( المرأة في الأسلام )
* النصوص :
قال الله تعالى : " هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها". (الأعراف :١٨٩).
و قال عز و جل : " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون". (النحل :٩٧).
و قال سبحانه : " إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما ". (الأحزاب :٣٤).
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" استوصوا بالنساء خيرا ". (رواه البخاري و مسلم).
و قال نبي الله عليه الصلاة و السلام :" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، و خياركم خياركم لنسائهم ". (رواه الترمذي و غيره).
و قال النبي عليه السلام :" إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا و ألطفهم بأهله". (رواه الترمذي و الحاكم).
* القاموس اللغوي و الإصطلاحي :
- ليسكن إليها : ليرتاح و يطمئن إليها.
- و القانتات : من لزمن طاعة ربهن و خضعن له.
- الخاشعات : المتدللات المتضرعات.
* وضعية المرأة قبل الإسلام :
كانت الأديان و الحضارات القديمة تهمل شأن المرأة أو تجعلها في مركز منحط، فاليونان جعلوها من سقط المتاع و عدُّوها شيئا تافها لا يؤبه له بل سموها رجسا من عمل الشيطان، و كانوا يبيعونها كما تُباع السائمة.
و لم تكن المرأة الرومانية بأكثر حظا من أختها اليونانية؛ فقد اعتبروها قاصرة كالطفل و حرَموها من جميع الحقوق و حتى من الضحك و الكلام، بل أن نقاشا حادا جرى بين مفكري الرومان حول المرأة أضفى عليها صفة تبعث على الرثاء؛ و هي أنها حيوان نجس لا روح فيه و لا خلود، و لكن يجب عليها الخدمة و العبادة.
أما الشريعة الهندية فقد اعتبرتها أسوأ من الموت و الجحيم و الأفاعي، في حين أن التوراة- في سفر الجامعة - ترى أن المرأة أمَرُّ من الموت، و أن الصالح أمام الله من ينجو منها.
و قد اعتبرتها فرنسا سنة (586 م) إنسانا خلق لخدمة الرجل و امتد أثر هذه النظرة المزرية إلى القرون الوسطى عندما حرَمتها إنجلترا في القانون الصادر سنة 1650 م من حقوقها الشخصية؛ بما فيها حق المواطنة، و حقوقها المالية؛ و حتى من الأموال التي تكسبها بعرق الجبين.
أما عرب الجاهلية فقد كانت المرأة عندهم مهضومة الحقوق يتصرف فيها المالك كما يشاء، بل كانت تمنع أحيانا حتى من حق الحياة، حيث كانت بعض القبائل العربية تئد البنات فتدفنهن حيات خشية الفقر أو العار، و كان الأب يملك الحق المطلق على ابنته؛ فله أن يكرهها على الزواج أو البغاء، بينما كان للرجل مطلق التصرف؛ يتزوج ما يشاء و يطلق متى أراد من غير حد و لا نظام.
و رغم ما كانت تقوم به المرأة في البادية من أعمال فقد كانوا يرون أن البنين جند القبيلة و حماة حوزتها و عدتها في شن الغارات أو ردها، لذلك كانوا يكرهون أن يُخبر أحدهم بمولود أنثى، و يستحيي أن يظهر أمام الناس كأنه ارتكب جرما، و قد نعى عليهم القرآن ذلك مصورا نفسيتهم أبدع تصوير حيث قال الله عز و جل : " و إذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مُسودا و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون". (النحل :٥٨ - ٥٩).
و كانت المرأة لا ترث شيئا مما تركه الميت مهما كانت منزلتها منه لأن الذي يستحق الإرث - في نظرهم - هو من يحمل السيف و يذود عن الشرف ، بل كانت أحيانا تورَث كما يورث المتاع.
على أننا إذا تجاوزنا الناحية المالية و الحربية نجد أنها كانت محطة عناية و افتخار من جانب الرجل يستهل بالغزل بها قصائده، و يعتز بنسبه إلى أمه كما يعتز بنسبه إلى أبيه، و يترك لها حريتها بل قد يعتمد رأيها في بعض شؤونه الخاصة، و هناك نساء كان لهن مقام عظيم في الجاهلية، و كُن يشاركن الرجال في الحروب و السياسة و التجارة و قول الشعر؛ كالخنساء و خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
* إنسانية المرأة المسلمة :
أنصف الإسلام المرأة و رفع من قدرها و انتشلها من ذلك المحيط القذر الذي فُرض عليها، و حررها من نير الوحشية و الإستبداد، و جعل إنسانيتها مساوية لإنسانية الرجل في الأصل و المنشأ و المصير : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء". (النساء :١).
