قراءة في كتاب نولدكه عن "تاريخ القرآن"
محمد المختار ولد اباه
جامعة شنقيط العصرية
محمد المختار ولد اباه
جامعة شنقيط العصرية
1 نولدكه وكتاب تاريخ القرآن ومؤلفوه:
يعتبر تيودور نولدکه من أعلام المستشرقين البارزين أمثال بروكلمان وفیشر والنمساوي غولدتسهير وقد ملأ نشاطه العلمي النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وعقدا من القرن العشرين، وكتب بحوثا عن الأدب العربي واللغات السامية والأرامية بالخصوص واهتم بالتاريخ الفارسي وجغرافيته، ولكن شهرته تعود إلى كتابه في تاريخ القرآن الذي كتبه حوالي 1859م.
لقد اشترك في انجاز الكتاب جماعة من المستشرقين الألمان، وهم:
تيودور نولدکه: مؤلف أصل الكتاب، وقد طلب من تلميذه وصديقه فريدريش شفالي ( F. Schwally ) مراجعة الطبعة الثانية واطلع على ما تم في الجزء الأول منه، وأقره.
فریدریش شفالي ( F.Schwally) تلميذ نولدكه و الذي قام بتعديل شامل في هذا الكتاب عندما أعيد طبعه سنة 1909، تعديلا لم يترك من النص الأول إلا القليل ولم يستطع نولدکه الإطلاع على ما تم تعديله في الجزء الثاني والثالث.
هاینرش تسيمرن ( H. Tsimren ) وهو الذي أعد طباعة الجزء الثاني بعد وفاة شفالي سنة 1919وذلك بمساعدة أوغست فيشر (fisher)، ويذكر هاينرش أن مخطوط هذا الجزء شمل ضميمة أشار إليها شفالي ولكنه لم يعثر عليها.
غوتهلف برغشترس (Bergstrasser) الذي خلف شفالي أستاذا في كونسبيرغ، وهو الذي قام بتأليف الجزء الثالث من الكتاب، وفقا لرواية تسيمرن، وذلك بمشاركة أنوبرستل.
أنوبرستل الذي شارك غ. برغشترس في إنجاز الجزء الثالث وأكمله سنة 1937 بعد وفاة شريكه "برغشترس"
ونظرا لتعدد المشاركين في إنجاز هذا الكتاب، فإننا في عرض مواضيعه، لا نعزو النولدکه سوى ما كان في الجزء الأول الذي أقر تعديله، أو ما في مناقشته لثلاثة من المستشرقين وهم موير وفايل و شبيرنغر لأن شفالي قال إنه لم يجر عليها أي تعديل.
أما ما يتعلق بالجزأين الثاني والثالث، فقد فضلنا العزو للكتاب دون ذكر أحد المؤلفين الذين شاركوا فيه لأننا لا نعرف بالتحديد إسهام كل واحد منهم.
2 أهمية الكتاب
لقد كان بلاشير يصف نولدکه بأنه شيخ المستشرقين في بحوث مادة القرآن الكريم وقد التقط منهم جمل آرائه التي بسطها في كتابه الذي عنونه بمقدمة حول القرآن، وفي الهوامش التي وضعها في ترجمته المعروفة. وقد اتبع نفس المنهج كتاب الموسوعة الإسلامية في إصدارها الأول والثاني، فأكدوا أنه المرجع الأول في كل ما يكتبونه عن القرآن الكريم. ولقد استند المستشرقون الى كتابات نولدكه في مسألتين اثنتين.
إحداهما: التركيز على أن القرآن الكريم من إنشاء النبي (ص)، نتيجة رفضهم لظاهرة الوحي ولو أن الأدلة العقلية تعوز البرهان على هذا الرفض.
الثانية: محاولة التشكيك في صحة توثيق المصحف العثماني وحشد كل الروايات الشاذة لهذا الرأي. كما أنهم لم يتابعوا نهجه في الإيمان برسالته، وفي التصديق بنبوته.
الثانية: محاولة التشكيك في صحة توثيق المصحف العثماني وحشد كل الروايات الشاذة لهذا الرأي. كما أنهم لم يتابعوا نهجه في الإيمان برسالته، وفي التصديق بنبوته.
