يعد مصطلح (وحدة الوجود) من المصطلحات الخطيرة؛ لأثره ومكانته من التوحيد الحقيقي، وهو مفهوم شائك بحيث يصعب على المرء الخوض فيه؛ وذلك لأن المفهوم المادي له يختلف عن المفهوم الروحي له، ويتفقان في محو المسافة وإعفاء الفروق بين المحدِّث والحوادث وذلك بجعل الخالق والمخلوقات وحدة مادية.
أولًا: المفهوم الفلسفي لوحدة الوجود: المقصود بهذا المصطلح في الفلسفة أن الوجود كله جوهر واحد، واعتقاد الاتحاد بين الخالق ومخلوقاته. والسبب في هذا الانحراف لدى الفلاسفة أنهم لم يتمكنوا من استيعاب مفهوم الربوبية وتوحيدها في أعظم مراتبها، وعدم إدراكهم بعقولهم وبصيرتهم القلبية أنه سبحانه بأحديته مالك بالذات لزمام كل شيء في قبضة ربوبيته، وأن كل شيء يخلق بقدرته واختياره وإرادته سبحانه. فلما أخفقوا في استيعاب ذلك اضطروا إلى القول: "كل شيء هو تعالى"، أو: "لا شيء موجود"، أو "أن الوجود خيال" ويعود منشأ ذلك إلى عدم تمكنهم الإحاطة بحقائق الإيمان، وذلك بفقدانهم أقساماً منها مع عدم انكشاف العقل انكشافاً تاماً من حيث الإيمان
ثانيًا: المفهوم الصوفي لوحدة الوجود: هو الاستغراق في التأمل والتفكر في (واجب الوجود)، وقصر النظر عليه وحصر الحب له، والتفريط في عشقه إلى درجة جعل الخالق والمخلوقات جوهراً واحداً، وإنكار وجودين منفصلين متمايزين أحدهما خالق للثاني ومحدث له ومؤثر فيه. ويعود سبب اعتقادهم بوحدة والوجود:" إن صفة العشق لا تريد الفراق أصلاً، وتفر منه بشدة، .... ويحب الوصال حبه لروحه ونفسه، ويرغب بشوق لاحد له -كشوقه للجنة -للقرب الإلهي؛ لذا يرى أن التشبث بتجلي الأقربية الإلهية في كل شيء، يجعل الفراق والتنائي كأنهما معدومان، فيظن اللقاء والوصال دائمين بقوله: لا موجود إلا هو. ولأنهم يتصورون بسكر العشق وبمقتضى شوق البقاء واللقاء والوصال أن في وحدة الوجود مشرباً حالياً في منتهى الذوق؛ لذا يجدون ملجأهم في مسألة وحدة الوجود لأجل التخلص من فراقات رهيبة" (اللمعات للنورسي:56).
ومع أن المفهوم الصوفي للمصطلح أقل انحرافاً من مفهوم الفلاسفة له، إلا أنه يعد مسلكاً منحرفاً عن التوحيد الحقيقي، ومشرباً لأهل السكر والإفراط في الشوق والعشق، أن القول بوحدة الوجود لا يليق بوجود الواحد الأحد المنزه عن التغيير والتبدل والتجزؤ، محذرًا بأن ذلك انحراف وضلال واستدراج من الإيمان بالوحدانية إلى الإيمان بالوجودية وله أضرار كثيرة، منها: أن المصطلح إذا دخل فكر العوام وصل بهم إلى إنكار ذات الألوهية. وأن الاعتقاد بهذا المشرب ينفى ما سوى الله ومن ثم فلا يرى وجودًا مستقلاً للمخلوقات جميعها.
أرى أن المذهب الفلسفي هو مذهب مادي لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، إذ يوحِّد في الطبيعة بين الخالق والوجود المخلوق. وأن المذهب الصوفي هو مسلك روحي مبني على الاستغراق في العشق والذوق، وإهمال النقل الصحيح، والعقل السليم في الوصول إلى حقائق الإيمان بالوحدانية. ومن هنا يتجلى بوضوح أن المذهبين يختلفان من أوجه ويتفقان في وجه واحد، فهما يختلفان في عدة أمور منها: أن المسلك الفلسفي مبني على العقل في حين أن المسلك الصوفي مبني على الذوق، وأن الفلاسفة يحصرون نظرهم في المخلوقات، بينما المتصوفة يحصرونه في الخالق، وأن انحراف الفلاسفة ناتج عن عبادة المادة والطبيعة في حين أن مجانبة الصوفية للحق ناتج عن الغلو في عشق الخالق.
ويتفقان في وجه: وهو أن كليهما ينكران ويمحوان المسافة التي تفصل المحدث عن الحوادث، ويتحدان بين الخالق والمخلوقات ويساويان بينهما بحيث يصبح العالم موحداً مادياً. وبهذا يمكن القول بأن (وحدة الوجود) انحراف عن النقل والعقل، ومضاد للتوحيد الحقيقي المبني على الإيمان بالرب والإله الواحد الكامل المستحق للعبودية المنزَّه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.