و فسح الإسلام أمام المرأة مجال العلم و العمل، و جعلها شقيقة الرجل بل نصف دينه ، قال الرسول صلى الله عليه و سلم : " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه؛ فليتق الله في الشطر الثاني ". (الحديث رواه الطبراني في الأوسط، و رواه الحاكم).
و منع الإسلام أن تورث المرأة كرها أو تعضل عن الزواج، كما منع أن تُمس في عرضها أو تُتهم في شرفها؛ فقال تعالى : " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الآخرة ". (النور :١٩). و جعل جزاء القاذف أن يُجلد ثمانين جلدة و ليس ذلك فحسب؛ بل يُعاقب بما هو أنكى و أشد عندما يُحرم من حقه المدني و يُوسم بالفجور، قال تعالى : " و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولائك هم الفاسقون ". (النور:٤). و أوجب أن نحافظ على كرامتها فلا تُلمز أو تُغتاب أو تكون موضع سخرية أو استهزاء : " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم و لا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن و لا تلمزوا أنفسكم و لا تنابزوا بالألقاب ". (الحجرات :١١).
* مسؤولية المرأة المسلمة :
المرأة في نظر الإسلام كائن بشري يتحمل تبعاته، و لذلك جعلها مسؤولة عن نفسها و عن عبادتها و بيتها و جماعتها و كل تصرفاتها المالية و غيرها، و عن أبنائها و معاملتها لزوجها مثلها مثل الرجل سواء بسواء، فإذا أخطأت كان عليها إثم خطئها كما أنها إذا أحسنت فازت بثواب إحسانها، قال تعالى : " و من يعمل من الصالحات من ذكر و أنثى و هو مؤمن فأولائك يدخلون الجنة و لا يُظلمون نقيرا". (النساء :١٢٤).
و قد حملها القرآن مسؤولية الدعوة العامة إلى الخير و إشاعة الفضائل و التحذير من الرذائل، كما حملها المحافظة على عقيدتها و القيام بها : " و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يوتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله، أولائك سيرحمهم الله؛ إن الله عزيز حكيم". (التوبة :٧١).
و لرأي المرأة حظه من التقديس لا سيما فيما يمس مصلحتها كامرأة، فخولة بنت ثعلب تجادل الرسول عليه السلام و تطلب منه رأي الإسلام في مسألة الظهار :" قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما؛ إن الله سميع بصير "، و عمر يتنازل عن رأيه - و قد كان يحاول أن يجعل حدّا لمهر المرأة لا تتعداه - عندما احتجت عليه امرأة بقوله تعالى : " و آتيتم إحداهن قنطارا". (النساء :٢٠).
و المرأة تتحمل كذلك مسؤوليتها السياسية، فلها أن تكون ناخبة أو مُنتخَبة شريطة ألا يؤدي إلى الإخلال بما هي مطالبة به شرعا، و أن تنقد و توجه؛ و تقترح و تشارك بالرأي. و قد أسهمت المرأة المسلمة بنصيبها كاملا في هذا الشأن؛ فبايعت الرسول عليه السلام و التزمت بنصرة الإسلام، و تعاهدت على العمل بتعاليمه و هاجرت من أجله، و شاركت الرجل في الجهاد؛ تُمرض الجرحى و تسعفهم و تعمل على خدمة المقاتلين، روى مسلم عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت : " غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع غزوات أخلُفهم في رِحالهم فأصنع لهم الطعام و أُداوي الجرحى و أقوم على المرضى" ، بل إن الإسلام فرض عليها أن تحمل السلاح لتدافع عن نفسها وقت الضرورة، أو عندما يكون النفير عاما.
* مكانة المرأة في الإسلام :
احتلت المرأة في النظام الإسلامي مكانة لم تحظ بمثلها في تشريع سماوي أو وضعي، فقد رفع من مقامها، و وهبها الحرية التي تضمن لها الشرف و الكرامة و تحميها من كل اعتداء أو ابتذال، و بالغ في رعايتها و العطف عليها منذ الولادة إلى أن تودع هذه الحياة.
