البراهين القرآنية ( العناية – والاختراع)...
إن قضية وجود خالقٍ مدبرٍ للكون من الأمور المسلمة بالفطرة عند البشرية، والإلحاد مسألة شاذة وطارئة عليها. وقد خاض في هذه القضية الفلاسفة قديماً وحديثاً فاتفق أغلبهم على الإيمان بوجود خالق للكون مدبر له، غير أنهم اختلفوا في ماهيته وحقيقته. وتكلم في ذلك متقدمي فلاسفة المسلمين ومتكلميهم واستدلوا على وجوب وجوده بالأدلة الفلسفية والمنطقية والكلامية فضلاً عن الأدلة النقلية، وقد تناول متكلم العصر الجديد بديع الزمان النورسي قضية وجود الله ووحدانيته بمنهجية متكاملة مبنية على التجديد في العرض والتحليل، إذ اعتمد على المنهج القرآني في برهنة واجب الوجود واتخذ من الفلسفة والمنطق وعلم الكلام ما يتناسب مع العقيدة السليمة المبنية على القرآن والسنة بأسلوب جديد يوافق روح العصر وتحدياته، فقد مزج بين الأدلة المتنوعة مزجاً يزيل به شكوك المستغربين من المسلمين ويهدم شبهات المنكرين. ومن الأدلة التي اعتمد عليها:
1- الأدلة القرآنية. 2-الأدلة الكونية العلمية، 3-الأدلة الفلسفية الكلامية، 4-دليل الفطرة والوجدان الحي.
أولًا: الأدلة القرآنية على وجود الله
تقسم الأدلة القرآنية على نوعين:
النوع الأول: دليل العناية والغاية، والثاني: دليل الاختراع، وهذا التقسيم هو للفيلسوف ابن رشد الحفيد(ت:595هـ) ( 1)، والدليلان مستنبطان من القرآن الكريم، وينتميان منهجياً لحقل الدراسات الفلسفية الإسلامية.
النوع الأول: دليل العناية والغاية:
أشار القرآن الكريم في آيات كثيرة (2 ) إلى أن العناية الفائقة بالكون والمخلوقات وتسخيرها للإنسان في أكمل وجه دليلٌ على وجود مدبر حكيم لهذا الكون. وقد تناول الأمام النورسي دليل العناية والغاية في معرض استدلاله على وجود الخالق إذ قال:" إذ النظام المندمج في الكائنات، وما فيه من رعاية المصالح والحكم، يدل على قصد الخالق الحكيم وحكمته المعجزة، وينفي نفياً قاطعاً وهم المصادفة والاتفاق الأعمى" (3 )، وبعد أن فصل القول في عالم الكون والحيوان والإنسان قال:" وكل فرد من هذه الأنواع الوفيرة كأنه ماكنة بديعة عجيبة تبهر الأفهام. فلا يمكن أن تكون القوانين الموهومة الاعتبارية والأسباب الطبيعية العمياء الجاهلة، موجدة لهذه السلاسل العجيبة من الأفراد والأنواع. أي أن كل فرد، وكل نوع، يعلن بذاته أنه صادر مباشرةً من يد القدرة الإلهية الحكيمة" (4 ) وقد استدل الأستاذ بقوله تعالى: { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ }( الملك: ٣)، وبخواتيم الآيات وفواصلها -(أولا يعلمون)، (أفلا تذكرون)،(فاعتبروا)- على وجوب التفكر في المخلوقات، وإعمال العقل وتحرك الوجدان في دليل العناية الربانية والغاية التي من أجلها أوجد الكون وسخره للإنسان (5 ).
وأرى أن وجه الاستدلال في كلامه إن العناية الإلهية هي علم الله الأزلي بخلق الكائنات على أكمل وجه وأحسن نظام والعناية الفائقة بالكون كله والمخلوقات جميعها وتسخيرها لتوافق وجود الإنسان، وانتهاء الكائنات كلها إلى غاية جلية واضحة خلقت أساساً لأجلها لَتدل دلالة عقلية قطعية على وجود خالق لهذا الكون متصف بصفات الكمال، وتعد حجةً جدليةً في مواجهة شبهات الفكر الإلحادي المعاصر.
النوع الثاني: دليل الاختراع:
إن المتأمل في القرآن الكريم يرى ثمة آيات جمة عن الخلق والإيجاد ترشدنا إلى النظر والتفكر في جواهر الأشياء الموجودة لمعرفة الاختراع الحقيقي في الموجودات جميعها (6 )؛ ذلك لأن معرفة جوهر الشيء وحقيقته يستلزم معرفة المخترع.
