، فهو ابن واحد كامل من الآب ومن مريم، كامل بلاهوته وكامل بناسوته، فالذي أرسله الآب هو بعينه وُلِدَ من أحشاء (العذراء مريم)، والذي وُلِدَ من أحشاء مريم هو نفسه عُلِّق فوق الجلجلة. فافتخار الكنيسة هو إنَّ اللهَ مات على الصَّلِيب. فإذا شاء أن يموت، تجسَّد وذاق الموت بمشيئته. بل لولا أن رآه الموت مُتجسِّداً لخاف أن يقترب منه، فمحروم من يفصل اللاهوت عن الجسد. إنَّ طَّبيعة الوحيد هي واحدة، كما إنِّ أقنومه أيضًا واحد مُركَّب بدون تغيِيّر، فلا يتشكَّكنَّ فكرك حين تسمع أنَّ اللهَ قد مات، فلولا أنَّه مات لكان العالم مائتًا بعد. له موت الصَّليب وله القِيامة .. لمّا يموت شخصٌ فلا يُقال إنَّ جسده مات، ومع أنَّ نصفه لم يذُق الموت يقول عارفوه إنَّ فلانًا قد مات .. إنَّ اليهود صلبوا إلهًا واحدًا مُتجسِّداً فوق الجُلجُثة. أجل، إنَّ إلهًا واحدًا مُتجسِّداً ضُرِب على رأسه بالقصبة، وإلهًا واحدًا مُتجسِّداً تألَّم مع الخلائق».]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ19, 20. [أهمّيَّة الوحدة للكفارة والفِداء: إنَّ الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المُتجسِّد، هو أمرٌ لازِمٌ وجَوهَريّ وأساسيّ للفِداء. فالفداء يَتَطَلَّب كفّارة غير محدودة، تكفى لمغفرة خطايا غير محدودة، لجميع الناس في جميع العصور. ولم يكن هُناك حلّ سوى تجسُّد الله الكلمة ليجعل بلاهوته الكفّارة غير محدودة. فلو أنَّنا تكلَّمنا عن طبيعتين مُنفصلتين. وقامت الطَّبيعة البشرية بعملية الفِداء وحدها, لما كان مُمكناً على الإطلاق أن تُقدِّم كفّارة غير محدودة لخلاص البشر. ومن هُنا كانت خُطُورة المُناداة بطبيعتين مُنفصلتين، تقوم كل منهما بما يخُصَّها. ففي هذه الحالة، موت الطَّبيعة البشرية وحدها لا يكفى للفِداء. ولذلك نرى القدِّيس بولس الرسول يقول: «لأنَّهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد» (1 كو 2 / 8), ولم يقل لما صلبوا الإنسان يسوع المسيح. إنَّ تعبير ربّ المجد هُنا يدلّ دلالة أكيدة على وحدة الطَّبيعة ولزومها للفِداء والكفّارة والخلاص, لأنَّ الذي صُلِبَ هو ربّ المجد. طبعاً صُلِبَ بالجسد, ولكن الجسد كان مُتَّحِداً باللاهوت في طبيعة واحدة، وهُنا الأمر الأساسي اللازم للخلاص. ويقول القدِّيس بطرس الرسول لليهود «أنكرتم القُدُّوس البار, وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه» (أع 3 / 14-15). وهُنا أشار إلى أن المصلوب كان رئيس الحياة، وهذا تعبير إلهي، فلم يفصل الطَّبيعتين مُطلقاً في موضوع الصَّلْب لأهمية وحدتهما من أجل عمل الفِداء. ويقول القدِّيس بولس الرسول أيضاً في رسالته إلى العبرانيين «لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكلّ وبه الكلّ، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام» (عب 2 / 10). وهُنا في مجال آلامه، لم ينسَ مُطلقاً لاهوته، إذ أنَّه من أجله الكلّ، وبه الكلّ. هذا الذي قال عنه في موضع آخر «الكلّ به وله قد خُلِق» (كو 1 / 16). والسيد المسيح نفسة حينما ظهر ليوحنا الرائي قال له: «أنا هو الأول والآخر والحى وكُنتُ مَيِّتاً, وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ 1 / 17-18). فهذا الذي كان مَيِّتاً هو الأول والآخر، وبيده مفاتيح الهاوية والموت. وهكذا لم يفصل لاهوته عن ناسوته هُنا وهو يتحدث عن موته. إذن فالذي مات هو ربّ المجد، ورئيس الحياة، ورئيس الخلاص، هو أيضاً الأول والآخر. إنَّها خُطُورة كبيرة على خلاصنا أن نفصل ما بين الطَّبيعتين أثناء الحديث عن موضوع الخلاص، ولعلّ البعض يقول: ومن هذا الذي فصل ؟! أليس مجمع خلقيدونية يقول بطبيعتين مُتَّحِدَتَين ؟! نعم يقول هذا، ويقول طومس لاون أيضاً: «إنَّ المسيح اثنان، إله وإنسان، الواحد يُبهر العجائب، والثاني ملقى للإهانات والآلام ..!»، فإن كان هذا الإنسان وحده هو الملقى للآلام، فأيّ خلاص إذاً نكون قد أخذناه ؟!]
كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس: أسئلة حول حتمية التَّثليث والتَّوحيد وحتمية التَّجسُّد الإلهي – صـ277. [البابا أليكسندروس قال مُتعجِّباً: «الدَّيان دانوه، والذي يحلّ رباط الموت ربطوه، والذي يضبط العالم ضبطوه، والذي يُعطي الحياة للبشر أطعموه مرارة، ومات المُحيي وقبروا الذي يُقيم الموتى، تَعَجَّبَت قُوّات السَّموات في ذلك الزَّمان، وبُهِتَت الملائكة وفُزِعَت الاستقصات (العناصر) وتَعَجَّبَت الخليقة كلّها، وقالت: "هوذا الدَّيان يُدان وهو ساكت، والغير مرئي يُرى ولا يُسأل، والغير مُتألِّم تألَّم ولم ينتقم، والغير مائت مات وهو صابر"».]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ21, 22. [وفى صلب المسيح يُقدِّم لنا الكتاب آية جميلة جداً في حديث القديس بولس الرسول مع أساقفة أفسس حيث قال: «لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أع 20 / 28). ونَسَبَ الدَّم هُنا إلى الله، بينما الله روح، والدَّم هو دم ناسوته. ولكن هذا التَّعبير يدُلّ دلالة عجيبة جداً على الطَّبيعة الواحدة للكلمة المُتجسِّد، حتى أن ما يتعلَّق بالناسوت يمكن أن يُنسب في نفس الوقت للاهوت، بلا تفريق، إذ لا يوجد انفصال بين الطَّبيعتين. إنَّ انفصال الطَّبيعتين الذي نادى به نسطور لم يستطع أن يُقدِّم حلاً لموضوع الكفّارة والفِداء. وقد حرصت الكنيسة على تعبير الطَّبيعة الواحدة من أجل أهمية هذا الموضوع، كما لباقي النتائج أيضاً المُترتِّبة على وحدة الطَّبيعة. ونحن في التَّعبيرات العادية نقول فُلان مات، ولا نقول إنَّ جسده فقط قد مات، إن كانت روحه على صورة الله وهبها الله نعمة الخلود, والرُّوح لا تموت.]