و إذا كان عرب الجاهلية يتشاءمون بالبنت ساعة تولد و يستقبلونها بالنفور و الحيرة و الإشمئزاز؛ فإن الرسول عليه السلام جعل ولادة الأنثى بُشرا حيث قال : " من علامة يُمن المرأة تبكيرها ببنت".
و تدرج البنت في حجر والدها، و يُحرم عليه الإسلام أن يفرق بين أبنائه حتى في القُبَل، و يحثه في رفق و إغراء ألا تختلف نظرته إليها عن نظرته إلى الذكر من أولاده، روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :" من كانت له أنثى فلم يئدها و لم يُهنها و لم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة".
فإذا وصلت السن الذي يسمح لها بالتعليم أصبح من حقها أن تتعلم ما يصلح به دينها و دنياها، ثم تكبر البنت فيعطيها الإسلام الحق في اختيار الزوج و إبداء الرأي فيه، و يمنع أن تُجبَر على الزواج بمن لا تريد، و هذا ما يعمل به القانون المغربي في مدونة الأسرة، الفصل ١١، و البند ٤. قال عليه السلام : " لا تُنكح الأيِّم حتى تُستأمر و لا تُنكح البكر حتى تُستأذن"، قالوا : يا رسول الله! و كيف إذنها؟ قال : " أن تسكت". (أخرجه البخاري و مسلم). و حديث عائشة رضي الله عنها فيما رواه النسائي : " إن فتاة دخلت عليها فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخيه يرفع به خسيسته و أنا كارهة، فقالت : اجلسي حتى يأتي رسول الله فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت : يا رسول الله قد أجزتُ ما صنع أبي و لكني أردت أن أُعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء ".
كما أوجب الإسلام للمرأة التقدير و الإحترام و مراعاة الدور الذي تقوم به، و هي زوجة لها ما لزوجها من حقوق و عليها من الواجبات ما عليه، ثم و هي أم إذ :" الجنة تحت أقدام الأمهات "، و جعل لها حق الأسبقية في البرور لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه : أن جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله! من أحق الناس بصحابتي؟ قال :أمك، قال : ثم من؟ قال :أمك، قال ثم من؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال أبوك. حتى إذا بلغت السن يقعد بها عن العمل وجب أن يُضاعف لها التقديس بما بذلت من جهود، كما جعل للأم نصيبا من الميراث.
و الإسلام أعطى للمرأة الحق في حضانة أبنائها حين تفترق عن زوجها ثم لأمها قبل أن يجعلها للرجل أو للنساء من أهله، ما دامت المرأة الحاضن متوفرة على الشروط التي تسمح لها بالقيام بهذا الدور التربوي الخطير.
و يمكن للمرأة أن تشترط في صلب العقد أن لا يتزوج عليها؛ فإذا لم يف الزوج بما التزم به ساغ لها أن تطلب فسخ النكاح، كما أن لها أن تطلب في عقد النكاح أن يكون أمرها بيدها تطلق نفسها متى شاءت.
و قد جعل لها كذلك الحق في الطلاق إذا لم يقم الزوج بواجباته الزوجية أو أضر بها، أو كان به عيب مستحكم لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن يزيد على سنة و لا يمكنها المقام معه إلا بضرر، و قد نصت على ذلك كذلك مدونة الأسرة المغربية في الفصل ٥٤.
و تحتفظ المرأة المسلمة عندما تتزوج باسمها و باسم أسرتها و لا تذيبهما في اسم الزوج و أسرته تدعيما لشخصيتهما و كيانها المستقل.
و للمرأة الأهلية الكاملة في تملُّك الحقوق المالية و التصرف فيها بجميع أنواع التصرفات المشروعة بالبيع و الشراء أو الهبة أو الوصية أو الإعارة أو التأجير أو الكفالة أو الوكالة أو غير ذلك من عقود الإلتزامات و المعاوضات و التبرعات، فقد قال الله تعالى : " للرجال نصيب مما اكتسبوا، و للنساء نصيب مما اكتسبن". (النساء :٣٢). و لا يحق لأي كان أن يعترض تصرفاتها؛ و حتى الزوج لا يحق له أن يمنعها من التصرف في مالها أو يسترد منها ما أعطاها إلا عن طيب نفس منها.
ترقبوا الجزء الثاني...