3 الجزء الأول: حول أصل القرآن:
أ) رأي نولدكه في نبوءة محمد (ص)
بدأ نولدکه بالحديث عن نبوءة محمد (ص)، فقال: لا بد لنا من الاعتراف بأن محمدا كان بالحقيقة نبيا، إذا فحصنا شخصيته بتجرد وتمعن وفهمنا النبوءة فهما صحيحا. وإذا اعتبرنا المقياس الوحيد للنبوءة أن يأتي النبي بأفكار جديدة لم يسمع بها قط من قبل. وهو يعتقد أن محمدا (ص) لم يقرأ الكتب المقدسة من قبل ولكنه قد سمع ببعض تعاليمها من مصادر شفوية. ويقول إن محمدا حمل طويلا في وحدته ما تسلم من الغرباء وجعله يتفاعل في تفكيره، ثم أعاد في تفكيره، ثم أعاد صياغته بحسب فكره حتى أجبره أخيرا الصوت الداخلي الحازم على أن يبرزه لبني قومه رغم الخطر والسخرية الذين تعرض لهما ليدعوهم إلى الإيمان، ما جعلنا نتعرف فيه على حماس الأنبياء الذي يتضاعد حتى التشدد. وكلما ازدادت دقة تعرفنا على المصدر الصحيح لمعرفة روح محمد، ألا وهو القرآن، ترسخ اعتقادنا بأن محمدا آمن في صميم نفسه بحقيقة ما دعا إليه، ليستبدل بعبادة العرب الكاذبة للأصنام دينا أسمي يمنح الغبطة للمؤمن.
والملاحظ هنا تناقض ما يقوله نولدکه من ادعائه أن النبي (ص) أخذ بعض تعاليمه من مصادر شفوية وأعاد صياغتها، مع إقراره بحقيقة الوحي الذي أطلق عليه وصف: الصوت الداخلي الحازم". وقد تنامى هذا التناقض لما عبر صراحة عن صدق إيمانه (ص) برسالته، وأنه كان يستخدم وسائل سلطة القرآن في أمور لا علاقة لها بالدين، دون أن يدرك نولدکه شمولية الإسلام لكل مظاهر الحياة.
وفي معرض حديثه عن مصادر تعليم محمد (ص)، دحض نولدكه رأي شبرنغر (Sprenger)، في بحثه اليائس عن كتاب بعنوان "أساطير الأولين"، ورأي كليمان هوارد (Clement Huart) في اعتبار شعر أمية بي أبي الصلت من مصادر القرآن الكريم.
ب) رأيه في الوحي:
ذكر أولا حديث عائشة عن كيفية نزول الوحي، وتحدث عن البرحاء عند نزوله، وأيد قول المستشرق فایل "إنها نوع من الصرع والاضطراب النفسي"، وشبهها بما ورد في إنجيل متى، الفصل 2، 4 في رؤيا Esrdro. ولكنه خالف آراء فایل في قوله بتدخل شخص مخادع يلقي على النبي (ص) ما يريد، كما ينفي تأثير الراهب بحيرا في عملية التعليم. ويقول نولدکه: "فبالرغم مما وصفه بأخطائه (يعني النبي (ص) فقد كانت حياته وإنجازاته تقوم على صدق رسالته غير المحدود.
وهذا لا يعني أن نولدکه يؤمن برسالة النبي (ص) ولكنه يعتقد جازما أنه كان صادقا مع نفسه ومؤمنا برسالته ويقول إنه أعلن عن سور أعدها بتفكير واع، وبواسطة استخدام قصص من مصادر غريبة مثبته وكأنها وحي حقيقي من الله، غير أنه زعم أن النبي (ص) لم يفصل بين الروحانيات والدنيويات فقال عنه انه غالبا ما استخدم سلطة القرآن لفرض أمور لا علاقة لها بالدين وكأنه، وهو مفكر بسيط لم يتوان باستخدام وسائل مرجوحة بما يسمى بالخداع باسم الدين، وكأنه التمس له عذرا في قوله عن غيره من الأنبياء: لو عرفنا عنهم ما عرفناه عنه لفقد كثير منهم المرتبة الجليلة التي يتمتع بها.
ثم بحث كلمة "قرآن" وقال إنه لم يتأكد من أصلها، ويظن أن معناها مقطع للقراءة، ويرى أن أصلها من السريانية وكذلك كلمة "فرقان". وذكر نماذج من وقائع نزل فيها الوحي على النبي (ص) بإخباره ببعض المغيبات الظرفية كابتعاده عن الرجل الذي أراد قتله بحجر، ونزول توبة أبي لبابة. ويزيد قائلا: "إن مثل هذه الأمثلة، وهي كثيرة جدا، حتى ولو اعتبرت من قصص الخرافات، لا تترك لنا بدا من أن نتمسك بأن هذه الأحداث والأقاويل ترسم على العموم صورة صحيحة عن الأمزجة والأوضاع النفسية التي كان بها محمد (ص) ومن صفة الأنبياء كما يعلمنا تاريخ الأديان أن يكونوا على اتصال شبه دائم بالألوهية وأن يصغوا إلى ما يوحى اليهم، ليس فقط بأعمال عظيمة ومهمة، بل أيضا في أصغر أمور الحياة اليومية التي لاتحصى".