تاريخ الفكر المسيحي، القس الدكتور حنا جرجس الخضري (4/ 88، 90)، والله في المسيحية، عوض سمعان، ص (412)، رسائل القديس كيرلس إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي، ص (12، 16). [وكان كيرلس من أشهر المنادين بعقيدة "تألم الإله"، وقال في الحرمانات الشهيرة التي أصدرها؛ في الحرمان الثاني عشر: "فليكن محروماً كل من ينكر أن الكلمة الله تألم في جسده، وصلب في جسده، وذاق الموت في جسده، وأصبح باكورة الراقدين"، فهو يرى اشتراك اللاهوت والناسوت في الصفات والخواص، ويؤكد على أن "اللاهوت يشعر بما يشعر به الناسوت، ويشترك في أعماله وكذلك الناسوت، فإن كان الناسوت تألم فإن اللاهوت تألم أيضاً؛ بسبب الوحدة القوية بين الجوهرين"، ولذلك يؤكد كيرلس على استحقاق جسد المسيح للعبادة: "المسيح يسوع، الإبن الوحيد، الذي يكرم بسجدة واحدة مع جسده الخاص".]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح، الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ21, 22. [المشيئة الواحدة والفعل الواحد: هل السيد المسيح له مشيئتان وفعلان، أي مشيئة إلهية ومشيئة بشرية. وفعلان، أي فعل باللاهوت وفعل بالناسوت. إنَّنا الذين نستخدم تعبير طبيعة واحدة للكلمة المُتجسِّد، كما استخدمه من قبل القدِّيس كيرلس الكبير، نؤمن أنَّ له مشيئة واحدة وفعل واحد. وطبيعي أنَّه مادامت الطَّبيعة واحدة، تكون المشيئة واحدة، وبالتالي يكون الفعل واحداً. إنَّ ما يختاره اللاهوت، لا شكّ أنَّه هو نفسه ما يختاره الناسوت، لأنَّه لا يوجد تناقض مُطلقاً بينهما في المشيئة والعمل.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح، الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس صـ 19. [إن الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المتجسد، هو أمر لازم وجوهري وأساسي للفداء. فالفداء يتطلب كفارة غير محدودة، تكفي لمغفرة خطايا غير محدودة، لجميع الناس في جميع
العصور. فلو أننا تكلمنا عن طبيعتين منفصلتين. ولو قامت الطبيعة البشرية بعملية الفداء وحدها. لما كان ممكناً على الإطلاق أن تقدم كفارة غير محدودة لخلاص البشر. ومن هنا كانت خطورة المناداة بطبيعتين منفصلتين، تقوم كل منهما بما يخصها. ففي هذه الحالة، موت الطبيعة البشرية وحدها لا يكفى للفداء.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح، الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صًـ 19. [إذن فالذي مات هو رب المجد، ورئيس الحياة، ورئيس الخلاص، هو أيضاً الأول والآخر.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح، الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – 19، 20. [فإننا لو تكلمنا عن طبيعتين وقامت الطبيعة البشرية بعملية الفداء وحدها لما كان ممكنا على الإطلاق أن تقدم كفارة غير محدودة لخلاص البشر من هنا كانت خطورة المناداة بطبيعتين منفصلتين تقوم كل منهما بما يخصها إذن فالذى مات هو رب المجد ورئيس الحياة.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ10, 11. [هرطقة نسطور: وكان نسطور بطريركاً للقسطنطينية من سنة 428م, حتى حرمه مجمع أفسس المسكوني المُقدَّس سنة 431م. وكان يرفض تسمية القدِّيسة العذراء مريم بوالدة الإله (QeotokoV ثِيئوتُوكُوس)، ويرى أنَّها ولدت إنساناً، وهذا الإنسان حلّ فيه اللاهوت. لذلك يمكن أن تُسمَّى العذراء أم يسوع. وقد نشر هذا التَّعلِيم قِسِّيسه أنسطاسيوس، وأيَّد هو تعليم ذلك القِسّ وكتب خمسة كُتُب ضدّ تسمية العذراء والدة الإله. ويعتبر أنه بهذا قد أنكر لاهوت المسيح. وحتى قوله أنَّ اللاهوت قد حلّ فيه لم يكن بمعنى الاتِّحاد الأُقنومي، وإنَّما حُلُول بمعنى المُصاحبة أو حُلُول كما يحدث للقدِّيسين. أي أنَّ المسيح صار مسكناً لله، كما صار في عِماده مسكناً للرُّوح القُدُس. وهو بهذا الوضع يُعتبر حامل الله (QeoforoV ثِيئوفُورُوس), كاللَّقب الذي أخذه القدِّيس أغناطيوس الأنطاكي. وقال إنَّ العذراء لا يُمكن أن تلد الإله، فالمخلوق لا يلد الخالق ! وما يُولد من الجسد ليس سوى جسد. وهكذا يرى أنَّ علاقة طبيعة المسيح البشرية بالطَّبيعة اللاهوتية بدأت بعد ولادته من العذراء، ولم تكن اتَّحاداً وقال صراحة: «أنا أفصل بين الطبيعتين». وبهذا الوضع تكون النَّسطُورية ضدّ عقيدة الكفّارة. لأنَّه إن كان المسيح لم يتَّحِد بالطَّبيعة اللاهوتية، فلا يُمكن أن يُقدِّم كفّارة غير محدودة تكفي لغُفران جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العُصُور. والكنيسة حينما تقول إنَّ العذراء والدة الإله، إنَّما تعنى أنَّها وَلَدَت الكلمة المُتجسِّد، وليس أنَّها كانت أصلاً للاهوت، حاشا. فالله الكلمة هو خالق العذراء، ولكنَّه في مِلء الزَّمان حلّ فيها، وحَبِلَت به مُتَّحِداً بالناسوت وولدته. والاثنا عشر حرماً التي وضعها القدِّيس كيرلُّس Anathemas، فيها رُدُود على كل هرطقات نسطور. فقد حَرَمَ من قال إنَّ الطَّبيعتين كانتا بطريق المُصاحبة، ومن قال إنَّ الله الكلمة كان يعمل في الإنسان يسوع، أو أنَّه كان ساكناً فيه. كما من فرَّق بين المسيح وكلمة الله، وأنَّه وُلِدَ كإنسانٍ فقط من امرأة.]
أثناسيوس الرسولي: تجسد الكلمة، الفصل 19، الفقرة 3. (المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، نصوص آبائية 128)
[لأنه جعل حتى الخليقة نفسها تخرج عن صمتها، فالأمر العجيب أنه في موته، أو بالأحرى في انتصاره على الموت وهو على الصليب، اعترفت كل الخليقة أن من ظهر وتألم في الجسد لم يكن مُجرد إنسان بل ابن الله ومُخَلِّص الجميع، فالشمس توارت، والأرض تزلزلت، والجبال تشققت، وارتعب كل البشر. جميع هذه الأمور أوضحت أن المسيح الذي على الصليب هو الله، وأن الخليقة كلها خاضعة كعبد له، وأنها شهدت برعبها لحضور سيدها، وهكذا أظهر الله الكلمة نفسه للبشر بأعماله.]
القمص عبد المسيح بسيط، سر التجسد الإلهي – صـ 54. [مفيش حاجه اسمها لاهوت أو ناسوت على السواء لأن الإله الواحد والرب الواحد والمخلص الواحد والمسيح الواحد يسوع المسيح أبن الله الحي أنه الواحد الذي مات على الصليب وإن كان قد مات كإنسان فالكتاب ينسب ما يخص ناسوته لشخصه الواحد بلاهوته وناسوته.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ7. [وهذا الأتحاد دائم لا ينفصل مطلقأ ولا يفترق نقول عنه في القداس الإلهي إن لاهوته لا يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.]
كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس: أسئلة حول حتمية التَّثليث والتَّوحيد وحتمية التَّجسُّد الإلهي – صـ271. [نتيجة الاتِّحاد إنَّنا نُقدِّم العبادة والسُّجُود للمسيح الواحد: إنَّنا نرفُض الفكر النسطوري الذي يعبد اللاهوت ويكتفي بتقديم الاحترام للناسوت لأنَّه نال شرف مُصاحبة اللاهوت، ويقول بوليدس أسقف روما في القرن الرابع: «وإن كان الكلمة صار جسدًا كما هو مكتوب، فإنَّه إذا سجد أحدٌ للكلمة فقد سجد للجسد، وإذا سجد للجسد فقد سجد لللاهوت، هكذا الرُّسُل أيضًا لما سجدوا للجسد المُقدَّس، فإنَّهم سجدوا للكلمة، وهكذا الملائكة كانوا يخدمون شكل الجسد ويعرفون أنَّه ربَّهم ويسجدون له، وهكذا لمّا وَلَدَت مريم العذراء الجسد فإنَّها وَلَدَت الكلمة، فلأجل هذا هي والدة الإله بالحقيقة، ولمّا صَلَبَ اليهود الجسد فالله الكلمة المُتجسِّد هو الذي صُلِبَ، وليس في أحد الكُتُب نَطَقَ اللهُ بشيءٍ من الافتراق بين الكلمة وجسده، بل هو طبيعة واحدة وصورة واحدة وفعل واحد، هو كلّه الإله وهو كلّه الإنسان، وهو فعل واحد».]
تاريخ الفكر المسيحي، القس الدكتور حنا جرجس الخضري، رسالة بروكلوس أسقف القسطنطينية (عام 435 م) الشهيرة التي أجاب فيها على تساؤلات القادة والأساقفة في كنيسة أرمينيا (4/ 89). [يقول بروكلوس: إن اللاهوت اشترك في ضعف الناسوت، أي إنه تألم وعرف بطريقة فعلية حقيقية تألم الجسد والحزن والموت، فإن الذي تألم وعطش وجاع، وفي نهاية المطاف مات وقام من بين الأموات هو يسوع المسيح، هو الكلمة المتجسد، أي الأقنوم الثاني من اللاهوت.]