تصميم : محمد أبومجاهد السوسي
* النصوص :
قال الله تعالى : " هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها". (الأعراف :١٨٩).
و قال عز و جل : " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون". (النحل :٩٧).
و قال سبحانه : " إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما ". (الأحزاب :٣٤).
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" استوصوا بالنساء خيرا ". (رواه البخاري و مسلم).
و قال نبي الله عليه الصلاة و السلام :" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، و خياركم خياركم لنسائهم ". (رواه الترمذي و غيره).
و قال النبي عليه السلام :" إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا و ألطفهم بأهله". (رواه الترمذي و الحاكم).
* القاموس اللغوي و الإصطلاحي :
- ليسكن إليها : ليرتاح و يطمئن إليها.
- و القانتات : من لزمن طاعة ربهن و خضعن له.
- الخاشعات : المتدللات المتضرعات.
* وضعية المرأة قبل الإسلام :
كانت الأديان و الحضارات القديمة تهمل شأن المرأة أو تجعلها في مركز منحط، فاليونان جعلوها من سقط المتاع و عدُّوها شيئا تافها لا يؤبه له بل سموها رجسا من عمل الشيطان، و كانوا يبيعونها كما تُباع السائمة.
و لم تكن المرأة الرومانية بأكثر حظا من أختها اليونانية؛ فقد اعتبروها قاصرة كالطفل و حرَموها من جميع الحقوق و حتى من الضحك و الكلام، بل أن نقاشا حادا جرى بين مفكري الرومان حول المرأة أضفى عليها صفة تبعث على الرثاء؛ و هي أنها حيوان نجس لا روح فيه و لا خلود، و لكن يجب عليها الخدمة و العبادة.
أما الشريعة الهندية فقد اعتبرتها أسوأ من الموت و الجحيم و الأفاعي، في حين أن التوراة- في سفر الجامعة - ترى أن المرأة أمَرُّ من الموت، و أن الصالح أمام الله من ينجو منها.
و قد اعتبرتها فرنسا سنة (586 م) إنسانا خلق لخدمة الرجل و امتد أثر هذه النظرة المزرية إلى القرون الوسطى عندما حرَمتها إنجلترا في القانون الصادر سنة 1650 م من حقوقها الشخصية؛ بما فيها حق المواطنة، و حقوقها المالية؛ و حتى من الأموال التي تكسبها بعرق الجبين.
أما عرب الجاهلية فقد كانت المرأة عندهم مهضومة الحقوق يتصرف فيها المالك كما يشاء، بل كانت تمنع أحيانا حتى من حق الحياة، حيث كانت بعض القبائل العربية تئد البنات فتدفنهن حيات خشية الفقر أو العار، و كان الأب يملك الحق المطلق على ابنته؛ فله أن يكرهها على الزواج أو البغاء، بينما كان للرجل مطلق التصرف؛ يتزوج ما يشاء و يطلق متى أراد من غير حد و لا نظام.
و رغم ما كانت تقوم به المرأة في البادية من أعمال فقد كانوا يرون أن البنين جند القبيلة و حماة حوزتها و عدتها في شن الغارات أو ردها، لذلك كانوا يكرهون أن يُخبر أحدهم بمولود أنثى، و يستحيي أن يظهر أمام الناس كأنه ارتكب جرما، و قد نعى عليهم القرآن ذلك مصورا نفسيتهم أبدع تصوير حيث قال الله عز و جل : " و إذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مُسودا و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون". (النحل :٥٨ - ٥٩).
و كانت المرأة لا ترث شيئا مما تركه الميت مهما كانت منزلتها منه لأن الذي يستحق الإرث - في نظرهم - هو من يحمل السيف و يذود عن الشرف ، بل كانت أحيانا تورَث كما يورث المتاع.
على أننا إذا تجاوزنا الناحية المالية و الحربية نجد أنها كانت محطة عناية و افتخار من جانب الرجل يستهل بالغزل بها قصائده، و يعتز بنسبه إلى أمه كما يعتز بنسبه إلى أبيه، و يترك لها حريتها بل قد يعتمد رأيها في بعض شؤونه الخاصة، و هناك نساء كان لهن مقام عظيم في الجاهلية، و كُن يشاركن الرجال في الحروب و السياسة و التجارة و قول الشعر؛ كالخنساء و خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
* إنسانية المرأة المسلمة :
أنصف الإسلام المرأة و رفع من قدرها و انتشلها من ذلك المحيط القذر الذي فُرض عليها، و حررها من نير الوحشية و الإستبداد، و جعل إنسانيتها مساوية لإنسانية الرجل في الأصل و المنشأ و المصير : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء". (النساء :١).
