سيرين زروق ربوبية سابقا، و بعد حوار مع إخوة في منتدى الحوار الأيديولوجي أسلمت و حسُن إسلامها ،و دافعت عن الإسلام بشراسة، و ها هي يُختم لها في أواخر رمضان بسجدة من الدنيا.
الفايسبوك حذف حسابها و وصيتها، و لكننا نقلناها إلي الحراس.
مَرْحَبًا، الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ رَحِيلِي قَرِيبًا، أَرَدْتُ أَنْ أُشَارِكَكُمْ حِكَايَتِي لَعَلَّهَا تَكُونُ عِبْرَةً لِمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِي.
أنا فَتَاةٌ عَاشَتِ الدُّنْيَا بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ، كُنْتُ شَدِيدَةَ التَّأَثُّرِ بِالثَّقَافَاتِ الْغَرْبِيَّةِ، وَنَمَطِ حَيَاتِهِمْ؛ مِمَّا سَاقَنِي إِلَى هَاوِيَةِ الْإِلْحَادِ، أَخَذْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْأُمُورِ مِنْ زَاوِيَةٍ صَغِيرَةٍ حَتَّى اِسْتَقْرَرْتُ عِنْدَ الرُّبُوبِيَّةِ.
تِلْكَ الْحَيَاة الْمُتْرَفَةُ الْخَالِيَةُ مِنَ الدِّينِ، جَفَّفَتْ مَنَابِعَ الْإِيمَانِ عِنْدِي… رَفَضْتُ الْإِسْلَامَ، وَخَلَقْتُ صُورَةً لِلْإِلَهِ تَتَمَاشَى مَعَ نَمَطِ حَيَاتِي “الْمُتَحَرِّرِ” مِنْ كُلِّ قَيْدٍ مُجْتَمَعِيٍّ.
اِعْتَقَدْتُ حِينَهَا أَنَّنِي فِي الْجَانِبِ الصَّحِيحِ لِلْحَقِيقَةِ.
فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ اِعْتَنَقْتُ النِّسَوِيَّةَ وَالْعَلْمَانِيَّةَ وَكُلَّ فِكْرٍ يُحَارِبُ الْإِسْلَامَ جَهْلًا مِنِّي بِحَقِيقَتِهِ.
تَأَثَّرْتُ بِالشُّبُهَاتِ الْمُقَوْلَبَةِ مِثْلَ الْإِرْهَابِ وَحُقُوقِ الْمَرْأَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الشُّبُهَاتِ الْوَاهِيَةِ.
كُنْتُ فِي صَمِيمِي أُخْفِي اِضْطِرَابًا عَمِيقًا كَادَ يَقُودُنِي إِلَى هَاوِيَةِ الْجُنُونِ، كُنْتُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْيَانِ عَاجِزَةً عَنْ وَضْعٍ رَأْسِي عَلَى الْوِسَادَةِ، كُنْتُ عَاجِزَةً تَمَامًا عَنِ النَّوْمِ، لَمْ أَعْرِفْ حِينَهَا لِمَاذَا؟ لَكِنِّي كُنْتُ أَبْحَثُ عَنِ اللَّهِ فِي نَفْسِي، رُبَّمَا لِهَذَا السَّبَبِ لَمْ يَتَخَلَّ اللَّهُ عَنِّي أَبَدًا، وَكَانَ كُلَّمَا دَعَوْتُهُ اِسْتَجَابَ؛ مِمَّا نَفَى عِنْدِي أَدْنَى شَكٍّ فِي عَدَمِ وُجُودِهِ.
أَثَّرَتْ شَخْصِيَّتِي الْقَوِيَّةُ وَالْمُحِيطُ الِاجْتِمَاعِيُّ الَّذِي تَرَعْرَعْتُ فِيهِ عَلَى أَفْكَارِي وَنَمَطِ حَيَاتِي دُونَ إِدْرَاكٍ مِنِّي بِحَجْمِ الْخَلَلِ الَّذِي إِلْتُ إِلَيْهِ.
كُنْتُ عُضْوَةً فِي أَكْبَرِ الْمُنَظَّمَاتِ النِّسَوِيَّةِ فِي بَلَدِي اِعْتِقَادًا مِنِّي أَنِّي مَعَ مَنْ يُدَافِعُ عَنْ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ الْمَسْلُوبَةِ لَكِنِّي وَجَدْتُ مُحِيطًا بُرْجُوازِيًّا مُتَعَفِّنًا يَخْدِمُ مَصَالِحَهُ الشَّخْصِيَّةَ فَقَطْ، وَلَا يُعِيرُ الْكَادِحَاتِ أَدْنَى اِهْتِمَامٍ.
أَخَذَتْنِي الدُّنْيَا وَهُمُومُهَا وَمَطَامِعُهَا وَمَلَذَّاتُهَا، وَلَمْ أُفَكِّرْ أَبَدًا أَنِّي بَعْدَ بِضْعَةِ سَنَوَاتٍ سَأُحَاسَبُ عَلَى عُمْرِي الَّذِي أَهْدَرْتُهُ.
كُنْتُ كَكُلِّ النَّاسِ أَرَى الْمَوْتَ بَعِيدًا… كُنْتُ أَرَاهُ بَعْدَ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ سَنَةٍ، وَأُمَنِّي نَفْسِي بِأَنَّهُ بَعِيدٌ… بَعِيدٌ إِلَى دَرَجَةِ أَنَّنِي قَدْ نَسِيتُ نَفْسِي فِي طَيَّاتِ السِّنِينَ.
كُنْتُ أُمَنِّي نَفْسِي كَكُلِّ الْخَلْقِ بِأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَأَنَّهُ لَنْ يَرْضَى بِعَذَابِي، نَسِيتُ بِأَنِّي أَنَا هِيَ الَّتِي تُعَذِّبُ نَفْسَهَا نَسِيتُ أَنَّنِي أَنَا الَّتِي تُسَطِّرُ كِتَابَهَا، أَنَا مَنْ تُقَرِّرُ مَصِيرَهَا، جَنَّةٌ أَوْ نَارٌ، خُلُودٌ أَمْ ضَيَاعٌ.