ويعترف نولدکه بأمر مهم، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام وان كان تحت تأثير إيحاءات غير قرآنية، كان له الفضل في تماسك النقل القرآني، بصفته وثيقة صادقة غير محرفة للإرادة الإلهية في مواجهة كتب اليهود والنصارى، لذا فإنه اهتم بالتشبث الخطي بما أوحي إليه به ليحفظ من الاندثار والتحريف، وهذا الاعتراف يتضمن الفروق التي لم يلاحظها المستشرق في التباين بين أسلوب الآيات القرآنية ونصوص الأحاديث سواء أكانت نبوية أم قدسية.
ج) رأيه في أسلوب القرآن، واحرفه وإعجازه:
وتحدث المؤلف عن أسلوب القرآن والعمل على توفيق آياته للقافية السجعية في أواخر الجمل وأعطى مثلا في سورتي "الرحمن" و"الواقعة " اللتان قال إنهما تحملان آثار عمل فني وأدبي ذي توزيع دقيق، واستعمال ماهر لمح سنات الأسلوب الخطابية وقياس متعمد لطول المقاطع المفردة. ومن جهة أخرى، يلاحظ نولدكه تفاوتا كبيرا وكثيرا من الحرية في ترتيب النص بحيث يستبعد وجود بنية مقاطع شعرية بالمعنى التقني للكلمة، ولكنه يقول إن القرآن خطابي الطابع أكثر مما هو شعريه.
ثم تناول حديث الأحرف السبعة زاعما أنه من اختراع علماء المسلمين لتبرير کون المجموعة الأولى من الرواية القرآنية تتضمن سبع لهجات عربية، وأن الرواية العثمانية اعتمدت لهجة واحدة هي لهجة قريش. والملاحظ أن هذا الرأي يختزل أمرين مهمين من الناحية العلمية:
أولا: أن القول باختراع حديث الأحرف السبعة يدل على عدم فحص جميع الأدلة الموضوعية لتصحيح هذا الحديث التي قاربت حد التواتر عند المحدثين غير أن المستشرقين كعادتهم يتمسكون بالآراء المسبقة عندهم دون قبول نقاش الأدلة على صحتها من عدمها. .
ثانيا: الاعتقاد أن الرواية العثمانية تقتصر على لهجة قريش ينافي البحوث اللغوية التي جرت على هذه الرواية، وما يتفرع عنها من الطرق الواردة في أحرف القراءات العشر المتواترة. كما يزعم نولدكه أنه "عليه الصلاة والسلام" كان يملي على كتاب الوحي ما يشاء، وقدم مثالا لذلك لما نزلت آية ذم القاعدين عن الحرب في سورة النساء وأتی بعض العميان واستغفروا خوفا من أن يشملهم هذا، أن النبي أمر زيد بي ثابت أن يضيف الكلمات التي يستثنى فيها المصابون بعلة جسدية، متناسيا أن أية رفع الحرج عن هؤلاء تكررت عدة مرات في القرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يضيف من تلقاء نفسه شيئا من القرآن وكأن عينه لم تقع على قوله تعالى: "وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا إيت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إلي ... قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون" (10: 15-7)
ثم تحدث نولدكه عن الإعجاز، فقال إنه ليس في النظم فحسب وإنما هو في الجوهر، إذ لا يمكن لمشركي قريش أن يدافعوا عن عبادة الأوثان بنفس الطريقة التي دافع فيها القرآن عن التوحيد وقال إن إيمان محمد كان إيمانا أصيلا تجاه قومه، وخلق لنفسه تعبيرا أصيلا عنه لم يكن في إمكانهم تقليده، وزادت حيرة أسلوبه في صعوبة ذلك بقدر غير يسير، لكن من الغريب قوله: أن تعاليم مسيلمة الكذاب وتعاليم الإسلام متشابهة إلى حد كبير، وان ثمة أمورا مشتركة بينهما مثل الحياة الأبدية، واسم الرحمن، وأحكام الصيام وتحريم الخمر والصلوات اليومية، ولكنه ذكر من آرائه تحريم الزواج بعد ولادة طفل ذكر. ويظهر مسيلمة في زعمه كثيرا من الأصالة في التعبير، وهذا من آرائه الصبيانية التي اعترف بصعوبة محوها.
يتبع
تعليق