العلامة أوريجانوس، موسوعة الأنبا غريغوريوس – صـ 189. [أنه بسبب الاتحاد الذي لا ينفك بين الكلمة والجسد كل شيء يختص بالجسد ينسب أيضا إلى الكلمة وكل مايختص بالكلمة يحمل على الجسد.]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ21-23. [مُواصفات الفادي: (1) يجب أن يكون إنساناً: لأنَّ الذي أخطأ في حقّ الله كان إنساناً. وفي هذا يقول القدِّيس إيريناوس (140 – 202م): «حقاً، ما كان يُمكن بعدلٍ أن ينهزم العدو لو لم يكن الذي هزمه إنسان مولود امرأة, لأنَّه بامرأة تسَّلط على الإنسان في البداية, وكما تردَّى جنسنا في الموت من خلال إنسان مهزوم، يُمكن أيضاً أن نرتفع ثانية إلى الحياة بواسطة إنسان مُنتصر. وكما أنَّه بإنسان نال الموت النَّصر علينا، هكذا أيضاً بإنسان ننال النَّصر على الموت» (2) يجب أن يكون غير محدود: كان لابد من كفّارة غير محدودة تكفي لحمل ورفع خطايا كل البشر في جميع الأجيال، من آدم إلى آخر الدُّهُور. لهذا لم تكن الذَّبائح تكفي، لأنَّ فاعليتها محدودة. وهذا ما يؤكِّده نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، إذ يقول: «يجب أن يكون الفادي غير محدود، لأنَّ عقاب آدم غير محدود وأبدي، لأنَّ خطيئته موجهة نحو الله غير المحدود.» (نيافة الأنبا موسى: التجسد افتقاد إلهي، أسقفية الشباب، القاهرة، يناير 2005 م، صـ16). (3) يجب أن يكون قُدُّوساً بلا خطية: لأنَّه إذا كان الفادي خاطئاً فكيف يستطيع أن يفدي غيره؟ أليس أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حُفرة ؟ وعن هذا الأمر يقول القدِّيس أوغسطينوس (354 – 430م): «بعد أن أقامت الخطية هُوَّة كبيرة بين الله والجنس البشري، استلزم الأمر وسيطاً يكون وحده من الجنس البشري, يولد ويعيش ويموت بدون خطية» (4) يجب أن يقبل أن يموت بإرادته، وينتصر على الموت: هذا بالطَّبع لكي يُمكنه أن يحمل العقوبة ويموت عن البشر. والأهمّ أن لا يبقى في الموت إلى النهاية، وإلا يكون الموت قد انتصر عليه. بل لابد أن يكون قادراً على أن يقوم ثانية فتقوم فيه البشرية وتحيا من جديد. يُوضِّح هذا الأمر القدِّيس أوغسطينوس (354 – 4300م) فيقول: «هُناك أمران ضروريان: أن يصير مائتاً, وأن لا يستمر مائتاً». (5) يجب أن يكون خالقاً: يُوضِّح هذا نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، إذ يقول: «يجب أن يكون الفادي خالقاً، يُمكنه تجديد طبيعة الإنسان مرة أخرى» (نيافة الأنبا موسى، التجسد افتقاد إلهي – صـ16).]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ28، 29. [ويُوضِّح القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 – 373م) أنَّه لا يُمكن أن يكون المُخلِّص أحداً غير الله نفسه، فيقول: «لم يكن في مقدور أحد أن يُحوِّل الفاسد إلى عدم فساد سوى المُخلِّص نفسه الذي خلق من البداية كل شيء من العدم، لم يكن في مقدور أحد آخر أن يُعيد خلق البشر ليكونوا على صورة الله إلا الذي هو صورة الآب، ولم يكن مُمكناً أن يُلْبِس المائت عدم الموت إلا ربنا يسوع المسيح الذي هو الحياة، ولم يكن مُمكناً أن يُعلِّم البشر عن الآب ويقضي على عبادة الأوثان إلا الكلمة الضّابط الكُلّ الذي هو ابن الآب الوحيد الحقيقي». ويقول أيضاً القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 – 3733م): «إذ تلطَّخت الصُّورة المنقوشة على الخشب بالأدران من الخارج وأزيلت، فلابد من حُضُور صاحب الصُّورة نفسه ثانية، لكي يُساعد الرَّسّام على تجديد الصُّورة على نفس اللّوحة الخشبية، لأنَّه إكراماً لصورته فإنَّه حتى الخشبة التي رُسِمت عليها لا يُمكن أن تُلقى بعيداً، بل يُجدَّد عليها الرَّسم. وعلى هذا المثال عينه أتى إلى عالمنا ابن الآب الكُلِّي القداسة إذ هو صورة الآب، لكي يُجدِّد خلقة الإنسان الذي خُلق مرَّة على صورته، ويُجدِّده بمغفرة الخطايا كما يقول هو نفسه في الإنجيل: "جَاءَ لِكَيْ يَطلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ"، ومن أجل هذا قال أيضاً لليهود: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ" (يو 3 : 3، 5), وهو لا يقصد بهذا كما ظنُّوا الولادة من امرأة, وإنَّما قصد التَّحدُّث عن إعادة ميلاد النَّفس وتجديد خلقها على مثال صورة الله.»]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ24، 25. [الحلّ الوحيد والأوحد: إذن, الحلّ الوحيد والأوحد أن يكون الفادي هو الله بذاته, نعم فهو الوحيد الذي تنطبق عليه الشروط جميعها: فهو الوحيد غير المحدود. وهو الوحيد الذي بلا خطية. وهو الوحيد الخالق. ولكنَّه ليس إنساناً، فالذي اخطأ هو الإنسان. إذن, الحلّ الوحيد هو أن يتجسَّد الله, أي يأخذ جسداً إنسانياً، ويقبل في هذا الجسد حُكم الموت بدلاً من الإنسان. وهذا هو ما سُرَّ أن يفعله ابن الله أقنوم الكلمة المُتجسِّد في ملء الزمان، من أجل نجاة الإنسان من الموت. ويُوضِّح القدِّيس أثناسيوس هذه النُّقطة، قائلاً: «إذ رأى الكلمة أنَّ فساد البشرية، لا يُمكن أن يبطل بأي طريقة أخرى، إلا بالموت كشرط لازم، وأنَّه من المُستحيل أن يُكابد الكلمة الموت لأنَّه غير مائت، ولأنَّه ابن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت، حتى عندما يتَّحِد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الكُلّ، يُصبح قادراً أن يموت نيابة عن الكُلّ، بل ويبقى في عدم فساد بسبب اتِّحاد الكلمة به.»]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ78. [كيف تمّ فداء الإنسان ؟ الإجابة: أولاً: تجسَّد ابن الله الكلمة في ملء الزَّمان. وفي ملء الزَّمان، وبعد أن أعدَّ الله الأذهان بالنُّبوّات والشَّخصيّات والرُّموز والذَّبائح لفكرة الفداء بالدم، ولفكرة الذَّبائح التي تُذبح بدلاً من الإنسان الخاطئ، جاء أقنوم الابن وتجسَّد من الرُّوح القُدُس ومن العذراء مريم، فولدت يسوع المسيح ابن الله الكلمة بالحقيقة الذي شابهنا في كل شيء ماعدا الخطية وحدها. وهكذا جاء أقنوم الابن بذاته مُتجسِّداً من أجل إتمام الفداء والخلاص للإنسان. وكان لابد من التَّجسُّد ليكون له جسد قابلاً للموت، كما سبق أن أوضحنا من قبل.]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ29. [ويقول قداسة البابا شنودة في هذا الأمر: «كان لا يُمكن لمخلوق ما أن يموت عن الإنسان لسببين: (1) لأن كُلّ مخلوق محدود، فلا يُمكن له أن يُقدِّم كفّارة غير محدودة تُوفي العقوبة غير المحدودة، للخطية غير المحدودة. (2) لأنَّ الحُكم صَدَر ضدّ الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان. وكان الحلّ الوحيد هو التَّجسُّد أن ينزل الله إلى عالمنا مولوداً من امرأة، فهو من حيث لاهوته غير محدود كإله. يُمكنه أن يُقدِّم كفّارة غير محدودة لمغفرة جميع خطايا الناس في جميع الأجيال. وهو من حيث ناسوته يُمكنه أن ينوب عن الإنسان المحكوم عليه في دفع ثمن الخطية.» (نيافة الأنبا شنودة (قداسة البابا شنودة الثالث حالياً): دُرُوس روحية من الميلاد والغطاس، الكلية الإكليريكية بالأنبا رويس، يناير 1971)]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ134، 135. [ويُؤكِّد آباء الكنيسة على موت المسيح نيابة عن الجميع، في كثير من كتاباتهم، مثل كما ورد في الرِّسالة إلى ديوجنيتس (أواخر القرن الثاني الميلادي): «حمل بنفسه آثامنا، وبذل ابنه فدية عنّا: القُدُّوس من أجل الأئمة، الذي بلا لوم من أجل الأشرار، البار من أجل الفاسدين، غير المائت من أجل المائتين. لأنَّه أي شيء كان يُمكن أن يستر خطايانا غير برّه، وبمن كان يُمكن لنا نحن الأشرار والأثمة أن نتبرَّر سوى بابن الله الوحيد ؟ يا للمُبادلة العذبة ! أن تختفي شرور الكثيرين في الواحد البار، وأن يتبرَّر الكثيرون من الأثمة ببرّ الواحد !». ويقول القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 – 373م): «إذ كان الجميع تحت قصاص فساد الموت، فقد بذل جسده عوضاً عن الجميع، وقدَّمه للآب, هذا فعله أيضاً شفقة منه علينا وذلك أولاً: إذ يُعتبر الكُلّ قد مات فيه, ثانياً: لكي يُعيد البشر ثانية إلى عدم الفساد، ويُحييهم من الموت». ويقول أيضاً: «أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت، حتى باتِّحاده "بالكلمة" الذي هو فوق الكُلّ، يكون جديراً أن يموت بدلاً من الكُلّ». ويقول أيضاً: «إذ هو كلمة الآب، وفوق الكُلّ، كان وحده قادراً بطبيعة الأمر أن يُعيد خلق كل شيء، ويتألَّم عن الجميع، وأن يكون نائباً لدى الآب عن الكُلّ».]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الذي مات وتألم اللاهوت أم الناسوت
لا يوجد إتفاق بين النصارى على من مات الصليب هل هو الناسوت أم اللاهوت أم الإله المتسجد حسب الطبيعة الواحدة والأقنوم الواحد سواء من السابقين أو المتأخرين والغريب أن هذا الإختلاف طال أبناء الكنيسة الواحدة فمثلا في الكنيسة الأرثوذكسية نجد رأس الكنيسة الباب شنودة يقول أن الذي مات الطبيعة البشرية أو الناسوت فينكر عليه الأنبا موسى ذلك ويقول الذي مات هو اللاهوت ولكل منهم سبب وجيه فموت الناسوت لن يحقق الكفارة لأنه محدود وموت اللاهوت مستحيل لأنه غير قابل للموت ومن يقول أن التجسد أعطاه قابلية ذلك يناقض الكتاب الذي قرر أن الرب غير قابل لأن تصبح له هذه القابلية عندما قال "حي أنا الى الأبد" ولو فرضنا جدلا بأن اللاهوت أثر في الناسوت واعطاه لا محدودية وهذا محال لأن الحادث المخلوق لا يمكن أن يصبح أزلي فهذه اللامحدودية ستجعله غير قابل للموت فالمسألة إذن ليس لها حل.
وهذه بعض الأقوال التي توضح الإختلاف ومن المراجع المسيحية:
الذي مات وتألم الناسوت
كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس سبونتج الإسكندرية، أسرة القديس ديديموس الضرير للدراسات الكنسية، سلسلة من كتابات الآباء، كتاب سر التجسد للقديس أمبروسيوس أسقف ميلان: ترجمة ريمون يوسف – هـ صـ 30. [السيد المسيح قد قام من الأموات بحسب ناسوته الذي مات وقبر في القبر، لكننا لا نستطيع القول بأنه قام بحسب لاهوته لأن اللاهوت لم يموت أصلًا لكي يقوم بعد ذلك.]
كنيسة الشهيد مارجرجس الإسكندرية، أسرة القديس ديديموس الضرير للدراسات الكنسية، سلسلة من كتابات الآباء، كتاب سر التجسد للقديس أمبروسيوس أسقف ميلان: ترجمة ريمون يوسف – صـ 31. [وهكذا، مات بحسب طبيعتنا ولم يمت بحسب جوهر حياته الأبديّة؛ تألم بحسب اتخاذه للجسد، حتى نؤمن بحقيقة اتخاذه للجسد؛ فالمسيح لم يتألم بحسب إلوهيّة الكلمة غير المتغيرة، إذ هي بلا ألم من الأساس. أخيرا، هذا الواحد قال: "إلهي إلهي لماذا تركتني". لأنه ترك بحسب الجسد، ولكن بحسب إلوهيّته لا يمكن أن يهجر أو يُترك.]
كتاب حتمية التجسد الإلهي - كنيسة القديسين مارمرقس والبابا بطرس - سيدي بشر - الإسكندرية ، 33- جسد المسيح في أقوال الآباء، طعن أريوس في لاهوت الإبن وقال أنه مخلوق: [القديس أثناسيوس قال: " لأنهم (الهراطقة) يطلقون على جسد المسيح أوصافاً مثل " غير مخلوق " و" سمائي " وأحياناً يقولون أن الجسد " من ذات جوهر اللاهوت".. لكن كل ما قالوه ليس إلاَّ سفسطة فارغة وآراء عاطلة.. من أي مصدر أخذتم البشارة التي تجعلكم تقولون أن الجسد " غير مخلوق " ألا يجعلكم هذا تتخيلون أمرين لا ثالث لهما ! أما إن لاهوت الكلمة قد تحوَّل إلى جسد، وإما أنكم تعتقدون بأن تدبير
الآلام والموت والقيامة خيال لم يحدث، وهذان التصوران كلاهما خطأ، لأن جوهر الثالوث هو وحده غير المخلوق، والأبدي، وغير المتألم، وغير المتغيّر. أما المسيح حسب الجسد (رو 9:5) فقد وُلِد من الناس الذين قيل عنهم " أخوته " بل تغيَّر بقيامته فصار بعد قيامته " باكورة الراقدين " (كو 1: 18).. فكيف تسمون الناسوت الذي تغيَّر من الموت إلى الحياة " غير مخلوق "؟... عندما تصفون الجسد المتغيّر المكوَّن من عظام ودماء ونفس إنسانية، أي كل مكونات أجسادنا. والذي صار ظاهراً ومحسوساً مثل أجسادنا، عندما يصفون كل هذا بأنه " غير مخلوق " تسقطون سقوطاً شنيعاً في خطأين: أولهما أنكم تفترضون أن الآلام التي احتملها هي مجرد خيال، وهذا تجديف المانويين، وأنكم تعتبرون أن اللاهوت له طبيعة ظاهرة محسوسة، رغم أنه جوهر غير مخلوق..وهذا التصوُّر الأخير يضعكم مع الذين يتصوَّرون أن الله كائن في شكل بشري جسداني، فما هو اختلافكم عن هؤلاء، مادام لكم نفس الاعتقاد؟ ]
الأسقف إيسوذورس: الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة – جـ 1 صـ 106. [نحن نؤمن أن المسيح الإله تألم بالجسد كالإنسان وهو غير متألم كالإله وذاق الموت بالجسد وهو غير مائت كالإله، فإذا سمعت أن الله تألم عنا وأن الله الكلمة مات لأجلنا فافهم أننا نوصل الطبائع إلى وحدانية اللاهوت والناسوت ونسميها بهذا الاسم الواحد اللائق.]
البرهان الصريح في حقيقة سري دين المسيح وهما سر التثليث وسر التجسد الإلهي – صـ 85.[فهذا إذاً الذي هو منزه عن الآلام والموت بحسبما هو إله. اقتبل عنا الآلام والموت نفسه بحسبما هو إنسان، أي اقتبل ذلك بطبيعته البشرية القابلة الموت والآلام . وذلك في عهد بيلاطس البنطي والي اليهودية، ولم يقتبل ذلك خيالاً بل حقاً ليفي عن الخطاة وفاءً حقيقياً حسب اقتضا العدل الإلهي فمات إذًا مصلوباً من اليهود ولم يلحقه موت بحسب لاهوته. لكنه إنما اقتبل الموت بطبيعتنا القابلة الموت.]
ظهور المسيح المحي – مؤسسة القديس أنطونيوس صـ 16. [فإنه هو نفسه يجب أن نعترف به متألماً وغير متألم... تألم كأنسان وظل غير متألم ولا متغير كإله.]
تجسد الإبن الوحيد – صـ 37. [وعلى الرغم من أنه قيل عن يسوع أنه تألم فإن الآلام هى خاصة بالتدبير. وهى آلامه هو، وهذا صحيح تماماً لأنه تألم فى الجسد الذى يخصه هو. ولكنه كإله لا يتألم أى لا تقبل طبيعته الألم. (اقتبسه القمص عبد المسيح بسيط في كتابه إذا كان المسيح إلهاً فكيف تألم ومات، الفصل الرابع.)]
