بسم الله الرحمن الرحيم
مُقدِّمة:
كثُر في الآونةِ الأخيرة اهتمام الكثير من المنشغلين بدرأ الشبهات عن كتاب الله بالحديث عن مخطوطات القرآن الكريم ورسْمِه وقراءاتِه، كاستِجابةٍ سريعةٍ وغيورةٍ للرد على مثيري الشُبُهات، وهو جُهْدٌ مُبارك يعوزه الكثير من التدقيق والتِزام المنهج. وغياب المنهج قد يجعل درأ الشبهةِ في ذاتِها شُبهة إن لم يكن الرد سالِمًا، أو كان الرد مُسلِّمًا بشكلٍ أو بآخر لتطعيمات المستشرقين ومُغالطاتِهِم. وكثيرون ممن انشغل بالذوْد عن كتاب الله هم من الفئِة الدُّعاة الذين درسوا عقائِد النصرانية وكتاباتها ومخطوطاتها، ولم يُكلِّفوا وقْتَهم للدراسةِ المقارنةِ مع كتاب الله، أو كانت قراءاتهم يعوزها الضبط المنهجي والتوجيه. وهؤلاء لا يسْلَمُ أن يحْدُث عِنْدَ بعْضِهِم خلْطٌ بيْن نقْل القرآن الكريم ونقل التوراة والإنجيل.
والحديث في كتاب اللهِ أمرٌ جلَلْ، والخوْضُ فيهِ بغيْرِ علْمٍ ذنْبُ عظيم، ولو خلُصت النوايا، فمن تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأتِ الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب، فقد ورد فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"، وأخرج الترمذي من حديث جندب بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ قال: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ".
وقال ابن تيمية: "فإن من الناس من يكون عنده نوع من الدين؛ لكن مع جهل عظيم، فهؤلاء يتكلم أحدهم بلا علم؛ فيخطئ، ويخبر عن الأمور بخلاف ما هي عليه خبرا غير مطابق، ومن تكلم في الدين بغير الاجتهاد المسوغ له الكلام، وأخطأ، فإنه كاذب آثم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم في الحديث الذي في السنن عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة؛ رجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحق وقضى بخلافه فهو في النار، ورجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة». فهذا الذي يجهل وإن لم يتعمد خلاف الحق فهو في النار، بخلاف المجتهد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلّم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر». فهذا جعل له أجرا مع خطئه؛ لأنه اجتهد فاتقى الله ما استطاع، بخلاف من قضى بما ليس له به علم، وتكلم بدون الاجتهاد المسوّغ له الكلام؛ فإن هذا كما في الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» وفي رواية: «بغير علم» وفي حديث جندب عن النبي صلى الله عليه وسلّم: «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ، ومن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار» وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالما؛ اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا؛ فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلّوا» وفي رواية للبخاري: «فأفتوا برأيهم» وهذا بخلاف المجتهد الذي اتقى الله ما استطاع، وابتغى طلب العلم بحسب الإمكان، وتكلم ابتغاء وجه الله، وعلم رجحان دليل على دليل، فقال بموجب الراجح، فهذا مطيع لله مأجور أجرين إن أصاب، وإن أخطأ أجرًا واحدًا. والمقصود أن من تكلم بلا علم يسوغ وقال غير الحق يسمى كاذبًا" .اهـ. (ابن تيمية"الإخنائية"، ت. العنزي، دار الخراز - جدة. ص. 105-107).
فالواجب على المُسْلِمِ اتباع المنهج والسبيل الصحيح، على بصيرةٍ وبيِّنة، ويتجنب القول بالظنِّ، وسبيل الحق أبلَج، والوسائِل لا تُصْلِحُها أو تُبررها الغايات إلا في حدودٍ وضوابِطَ ليْس هذا محلُّها. قال الله تعالى " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ". كما أن اتباع العِلْم واجب، وكل قولٍ تقولُه في درأ شبهةٍ أو تفسيرٍ او تأويلٍ أو ادعاءٍ فأنت ستُساءَلُ عليْهِ امام الله، قال تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/ 36 . قال ابن كثير رحمه الله : " قَالَ قَتَادَةُ: لَا تَقُلْ : رَأَيْتُ ، وَلَمْ تَرَ، وَسَمِعْتُ ، وَلَمْ تُسْمع ، وَعَلِمْتُ ، وَلَمْ تَعْلَمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ " وَمَضْمُونُ مَا ذَكَرُوهُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنِ الْقَوْلِ بِلَا عِلْمٍ ، بَلْ بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ التَّوَهُّمُ وَالْخَيَالُ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 75) . وقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: " لَا تتكلّم بِالْحَدْسِ وَالظَّنِّ " انتهى . "تفسير البغوي" (5/ 92) . وقال السعدي رحمه الله : " أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 457) .
فبدًلا من أن أفنِّد شبهةً ساقطةً واهية أو شُبهات، ارتأيْتُ أن أضع منهجًا تعليميًّا، وتأصيلًا لا يجوزُ للداعيةِ الميْلُ عنه. وهو سبيل الحق وسبيل السلفِ الذي يسعنا ما وسعهم. واعتمدتُ في طرْحِه مؤلفات السلَفِ والخلف مما صحّ وثبُت وعليْهِ الدليل من كتاب الله وسنةِ نبيِّه. وآثرتُ ان أقدِّمهُ في صورةِ محاضرة او مباحِث وأبواب. وكل مبحثٍ متبوع بالنقاط الواجب العلم بها مع أسئِلةٍ وتدريباتٍ عمليّةٍ نافعة للدعاةِ على الإنترنت.
يتبع
تعليق