د. آماد كاظم
أولًا: المفهوم الفلسفي لوحدة الوجود: المقصود بهذا المصطلح في الفلسفة أن الوجود كله جوهر واحد، واعتقاد الاتحاد بين الخالق ومخلوقاته. والسبب في هذا الانحراف لدى الفلاسفة أنهم لم يتمكنوا من استيعاب مفهوم الربوبية وتوحيدها في أعظم مراتبها، وعدم إدراكهم بعقولهم وبصيرتهم القلبية أنه سبحانه بأحديته مالك بالذات لزمام كل شيء في قبضة ربوبيته، وأن كل شيء يخلق بقدرته واختياره وإرادته سبحانه. فلما أخفقوا في استيعاب ذلك اضطروا إلى القول: "كل شيء هو تعالى"، أو: "لا شيء موجود"، أو "أن الوجود خيال" ويعود منشأ ذلك إلى عدم تمكنهم الإحاطة بحقائق الإيمان، وذلك بفقدانهم أقساماً منها مع عدم انكشاف العقل انكشافاً تاماً من حيث الإيمان
ثانيًا: المفهوم الصوفي لوحدة الوجود: هو الاستغراق في التأمل والتفكر في (واجب الوجود)، وقصر النظر عليه وحصر الحب له، والتفريط في عشقه إلى درجة جعل الخالق والمخلوقات جوهراً واحداً، وإنكار وجودين منفصلين متمايزين أحدهما خالق للثاني ومحدث له ومؤثر فيه. ويعود سبب اعتقادهم بوحدة والوجود:" إن صفة العشق لا تريد الفراق أصلاً، وتفر منه بشدة، .... ويحب الوصال حبه لروحه ونفسه، ويرغب بشوق لاحد له -كشوقه للجنة -للقرب الإلهي؛ لذا يرى أن التشبث بتجلي الأقربية الإلهية في كل شيء، يجعل الفراق والتنائي كأنهما معدومان، فيظن اللقاء والوصال دائمين بقوله: لا موجود إلا هو. ولأنهم يتصورون بسكر العشق وبمقتضى شوق البقاء واللقاء والوصال أن في وحدة الوجود مشرباً حالياً في منتهى الذوق؛ لذا يجدون ملجأهم في مسألة وحدة الوجود لأجل التخلص من فراقات رهيبة" (اللمعات للنورسي:56).
ومع أن المفهوم الصوفي للمصطلح أقل انحرافاً من مفهوم الفلاسفة له، إلا أنه يعد مسلكاً منحرفاً عن التوحيد الحقيقي، ومشرباً لأهل السكر والإفراط في الشوق والعشق، أن القول بوحدة الوجود لا يليق بوجود الواحد الأحد المنزه عن التغيير والتبدل والتجزؤ، محذرًا بأن ذلك انحراف وضلال واستدراج من الإيمان بالوحدانية إلى الإيمان بالوجودية وله أضرار كثيرة، منها: أن المصطلح إذا دخل فكر العوام وصل بهم إلى إنكار ذات الألوهية. وأن الاعتقاد بهذا المشرب ينفى ما سوى الله ومن ثم فلا يرى وجودًا مستقلاً للمخلوقات جميعها.
أرى أن المذهب الفلسفي هو مذهب مادي لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، إذ يوحِّد في الطبيعة بين الخالق والوجود المخلوق. وأن المذهب الصوفي هو مسلك روحي مبني على الاستغراق في العشق والذوق، وإهمال النقل الصحيح، والعقل السليم في الوصول إلى حقائق الإيمان بالوحدانية. ومن هنا يتجلى بوضوح أن المذهبين يختلفان من أوجه ويتفقان في وجه واحد، فهما يختلفان في عدة أمور منها: أن المسلك الفلسفي مبني على العقل في حين أن المسلك الصوفي مبني على الذوق، وأن الفلاسفة يحصرون نظرهم في المخلوقات، بينما المتصوفة يحصرونه في الخالق، وأن انحراف الفلاسفة ناتج عن عبادة المادة والطبيعة في حين أن مجانبة الصوفية للحق ناتج عن الغلو في عشق الخالق.
ويتفقان في وجه: وهو أن كليهما ينكران ويمحوان المسافة التي تفصل المحدث عن الحوادث، ويتحدان بين الخالق والمخلوقات ويساويان بينهما بحيث يصبح العالم موحداً مادياً. وبهذا يمكن القول بأن (وحدة الوجود) انحراف عن النقل والعقل، ومضاد للتوحيد الحقيقي المبني على الإيمان بالرب والإله الواحد الكامل المستحق للعبودية المنزَّه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.
د. آماد كاظم
تعليق