أَخَذَتْنِي الدُّنْيَا، وَلَكِنْ ظَلَّ لِي خَيْطٌ رَفِيعٌ مَعَ اللَّهِ، وَهُوَ صِدْقُ الْبَحْثِ عَنْهُ.
تَوَاتَرَتِ الْأَيَّامُ، وَرَتَّبَ اللَّهُ لِيَ الْأَحْدَاثَ وَقَادَنِي أَوْ رُبَّمَا اِقْتَادَنِي إِلَيْهِ، سَخَّرَ لِي مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَرَاحَةِ الطَّاعَةِ وَلَذَّةِ الشَّوْقِ.
بَدَأَتْ رِحْلَتِي عِنْدَمَا سَمِعْتُ بِخَبَرِ إِسْلَامِ بَعْضِ أَقْرَبِ أَصْدِقَائِي الْوَاحِدَةِ تِلْوَ الْأُخْرَى عَلَى يَدِ أَحَدِ الْأَشْخَاصِ، أَرَدْتُ الِانْتِقَامَ، وَإِثْبَاتَ أَنَّهُنَّ فِي الطَّرِيقِ الْخَطَأِ.
بِاخْتِصَارٍ دَخَلْتُ فِي مُنَاظَرَةٍ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ، كَانَ اِسْمُهُ مُحَمَّدَ شِبيطَةَ فِي مَجْمُوعَةِ الْحِوَارِ الْأَيْدِيُولُوجِي الَّتِي أَتَمَنَّى مِنْ كُلِّ قَلْبِي أَنْ يَبْحَثَ كُلُّ مُرِيدٍ لِلْحَقِّ بِصِدْقٍ فِيهَا عَنِ الْحَقِيقَةِ
بَعْدَ شَدٍّ وَجَذْبٍ لَا دَاعِيَ لِلْخَوْضِ فِي تَفَاصِيلِهِ، أَسْلَمَ قَلْبِي وَاكْتَشَفْتُ كَمْ كُنْتُ حَمْقَاءَ يَا إِلَهِي كَمْ كُنْتُ غَبِيَّةً.
اِكْتَشَفْتُ الْحَقِيقَةَ وَتَدَاعَتْ شُبُهَاتِي كَحَائِطٍ حَجَرِيٍّ خَرَّتْ أَرْكَانُهُ وَتَطَايَرَتْ صُخُورُهُ الْوَاحِدَةُ تِلْوَ الْأُخْرَى كَأَنَّهُ كَانَ يَنْتَزِعُ الشَّوْكَ مِنْ قَلْبِي اِنْتِزَاعًا… الشَّوْكَةُ تِلْوَ الْأُخْرَى بِمَهَارَةٍ وَلِينٍ.
طَرَحْتُ عَنِّي الْكِبْرَ وَالْعِنَادَ، وَاسْتَسْلَمْتُ لِلْحَقِيقَةِ وَانْقَدْتُ إِلَيْهَا.
كَمْ كَانَ رَحِيمًا رَبِّي إِذْ هَدَانِي وَأَهْدَانِي الْفُرْصَةَ تِلْوَ الْأُخْرَى كَيْ أُقْبِلَ عَلَيْهِ.
كَمْ كَانَ مُضْحِكًا قَدَرِي إِذْ لَمْ أَعْلَمْ أَنِّي رَاحِلَةٌ بَعْدَ بِضْعَةِ أَشْهُرٍ، كَأَنَّهَا كَانَتِ الرِّحْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَرَغْمَ تَأَخُّرِي… أَدْرَكْتُهَا.
كَأَنَّهَا الْقَشَّةُ الْأَخِيرَةُ وَرَغْمَ هَشَاشَتِهَا… تَشَبَّثْتُ
نَعَمْ تَشَبَّثْتُ بِقَشَّةٍ رُبَّمَا تَكُونُ هِيَ مَنْ أَنْقَذَتْنِي
لَا أَعْلَمَ أَأَشْكُرُكَ أَمْ أَشْكُرُ اللَّهَ عَلَيْكَ، وَلَشُكْرُ اللَّهِ أَفْضَلُ.
وَإِنْ كُنْتُ فِي قَبْرِي سَأَدْعُو اللَّهَ لَكَ بِالْمَغْفِرَةِ وَحُسْنِ الدَّارَيْنِ عَلَى حِلْمِكَ وَعِلْمِكَ وَحُسْنِ أَدَبِكَ سَيِّدِي
تَلَقَّيْتُ الرِّسَالَةَ وَكُلِّي عَزْمٌ عَلَى تَعْوِيضِ مَا فَاتَنِي، غَيَّرْتُ مُحِيطِي، وَاسْتَبْدَلْتُ اِهْتِمَامَاتِي بِأُخْرَى كُنْتُ أَسْتَعْدِيهَا فِيمَا مَضَى.
تَغَيَّرَتْ حَيَاتِي تَمَامًا، وَانْزَاحَ عَنِّي الْأَلَمُ وَالْحَيْرَةُ، بَدَأَ اللِّينُ يَسْرِي إِلَى قَلْبِي الْمُتَحَجِّرِ.
بَدَأَ النُّورُ يُضِيءُ غُرَفَهُ الْمُظْلِمَةَ، وَالْقُرْآنُ يَسْقِي صَحَارِيَهُ الْقَاحِلَةَ، لَقَدْ أَيْنَعَتُ وَأَزْهَرَتْ بَعْدَ سِنِينَ عِجَافٍ… بَعْدَ سِنِينَ الضَّيَاعِ وَالِاضْطِرَابِ النَّفْسِيِّ.
لَقَدْ آمَنْتُ بِالْخَالِقِ وَأَمِنْتُ.
بَدَأْتُ أَقْرَأُ بِنَهَمٍ مِنْ كُلِّ الْمَذَاهِبِ وَالْفِرَقِ، أَقْرَأُ الْأَقْوَالَ وَالْآرَاءَ عَلَى اِخْتِلَافِهَا، لَمْ أُرِدْ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ فَقَطْ، أَرَدْتُ أَنْ أَكُونَ دَاعِيَةً إِلَيْهِ، أَرَدْتُ أَنْ أَكُونَ مِذْيَاعَ الْخَيْرِ كَمَا كُنْتُ بُوقًا لِلْبَاطِلِ.