وقد استنبط الأستاذ النورسي هذا الدليل من القرآن الكريم وصاغه صياغة عقلية فلسفية كلامية مواجهاً بها شبهات الفلاسفة في عصره، إذ قال:" إن الله قد أعطى كل فرد، وكل نوع، وجودًا خاصًا، هو منشأ آثاره المخصوصة، ومنبع كمالاته اللائقة، فلا نوع يتسلسل إلى الأزل، لأنه من الممكنات" ( 7)، وذكر من أدلة الاختراع قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء وكيل} ( الزمر: ٦٢ )، وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون} ( يس: ٨٣)، وفسر الآيتين تفسيراً تحليلياً أثبت من خلاله أن لكل موجود علامةً تدل على وجوب وجود الله وتشهد على ووحدانيته وعظمته، إذ قال:" إن لم تنطفئ جذوة عقلك ولم تفقد بصيرة قلبك فستفهم أن جعل الشيء الواحد كل شيء بسهولة مطلقة وانتظام كامل، وجعل كل شيء شيئًا واحدًا بميزان دقيق، وانتظام رائع، وبمهارة وإبداع، ليس إلا علامة واضحة، وآية بينة لخالق كل شيء وصانعه" (8 ).
وأرى أن النورسي قد استنطق الجماد بدليل الاختراع واشهد الكائنات بأنواعها وأشكالها كافةً على وجوب وجود خالقٍ أزلي. وأسلوبه هذا يعد حجةً برهانية للمستغربين في عصره، وحجةً جدليةً تلزم المذهب المادي القديم والمعاصر بالدليل الإني الذي يدل على المؤثِر بالأثر.
...........................بقلم : د/ آمـــاد كاظم
---------------------------------------------
المراجع
(1 ) ينظر: ابن رشد، " الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة"،:118.
(2 ) على سبيل المثال قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: ٢٩) ، وينظر :سورة الفرقان:61-62،والقصص:71-73،وفاطر:41،والنبأ:6-16. وغيرها كثير
( 3) النورسي " المثنوي العربي النوري":418.
(4 ) النورسي "صقيل الإسلام":115.
(5 ) النورسي "المثنوي العربي النوري" ص:418
.( 6) ينظر: قوله تعالى: (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة: ١٦٤)، (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرعد: ٣)، (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم: ٢٥)، (لأُولِي الألْبَابِ) (ص: ٤٣)
(7 ) النورسي "صيقل الإسلام" ص:114.
(8 ) النورسي "الكلمات":328.
إن قضية وجود خالقٍ مدبرٍ للكون من الأمور المسلمة بالفطرة عند البشرية، والإلحاد مسألة شاذة وطارئة عليها. وقد خاض في هذه القضية الفلاسفة قديماً وحديثاً فاتفق أغلبهم على الإيمان بوجود خالق للكون مدبر له، غير أنهم اختلفوا في ماهيته وحقيقته. وتكلم في ذلك متقدمي فلاسفة المسلمين ومتكلميهم واستدلوا على وجوب وجوده بالأدلة الفلسفية والمنطقية والكلامية فضلاً عن الأدلة النقلية، وقد تناول متكلم العصر الجديد بديع الزمان النورسي قضية وجود الله ووحدانيته بمنهجية متكاملة مبنية على التجديد في العرض والتحليل، إذ اعتمد على المنهج القرآني في برهنة واجب الوجود واتخذ من الفلسفة والمنطق وعلم الكلام ما يتناسب مع العقيدة السليمة المبنية على القرآن والسنة بأسلوب جديد يوافق روح العصر وتحدياته، فقد مزج بين الأدلة المتنوعة مزجاً يزيل به شكوك المستغربين من المسلمين ويهدم شبهات المنكرين. ومن الأدلة التي اعتمد عليها:
1- الأدلة القرآنية. 2-الأدلة الكونية العلمية، 3-الأدلة الفلسفية الكلامية، 4-دليل الفطرة والوجدان الحي.
أولًا: الأدلة القرآنية على وجود الله
تقسم الأدلة القرآنية على نوعين:
النوع الأول: دليل العناية والغاية، والثاني: دليل الاختراع، وهذا التقسيم هو للفيلسوف ابن رشد الحفيد(ت:595هـ) ( 1)، والدليلان مستنبطان من القرآن الكريم، وينتميان منهجياً لحقل الدراسات الفلسفية الإسلامية.