تجسد الإبن الوحيد – صـ 13. [هو يتألم ولكنه لا يتألم، أى أنه يتألم فى الجسد كإنسان لكنه غير قابل للألم كإله. (اقتبسه القمص عبد المسيح بسيط في كتابه إذا كان المسيح إلهاً فكيف تألم ومات، الفصل الرابع.)]
تجسد الإبن الوحيد – صـ 36. [وهكذا نعتقد أنه فى جسده الخاص قد تألم لأن الآلام تخص الناسوت بينما اللاهوت هو فوق الألم. (اقتبسه القمص عبد المسيح بسيط في كتابه إذا كان المسيح إلهاً فكيف تألم ومات، الفصل الرابع.)]
القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة إلى ابيكتيكوس 6. [ومن الغريب أن الكلمة نفسه كان متألماً وغير متألم، فمن ناحية، كان (الكلمة) يتألم لأن جسده هو الذى يتألم، أن الكلمة – إذ هو بالطبيعة - لا يقبل التألم. وكان الكلمة غير الجسدى موجوداً فى الجسد الذى يتألم، وكان الجسد يحوى فيه الكلمة غير المتألم الذى كان يبيد العلل التى قبلها فى جسده.]
يوحنا الدمشقي: المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، منشورات المكتبة البولسية لبنان، المقالة الحادية والخمسون – صـ 16. [نفوذ الطبيعتين فيه من قبل اللاهوت: - واعلم أننا، إذا كنا نقول بنفوذ طبيعتي الرب إحداهما في الأخرى، فإننا نعتقد بأن النفوذ واقع من قبل الطبيعة الإلهية، لأن هذه أن تعبر في الكل كما تشاء ولا يمكن شيئًا أن ينفذ فيها وإنها هي أيضًا تمنح الجسد مفاخرها الخاصة وتلبث هي بلا انفعال، غير متأثرة بآلام الجسد.فإذا كانت الشمس – وهي تمنحنا قواها الخاصة - تبقى دون أن تشاركنا تأثرنا، فكم بالأحرى صانع الشمس وربها!]
مصباح العقل 25: 2 – 30. [المسيح من جهة إنسانيته وتأنيسه، قابل للألم والعرض والتأثير والموت. ومن جهة أزليته ولاهوته غير ملموس ولا محسوس ولا متألم ولا مائت. كالجسم المتحد به الكون أو كالنفس المتحدة بالجسم أو كالنار المتحدة بالحطب. فإن الجسم يوصف بالموت والفساد والإستحالة وقبول التأثير والتجزؤ والإنفصال والحلول في الأماكن... وكذلك النفس لا توصف بأن قتلت ولا ماتت ولا جاعت ولا عطشت وإن كانت متحدة بالجسم الفاسد المائت الجائع العطشان. (أقتبسه القمص عبد المسيح بسيط في كتابه إذا كان المسيح إلهاً فكيف تألم ومات، الفصل الرابع.)]
يوحنا الدمشقي: المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، منشورات المكتبة البولسية لبنان – صـ 69. [إذاً فإن كلمة الله نفسه قد احتمل كل الآلام فى جسده، بينما طبيعته الإلهية –التى تتألم- ظلت وحدها عديمة التألم، لأن المسيح الواحد المتحد (مركب) من لاهوت وناسوت، وهو فى لاهوت وناسوت، قد تألم. والذى فيه قابل التألم – مما كان طبعاً يتألم – فقد تألم. أما الذى فيه لا يتألم فلم يشاركه الآلام. فإن النفس التى هى قابلة الآلام عندما يجرح الجسد، ولو كانت هى لا تجرح، فهى تشارك الجسد أوجاعه وآلامه. وأعلم بأننا نقول أن الله يتألم فى الجسد ولا نقول أبداً أن اللاهوت يتألم فى الجسد.]
كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس: أسئلة حول حتمية التَّثليث والتَّوحيد وحتمية التَّجسُّد الإلهي – صـ275. [وقال القدِّيس كيرلُّس الكبير في الرِّسالة الرابعة لنسطور: «ليس أنَّ كلمة الله (اللاهوت) تألَّم في طبيعته الخاصَّة، أو ضُرِبَ، أو طُعِنَ، أو قَبِلَ الجُرُوح الأخرى، لأنَّ الإلهي (اللاهوت) غير قابل للتّألُّم، حيث أنَّه غير جسمي. لكن حيث أنَّ جسده الخاصّ الذي وُلِدَ عانى هذه الأمور، فإنَّه يقال إنَّه هو نفسه أيضًا قد عانى هذه الأمور لأجلنا، لأنَّ ذلك الذي هو غير قابل للآلام كان في الجسد المُتألِّم. وعلى نفس النَّسَق نُفكِّر أيضاً في موته. إنَّ كلمة الله حسب الطَّبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومُعطي الحياة. ولكن بسبب أنَّ جسده الخاصّ ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس، لذلك يُقال إنَّه نفسه قد عانى الموت لأجلنا. وهكذا فنحن نعترف بمسيح واحد وربّ، ليس أنَّنا7ونعبد إنسانًا مع الكلمة، حتى لا يظهر أنَّ هُناك انقسامًا باستعمال لفظة "مع"، ولكنَّنا نعبد واحد هو نفسه الرَّب»
الذي مات وتألم اللاهوت:
كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس: أسئلة حول حتمية التَّثليث والتَّوحيد وحتمية التَّجسُّد الإلهي – صـ276. [والآن نضع السُّؤال صريحًا وواضحًا: هل نستطيع أن نقول إنَّ اللهَ ماتَ على الصَّلِيب ؟ ونترك الإجابة للقديس مار اسحق السرياني ليُعلِّمنا قائلًا: «سمعتُ النّاس يتساءلون: أمات اللهُ أم لم يمُت ؟ يا للجهل ! إنَّ موته خلَّص الخليقة، وهم يتساءلون إذا كان قد مات أم لم يمُت .. إنَّ نسطور وأُوطاخي أقلقا المسامع إذ أنكر الأول لاهوت ربنا قائلًا: "إنَّه إنسان مَحْض"، فردّ عليه الثاني مُنكرًا ناسوته قائلًا: "إنَّه لم يتَّخِذ جسدًا ناسوتيًّا". لذلك فإنَّ مريم والدة الإله التي تجسَّد منها تُعطي الويل لأوطاخي. كما إنَّ العناصر التي اضطَّربت بالمَصْلُوب تبصُق على نسطور. فلولا أنَّه إله، كيف أظْلَمَت الشَّمس وتشقَّقَت الصُّخُور، ولو أنَّه إنسان، فمن الذي احتمل السِّياط، وبمن غُرِزَت المسامير ؟ حقًا لم يكن الجسد وحده مُعلَّقاً على خشبة الصَّلِيب بدون الله، ولم يكُن الله يتألَّم في الجُلْجُثة بدون الجسد، فافتخار البيعة العظيم هو ربنا له لاهوت وناسوت معًا، وليس في فرصوفين (شخصين) أو طبيعتين، فهو ابن واحد كامل من الآب ومن مريم، كامل بلاهوته وكامل بناسوته، فالذي أرسله الآب هو بعينه وُلِدَ من أحشاء (العذراء مريم)، والذي وُلِدَ من أحشاء مريم هو نفسه عُلِّق فوق الجلجلة. فافتخار الكنيسة هو إنَّ اللهَ مات على الصَّلِيب. فإذا شاء أن يموت، تجسَّد وذاق الموت بمشيئته. بل لولا أن رآه الموت مُتجسِّداً لخاف أن يقترب منه، فمحروم من يفصل اللاهوت عن الجسد. إنَّ طَّبيعة الوحيد هي واحدة، كما إنِّ أقنومه أيضًا واحد مُركَّب بدون تغيِيّر، فلا يتشكَّكنَّ فكرك حين تسمع أنَّ اللهَ قد مات، فلولا أنَّه مات لكان العالم مائتًا بعد. له موت الصَّليب وله القِيامة .. لمّا يموت شخصٌ فلا يُقال إنَّ جسده مات، ومع أنَّ نصفه لم يذُق الموت يقول عارفوه إنَّ فلانًا قد مات .. إنَّ اليهود صلبوا إلهًا واحدًا مُتجسِّداً فوق الجُلجُثة. أجل، إنَّ إلهًا واحدًا مُتجسِّداً ضُرِب على رأسه بالقصبة، وإلهًا واحدًا مُتجسِّداً تألَّم مع الخلائق».]