و فسح الإسلام أمام المرأة مجال العلم و العمل، و جعلها شقيقة الرجل بل نصف دينه ، قال الرسول صلى الله عليه و سلم : " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه؛ فليتق الله في الشطر الثاني ". (الحديث رواه الطبراني في الأوسط، و رواه الحاكم).
و منع الإسلام أن تورث المرأة كرها أو تعضل عن الزواج، كما منع أن تُمس في عرضها أو تُتهم في شرفها؛ فقال تعالى : " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الآخرة ". (النور :١٩). و جعل جزاء القاذف أن يُجلد ثمانين جلدة و ليس ذلك فحسب؛ بل يُعاقب بما هو أنكى و أشد عندما يُحرم من حقه المدني و يُوسم بالفجور، قال تعالى : " و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولائك هم الفاسقون ". (النور:٤). و أوجب أن نحافظ على كرامتها فلا تُلمز أو تُغتاب أو تكون موضع سخرية أو استهزاء : " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم و لا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن و لا تلمزوا أنفسكم و لا تنابزوا بالألقاب ". (الحجرات :١١).
* مسؤولية المرأة المسلمة :
المرأة في نظر الإسلام كائن بشري يتحمل تبعاته، و لذلك جعلها مسؤولة عن نفسها و عن عبادتها و بيتها و جماعتها و كل تصرفاتها المالية و غيرها، و عن أبنائها و معاملتها لزوجها مثلها مثل الرجل سواء بسواء، فإذا أخطأت كان عليها إثم خطئها كما أنها إذا أحسنت فازت بثواب إحسانها، قال تعالى : " و من يعمل من الصالحات من ذكر و أنثى و هو مؤمن فأولائك يدخلون الجنة و لا يُظلمون نقيرا". (النساء :١٢٤).
و قد حملها القرآن مسؤولية الدعوة العامة إلى الخير و إشاعة الفضائل و التحذير من الرذائل، كما حملها المحافظة على عقيدتها و القيام بها : " و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يوتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله، أولائك سيرحمهم الله؛ إن الله عزيز حكيم". (التوبة :٧١).
و لرأي المرأة حظه من التقديس لا سيما فيما يمس مصلحتها كامرأة، فخولة بنت ثعلب تجادل الرسول عليه السلام و تطلب منه رأي الإسلام في مسألة الظهار :" قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما؛ إن الله سميع بصير "، و عمر يتنازل عن رأيه - و قد كان يحاول أن يجعل حدّا لمهر المرأة لا تتعداه - عندما احتجت عليه امرأة بقوله تعالى : " و آتيتم إحداهن قنطارا". (النساء :٢٠).
و المرأة تتحمل كذلك مسؤوليتها السياسية، فلها أن تكون ناخبة أو مُنتخَبة شريطة ألا يؤدي إلى الإخلال بما هي مطالبة به شرعا، و أن تنقد و توجه؛ و تقترح و تشارك بالرأي. و قد أسهمت المرأة المسلمة بنصيبها كاملا في هذا الشأن؛ فبايعت الرسول عليه السلام و التزمت بنصرة الإسلام، و تعاهدت على العمل بتعاليمه و هاجرت من أجله، و شاركت الرجل في الجهاد؛ تُمرض الجرحى و تسعفهم و تعمل على خدمة المقاتلين، روى مسلم عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت : " غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع غزوات أخلُفهم في رِحالهم فأصنع لهم الطعام و أُداوي الجرحى و أقوم على المرضى" ، بل إن الإسلام فرض عليها أن تحمل السلاح لتدافع عن نفسها وقت الضرورة، أو عندما يكون النفير عاما.
* مكانة المرأة في الإسلام :
احتلت المرأة في النظام الإسلامي مكانة لم تحظ بمثلها في تشريع سماوي أو وضعي، فقد رفع من مقامها، و وهبها الحرية التي تضمن لها الشرف و الكرامة و تحميها من كل اعتداء أو ابتذال، و بالغ في رعايتها و العطف عليها منذ الولادة إلى أن تودع هذه الحياة.