كُلُّ مُتَعِ الدُّنْيَا الَّتِي لَاقَيْتُهَا فِي الْمَاضِي لَمْ تَكُنْ كَلَذَّةِ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، لَذَّةٍ أَغْنَتْنِي عَنِ الدُّنْيَا، يَا إِلَهِي مَا أَحْلَى الشَّكْوَى لَهُ، وَمَا أَرْقَى التَّذَلُّلَ عَلَى أَعْتَابِهِ.
شَعَرْتُ بِمَحَبَّةٍ تُحِيطُنِي وَتَحْتَوِينِي.
فَجْأَةً …
أَنَا مُصَابَةٌ بِالسَّرَطَانِ
خَبَرٌ صَادِمٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّ عِنْدَ سَمَاعِي الْخَبَرَ أَوَّلُ مَا جَالَ بِخَاطِرِي كَانَ ” يَا إِلَهِي لَقَدْ كُنْتُ مُصَابَةً بِالسَّرَطَانِ وَأَنَا عَلَى الْكُفْرِ، وَلَمْ أَعْلَمْ وَأَسْلَمْتُ وَلَمْ أَعْلَمْ، مَاذَا لَوْ مُتُّ عَلَى الْكُفْرِ”
فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ حَمِدْتُ رَبِّي عَلَى أَكْبَرِ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ بِهَا عَلَيَّ وَهِيَ الْإِسْلَامُ.
كَمْ كَانَ رَحِيمًا رَبِّي إِذْ هَدَانِي قَبْلَ قَبْضِي.
كُنْتُ قَدْ وَرِثْتُ شَخْصِيَّةً قَوِيَّةً لَا تُهْزَمُ، وَإِرَادَةً لَا تُكْسَرُ.
قَرَّرْتُ الْمُوَاجَهَةَ عِوَضَ الِاخْتِبَاءِ، قَدْ أَكُونُ تَأَخَّرْتُ كَثِيرًا، وَالْمَرَضُ قَدِ اِسْتَشْرَى لَكِنَّنِي سَأَسْتَجْمِعُ قُوَايَ وَأُقَاوِمُ.
حَاوَلْتُ أَنْ أَحْتَكَّ بِبَعْضِ الْمُصَابِينَ وَالتَّعَرُّفِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَمَطِ عَيْشِهِمْ عَلَّنِي أَتَأَقْلَمُ مَعَ عَالَمِي الْجَدِيدِ.
كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حِكَايَةٌ وَوَجَعٌ، عَالَمُ الدُّمُوعِ وَالْآهَاتِ اِسْتَنْزَفَ مَا تَبَقَّى لِي مِنْ طَاقَةٍ،
قَرَّرْتُ تَكْرِيسَ وَقْتِي لِمُسَاعَدَةِ الْأَطْفَالِ الْمُصَابِينَ.
كُنْتُ أُخْفِي وَجَعِي وَدَمْعَتِي وَأَمْسَحُ دُمُوعَهُمْ وَأَعِدُهُمْ بِغَدٍ أَفْضَلَ.
أَنْسَانِي اللَّهُ أَوْجَاعِي أَمَامَ أَوْجَاعِهِمْ، أَقْسَمْتُ لَهُمْ أَنَّنَا أَقْوَى وَأَنَّنَا سَنَنْجُو.
كَانْت مَلَاكٌ إِحْدَى الْمُصَابَاتِ الْأَقْرَبَ إِلَى قَلْبِي بِكَفَّيْهَا الرَّقِيقَيْنِ، وَخُدُودِهَا الْمُزْهِرَةِ وَضِحْكَتِهَا اللَّامِعَةِ كَانَتْ تُقَاوِمُ بِكُلِّ مَا آتَاهَا اللَّهُ مِنْ قُوَّةٍ، فِي أَحَدِ الْأَيَّامَ كَانَتْ تَتَوَجَّعُ فَأَمْسَكْتُ يَدَهَا وَضَمَمْتُهَا إِلَى خَدِّي، وَضَمَّدْتُ خَدَّهَا بِيَدِي الْأُخْرَى، وَعَدْتُهَا بِحَيَاةٍ وَرْدِيَّةٍ تَنْتَظِرُهَا، أَخْبَرْتُهَا بِأَنَّ صَفَّهَا فِي اِنْتِظَارِهَا، وَأَنَّ أَصْدِقَاءَهَا فِي الْخَارِجِ يَنْتَظِرُونَ عَوْدَتَهَا،
نَامَتْ عَزِيزَتِي وَهِيَ تُتَمْتِمُ بِالْفَاتِحَةِ بِتَلَعْثُمٍ؛ لِتُرِيَنِي أَنَّهَا تَحْفَظُهَا نَامَتْ وَهِيَ تُمْسِكُ يَدِي.
مِنَ الْغَدِ ذَهَبْتُ إِلَى الْمُسْتَشْفَى وَعَلَى غَيْرِ الْعَادَةِ كُنْتُ مُتَرَدِّدَةً، كَانَ قَلْبِي يَرْجُفُ دَخَلْتُ الْمَشْفَى وَالظَّلَامُ يُخَيِّمُ عَلَى الْمَكَانِ كَأَنَّ الْحُزْنَ حَطَّ رِحَالَهُ فَوْقَ الْمَبْنَى، دَخَلْتُ الْغُرْفَةَ فَوَجَدْتُ سَرِيرَهَا مُرَتَّبًا وَلَا أَحَدَ عَلَيْهِ.
مَاذَا حَدَثَ؟ أَيْنَ ذَهَبَتْ؟ رَبَّاهُ أَيْنَ مَلَاكٌ؟
رَحَلَتْ إِلَى خَالِقهَا، قَالَتْ إِحْدَى الْمُمَرِّضَاتِ.
