براهين وجود الله
الأدلة الفلسفية والكلامية على وجود الله.
اعتمد فلاسفة المسلمين وعلماء الكلام على دليل الإمكان والحدوث في إثبات وجود الله ووجوب وجوده.
1-دليل الإمكان:
لا يخفى أن الأمور والأشكال جميعها الموجودة في الذهن متصفة بأحد هذه الأوصاف الثلاثة:(واجب الوجود * مستحيل الوجود * ممكن الوجود والعدم).
فالواجب الوجود: هو ما كان وجوده واجباً بالضرورة العقلية غير مفتقر إلى علة توجده بحيث يحيل العقل عدمه.
ومستحيل الوجود: هو ما كان انعدامه واجبًا بالضرورة العقلية بحيث يحيل العقل وجوده.
والممكن: هو ما كان وجوده وعدمه سيان بحيث يقبل العقل وجوده وعدمه، ولا يحيل أياً منهما غير أن وجود الممكن يحتاج إلى علة توجده ومرجح يخرجه من العدم إلى حيز والوجود.
وقد اعتمد النورسي على دليل الحدوث والامكان في معرض محاججته الفلسفة الإلحادية وفرضياتها، إذ قال" إن الحيوان المكروسكوبيّ الذي لا يُرى بالعين بلا واسطة، اشتملت صورته الصغيرة على ماكينة دقيقة بديعة إلهية. فبالضرورة والبداهة إن تلك الماكينة الممكنة في ذاتها وصفاتها ما وجدت بنفسها بلا علة لإمكان ذاتها وصفاتها وأحوالها. والممكن متساوي الطرفين ككفتي الميزان، ولو وجد الترجح لكان في العدم. فباتفاق العقلاء لابد لها من علة مرجِّحة. ومن المحال أن تكون العلة أسبابا طبيعية إذ ما فيها من النظام الدقيق يقتضي نهاية العلم وكمال شعور .. مع ترددها بين ألوف من الإمكانات التي لا أولوية لبعضها فكيف تجري في مجرى معين، وتتحرك على محرك محدد، وكيف يترجح بعض وجوه الإمكانات حتى يتولد هذه الماكنة العجيبة المنتظمة التي حيرت العقول في دقائق حِكَمها .. " . وهكذا برهن بالضرورة العقلية موجود مرجح (الله تعالى)موجه للكائنات وملهم لها في اختيار الوجه الصواب من بين ألوف الوجوه الممكنة المحتملة
وهكذا نبرهن بالعقل والمنطق أن رجحان الوجود على العدم في الممكنات؛ حجةٌ برهانية على وجود مرجح أخرج (الوجود) من حيز التساوي بين (الوجود والعدم) إلى حيز الوجود ولا يكون هذا المرجح إلا واجب الوجود؛ لأن ممكن الوجود إما أن يستمد وجوده من العدم وهو محال بداهةً، وإما أن يستمد وجوده من ممكن آخر، وهو مستحيل أيضا لاستحالة التسلسل والدور، فيقتضي أن يكون الموجِد هو الواجب الوجود (الله سبحانه وتعالى).
وحير بالذكر أن الكون كان مسبوقاً بالعدم وسيؤول إلى العدم كما أكد ذلك القرآن الكريم في آيات عدة نذكر منها: قوله تعالى: { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }(الأنبياء: ١٠٤) . وكذلك أثبت العلم الحديث مؤخرًا أن للكون بداية مذ أكتشف الانفجار الكبير (Big bang). وكذلك أكد علماء الفيزياء أن الكون آيلُ إلى العدم بعد أن اكتشفوا قوانين الديناميكا الحرارية ( (Thermodynamic التي تدل على أن مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجيًا وأنها سائرة حتمًا إلى يوم تصير فيه درجة حرارة جميع الأجسام (الصفر المطلق)، ويومئذ تنعدم الطاقة، وتستحيل الحياة.
فهنا محل لسؤالٍ عقلي وهو إذا كان العدم يمتد إلى ما لانهاية في القدم، وإذا كان للكون بداية، فما السر في حدوث الكون في الوقت الذي نشأ فيه، ولِــمَ لم ينشأ قبله أو بعده، فإخراج الكون للوجود ومن ثم إلى العدم لابد وبالضرورة العقلية من وجود مرجح أخرجه إلى الوجود بتقدير وحكمة في الوقت الذي شاء، وسيحوله إلى العدم في الوقت الذي يشاء.
2-دليل الحدوث:
يرتكز دليل الحدوث على عدة مقدمات منطقية توصل إلى نتيجة منطقية، إذ أن كل متغير في الوجود حادث بالاستقراء المنطقي، وكل حادث يحتاج إلى محدث عقلًا، والعالم متغير بالمشاهدة الحسية؛ إذًا فالعالم حادث وإنه مفتقر إلى محدث بالضرورة العقلية، وهذا المحدث لابد أن يكون وجوده قائمًا بذاته غير مفتقر إلى علة توجده. وقد اعتمد علماء الكلام على دليل الحدوث وبنوه على مقدمتين: الأولى: إثبات حدوث العالم، والثانية إثبات أن كل حادث لا بد له من محدِّث، وتوصلوا إلى نتيجة: أن للعالم محدِّث واجب الوجود ومعنى كلامهم أن المخلوقات جميعها في الكون متغيرة ومتحركة. وهذا يومئ إلى أنها غير قديمة بلا ابتداء بل حادثة، والحادث لابد له من محدِّث أزلي وهو الله سبحانه وتعالى.
وقد أشار إلى هذا الدليل عالم الطبيعة البيولوجية الامريكي(فرانك ألن) في معرض برهنته وجود الله قائلاً:" الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة، كلها دليل واضح على أن أصل الكون مرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة، فهو إذًا حدث من الأحداث. ومعنى ذلك انه لابد لأصل الكون من خالق أزلي ليس له بداية، عليم محيط بكل شيء، قوي ليس لقدرته حدود، ولابد أن يكون هذا من صنع يديه".
وبعد أن برهنا وجود الله (واجب الوجود) بدليل الحدوث، يمكن ان نوظف هذا الدليل في برهنة كمال الله المطلق، كما قال النورسي:" وكذا يُشاهد في الكائنات أن الأشياء تتحرك قبل الوصول إلى نقطة الكمال لها، ثم تسكن بعد الوصول والاستقرار، فيتحدس من هنا بأن الوجود يقتضي الكمال، والكمال يقتضي الثبات، فوجود الوجود بالكمال، وكمال الكمال بالدوام، فالواجب السرمدي هو الكامل المطلق. فكل كمالات الممكنات ظلال لتجليات أنوار كماله. فتدل هذه الحقيقة على أن الله هو الكامل المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله".
- -----------
المراجع:
- كتاب: الله يتجلى في عصر العلم، تأليف: نخبة من علماء الامريكان
- غاية المرام في علم الكلام، الآمدي
- إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، النورسي
- المثنوي العربي النوري، النورسي
- كتاب رحلة عقل، د. عمرو الشريف
تعليق