و إذا كان عرب الجاهلية يتشاءمون بالبنت ساعة تولد و يستقبلونها بالنفور و الحيرة و الإشمئزاز؛ فإن الرسول عليه السلام جعل ولادة الأنثى بُشرا حيث قال : " من علامة يُمن المرأة تبكيرها ببنت".
و تدرج البنت في حجر والدها، و يُحرم عليه الإسلام أن يفرق بين أبنائه حتى في القُبَل، و يحثه في رفق و إغراء ألا تختلف نظرته إليها عن نظرته إلى الذكر من أولاده، روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :" من كانت له أنثى فلم يئدها و لم يُهنها و لم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة".
فإذا وصلت السن الذي يسمح لها بالتعليم أصبح من حقها أن تتعلم ما يصلح به دينها و دنياها، ثم تكبر البنت فيعطيها الإسلام الحق في اختيار الزوج و إبداء الرأي فيه، و يمنع أن تُجبَر على الزواج بمن لا تريد، و هذا ما يعمل به القانون المغربي في مدونة الأسرة، الفصل ١١، و البند ٤. قال عليه السلام : " لا تُنكح الأيِّم حتى تُستأمر و لا تُنكح البكر حتى تُستأذن"، قالوا : يا رسول الله! و كيف إذنها؟ قال : " أن تسكت". (أخرجه البخاري و مسلم). و حديث عائشة رضي الله عنها فيما رواه النسائي : " إن فتاة دخلت عليها فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخيه يرفع به خسيسته و أنا كارهة، فقالت : اجلسي حتى يأتي رسول الله فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت : يا رسول الله قد أجزتُ ما صنع أبي و لكني أردت أن أُعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء ".
كما أوجب الإسلام للمرأة التقدير و الإحترام و مراعاة الدور الذي تقوم به، و هي زوجة لها ما لزوجها من حقوق و عليها من الواجبات ما عليه، ثم و هي أم إذ :" الجنة تحت أقدام الأمهات "، و جعل لها حق الأسبقية في البرور لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه : أن جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله! من أحق الناس بصحابتي؟ قال :أمك، قال : ثم من؟ قال :أمك، قال ثم من؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال أبوك. حتى إذا بلغت السن يقعد بها عن العمل وجب أن يُضاعف لها التقديس بما بذلت من جهود، كما جعل للأم نصيبا من الميراث.
و الإسلام أعطى للمرأة الحق في حضانة أبنائها حين تفترق عن زوجها ثم لأمها قبل أن يجعلها للرجل أو للنساء من أهله، ما دامت المرأة الحاضن متوفرة على الشروط التي تسمح لها بالقيام بهذا الدور التربوي الخطير.
و يمكن للمرأة أن تشترط في صلب العقد أن لا يتزوج عليها؛ فإذا لم يف الزوج بما التزم به ساغ لها أن تطلب فسخ النكاح، كما أن لها أن تطلب في عقد النكاح أن يكون أمرها بيدها تطلق نفسها متى شاءت.
و قد جعل لها كذلك الحق في الطلاق إذا لم يقم الزوج بواجباته الزوجية أو أضر بها، أو كان به عيب مستحكم لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن يزيد على سنة و لا يمكنها المقام معه إلا بضرر، و قد نصت على ذلك كذلك مدونة الأسرة المغربية في الفصل ٥٤.
و تحتفظ المرأة المسلمة عندما تتزوج باسمها و باسم أسرتها و لا تذيبهما في اسم الزوج و أسرته تدعيما لشخصيتهما و كيانها المستقل.
و للمرأة الأهلية الكاملة في تملُّك الحقوق المالية و التصرف فيها بجميع أنواع التصرفات المشروعة بالبيع و الشراء أو الهبة أو الوصية أو الإعارة أو التأجير أو الكفالة أو الوكالة أو غير ذلك من عقود الإلتزامات و المعاوضات و التبرعات، فقد قال الله تعالى : " للرجال نصيب مما اكتسبوا، و للنساء نصيب مما اكتسبن". (النساء :٣٢). و لا يحق لأي كان أن يعترض تصرفاتها؛ و حتى الزوج لا يحق له أن يمنعها من التصرف في مالها أو يسترد منها ما أعطاها إلا عن طيب نفس منها.
ترقبوا الجزء الثاني...
تصميم : محمد أبومجاهد السوسي
تعليق