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ19, 20. [أهمّيَّة الوحدة للكفارة والفِداء: إنَّ الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المُتجسِّد، هو أمرٌ لازِمٌ وجَوهَريّ وأساسيّ للفِداء. فالفداء يَتَطَلَّب كفّارة غير محدودة، تكفى لمغفرة خطايا غير محدودة، لجميع الناس في جميع العصور. ولم يكن هُناك حلّ سوى تجسُّد الله الكلمة ليجعل بلاهوته الكفّارة غير محدودة. فلو أنَّنا تكلَّمنا عن طبيعتين مُنفصلتين. وقامت الطَّبيعة البشرية بعملية الفِداء وحدها, لما كان مُمكناً على الإطلاق أن تُقدِّم كفّارة غير محدودة لخلاص البشر. ومن هُنا كانت خُطُورة المُناداة بطبيعتين مُنفصلتين، تقوم كل منهما بما يخُصَّها. ففي هذه الحالة، موت الطَّبيعة البشرية وحدها لا يكفى للفِداء. ولذلك نرى القدِّيس بولس الرسول يقول: «لأنَّهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد» (1 كو 2 / 8), ولم يقل لما صلبوا الإنسان يسوع المسيح. إنَّ تعبير ربّ المجد هُنا يدلّ دلالة أكيدة على وحدة الطَّبيعة ولزومها للفِداء والكفّارة والخلاص, لأنَّ الذي صُلِبَ هو ربّ المجد. طبعاً صُلِبَ بالجسد, ولكن الجسد كان مُتَّحِداً باللاهوت في طبيعة واحدة، وهُنا الأمر الأساسي اللازم للخلاص. ويقول القدِّيس بطرس الرسول لليهود «أنكرتم القُدُّوس البار, وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه» (أع 3 / 14-15). وهُنا أشار إلى أن المصلوب كان رئيس الحياة، وهذا تعبير إلهي، فلم يفصل الطَّبيعتين مُطلقاً في موضوع الصَّلْب لأهمية وحدتهما من أجل عمل الفِداء. ويقول القدِّيس بولس الرسول أيضاً في رسالته إلى العبرانيين «لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكلّ وبه الكلّ، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام» (عب 2 / 10). وهُنا في مجال آلامه، لم ينسَ مُطلقاً لاهوته، إذ أنَّه من أجله الكلّ، وبه الكلّ. هذا الذي قال عنه في موضع آخر «الكلّ به وله قد خُلِق» (كو 1 / 16). والسيد المسيح نفسة حينما ظهر ليوحنا الرائي قال له: «أنا هو الأول والآخر والحى وكُنتُ مَيِّتاً, وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ 1 / 17-18). فهذا الذي كان مَيِّتاً هو الأول والآخر، وبيده مفاتيح الهاوية والموت. وهكذا لم يفصل لاهوته عن ناسوته هُنا وهو يتحدث عن موته. إذن فالذي مات هو ربّ المجد، ورئيس الحياة، ورئيس الخلاص، هو أيضاً الأول والآخر. إنَّها خُطُورة كبيرة على خلاصنا أن نفصل ما بين الطَّبيعتين أثناء الحديث عن موضوع الخلاص، ولعلّ البعض يقول: ومن هذا الذي فصل ؟! أليس مجمع خلقيدونية يقول بطبيعتين مُتَّحِدَتَين ؟! نعم يقول هذا، ويقول طومس لاون أيضاً: «إنَّ المسيح اثنان، إله وإنسان، الواحد يُبهر العجائب، والثاني ملقى للإهانات والآلام ..!»، فإن كان هذا الإنسان وحده هو الملقى للآلام، فأيّ خلاص إذاً نكون قد أخذناه ؟!]
كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس: أسئلة حول حتمية التَّثليث والتَّوحيد وحتمية التَّجسُّد الإلهي – صـ277. [البابا أليكسندروس قال مُتعجِّباً: «الدَّيان دانوه، والذي يحلّ رباط الموت ربطوه، والذي يضبط العالم ضبطوه، والذي يُعطي الحياة للبشر أطعموه مرارة، ومات المُحيي وقبروا الذي يُقيم الموتى، تَعَجَّبَت قُوّات السَّموات في ذلك الزَّمان، وبُهِتَت الملائكة وفُزِعَت الاستقصات (العناصر) وتَعَجَّبَت الخليقة كلّها، وقالت: "هوذا الدَّيان يُدان وهو ساكت، والغير مرئي يُرى ولا يُسأل، والغير مُتألِّم تألَّم ولم ينتقم، والغير مائت مات وهو صابر"».]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ21, 22. [وفى صلب المسيح يُقدِّم لنا الكتاب آية جميلة جداً في حديث القديس بولس الرسول مع أساقفة أفسس حيث قال: «لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أع 20 / 28). ونَسَبَ الدَّم هُنا إلى الله، بينما الله روح، والدَّم هو دم ناسوته. ولكن هذا التَّعبير يدُلّ دلالة عجيبة جداً على الطَّبيعة الواحدة للكلمة المُتجسِّد، حتى أن ما يتعلَّق بالناسوت يمكن أن يُنسب في نفس الوقت للاهوت، بلا تفريق، إذ لا يوجد انفصال بين الطَّبيعتين. إنَّ انفصال الطَّبيعتين الذي نادى به نسطور لم يستطع أن يُقدِّم حلاً لموضوع الكفّارة والفِداء. وقد حرصت الكنيسة على تعبير الطَّبيعة الواحدة من أجل أهمية هذا الموضوع، كما لباقي النتائج أيضاً المُترتِّبة على وحدة الطَّبيعة. ونحن في التَّعبيرات العادية نقول فُلان مات، ولا نقول إنَّ جسده فقط قد مات، إن كانت روحه على صورة الله وهبها الله نعمة الخلود, والرُّوح لا تموت.]
تاريخ الفكر المسيحي، القس الدكتور حنا جرجس الخضري (4/ 88، 90)، والله في المسيحية، عوض سمعان، ص (412)، رسائل القديس كيرلس إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي، ص (12، 16). [وكان كيرلس من أشهر المنادين بعقيدة "تألم الإله"، وقال في الحرمانات الشهيرة التي أصدرها؛ في الحرمان الثاني عشر: "فليكن محروماً كل من ينكر أن الكلمة الله تألم في جسده، وصلب في جسده، وذاق الموت في جسده، وأصبح باكورة الراقدين"، فهو يرى اشتراك اللاهوت والناسوت في الصفات والخواص، ويؤكد على أن "اللاهوت يشعر بما يشعر به الناسوت، ويشترك في أعماله وكذلك الناسوت، فإن كان الناسوت تألم فإن اللاهوت تألم أيضاً؛ بسبب الوحدة القوية بين الجوهرين"، ولذلك يؤكد كيرلس على استحقاق جسد المسيح للعبادة: "المسيح يسوع، الإبن الوحيد، الذي يكرم بسجدة واحدة مع جسده الخاص".]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح، الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ21, 22. [المشيئة الواحدة والفعل الواحد: هل السيد المسيح له مشيئتان وفعلان، أي مشيئة إلهية ومشيئة بشرية. وفعلان، أي فعل باللاهوت وفعل بالناسوت. إنَّنا الذين نستخدم تعبير طبيعة واحدة للكلمة المُتجسِّد، كما استخدمه من قبل القدِّيس كيرلس الكبير، نؤمن أنَّ له مشيئة واحدة وفعل واحد. وطبيعي أنَّه مادامت الطَّبيعة واحدة، تكون المشيئة واحدة، وبالتالي يكون الفعل واحداً. إنَّ ما يختاره اللاهوت، لا شكّ أنَّه هو نفسه ما يختاره الناسوت، لأنَّه لا يوجد تناقض مُطلقاً بينهما في المشيئة والعمل.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح، الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس صـ 19. [إن الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المتجسد، هو أمر لازم وجوهري وأساسي للفداء. فالفداء يتطلب كفارة غير محدودة، تكفي لمغفرة خطايا غير محدودة، لجميع الناس في جميع