رَبَّاهُ قَدْ أَخْلَفْتُ وَعْدِي لَهَا، لَكِنَّكَ لَنْ تُخْلِفَ وَعْدَكَ إِيَّاهَا بِالْجَنَّةِ.
فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ وَبَعْدَ رَحِيلِ صَغِيرَتِي اِنْهَارَتْ قُوَايَ تَمَامًا.
هَلْ سَأُهْزَمُ؟ لَا لَكِنِّي تَقَبَّلْتُ فِكْرَةَ النِّهَايَةِ، وَأَدْرَكْتُ أَنَّ الرَّحِيلَ قَدِ اِقْتَرَبَ لَا مَفَرَّ مِنَ الْمَوْتِ.
هَلْ سَأَحْزَنُ؟ لَا أَبَدًا… سَأَرْحَلُ إِلَى مَنْ تَسَمَّى بِالرَّحْمَةِ، لِمَنْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَدْلَ،
سَأَرْحَلُ إِلَى اللَّهِ.
لَيْسَتْ هَزِيمَةً وَلَا اِسْتِسْلَامًا، وَإِنَّمَا رِضًا بِمَا قَدَّرَ اللَّهُ.
عِنْدَمَا تُفَكِّرُ بِأَنَّ لِقَاءَكَ بِمَعْبُودِكَ قَدِ اِقْتَرَبَ سَيَغْمُرُكَ الشَّوْقُ، وَيَأْخُذُكَ إِلَى مُسْتَوَيَاتٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الْمَحَبَّةِ لَا مِنَ الْقُنُوطِ.
مَحَبَّةٌ تُرِيحُكَ مِنْ أَعْبَاءِ الْخَوْفِ مِنَ الْفَنَاءِ.
يَقِينُكَ بِحَيَاةٍ جَدِيدَةٍ أَفْضَلَ مَنْ سَابِقَتِهَا سَيَجْعَلُ مِنْ أَلَمِكَ لَذَّةً، وَمِنْ صَبْرِكَ مُتْعَةً تُعَبِّدُ طَرِيقَكَ إِلَى هَذَا الْعَالَمِ الْجَدِيدِ.
سَيَفْتَحُ اللَّهُ بَصِيرَتَكَ وَتَتَوَالَى عَلَيْكَ الْإِشَارَاتُ وَالْبَرَاهِينُ الْأَمْرُ الَّذِي قَدْ يَسْتَهْجِنُهُ الْبَعْضُ، لَكِنْ سَتَنَالُ الْبُشْرَى كَمَا يَنَالُهَا الطَّالِبُ مِنْ نَظَرَاتِ مُعَلِّمِهِ.
هَذَا الْمَرَضُ الَّذِي أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهِ عَلَّمَنِي أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْبَلَاءِ لَيْسَ مُرًّا، وَأَنَّ الْمُرَّ هُوَ الْعَيْشُ بِغَيْرِ بَلَاءٍ.
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الْحَمْدَ لَيْسَ مُجَرَّدَ حُرُوفٍ نَتَلَفَّظُ بِهَا، وَإِنَّمَا اِعْتِقَادٌ جَازِمٌ بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَثَنَاءٌ عَلَى حِكْمَتِهِ وَإِرَادَتِهِ الْكَامِلَةِ.
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الْحَيَاةَ مُجَرَّدُ لَحَظَاتٍ عَابِرَةٍ، وَأَنَّ الصِّحَّةَ نِعْمَةٌ مَنْسِيَّةٌ، وَأَنَّ الْوَقْتَ فُرْصَةٌ ضَائِعَةٌ سَنَتَمَنَّى أَلْفَ مَرَّةٍ لَوْ تَعُودُ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً كَيْ نَصْرِفَهَا فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ.
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الرُّوحَ وَالنَّفْسَ عَدُوَّانِ مُتَضَادَّانِ، كُلَّمَا قَوِيَتْ إِحْدَاهُمَا ضَعُفَتِ الْأُخْرَى، إِحْدَاهُمَا تَتَغَذَّى عَلَى وَجَعِ الْأُخْرَى.
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الرُّوحَ تَجِفُّ وَتَعْطَشُ وَتَذْبُلُ وَأَنَّ مَاءَهَا هُوَ الذِّكْرُ، وَتُرْبَتَهَا الِاسْتِغْفَارُ، وَزُهُورَهَا الطَّاعَةُ، وَثِمَارَهَا الْإِيمَانُ.
كُلَّمَا سَقَيْتَهَا اِحْلَوَّتْ عَلَيْكَ ثِمَارُهَا، وَلَانَتْ لَكَ أَغْصَانُهَا، وَدَنَتْ مِنْكَ أَطْرَافُهَا.
لَمْ يَكُنِ الرَّحِيلُ يُرْعِبُنِي، بَلْ كَانَ كُلُّ مَا يُرْعِبُنِي هُوَ لِقَاءُ اللَّهِ بِصُحُفٍ خَالِيَةٍ مِنَ الطَّاعَاتِ بِصَحِيفَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ رَمَضَانَ خُصُوصًا.
رَمَضَانُ الَّذِي لَطَالَمَا أَرَّقَنِي غِيَابُهُ.
كُنْتُ أَدْعُو اللَّهَ فَقَطْ أَنْ يُبَلِّغَنِي رَمَضَانَ وَيَكْتُبَنِي مِنَ الصَّائِمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَدِ اِسْتَجَابَ
لَيْسَ كَمَا يَظُنُّ الْبَعْضُ لَمْ أَسْتَسْلِمْ وَلَمْ أَحْزَنْ.
هَذَا الْمَرَضُ نِعْمَةٌ مَا بَعْدَهَا نِعْمَةٌ، أَحْمَدُ اللَّهَ أَنْ هَيَّأَنِي بِهِ، وَخَتَمَ لِي بِالصَّالِحَاتِ، وَأَشْكُرُهُ أَنْ عَافَانِي مِنْ مَوْتِ الْفَجْأَةِ.