النوع الأول: دليل العناية والغاية:
أشار القرآن الكريم في آيات كثيرة (2 ) إلى أن العناية الفائقة بالكون والمخلوقات وتسخيرها للإنسان في أكمل وجه دليلٌ على وجود مدبر حكيم لهذا الكون. وقد تناول الأمام النورسي دليل العناية والغاية في معرض استدلاله على وجود الخالق إذ قال:" إذ النظام المندمج في الكائنات، وما فيه من رعاية المصالح والحكم، يدل على قصد الخالق الحكيم وحكمته المعجزة، وينفي نفياً قاطعاً وهم المصادفة والاتفاق الأعمى" (3 )، وبعد أن فصل القول في عالم الكون والحيوان والإنسان قال:" وكل فرد من هذه الأنواع الوفيرة كأنه ماكنة بديعة عجيبة تبهر الأفهام. فلا يمكن أن تكون القوانين الموهومة الاعتبارية والأسباب الطبيعية العمياء الجاهلة، موجدة لهذه السلاسل العجيبة من الأفراد والأنواع. أي أن كل فرد، وكل نوع، يعلن بذاته أنه صادر مباشرةً من يد القدرة الإلهية الحكيمة" (4 ) وقد استدل الأستاذ بقوله تعالى: { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ }( الملك: ٣)، وبخواتيم الآيات وفواصلها -(أولا يعلمون)، (أفلا تذكرون)،(فاعتبروا)- على وجوب التفكر في المخلوقات، وإعمال العقل وتحرك الوجدان في دليل العناية الربانية والغاية التي من أجلها أوجد الكون وسخره للإنسان (5 ).
وأرى أن وجه الاستدلال في كلامه إن العناية الإلهية هي علم الله الأزلي بخلق الكائنات على أكمل وجه وأحسن نظام والعناية الفائقة بالكون كله والمخلوقات جميعها وتسخيرها لتوافق وجود الإنسان، وانتهاء الكائنات كلها إلى غاية جلية واضحة خلقت أساساً لأجلها لَتدل دلالة عقلية قطعية على وجود خالق لهذا الكون متصف بصفات الكمال، وتعد حجةً جدليةً في مواجهة شبهات الفكر الإلحادي المعاصر.
النوع الثاني: دليل الاختراع:
إن المتأمل في القرآن الكريم يرى ثمة آيات جمة عن الخلق والإيجاد ترشدنا إلى النظر والتفكر في جواهر الأشياء الموجودة لمعرفة الاختراع الحقيقي في الموجودات جميعها (6 )؛ ذلك لأن معرفة جوهر الشيء وحقيقته يستلزم معرفة المخترع.
وقد استنبط الأستاذ النورسي هذا الدليل من القرآن الكريم وصاغه صياغة عقلية فلسفية كلامية مواجهاً بها شبهات الفلاسفة في عصره، إذ قال:" إن الله قد أعطى كل فرد، وكل نوع، وجودًا خاصًا، هو منشأ آثاره المخصوصة، ومنبع كمالاته اللائقة، فلا نوع يتسلسل إلى الأزل، لأنه من الممكنات" ( 7)، وذكر من أدلة الاختراع قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء وكيل} ( الزمر: ٦٢ )، وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون} ( يس: ٨٣)، وفسر الآيتين تفسيراً تحليلياً أثبت من خلاله أن لكل موجود علامةً تدل على وجوب وجود الله وتشهد على ووحدانيته وعظمته، إذ قال:" إن لم تنطفئ جذوة عقلك ولم تفقد بصيرة قلبك فستفهم أن جعل الشيء الواحد كل شيء بسهولة مطلقة وانتظام كامل، وجعل كل شيء شيئًا واحدًا بميزان دقيق، وانتظام رائع، وبمهارة وإبداع، ليس إلا علامة واضحة، وآية بينة لخالق كل شيء وصانعه" (8 ).
وأرى أن النورسي قد استنطق الجماد بدليل الاختراع واشهد الكائنات بأنواعها وأشكالها كافةً على وجوب وجود خالقٍ أزلي. وأسلوبه هذا يعد حجةً برهانية للمستغربين في عصره، وحجةً جدليةً تلزم المذهب المادي القديم والمعاصر بالدليل الإني الذي يدل على المؤثِر بالأثر.
...........................بقلم : د/ آمـــاد كاظم
---------------------------------------------
المراجع
(1 ) ينظر: ابن رشد، " الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة"،:118.
(2 ) على سبيل المثال قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: ٢٩) ، وينظر :سورة الفرقان:61-62،والقصص:71-73،وفاطر:41،والنبأ:6-16. وغيرها كثير
( 3) النورسي " المثنوي العربي النوري":418.
(4 ) النورسي "صقيل الإسلام":115.
(5 ) النورسي "المثنوي العربي النوري" ص:418
.( 6) ينظر: قوله تعالى: (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة: ١٦٤)، (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرعد: ٣)، (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم: ٢٥)، (لأُولِي الألْبَابِ) (ص: ٤٣)
(7 ) النورسي "صيقل الإسلام" ص:114.
(8 ) النورسي "الكلمات":328.
تعليق