العصور. فلو أننا تكلمنا عن طبيعتين منفصلتين. ولو قامت الطبيعة البشرية بعملية الفداء وحدها. لما كان ممكناً على الإطلاق أن تقدم كفارة غير محدودة لخلاص البشر. ومن هنا كانت خطورة المناداة بطبيعتين منفصلتين، تقوم كل منهما بما يخصها. ففي هذه الحالة، موت الطبيعة البشرية وحدها لا يكفى للفداء.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح، الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صًـ 19. [إذن فالذي مات هو رب المجد، ورئيس الحياة، ورئيس الخلاص، هو أيضاً الأول والآخر.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح، الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – 19، 20. [فإننا لو تكلمنا عن طبيعتين وقامت الطبيعة البشرية بعملية الفداء وحدها لما كان ممكنا على الإطلاق أن تقدم كفارة غير محدودة لخلاص البشر من هنا كانت خطورة المناداة بطبيعتين منفصلتين تقوم كل منهما بما يخصها إذن فالذى مات هو رب المجد ورئيس الحياة.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ10, 11. [هرطقة نسطور: وكان نسطور بطريركاً للقسطنطينية من سنة 428م, حتى حرمه مجمع أفسس المسكوني المُقدَّس سنة 431م. وكان يرفض تسمية القدِّيسة العذراء مريم بوالدة الإله (QeotokoV ثِيئوتُوكُوس)، ويرى أنَّها ولدت إنساناً، وهذا الإنسان حلّ فيه اللاهوت. لذلك يمكن أن تُسمَّى العذراء أم يسوع. وقد نشر هذا التَّعلِيم قِسِّيسه أنسطاسيوس، وأيَّد هو تعليم ذلك القِسّ وكتب خمسة كُتُب ضدّ تسمية العذراء والدة الإله. ويعتبر أنه بهذا قد أنكر لاهوت المسيح. وحتى قوله أنَّ اللاهوت قد حلّ فيه لم يكن بمعنى الاتِّحاد الأُقنومي، وإنَّما حُلُول بمعنى المُصاحبة أو حُلُول كما يحدث للقدِّيسين. أي أنَّ المسيح صار مسكناً لله، كما صار في عِماده مسكناً للرُّوح القُدُس. وهو بهذا الوضع يُعتبر حامل الله (QeoforoV ثِيئوفُورُوس), كاللَّقب الذي أخذه القدِّيس أغناطيوس الأنطاكي. وقال إنَّ العذراء لا يُمكن أن تلد الإله، فالمخلوق لا يلد الخالق ! وما يُولد من الجسد ليس سوى جسد. وهكذا يرى أنَّ علاقة طبيعة المسيح البشرية بالطَّبيعة اللاهوتية بدأت بعد ولادته من العذراء، ولم تكن اتَّحاداً وقال صراحة: «أنا أفصل بين الطبيعتين». وبهذا الوضع تكون النَّسطُورية ضدّ عقيدة الكفّارة. لأنَّه إن كان المسيح لم يتَّحِد بالطَّبيعة اللاهوتية، فلا يُمكن أن يُقدِّم كفّارة غير محدودة تكفي لغُفران جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العُصُور. والكنيسة حينما تقول إنَّ العذراء والدة الإله، إنَّما تعنى أنَّها وَلَدَت الكلمة المُتجسِّد، وليس أنَّها كانت أصلاً للاهوت، حاشا. فالله الكلمة هو خالق العذراء، ولكنَّه في مِلء الزَّمان حلّ فيها، وحَبِلَت به مُتَّحِداً بالناسوت وولدته. والاثنا عشر حرماً التي وضعها القدِّيس كيرلُّس Anathemas، فيها رُدُود على كل هرطقات نسطور. فقد حَرَمَ من قال إنَّ الطَّبيعتين كانتا بطريق المُصاحبة، ومن قال إنَّ الله الكلمة كان يعمل في الإنسان يسوع، أو أنَّه كان ساكناً فيه. كما من فرَّق بين المسيح وكلمة الله، وأنَّه وُلِدَ كإنسانٍ فقط من امرأة.]
أثناسيوس الرسولي: تجسد الكلمة، الفصل 19، الفقرة 3. (المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، نصوص آبائية 128)
[لأنه جعل حتى الخليقة نفسها تخرج عن صمتها، فالأمر العجيب أنه في موته، أو بالأحرى في انتصاره على الموت وهو على الصليب، اعترفت كل الخليقة أن من ظهر وتألم في الجسد لم يكن مُجرد إنسان بل ابن الله ومُخَلِّص الجميع، فالشمس توارت، والأرض تزلزلت، والجبال تشققت، وارتعب كل البشر. جميع هذه الأمور أوضحت أن المسيح الذي على الصليب هو الله، وأن الخليقة كلها خاضعة كعبد له، وأنها شهدت برعبها لحضور سيدها، وهكذا أظهر الله الكلمة نفسه للبشر بأعماله.]
القمص عبد المسيح بسيط، سر التجسد الإلهي – صـ 54. [مفيش حاجه اسمها لاهوت أو ناسوت على السواء لأن الإله الواحد والرب الواحد والمخلص الواحد والمسيح الواحد يسوع المسيح أبن الله الحي أنه الواحد الذي مات على الصليب وإن كان قد مات كإنسان فالكتاب ينسب ما يخص ناسوته لشخصه الواحد بلاهوته وناسوته.]
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ7. [وهذا الأتحاد دائم لا ينفصل مطلقأ ولا يفترق نقول عنه في القداس الإلهي إن لاهوته لا يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.]
كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس: أسئلة حول حتمية التَّثليث والتَّوحيد وحتمية التَّجسُّد الإلهي – صـ271. [نتيجة الاتِّحاد إنَّنا نُقدِّم العبادة والسُّجُود للمسيح الواحد: إنَّنا نرفُض الفكر النسطوري الذي يعبد اللاهوت ويكتفي بتقديم الاحترام للناسوت لأنَّه نال شرف مُصاحبة اللاهوت، ويقول بوليدس أسقف روما في القرن الرابع: «وإن كان الكلمة صار جسدًا كما هو مكتوب، فإنَّه إذا سجد أحدٌ للكلمة فقد سجد للجسد، وإذا سجد للجسد فقد سجد لللاهوت، هكذا الرُّسُل أيضًا لما سجدوا للجسد المُقدَّس، فإنَّهم سجدوا للكلمة، وهكذا الملائكة كانوا يخدمون شكل الجسد ويعرفون أنَّه ربَّهم ويسجدون له، وهكذا لمّا وَلَدَت مريم العذراء الجسد فإنَّها وَلَدَت الكلمة، فلأجل هذا هي والدة الإله بالحقيقة، ولمّا صَلَبَ اليهود الجسد فالله الكلمة المُتجسِّد هو الذي صُلِبَ، وليس في أحد الكُتُب نَطَقَ اللهُ بشيءٍ من الافتراق بين الكلمة وجسده، بل هو طبيعة واحدة وصورة واحدة وفعل واحد، هو كلّه الإله وهو كلّه الإنسان، وهو فعل واحد».]
تاريخ الفكر المسيحي، القس الدكتور حنا جرجس الخضري، رسالة بروكلوس أسقف القسطنطينية (عام 435 م) الشهيرة التي أجاب فيها على تساؤلات القادة والأساقفة في كنيسة أرمينيا (4/ 89). [يقول بروكلوس: إن اللاهوت اشترك في ضعف الناسوت، أي إنه تألم وعرف بطريقة فعلية حقيقية تألم الجسد والحزن والموت، فإن الذي تألم وعطش وجاع، وفي نهاية المطاف مات وقام من بين الأموات هو يسوع المسيح، هو الكلمة المتجسد، أي الأقنوم الثاني من اللاهوت.]