آهْ يَا وَجَعِي اللَّذِيذُ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً لَاخْتَرْتُكَ
أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ
سيرين زروق
( لا تنسوها من دعائكم)
الفايسبوك حذف حسابها و وصيتها، و لكننا نقلناها إلي الحراس.
#قِصَّتِي (الْجُزْءُ الْأَوَّلُ)
مَرْحَبًا، الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ رَحِيلِي قَرِيبًا، أَرَدْتُ أَنْ أُشَارِكَكُمْ حِكَايَتِي لَعَلَّهَا تَكُونُ عِبْرَةً لِمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِي.
أنا فَتَاةٌ عَاشَتِ الدُّنْيَا بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ، كُنْتُ شَدِيدَةَ التَّأَثُّرِ بِالثَّقَافَاتِ الْغَرْبِيَّةِ، وَنَمَطِ حَيَاتِهِمْ؛ مِمَّا سَاقَنِي إِلَى هَاوِيَةِ الْإِلْحَادِ، أَخَذْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْأُمُورِ مِنْ زَاوِيَةٍ صَغِيرَةٍ حَتَّى اِسْتَقْرَرْتُ عِنْدَ الرُّبُوبِيَّةِ.
تِلْكَ الْحَيَاة الْمُتْرَفَةُ الْخَالِيَةُ مِنَ الدِّينِ، جَفَّفَتْ مَنَابِعَ الْإِيمَانِ عِنْدِي… رَفَضْتُ الْإِسْلَامَ، وَخَلَقْتُ صُورَةً لِلْإِلَهِ تَتَمَاشَى مَعَ نَمَطِ حَيَاتِي “الْمُتَحَرِّرِ” مِنْ كُلِّ قَيْدٍ مُجْتَمَعِيٍّ.
اِعْتَقَدْتُ حِينَهَا أَنَّنِي فِي الْجَانِبِ الصَّحِيحِ لِلْحَقِيقَةِ.
فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ اِعْتَنَقْتُ النِّسَوِيَّةَ وَالْعَلْمَانِيَّةَ وَكُلَّ فِكْرٍ يُحَارِبُ الْإِسْلَامَ جَهْلًا مِنِّي بِحَقِيقَتِهِ.
تَأَثَّرْتُ بِالشُّبُهَاتِ الْمُقَوْلَبَةِ مِثْلَ الْإِرْهَابِ وَحُقُوقِ الْمَرْأَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الشُّبُهَاتِ الْوَاهِيَةِ.
كُنْتُ فِي صَمِيمِي أُخْفِي اِضْطِرَابًا عَمِيقًا كَادَ يَقُودُنِي إِلَى هَاوِيَةِ الْجُنُونِ، كُنْتُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْيَانِ عَاجِزَةً عَنْ وَضْعٍ رَأْسِي عَلَى الْوِسَادَةِ، كُنْتُ عَاجِزَةً تَمَامًا عَنِ النَّوْمِ، لَمْ أَعْرِفْ حِينَهَا لِمَاذَا؟ لَكِنِّي كُنْتُ أَبْحَثُ عَنِ اللَّهِ فِي نَفْسِي، رُبَّمَا لِهَذَا السَّبَبِ لَمْ يَتَخَلَّ اللَّهُ عَنِّي أَبَدًا، وَكَانَ كُلَّمَا دَعَوْتُهُ اِسْتَجَابَ؛ مِمَّا نَفَى عِنْدِي أَدْنَى شَكٍّ فِي عَدَمِ وُجُودِهِ.
أَثَّرَتْ شَخْصِيَّتِي الْقَوِيَّةُ وَالْمُحِيطُ الِاجْتِمَاعِيُّ الَّذِي تَرَعْرَعْتُ فِيهِ عَلَى أَفْكَارِي وَنَمَطِ حَيَاتِي دُونَ إِدْرَاكٍ مِنِّي بِحَجْمِ الْخَلَلِ الَّذِي إِلْتُ إِلَيْهِ.
كُنْتُ عُضْوَةً فِي أَكْبَرِ الْمُنَظَّمَاتِ النِّسَوِيَّةِ فِي بَلَدِي اِعْتِقَادًا مِنِّي أَنِّي مَعَ مَنْ يُدَافِعُ عَنْ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ الْمَسْلُوبَةِ لَكِنِّي وَجَدْتُ مُحِيطًا بُرْجُوازِيًّا مُتَعَفِّنًا يَخْدِمُ مَصَالِحَهُ الشَّخْصِيَّةَ فَقَطْ، وَلَا يُعِيرُ الْكَادِحَاتِ أَدْنَى اِهْتِمَامٍ.
أَخَذَتْنِي الدُّنْيَا وَهُمُومُهَا وَمَطَامِعُهَا وَمَلَذَّاتُهَا، وَلَمْ أُفَكِّرْ أَبَدًا أَنِّي بَعْدَ بِضْعَةِ سَنَوَاتٍ سَأُحَاسَبُ عَلَى عُمْرِي الَّذِي أَهْدَرْتُهُ.
كُنْتُ كَكُلِّ النَّاسِ أَرَى الْمَوْتَ بَعِيدًا… كُنْتُ أَرَاهُ بَعْدَ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ سَنَةٍ، وَأُمَنِّي نَفْسِي بِأَنَّهُ بَعِيدٌ… بَعِيدٌ إِلَى دَرَجَةِ أَنَّنِي قَدْ نَسِيتُ نَفْسِي فِي طَيَّاتِ السِّنِينَ.
كُنْتُ أُمَنِّي نَفْسِي كَكُلِّ الْخَلْقِ بِأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَأَنَّهُ لَنْ يَرْضَى بِعَذَابِي، نَسِيتُ بِأَنِّي أَنَا هِيَ الَّتِي تُعَذِّبُ نَفْسَهَا نَسِيتُ أَنَّنِي أَنَا الَّتِي تُسَطِّرُ كِتَابَهَا، أَنَا مَنْ تُقَرِّرُ مَصِيرَهَا، جَنَّةٌ أَوْ نَارٌ، خُلُودٌ أَمْ ضَيَاعٌ.
أَخَذَتْنِي الدُّنْيَا، وَلَكِنْ ظَلَّ لِي خَيْطٌ رَفِيعٌ مَعَ اللَّهِ، وَهُوَ صِدْقُ الْبَحْثِ عَنْهُ.
تَوَاتَرَتِ الْأَيَّامُ، وَرَتَّبَ اللَّهُ لِيَ الْأَحْدَاثَ وَقَادَنِي أَوْ رُبَّمَا اِقْتَادَنِي إِلَيْهِ، سَخَّرَ لِي مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَرَاحَةِ الطَّاعَةِ وَلَذَّةِ الشَّوْقِ.
بَدَأَتْ رِحْلَتِي عِنْدَمَا سَمِعْتُ بِخَبَرِ إِسْلَامِ بَعْضِ أَقْرَبِ أَصْدِقَائِي الْوَاحِدَةِ تِلْوَ الْأُخْرَى عَلَى يَدِ أَحَدِ الْأَشْخَاصِ، أَرَدْتُ الِانْتِقَامَ، وَإِثْبَاتَ أَنَّهُنَّ فِي الطَّرِيقِ الْخَطَأِ.
بِاخْتِصَارٍ دَخَلْتُ فِي مُنَاظَرَةٍ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ، كَانَ اِسْمُهُ مُحَمَّدَ شِبيطَةَ فِي مَجْمُوعَةِ الْحِوَارِ الْأَيْدِيُولُوجِي الَّتِي أَتَمَنَّى مِنْ كُلِّ قَلْبِي أَنْ يَبْحَثَ كُلُّ مُرِيدٍ لِلْحَقِّ بِصِدْقٍ فِيهَا عَنِ الْحَقِيقَةِ
بَعْدَ شَدٍّ وَجَذْبٍ لَا دَاعِيَ لِلْخَوْضِ فِي تَفَاصِيلِهِ، أَسْلَمَ قَلْبِي وَاكْتَشَفْتُ كَمْ كُنْتُ حَمْقَاءَ يَا إِلَهِي كَمْ كُنْتُ غَبِيَّةً.
اِكْتَشَفْتُ الْحَقِيقَةَ وَتَدَاعَتْ شُبُهَاتِي كَحَائِطٍ حَجَرِيٍّ خَرَّتْ أَرْكَانُهُ وَتَطَايَرَتْ صُخُورُهُ الْوَاحِدَةُ تِلْوَ الْأُخْرَى كَأَنَّهُ كَانَ يَنْتَزِعُ الشَّوْكَ مِنْ قَلْبِي اِنْتِزَاعًا… الشَّوْكَةُ تِلْوَ الْأُخْرَى بِمَهَارَةٍ وَلِينٍ.
طَرَحْتُ عَنِّي الْكِبْرَ وَالْعِنَادَ، وَاسْتَسْلَمْتُ لِلْحَقِيقَةِ وَانْقَدْتُ إِلَيْهَا.
كَمْ كَانَ رَحِيمًا رَبِّي إِذْ هَدَانِي وَأَهْدَانِي الْفُرْصَةَ تِلْوَ الْأُخْرَى كَيْ أُقْبِلَ عَلَيْهِ.
كَمْ كَانَ مُضْحِكًا قَدَرِي إِذْ لَمْ أَعْلَمْ أَنِّي رَاحِلَةٌ بَعْدَ بِضْعَةِ أَشْهُرٍ، كَأَنَّهَا كَانَتِ الرِّحْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَرَغْمَ تَأَخُّرِي… أَدْرَكْتُهَا.
كَأَنَّهَا الْقَشَّةُ الْأَخِيرَةُ وَرَغْمَ هَشَاشَتِهَا… تَشَبَّثْتُ
نَعَمْ تَشَبَّثْتُ بِقَشَّةٍ رُبَّمَا تَكُونُ هِيَ مَنْ أَنْقَذَتْنِي
لَا أَعْلَمَ أَأَشْكُرُكَ أَمْ أَشْكُرُ اللَّهَ عَلَيْكَ، وَلَشُكْرُ اللَّهِ أَفْضَلُ.
وَإِنْ كُنْتُ فِي قَبْرِي سَأَدْعُو اللَّهَ لَكَ بِالْمَغْفِرَةِ وَحُسْنِ الدَّارَيْنِ عَلَى حِلْمِكَ وَعِلْمِكَ وَحُسْنِ أَدَبِكَ سَيِّدِي
تَلَقَّيْتُ الرِّسَالَةَ وَكُلِّي عَزْمٌ عَلَى تَعْوِيضِ مَا فَاتَنِي، غَيَّرْتُ مُحِيطِي، وَاسْتَبْدَلْتُ اِهْتِمَامَاتِي بِأُخْرَى كُنْتُ أَسْتَعْدِيهَا فِيمَا مَضَى.
تَغَيَّرَتْ حَيَاتِي تَمَامًا، وَانْزَاحَ عَنِّي الْأَلَمُ وَالْحَيْرَةُ، بَدَأَ اللِّينُ يَسْرِي إِلَى قَلْبِي الْمُتَحَجِّرِ.
بَدَأَ النُّورُ يُضِيءُ غُرَفَهُ الْمُظْلِمَةَ، وَالْقُرْآنُ يَسْقِي صَحَارِيَهُ الْقَاحِلَةَ، لَقَدْ أَيْنَعَتُ وَأَزْهَرَتْ بَعْدَ سِنِينَ عِجَافٍ… بَعْدَ سِنِينَ الضَّيَاعِ وَالِاضْطِرَابِ النَّفْسِيِّ.
لَقَدْ آمَنْتُ بِالْخَالِقِ وَأَمِنْتُ.
بَدَأْتُ أَقْرَأُ بِنَهَمٍ مِنْ كُلِّ الْمَذَاهِبِ وَالْفِرَقِ، أَقْرَأُ الْأَقْوَالَ وَالْآرَاءَ عَلَى اِخْتِلَافِهَا، لَمْ أُرِدْ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ فَقَطْ، أَرَدْتُ أَنْ أَكُونَ دَاعِيَةً إِلَيْهِ، أَرَدْتُ أَنْ أَكُونَ مِذْيَاعَ الْخَيْرِ كَمَا كُنْتُ بُوقًا لِلْبَاطِلِ.