العلامة أوريجانوس، موسوعة الأنبا غريغوريوس – صـ 189. [أنه بسبب الاتحاد الذي لا ينفك بين الكلمة والجسد كل شيء يختص بالجسد ينسب أيضا إلى الكلمة وكل مايختص بالكلمة يحمل على الجسد.]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ21-23. [مُواصفات الفادي: (1) يجب أن يكون إنساناً: لأنَّ الذي أخطأ في حقّ الله كان إنساناً. وفي هذا يقول القدِّيس إيريناوس (140 – 202م): «حقاً، ما كان يُمكن بعدلٍ أن ينهزم العدو لو لم يكن الذي هزمه إنسان مولود امرأة, لأنَّه بامرأة تسَّلط على الإنسان في البداية, وكما تردَّى جنسنا في الموت من خلال إنسان مهزوم، يُمكن أيضاً أن نرتفع ثانية إلى الحياة بواسطة إنسان مُنتصر. وكما أنَّه بإنسان نال الموت النَّصر علينا، هكذا أيضاً بإنسان ننال النَّصر على الموت» (2) يجب أن يكون غير محدود: كان لابد من كفّارة غير محدودة تكفي لحمل ورفع خطايا كل البشر في جميع الأجيال، من آدم إلى آخر الدُّهُور. لهذا لم تكن الذَّبائح تكفي، لأنَّ فاعليتها محدودة. وهذا ما يؤكِّده نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، إذ يقول: «يجب أن يكون الفادي غير محدود، لأنَّ عقاب آدم غير محدود وأبدي، لأنَّ خطيئته موجهة نحو الله غير المحدود.» (نيافة الأنبا موسى: التجسد افتقاد إلهي، أسقفية الشباب، القاهرة، يناير 2005 م، صـ16). (3) يجب أن يكون قُدُّوساً بلا خطية: لأنَّه إذا كان الفادي خاطئاً فكيف يستطيع أن يفدي غيره؟ أليس أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حُفرة ؟ وعن هذا الأمر يقول القدِّيس أوغسطينوس (354 – 430م): «بعد أن أقامت الخطية هُوَّة كبيرة بين الله والجنس البشري، استلزم الأمر وسيطاً يكون وحده من الجنس البشري, يولد ويعيش ويموت بدون خطية» (4) يجب أن يقبل أن يموت بإرادته، وينتصر على الموت: هذا بالطَّبع لكي يُمكنه أن يحمل العقوبة ويموت عن البشر. والأهمّ أن لا يبقى في الموت إلى النهاية، وإلا يكون الموت قد انتصر عليه. بل لابد أن يكون قادراً على أن يقوم ثانية فتقوم فيه البشرية وتحيا من جديد. يُوضِّح هذا الأمر القدِّيس أوغسطينوس (354 – 4300م) فيقول: «هُناك أمران ضروريان: أن يصير مائتاً, وأن لا يستمر مائتاً». (5) يجب أن يكون خالقاً: يُوضِّح هذا نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، إذ يقول: «يجب أن يكون الفادي خالقاً، يُمكنه تجديد طبيعة الإنسان مرة أخرى» (نيافة الأنبا موسى، التجسد افتقاد إلهي – صـ16).]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ28، 29. [ويُوضِّح القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 – 373م) أنَّه لا يُمكن أن يكون المُخلِّص أحداً غير الله نفسه، فيقول: «لم يكن في مقدور أحد أن يُحوِّل الفاسد إلى عدم فساد سوى المُخلِّص نفسه الذي خلق من البداية كل شيء من العدم، لم يكن في مقدور أحد آخر أن يُعيد خلق البشر ليكونوا على صورة الله إلا الذي هو صورة الآب، ولم يكن مُمكناً أن يُلْبِس المائت عدم الموت إلا ربنا يسوع المسيح الذي هو الحياة، ولم يكن مُمكناً أن يُعلِّم البشر عن الآب ويقضي على عبادة الأوثان إلا الكلمة الضّابط الكُلّ الذي هو ابن الآب الوحيد الحقيقي». ويقول أيضاً القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 – 3733م): «إذ تلطَّخت الصُّورة المنقوشة على الخشب بالأدران من الخارج وأزيلت، فلابد من حُضُور صاحب الصُّورة نفسه ثانية، لكي يُساعد الرَّسّام على تجديد الصُّورة على نفس اللّوحة الخشبية، لأنَّه إكراماً لصورته فإنَّه حتى الخشبة التي رُسِمت عليها لا يُمكن أن تُلقى بعيداً، بل يُجدَّد عليها الرَّسم. وعلى هذا المثال عينه أتى إلى عالمنا ابن الآب الكُلِّي القداسة إذ هو صورة الآب، لكي يُجدِّد خلقة الإنسان الذي خُلق مرَّة على صورته، ويُجدِّده بمغفرة الخطايا كما يقول هو نفسه في الإنجيل: "جَاءَ لِكَيْ يَطلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ"، ومن أجل هذا قال أيضاً لليهود: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ" (يو 3 : 3، 5), وهو لا يقصد بهذا كما ظنُّوا الولادة من امرأة, وإنَّما قصد التَّحدُّث عن إعادة ميلاد النَّفس وتجديد خلقها على مثال صورة الله.»]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ24، 25. [الحلّ الوحيد والأوحد: إذن, الحلّ الوحيد والأوحد أن يكون الفادي هو الله بذاته, نعم فهو الوحيد الذي تنطبق عليه الشروط جميعها: فهو الوحيد غير المحدود. وهو الوحيد الذي بلا خطية. وهو الوحيد الخالق. ولكنَّه ليس إنساناً، فالذي اخطأ هو الإنسان. إذن, الحلّ الوحيد هو أن يتجسَّد الله, أي يأخذ جسداً إنسانياً، ويقبل في هذا الجسد حُكم الموت بدلاً من الإنسان. وهذا هو ما سُرَّ أن يفعله ابن الله أقنوم الكلمة المُتجسِّد في ملء الزمان، من أجل نجاة الإنسان من الموت. ويُوضِّح القدِّيس أثناسيوس هذه النُّقطة، قائلاً: «إذ رأى الكلمة أنَّ فساد البشرية، لا يُمكن أن يبطل بأي طريقة أخرى، إلا بالموت كشرط لازم، وأنَّه من المُستحيل أن يُكابد الكلمة الموت لأنَّه غير مائت، ولأنَّه ابن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت، حتى عندما يتَّحِد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الكُلّ، يُصبح قادراً أن يموت نيابة عن الكُلّ، بل ويبقى في عدم فساد بسبب اتِّحاد الكلمة به.»]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ78. [كيف تمّ فداء الإنسان ؟ الإجابة: أولاً: تجسَّد ابن الله الكلمة في ملء الزَّمان. وفي ملء الزَّمان، وبعد أن أعدَّ الله الأذهان بالنُّبوّات والشَّخصيّات والرُّموز والذَّبائح لفكرة الفداء بالدم، ولفكرة الذَّبائح التي تُذبح بدلاً من الإنسان الخاطئ، جاء أقنوم الابن وتجسَّد من الرُّوح القُدُس ومن العذراء مريم، فولدت يسوع المسيح ابن الله الكلمة بالحقيقة الذي شابهنا في كل شيء ماعدا الخطية وحدها. وهكذا جاء أقنوم الابن بذاته مُتجسِّداً من أجل إتمام الفداء والخلاص للإنسان. وكان لابد من التَّجسُّد ليكون له جسد قابلاً للموت، كما سبق أن أوضحنا من قبل.]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ29. [ويقول قداسة البابا شنودة في هذا الأمر: «كان لا يُمكن لمخلوق ما أن يموت عن الإنسان لسببين: (1) لأن كُلّ مخلوق محدود، فلا يُمكن له أن يُقدِّم كفّارة غير محدودة تُوفي العقوبة غير المحدودة، للخطية غير المحدودة. (2) لأنَّ الحُكم صَدَر ضدّ الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان. وكان الحلّ الوحيد هو التَّجسُّد أن ينزل الله إلى عالمنا مولوداً من امرأة، فهو من حيث لاهوته غير محدود كإله. يُمكنه أن يُقدِّم كفّارة غير محدودة لمغفرة جميع خطايا الناس في جميع الأجيال. وهو من حيث ناسوته يُمكنه أن ينوب عن الإنسان المحكوم عليه في دفع ثمن الخطية.» (نيافة الأنبا شنودة (قداسة البابا شنودة الثالث حالياً): دُرُوس روحية من الميلاد والغطاس، الكلية الإكليريكية بالأنبا رويس، يناير 1971)]
بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ134، 135. [ويُؤكِّد آباء الكنيسة على موت المسيح نيابة عن الجميع، في كثير من كتاباتهم، مثل كما ورد في الرِّسالة إلى ديوجنيتس (أواخر القرن الثاني الميلادي): «حمل بنفسه آثامنا، وبذل ابنه فدية عنّا: القُدُّوس من أجل الأئمة، الذي بلا لوم من أجل الأشرار، البار من أجل الفاسدين، غير المائت من أجل المائتين. لأنَّه أي شيء كان يُمكن أن يستر خطايانا غير برّه، وبمن كان يُمكن لنا نحن الأشرار والأثمة أن نتبرَّر سوى بابن الله الوحيد ؟ يا للمُبادلة العذبة ! أن تختفي شرور الكثيرين في الواحد البار، وأن يتبرَّر الكثيرون من الأثمة ببرّ الواحد !». ويقول القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 – 373م): «إذ كان الجميع تحت قصاص فساد الموت، فقد بذل جسده عوضاً عن الجميع، وقدَّمه للآب, هذا فعله أيضاً شفقة منه علينا وذلك أولاً: إذ يُعتبر الكُلّ قد مات فيه, ثانياً: لكي يُعيد البشر ثانية إلى عدم الفساد، ويُحييهم من الموت». ويقول أيضاً: «أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت، حتى باتِّحاده "بالكلمة" الذي هو فوق الكُلّ، يكون جديراً أن يموت بدلاً من الكُلّ». ويقول أيضاً: «إذ هو كلمة الآب، وفوق الكُلّ، كان وحده قادراً بطبيعة الأمر أن يُعيد خلق كل شيء، ويتألَّم عن الجميع، وأن يكون نائباً لدى الآب عن الكُلّ».]