كُلُّ مُتَعِ الدُّنْيَا الَّتِي لَاقَيْتُهَا فِي الْمَاضِي لَمْ تَكُنْ كَلَذَّةِ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، لَذَّةٍ أَغْنَتْنِي عَنِ الدُّنْيَا، يَا إِلَهِي مَا أَحْلَى الشَّكْوَى لَهُ، وَمَا أَرْقَى التَّذَلُّلَ عَلَى أَعْتَابِهِ.
شَعَرْتُ بِمَحَبَّةٍ تُحِيطُنِي وَتَحْتَوِينِي.
فَجْأَةً …
أَنَا مُصَابَةٌ بِالسَّرَطَانِ
خَبَرٌ صَادِمٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّ عِنْدَ سَمَاعِي الْخَبَرَ أَوَّلُ مَا جَالَ بِخَاطِرِي كَانَ ” يَا إِلَهِي لَقَدْ كُنْتُ مُصَابَةً بِالسَّرَطَانِ وَأَنَا عَلَى الْكُفْرِ، وَلَمْ أَعْلَمْ وَأَسْلَمْتُ وَلَمْ أَعْلَمْ، مَاذَا لَوْ مُتُّ عَلَى الْكُفْرِ”
فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ حَمِدْتُ رَبِّي عَلَى أَكْبَرِ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ بِهَا عَلَيَّ وَهِيَ الْإِسْلَامُ.
كَمْ كَانَ رَحِيمًا رَبِّي إِذْ هَدَانِي قَبْلَ قَبْضِي.
قِصَّتِي (الْجُزْءُ الثَّانِي)
كُنْتُ قَدْ وَرِثْتُ شَخْصِيَّةً قَوِيَّةً لَا تُهْزَمُ، وَإِرَادَةً لَا تُكْسَرُ.
قَرَّرْتُ الْمُوَاجَهَةَ عِوَضَ الِاخْتِبَاءِ، قَدْ أَكُونُ تَأَخَّرْتُ كَثِيرًا، وَالْمَرَضُ قَدِ اِسْتَشْرَى لَكِنَّنِي سَأَسْتَجْمِعُ قُوَايَ وَأُقَاوِمُ.
حَاوَلْتُ أَنْ أَحْتَكَّ بِبَعْضِ الْمُصَابِينَ وَالتَّعَرُّفِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَمَطِ عَيْشِهِمْ عَلَّنِي أَتَأَقْلَمُ مَعَ عَالَمِي الْجَدِيدِ.
كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حِكَايَةٌ وَوَجَعٌ، عَالَمُ الدُّمُوعِ وَالْآهَاتِ اِسْتَنْزَفَ مَا تَبَقَّى لِي مِنْ طَاقَةٍ،
قَرَّرْتُ تَكْرِيسَ وَقْتِي لِمُسَاعَدَةِ الْأَطْفَالِ الْمُصَابِينَ.
كُنْتُ أُخْفِي وَجَعِي وَدَمْعَتِي وَأَمْسَحُ دُمُوعَهُمْ وَأَعِدُهُمْ بِغَدٍ أَفْضَلَ.
أَنْسَانِي اللَّهُ أَوْجَاعِي أَمَامَ أَوْجَاعِهِمْ، أَقْسَمْتُ لَهُمْ أَنَّنَا أَقْوَى وَأَنَّنَا سَنَنْجُو.
كَانْت مَلَاكٌ إِحْدَى الْمُصَابَاتِ الْأَقْرَبَ إِلَى قَلْبِي بِكَفَّيْهَا الرَّقِيقَيْنِ، وَخُدُودِهَا الْمُزْهِرَةِ وَضِحْكَتِهَا اللَّامِعَةِ كَانَتْ تُقَاوِمُ بِكُلِّ مَا آتَاهَا اللَّهُ مِنْ قُوَّةٍ، فِي أَحَدِ الْأَيَّامَ كَانَتْ تَتَوَجَّعُ فَأَمْسَكْتُ يَدَهَا وَضَمَمْتُهَا إِلَى خَدِّي، وَضَمَّدْتُ خَدَّهَا بِيَدِي الْأُخْرَى، وَعَدْتُهَا بِحَيَاةٍ وَرْدِيَّةٍ تَنْتَظِرُهَا، أَخْبَرْتُهَا بِأَنَّ صَفَّهَا فِي اِنْتِظَارِهَا، وَأَنَّ أَصْدِقَاءَهَا فِي الْخَارِجِ يَنْتَظِرُونَ عَوْدَتَهَا،
نَامَتْ عَزِيزَتِي وَهِيَ تُتَمْتِمُ بِالْفَاتِحَةِ بِتَلَعْثُمٍ؛ لِتُرِيَنِي أَنَّهَا تَحْفَظُهَا نَامَتْ وَهِيَ تُمْسِكُ يَدِي.
مِنَ الْغَدِ ذَهَبْتُ إِلَى الْمُسْتَشْفَى وَعَلَى غَيْرِ الْعَادَةِ كُنْتُ مُتَرَدِّدَةً، كَانَ قَلْبِي يَرْجُفُ دَخَلْتُ الْمَشْفَى وَالظَّلَامُ يُخَيِّمُ عَلَى الْمَكَانِ كَأَنَّ الْحُزْنَ حَطَّ رِحَالَهُ فَوْقَ الْمَبْنَى، دَخَلْتُ الْغُرْفَةَ فَوَجَدْتُ سَرِيرَهَا مُرَتَّبًا وَلَا أَحَدَ عَلَيْهِ.
مَاذَا حَدَثَ؟ أَيْنَ ذَهَبَتْ؟ رَبَّاهُ أَيْنَ مَلَاكٌ؟
رَحَلَتْ إِلَى خَالِقهَا، قَالَتْ إِحْدَى الْمُمَرِّضَاتِ.
رَبَّاهُ قَدْ أَخْلَفْتُ وَعْدِي لَهَا، لَكِنَّكَ لَنْ تُخْلِفَ وَعْدَكَ إِيَّاهَا بِالْجَنَّةِ.
فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ وَبَعْدَ رَحِيلِ صَغِيرَتِي اِنْهَارَتْ قُوَايَ تَمَامًا.
هَلْ سَأُهْزَمُ؟ لَا لَكِنِّي تَقَبَّلْتُ فِكْرَةَ النِّهَايَةِ، وَأَدْرَكْتُ أَنَّ الرَّحِيلَ قَدِ اِقْتَرَبَ لَا مَفَرَّ مِنَ الْمَوْتِ.
هَلْ سَأَحْزَنُ؟ لَا أَبَدًا… سَأَرْحَلُ إِلَى مَنْ تَسَمَّى بِالرَّحْمَةِ، لِمَنْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَدْلَ،
سَأَرْحَلُ إِلَى اللَّهِ.
لَيْسَتْ هَزِيمَةً وَلَا اِسْتِسْلَامًا، وَإِنَّمَا رِضًا بِمَا قَدَّرَ اللَّهُ.
عِنْدَمَا تُفَكِّرُ بِأَنَّ لِقَاءَكَ بِمَعْبُودِكَ قَدِ اِقْتَرَبَ سَيَغْمُرُكَ الشَّوْقُ، وَيَأْخُذُكَ إِلَى مُسْتَوَيَاتٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الْمَحَبَّةِ لَا مِنَ الْقُنُوطِ.
مَحَبَّةٌ تُرِيحُكَ مِنْ أَعْبَاءِ الْخَوْفِ مِنَ الْفَنَاءِ.
يَقِينُكَ بِحَيَاةٍ جَدِيدَةٍ أَفْضَلَ مَنْ سَابِقَتِهَا سَيَجْعَلُ مِنْ أَلَمِكَ لَذَّةً، وَمِنْ صَبْرِكَ مُتْعَةً تُعَبِّدُ طَرِيقَكَ إِلَى هَذَا الْعَالَمِ الْجَدِيدِ.
سَيَفْتَحُ اللَّهُ بَصِيرَتَكَ وَتَتَوَالَى عَلَيْكَ الْإِشَارَاتُ وَالْبَرَاهِينُ الْأَمْرُ الَّذِي قَدْ يَسْتَهْجِنُهُ الْبَعْضُ، لَكِنْ سَتَنَالُ الْبُشْرَى كَمَا يَنَالُهَا الطَّالِبُ مِنْ نَظَرَاتِ مُعَلِّمِهِ.
هَذَا الْمَرَضُ الَّذِي أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهِ عَلَّمَنِي أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْبَلَاءِ لَيْسَ مُرًّا، وَأَنَّ الْمُرَّ هُوَ الْعَيْشُ بِغَيْرِ بَلَاءٍ.
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الْحَمْدَ لَيْسَ مُجَرَّدَ حُرُوفٍ نَتَلَفَّظُ بِهَا، وَإِنَّمَا اِعْتِقَادٌ جَازِمٌ بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَثَنَاءٌ عَلَى حِكْمَتِهِ وَإِرَادَتِهِ الْكَامِلَةِ.
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الْحَيَاةَ مُجَرَّدُ لَحَظَاتٍ عَابِرَةٍ، وَأَنَّ الصِّحَّةَ نِعْمَةٌ مَنْسِيَّةٌ، وَأَنَّ الْوَقْتَ فُرْصَةٌ ضَائِعَةٌ سَنَتَمَنَّى أَلْفَ مَرَّةٍ لَوْ تَعُودُ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً كَيْ نَصْرِفَهَا فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ.
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الرُّوحَ وَالنَّفْسَ عَدُوَّانِ مُتَضَادَّانِ، كُلَّمَا قَوِيَتْ إِحْدَاهُمَا ضَعُفَتِ الْأُخْرَى، إِحْدَاهُمَا تَتَغَذَّى عَلَى وَجَعِ الْأُخْرَى.
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الرُّوحَ تَجِفُّ وَتَعْطَشُ وَتَذْبُلُ وَأَنَّ مَاءَهَا هُوَ الذِّكْرُ، وَتُرْبَتَهَا الِاسْتِغْفَارُ، وَزُهُورَهَا الطَّاعَةُ، وَثِمَارَهَا الْإِيمَانُ.
كُلَّمَا سَقَيْتَهَا اِحْلَوَّتْ عَلَيْكَ ثِمَارُهَا، وَلَانَتْ لَكَ أَغْصَانُهَا، وَدَنَتْ مِنْكَ أَطْرَافُهَا.
لَمْ يَكُنِ الرَّحِيلُ يُرْعِبُنِي، بَلْ كَانَ كُلُّ مَا يُرْعِبُنِي هُوَ لِقَاءُ اللَّهِ بِصُحُفٍ خَالِيَةٍ مِنَ الطَّاعَاتِ بِصَحِيفَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ رَمَضَانَ خُصُوصًا.
رَمَضَانُ الَّذِي لَطَالَمَا أَرَّقَنِي غِيَابُهُ.
كُنْتُ أَدْعُو اللَّهَ فَقَطْ أَنْ يُبَلِّغَنِي رَمَضَانَ وَيَكْتُبَنِي مِنَ الصَّائِمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَدِ اِسْتَجَابَ
لَيْسَ كَمَا يَظُنُّ الْبَعْضُ لَمْ أَسْتَسْلِمْ وَلَمْ أَحْزَنْ.
هَذَا الْمَرَضُ نِعْمَةٌ مَا بَعْدَهَا نِعْمَةٌ، أَحْمَدُ اللَّهَ أَنْ هَيَّأَنِي بِهِ، وَخَتَمَ لِي بِالصَّالِحَاتِ، وَأَشْكُرُهُ أَنْ عَافَانِي مِنْ مَوْتِ الْفَجْأَةِ.
آهْ يَا وَجَعِي اللَّذِيذُ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً لَاخْتَرْتُكَ
أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ
سيرين زروق
( لا تنسوها من دعائكم)
تعليق